الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[والتشريع]
(ومنه التشريع) ويسمى الترشيح، وذا القافيتين أيضا (وهو بناء البيت على قافيتين) لا يخفى أن معنى بناء البيت على قافيتين أن يكون البيت بحيث يتم عندي قافية وقفت، فلذا اكتفى بقوله: يصح المعنى عند الوقوف على كل منهما، أي القافيتين، ولم يقل يصح المعنى والوزن. وقال الشارح لفظ القافيتين أغنى عنه، إذ القافية لفظ في آخر البيت، فلو لم يصح الوزن لم يكن قافية (كقوله) أي الحريري [يا خاطب] من خطب المرأة خطبا [الدّنيا الدّنيّة] أي الخسيسة [إنّها شرك] هو الحبالة للصيد [الرّدى] الهلاك [وقرارة] مقر [الأكدار](1) جمع كدر كفرس بمعنى الكدورة أو كدر ككتف بمعنى الصفة، فلهذا البيت قافيتان إحديهما كالردى، والثانية دار، وعلى أيهما وقفت يصح معنى البيت، وبناء البيت على قافيتين أقل ما يجب في الترشيح، ولا يقتصر عليه كما يشعر به التسمية بذا القافيتين، ونظيره الكلام ما يضمن كلمتين في وجه، وإذا تنازع الفعلان ومثله غير عزيز في كلامهم، على أنه قال الشارح في المختصر: إن البناء على أكثر قليل متكلف.
[ومنه لزوم ما لا يلزم]
(ومنه: لزوم ما لا يلزم) ويقال له الالتزام والتضمن والتشديد والإعنات أيضا، لما أن المتكلم شدد على نفسه، وأوقعه في العنت أي المشقة (وهو أن يجيء قبل حرف الروى) فسر بأنه حرف تبنى عليه القصيدة، وينسب إليه فيقال: قصيدة لامية، أو نونية، هذا ولا تخص القصيدة بل حقيقة في كل شعر، والأولى يبنى عليه الشعر، يقال ماء روى أي كثير مرو، فالشعر يرتوي عنده عن التأليف والتركيب، أو المتكلم به يرتوي به عنده عن التكلم، وهذا أولى من قول الشارح: لأن البيت يرتوي عنده؛ لأنه لا يظهر ما يرتوي عنه البيت عنده إلا أن يتكلف، يقال يرتوي عن الامتداد، وهذا هو الوجه في التسمية، وأما جعله من رويت البعير بمعنى شدت عليه الرداء بكسر الراء وهو الحبل الذي يجمع به الأحمال أو من رويت الحبل أي فتلته، لأن الفتل يجمع بين قوى الحبل أي طاقاته، كما أن الروى يجمع بين الأبيات كما قال الشارح المحقق-
(1) البيت للحريري في مقاماته: 192، والمصباح: 176، وبعده:
دار متى أضحكت في يومها
…
أبكت غدا تبا لها من دار
غاراتها لا تنقضي وأسيرها
…
لا يفتدى بجلائل الأخطار
تكلف؛ لأنه لم يثبت الروى منه بهذين المعنيين، فيحتاج أن يقال هذا اسم مصنوع في الفن لهذا العمل، والقول بصنعه مع وجوده في اللغة تكلف لا ذهاب إليه، وكذا ما يمكن أن يقال إنه من روى الحديث؛ لأنه يروي كل بيت عنده حال آخر الأبيات، أو من الروية لأن الشاعر يتفكر أولا ويجمع كلمات فيه روى الأبيات، ثم يقدم على نظم الأبيات.
(أو ما في معناه) عطف على حرف الروى أي ما في معنى حرف الروى من الفاصلة، أي من حروف الفاصلة، وجعلها الشارح من إطلاق اسم الكل على الجزء، هذا إذا جعل من بيانية كما يتبادر في أمثاله، ولو جعلت تبعيضية فلا حاجة إلى شيء من التكلفين.
(ما ليس بلازم في السجع) هو فاعل يجئ، ولا يخفى أنه لو يجئ مرة في بيتين من أبيات القصيدة، ولم يلزم لبس لزوم ما لم يلزم، فالصحيح أن يلتزم بدل قوله يجئ، إلا أن يقال قصد بالمضارع الاستمرار العرفي، فتأمل. والمراد بالسجع الكلام المقفى سواء كان سجعا أو شعرا وقد مضى بهذا المعنى غير مرة، فلا يرد أنه كان ينبغي أن يقول ما ليس بلازم في الشعر أو السجع، وأما دفع الشارح ذلك بأن المراد أن يجئ ما ليس بلازم لو جعل الفاصلتين أو القافيتين سجعتين، ففيه أن تحسين الشعر ليس لالتزام ما لا يلزم فيه، لو جعل سجعة؛ بل لالتزام ما ليس بلازم في الشعر، ولذا فسروه بأن يلتزم المتكلم في السجع والتقفية ما ليس بلازم، من مجيء حركة مخصوصة أو حرف بعينه أو أكثر على ما نقله في الشرح في آخر هذا المبحث، فإن قلت: قد مر في بحث الإرصاد استعمال الروى بمعنى الذي يبتني عليه أواخر الأبيات أو الفقر، فلا حاجة إلى قوله: أو ما في معناه من الفاصلة! ! قلت كان ما مضى تجوزا نبه عليه في هذا التعريف، واعلم أن لزوم ما لا يلزم يتحقق في بيت، إذا كان قافية المصراع الأول كقافية المصراع الثاني، فما قال الشارح: المراد أن يجئ ذلك في بيتين أو أكثر أو قرينتين أو أكثر، محل بحث.
(نحو فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(1) مثال لما في معنى
(1) الضحى: 9، 10.
الروى قدمه لأنه أحوج إلى التوضيح، أو لأن تعامل المثال المثل به في الجملة أو لكونه قرآنا، فالراء بمنزلة الروى، جيئ قبلها بالهاء المفتوح في الفاصلتين، وشيء من الفتحة والهاء لا يلزم في السجع ليتحقق السجع بين تظفر وتسخر، وبين تبصر وتغفر، قال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (1)(ونحو قوله: [سأشكر عمرا] ممدوحه [إن تراخت منيّتي] وفي سأشكر عمرا التراخي المنية لطيفة، وإن لا يفي صورة الكتابة بحمله على شكر العمر والبقاء [أيادي] بدل من عمرا، ولو جعل بدل الكل مبالغة في أيادي عمر كأنه عين الأيادي الموصوفة لكان لطيفا [(لم تمنن)] أي لم تعط أو لو لم تخلط بمنه والمن في أصل اللغة قطع الحبل ففي نفي المن إشعار بأنها في الاتصال كالحبال أو لم تعط قبل [(وإن هي جلّت)] يحتمل الوصل بالشكر أي سأشكر وإن هي عظيمة، وشكر عظيم النعم مشكل جدا، وفيه شيء، وهو فرض عدم جلالة أيادي الممدوح والوصل بعدم القطع، أو عدم الخلط أو عدم الإعطاء لأحد من قبل، وفيه أيضا وصمة العرض المذكور، ولا في الاحتمال الأخير لأن هي في راجعة إلى أياد أعطيت قبل، فلما بالغ في أيادي عمرا كأنه مثل عنه فأجاب بقوله:[(فتى)] أي هو فتى أي شاب، اتصف بهذه الصفات الكريمة واجتماعها مع الشباب أعزب أو ستحى كريم فإن النبي جاء بهذا المعنى أيضا [(غير محجوب)] ممنون [(الغنى)] ضد الفقر أي لا يحجب ماله [عن صديقه] إذ لا يحجبه الغنى وتكبره عنه، فعلى الثانية الإضافة معنوية، أي ينتفع صديقه عن ماله كمال الانتفاع [ولا مظهر] اسم فاعل على ما هو المشهور، والأنسب بالمحجوب جعله اسم مفعول مضافا إلى مرفوعه الذي هو [الشّكوى إذا النّعل زلّت] أي زلت به، يقال في الكناية عن يزول الشر وامتحان المرء زلت به القدم وزلت به الفعل أي لا يظهر الشكوى إذا نزل به البلاء، بل يصبر، فالمعنى أن الصديق ينتفع لمنافعه ولا يتضرر بمضاره أصلا، حتى لا يحزن بها، لأنه يخصها ولا يظهرها، ذلك إن تجعل إذا النعل زلت عبده عن حال الصديق، يعني زلت، النعل بالصديق، وابتلى الصديق، أي لا يظهر الشكوى عن الابتلاء بإصلاح حاله وثقل التعب في دفع وباله، والأبلغ تعميمه، ولو جعل ولا مظهر الشكوى
(1) القمر: 1، 2.
على صيغة المفعول وزلة النعل للصديق، يعني لا يظهر الصديق شكواه عنده عند ابتلائه لعدم الحاجة، لأنه إكمال مراعاة حال صديقه لا يحوج الصديق إلى إظهار الشكوى لكان شديد الارتباط بما بعده، وإن كان في فهم هذا المعنى عنه نوع خفاء فتأمل.
([رأى خلّتي]) هي بالفتح الحاجة والفقر، وفي المثل الخلة تدعو إلى السلة أي السرقة، فاحملها على أي المعنيين شئت ([من حيث يخفى مكانها]) خفاء مكان الشيء مبالغة في خفائه أو المراد بمكانها وجودها، يعني لكمال ترقب حالي يرى حاجتي في موضع أخفها فيه عنه (فكانت قذى) كعلي ما يدخل في العين وتتأذى به [العين]، قال الشارح يعني يكون كالداء الملازم له (حتّى تجلّت)(1) بحسن اهتمامه، هذا ويحتمل أن يكون كونه قذى عينيه أنه لا يغفل عنه، ويكون عيناه مشغولين به، كما لا تعقل عن قذاة، فالروى هو التاء، والتزم قبلها اللام المشددة المفتوحة، وهو ليس بلازم في الشعر، بل تتم نزلت ومدت وغيره، فالملتزم ثلاثة أشياء لا يلزم شيء منها، الفتحة واللام والتشديد، فقول الشارح:
في البيت نوعان من لزوم ما لا يلزم قاصر، قال المصنف في الإيضاح: وقد يكون ذلك في غير الفاصلتين أيضا، كقول الحريري:[وما اشتار] أي أخرج العسل [من اختار الكسل] يعني يلحق في التحسين للزوم ما لا يلزم، التزام ما ليس بلازم في غير الفاصلتين، كالتزام التاء في اختار واشتار، ولم يرد أنه داخل في لزوم ما لا يلزم، وكيف والمراد بالوقوع قبل حرف الروى وقوعه بلا فاصلة، وإلا لم يكن للتقييد به فائدة بل ينبغي أن يقال في تفسيره: هو أن يجئ في الفقرة أو البيت ما ليس بلازم في السجع، إلا أن يقال مقصوده الاعتراض على تعريف القوم، والتنبيه على ما صرح عنه لتعريف حاله من الاختلال، ولا لفوت ما خرج عنه.
(وأصل الحسن) لا مجرد له (في ذلك) الضرب من المحسنات أعني اللفظي ولذلك أفرد ذلك ولم يقل في ذينك، وبها أكد ذلك بكله لئلا يوهم اختصاص
(1) سبق البيتان الأولان في الكلام على حذف المسند إليه. والخلة: في البيت الثالث الحاجة، والقذى:
الرمد، وقوله:«تجلت» بمعنى انكشفت، والشاهد في التزامه اللام المشددة والفتحة قبلها في الأبيات الثلاثة.