الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجري فيه الضربان الثاني (كما في قوله) أي قول أبي الفضل بديع الزمان يمدح خلف بن أحمد السجستاني:
(هو البدر إلا أنّه البحر زاخرا)(1)
أي: ممتلئا (سوى أنّه الضّرغام) بالكسر الأسد (لكنّه الوبل) المطر الشديد العظيم القطر، والأول كان يقول:
لا عيب فيهم لكن سيوفهم
…
بهنّ فلول من قراع الكتائب
وإنما كان الاستدراك كالاستثناء لأن إلا في المستثنى المنقطع بمعنى لكن في الأصح.
[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]
(ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهو ضربان: أحدهما أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم له بتقدير دخولها فيه، كقولك: فلان لا خير فيه إلا أنه يسيء إلى من أحسن إليه، وثانيهما: أن يثبت للشيء صفة ذم ويعقب بأداة استثناء يليها صفة ذم أخرى له كقولك: فلان فاسق إلا أنه جاهل، وتحقيقهما يحال على قياس ما مر) من كيفية التأكيد وجهته وأنه لا ينحصر فيهما، بل منه ضرب آخر، وأن المراد بالاستثناء أعم من الاستثناء والاستدراك الذي في حكمه
[ومنه الاستتباع]
(ومنه الاستتباع) وهو قدم في الإيضاح التوجه، فكأنه رأى شدة مناسبة التوجيه لتأكيد الذم بما يشبه المدح، في كونه جامعا للمدح والذم، فلم يرض بترتيب التلخيص، وعدل عنه. ولا يخفى شدة مناسبة الاستتباع أيضا في كونهما لإكمال المدح، ولما كان مفهوم الاستتباع أعم من تفسيره لم يصح منه الاكتفاء بما يفيده الاسم، واحتاج إلى التفسير، ولا معنى لتخصيص الاصطلاح وعدم الالتفات إلى التمدح بشيء على وجه يستتبع الذم بشيء آخر، وإلى الذم بشيء على وجه يستتبع الذم بشيء آخر، أو المدح به. وكأنه من مسامحات أئمة العربية في مقام التفسير والتعريف فذكروا في التفسير (المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر) على طريق التمثيل لا التحقيق فيكون بعينه الإدماج، ولذا لم يذكر السكاكي الإدماج واكتفى بذكره.
(1) بديع الزمان: أحمد بن الحسين الهمذاني من أول كتّاب المقامات، والبيت أورده القزويني في الإيضاح:
326، والرازي في نهاية الإيجاز:293.
(كقوله) أي قول أبي الطيب: (نهبت من الأعمار ما لو حويته) أي جمعته (لهنّئت الدّنيا بأنّك خالد)(1).
(مدحه بالنهاية في الشجاعة) حيث غلب على ما لا نهاية لهم، ولو كان هذا في محاربة واحدة لكان غاية في الدلالة على النهاية في الشجاعة.
(على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها) قال الشارح:
حيث جعل الدنيا تتهنأ بخلوده، ولا معنى للتهنئة بشيء لا فائدة له فيه، وذلك الاستتباع يحصل من قوله:[نهبت من الأعمار ما لو حويته] أيضا فإن نهب الأعمار دون الأموال، وعدم جمعها يدلان على أنه لم يكن القتل لمصلحة تعود إليه، إذ لو كان لنفسه لم يترك أموالهم لورثتهم، ولجمع الأعمار، فإنه لا مصلحة للنفس فوق البقاء المخلد، فهو لمصلحة الدنيا.
قال في المفتاح: مدحه بالشجاعة على وجه يستتبع مدحه بكمال السخاء وجلال القدر من وجه آخر، والمصنف ترك كمال السخاء وجعل المستتبع كونه سببا لصلاح الدنيا لأن استتباع كمال السخاء غير ظاهر، ألا ترى أنه تكلف له الشارحان المحققان بأن التهنئة إنما تكون إذا كان للدنيا منه مال أو كمال، ويمكن أن يقال استتباع كمال السخاء في عدم نهب الأموال فإنه يدل على أنه لا قدر للمال عنده، وقوله وحلال القدر من وجه آخر إشارة إلى ما ذكره المصنف من كونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها، فإنه ليس جلال قدر سواه. ولا يخفى أن الاستتباع يزيد حسنا إذا كان الوصف المستتبع بحيث يدفع توهما مذموما نشأ من المدح بشيء كما في البيت، فإن وصفه بالشجاعة ببيان نهب الأعمار، يوهم إفساده في العالم، فكما أنه أفاد تهنئة الدنيا بخلوده، مدحه بإصلاح الدنيا نفي توهم إفساده للدنيا بنهب الأعمار.
(وفيه) أي في الاستتباع (وجهان آخران) وقال الشارح: وفي البيت وجهان آخران من المدح، وما ذكرنا أنسب. وإن قال المصنف في الإيضاح: قال على ابن عيسى الربعي: وفي البيت وجهان آخران من المدح فالمراد بشيء آخر الجنس واحدا كان أو أكثر، وقس عليه نظائره.
(1) البيت في ديوانه: 1/ 277 من قصيدة في مدح سيف الدولة، والإشارات: 284، والإيضاح:327.