الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه زيادة التوجع والتحسر نحو قوله:
فيا قبر معن أنت أوّل حفرة
…
من الأرض خطّت للسّماحة مضجعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده
…
وقد كان منه البرّ والبحر مترعا
ولا يبعد أن يجعل نكتة للتأكيد في: مات زيد زيد ومنه زيادة السرور والفرح نحو: جاء أخوك أخوك، وقد يكون لمجرد إحضار اللفظ ليرتبط به المتعلق ولا يلتبس لبعد المتعلق عن المتعلق إما مجردا عن رابط، كما في قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (1) وإما مع رابطة كما في قوله تعالى: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (2)(كتأكيد الإنذار) لنكتة من نكات عرف في التأكيد (في كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ولما استشعر أن يستبعد كون الكلام تكريرا لأن العاطف يستدعي كون المراد بالثاني غير الأول، قال:
لدفعه.
(وفي ثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول) يعني أن ثم مستعار عن التراخي الزماني إلى التدرج في درج الارتقاء من غير اعتبار التراخي والبعد بين تلك الدرج، فإن قلت: إذا كان الإنذار الثاني أبلغ لم يكن تكريرا. قلت: كونه أبلغ باعتبار زيادة اهتمام المنذر به لا بأنه زاد في المفهوم شيء، ولجعل قوله: وفي ثم إلخ بيانا لم خفي من نكتة إطناب في ذكر ثم مجال.
[وإما بالإيغال]
(وإما بالإيغال) من أوغل في البلاد إذا بعد واختلف في تفسيره (فقيل:
هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها) لا يخفى أن تمام الكلام بدونها لا يخصّ الإيغال، بل كذلك جميع أقسام الإطناب، وأن تعريف الإيغال يشمل الإيضاح بعد الإيهام، وذكر الخاص بعد العام، والتكرير إذا كان ختم البيت، بل غيرها أيضا من أقسام الإطناب إذا كان كذلك (كزيادة المبالغة في قولها)
(1) النحل: 110.
(2)
آل عمران: 188.
(3)
التكاثر: 3، 4.
أي: قول الخنساء من مرثية أخيها صخر:
[(وإنّ صخرا لتأتمّ) أي: تقتدي (الهداة به) يريد الهداية بذلك الاقتداء (كأنّه علم) في القاموس: هو الجبل الطويل أو عام، وفي الشرح جبل مرتفع (في رأسه نار)](4).
فإن قوله: كأنه علم واف بالمقصود، وهو المبالغة في هدايته، وقوله: في رأسه نار زيادة المبالغة في هدايته.
هذا إذا كان المراد الهداية به مطلقا، أما لو كان المراد الهداية به في ظلمات الجهل فهو ليس من الإطناب في شيء، بل لا بد منه في أصل المقصود.
(وتحقيق) أي: وكتحقيق (التشبيه في قوله) أي: امريء القيس:
(كأنّ عيون الوحش حول خبائنا
…
وأرحلنا الجزع الّذي لم يثقّب) (1)
شبه عيون وحش اصطادها وأكلها بالجزع وهو بالفتح والسكون: الخرز اليماني الذي فيه سواد وبياض تشبه به عيون الوحش، لكنه أتى بقوله لم يثقب لتحقيق التشبيه؛ لأن غير المثقوب أحق بأن يجعل مشبها به لا ثقبة في العين.
قال الأصمعي: الظبي والبقرة إذا كانا حيين فعيونهما كلها سواد، فإذا ماتا بدا بياضها فشابهت الجزع، وبهذا ظهر فساد ما قيل: إنه أراد أنه من كثرة إقامتهم في المفاوز ألفت الوحوش رحالهم وأخبيتهم، والمراد كثرة الصيد.
فإن قلت: لا يستفاد كثرة الصيد إلا أن يكون حول خبائهم وأرحلهم كثرة الجزع، وظاهر أنه ليس كذلك.
قلت: كون العيون حول الخيام والرحال يدل على الكثرة.
قال الشارح المحقق: وكدفع توهم غير المقصود في بيت السقط:
فسقيا لكأس من فم مثل خاتم
…
من الدّرّ لم يهمم بتقبيله خال (6)
فإنه لما جعل الفم كأسا ضيقا مثل خاتم من الدر، وكأن الكأس غالبا مما يكرع فيه كل أحد من أهل المجلس حتى كأنه يقبله دفع ذلك بأن وصفه بأنه لم
(1) البيت في ديوانه: 217، الإيضاح: 192، والمصباح 231، الجزع: الخرز اليماني الذي فيه سواد وبياض