المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ٢

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌(الفصل و‌‌الوصل)

- ‌الوصل)

- ‌[والفصل]

- ‌[فشرط كونه مقبولا بالواو]

- ‌[فى بيان «كمال الانقطاع»]

- ‌[وأما كمال الاتصال]

- ‌[وأما كونها كالمنقطعة عنها]

- ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

- ‌ الجامع بين الشيئين)

- ‌[محسنات الوصل]

- ‌[والإيجاز ضربان]

- ‌[إيجاز القصر]

- ‌[وإيجاز حذف]

- ‌[وأدلة الحذف]

- ‌[الإطناب]

- ‌[ومنه باب نعم]

- ‌[ومنه التوشيع]

- ‌[وإما بذكر الخاص بعد العام]

- ‌[وإما بالتكرير]

- ‌[وإما بالإيغال]

- ‌[وإما بالتذييل]

- ‌[وإما لتأكيد مفهوم]

- ‌[أو بالتكميل]

- ‌[أو بالتتميم]

- ‌[أو بالاعتراض]

- ‌[وإما بغير ذلك]

- ‌[الفن الثاني علم البيان]

- ‌[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]

- ‌ التشبيه

- ‌[أركانه]

- ‌ وأقسامه

- ‌[إما حسيان أو عقليان إو مختلفان]

- ‌[والمراد بالحسي]

- ‌[والعقلي]

- ‌[وما يدرك بالوجدان]

- ‌[وجه التشبيه]

- ‌[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]

- ‌[أو عقلية كالنفسية]

- ‌[وإما إضافية]

- ‌[وأيضا إما واحد]

- ‌[أو متعدد]

- ‌[والعقلي أعم]

- ‌[والمركب الحسي فيما طرفاه مفردان]

- ‌[أو مركبان]

- ‌[أو مختلفان]

- ‌[ويجوز التشبيه أيضا]

- ‌[إما تشبيه مفرد بمفرد]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمركب]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمفرد]

- ‌(وباعتبار وجهه)

- ‌(إما تمثيل أو غير تمثيل)

- ‌[إما مجمل او مفصل]

- ‌[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]

- ‌[وإما لكثرة التفصيل أو لقلة تكريره]

- ‌[وباعتبار أداته]

- ‌[وباعتبار الغرض]

- ‌(خاتمة)

- ‌[وأعلى مراتب التشبيه]

- ‌(الحقيقة والمجاز)

- ‌[والوضع تعيين اللفظ]

- ‌[والمجاز مفرد ومركب]

- ‌[والمجاز المرسل]

- ‌[الاستعارة واقسامها]

- ‌ وقرينتها

- ‌[وهي باعتبار الطرفين قسمان]

- ‌[وباعتبار الجامع قسمان]

- ‌[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

- ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

- ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

- ‌(فصل) الأقوال في الاستعارة بالكناية ثلاثة:

- ‌[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]

- ‌[فصل: عرف السكاكي الحقيقة]

- ‌[وعرف المجاز اللغوي]

- ‌[وقسم المجاز الى الاستعارة وغيرها]

- ‌(وفسر التحقيقية

- ‌[وفسر التخيلية]

- ‌[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌[فصل: قد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم إعرابها]

- ‌وذكر الشارح المحقق له وجهين:

- ‌(الكناية)

- ‌[وهي ثلاثة أقسام]

- ‌[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]

- ‌([الفن الثالث] علم البديع)

- ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

- ‌[من المحسنات المعنوية]

- ‌[ومنه مراعاة النظير]

- ‌[ومنه الإرصاد]

- ‌[المشاكلة]

- ‌[(ومنه: المزاوجة)]

- ‌[التورية]

- ‌[الاستخدام]

- ‌[اللف والنشر]

- ‌[ومنه التجريد]

- ‌[ومنه المبالغة المقبولة]

- ‌[ومنه المذهب الكلامي]

- ‌[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

- ‌[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]

- ‌[ومنه الاستتباع]

- ‌[ومنه الإدماج]

- ‌[ومنه التوجيه]

- ‌[ومنه متشابهات القرآن]

- ‌[ومنه الهزل وتجاهل العارف]

- ‌[ومنه القول بالموجب]

- ‌[وأما اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين]

- ‌[فإن كانا من نوع واحد كاسمين سمي تماثلا]

- ‌[وإن كانا من نوعين سمي مستوفي]

- ‌[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]

- ‌[وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرزا]

- ‌[وإن اختلفا في أعدادها يسمى ناقصا]

- ‌[وإن اختلفا في أنواعها فيشترط ألا يقع]

- ‌[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]

- ‌[ومنه السجع]

- ‌[ومن السجع ما يسمى التشطير]

- ‌[ومنه الموازنة]

- ‌[ومنه القلب]

- ‌[والتشريع]

- ‌[ومنه لزوم ما لا يلزم]

- ‌(خاتمة)

- ‌(في السرقات)

- ‌ الظاهر

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]

- ‌[وأما غير الظاهر]

- ‌[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

- ‌[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

- ‌[أحدها: الابتداء]

- ‌[ثانيها: التخلص]

- ‌[ثالثها: الانتهاء]

الفصل: ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

القرينة، فإنها إما حالية أو لفظية، وإما واضحة أو خفية.

فالمراد أن الاستعارة باعتبار اقتران ملائم لأحد الطرفين سوى القرينة؛ إذ لا استعارة باعتبار لأحد الطرفين إلا وفيها تقارن ملائم المستعار منه، أعني:

القرينة، فلو لم تكن القرينة خارجة عن الاعتبار لم توجد مطلقة، وقد استخرج شارحوا المفتاح خروج القرينة عن الاعتبار، حيث قال في تعريف المطلقة:

وهي ما لم تعقّب بصفة ولا تفريع عن التعقيب، فقالوا: في لفظ التعقيب إشارة إلى أن اعتبار التجريد والترشيح يكون بعد تمام الاستعارة، حتى لا تعدّ القرينة تجريدا مع كونها من خواص المشبه؛ ولذا جعل: في الحمام أسد خلوا من الترشيح والتجريد؛ لما أنه لما رأى المصنف أن في لفظ التعقيب إيهام اشتراط كون الملائم بعد الاستعارة عدل عنه، فقال:

[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

(ثلاثة أقسام مطلقة، وهي ما لم تقرن) ولم يقل ما لم تعقب، ولم يفته ما قصد به السكاكي؛ لأنه يستفاد من إسناد الاقتران إلى الاستعارة؛ لأن القرينة من تتمة الاستعارة، فالمقارن بدون القرينة ليست استعارة مقرونة بما يلائم (بصفة ولا تفريع) يريد بالتفريع: ما يكون إيراده فرع الاستعارة، سواء ذكر على صورة التفريع، وهو تصديره بالفاء أو لا نحو: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (1) حيث جعله «اليمتني» (2) من التفريع؛ لأن ذكر الإذاقة مع اللباس فرع استعارته لشدائد الجوع والخوف، ولما كان الصفة شاعت في النحوية قال:

(والمراد بالصفة المعنوية لا النعت النحوي) وتذكير النحوي لتذكير الصفة بعبارة المراد، وقدر الشارح موصوفه النعت على ما يقتضيه الإيضاح.

ونحن تبعنا داعي دقة النظر والصفة المعنوية يحتمل ما قام بالغير، وما دل على ذات مبهمة باعتبار معين هو المقصود.

وقد تنبهت بما ذكر أن التفريع أيضا كان محتاجا إلى توضيح.

(1) النحل: 112.

(2)

كذا بالأصل، ولعله الخطيب اليمني، قال في كشف الظنون:«وأما من شرح القسم الثالث منه- أي المفتاح- فذكر جماعة منهم: الخطيب اليمني» ، فلعله هو، والله أعلم.

ص: 285

(ومجردة، وهي ما تقارن بما يلائم المستعار له) ينبغي أن تقيد ما يلائم المستعار له بأن يكون فيه تبعيد للكلام عن الاستعارة وتزييف لدعوى الاتحاد؛ إذ ذكروا أن في التجريد كسر المبالغة في التشبيه، فعلى هذا لا يكون فيه تبعيد الكلام في قوله:

قامت تظللّني ومن عجب

شمس تظللّني من الشمس (1)

تجريد من إسناد التظليل؛ لأن التعجب من التظليل أخرجه عن أن يوجب خللا في دعوى الاتحاد؛ إذ لو لم يكن عين الشمس، كيف يتعجب من تظليله.

(كقوله) أي: قول كثيّر تصغير كثير صاحب عزة [(غمر الرّداء) أي: كثير العطاء استعير الرداء للعطاء؛ لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء، ما يلقى عليه من الغبار والدنائس، بقرينة سياق الكلام، وذكر الغمر لا للقرينة، بل للتجريد؛ لأنه الماء الكثير فأضافه إلى العطاء مريدا به الكثير، وقد شاع وصف العطاء بالكثرة، وتعارف دون الرداء. قال الزمخشري: ولولا قصده إلى التجريد، وكأن قصده الترشيح لقال: سابغ الرداء؛ لأن الرداء هو الموصوف بالسبغ والسعة دون الكثرة.

هذا ونحن نقول: قد ذكر في القاموس: الغمر من الثياب السابغ، والغمر لمطلق الماء الكثير، فالغمر المضاف إلى الرداء بالترشيح أشبه على أنه لو حمل على الكثرة لاحتيج إلى التجريد من الماء.

وهاهنا نكتة لا بد من التنبيه عليها، وهي أنه إذا اجتمع ملائمان للمستعار له، فهل يتعين أحدهما للقرينة أو الاختيار إلى السابغ يجعل أيهما شاء قرينة والآخر تجريدا؟

قال بعض الأفاضل: ما هو أقوى دلالة على الإرادة للقرينة والآخر للتجريد.

ونحن نقول: أيهما سبق في الدلالة على المراد قرينة والآخر تجريد، كيف لا والقرينة ما نصبت لدلالة على المراد، وبعد سبق أحد الأمرين في الدلالة لا معنى لنصب اللاحق؟

(1) سبق تخريجه.

ص: 286

فعلى هذا كون الغمر تجريدا، وسياق الكلام قرينة محل نظر، والأوجه: أن كلا من الملائمين المجتمعين إن صلحت قرينة فقرينة، ومع ذلك الاستعارة مجردة، ولا تقابل بين المجردة ومتعددة القرينة، بل كل متعددة القرينة مجردة.

(إذا تبسّم) البسم والتبسم والابتسام أقل الضحك وأحسنه، فقوله:

[(ضاحكا)] حال مؤكدة.

ولك أن تجعله حالا مقيدة، فإن تبسم الكريم قد يكون في مقام الإنعام وعلامة لإنجاح السؤال، وقد يكون لمجرد الضحك، فقوله:«ضاحكا» احتراز عن التبسم معطيا ومجيبا للسؤال، يعني: بلغ من العطاء أن تبسمه حال ضحكه من غير إرادة إجابة سؤال تملك السائلين أمواله، والمراد: التمليك في الواقع، لا في ظن السائلين كما ظن فإن فيه رعاية مقام المدح.

تتمة البيت [غلقت بضحكته رقاب المال](1) يقال: غلق الرهن في يد المرتهن إذا لم يقدر الراهن على انفكاكه، وهذا مجاز مشهور، أصله أنه كان في الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المشروط ملك المرتهن الرهن، كذا في الفائق.

فمعنى البيت: إذا تبسم غلقت رقاب أمواله في أيدي السائلين.

قال المصنف في الإيضاح: وعليه قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وذكر في بيانه ما تنقيحه: أن الإذاقة تجريد للباس المستعار لشدائد الجوع والخوف بعلاقة العموم جميع البدن عموم اللباس؛ ولذا اختاره على طعم الجوع الذي هو أنسب بالإذاقة، وإنما كانت الإذاقة من ملائمات المستعار له، مع أنه ليس الجوع والخوف من المطعومات؛ لأنه شاعت الإذاقة في البلايا والشدائد، وجرت مجرى الحقيقة في إصابتها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب، شبه ما يدرك من أثر الضر والألم بما يدرك من طعم المر والبشيع، واختار التجريد على الترشيح، ولم يقل: فكساها الله لباس الجوع والخوف؛ لأن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس، فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة ليست في الكسوة؛ هذا كلامه.

(1) البيت لكثير عزة في الإيضاح ص 269.

ص: 287

وقد اقتفى في ذلك أثر الزمخشري، فقوله: شبه ما يدرك من أثر الضر والألم، وبما يدرك من طعم المر والبشيع بيان لوجه تعارف الإذاقة والذوق في إصابة الشدائد، وما نشأ منه هذا التعارف لبيان أن في الآية استعارتين:

إحداهما: تصريحية، وهو أنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من بعض الحوادث باللباس؛ لاشتماله على اللابس، ثم استعير له اللباس.

والأخرى: مكنية، وهو أنه شبه ما يدرك من أثر الضر والألم بما يدرك من طعم المر والبشيع، حتى أوقع عليه الإذاقة، فتكون الإذاقة استعارة تخييلية لا تجريدية، كما ظنه الشارح فنسب إلى القوم والزمخشري اعتبار تينك الاستعارتين في الآية؛ لأن جعل الإذاقة قرينة للاستعارة بالكناية يقتضي إرادة حقيقتها، وجعلها تجريدا إرادة ما تفارقت من إصابة الشدائد، ولا يجتمعان.

وإن قال بعض: أن لا بأس بإرادة حقيقة الإذاقة لجعلها قرينة على الاستعارة بالكناية، لا لاعتبارها في نظم الكلام، وإرادة المعنى المتعارف في نظم الكلام؛ لأنه خال عن التحصيل على أن إرادة حقيقة الإذاقة هنا تحتاج إلى قرينة، فكيف تجعل قرينة على الاستعارة بالكناية.

(ومرشحة) عطف على مجردة، كما أن المجردة عطف على مطلقة، والثلاثة خبر مبتدأ محذوف، أي: هي مطلقة ومجردة ومرشحة، وملاحظة العطف سابقة على ملاحظة الربط ليصح جعلها خبرا من الكناية عن الأقسام الثلاثة.

وأما ما يشعر به كلام الشارح أن الثلاثة أخبار لمقدرات ثلاثة: أي الأول مطلقة، والثاني مجردة، والثالث مرشحة، فبعيد ولعل مراده ليس ما تشعر به عباراته.

(وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه) ولم يلتفت إلى ما يقرن بما يلائم المستعار له في الاستعارة بالكناية، مع أنه أيضا ترشيح لأنه ليس هناك لفظ يسمى استعارة، بل تشبيه محض.

وكلامه في الاستعارة المرشحة التي هي قسم المجاز لا في ترشيح يشمل ترشيح الاستعارة، والتشبيه المضمر في النفس، وأما عدم التفاوت فالسكاكي يوهم ما ليس عنده، وهو: أن المرشحة من أقسام الاستعارة المصرحة، إذ التحقيق أن

ص: 288

الاستعارة بالكناية إن أريد فيها على المكنية ما يلائمها تصير مرشحة عنده.

(نحو أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ (1)) فإنه استعار الاشتراء للاستبدال، ثم فرّع عليها ما يلائم الاشتراء من فوت الربح، واعتبار التجارة.

وقد نبه على أن التقسيم اعتباري بقوله: (وقد يجتمعان) أي: التجريد والترشيح، أو على دفع ما يتوهم من التنافي بين التجريد والترشيح، فإن أحدهما يدعو إلى الاتحاد، والآخر إلى التعدد، ووجه اجتماعهما صرف دعوى الاتحاد إلى المشبه المقارن بالصفة والتفريع والمشبه به حتى يستدعي الدعوى ثبوت الملائم للمشبه به أيضا.

(كقوله) أي: قول زهير:

[لدى أسد شاكّ السّلاح) أي: حاد السلاح، وأصله شائك من الشوكة التي هي الحدة والبأس، وقد تحذف الياء بعد القلب، ويجرى الإعراب على الكاف، فلا تكتب الياء؛ والسلاح بالكسر: آلة الحرب أو حديدتها، وبالضم النجو.

ومن التراكيب المشهورة سلاحه سلاحه في طير يقال له بالعجمية تقدري، وهو كثير النجو يحارب مع البازي بالنجو، فإنه يطير فوقه ويدفع نجوه عليه بحيث يسيل من رأسه إلى قدمه فيسقط ويعجز عن الطيران.

قال الشارح: هذا تجريد؛ لأنه وصف يلائم الرجل الشجاع.

قلت: وكذا المقذف لو فسر بمن أوقع في الوقائع كثيرا، وأما لو فسر بمن كثر لحمه حتى كأنه قذف ورمى باللحم، فهل هو ترشيح وأنسب بالأسد لا يبعد أن يكون كذلك، وكأنه لذا جعله الشارح داخلا في ترشيح البيت، فقال بعد قوله:

(مقذّف له لبد أظفاره لم تقلّم)] (2) هذا ترشيح، واللبد: كعنب جمع لبدة كحكمة، وهي الشّعر المتراكب بين كتفيه، وفي جمع اللبدة إشعار بأنه من كمال

(1) البقرة: 16.

(2)

البيت في ديوانه: (23) من معلقته المشهورة التي يمدح فيها الحارث بن عوف، وهرم بن سنان. انظر البيت في: الإيضاح: (254، 270).

ص: 289

ضخامته تعدد لبدته، والتقليم: القطع، وفي كون عدم التقليم ترشيحا نظر؛ لأن الأسد بعيد عن الوصف بعدم تقليم الظفر، بل هو بالتجريد أشبه؛ لأنه إنما يوصف بعدم تقليم الظفر ما من شأنه التقليم، ولو أريد بعدم تقليم الظفر سلب الضعف على ما في شروح «الكشاف» من أنه يقال: فلان مقلوم الأظفار ضعيف فهو مما لا اختصاص له بشيء من الأسد والرجل القوي الشجاع، إلا أن يقال: الوصف بعدم الضعف أخص بالأسد.

(والترشيح أبلغ) من الإطلاق والتجريد، وكذا الإطلاق من التجريد، والترشيح: الصرف من جمع الترشيح والتجريد.

(لاشتماله على تحقيق المبالغة) في ظهور العينية التي توجب كمال المبالغة في التشبيه، فيكون أكثر مبالغة، وأتم مناسبة بالاستعارة، فقوله:(لاشتماله) يصلح أن يكون دليلا على ما أريد بقوله: (أبلغ) سواء كان من المبالغة، أو البلاغة.

(ومبناه) أي: مبنى الترشيح (على تناسي التشبيه حتى إنه يبنى) أي:

يجري صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية (على علو القدر ما يبنى) ويجري (على علو المكان) في مقام استعارة علو المكان لعلو القدر.

(كقوله) أي: قول أبي تمام من قصيدة يرئي بها خالد بن يزيد الشيباني، ويذكر أباه ويمدحه في هذا البيت:

[(ويصعد حتّى يظنّ) بلام الابتداء، والماضي المعروف على ما هو الرواية المشهورة، وفي شرح العلامة يظن على صيغة المضارع (الجهول) فضلا عن الذكي العارف (بأنّ له حاجة في السّماء)](1).

إشارة إلى أنه يظن أنه لا يتوقف حتى يدخل السماء، ويسرع في الصعود كما هو شأن الساعي في الحاجة، فقد بالغ بذكر الجهول في ظهور صعوده إلى السماء، فلا يرد أن إسناد ظن الصعود إلى كامل الجهل قاصر في المبالغة في صعوده إذ فيه

(1) أورده السكاكي في المفتاح: (494)، وبدر الدين بن مالك في المصباح:(138)، وعزاه لأبي تمام، والرازي في نهاية الإيجاز:(252)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:(225)، والقزويني في الإيضاح:(434).

ص: 290

كمال المبالغة.

وذكر الشارح في دفعه: أنه ذكر «الجهول» إشارة إلى أنه غني بالله، وظن الحاجة به جهل عظيم.

قال المصنف: فلولا أن قصده أن يتناسى التشبيه ويصر على إنكاره، فيجعله صاعدا إلى السماء من حيث المسافة المكانية لما كان لهذا الكلام وجه، وفيه نظر؛ إذ لو توقف الترشيح على تناسي التشبيه لما صح مع التصريح بالتشبيه، فإذا صح البناء على المشبه به مع التصريح بالتشبيه، فلا يتم أنه لولا تناسي التشبيه؛ لما كان لهذا الكلام وجه.

(ونحوه) أي: نحو البناء على علو القدر ما يبنى على علو المكان (ما مر من التعجب) في قوله:

قامت تظلّلني ومن عجب

شمس تظللني من الشّمس

[(والنهي عنه) أي: عن التعجب في قوله:

[لا تعجبوا من بلى غلالته](1)

قال في الإيضاح: غير أن مذهب التعجب عكس مذهب النهي عنه، فإن مذهبه إثبات وصف يمتنع ثبوته للمستعار منه، ومذهب النهي عنه إثبات خاصة من خواص المستعار منه، ثم أشار إلى زيادة تحقيق، وتقرير لهذا الكلام بقوله:

(وإذا جاز البناء على الفرع مع الاعتراف بالأصل) قال في الإيضاح: وإذا جاز البناء على المشبه به مع الاعتراف بالمشبه، فهذا حمل الشارح على أن حمل الفرع على المشبه به، والأصل على المشبه، فقال في توجيهه: إن الأصل في التشبيه، وإن كان هو المشبه به من جهة أنه أقوى وأعرف في وجه الشبه، لكن المشبه أيضا أصل من جهة أن الغرض يعود إليه، وأنه المقصود في الكلام، ووافقه السيد السند في شرح عبارة المفتاح.

ونحن نقول: وإن نساعد في إطلاق الأصل على المشبه، والفرع على المشبه به، لكن لا يخفى أن البناء على الفرع هنا، وفي عبارة «المفتاح» في محاذاة قوله

(1) البيت لابن طباطبا العلوي، وهو أبو الحسن محمد بن أحمد المتوفي سنة 322 هـ. انظر البيت في: الطراز (2/ 23)، نهاية الإيجاز: 253، والمصباح:(129)، والإيضاح:(259).

ص: 291

حتى إنه يبنى على علو القدر، وعلو القدر هو المشبه، ومع ذلك لا يرضى العارف بمساق الكلام أن يجعل الفرع عبارة عن المشبه به، فلا تحمل عبارته على ما حمله الشارح؛ لأن المانع أقرب من الداعي، بل نقول: مراده بالفرع المشبه، ويريد: أنه إذا جاز بناء حال الأصل، وهو المشبه به وإجراؤه على الفرع، وهو المشبه مع الاعتراف بالأصل، وعدم الإصرار على إنكار أن هناك متعددا فضلا عن جعل بعضه أصلا، وبعضه فرعا على أن توجيه ما في الإيضاح، والجمع بينه وبين ما في الكتاب يمكن بأنه قصد في الإيضاح إلى بيان يئول إلى ما يئول إليه ما ذكره هنا، ولم يقصد الاتحاد بينهما في المفهوم، حتى يكون كلام الإيضاح شارحا لخصوصيات هذا النظم.

(كما في قوله) أي: العباس بن الأحنف:

[(هي الشّمس مسكنها في السّماء فعزّ) أي: حمل على الصبر الفؤاد (الفؤاد عراء جميلا فلن تستطيع) أنت (إليها) أي: إلى الشمس (الصّعود ولن تستطيع) أي: الشمس (إليك النّزولا](1) فمع جحده أولى) هذا جواب قوله: وإذا جاز أي فالبناء على الفرع مع جحد الأصل كما في الاستعارة أولى، ولا يخفى أن قولنا:

هي الشمس دعوى الاتحاد، ومع دعوى الاتحاد والاعتراف بالأصل.

نعم في الاستعارة استغناء عن دعوى الاتحاد لجعله أمرا مقررا، فينبغي أن يقال: وإذا جاز البناء على الفرع مع جحد الأصل فمع تقرره أولى، ولا خفاء في أنه كما أن إثبات حال الأصل للفرع يحتاج إلى توجيه، يحتاج إثبات حال الفرع له، مع جحد الأصل وتناسي التشبيه، وجعل الفرع عين الأصل إلى توجيه؛ لأنه مع تناسي الإثنينية، وجعل اتحاد المشبه مع المشبه به نصب العين كيف يسوغ إثبات حال المشبه، وإضافة ما هو من خواصه إليه؟ فتوجيه الترشيح صار موجب خفاء أمر التجريد، وقد قدمنا لك في توجيه اجتماعهما ما ينفعك هنا، وربما يوجّه بأن التجريد متابعة الواقع، والترشيح متابعة الادعاء، فلكل وجهة هو موليها. وما قدمنا أعذب، وبمشرب البلاغة أنسب.

(وأما) المجاز (المركب) عديل لبيان المجاز المفرد بجعل البيان السابق في قوة

(1) البيتان في ديوانه: (221)، والإيضاح:(271)، والمصباح:(139) وأسرار البلاغة: (168).

ص: 292

قولنا: أما المجاز المفرد فكذا تفصيلا لمطلق المجاز المعرف في صدر المبحث.

(فهو اللفظ) المركب، كذا في الإيضاح، فكأنه أشار إلى أن المراد باللفظ المركب وترك التقييد اعتمادا على أن تقييد المعرف بالتركيب يفيده، فخرج المجاز المفرد بوضوح قيد التركيب (المستعمل فيما) أي: معنى (شبه بمعناه الأصلي) يعني المطابقي، وبهذا تم تعريف المجاز المركب، إلا أنه أراد التنبيه على أن التشبيه الذي يبتني عليه المجاز المركب لا يكون إلا تمثيلا، وتوضيح أنه لا يكون تشبيه صورة منتزعة من عدة أمور إلى مثلها إلا في وجه ينزع من عدة أمور، كما اتفقت كلمتهم عليه، وإن نبهناك على أنه لا يتم فتذكر، فزاد قوله:

(تشبيه التمثيل)(1) ولم يكتف بقوله تمثيلا؛ لأن التمثيل مشترك بين التمثيل، وهذه الاستعارة، فاحترز عن استعمال اللفظ المشترك في التعريف أو عن إيهام أخذ المعرف في المعرف، ولم يحترز بقوله: تشبيه التمثيل عن الاستعارة المفردة، فيغني عن اعتبار التركيب في التعريف؛ لأنه قد سبق منه أن طرف التمثيل قد يكون مفردا.

وهذا يقتضي صحة بناء الاستعارة المفردة على التمثيل، فإخراج قوله: تشبيه التمثيل الاستعارة المفردة على التمثيل، فإخراج قوله تشبيه التمثيل تلك الاستعارة لا تصلح للتعويل.

وزعم السيد السند: أن طرف التمثيل لا يصح أن يكون مفردا، وما اشتهر في كلامهم كلام ظاهري مبنيّ على التسامح، فكلما يذكر الطرف مفردا فمعه ألفاظ مقدرة ينساق الذهن إليها، فلما لم يذكر إلا مفردا، قيل: إن الطرف مفرد مسامحة، والشارح المحقق، وإن لم يوافقه في هذا في بحث التمثيل إلا أنه جعل قوله: تشبيه التمثيل للاحتراز عن المجاز المفرد، ولا يخفى أنه على هذا ينبغي تقديم قوله للمبالغة في التشبيه على قوله: تشبيه التمثيل لاقتضاء التعريف تقديم المشترك الذي هو في عداد الجنس على المختص، الذي هو في عداد الفصل، وسيأتي لهذا مزيد تفصيل يكشف الغطاء عن وجه الحق إن شاء الله تعالى.

(1) هذا يفيد أن المجاز المركب لا يكون في المجاز المرسل كما يكون في الاستعارة، والحق أن يكون في المرسل أيضا، ومن ذلك استعمال الخبر في الإنشاء وبالعكس، والعلاقة فيهما الضدية أو اللزوم.

ص: 293

وقد اشتمل التعريف على العلة الفاعلية، وهي المتكلم المستعمل والصورية وهي الاستعمال؛ لأن الاستعارة معه بالفعل والمادية، وهو التشبيه؛ لأنها معه بالقوة فأراد إتمام الاشتمال على العلل، فصرح بالغاية بقوله:(للمبالغة في التشبيه)(1) ونبه به على أن الادعاء في هذه الاستعارة أيضا مرعي.

بقى أن كون الصورة المنتزعة معنى مطابقيا للمستعار منه غير ظاهر (كما يقال للمتردد في أمر: ) إن كان اختصارا لما في المفتاح كان المعنى كما يقال للمفتي المتردد في جواب المسألة، لكنه إخلال، وإن كان عدولا إلى أمثال جامع لما فيه، ولغيره، فالأمر واضح، وكأنه على الأول حمله الشارح المحقق حيث قال عطفا عليه:

ولما كتب الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان بن محمد، وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له: أما بعد، فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فإذا بلغك كتابي هذا فاعتمد على أيتهما شئت فتأمل.

وقوله: (إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى) بيان لكلمة ما، وليس مقول القول، فافهم.

والمشهور: أراك على صيغة المعروف، وللمجهول أيضا مساغ، وحينئذ بمعنى الظن، ولكل منهما مقام، والظاهر من العبارة أن أخرى صفة رجلا، وهو المشهود له في عبارة المفتاح؛ حيث قال: فنأخذ صورة تردد يعني المفتي فتشبيهها بصورة تردد إنسان قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا، وتارة لا يريد فيؤخر أخرى، ثم يدخل صورة المشبه في جنس صورة المشبه به روما للمبالغة في التشبيه، فتكسوها وصف المشبه به من غير تغيير فيه بوجه من الوجوه على سبيل الاستعارة قائلا:

أراك أيها الفتي تتردد، تقدم رجلا وتؤخر أخرى، ويشهد له عبارة الإيضاح أيضا حيث قال في بيان ما كتب الوليد بن يزيد: شبه صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا، وتارة لا

(1) يشير بهذا إلى اتحاد الغاية في المجاز المفرد والمركب وهى المبالغة في التشبيه، ولا يقصد به الاحتراز عن شيء.

ص: 294

يريد فيؤخر أخرى، فأورد عليه أن المتردد لا يقدم رجلا قدامه، ولا يؤخر رجلا أخرى خلفه، فدفعه الشارح المحقق في شرحه للمفتاح بأن المراد بالرجل الخطوة، والمعنى: تقدم خطوة قدامك، وتؤخر خطوة أخرى خلفك.

وأورد عليه: أن تأخير الخطوة المقدمة إلى موضع ابتدأ منه لا إلى خلف المتردد، فالأولى يقدم خطوة، ويؤخر خطوة أخرى، وبعد يرد أن المشهور في التردد تقديم الرجل وتأخيرها لا الخطوة، وتباعد السيد السند في التكلف، فقال:

المراد بالرجل الأخرى الرّجل التي قدمها جعلها رجلا أخرى؛ لأنها من حيث إنها أخرت مغايرة لها من حيث إنها قدمت، ولكن الظاهر ما ذكره أن أخرى صفة تارة، أي: تقدم رجلا تارة، وتؤخرها تارة فإن هيئة تردد المتردد في الذهاب هكذا.

(وهذا يسمى التمثيل) لاستلزامه التمثيل أو لبنائه عليه (على سبيل الاستعارة)؛ لأنه استعارة متضمنة للتشبيه، فالتشبيه التمثيلي فيه على طريق الاستعارة (وقد يسمى التمثيل مطلقا) وحينئذ يقيد اسم التشبيه، فيقال:

تشبيه تمثيل، وتشبيه تمثيلي، ولا يطلق التمثيل مطلقا على التشبيه.

اعترض الشارح على تعريف المجاز المركب بأنه: غير جامع لخروج مجازات مركبة ليست علاقتها التشبيه، كالأخبار المستعملة في الدعاء أو التحسر أو التحزن أو نحو ذلك.

ولا يبعد أن يقال: ما سوى الاستعارة التمثيلية من المجازات المركبة مجازات بالعرض، والمجاز بالأصالة أجزاؤها الداخلة في المجاز المفرد، فلو عدّ اللفظ الذي صار مجازا لتجوز في جزئه قسما على حدة من المجاز لكان جاء في أسد، وقوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ (1) وأمثالها مجازات مركبة، ولم يقل به أحد، بخلاف الاستعارة التمثيلية فإنها من حيث إنها استعارة لا تجوز في شيء من أجزائها، بل المجموع نقل إلى غير معناه من غير تصرف في شيء من أجزائه، فالمجاز المركب اللفظ المستعمل من حيث المجموع فيما شبه بمعناه

(1) آل عمران: 107.

ص: 295

الأصلي، ولا شيء مما ليس علاقته علاقة التشبيه كذلك.

بقي أن قولنا: حفظت التورية لمن حفظها، استعمل في لازم معناه من حيث المجموع، وليس باستعارة إلا أن يتكلف، ويقال: حفظت التورية لم يستعمل في لازم معناه، بل أفيد اللازم على سبيل التعريض. وفيه بحث، فتأمل.

ثم إنه يشكل استعارة المركب المشتمل على النسبة، وهي غير مستقلة لا ينبغي أن لا يجري منه الاستعارة بالأصالة، كما في الحرف، فهل هي كالاستعارة التبعية أولا؟ وبعد كونه تبعية اعتبرت الاستعارة أولا في أي شيء (ومتى فشا) أي:

انتشر (استعماله) أي: المجاز المركب أو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي، وجعل الضمير إلى التمثيل على سبيل الاستعارة أو التمثيل مطلقا يوجب اعتبار الاستخدام.

(كذلك) فسره الشارح بكونه على سبيل الاستعارة، واحترز به عن شيوع استعماله على سبيل التشبيه أو في معناه الأصلي، وهو تكلف؛ إذ شيوع استعمال التشبيه أو اللفظ في المعنى الأصلي غير داخل في فشو المجاز المركب، حتى يحترز عنه به.

فالوجه: أن المراد به عدم التغيير أي: متى فشا كذلك من غير تغيير تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا، ولم يعدل عن هيئة في المضرب، وحينئذ يكون أشد اتصالا بقوله، ولهذا لا يغير الأمثال، ولتعلقه بقوله:

(ويسمى مثلا) وجه أي: كما يسمى تمثيلا على سبيل الاستعارة، وتمثيلا مطلقا يسمى مثلا، ولا يبعده أن القصد إلى تسميته مثلا بخصوصه، وتسميته تمثيلا لا بخصوصه؛ لأن الكلام في كل فرد من المثل؛ لأن في نوع المثل بشهادة كلمة متى، فالتسمية مثلا أيضا لا بخصوصه.

(ولهذا) أي: لكون المثل تمثيلا فشا استعماله ملتزما فيه هيئة المورد، من غير تغيير يستدعيه المضرب (لا تتغير الأمثال) فلا يقال في خطاب الرجل الذي يطلب شيئا ضيعه قبل ذلك: ضيعت اللبن بالصيف بفتح التاء، بل بكسرها؛ لأنه كان واردا في امرأة، ولا يخفى أن «ضيعت اللبن» في مضربه لم يستعمل فيما استعير له في المورد، بل نقل إلى معنى آخر فهو استعارة متفرعة على استعارة

ص: 296

لصيرورة الاستعارة حقيقة في موردها.

ومما ينبغي أن لا يلتبس عليك الفرق بين المثل والإشارة إلى المثل كما في ضيعت اللبن على لفظ المتكلم فإنه مأخوذ من المثل، وإشارة إليه فلا ينتقض به الحكم بعدم تغيير الأمثال.

وللأمثال تأثير عجيب في الآذان وتقرير غريب لمعانيها في الأذهان، فهي بين الألفاظ كالموجوه، والمشاهر من الناس حتى يغير بلفظ المثل، ويستعار هذا اللفظ منه للحال، والصفة والقصة إذا كان لها شأن عجيب، وكثر ذلك في التنزيل كما في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً (1) الآية، أي: حالهم أو صفتهم أو قصتهم العجيبة الشأن الغريبة في نظر الأذهان.

وكقوله: الْمَثَلُ الْأَعْلى (2) أي الصفة العجيبة.

وكقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (3) أي: فيما قصصنا عليكم قصتها العجيبة لما فرع من بحث الاستعارة، وكأنه مظنة أن يؤخر عليه بأنه فاته الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية، ولم يستوف أقسام الاستعارة، وبأنه خالف السكاكي في مواضع عقبها بفصلين.

أحدهما: في تحقيق الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية على وجه يتبين أنهما ليستا من أقسام المجاز اللغوي، والاستعارة المذكورة، فلذا أهملنا؛ لا لفوتهما، والغفلة عنهما.

وثانيهما: في تزييف كلام السكاكي فيما خالفه فيه، وقدم فصل الاستعارة بالكناية والتخييلية؛ لأن الحقيقة لهما يخالف بيان السكاكي، وفي فصل تزييف رأيه فيهما أيضا، فهذا الفصل كالتتميم له أيضا.

***

(1) البقرة: 17.

(2)

النحل: 60.

(3)

محمد: 15.

ص: 297