الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاختصاص أيضا.
[وإيجاز حذف]
(وإيجاز الحذف) عطف على إيجاز القصر قدم إيجاز القصر؛ لقلة مباحثه وعلو درجته.
(والمحذوف إما جزء كلمة) فضلة كان أو عمدة مفردا كان أو مركبا (مضاف) خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مضاف، والجملة صفة جزء جملة وقيل: بدل من جزء جملة (نحو: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (1) أي: أهل القرية (أو موصوف نحو) قول العرجي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الشاعر والعرج كغلس بالمهملتين والجيم: منزل بطريق مكة سمي به لتولده فيه.
[(أنا ابن جلا) في القاموس ابن جلا واضح الأمر كابن أجلى، ورجل معروف سمته، ...... وطلّاع الثّنايا][متى أضع العمامة تعرفوني](2) طلاع الثنايا يراد به ركاب لصعاب الأمور بقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه، أو قاصد معالي الأمور، كذا في القاموس (أي رجل جلا) تقدير الموصوف باعتبار أصل التركيب، ولا فقد عرفت أن هذا التركيب بمعنى واضح الأمر، «وجلا» في الأصل بمعنى انكشف أمره، لا بمعنى كشف الأمور على ما جوزه الشارح كما لا يخفى عليك.
قال الشارح المحقق: وقيل: إن الصفة إذا كانت جملة لا يحذف موصوفها إلا إذا كان بعضها مما قبله ومجرورا بمن أو فى كقوله تعالى: وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ (3) وما في القوم دون هذا أي: رجل دون هذا، وفي غيره نادر سيما إذا لزم إضافة غير الزمان إلى الجملة فلفظ «جلا» ههنا علم لم ينوّن لحكايته مع الضمير؛ إذ لو جعل مجرد الفعل علما لنوّن؛ لأن الوزن غير مختص؛ ولا مما في أوله زيادة
(1) يوسف: 82.
(2)
البيت في الإيضاح: 180، والإشارات:149. وطلوع الثنايا: يضرب مثلا لتحمل المشاق وركوب الأمور الصعبة، والعمامة: هي معروفة عند العرب التي تلف على الرأس، معنى وضعها حينئذ: وضعها على رأسه ورفعها لينكشف وجهه ويعرف الناس ويتضح هذا من قصة الحجاج حيث تمثل بالبيت وحسر العمامة عن وجهه في خطبته مهددا أهل الكوفة، أو هي زرد ينسج الدروع على قدر الرأس، ويلبس تحت القلنسوة وقاية، من أدوات القتال.
(3)
الأعراف: 168.
كزيادة الفعل فينصرف هذا، أو لا يخفى عليك أنه لا يساعده ما نقل عن القاموس، وأيضا لا يوافقه ما ذكره الشارح في البديع أن الشعر لسحيم بن وثيل إلا أن يجعل قوله: أنا ابن جلا تشبيها بليغا (أو صفة نحو: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (1) أي: صحيحة أو نحوها) من الألفاظ المقاربة لها من سالمة وغير معيبة (بدليل ما قبله) وهو قوله: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها (2) فإنه يدل على أن الملك كان لا يأخذ إلا الصحيحة (أو شرط كما مر) في آخر باب الإنشاء (أو جواب شرط) لا يخفى أنه لو كان الحكم في جزاء الشرط، وكان الشرط قيدا كما دل عليه كلام المصنف في أول بحث أحوال المسند، وشرحه الشارح المحقق، والسيد السند في أنه مذهب «المفتاح» ، والمصنف لكان حذف جزاء الشرط من حذف الجملة وإبقاء قيده كما في قوله:
لِيُحِقَّ الْحَقَّ فإنه لا فرق بينهما في حذف أصل الجملة وإبقاء متعلقه (إما بمجرد الاختصار نحو: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (3) أي: أعرضوا بدليل ما بعده) وهو قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4)(أو للدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف) فلا تنصب قرينة تدل على خصوص محذوف، وكذا فيما أشار إليه بقوله:(أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن) وفيه غاية تفخيم الجزاء في المسرة أو المساءة؛ لأنه لا يتصور شيئا إلا ويجوز أن يكون فوقه، وفي التعيين ينتهي تفخيمه إلى حدّ أو فيه إبقاء ذهن السامع فيه على مكث بخلاف ما لو عين فإنه يعرض عنه بعد التعيين، ويذهل عنه بسرعة لتوطين نفسه عليه، أو لرجاء دفعه بما يظنه دافعا فإن قلت: هل يقدّر في النظم جزاء بلا قرينة فيكون عبثا لعدم فهم السامع فهو بمنزلة المتكلم بما لا يفهم أو لا يقدر فيكون إلغاء الشرط إلغاء ما لا يصح السكوت عليه؟
قلت: هذا إشكال قوي، وأظن أنه إذا لم تنصب قرينة على الخصوص بقدر
(1) الكهف: 79.
(2)
الكهف: 79.
(3)
يس: 45.
(4)
يس: 46.
مبهم، فالتقدير فعل شيئا هو الغاية في ذلك، وحذف مثل هذا الجزاء لتذهب النفس كل مذهب ممكن بخصوصه، حتى يقر الجزاء عليه، ويكون بعد ذلك شاملا في تعيينه من عند نفسه أو ليفهم أن الجزاء ذلك حذف للمبالغة في علوه بتخييل أن ترك ذكره للدلالة على أنه لا يحيط به الوصف.
(مثالهما وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (1) وقوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (2) ولا أظن بك أن تقتصر في نكات حذف جواب الشرط على ما ذكر بل ترى فيه ما سمعت سابقا سريع الجريان، كاختيار تنبه السامع أو مقدار تنبهه أو الاحتراز عن العبث بناء على الظاهر أو تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل، واللفظ أو تعينه أو ادعاء تعينه، وكأن تخصيص هؤلاء بالذكر للتنبيه على كثرة اعتبارها في هذا الحذف؛ ولهذا لم يتعرض لنكتة الحذف في سائر المحذوفات.
(أو غير ذلك) عطف على قوله: أو جواب الشرط لا مجرور ويرشدك إليه (نحو لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ)(3) والمراد بغير ذلك المسند إليه والمسند، والفعل والمفعول والحال نحو: البر الكرّ بستين، أي: منه والمستثنى لا المستثنى منه؛ لما عرفت أنه لم يجعل حذفه موجبا للإيجاز والمضاف إليه، نحو: بين ذراعي وجبهة الأسد ونحو: يا رب، ويا غلام.
قال الشارح: وجواب القسم نحو: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ (4) وجواب لما ولا شبهة في أن جواب القسم جملة، فإدخاله تحت قوله: أو غير ذلك وهم، وما ذكره في المختصر من أن المراد بالجملة كلام مستقل لا يكون جزءا من كلام آخر؛ ولذا عد جواب الشرط جزءا لجملة ينتقد بجعل قوله: لِيُحِقَّ الْحَقَّ (5) من حذف الجملة؛ لأن المحذوف جزء جملة أخرى هي مجموع الجملة ومتعلقه، والأظهر أن جواب «لما» داخل تحت قول المصنف: أو جواب شرط. قال سيبويه:
(1) الأنعام: 27.
(2)
الزمر: 73.
(3)
الحديد: 10.
(4)
الفجر: 1، 2.
(5)
الأنفال: 8.
«لما» ظرف بمعنى «إذ» يستعمل استعمال الشرط نحو كلما (أي: ومن أنفق من بعده وقاتل) بمعنى المحذوف المعطوف مع حرف العطف (بدليل ما بعده) وهو قوله: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا (1) ويحتمل الآية، والله أعلم أن لا يكون فيه حذف وتفسير بأنه لا يستوي منكم جماعة أنفقوا من قبل الفتح، وهم مع اشتراكهم في الإنفاق قبل الفتح متفاوتون لتفاوتهم في الإنفاق والإخلاص فيه، ويكون قوله: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً بيان أنه مع تفاوت درجاتهم أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا.
(وإما جملة) عطف على قوله إما جزء جملة (مسببة عن مذكور نحو:
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ (2) أي: فعل ما فعل، ومنه قول أبي الطيب:
أتى الزّمان بنوه في شيبته
…
فسرّهم وأتيناه على الهرم (3)
أي: فساءنا (أو سبب لمذكور نحو)(قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ (4) أي: قدر فضربه بها، ويجوز أن يقدر فإن ضربت بها فقد انفجرت).
قال الشارح: فيكون المحذوف جزء جملة هو الشرط.
قلت: جزء من الجزاء أيضا هو كلمة قد وهذه الفاء التي يطلبها محذوف يسمى فاء فصيحة، فقيل: على تقدير أن يكون المقدر الشرط، وهو ظاهر كلام «الكشاف» ، وقيل: على تقدير كون المحذوف جملة مستقلة، وهو ظاهر كلام «المفتاح» أنها فصيحة، وقيل: على التقديرين. قال الشارح: والمشهور في تمثيلها قوله:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا
…
ثم القفول فقد جئنا خراسانا (5)
وكأنه أراد به تأييد ما ذكره الكشاف؛ لأنه مقدر فيه الشرط كما قال في شرح
(1) الحديد: 10.
(2)
الأنفال: 8.
(3)
انظر البيت في الإيضاح: 185.
(4)
البقرة: 60.
(5)
البيت للعباس بن الأحنف حين خرج مع هارون الرشيد إلى خراسان. في دلائل الإعجاز ص 90.
«المفتاح» أي إن صح ما قالوا فقد آن لأنا جئنا خراسانا، ويحتمل أن يقدر جملة مستقلة أي: امتثلنا ما قصد بنا أو قضينا ما قصد بنا فقد جئنا خراسانا (أو غيرهما) أي: غير المسبب والسبب (نحو قوله: فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (1) على ما مر) في بحث الاستيناف من أن التقدير هم نحن على قول (وإما أكثر من جملة نحو أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ (2) أي: إلى يوسف لأستعبره الرؤيا وأخبركم بتعبيره ففعلوا فأتاه وقال له يا يوسف) وما ينبهك عليه البصيرة الوقادة، أما المراد بالأكثر من جملة جملتان أو أكثر، لا جملة وبعضها أيضا كما يوهمه ما ذكره في بيان تقدير الآية؛ لأن الجملة وبعض جملة من اجتماع القسمين، فالمقصود بالتمثيل حذف ففعلوه فأتاه، وقال له ولا يخفى أن التقدير أكثر مما ذكره؛ إذ التقدير أرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا وأخبركم بتعبيره ففعلوا إلخ.
(والحذف على وجهين):
أحدهما: (أن لا يقام شيء مقام المحذوف كما مر) يشعر كلامه بأن ما مر من الأمثلة كله مما لم يقم فيه شيء مقام المحذوف، وليس كذلك فإن المحذوف في قوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (3) مما قام فيه القرينة مقام المحذوف، فمثال القسمين مر، لكن مثال القسم الثاني مر على المصنف (و) الثاني (أن يقام) شيء مقام المحذوف (نحو وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (4) أي: فلا تحزن واصبر) والأظهر أن التقدير فلا يقدح في رسالتك فإنه قد كذبت رسل من قبلك.
قال الشارح: إنما جعل الجزاء المحذوف؛ لأن تكذيب الرسل من قبله متقدم على تكذيبه فلا يصح وقوعه جزاء له، بل هو سبب لعدم الحزن والصبر فإن البلية إذا عمت طابت، ونحن نقول: إذا تقدم زمان الجملة الحالية على زمان عاملها لجعل القصة حالا، ولا يخفى أنه جاز في هذا المقام، ولا يذهب
(1) الذاريات: 48.
(2)
يوسف: 45، وجزء من الآية:46.
(3)
يوسف: 82.
(4)
فاطر: 4.