المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وباعتبار اللفظ قسمان] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ٢

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌(الفصل و‌‌الوصل)

- ‌الوصل)

- ‌[والفصل]

- ‌[فشرط كونه مقبولا بالواو]

- ‌[فى بيان «كمال الانقطاع»]

- ‌[وأما كمال الاتصال]

- ‌[وأما كونها كالمنقطعة عنها]

- ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

- ‌ الجامع بين الشيئين)

- ‌[محسنات الوصل]

- ‌[والإيجاز ضربان]

- ‌[إيجاز القصر]

- ‌[وإيجاز حذف]

- ‌[وأدلة الحذف]

- ‌[الإطناب]

- ‌[ومنه باب نعم]

- ‌[ومنه التوشيع]

- ‌[وإما بذكر الخاص بعد العام]

- ‌[وإما بالتكرير]

- ‌[وإما بالإيغال]

- ‌[وإما بالتذييل]

- ‌[وإما لتأكيد مفهوم]

- ‌[أو بالتكميل]

- ‌[أو بالتتميم]

- ‌[أو بالاعتراض]

- ‌[وإما بغير ذلك]

- ‌[الفن الثاني علم البيان]

- ‌[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]

- ‌ التشبيه

- ‌[أركانه]

- ‌ وأقسامه

- ‌[إما حسيان أو عقليان إو مختلفان]

- ‌[والمراد بالحسي]

- ‌[والعقلي]

- ‌[وما يدرك بالوجدان]

- ‌[وجه التشبيه]

- ‌[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]

- ‌[أو عقلية كالنفسية]

- ‌[وإما إضافية]

- ‌[وأيضا إما واحد]

- ‌[أو متعدد]

- ‌[والعقلي أعم]

- ‌[والمركب الحسي فيما طرفاه مفردان]

- ‌[أو مركبان]

- ‌[أو مختلفان]

- ‌[ويجوز التشبيه أيضا]

- ‌[إما تشبيه مفرد بمفرد]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمركب]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمفرد]

- ‌(وباعتبار وجهه)

- ‌(إما تمثيل أو غير تمثيل)

- ‌[إما مجمل او مفصل]

- ‌[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]

- ‌[وإما لكثرة التفصيل أو لقلة تكريره]

- ‌[وباعتبار أداته]

- ‌[وباعتبار الغرض]

- ‌(خاتمة)

- ‌[وأعلى مراتب التشبيه]

- ‌(الحقيقة والمجاز)

- ‌[والوضع تعيين اللفظ]

- ‌[والمجاز مفرد ومركب]

- ‌[والمجاز المرسل]

- ‌[الاستعارة واقسامها]

- ‌ وقرينتها

- ‌[وهي باعتبار الطرفين قسمان]

- ‌[وباعتبار الجامع قسمان]

- ‌[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

- ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

- ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

- ‌(فصل) الأقوال في الاستعارة بالكناية ثلاثة:

- ‌[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]

- ‌[فصل: عرف السكاكي الحقيقة]

- ‌[وعرف المجاز اللغوي]

- ‌[وقسم المجاز الى الاستعارة وغيرها]

- ‌(وفسر التحقيقية

- ‌[وفسر التخيلية]

- ‌[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌[فصل: قد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم إعرابها]

- ‌وذكر الشارح المحقق له وجهين:

- ‌(الكناية)

- ‌[وهي ثلاثة أقسام]

- ‌[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]

- ‌([الفن الثالث] علم البديع)

- ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

- ‌[من المحسنات المعنوية]

- ‌[ومنه مراعاة النظير]

- ‌[ومنه الإرصاد]

- ‌[المشاكلة]

- ‌[(ومنه: المزاوجة)]

- ‌[التورية]

- ‌[الاستخدام]

- ‌[اللف والنشر]

- ‌[ومنه التجريد]

- ‌[ومنه المبالغة المقبولة]

- ‌[ومنه المذهب الكلامي]

- ‌[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

- ‌[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]

- ‌[ومنه الاستتباع]

- ‌[ومنه الإدماج]

- ‌[ومنه التوجيه]

- ‌[ومنه متشابهات القرآن]

- ‌[ومنه الهزل وتجاهل العارف]

- ‌[ومنه القول بالموجب]

- ‌[وأما اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين]

- ‌[فإن كانا من نوع واحد كاسمين سمي تماثلا]

- ‌[وإن كانا من نوعين سمي مستوفي]

- ‌[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]

- ‌[وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرزا]

- ‌[وإن اختلفا في أعدادها يسمى ناقصا]

- ‌[وإن اختلفا في أنواعها فيشترط ألا يقع]

- ‌[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]

- ‌[ومنه السجع]

- ‌[ومن السجع ما يسمى التشطير]

- ‌[ومنه الموازنة]

- ‌[ومنه القلب]

- ‌[والتشريع]

- ‌[ومنه لزوم ما لا يلزم]

- ‌(خاتمة)

- ‌(في السرقات)

- ‌ الظاهر

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]

- ‌[وأما غير الظاهر]

- ‌[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

- ‌[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

- ‌[أحدها: الابتداء]

- ‌[ثانيها: التخلص]

- ‌[ثالثها: الانتهاء]

الفصل: ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

الاستعلاء الحسي، وهو في المتكبر خيالي، وفيه: أن وجه الشبه يجب أن يكون في المستعار منه أقوى.

[وباعتبار اللفظ قسمان]

(وهما عقليان، والاستعارة باعتبار اللفظ) أي: باعتبار لفظها (قسمان) وهذا التقسيم باعتبار لفظ الاستعارة بخلاف التقسيمات السابقة، فإنها باعتبار معنى الاستعارة، فإن التقسيم باعتبار الطرفين مثلا راجع إلى معنى الاستعارة، فإنه تارة باعتبار أن معنى الاستعارة لا تجامع المستعار منه، وقس عليه، وإنما جعل هذا التقسيم باعتبار اللفظ مع أنه يمكن باعتبار المعنى بأن يقال المستعار منه إن لم يشتمل على النسبة إلى الفاعل، ولم يكن مما اعتبر معه وصف، ولم يكن معنى حرفيا فأصلية، وإلا فتبعية طلبا للاختصار، ولأن بحثهم عن اللفظ فاعتبار نفس اللفظ في التقسيم أنسب بحالهم، فلا يتجاوز عنه ما أمكن؛ (لأنه) أي:

اللفظ (إن كان اسم جنس) اسم الجنس في عرف النحاة لا يشمل أسامة، ويشمل الأسماء المشتقة فلا يصح أن يقصد هنا ما هو عرفهم؛ لظهور أن أسامة يرمي استعارة أصلية، والحال ناطقة استعارة تبعية، فلذا قال السيد السند والشارح المحقق في شرح «المفتاح»:«يريد صاحب المفتاح باسم الجنس اسما لمفهوم غير مشخص، ولا مشتملا على تعلق معنى بذات، فيدخل فيه نحو: رجل وأسد وقيام وقعود، ويخرج عنه الأسماء المشتقة من الصفات وأسماء الزمان والمكان والآلة» .

قال الشارح وتبعه السيد: المراد باسم الجنس أعم من الحقيقي والحكمي أي:

المتأول باسم الجنس ليتناول نحو: حاتم، فإن الاستعارة فيه أصلية وفيه نظر؛ لأن الحاتم مأول بالمتناهي في الجود فيكون متأولا بصفة، وقد استعير من مفهوم المتناهي في الجود لمن له كمال جود، فهو كاستعارة شيء من مفهوم مشتق لمفهوم مشتق، فلا يصلح شيء من المشبه والمشبه به؛ لأن يعتبر التشبيه بينهما بالأصالة فيبغي أن يعتبر التشبيه بين المعنيين المصدريين، ويجعل الحاتم في حكم المشتق فيكون ملحقا بالاستعارة التبعية دون الأصلية.

(فأصلية) أي: فاستعارة أصلية؛ لأنها ليست تابعة لأمر آخر أو لأنها أصل للاستعارة التبعية (كأسد، وقتل) مثالان لاسم الجنس أو للاستعارة على تقدير

ص: 274

استعمالهما في الرجل الشجاع والضرب الشديد.

(وإلا) أي: وإن لم يكن اللفظ اسم جنس (فتبعية) أي: فالاستعارة تبعية، والتمثيل بقوله:(كالفعل وما يشتق منه) كما سبق، وقوله: ما يشتق منه عدول عن قول المفتاح: والصفات؛ لعدم تناول الصفات لاسم الزمان والمكان والآلة بالاتفاق، وتعريف الصفة: بما دل على ذات مبهمة في غاية الإبهام باعتبار معنى هو المقصود لا يتناولها لأنها امتازت عن اسم الزمان والمكان والآلة بإبهام الذات، فإن الذات المعتبرة في تلك الثلاثة لها تعين المكانية والزمانية والآلية.

كذا قالوا: ولا يبعد أن يقال: المعنى ما قام بالغير، والمتبادر منه أن يقوم بالذات المذكورة فامتازت الصفة بهذا الوجه أيضا من هؤلاء الأسماء، وفيه نظر؛ إذ يجوز أن يكون ما وضع له اسم المكان ذاتا يفعل فيها، وكذا اسم الزمان ويكون ما وضع له اسم الآلة ذاتا يفعل بها، وكأنهم لهذا صرحوا بأن تعريف الصفة هذا غير صحيح؛ لانتفاضه بهؤلاء الأسماء على ما نقله الشارح، وبهذا ظهر أن تشنيع السيد السند على دعوى الانتقاض ليس في موقعه.

وأما إنكاره عليه تصريحهم بالانتقاض، ودعوى أن الانتقاض زعم منه، والنسبة إليهم فرية بلا مرية فاجتراء ودعوى إحاطة بالنفي.

وهذا كلام وقع في البين فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: الاستعارة الأصلية كالتبعية بحسب التقسيم العقلي قسمان، فالأصلية استعارة اسم جنس لغير مشتق، أو حرف، واستعارته لأحد الأمرين.

والتبعية استعارة مشتق، أو حرف لمشتق، أو حرف، واستعارة أحدهما تغيرهما، والواقع من كل من التقسيمين قسمة الأول؛ وذلك لأن اعتبار الاستعارة في المصدر أو المتعلق يقتضي أن يكون لكل من المستعار منه وله مصدر أو متعلق.

(والحرف)(1) فالقوم زعموا أن استعارة المشتقات باعتبار استعارة المصدر لمعنى مصدري، والاشتقاق من المستعار فيلزم الاستعارة في المشتق بحكم سراية

(1) لأن الأفعال والمشتقات غير متقررة، والحروف غير ثابتة في نفسها.

ص: 275

استعارة المأخذ من غير تشبيه لمعنى المشتق لشيء، ومن غير استعارة المشتق.

واستعارة الحرف لما يستعار باعتبار استعارة لفظ جعل الواضع معناه آلة لوضع الحرف لمعانيه الغير المتناهية كالعلية، فإنه وضع اللام لكل علّية مخصوصة ملحوظة بين علة ومعلول بملاحظتها بمفهوم العلية، فإنه وضع اللام فيستعار لفظ العلية لمفهوم ترتب شيء على شيء لتشبيه الترتب بالعلية فتسري تلك الاستعارة في استعارة اللام من العلية المخصوصة الملحوظة بين علة ومعلول؛ لترتب مخصوص كذلك.

وهذا هو المراد بمتعلق معنى الحرف؛ حيث قالوا: اعتبر الاستعارة أولا في متعلق الحرف، وهذا مشكل جدا؛ إذ لا يخفى على مستعير لمشتق أو حرف أنه لا يتكلم أولا بالمصدر أو متعلق الحرف، ولا يستعير شيئا منهما، وهذا هو الذي يليق بالسكاكي أن يجعله وجها لرد التبعية إلى المكنية.

والذي دعاهم إلى هذه الدعوى على ما نقله الشارح عنهم أن الاستعارة تعتمد التشبيه، والتشبيه يقتضي كون المشبه موصوفا بوجه الشبه أو بكونه مشاركا للمشبه به في وجه الشبه، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق أي: الأمور المتحققة المتقررة الثابتة، كقولك: جسم أبيض، وبياض صاف، دون معاني الأفعال والصفات المشتقة؛ لكونها متجددة غير متقررة بواسطة دخول الزمان في مفهومها أو عروضه لها، ودون الحرف، وهو ظاهر، وأما لموصوف في نحو شجاع باسل، وجواد فياض، وعالم نحرير فمحذوف أي رجل شجاع.

واعترض عليه بوجوه بعضها مصرح به في الشرح، وبعضها مرموز، أوضحه فيما نقله عنه في الحواشي وهي أن الزمان نفسه يقع موصوفا، فيقال: زمان طويل، وكذا غيره من الأمور الغير المتقررة كالحركة، وأن المدعي أن الحروف والأفعال لا تقع مشبها بها، ومقتضى الدليل هو أنه: يمتنع وقوعها مشبهة، فلا ينطبق الدليل على المدعى، وأن الدليل لا يتناول أسماء الزمان والمكان والآلة، لأنها تقع موصوفات، فيقال: مقام واسع، ومجلس فسيح، ومنبت طيب، والاستعارة فيها تبعية، وإن خصصوا المشتقات بالأفعال والصفات إذ لا شك في أنا إذا قلنا:

بلغنا مقتل فلان، أي الموضع الذي ضرب فيه ضربا شديدا، كان المعنى على

ص: 276

تشبيه ضربه بالقتل. هذا وفي عدم تناول دليلهم اسم الزمان نظر، لظهور دخول الزمان في مفهومه، وقد اندفع الاعتراض الثاني بما حققناه لك من أن المستعار له في الاستعارة التبعية يجب أن يكون من جنس المستعار منه فيكفي في إيجاب الاستعارة التبعية في الأفعال والحروف دعوى أنها تقع مشبهة كما هو مقتضى الدليل حتى ينطبق الدليل على المدعي.

ولا يذهب عليك أنه كما لا يصلح المعنى الغير المستقل يجعله محكوما عليه لا يصلح لكونه مفعولا ولا مجرورا، وأنه إذا حكم على المشبه بكونه مشاركا للمشبه به لا بد أن يجعل مدخول الكاف، أو مفعول المشاركة، فلا تصلح الحروف لكونها مشبهة بها وأن لا يصلح الفعل أيضا لكونه مفعولا به أو مجرورا بحرف الجر فيتم بهذا الوجه أيضا امتناع استعارتها أصالة. ودفعه السيد السند بأن التشبيه يستلزم أولا كون المشبه موصوفا بوجه الشبه والمشاركة للمشبه به فيه، ويلزم منه تبعا وصف المشبه به بالمشاركة للمشبه.

وزاد في وجوه النظر أنه يصح جعل الصفات محكوما عليها، لأن المعتبر فيها حدث ونسبة وذات ما من حيث نسب إليه ذلك الحدث نسبة تقييدية غير مقصودة بالأصالة من العبارة، وامتزجت تلك الأمور بحيث صارت كشيء واحد، فجاز أن يلاحظ تارة جانب الذات أصالة فيجعل محكوما عليها، وتارة جانب الوصف فيجعل محكوما بها.

هذا ولا يخفى أن جعل الصفة محكوما عليها بملاحظة ما سبق عليه مفهومها وجعلها محكوما بها باعتبار نفس مفهومها كما في سائر المفهومات الكلية ودوران الحكم عليه وبه على الذات المعتبر فيه، والحدث المعتبر فيه كما ذكره غير ظاهر.

ولك أن تمنع منافاة عدم التقرر للوصف الضمني ويرد سوى ما ذكره الشارح أمور:

أحدها: أنه وصف في هذا الدليل معاني الأفعال والصفات بكونها متجددة غير متقررة إلى غير ذلك فلا يكون عدم الثبوت مانعا عن الوصف.

وثانيها: أنه لا معنى لكون البياض متقررا حين التعبير عنه بلفظ البياض عنه غير متقرر حين التعبير عنه بالأبيض.

ص: 277

وثالثها: أن معاني المصادر أيضا معروضة للزمان، وأيضا لم يظهر وجه عدم تحقق معاني الحروف التي لم يدخل فيها زمان ولم يعرض لها أيضا.

ثم قال الشارح: فالأولى أن يقال: إن المقصود الأهم في الصفات وأسماء الزمان والمكان والآلة، هو المعنى القائم بالذات، لا نفس الذات، وهو ظاهر، فإذا كان المستعار صفة أو اسم مكان مثلا ينبغي أن يعتبر التشبيه فيما هو المقصود الأهم، وكأنه أراد أولى ما يمكن أن يقال مبالغة في قوة هذا الوجه ولم يرد الإشارة إلى إمكان تصحيح ما ذكره القوم، لأنه ظاهر الفساد.

ونحن نقول: الأولى أن يقال ما سوى المعنى المصدري مشترك بين المعنى الحقيقي والمجازي في المشتقات، فلا استعارة عند التحقيق، إلا من معنى مصدري إلى معنى مصدري، فالأحق بالاعتبار أن يعتبر هذه الاستعارة في المصدر إخراجا لما لا دخل له في الاستعارة عن الاستعارة. أو يقال: اعتبر الاستعارة في المصادر ليكون تحصيل مجازات المشتقات بالاشتقاق كتحصيل حقائقها، ويكون التناسب بين المجازات والحقائق مرعيّا.

وأنكر السيد السند مما نقل عن القوم تفسير الحقائق بالأمور المتقررة الثابتة المقابلة للمتجددة، وجعله من مظنونات الشارح، ومن تبعهم من شارحي المفتاح.

وقال: المراد بالحقائق كالذوات في بعض استعمالاتهم المفهومات المستقلة الغير الملحوظة للغير، تبعا كمعاني الحروف، والنّسب المعتبرة في مفهومات الأفعال، فإن معاني الحروف آلة لتعرف حال متعلقاتها غير ملحوظة قصدا، ونسب الأفعال آلة لملاحظة طرفيها من الحدث المعتبر في مفهوماتها، والفاعل الخارج عنه غير مستقل بالملاحظة، فلا يصح شيء من المعاني الحرفية؛ لأن يعتبر مشبها به محكوما عليه بالمشاركة للمشبه، وكذا المعاني الفعلية؛ لأن مجموع معنى الفعل من الحدث والنسبة والزمان غير مستقل بالملاحظة؛ لدخول النسبة فيها، والحدث، وإن استقل، لكن اعتبر أبدا كونه مسندا فلا يصلح؛ لأن يجعل مسندا إليه؛ لأن الشيء لا يكون مسندا ومسندا إليه معا في النسبة التامة، وأن يكون مسندا إليه لنسبة تامة مع كونه مسندا لنسبة غير تامة نحو: أعجبني ضرب زيد عمرا.

ص: 278

وأما الصفات وأسماء الزمان والمكان والآلة فلا يتم فيها ما ذكره القوم، والوجه ما ذكره الشارح.

هذا تنقيح كلامه بعد حذف ما طوّله من تحقيق معاني الحروف والأفعال اعتمادا على اشتهاره في تصانيفه، وبلوغ تحقيقه الغاية في شرح «الرسالة العضدية» لنا.

ولك أن تقول: لما لم تصلح الاستعارة عن المعنى المطابق للفعل أعرضوا عن استعارته؛ إذ استعارته من المعنى التضمني كاستعارة الشي ممن لا يملكه، واعتبروا الاستعارة في المصدر ولم يرضوا بالفصل بين سائر المشتقات والفعل في الاستعارة بعد كون الجميع من فروع المصدر.

وبالجملة يتجه أنّ جعل معاني الحروف والأفعال محكوما عليها بالمشاركة ملحوظة لا بألفاظها الفعلية والحرفية والاستعارة بهذا الاعتبار أهون من الحكم بالاستعارة في المصادر ومتعلقات الحروف؛ إذ لا يساعدها الواقع، وإذا لم يجر التشبيه والاستعارة بالأصالة في الفعل، وما يشتق منه، وفي الحرف (فالتشبيه في الأولين لمعنى المصدر)(1) فيه أن التشبيه في الأولين بمعنى المصدر، لآلة لأن الفعل مستعار فيجب أن يعتبر في استعارته التشبيه بمعنى المصدر، وكذا الحال في قوله (وفي الثالث لمتعلق معناه) ودفعه ظاهر مما حققناه لك من المستعار له في الاستعارة التبعية كالمستعار منه. ولا يمكن دفعه بأن التشبيه بمعنى المصدر صريحا يستلزم التشبيه له ضمنا، فإن المشبه به صريحا مشبه ضمنا؛ لأن التشبيه لا يمكن إلا من جانب واحد، وإن كان ما يلزمه من المشاركة من الجانبين.

فإن قلت: هل تجري الاستعارة في الأفعال باعتبار التشبيه في متعلق النسب المعتبرة فيها والاستعارة فيها فتسري في الأفعال؟

قلت: لا، لكن لما قاله السيد السند: من أن مطلق النسبة التي هي متعلق نسب الأفعال لم يشتهر بمعنى يصلح أن يجعل وجه شبه، بخلاف متعلقات الحروف من الابتداء والانتهاء والظرفية إلى غير ذلك، فإنها أنواع مخصوصة لها أحوال مشهورة؛ لأن متعلق النسب الجزئية المعتبرة في الأفعال، وهو النسبة إلى

(1) أي المحققة أو المقدرة كما في الأفعال التي لا مصادر لها.

ص: 279

الفاعل لها أحوال مخصوصة، يمكن أن يشبه لها نسبة الفعل إلى الآلة وتنزل منزلتها فيستعار لها لفظها، بل لأن النسبة جزء معنى الفعل فلا يستعار عنها، بخلاف المصدر فإنه لا يستعار من معناه الفعل، بل يستعار من معناه نفس المصدر ويشتق منه الفعل، ولا يمكن مثله في النسبة، ومما يعد في الأفعال الاستعارة للتعبير عن الماضي بالمضارع، وبالعكس بأن يشبه غير الحاصل بالحاصل في تحقق الوقوع، وتشبه الماضي بالحاضر في كونه نصب العين واجب المشاهدة، ثم يستعار لفظ أحدهما للآخر.

قال السيد السند: فعلى هذا الاستعارة في الفعل على قسمين: -

أحدهما: أن يشبه الضرب الشديد مثلا بالقتل، ويستعار له اسمه، ثم يشتق منه قتل بمعنى ضرب ضربا شديدا.

والثاني: أن يشبه الضرب في المستقبل بالضرب في الماضي في تحقق الوقوع، فتستعمل فيه «ضرب» ، فيكون المعنى المصدري موجودا في كل واحد من المشبه والمشبه به، لكنه قيد في كل منهما بقيد مغاير لقيد الآخر، فصح في المستقبل، فكيف تتحقق استعارته من أحدهما للآخر حتى يلزم الاستعارة التشبيه لذلك.

وفيه: أن الضرب حقيقة من كل من الضرب في الماضي، والضرب تبعية في الفعل.

(وفي الثالث لمتعلق معناه) عطف على قوله: (في الأولين) بمعنى المصدر عطف معمولين لعامل على معمولين له بحرف عطف واحد، ولا مشاحّة فيه، إنما المشاحّة في العطف على معمولي عاملين، والمراد بالثالث: الحرف؛ لأنه ثالث ما لا يجري فيه الاستعارة إلا تبعية من الفعل وما يشتق منه، والحرف.

ومن العجب القول بأنه ثالث أقسام الكلمة، وقد حققت مرادهم بمتعلق معناه، لكن المصنف حمله على المتعلق النحوي، أعني: الذي لا يدل الحرف على المعنى إلا به؛ فلذا قال:

(كالمجرور (1) في: زيد في نعمة) وجعل المجرور مثالا لما يقدر التشبيه فيه

(1) هذه طريقة الخطيب في إجراء الاستعارة التبعية في الحروف، فهى تابعة عنده للتشبيه في متعلقاتها من مجروراتها ونحوها وتعلقها بها بمعنى ارتباطها بها، وليس هو التعلق النحوي المعروف. بغية الإيضاح 3/ 121.

ص: 280

مسامحة؛ لأن تقدير التشبيه في معناه كما يفيده قوله: وفي الأولين بمعنى المصدر.

وما ذهب إليه المصنف غير صحيح؛ لأن النعمة في: زيد في نعمة لم تستعر شيئا عند المصنف؛ لأنه لا استعارة للمشبه عنده، بل هي مستعملة فيما وضعت له، وقصد تشبيهها بظرف وأضمر في النفس، وجعل استعمال «في» قرينة على هذا التشبيه (فيقدر) أي: التشبيه (في نطقت الحال، والحال ناطقة بكذا للدلالة) متعلقة بالمستتر في يقدر.

ويجوز تعلق الجار بالضمير العائد إلى المصدر (بالنطق)(1) أي: يقدر التشبيه لدلالة الحال بالنطق في إيضاح المعنى، ثم يدخل الدلالة في جنس النطق بالتأويل المذكور، فيستعار له لفظ النطق، ثم يشتق منه ما يشتق، فتكون الاستعارة في النطق أصلية، وفيما يشتق منه تبعية.

ويرد عليه، أن هناك ما يغني عن تكلف الاستعارة التبعية، وهو كون النطق مجازا مرسلا في الدلالة التي هي لازمة؛ لأن ما لا دلالة له مجرد صوت لا يستحق أن يسمى نطقا، ولا يندفع بما ذكره الشارح من أنه لا ينكر جواز ذلك، لكن ذلك الجواز لا ينفي احتمال الاستعارة، فإنه إذا اجتمع في مقام التجوز علاقة متعددة، فلك العمل بأيّه شئت؛ لأن كلامنا في أن الاستعارة التبعية تكلف لا يرضى به أحد من غير اضطرار، ولولا أنه نقل أنه استحسن هذا الجواب منه من قال: إن الدلالة لازمة للنطق، فلم لا يجوز أن يكون إطلاق النطق عليها مجازا مرسلا، باعتبار ذلك الملزوم وإرادة اللازم من غير قصد إلى تشبيه؛ ليكون استعارة لحملت كلامه عليه.

وفي استعارة النطق للدلالة استبشاع آخر، وهو أن إيضاح المعنى ليس صفة للنطق، بل صفة لدلالته، فالمشبه به دلالة الحال دلالة النطق، والنطق يستحق أن يشبه به الحال، والناطق يستحق أن يشبه به ذو الحال.

(1) ثم يستعار النطق للدلالة ثم يشتق من النطق- نطقت أو ناطقة- بمعنى- دلت أو دالة- والجامع إيصال المعنى إلى الذهن، وهكذا كل الاستعارات في الأفعال والمشتقات فتكون الاستعارة فيها تابعة للاستعارة في مصادرها، ولا خلاف هنا بينهم في ذلك.

ص: 281

(وفي لام التعليل) عطف على قوله: في نطقت الحال (نحو: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً (1) للعداوة) عطف على قوله للدلالة (بعلّته) أي: الالتقاط عطف على قوله: بالنطق، ولا يخفى التشبيه في لام التعليل مطلقا لا يقدر للعداوة بعلّته، فالأولى أن يقول: وفي لام التعليل في نحو: فالتقطه

إلخ فاعرفه إن كنت من أهله.

وهذا الذي ذكره المصنف مأخوذ من كلام الكشاف؛ حيث قال: معنى التعليل في اللام وارد على طريق المجاز؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا، ولكن المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم وثمرته شبّه بالداعي الذي يفعل الفاعل لأجله؛ لكنه حينئذ يخرج عما هو فيه من كون الكلام استعارة تبعية إلى كونه استعارة بالكناية، وتحقيق الاستعارة التبعية فيه على ما قالوا: أنه شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب عليته الغائبة عليه، ثم استعمل في المشبه اللام الموضوعة للدلالة على ترتب العلة الغائبة الذي هو المشبه به فجرت الاستعارة أولا في العلية والغرضية وتبعيتها في اللام.

هذا، وفيه بحث؛ لأن الترتب هي المعلولية لا العلية، فلا مشابهة بينه وبين العلية، حتى تستعار له اللام، وإنما تصح هذه الاستعارة لو كان وضع اللام للمعلولية والترتب، ومدخول لام الغرض، وإن كان معلولا من وجه، وعلة من وجه، لكن لم يقل أحد: إن وضع اللام للمعلولية، بل اتفقوا على أن اللام للعلية، ولأن متعلق اللام على ما يقتضيه التحقيق السابق العلية مطلقا لا علية العلة الغائبة للالتقاط.

(ومدار قرينتها) أي: الشائع الكثير، فنبه بلفظ المدار على أن القرينة قد تكون غير هذه الأمور، كقرينة الحال.

ولك أن تجعل القرينة النسبة إلى الفاعل، فيكون الفاعل مدار القرينة لا نفسها (في الأولين) أي: الفعل وما يشتق منه، بخلاف الحرف، فإن قرينته غير مضبوطة على ما قالوا، ولأنه لا تفاوت فيه بين قرينة وقرينة، حتى يجعل البعض

(1) القصص: 8.

ص: 282

مدارا على ما نقول.

(على الفاعل نحو: نطقت الحال بكذا) فإن النطق الحقيقي لا يثبت للحال (أو المفعول) المتبادر منه المفعول به (نحو) قول ابن المعتز في مدح أبيه حيث خلع المقتدر لفساده من الخلافة، ونصب وقام بالخلافة، كما ينبغي:

(جمع الحقّ لنا في إمام

قتل البخل وأحيا السّماحا) (1)

هو بالفتح والكسر: الجود والكرم، كذا في القاموس. المراد هنا: الجود، فإن القتل والإحياء الحقيقيين لا يتعلقان بالبخل والجود، ولا يخفى أن الفاعل أيضا قرينة في أحيا؛ إذ لا يتأتى الإحياء إلا من الله تعالى، فجعل كلّا من القتل والإحياء مما القرينة فيه المفعول فقط مبني على الغفلة، ووصف في المفتاح بالمفعول الأول وهو غير معهود فيما لا تأتى له؛ فلذا تركه المصنف.

(ونحو) قول القطامي:

لم تلق قوما هم شرّ لإخوتهم

منّا عشيّة تجري بالدّم الوادي

[(نقريهم)] أي: الإخوة (لهذميّات)] اللهذم: كجعفر: القاطع من الأسنّة، والظاهر أنه أراد باللهذميات: الطعنات والجراحات وإراقات الدماء باللهذم، وقد يحمل على نفس الأسنة، ويجعل الياء للمبالغة كما في احمري للأحمر.

ونبه بالمثال الثاني: أنها تدور القرينة على المفعول الثاني، أيضا فإنه القرينة على أن نقري استعارة عن اتصال اللهذميات إليهم من غير تغيير على وجه النشاط كما هو شأن الكريم المضياف.

تتمة البيت [نقدّ بها] القد: القطع المستأصل أو المستطيل أو الشق طولا [ما كان خاط عليهم كلّ زّراد](2) من زرد الدرع: نسجها.

(1) البيت في ديوانه: (1/ 468)، وأورده القزويني في الإيضاح:(269)، والسكاكي في المفتاح:(492)، والرازي في نهاية الإيجاز وعزاه إليه:(243)، وبدر الدين بن مالك في المصباح:(135)، والطيبي في شرحه على المشكاة:(1/ 119).

(2)

انظر البيتان في الإيضاح: (263)، والبيت الثاني:(269)، والمفتاح:(492).

اللهذم: السنان القاطع، القدّ: القطع، وسرد الدروع وزردها: نسجها.

ص: 283

(أو المجرور نحو: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (1)) فإن العذاب قرينة استعارة البشارة للإنذار.

قال صاحب المفتاح: أو إلى الجميع، وفسر بالفاعل والمفعول والجار والمجرور فأشكل تمثيله بما مثّله به من قوله:

تقري الرياح رياض الحزن مزهرة

إذا سرى النّوم في الأجفان أيقاظا (2)

ويحتمل أن يكون هذا الإشكال مرموز قول المصنف في الإيضاح، وفيه نظر.

كما يحتمل أن يكون مرموزة النزاع في كون الجميع ككل واحد مدار القرينة، بل هو ملحق في الندور بما سوى هذه القرائن.

ووجه الإشكال: أنه لم يجمع قرينة البيت الفاعل والمفعول الأول والثاني، والجار والمجرور إذا لم يتعلق في الأجفان بقوله «نقري» ، بل بقوله: قرينة على أن السّرى مستعار من السير بالليل، فقد جمع البيت جميع القرائن المذكورة لأن الكلام في قرينة استعارة واحدة كما لا يخفى على واحد.

ومنهم من قال: المراد بالجميع هو الأكثر، ونحن نقول: قابل الجميع بواحد من هذه الأمور مرادا به ما يجاوز الواحد من اثنين أو ثلاثة أو أكثر.

ففي البيت تمثيلان: تمثيل جميع من الفاعل والمفعول الأول والثاني باعتبار قوله نقري، وتمثيل جميع من الفاعل والمفعول في سرى.

ومن هفوات الشارح المحقق: تفسير الحزن بالسهل، وكأنه سهو من الناسخ، وكأن عبارته مقابل السهل، فسقط المضاف من قلم الناسخ، والأمر فيه سهل.

(وباعتبار آخر) غير اعتبار الطرفين والجامع والثلاثة واللفظ، وهو الذي سماه المصنف في الإيضاح التقسيم باعتبار الخارج أي: الخارج من أركان التشبيه، والمراد: خارج خاص واعتبار آخر خاص، وإلا فالأقسام باعتبار آخر مطلقا، أو باعتبار الخارج مطلقا لا تنحصر في الثلاثة فإن لها أقساما باعتبار

(1) آل عمران: 21.

(2)

أورده القزويني في الإيضاح؛ (269)، والسكاكي في المفتاح (492)، والرازي في نهاية الإيجاز (244)، وبدر الدين بن مالك في المصباح (136)، والطيبي في شرحه على المشكاة:(1/ 119) والعلوي في الطراز:

(1/ 238) وفيه: أيقاظا بالفتح (أي فتح الهمزة) والأجفان: أكمام الزهر.

ص: 284