المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وهي ثلاثة أقسام] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ٢

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌(الفصل و‌‌الوصل)

- ‌الوصل)

- ‌[والفصل]

- ‌[فشرط كونه مقبولا بالواو]

- ‌[فى بيان «كمال الانقطاع»]

- ‌[وأما كمال الاتصال]

- ‌[وأما كونها كالمنقطعة عنها]

- ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

- ‌ الجامع بين الشيئين)

- ‌[محسنات الوصل]

- ‌[والإيجاز ضربان]

- ‌[إيجاز القصر]

- ‌[وإيجاز حذف]

- ‌[وأدلة الحذف]

- ‌[الإطناب]

- ‌[ومنه باب نعم]

- ‌[ومنه التوشيع]

- ‌[وإما بذكر الخاص بعد العام]

- ‌[وإما بالتكرير]

- ‌[وإما بالإيغال]

- ‌[وإما بالتذييل]

- ‌[وإما لتأكيد مفهوم]

- ‌[أو بالتكميل]

- ‌[أو بالتتميم]

- ‌[أو بالاعتراض]

- ‌[وإما بغير ذلك]

- ‌[الفن الثاني علم البيان]

- ‌[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]

- ‌ التشبيه

- ‌[أركانه]

- ‌ وأقسامه

- ‌[إما حسيان أو عقليان إو مختلفان]

- ‌[والمراد بالحسي]

- ‌[والعقلي]

- ‌[وما يدرك بالوجدان]

- ‌[وجه التشبيه]

- ‌[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]

- ‌[أو عقلية كالنفسية]

- ‌[وإما إضافية]

- ‌[وأيضا إما واحد]

- ‌[أو متعدد]

- ‌[والعقلي أعم]

- ‌[والمركب الحسي فيما طرفاه مفردان]

- ‌[أو مركبان]

- ‌[أو مختلفان]

- ‌[ويجوز التشبيه أيضا]

- ‌[إما تشبيه مفرد بمفرد]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمركب]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمفرد]

- ‌(وباعتبار وجهه)

- ‌(إما تمثيل أو غير تمثيل)

- ‌[إما مجمل او مفصل]

- ‌[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]

- ‌[وإما لكثرة التفصيل أو لقلة تكريره]

- ‌[وباعتبار أداته]

- ‌[وباعتبار الغرض]

- ‌(خاتمة)

- ‌[وأعلى مراتب التشبيه]

- ‌(الحقيقة والمجاز)

- ‌[والوضع تعيين اللفظ]

- ‌[والمجاز مفرد ومركب]

- ‌[والمجاز المرسل]

- ‌[الاستعارة واقسامها]

- ‌ وقرينتها

- ‌[وهي باعتبار الطرفين قسمان]

- ‌[وباعتبار الجامع قسمان]

- ‌[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

- ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

- ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

- ‌(فصل) الأقوال في الاستعارة بالكناية ثلاثة:

- ‌[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]

- ‌[فصل: عرف السكاكي الحقيقة]

- ‌[وعرف المجاز اللغوي]

- ‌[وقسم المجاز الى الاستعارة وغيرها]

- ‌(وفسر التحقيقية

- ‌[وفسر التخيلية]

- ‌[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌[فصل: قد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم إعرابها]

- ‌وذكر الشارح المحقق له وجهين:

- ‌(الكناية)

- ‌[وهي ثلاثة أقسام]

- ‌[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]

- ‌([الفن الثالث] علم البديع)

- ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

- ‌[من المحسنات المعنوية]

- ‌[ومنه مراعاة النظير]

- ‌[ومنه الإرصاد]

- ‌[المشاكلة]

- ‌[(ومنه: المزاوجة)]

- ‌[التورية]

- ‌[الاستخدام]

- ‌[اللف والنشر]

- ‌[ومنه التجريد]

- ‌[ومنه المبالغة المقبولة]

- ‌[ومنه المذهب الكلامي]

- ‌[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

- ‌[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]

- ‌[ومنه الاستتباع]

- ‌[ومنه الإدماج]

- ‌[ومنه التوجيه]

- ‌[ومنه متشابهات القرآن]

- ‌[ومنه الهزل وتجاهل العارف]

- ‌[ومنه القول بالموجب]

- ‌[وأما اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين]

- ‌[فإن كانا من نوع واحد كاسمين سمي تماثلا]

- ‌[وإن كانا من نوعين سمي مستوفي]

- ‌[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]

- ‌[وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرزا]

- ‌[وإن اختلفا في أعدادها يسمى ناقصا]

- ‌[وإن اختلفا في أنواعها فيشترط ألا يقع]

- ‌[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]

- ‌[ومنه السجع]

- ‌[ومن السجع ما يسمى التشطير]

- ‌[ومنه الموازنة]

- ‌[ومنه القلب]

- ‌[والتشريع]

- ‌[ومنه لزوم ما لا يلزم]

- ‌(خاتمة)

- ‌(في السرقات)

- ‌ الظاهر

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]

- ‌[وأما غير الظاهر]

- ‌[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

- ‌[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

- ‌[أحدها: الابتداء]

- ‌[ثانيها: التخلص]

- ‌[ثالثها: الانتهاء]

الفصل: ‌[وهي ثلاثة أقسام]

فإن قلت: إن اللازم كيف يكون أخص، والعام قد يوجد بدون الخاص، فيلزم وجود الملزوم بدون اللازم؟

قلت: أراد باللازم التابع والرديف، كطول النجاد التابع لطول القامة، وما ذكره في موضع آخر من كتابه أن الانتقال في الكناية يتوقف على مساواة اللازم للملزوم، فغير موثوق به، وإن وثقه الشارح في هذا المقام.

وبهذا ظهر الجواب عن رد الفرق من أن السكاكي أراد أن الانتقال في الكناية من التابع، وفي المجاز من المتبوع، ومنع الشارح كون الانتقال في المجاز من المتبوع دائما؛ إذ ربما يتجوز بالنبت عن الغيث، ويمكن دفعه بأن ذلك الفرق مبني على أن الموضوع له مراد أبدا في الكناية، لكن ينتقل منه إلى ملزومه، فالموضوع له في الكناية تابع في الإرادة، والانتقال من التابع في الإرادة إلى المتبوع، وفي المجاز الانتقال من الموضوع له الذي هو المتبوع المحض للمعنى المجازي؛ لأنه الأصل بالنسبة إلى الخارج، ولم تعرض له التبعية بحسب الإرادة.

ولو بنى الكلام على جواز إرادة الموضوع له في الكناية يكون الفرق بينهما في الجملة.

[وهي ثلاثة أقسام]

(وهي) أي: الكناية (ثلاثة أقسام):

(الأولى: ) أي: القسم الأول وتأنيثه باعتبار الخبر؛ لأنه الكناية (المطلوب بها غير صفة ولا نسبة)(1) كنى بغير صفة ولا نسبة عن الموصوف، فكأنه قال: المطلوب بها الموصوف كما في عبارة المفتاح ليكون تعريف هذا القسم من الكناية بما هو المطلوب منه، وليظهر مقابلة هذا القسم بالقسمين الآخرين.

(فمنها) أي: من الأولى (ما هي معنى واحد) أي: عبارة عما هو معنى واحد (كقوله: [والطاعنين مجامع الأضغان] (2) فإن مجامع الأضغان معنى

(1) أي ولا نسبة صفة لموصوف بأن يكون المطلوب بها موصوفا، ولو قال الأولى المطلوب بها الموصوف لكان أحسن.

(2)

البيت لعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وهو في الإيضاح:(286)، والإشارات:(240)، وعقود الجمان:(60) من باب الكناية، وصدره:

الضاربين بكل أبيض مخذم

مخذم: أي قاطع بتار، مجامع الأضغان: القلوب لأنها موطن الأحقاد.

ص: 346

واحد كناية عن القلوب.

(ومنها: ما هي مجموع معان) حصل بضم لازم إلى لازم، وأطلق على الموصوف (كقولنا كناية عن الإنسان: حي مستوي القامة، عريض الأظفار (1)، وشرطهما الاختصاص بالمكني عنه) ليحصل الانتقال منهما إلى المكني عنه، لكن الاختصاص أعم من الحقيقي، كما في الواجب والقديم، وغير الحقيقي كما إذا اشتهر زيد بالمضيافية أو صار كاملا فيها؛ بحيث لا يعتد بمضيافية غيره.

وفسر الشارح القسم الأول بأن يتفق في صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين عارض، فنذكر تلك الصفة ليتوصل بها إلى ذلك الموصوف.

والقسم الثاني بأن تؤخذ صفة فتضم إلى صفة لازم آخر؛ لتصير جملتها مختصة بموصوف ليتوصل بذكرها إليه، وفيه: أن في تفسير القسمين على هذا الوجه يجعل اشتراط الاختصاص لغوا.

ألا ترى أنه لما ذكر صاحب المفتاح القسمين مطابقين لهذا التفسير لم يذكر الاشتراط؟ ومن البين أن تخصيص هذا الشرط بهذا القسم من الأقسام الثلاثة من غير مخصص، وجعل السكاكي الأولى يعني ما هو معنى واحد قريبة، والثانية بعيدة.

قال المصنف في الإيضاح: وفيه نظر، فقال الشارح: ولعل وجه النظر أنه فسر القريبة في القسم الثاني: بأن يكون الانتقال بلا واسطة، والبعيدة: بما يكون الانتقال بواسطة لوازم متسلسلة، والكناية التي هي معنى واحد، والتي هي مجموع معان كلاهما خالية عن الوسائط لظهور أن ليس الانتقال من حي مستوي القامة عريض الأظفار إلى شيء، ثم منه إلى الإنسان.

فالجواب: أن القرب هاهنا باعتبار آخر، وهو سهولة المأخذ لبساطتها واستغنائها عن ضم لازم إلى آخر، وتلفيق بينهما، وتكلف في التساوي والاختصاص، والبعد، بخلاف ذلك.

هذا، ولا يخفى أنه يبعد أن يكون نظر المصنف ذلك لظهور أن ما هو مناط

(1) لا داعي إلى تقسيم هذا القسم إلى قسمين إلا الرغبة في تكثير الأقسام (بغية الإيضاح 3/ 158).

ص: 347

القرب والبعد في كلام المفتاح ما ذكره الشارح؛ بحيث لا يخفى على من نظر في كلامه نظرا تاما.

فالأقرب: أن وجه النظر إن جعل مناط القرب والبعد في هذا القسم سهولة المأخذ وعدمها، وفي القسم الثاني وجود الواسطة وعدمها تحكم، وفرق من غير فارق؛ فلا يجاب بما ذكره الشارح، بل بما ذكره السيد السند لو تم من أن الواسطة وعدمها ظاهران في القسم الثاني دون الأول.

ولك أن تجعل النظر: أن التكلف في الاختصاص قد يكون في القسم الأول، كما إذا لم يكن للمعنى الواحد اختصاص إلا بتمحل وتكلف، والبراءة عنه في القسم الثاني بأن يكون اختصاص مجموع معان مشتهرا واضحا. ويمكن دفعه بأن التقسيم على هذا الوجه من تصرفات المصنف، ويمكن أن يكون القريبة عند المفتاح ما يكون اختصاصه ظاهرا بلا تكلف، بأن يتفق في صفة من الصفات اختصاص بموصوف من غير حاجة إلى إعمال تكلف مركبة كانت أو واحدة، والبعيدة عنده أن يتكلف في اختصاصها مركبة كانت أو واحدة، إلا أنه بين التكلف في المركب على سبيل التمثيل، ولم يقصد اختصاص التكلف بالمركب، ولا شموله لجميع أفراده.

(الثانية: المطلوب بها صفة (1) بمعنى ما قام بالغير) والمكني في طويل النجاد عند التحقيق طول القامة؛ لأن طويل القامة وكلام المصنف حيث قال:

كقولهم كناية عن طول القامة، مشعر بحمل الصفة على هذا المعنى، فلا يتجه أنه إن أريد بالصفة ما قام بالغير يخرج طويل النجاد، وإن أريد مدلول الصفة المفسرة بما دل على ذات مبهمة باعتبار معنى معين خرج عنه نحو: أعجبني طول نجاد فلان، فإنه كناية عن طول قامته، لا عن طويل القامة.

وهي ضربان: قريبة، وبعيدة (فإن لم يكن الانتقال) من الكناية إلى المطلوب (بواسطة قريبة) والقريبة قسمان:(واضحة) يحصل الانتقال منها بسهولة، ومن البين جريان هذين القسمين في القسم الأول من الكناية، وكأنهما

(1) بأن تكون نسبة الصفة إلى موصوفها معلومة، فتكون الصفة نفسها هي المطلوبة من صفة أخرى يكنى بها عنها للاعتناء بها والمبالغة فيها.

ص: 348

أهملا فيه لعدم الاطلاع على أمثلتهما في كلام البلغاء (كقولهم كناية عن طول القامة: طويل نجاده وطويل النجاد) وخص هذا القسم بتعد، والمثال من بين الأمثال إشارة إلى تقسيم آخر كما أشار إليه بقوله:

(والأولى) كناية (ساذجة) لا يشوبها شيء من التصريح (وفي الثانية تصريح ما لتضمن الصفة) بمعنى ما دل على ذات مبهمة باعتبار معنى معين (الضمير) الراجع إلى الموصوف ضرورة احتياجها إلى مرفوع مسند إليه؛ لمشابهتها الفعل الذي لم يخل عن مرفوع على ما قيل، وليخرج المضاف إليه عن كونه فاعلا إلى كونه فضلة، فتبعد الإضافة عن استهجان إيهام إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الصفة عين فاعله على ما نقول، فإضافة الصفة أبدا إلى المفعول أو الملحق به، ولا يكون إلى الفاعل قطعا، لكن هذه الإضافة لا تحسن، بل تقبح، ما لم تتضمن الصفة معنى قائما يتضمنها لا محالة، حين الإضافة، فإن الطويل المسند إلى نجاد أحد يتضمن طول قامته؛ فبهذا الاعتبار حسن إسناده إلى ضمير بعد الإضافة، لأن إسناد الطول الذي هو صفة النجاد في قوة إسناد طول القامة إليه، بخلاف: زيد أصفر ثوره.

وبهذا التحقيق عرفت أن إسناد الطويل إلى ضمير الموصوف لا يجعله صريحا؛ لأنه إسناد طويل هو صفة النجاد، بل يجعله في قوة الصريح؛ لأن الإسناد بملاحظة تضمنه طول القامة، فكأنه أسند بإسناده طول القامة، وبهذا حكم عليه بأن فيه تصريحا مالا لأنه أسند إليه الطويل الذي هو حاله، كما ظنه الشارح.

كيف ولو كان كذلك يخص هذا العرف بطول نجاده وطويل النجاد، ويكون قولنا: زيد كثير الرماد، كناية ساذجة، كقولنا: زيد كثير رماده. وقد أورد بناء على ظنه هذا أنه يجب أن يكون طويل النجاد تصريحا لا كناية فيها تصريح ما، وتكلف في جوابه بأن اعتبار الضمير لمجرد أمر لفظي، هو امتناع خلو الصفة عن مرفوع، وبما حققناه لا اتجاه لهذا السؤال.

(أو خفية) ما عطفت عليها واضحة، وخفاؤها بأن يتوقف الانتقال منها على تأمل وإعمال روية، ولا يخفى أن الساذجة والمشوبة بالتصريح جاريتان فيه، نحو: عريض قفاه، وعريض القفاء، وكذا الواضحة والخفية بأن يكون الانتقال في

ص: 349

كل مرتبة واضحا أولا يكون كذلك، وكأنه لم يعتبر؛ لأن الكناية مع الواسطة خفاء لا محالة.

(كقولهم كناية عن الأبله عريض القفاء) فإن عرض القفاء، وعظم الرأس بالإفراط مما يستدل به على بلاهة الرجل، وهو ملزوم لها بحسب الاعتقاد بلا واسطة، لكن هذا الاعتقاد ليس مشتركا بين الناس، بل يختص به واحد دون واحد، فلا ينتقل إليه إلا بعد تأمل.

وجعل صاحب المفتاح قولهم: عريض الوسادة، كناية قريبة خفية عن هذه الكناية، أعني: قولهم عريض القفاء.

قال المصنف: وفيه نظر، ووجه النظر يحتمل أن يكون ما ذكره الشارح من أنه كناية بعيدة عن الأبله؛ لأنه ينتقل منه إلى عريض القفاء، ومنه إلى الأبله، وحينئذ يندفع بما ذكره في جوابه من أنه لا امتناع من أن تكون الكناية بعيدة بالنسبة إلى المطلوب، وقريبة بالنسبة إلى الواسطة، بل الأمر كذلك فيما يكون الانتقال منه إلى المطلوب بواسطة، فنبه صاحب المفتاح على أن المطلوب بالكناية قد يكون الواسطة إذا كانت في إفادة المطلوب وظهور المطلوب منه كأنه المطلوب نفسه، وقد يكون المطلوب، فلا ينتهي القصد من العبارة إلى الواسطة، بل يذهب إلى المطلوب، لكن كون وجه النظر ما ذكره احتمال ضعيف؛ لأنه بعد ما قال السكاكي كناية قريبة عن هذه الكناية لا يتوجه عليه أنها بعيدة؛ لأن الانتقال منها إلى الأبله بالواسطة، فكيف يظن بالمصنف مثل هذه الغفلة.

ويحتمل أن يكون أن الكناية عن الكناية إنما تكون إذا كانت الكناية المكنية مشتهرة، ربما التحقت بالصريح فإنه لا يكنى بكثير الرماد عن كثرة إحراق الحطب تحت القدر، فإنها ليست كالصريح في المضياف، وليس عريض القفاء كالصريح، وإلا لم تكن من الكناية الخفية كما اعترف به السكاكي.

ولا يخفى لطف هذا النظر ودقته، والجواب عنه أن الكناية الخفية ما كان الانتقال فيها محتاجا إلى تأمل قبل الاشتهار، وعريض القفاء لاشتهاره في الكناية عن البلاهة التحقق بالصريح، فيحسن أن يكنى عنه بعريض الوسادة، ويحتمل أن يكون منعا لكون قولهم عريض الوسادة كناية عن الكناية، فإنهم يقصدون به

ص: 350

البلاهة، وليس الوسادة كناية قصد عريض القفاء بها، إلى مجرد فرض وتقدير، فلا يصح قول السكاكي كما في قولهم: عريض الوسادة كناية عن هذه الكناية، وحينئذ لا جواب له.

ويحتمل أن يكون إن القريب ما لا يكون بينه وبين المطلوب واسطة، ولا خفاء في أن المطلوب بعريض الوسادة الأبله، سواء قصد به عريض القفا والأبله، فلا يحتمل أن يكون قريبا.

وجوابه حينئذ: أن المطلوب عبارة عن المقصود من اللفظ لا ما لا يكون وسيلة إلى شيء آخر بعد إفادته باللفظ.

(وإن كان) أي: الانتقال (بواسطة) فهي (بعيدة) فضلا عن أن يكون بأكثر من واسطة، ولم يقل: وإلا فبعيدة لئلا يشتبه المعطوف عليه، ولأن الأعذب مقابلة الإثبات والنفي، لا مقابلة النفي ونفيه (كقولهم كثير الرماد كناية عن المضياف، فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدر، ومنها) أي: ومن كثرة الإحراق وكذا كل ضمير يأتي إلى كثرة قبله (إلى كثرة الطبايخ، ومنها إلى كثرة الأكلة، ومنها إلى كثرة الضيفان) بكسر الضاد جمع ضيف.

و(منها إلى المقصود) وهو المضياف، وبحسب قلة الوسائط وكثرتها وسرعة الانتقال في كل مرتبة وبطؤها تختلف الدلالة على المقصود وضوحا وخفاء.

(الثالثة المطلوب بها نسبة)(1) سواء كان طرفا النسبة مذكورين صريحين، فتنفرد الكناية في النسبة أو أحدهما، مذكور صريحا والآخر كناية، فتجتمع الكناية في النسبة مع الكناية عن الموصوف أو الصفة؛ إذ كلاهما مذكورين كناية فتجتمع الأقسام الثلاثة فالاحتمالات العقلية سبعة؛ أربعة منها اجتماع الثالث أو اثنان منها، ولا يبطل بشيء منها حصر القسمة؛ لأن المقسم مقيد بالوحدة كما في سائر التقسيمات.

نعم لو جعل قوله عليه السلام: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (2)

(1) بأن يصرح بالصفة ويقصد بإثباتها لشيء الكناية عن إثباتها للموصوف بها.

(2)

أخرجه البخاري برقم (10) و (6484)، ومسلم برقم (41) وأبو داود (2481).

ص: 351

كناية عن الاستدلال على كفر المؤذي المعرض به بأن يقال هو كناية عن أن هذا المؤذي كافر؛ لأنه لا يسلم المسلمون من لسانه ويده، وكل من لا يسلم المسلمون من لسانه ويده فهو كافر، يكون قسما رابعا من الكناية.

(كقوله) أي: قول زياد الأعجم [(إن السّماحة) أي: الكرم لا الجود؛ لئلا يكون الندى تطويلا (والمروءة) بضمتين كمال الرجولية (والنّدى) أي: الجود (في قبّة) هي تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء، يقال: بيت مقبب جعلت فوقه قبة (ضربت على ابن الحشرج]) (1) على وزن جعفر اسم رجل (فإنه إن أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات).

قال الشارح: أراد بالاختصاص ثبوت الصفات له، سواء كان على طريق الحصر أو لا يدل عليه أنه جعل السكاكي (2) من التصريحات بالاختصاص له المتروكة إلى الكناية سمح ابن الحشرج أو حصل السماحة له أو ابن الحشرج سمح.

ومن البين أنه لا حصر في شيء منها، ويؤيد ما ذكره قوله في الإيضاح فإنه حين أراد أن لا يصرح بإثبات هذه الصفات لابن الحشرج جمعها في قبة؛ تنبيها بذلك على أن محلها ذو قبة، وجعلها مضروبة عليه لوجود ذوي قباب في الدنيا كثيرين، فأفاد إثبات الصفات المذكورة له بطريق الكناية هذا.

ثم وجه إرادة الثبوت بالاختصاص أن الاختصاص هو الثبوت لشيء، والنفي عن غيره، فأريد هنا بعض معناه.

وفي شروح المفتاح: أنه مبني على أن الإثبات تخصيص بالذكر، ولا يخفى أن المراد هنا ليس الاختصاص بالذكر، وليست الإرادة متعلقة بإثبات الاختصاص بالذكر.

بقي أنه إذا جعل الاختصاص بمعنى ثبوت الصفات له صار قوله: فإنه أراد أن يثبت ثبوت هذه الصفات له.

(1) البيت لزياد الأعجم من قصيدة له في المدح، وهو كناية عن وصف ممدوحه في صفات المروءة والسماحة والندى، وهو في الإيضاح:(290)، والطراز:(1/ 422)، ونهاية الإيجاز:(271)، والإشارات (245).

(2)

المفتاح- 216.

ص: 352

ولا يخفى سماحته، والعبارة الصحيحة أراد أن يثبت هذه الصفات له.

ولا يخفى أنه لو جعل التعريف في السماحة والمروءة والندى للجنس الاستغراقي أفاد حصر هذه الصفات في ابن الحشرج؛ لأن جميع أفرادها إذا قامت به لا تقوم بغيره؛ إذ الصفة لا تقوم بملحين، وتكون مبالغة في كمال ابن الحشرج في هذه الصفات بحيث التحقت هذه الصفات في غيره بالعدم، فلا يبعد أن يكون قول المصنف: إنه مختص بها، وقوله: اختصاص ابن الحشرج على ظاهرهما، وحينئذ يكون في البيت كنايتان أحديهما: جعل إثبات جميع أفراد الثلاثة له كناية عن الاختصاص، وثانيتهما: جعل جملتها في قبة مضروبة عليه كناية عن الثبوت له.

(فترك التصريح بأن تقول: إنه مختص بها أو نحوه) مجرور معطوف على أن تقول أي التصريح بنحو هذا القول، أو منصوب معطوف على مفعول أن يقول:

أي نحو قولنا: إنه مختص بها من العبارات الدالة على هذا المعنى من نحو اختص بها أو ثبت له دون غيره في وجه، ومن نحو: سمح ابن الحشرج سمح أيضا في وجه آخر، فتأمل.

(إلى الكناية بأن جعلها) أي: تلك الصفات (في قبة مضروبة عليه) أي:

على ابن الحشرج فأفاد إثبات الصفات المذكورة له؛ لأنه إذا ثبت الأمر الذي لا يقوم إلا بغيره في مكان الرجل ثبت له؛ لأن الصفات تثبت في المكان بتبعية ثبوت محلها؛ ولهذا كان هذا من قبيل الكناية دون المجاز؛ إذ لو امتنع ثبوت الصفات في المكان لامتنعت إرادة الحقيقة، ولم تكن كناية، بل مجازا.

ونحن نقول: لا يبعد أن يجعل كون هذه الصفات في قبة ضربت على ابن الحشرج، كناية عن كونها عين ابن الحشرج، حيث جعلت في مكان ابن الحشرج، والمتبادر من الكون في المكان الكون بالذات، ولا يكون في مكان الرجل بالذات إلى نفسه، فكأنه قيل: ابن الحشرج هو السماحة والمروة والندى.

(ونحوه) أي: نحو قوله في الكون مثال الكناية المطلوبة بها النسبة (قولهم [المجد) أي: نبل الشرف والكرم؛ إذ لا يكون إلا بالآباء أو كرم الآباء خاصة، والكرم والحسب أعم من أن يكون من جهة الآباء أو نفس الرجل (بين ثوبيه)

ص: 353

يريد بالثوبين الرداء والإزار، وكذا المراد بالبردين في قوله:(والكرم في برديه)] وإنما قال: ونحوه ردا على من جعل الكناية فيه من قبيل طويل نجاده.

وتبع في هذا الرد المفتاح حيث قال: وقد يظن هذا من قسم زيد طويل نجاده، وليس بذلك، فطويل نجاده بإسناد الطويل إلى النجاد تصريح بإثبات الطول للنجاد وطول النجاد كما تعرف قائم مقام طول القامة، فإذا صرح من بعد بإثبات النجاد لزيد بالإضافة كان ذلك تصريحا بإثبات الطول لزيد، فتأمل.

هذا، وليس الأمر كما ظن المفتاح؛ فإن المثال ذو وجهين، له وجه نحو الكناية عن الصفة مع التصريح بالنسبة، ووجه إلى الكناية عن النسبة من غير كناية عن صفة، الثاني ما شاهده المفتاح، وهو أنه جعل المجد فيما يحيط به، ويشتمل عليه، وجعل ذلك كناية عن ثبوته له؛ لأن الصفة تكون تبعا فيما يكون فيه الشيء بالذات، ولولا ذلك لامتنعت الحقيقة، وكان اللفظ مجازا.

والأبلغ على هذا أن يجعل التركيب كناية عن كون المجد والكرم عينه؛ لأن كون الشيء بين بردي الشيء يدل على أنه عينه؛ لأنه الذي يكون بين برديه، والأول ما شاهده غيره، وهو أن كون الشيء بين بردي الشي كناية عن إحاطته به، كإحاطة البردين، وبإضافة البردين إليه ثبت التصريح بإثبات الإحاطة المكنية بالكون بين البردين له، على نحو التصريح لإضافة النجاد إلى الشيء بثبوت الطول المكني بطول النجاد له، فيكون المجد بين ثوبيه: بمعنى المجد محيط به، وحينئذ ينبغي أن يكون قوله: ونحوه للتنبيه على الفرق بينه وبين المثال السابق، في كون السابق نصا، وهذا محتمل.

(والموصوف في هذين القسمين) يعني الثاني والثالث كثيرا ما يكون مذكورا كما مر.

(وقد يكون غير مذكور) لكن القسم الثاني حينئذ يستلزم القسم الثالث؛ إذ لا يتصور كون الموصوف غير مذكور عند الكناية عن الصفة، مع التصريح بالنسبة، بخلاف القسم الثالث، فإنه لا يستلزم القسم الثاني، فإنه يصح الكناية عن النسبة إلى موصوف غير مذكور، مع التصريح بالصفة.

(كما يقال) أي: الموصوف الغير المذكور في الكناية عن النسبة لا فيهما كما

ص: 354

هو المتبادر (في عرض) بالضم أي: ناحية (من يؤذي المسلمين «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده») فكأنك أشرت من ناحية هي لمن سلم المسلمون من لسانه ويده، إلى ناحية أخرى هي للمؤذي، فالصفة وهي الإسلام هنا مصرح بها، والموصوف وهو المؤذي غير مذكور، والنسبة وهي نفي الإسلام عنه مكنية بحصر الإسلام في غير المؤذي، على ما يفيده تعريف الجنس للمسند إليه.

فإن قلت: حصر الإسلام في غير المؤذي عبارة عن ثبوته له، ونفيه عن المؤذي؛ فيكون نفي الإسلام عن المؤذي مصرحا.

قلت: الحصر أمر إجمالي يلزمه تفصيل النفي بحسب المقام فيجوز أن يكنى بهذا المجمل عن هذا المفصل، على أنه لو كان معنى الحصر الإثبات والنفي تفصيلا، يجوز أن يكنى بالكل عن الجزء، ويجعل الكل وسيلة الانتقال إلى الجزء، ويجعل الجزء مقصودا بالإفادة، ومثال الكناية عن الصفة قولك في عرض من يعتقد حل الخمر وأنت تريد تكفيره: أنا لا أعتقد حل الخمر، وهذا كناية عن إثبات صفة الكفر له إذا كنى عن الكفر باعتقاد حل الخمر، وكناية عن نفي الإسلام عنه إذا كنى بعدم اعتقاد حل الخمر عن الإسلام.

(قال السكاكي: )(1) في أوائل بحث الكناية (الكناية تتفاوت إلى تعريض، وتلويح ورمز وإيماء وإشارة) ومساق الحديث يحسن لك اللثام عن ذلك. قال العلامة: إنما قال: تتفاوت، ولم يقل: تنقسم؛ لأن التعريض وأمثاله مما ذكر ليس من أقسام الكناية فقط، بل هو أعم.

قال الشارح: وفيه نظر، والأقرب: أنه إنما قال ذلك لأن هذه الأقسام قد تتداخل، وتختلف باختلاف الاعتبار من الوضوح والخفاء وقلة الوسائط وكثرتها.

أما وجه النظر فهو أن التعريض بهذا المعنى وهو كناية لم يذكر موصوفها ليس أعم من الكناية، وأما محصل ما ذكره من الوجه الأقرب، فهو أن كثير الوسائط قد تبلغ في الخفاء مرتبة التعريض، وهكذا فلا يمكن تقسيم الكناية إلى هذه الأقسام؛ لأنها غير منضبطة وفيه نظر؛ لأنه إذا سمى بالموصوف غير المذكور تعريضا، وما له وسائط كثيرة تلويحا فلا معنى لتداخل الأقسام.

(1) المفتاح- 217.

ص: 355

والأظهر أنه قال: تتفاوت لما فيه من التنبيه على تفاوت تلك الأقسام في الدقة والبلاغة دون أن تنقسم.

ثم قال السكاكي في أواخر بحث الكناية، وفاء بوعده: حسر اللثام عن هذه الأقسام: وإذ قد وعيت ما أملي عليك فنقول إلى آخر ما ذكره مما حاصله ما لخصه المصنف بقوله:

(والمناسب للعرضية)(1) أي: للكناية العرضية، وهو ما لم يذكر الموصوف فيها (التعريض)؛ لأن التعريض خلاف التصريح.

قال العلامة: يقال: عرضت فلانا وبفلان إذا قلت قولا، وأنت تعنيه يعني لا يكون القول مسوقا له، وإنما تعنيه من عرض من غير أن تستعمل اللفظ فيه؛ ولهذا لم يقل: وأنت تعنيه به.

(ولغيرها إن كثرت الوسائط) وهو الذي عبر عنه المفتاح بذات مسافة بعيدة.

(التلويح)؛ لأن التلويح هو أن تشير إلى غيرك من بعد.

وجعل السيد السند في شرح المفتاح الوسائط ما فوق الواحد (و) المناسب (لغيرها إن قلت) الوسائط (مع خفاء) وهو الذي فسره المفتاح بذات مسافة قريبة، وفسره السيد السند بما لا واسطة فيها أو فيها واسطة واحدة، لكن في كون ما لا واسطة فيه ذات مسافة خفاء، وشمول قلة الوسائط أخفى منه، والشارح أيضا نبه على شمول قلة الوسائط لما لا واسطة فيها؛ حيث جعل عريض القفاء مثلا له.

(الرمز)؛ لأن الرمز أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفية؛ لأنه الإشارة بالشفة والحاجب (و) المناسب لغيرها إن قلت الوسائط (بلا خفاء الإيماء والإشارة).

قال السيد السند: إما لأنه إذا لم يكن قيد زائد، كما في التلويح في الرمز تعين

(1) الحق أن الكناية العرضية غير التعريض وان سميت به، فالكناية العرضية هي التي يكون الموصوف فيها غير مذكور، والتعريض إمالة الكلام إلى عرض يدل على المقصود، تقول- عرّضت لفلان به- إذا قلت قولا لغيره وأنت تعنيه.

ص: 356

الاسم الدال على مطلق الإشارة، وإما لأن هذا الاسم إذا أطلق تبادر منه القرب والظهور، وقيل: الأولى أن يخص الإيماء فيه شائبة الخفاء فيبقى اسم الإشارة للباقي.

هذا كلامه، ثم انتقل السكاكي من الكناية في التعريض إلى تحقيق المجاز فيه فكلمة «ثم» للتباعد بين البحثين، وإلا فلا تراخي بين كلامي السكاكي.

واعلم أن السكاكي بعد ما سمى أحد أقسام الكناية تعريضا اشتغل عقيب تحقيق تلك الأقسام بتحقيق التعريض المشهور، فقال:

واعلم أن التعريض تارة يكون على سبيل الكناية، وأخرى على سبيل المجاز، فإذا قلت: آذيتني فستعرف، وأردت المخاطب، ومع المخاطب إنسانا آخر معتمدا على قرائن الأحوال كان من القبيل الأول، وإن لم ترد إلا غير المخاطب كان من القبيل الثاني، فتأمل.

وعلى هذا فقس، وفرع إن شئت، فقد نبهتك.

هذا فالمراد بالتعريض ليس ما هو أحد الأقسام المذكورة للكناية، بل ما اشتهر من التعريض، وهو الذي قاله صاحب الكشاف في مقام الفرق بينه وبين الكناية أن الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء آخر لم تذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، فكأنه أماله الكلام إلى عرض يدل على المقصود، ويسمى التلويح؛ لأنه يلوح فيه ما يريده، فقد فرق بين الكناية والتعريض بأنه يذكر معنى الكناية بلفظها، والكناية غير موضوعة له بخلاف التعريض، فإنه لا يراد بمعناه التعريضي باللفظ، بل ينتقل إليه من غير استعمال اللفظ فيه، فإنه يفرق الكناية عن التعريض أنه مستعمل في غير الموضوع له، بخلاف التعريض.

ولا يخفى أن هذا الفارق موجود في المجاز أيضا، فقد تضمن الفرق لا التعريف.

وقد صرح ابن الأثير أيضا في المثل السائر بأن التعريض لا يستعمل في المعنى التعريضي، بل يستفاد من عرض اللفظ حيث قال:

الكناية ما دل على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز بوصف جامع

ص: 357

بينهما، ويكون في المفرد والمركب.

(والتعريض)(1) هو اللفظ الدال لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي، بل من جهة التلويح والإشارة، فيختص باللفظ المركب كقول من يتوقع صلة: والله إني محتاج فإنه تعريض بالطلب، مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجاز، وإنما فهم منه المعنى من عرض اللفظ أي: جانبه، هذا أو أراد بالوصف الجامع بينهما كون اللفظ معينا لهما، لأحدهما بلا قرينة، وللآخر بقرينة.

وهذا كلام وقع في البين فلنرجع إلى ما كنا فيه، وهو أن كلام السكاكي في التعريض بهذا المعنى لا بمعنى اصطلح عليه من عند نفسه في باب الكناية، كما يلوح من قوله كان إطلاق اسم التعريض عليها مناسبا، فهو في هذا المقام جرى على ما جرى عليه غيره مرة حيث عرف المجاز، وقسم المجاز بمعنى آخر، وعرف الاستعارة وقسم الاستعارة لا بهذا المعنى إلى الاستعارة المصرحة والاستعارة بالكناية، على ما حققناه لك؛ ولهذا أدرج لفظ السبيل، فقال: التعريض تارة يكون على سبيل الكناية، وأخرى على سبيل المجاز، ولم يقل تارة يكون كناية، وتارة يكون مجازا.

وأوصى بالتأمل لما رأى المقام مظنة غفلة، لكن المصنف على ما هو ظاهر كلامه ظن أن إطلاق التعريض على الكناية سابقا من إطلاق العام على الخاص، ومقصود السكاكي التنبيه على هذا بتقسيم التعريض إليها، وإلى المجاز، وظن أن التنبيه يحصل بمجرد بيان أنه قد يكون مجازا أو التعريض، بأنه يكون كناية تطويل اختصر كلامه، فقال:(والتعريض قد يكون مجازا كقولك: آذيتني فستعرف وأنت تريد إنسانا (2) مع المخاطب دونه) ثم زاد في توضيح المثال، وبين أنه يحتمل الكناية فقال:(وإن أردتهما جميعا كان كناية)(3) ثم نبه على قصور

(1) المفتاح- 218.

(2)

هذا مجاز مرسل علاقته اللزوم؛ لأنه يلزم من تهديد المخاطب لإيذائه تهديد كل مؤذ، وهو يشمل كل من مع المخاطب، ولا بد له من قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.

(3)

لا بد لها من قرينة تدل على إرادتهما جميعا؛ لأن الكناية لا بد لها من قرينة أيضا، والحق أنهما إذا أريدا جميعا لا يكون ذلك كناية بل يكون من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وذلك ممنوع، وأنه إذا أريد غير المخاطب يكون تعريضا لا مجازا، وإنما يجتمع التعريض والمجاز في نحو قولك تعرّض بمن كشف عورته في حمام رأيت أسودا في حمام غير كاشفين عوراتهم، فلم يعب ذلك عليهم.

ص: 358

كلام المفتاح (ولا بد فيهما من قرينة) حيث لم يشتمل كلامه إلا على اشتراط القرينة في الكناية، والحق معه في هذا التنبيه، وإن اعتمد السكاكي على اشتهار وجوب القرينة في المجاز، وخاف توهم عدم القرينة في الكناية من جواز إرادة الحقيقة، لكن باقي تصرفاته على ما ترى. وقد نبه العلّامة أيضا على مراد السكاكي؛ حيث قال في شرحه: معناه أن عبارة التعريض قد تكون مشابهة للمجاز كما في الصورة الأولى، فإنها تشبه المجاز من جهة استعمال ما للمخاطب في غير ما هي موضوعة له، وليس بمجاز؛ إذ لا يتصور فيه انتقال من ملزوم إلى لازم.

وقد يكون مشابهة للكناية كما في الصورة الثانية، فإنها تشبه الكناية من جهة استعمال اللفظ فيما هو موضوع له مرادا منه غير الموضوع له، وليس بكناية؛ إذ لا يتصور فيه لازم وملزوم، وانتقال من أحدهما إلى الآخر؛ إذ حاصل ما ذكره أن التعريض ليس بمجاز ولا كناية، وإن وقع في أثناء تقريره بعض ما لا يتضح، فتأمل.

ومما يقضي منه العجب أنه بعد ما نقل الشارح كلام الكشاف وابن الأثير في هذا المقام كيف زيف كلام العلامة بأن هذا مذهب لم يذهب إليه أحد، بل أمر لا يقبله عقل؛ لأنه يؤذي أن يكون كلام يدل على معنى دلالة صحيحة من غير أن يكون حقيقة ذلك المعنى أو مجازا أو كناية، بل الحق أن الأول مجاز، والثاني كناية، كما صرح به المصنف، وهو الذي قصده السكاكي.

وتحقيقه أن قولنا: آذيتني فستعرف كلام دال على معنى يقصد به تهديد المخاطب، فإن استعمل في تهديد المخاطب وغيره من المؤذين فكناية، وإن أردت تهديد غير المخاطب بسبب الإيذاء بعلاقة اشتراكه للمخاطب في الإيذاء إما تحقيقا، وإما فرضا وتقديرا كان مجازا.

ونعم التوضيح تمثيل السيد السند لدلالة الكلام على المعنى التعريضي بدلالة الحذف مثلا على تعظيم المحذوف أو إهانته، فإنه أفاده من غير استعمال فيه فجعل كلام الشارح مبنيا على الغفلة عن مستتبعات التراكيب.

وهنا مزيد تحقيق بقي إلى الآن في ستر الاكتنان فلا علينا أن نهب لك من

ص: 359