الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفترس من الحيوان، وعلى الثاني بقوله:(والعطر وخلق كريم) إما بإضافة الخلق إلى الكريم، كما في الشرح، لكن لا بتقدير رجل كريم كما فيه، إذ لا وجه للتخصيص، بل بتقدير شخص كريم، وإما بالوصف فيكون من قبيل عيشة راضية، فالعطر وهو الطيب مشموم، والخلق وهو كيفية نفسانية تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير سبق رؤية عقلي، ونبه بتقديم الأول على كثرته، كما نبه عليها المفتاح بتمثيل الأول بثلاثة أمثلة، وتمثيل الثاني بواحد، وكأن وجه قلته أن المحسوس أصل للمعقول ينتزعه منه العقول؛ ولذلك قيل: من فقد حسا فقد فقد علما، يعني المستفاد من ذلك الحس، فتشبيه المحسوس بالمعقول جعل الفرع أصلا، والأصل فرعا، وهو مستهجن (1)؛ ولذلك لو حاول محاول المبالغة في وصف الشمس بالظهور، والمسك بالطيب فقال: الشمس كالحجة في الظهور، والمسك كخلق فلان في الطيب، كان سخيفا من القول، وهذا سر نحوي يعلل به الواقع ويزين به اللغة، فلا يسمع فيه ما يناقش به من أنّ الأهم عدم جواز جعل الفرع أصلا لجواز كون الفرع من وجه أصلا، ولو سلم فليس كل محسوس أصلا لكل معقول فليشبه محسوس بفرع محسوس آخر، وما يمكن أن يناقش به من أن المحسوس ما هو الخيالي، وليس أصلا للمعقولات وأن سخافة المثالين المذكورين؛ لأن المشبه أظهر وأعرف.
نعم لا يتم التمسك به في عدم الجواز، كما فعله من ادعاه، ولا في عدم الجواز، إلا بعد جعل المعقول كالمحسوس كما فعله البعض غاية الأمر أن جعله كالمحسوس أبلغ.
[والمراد بالحسي]
ولما كان المشهور من الحسي ما أدرك بتعلق الإحساس بنفسه، وبالعقلي ما لا يكون للحس الباطن مدخل فيه والمتبادر إلى الوهم جعل المحسوس المخترع داخلا في المحسوس، احتاج إلى تفسير الحسي والعقلي، فقال:(والمراد بالحسي المدرك هو أو مادته بإحدى الحواس) جمع حاسية، وهي كالحساس مشتقة من الإحساس على خلاف القياس (الخمس الظاهرة) تقييد الحواس بالظاهرة يشعر بالقول بالحواس الباطنة، وجعل الوجدانيات داخلة في العقلي ناسب إنكارها
(1) قال الرازي: «إنه غير جائز؛ لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها» .
اتباعا لمذهب المتكلمين، وحمل الظاهر على المستغنية عن البيان، وإن كان دقيقا لطيفا مشارا إليه بالبنان، لكنه بعيد كالمخالف (فدخل فيه) أي: في الحسي بسبب زيادة أو مادته في تفسيره. الخيالي وهو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها مما يدرك بالحس.
فإن قلت: لو فسر الحسي بما لو أدرك لأدرك بإحدى الحواس الظاهرة، لكان أقرب إلى الفهم وأنسب؛ لأن جعل الوهمي في قرن الخيالي أنسب من جعله في قرن العقلي.
قلت: إنما يكونان في قرن لو لم يتفاوتا بكثرة تشبيه المحسوس بالخيالي، وقلة تشبيهه بالوهمي كتشبيهه بالعقلي، وأما إذا كان كذلك فهو في قرن العقلي (كما في قوله:
[وكأنّ محمرّ الشّقيق) وصفه بالمحمر مبالغة في حمرته؛ لأن الإفعلال للمبالغة، فليس وصف الشقيق به، وهو ورد أحمر لغوا يريد به شقائق النعمان- بضم النون- أضيف إلى النعمان بمعنى الدم أو إلى نعمان بن المنذر؛ لأنه انتهى إلى أرض فيها من الشقائق ما أعجبه، وقال: ما أحسن هذه الشقائق احموها.
وكان أول من حماها، لا إلى نعمان بالفتح وهو واد في طريق الطائف، يقال له: نعمان الإدراك، وكأنه رد الشاعر الشقائق إلى المفرد لضرورة الشعراء؛ إذ لم يوجد الشقيق بمعنى الشقائق، بل الشقائق للواحد والجمع.
فإن قلت: هذا الوزن مما لا نظير له في الآحاد، ولو كان الشقائق للواحد لوجد له نظير في الآحاد.
قلت: ذكر في القاموس أنه سميت بالشقائق تشبيها لها بشقيقة البرق، وهي ما انتشر منه في الأفق، هذا فهو في الأصل جمع سمي به هذا الورد لاشتماله على أوراق، كل ورق، كل ورق منه كشقيقة. (إذا تصوّب) أي: مال إلى السفل (أو تصعّد) أي: مال إلى العلو، قيد المشبه بهذا القيد؛ لأن أوراق الشقائق ليست على هيئة العلم من غير ميل إلى السفل والعلو.
(أغلام) جمع علم، وهو ما يشد فوق الرمح (ياقوت نشرن على رماح) جمع