الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باستعماله في المقتول ادعاء وإثبات القتل تخييلية، ولا يجعل القرينة مكنية.
نعم يتم الرد على السكاكي لو وجد مثال لتبعية قرينتها حالية، ولم يكن هنا ما تجعل مكنية، والتبعية قرينتها.
ومن وجوه الرد كلام من لا مساس له، فكلام السكاكي نقله الشارح وطوّل الكلام في الرد عليه في حاشية الشرح، وزاد في طول كلامه السيد السند، ولم أظن ذكره إلا إطالة وإبطالا لما هو أظهر بطالة فأعرضنا عنه شفقة على الآذان، وصيانة للأذهان.
[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]
(فصل) في شرائط حسن الاستعارة وتعينه (والمراد) بيان ما به أصل الحسن، وما يزيد في حسنها، ويدور عليه مراتب الحسن، ولا يقتصر على ما لو أهمل لخرج من الحسن إلى القبح.
(حسن كل من التحقيقية) أي: كل فرد من أفراد التحقيقية مفصلة، فقوله:(والتمثيل) تخصيص بعد التعميم لمزيد اهتمام بشأنه، كما لا يخفى، وليس المراد حسن كل من هاتين الاستعارتين، وإلا للغى ذكر التمثيلية فافهم.
(برعاية جهات حسن التشبيه)(1) سوى ما يأتي من أن لا يقوى التشبيه بحيث يتخيل الطرفان متحدين فإنه ليس من شرائط حسن الاستعارة أن توجد فيها هذه الجهة لحسن التشبيه.
وكأنه أراد الجهة المعهودة لسبقها، وهذه الجهة مما لم تسبق.
قال الشارح في تفصيل جهات حسن التشبيه: كأن يكون وجه الشبه شاملا للطرفين، والتشبيه وافيا بإفادة ما علق به من الغرض، ونحو ذلك مما سبق، وكأنه أراد ظهور الشمول أو الشمول تحقيقا، وإلا فشمول وجه الشبه مما يتوقف عليه التشبيه لا حسنه، وإنما كان الحسن برعاية جهات حسن التشبيه؛ لأنه مبنى الاستعارة فصحتها وحسنها مانعان لصحته وحسنه، وفيه نظر تأمّل تعرف.
(وأن لا يشم رائحته لفظا) ظاهره أن المراد: أن لا يشم كل من التحقيقية والتمثيل، كما في الشرح، والصحيح تفسيره بأن لا يشم شيئا منهما كما في
(1) هو أن يكون وجه الشبه ظاهر الشمول للطرفين وافيا بإفادة ما علق عليه من الغرض ونحو ذلك، وإنما اعتبر في ذلك ظهور الشمول؛ لأن أصله شرط في صحة التشبيه لا في حسنه.
المختصر، والتحقيق: أن المعنى أن لا تشم التحقيقية؛ إذ التمثيل مندرج تحتها، فلا حاجة إلى عود الكناية إليه أيضا.
وإنما قال لفظا أو التشبيه معنى مما لا بد منه، لكنه لفظا ينافي ادعاء دخول المشبه تحت المشبه به؛ لدلالته على كون المشبه به أقوى في وجه الشبه؛ ولذا قيل: ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك، فقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى، فإشمام رائحته لا يلائم الادعاء المذكور، فينقص من حسنه، فالاستعارة توجب انتفاء التشبيه لفظا، وحسنه يستدعي انتفاء الإشمام، فقولنا: رأيت بدرا في الحسن، ليس باستعارة وقوله:[قد زرّ أزراره على القمر](1) استعارة قليلة الحسن؛ لأن في ذكر المشبه إشمام رائحة التشبيه، وإن كان ليس على وجه ينبيء عن التشبيه.
كذا حققه السيد السند في شرح المفتاح، وأظن أن في التجريد أيضا إشمام رائحته، ولا يخفى أنه كما تدور الاستعارة على التشبيه، فحسنها برعاية جهات حسنه يدور على القرينة أيضا، فحسنها برعاية حسن القرينة بأن تكون في الخطاب مع الذكي غير واضحة جدا، ومع البليد في غاية الوضوح، ومع المتوسط بين بين، وكأن لم يتعرض له؛ لأنه من جهات حسن مطلق المجاز من غير اختصاص بها.
(ولذلك) أي: ولأن شرط حسنهما أن لا يشم رائحة التشبيه لفظا (لوصى أن يكون التشبيه) أي: ما به المشابهة (بين الطرفين جليا) بنفسه أو بسبب عرف أو اصطلاح (لئلا تصير) الاستعارة التحقيقية (إلغازا) أي: سبب إلغاز وتعمية أي: إخفاء يقال: ألغز فلان في كلامه إذا عمّاه أي: أخفى مراده، ومنه: اللغز والجمع: ألغاز نحو رطب وأرطاب.
وتلك الوصية مخصوصة بالتحقيقة المصرحة دون الاستعارة بالكناية كما صرح به في المفتاح: قيل ذلك لأن في المكنية تصريحا باسم المشبه، فلا يصير لخفاء وجه الشبه سبب تعمية وإلغاز، والتوصية بالجلاء أي: إلى حد لا ينتهي إلى الابتذال؛ لأن شرائط حسن التشبيه أن يكون وجه الشبه غريبا غير مبتذل،
(1) البيت لابن طبا طبا العلوي، وهو في الإيضاح (259)، والطراز:(2/ 203)، ونهاية الإيجاز:(253)، والمصباح:(129)، وصدر البيت.
لا تعجبوا من بلى غلالته
ويفهم من كون الوصية مبنية على الاجتناب عن إشمام أن وجه الشبه الخفي لا يوجب كون الاستعارة إلغازا إذا أشممت رائحة تشبيه.
(كما لو قيل: ) في التحقيقة (رأيت أسدا، وتريد إنسانا أبخر) البخر بالتحريك: النتن في الفم وغيره.
(ورأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة، وأريد الناس) تمثيل للتحقيقية والتمثيل، ولا يخص التمثيل كما يوهمه بيان الشرح؛ لأن التمثيل من التحقيقية وإنما صار إلغازا؛ لأن مشابهة الناس بالإبل المائة لا توجد فيها راحلة في عزة وجوده مرضي منتخب، فيما بينهم خفية غير واضحة، بحيث لو ترك التشبيه لفظا انتقل الذهن إليه من ذكر المشبه به؛ ولذا صرح النبي صلى الله عليه وسلم بالتشبيه فقال:
«الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة» (1) وفي رواية «تجدون الناس كالإبل المائة ليست فيها راحلة» .
الراحلة: البعير يرتحله الرجل جملا كان أو ناقة، أي يحط عليه رحله، وقوله: كالإبل مفعول ثان ليجدون، وقوله: ليست فيها راحلة: حال أو جملة مستأنفة.
(وبهذا ظهر أن التشبيه أعم محلا) أي: أعم بحسب التحقق لا بحسب الصدق؛ إذ لا يصدق التشبيه على الاستعارة، ولا الاستعارة عليه.
ونبه على إرادة العموم بينهما بحسب التحقق بقوله: «محلا» والأعم إذا أطلق ينصرف إلى الأعم المطلق، ولم يظهر بما سبق إلا افتراق التشبيه عن الاستعارة، ولا يظهر به مع ضميمة ما هو ظاهر من اجتماع التشبيه والاستعارة أنه أعم من الاستعارة، ما لم يظهر أن الاستعارة لا تفارق التشبيه، وهو لم يعلم، بل سيعلم خلافه من أنه قد تتعين الاستعارة، ولا يصح التشبيه فبينهما عموم من وجه.
وليس لك أن تحمل العموم عليه؛ لأنه خلاف العبارة، ومع ذلك لم يظهر مما سبق، وليس للأعم معنى أعم منهما، حتى يحمل عليه؛ إذ ظهر بما سبق أحد العمومين. ولما في عبارته هذه من الخلل غيّره في الإيضاح إلى قوله: وبهذا ظهر أنهما لا يجيئان في كل ما يجيء فيه التشبيه.
(1) أخرجه البخاري في الرقائق، ومسلم في فضائل الصحابة.
(ويتصل به) أي: بما ذكر من جهات حسن التشبيه تعيين الاستعارة، وإن كان بينهما تفاوت، فناسب جمعهما في فصل واحد.
وقال الشارح أي: يتصل بما ذكر من تعيين التشبيه إذا خفي الشبه أنه تتعين الاستعارة؛ إذا قوي الشبه.
هذا وفاعل قوله: «ويتصل به» (أنه إذا قوي الشبه بين الطرفين حتى اتحدا كالعلم والنور، والشبهة والظلمة لم يحسن التشبيه وتعيين الاستعارة)(1) لئلا يصير كتشبيه الشيء بنفسه أو لا يفوت ما أوجبه البلوغ إلى مرتبة الاتحاد من جنس الادعاء، فإذا فهمت مسألته تقول: في قلبي نور، ولا تقول: في قلبي ما هو كالنور، وإذا وقعت في شبهة تقول: أنا في ظلمة، ولا تقول: كأني في ظلمة.
ومن هذا علم أن من فوائد الاستعارة الاحتراز عن تهمة تشبيه الشيء بنفسه ألا ينحصر الغرض منه في المبالغة في التشبيه.
(والمكنى عنها كالتحقيقية) في أن حسنها برعاية جهات التشبيه، لا في أن لا تشم رائحة التشبيه لفظا؛ لأنه تشبيه مضمر في النفس، فلا ينافي رائحة التشبيه.
نعم ينبغي أن نتحاشى عما يوجب ظهور التشبيه.
(و) الاستعارة (التخييلية حسنها بحسب حسن المكنى عنها)؛ لأنها لا تكون إلا تابعة للمكني عنها عند المصنف؛ فلهذا لم يقيد هذا الحكم بقولنا: إن كانت تابعة لها كما قيده صاحب المفتاح؛ لأنه جوّز وجود المكنية بدون الاستعارة بالكناية، ولم يلتفت إلى بيان جهة حسنها إذا لم يكن تابعة لها لقلته كما صرح به؛ حيث قال: وقلما يحسن الحسن البليغ غير تابعة لها.
وينبغي أن يكون حسن الاستعارة التخييلية باعتبار ظهور اختصاصها بالمشبه به، وباعتبار قوتها فيه.
وينبغي أن يكون ما به قوام وجه الشبه أحسن مما به كماله.
قال الشارح: ولقائل أن يقول: لما كانت التخييلية عنده استعارة مصرحة مبنية على التشبيه، فلم لم يكن حسنها برعاية جهات حسن التشبيه أيضا، كما
(1) يعني بتعينها استحسانها؛ لأن التشبيه يجوز في هذا مع حسن الاستعارة فيه.