الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسنا من التخييل كقوله: ) أي: قول أبي الطيب (عقدت سنابكها) أي:
الجياد المذكورة في سابق البيت (عليها) أي: فوقها (عثيرا) على وزن درهم:
الغبار (لو تبتغي) تلك الجياد (عنقا) هو: السير السريع للإبل والدابة (عليه) أي: على ذلك المعقود (لأمكنا) أي: أمكن العنق إمكانا بعد إمكان، إن اعتبر «أمكنا» تثنية للتكثير، كما هو المناسب بالمقام، وغيرنا جعل الألف للإشباع والإطلاق، ادّعى بلوغ العثير في الكثرة إلى أنه صار أرضا يمكن سير الفرس عليه سريعا، وهذا ممتنع عقلا، لكنه تخيل حسن.
(وقد اجتمعا) أي: الإدخال والتخييل المذكوران فزاده قبولا (في قوله: ) أي: القاضي الأرجاني، أي: المنسوب إلى أرجان، من بلاد فارس (يخيّل لي أنّ سمر على الشّهب) أي: شدت في القاموس سمره شده (في الدّجا) شبه الشهب بمسامير لها رءوس مدورة لامعة قد دقت حتى دخلت في الدجا واستحكمت فلا يرى إلا رءوسها، وهذا أحسن من تفسير الشارح أنه شد الشهب بالمسامير لا يزول عن مكانها (وشدّت بأهدابي إليهنّ أجفاني) جعل عدم انطباق أجفانه في الليل إلى حد شدت بأهدابها إلى الشهب المستحكمة في الدجا وهذا أمر ممتنع عقلا، دخل عليه تخيل فقربه إلى الصحة، ومع ذلك تخييل حسن (ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة كقوله:
أسكر بالأمس إن عزمت على الشّر
…
ب غدا إنّ ذا من العجب) (1)
أكد كونه من العجب مع أنه لا شبهة في كونه عجبا؛ لأنه حكم على الأمر المتحقق المشار إليه بقوله ذا، والحكم عليه بكونه من العجب مما ينكر لإنكار وجود ذلك الأمر فافهم.
[ومنه المذهب الكلامي]
(ومنه المذهب الكلامي وهو إيراد حجة) سواء كان قياسا ميزانيا أو قياسا فقهيا أو غيره (للمط على طريقة أهل الكلام) وهو كون سيرتهم عدم القناعة بالدعوى والاهتمام بإقامة الدليل، بخلاف أرباب المحاورات فإن شأنهم الإخبار الصرف والتأكيد في مقام التردد، والإنكار، وليس المراد بطريقتهم أن تكون
(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: (320) بلا عزو، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:(279) بلا عزو أيضا.
الحجة بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمط كما ذكره الشارح؛ لأنه لا يشمل التمثيل وما أورده المصنف من قول النابغة ظاهر في التمثيل، ووجه تحسينه للكلام أنه أخرج الكلام في المحاورات مخرجا لا يتوقع وأبرزه في صورة المقاصد العلمية، وبهذا اندفع أن إيراد الحجة لا يزيد على بيان أصل المراد فإن الدعوى والحجة كسائر المقاصد فلا يعقل موجب تحسين لمجرد إيرادهما (نحو لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا)(1) واللازم وهو فساد السموات والأرض باطل، لعدم خروجهما عن النظام الذي هما عليه، فكذا الملزوم وهو تعدد الآلهة. قال الشارح: وفي التمثيل بالآية رد على الجاحظ حيث أنكر مجيء المذهب الكلامي في القرآن، وكأنه أراد بذلك ما يكون برهانا وهو القياس المؤلف من مقدمات يقينية وتعدد الآلهة ليس بقطعي الاستلزام للفساد، وإنما هو من المشهورات الصادقة، فالدليل ظني إقناعي. هذا كلامه، وفيه بحث من وجوه: أحدها:
أن تأويل كلامه بما أوله به لا ينفعه، لأنه وقع في القرآن وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (2) فإنه في معنى أن الإعادة أهون من البدء وأسهل وكل ما هو أهون أدخل في الإمكان، ووقع أيضا حكاية: فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (3) وهو في قوة القمر آفل، وربي ليس بآفل، فالقمر ليس بربي.
وثانيها: أن الآية برهان يتضمنه بيان له مكان آخر، إن وفقنا الله وإياك الوصول إليه فيجعل لك الحق ثابتا في المقر.
وثالثها: أنه لو كانت الآية إقناعية؛ لكانت دليلا تاما على أن معرفة الله تعالى بغير يقين كافية، ولا يجب تحصيل اليقين في العقائد الإلهية، والمذهب خلافه، فالوجه في تأويله أن يقال: أنكر إقامة الدليل في القرآن على أحكامه لأن الإيمان قبول أحكامه من غير طلب دليل منه تعالى، فمعنى الآية عنده امتناع الفساد لامتناع الآلهة، ومعنى وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الإخبار بأن الإعادة أهون عليه تعالى لا غير، وكذا لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (4) نقل لكلام إبراهيم
(1) الأنبياء: 22.
(2)
الروم: 27.
(3)
الأنعام: 76.
(4)
الأنعام: 76.
عليه السّلام.
(وقوله) أي: قول النابغة من قصيدة يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر بن ماء السماء، عما بلغه أنه مدح إلى جفنة بالشام فتنكر عليه النعمان وكرهه:
[(حلفت فلم أترك لنفسك ريبة)] الريبة التهمة أي: حلفت أني على محبة وإخلاص بك كنت عليه، ولم أترك لنفسك أن تتهمني بأني غيرت إخلاصي بك، وأبدلتك بغيرك (وليس وراء الله للمرء مطلب) أي: هو أعظم المطالب فلا خيانة معه بالحلف الكاذب لمطلوب غيره، فبعد الحلف لا ينبغي أن تتهمني بما كنت تتهمني:
(لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة
…
لمبلّغك الواشي أغشّ وأكذب)
فقد خان في خبره أني رجحت آل جفنة عليك [(ولكنّني كنت أمرأ إلى جانب)] أي: جانب مخصوص بي لا يشاركني غيري من الشعراء [(من الأرض فيه مستراد)] أي: محل طلب رزق [ومذهب][ملوك] بدل من مستراد، وجعله الشارح على تقدير ذلك الجانب ملوك (وإخوان) يعاملونني مع سلطنتهم معاملة الإخوان، ولا يتكبرون معي، أو يعطفون علىّ عطف الإخوان [(إذا ما مدحتهم أحكّم في أموالهم)] أي: يجعلونني حكما في أموالهم [(وأقرّب)] أي:
جعل مقربا بينهم رفيع المنزلة عندهم
[(كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم)] أي أحسنت إليهم [(فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا)](1) الأولى جعل فلم ترهم مجهولا من الإراءة فيكون نفيا لظنه إياهم مذنبين، فإن نفي الظن فيما هو فيه أدخل من نفي العلم، والمشهور أن المقصود بالتمثيل قوله: كفعلك يعني لا تلمني ولا تعاتبني على مدح آل جفنة وقد أحسنوا إليّ، كما لا تلوم قوما مدحوك وقد أحسنت إليهم، وكما أن مدح أولئك لا يعد ذنبا كذلك مدحي لهم، ويمكن أن يكون قوله وليس وراء الله للمرء مطلب أيضا مثالا؛ لأنه في قوة أن الحلف بأعلى المطالب لا يترك الريبة أو في قوة الحلف
(1) الأبيات للنابغة يعتذر فيها إلى النعمان، وهي في ديوانه:(72)، والإيضاح:(321)، والمصباح:(307)، وملوك: يقصد بهم غساسنة الشام، ويشير به إلى حسن معاملتهم، وعدم ترفعهم عليه شأن الملوك، وفي أكثر النسخ:(أراك اصضعتهم).
بالله حلف بأعلى المطالب، والحلف بأعلى المطالب أعلى الأحلاف.
(منه) أي: من المعنوي (حسن التعليل) هو بيان علة الشيء (وهو أن يدعى لوصف) دعوى مجزوما به بقرينة أنه جعل كأن السحاب الغر البيت ملحقا بحسن التعليل لدخول كأن المفيدة للظن (علة مناسبة له باعتبار) إما متعلق بقوله يدعى أو بالمناسبة وهو إما منون موصوف باللطيف أو مضاف أي باعتبار (أمر لطيف غير حقيقي) أي غير حقيقي عليتها بهذا الاعتبار، وهو الاحتراز عن إيراد علة حقيقية ولو زعما، كما في التعليل بعلة غير واقعة اشتهرت عليتها؛ لأن إجراء العلة بهذا الاعتبار ليس من حسن التعليل، سواء كان مذهبا كلاميا، أو لم يكن، وليس الاحتراز؛ لأن التعليل بالعلة الحقيقية ليس من المحسنات كما قاله الشارح؛ لأنه قد يكون المذهب الكلامي، فكيف يخرج عن المحسنات والتقييد باللطيف؟ بمعنى أنه يكون فيه دقة يخص بها بعض الأذكياء لإخراج التعليل بعلة مناسبة باعتبار مبتذل فإنه لا يكون من حسن التعليل بعلة، وقال المحقق الشريف: إنه لإخراج التعليل بالعلة العادية التي كذبت الحكم بعليتها؛ لأنها علة غير حقيقية، لكن ليس التعليل بها باعتبار لطيف لظهورها بالعادة، وقد عرفت أنها علة حقيقية زعما، ولو كان الظهور بالاشتهار منافيا لحسن التعليل لم يكن المستعمل لحسن تعليل، وقع في كلام غيره آتيا به؛ لأنه لم يبق لطيفا بعد إظهار الغير إياه (وهو أربعة أضرب) بدليل قطعي هو قوله (لأن الصفة) المعهودة المذكورة سابقا بعبارة الوصف (إما ثابتة) أي معلومة الثبوت (قصد بيان علتها أو غير ثابتة أريد إثباتها) ببيان علتها فيكون من قبيل الإثبات ببيان اللمي، وأما احتمال الإثبات بالدليل الآتي فخارج عن التعليل فضلا عن حسن التعليل إذ المتبادر منه بيان علة ثبوت الشيء في الواقع لا بيان علته في الذهن (والأولى إما أن لا يظهر لها في العادة) أي نظرا إلى جميع أوقات وقوعها أو أكثرها على ما هو معنى العادة (علة) وإن كان لا يخلو في الواقع عن علة فدخل في هذا القسم ما يظهر لها في النادر علة هي المذكورة، وهو ليس من حسن التعليل، بل تعليل بما هو علة في الواقع، أو غير المذكورة فيناسب أن يدخل في سلك القسم الثاني، كما لا يخفى.
(كقوله) أي: أبي الطيب:
(لم يحك) من حكيت فلانا شابهته وفعلت فعله أو قوله سواء (نائلك) أي عطاءك (السّحاب) أي نائلها (وإنّما حمّت به) أي صارت محمومة به أي بعدم مشابهة نائلها نائلك، وهو الظاهر، أو بسبب نائلك الفائق على نائلها، أو بسبب نائلها النازل عن نائلك (فصبيبها) الذي كان إلى الآن نائلا الآن (الرّحضاء)(1) بالمهملتين ومعجمة على وزن السفهاء العرق من أثر الحمى فنزول المطر من السحاب صفة ثابتة له، لا يظهر لها علة في العادة، وقد علل بأنه عرق حماها الحادثة بسبب أحد من الأمور المذكورة، وفيه نظر؛ لأن لنزول المطر سببا على اختلاف بين أهل الشرع والحكمة، ولا يذهب عليك أنه يمكن جعل البيت من قبيل إثبات صفة غير ثابتة خارجة عن الإمكان، وهو إثبات العرق للسحاب.
(أو يظهر لها) أي للصفة (علة) غير العلة (المذكورة) وذلك قسمان:
أحدهما أن تنفى علته غير المذكورة، ومنه المثال، وثانيهما: أن لا تنفى، وإنما قال غير المذكورة لأنه لو كانت هي المذكورة كانت علة حقيقية، فلم يكن من حسن التعليل في شيء، كذا ذكره الشارح المحقق، وتعقبه المحقق الشريف بمنع الملازمة لجواز أن تكون الظاهرة في العادة غير مطابقة للواقع وتكون من المشهورات الكاذبة، فالتقييد لأنه ليس من حسن التعليل لعدم لطف الاعتبار ودقته، لظهوره بحسب العادة، وقد عرفت حقيقة البحث بما لا مزيد عليه فكن متذكرا متدبرا.
(كقوله [ما به) أي مع الممدوح (قتل أعاديه ولكن يتّقي أخلاف ما ترجو الذّئاب)] (2) من وجود القتلى بعد محاربة الفريقين فمحبة تحقيق رجاء الراجين وكراهية خيبة الرجاء دعاه إلى قتلهم، فلقتل الأعداء علة ظاهرة في العادة هي النجاة من شرهم وخلوص الملك من ضرهم، فقد نفى عليتها بحصر العلية في الاتقاء عن خيبة الرجاء، وعلله بغير ما هو علته في العادة، قال المصنف:
(1) انظر البيت في الإيضاح: (322) الرّحضاء: عرق الحمى.
(2)
البيت للمتنبي، في شرح ديوانه:(1/ 144)، والأسرار (337)، والإشارات:(281)، والإيضاح:(322).
ويستتبع مدحه بكمال الشجاعة حتى ظهرت على الحيوانات العجم، فوثقوا بوجود القتلى في محاربته مع الأعداء، وفيه ضعف؛ لأن المجزوم به للذئاب وجود القتلى للمحاربة لا وجود القتلى من أعدائه، وليس في الشعر إشارة إليه؛ نعم كما قال:
يستتبع مدحه بأنه لا يقتل لغلبة الغضب عليه، وقوته الغضبية ليست متصفة برذيلة الإفراط، كما قال الشارح مدحه بكمال الشجاعة حتى أمن من شر الأعداء فلا يحتاج إلى قتلهم واستئصالهم.
(والثانية) أي الغير الثابتة التي أريد إثباتها (إما ممكنة كقوله): أي قول مسلم بن الوليد:
[(يا واشيا)] من وشى به إلى السلطان سعى ونمّ (حسنت فينا إساءته) أي ما قصدت به الإساءة أو ما كانت إساءة في حد ذاتها لكن حسنت لما ترتب عليه (نجّى حذارك) أي محاذرتك أي حذارى منك كما يدل عليه قول المصنف فيما بعد: حذاره منه، وقال الشارح: أي حذارى إياك وهو يدل على تعديته بنفسه (إنساني) الإضافة استغراقية أي كلا من إنسان عيني (من الغرق)(1) الجملة منادى لها فعلم أن حسن التعليل يتحقق بذكر ما يصلح علة، سواء كان ما يشعر بالتعليل أولا.
(فإن استحسان إساءة الواشي ممكن) الظاهر فإن حسن إساءة الواشي ممكن؛ لأن الظاهر أن العلة علة حسن لا علة الاستحسان المذكور ضمنا، وكأنه حمل قوله: حسنت فينا على أنه حسنت في نظرنا، والأظهر أن فينا متعلق بالإساءة (لكن لما خالف الناس فيه) حيث لا يستحسنونها (عقبه بأن حذاره منه نجى إنسانه من الغرق في الدموع) حيث ترك البكاء خوفا منه فإن قلت المناسب أن يقول نجي نفسي من الغرق فإنه الدال على كثرة الدمع والمبالغة فيها دون ما ذكره فإن إنسان العين يفرق بدمع قليل: قلت بل المبالغة فيما ذكره لأن إنسان العين هو الساكن في الماء، الماهر في علم ما، فإذا كان يغرق لكثرة الدمع ففرق نفسه بالطريق الأولى، ولا يخفى ما في هذا البيت من حسن تضمينه كمال الكآبة والحزن الموجب لكثرة الدمع في الغاية.
(1) البيت في ديوانه: (328)، والإيضاح:(324)، والطراز:(3/ 140) والمصباح: (241).
(أو غير ممكنة) عطف على ممكنة (كقوله) قال الشارح: هذا البيت للمصنف وقد وجد بيتا فارسيا فترجمه، وقيل هو:
(كزنبودي عزم جوزا خدّميش
…
كسن نديدي برميان أو كمر)
يقال حكم الشارح بأن البيت للمصنف من قوله في الإيضاح، فكمعنى بيت فارسي ترجمته لو لم يكن البيت، فجعل قوله ترجمته على صيغة المتكلم، وهو يحتمل المصدر كما حمله عليه شارح الأبيات قلت الظاهر كونه مصدرا إذ لو كان ماضيا لتعدى إلى المفعول الثاني بالباء فيجب ترجمته بقوله:
(لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته
…
لمّا رأيت عليها عقد منتطق) (1)
اسم مفعول من انتطق أي شد المنطقة، وحول الجوزاء كواكب يقال لها منطقة الجوزاء، وما في الشرح من قوله: من انتطق أي شد النطاق، وحول الجوزاء كواكب يقال لها نطاق الجوزاء ففيه أنه لا تساعده اللغة إذ النطاق ككتاب شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها، فترسل الأعلى على الأسفل والأسفل ينجر على الأرض، ليس لها حجزة، ولا يتفق، ولا ساقان فانتطق لم يجئ بمعنى شد النطاق؛ بل وانتطق بمعنى شد المنطقة، وما للجوزاء شبيه بالمنطقة لا بالنطاق، فنية الجوزاء خدمة الممدوح صفة غير ممكنة، كذا في الإيضاح، ويستفاد منه أن المعلل نية الجوزاء خدمة الممدوح، ويتجه عليه أولا أن نية الخدمة علة لشد المنطقة دون العكس، وثانيا ما ذكره الشارح من أن أصل لو امتناع الجزاء لامتناع الشرط، فيكون مفهوم العبارة أن العقد المنتطق لنية الخدمة، لكن لا يتجه ما ذكره الشارح فيكون من قبيل الضرب الأول، مثل قوله: لم يحك نائلك البيت؛ لأن المعلل هو رؤية عقد المنتطق عليه أعني الحالة الشبيهة بانتطاق المنتطق، وهي صفة ثابتة قصد تقليلها بنية خدمة الممدوح- لأنه يجوز أن يكون المراد أن يعلل بها عقد المنتطق الحقيقي، ويكون نفي الرؤية عقد المنتطق عليه كناية عن عدم عقد المنتطق، فيكون عقد المنتطق الحقيقي معللا بنية الخدمة، وكيف لا ونية الخدمة علة لعقد الحقيقي لا للحالة الشبيهة به، ولا لرؤيتها، وقد
(1) الجوزاء برج في السماء، وحولها نجوم تسمى نطاق الجوزاء. العقد ما يلبس في العنق، ومراده به هنا هذا النطاق المشير له بترصيعه على طريق الاستعارة. والمنطق: لابس النطاق أو المنطق وهي ما يشبه به الوسط. وانظر البيت في الإيضاح: (324).
نبه على فساد ما في الإيضاح من شرح كلام التلخيص مخالفا لما في الإيضاح، ولم يلتفت إليه لدعوى أنه غفل في الإيضاح دون التلخيص لأنه الأصلح، فالحمل عليه أرجح، فقال إنه أراد أن الانتطاق صفة ممتنعة الثبوت للجوزاء، وقد أثبتها الشاعر وعللها بنية خدمة الممدوح، فليس مخطئا مرتين مرة في مخالفته كلام الإيضاح في شرح كلام التلخيص، ومرة في جعل الانتطاق معللا، مع أن المعلل رؤية الحالة الشبيهة بالانتطاق، كما زعم الشارح، قال الشارح المحقق في المختصر:
والأقرب أن يجعل «لو» هاهنا مثلها في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا أعني الاستدلال بانتفاء الثاني على انتفاء الأول، فيكون الانتطاق علة لكون نية الجوزاء خدمة الممدوح، أي دليلا عليه، وعلة للعلم به مع أنه وصف غير ممكن، وقد زيف هذا الأقرب في الشرح بأنه تكلف، وخروج عن الظن لأن المتبادر من قوله أن ندعى لوصف علة مناسبة له العلة لنفس ذلك الشيء لا للعلم به، ونحن جرينا في شرح كلام المتن على هذا الظن لأن العدول عن الظاهر أشق من حمل ما وقع عنه في الإيضاح على السهو، فإن قلت بل لا يصح أن تجعل العلة أعم من علة العلم لأن الدليل علة العلم حقيقة فلا يصح في شأنه لكونه علة غير حقيقية! قلت الدليل ما لو سلم ثبت به المطلوب ويجوز أن يراد بالحقيقي منه ما يثبت المطلوب فلو كانت مقدمة من مقدماته غير ثابتة بل مبنية على اعتبار لطيف غير حقيقي لم يكن دليلا حقيقية كما فيما نحن فيه، فإن استلزام عدم نية الجوزاء خدمته لعدم رؤية عقد المنتطق عليه مبني على اعتبار لطيف، ولا حقيقة له لكن جعل الدليل حقيقيا وغير حقيقي بهذا الاعتبار غير متعارف، ولا يتبادر من الدليل الحقيقي إلا ما يصدق عليه تعريف الدليل، فليكن هذا أيضا من موجبات بعد التوجيه الأقرب.
(والحق به) أي بحسن التعليل (ما بني على الشك) المراد به ما يشمل الظن لأن كأن للظن وإنما جعل ملحقاته لا داخلا فيه؛ لأن المعتبر فيه إصرار في الدعوى كما أوضحناه.
(كقوله) أي أبي تمام: ([كأنّ السّحاب])(الغرّ) جمع أغر، والمراد السحاب الماطرة الكثيرة الماء لأنها أشرف السحب (غيّبن تحتها) أي تحت الربى
ذكرت في البيت السابق (حبيبا) أي محبوبة (فما ترقا) أي ما تسكن مخفف ترقا مهموزا (لهنّ) أي للسحاب (مدامع) جمع مدمع، ونسبة السيلان إلى المدامع كنسبة الجريان إلى النهر، وعدم سكون دموع السحاب إما لحزنها، كما هو الظاهر، أو ليدفع الربى بالسيلان، فيجد الحبيب المغيبة تحتها، وفي الشرح قال بعض النقاد: فسر هذا البيت قوم فقالوا: أراد بحبيب نفسه، ولا أدري ما هذا التفسير، قلت: وجه هذا التفسير أنه قصد به الملائمة لمطلع القصيدة، وهو قوله:
إلا أنّ صدري من عراوي بلاقع
…
عشيّة ساقني الدّيار البلاقع (1)
هذا كلامه قلت: كان وجه استفسار هذا الناقد استكشاف عن وجه التعبير عن نفسه بالحبيب، ولا يفيده ما ذكر الشارح، ووجهه أنه حبيب السحاب لكونه معينا لها في إسالة المياه، ونظيره في عدم سكون مدامعه، (ومنه التفريع) سمي به لأنه تفريع إثبات على إثبات.
(وهو أن يثبت لمتعلق أمر حكم بعد إثباته لمتعلق له آخر) بعدية ذاتية يترتب الإثبات الثاني على الأول فخرج نحو: غلام زيد راكب، وأبوه راكب، ودخل غلام زيد راكب كما أبوه راكب، ولم يحتج لإخراج الأول إلى زيادة قيد على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب، كما ذهب إليه الشارح المحقق.
(كقوله) أي: الكميت في قصيد يمدح بها أهل البيت [(أحلامكم)] جمع حلم، كفعل بمعنى العقل، لا حلم كقفل فإنه بمعنى الرؤيا (لسقام الجهل شافية) وصف بالعلم التام والعقل الكامل (كما دماؤكم تشفي من الكلب)(2) وصف بكونهم ملوكا وأشرافا والكلب على وزن فرس، شبه جنون يعرض للإنسان من عضة الكلب، الكلب على وزن الكتف بمعنى الكلب الذي جن من أكل لحم الإنسان، ولا دواء له أنجع من شرب دم ملك، وقيل يشق إبهام رجله ويؤخذ منه الدم.
(1) البيتان لأبي تمام في ديوانه ص 486 من قصيدة يصف قومه ويفخر بهم، والإيضاح ص 322.
(2)
البيت للكميت، وهو الكميت بن زيد شاعر، كان يتشيع للعلوين أيام الأمويين، والبيت في الإيضاح:(325)، والطراز:(3/ 135)، والمصباح:(238).