الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترك العطف (عطف عليهما كالمفرد) أي: كعطف المفرد على المفرد وفي هذا التشبيه إشعار بوجه حسن العطف أي: كما أن العطف في مقام قصد تشريك المفرد، مقبول كذلك في هذه الجملة؛ لأن الجملة التي لها محل من الإعراب واقعة موقع المفرد، ولما كان عطف المفرد على المفرد يشترط في قبوله الجهة الجامعة فرّع على التشبيه قوله:
[فشرط كونه مقبولا بالواو]
(فشرط كونه مقبولا بالواو ونحوه) مما لا يدل إلا على مطلق الجمع، وهل هي متحققة في كلام العرب لم توجد على سبيل الحقيقة ولا مانع من التجوز كما قيل إن «ثم» في قوله:
عدل ووصف وتأنيث ومعرفة
…
وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب
بمعنى الواو لضرورة الشعر. وكما قال الكوفيون إن «أو» في قوله تعالى:
إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (1) بمعنى الواو، وكما قال المصنف في التذنيب من الإيضاح: إن الفاء يجيء بمعنى الواو، وجعله منه.
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني
…
فمضيت ثمّة قلت لا يعنيني (2)
واستشهد عليه بخبر عبد الله بن عتيك فإن أردته فارجع إليه ويؤيد أن ما ذكر نحوه لمراعاة ما في معناه تجوزا أنه قال فما بعد إن قصد ربطها بها على معنى عاطف سوى الواو، ولم يقل على عاطف سوى الواو فالمراد بالواو الواو المستعمل في معناه الحقيقي، حتى يدخل الواو بمعنى «أو» في غير الواو، ولما لم يعلم وجود العاطف بمعنى الواو تجوزا في كلام البلغاء لم يبال المفتاح بالاحتمال، ولم يذكر قوله تعالى ونحوه، وقد صعب ذكره حتى قرئ منصوبا عطفا على مقبولا ومجرورا عطفا على الضمير المجرور على المذهب الضعيف، وفسر المنصوب بنحو المقبول من المستحسن والقريب من الطبع، وهو كما ترى، وفسر المجرور بنحو عطف الجملة
(1) الصافات: 147.
(2)
البيت لعميرة بن جابر الحنفي، وهو منسوب لشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات: 126: ولعميرة بن جابر في حماسة البحتري: 171، وانظر البيت في الدرر: 1/ 78، وشرح التصريح 2/ 11، وخزانة الأدب: 1/ 357، 358/ 3/ 201، 4/ 207، 208، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383، والخصائص: 2/ 338، 3/ 330، وشرح شواهد الإيضاح: 221، ولسان العرب (ثمم)، (منى)، ودلائل الإعجاز: 206، والإشارات والتنبيهات: 40، والمفتاح: 99، وشرح المرشدي على عقود الجمان 1/ 62، والتبيان للطيبي 1/ 161، والإيضاح: 49، 165 بتحقيقي (ط) دار الكتب العلمية بيروت.
من عطف المفرد، ولا أظنك في ريبة مما ألهمنا به، ولا يخفى أن هذا الاشتراط على مذهب من لم يجعل الواو للترتيب (أن يكون بينهما جهة جامعة) فهذا الوصل إنما يتيسر بعد معرفة الجهة الجامعة كالقسم الثالث إلا أن في القسم الثالث أمورا أخر لا بد من ضبطها لم يشترط في هذا القسم من عدم كمال الاتصال وكمال الانقطاع وشبه أحدهما؛ فلذا عد قريب التناول دون الثالث، (نحو: زيد يكتب) أي: ينشيء النثر، كذا سمعت من الثقات (ويشعر) من حد نصر وكرم بمعنى: يقول الشعر أو الثاني بمعنى يجيد الشعر، كذا في القاموس؛ لما بين الكتابة والشعر من المناسبة، (أو يعطي ويمنع)؛ لما بينهما من التضاد (ولهذا) أي: لكون شرط قبول عطف الجملة بالواو وجود الجامع، لا كون شرط قبول العطف بالواو مفردا كان أو جملة؛ إذ جعل الشرط في المفرد جملة مسلّما حتى فرّع عليه اشتراط القبول في الجملة، فلا يحسن تعليل الشرط المفرد بعد تسليمه، فإن قلت: فلا يتم الدليل لأنه من عطف المفرد على المفرد.
قلت: إن المفتوحة بعد العلم في حكم المكسورة؛ لكون ما بعدها منزّل منزلة مفعولي علمت، فلو لم يكن وجود الجامع شرطا في الجملة أيضا لم يعب على الشاعر لجعل المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الجملة (عيب على أبي تمام قوله [زعمت) أي: الحبيبة [هواك] يا نفس [عفا الغداة] أي: اندرس في عداة الهجرة [كما عفاه عنها] أي: عن اللوى وهو موضع [طلال باللّوى ورسوم].
(لا) أي: ليس الأمر كما زعمت:
([والّذي هو عالم أنّ النّوى صبر) أي: مرّ. في الصحاح الصبر ككتف هذا الدواء المر، ولا يسكن إلا للضرورة هذا، وفيه نظر إذ لغات كتف لا يختص الشعر (وأنّ أبا الحسين كريم):
لا زلت عن سنن الوداد ولا غدت
…
نفسي على إلف سواك تحوم (1)
جواب القسم لا والبيت الآخر مؤكد وهو جواب القسم كما ذكره الشارح.
وعيب البلغاء على أبي تمام بفوت الجامع بين المعطوف والمعطوف عليه؛ إذ لا
(1) البيتان في ديوانه 3/ 290، انظر دلائل الإعجاز: 173، معاهد التنصيص، نهاية الإيجاز: 323، عقود الجمان: 173، وأبو الحسن: محمد بن الهيثم ممدوح الشاعر.
مناسبة بين مرارة النوى وكرم أبي الحسين دليل تام على الاشتراط، وأن يمكن الجواب عنه بأن مراد أبي تمام أن مرارة النوى وكرم أبي الحسين مما لا يعلمه إلا الله كما يتبادر إليه العرف من حوالة علم الشيء إلى الله.
وفيه كمال المبالغة في عظمة الشيء بحيث لا تدركه العقول بينهما أنهما مما لا يحيط بهما علم أحد، فتأمل (وإلا) أي: وإن لم يقصد تشريك الثانية للأولى في حكم إعرابها (فصلت عنها) الأولى أن يقابل فصلت بوصلت أو عطفت بلم يعطف (نحو وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (1) لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على (إنّا معكم) الأولى لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ لئلا يوهم أن كلامه في مجرد إنا معكم، لا في المجموع كما وهمه الشارح والسيد السند وغيرهما؛ لأنه ما حكاه الحاكي هو المجموع وقصد تعلق القول به، لا بكل من قوله: إنا معكم، وقوله:
إنما نحن مستهزئون، فلا نصيب بالقول إلا للمجموع، كما أنه لا نصيب هو إذا قيل: قلت زيد إلا لمجموع زيد، ولا نصيب بشيء من إنا معكم وإنما نحن مستهزئون في النصيب، كما لا نصيب لزاء زيد، ففي هذه الحكاية كل من إنا معكم، وإنما نحن مستهزئون جملة لا محل لها من الإعراب، ووجه الفصل عن كل منهما ليس عدم قصد التشريك في حكم الإعراب، بل إن العطف عليه عطف على ما هو كجزء كلمة، وهو بهذا الاعتبار داخل في قوله، وعلى الثاني وليس الفصل فيه بشيء، مما ضبط، بل لما ذكرنا فهو قسم منه غفلوا عنه برمتهم، فاحفظه عنه ما قرت به، ولا تتبع إهمالهم؛ فإنه ليس لهم إلا بذل ما رزقوا، والله يرزق من يشاء.
وقوله: (لأنه ليس من مقولهم) علة لمحذوف كأنه قيل: لأنه لم يقصد تشريكه لإنا معكم لأنه ليس من مقولهم.
قال الشارح: وإنما قال: على إِنَّا مَعَكُمْ دون إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ؛
لأنه بيان لإنا معكم فحكمه حكمه، وقد عرفت ما فيه، وأنكر السيد السند كونه بيانا لوضوح إنا معكم ومغايرتهما في المعنى، وجعل الحق كونه تأكيدا كون معنى
(1) البقرة: 14.
إنا معكم (شبا الثبات)(1) على اليهودية، وإنما نحن مستهزئون تحقير ضد اليهودية، ودفع الاعتداد به، ودفع نقيض الشيء تأكيد له، أو لأن معنى إِنَّا مَعَكُمْ المعية قلبا، وهو يستلزم مخالفة أصحاب محمد معنى، والموافقة صورة. وهو الاستهزاء، فيؤكده إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (2)، أو جعله استئنافا في جواب ما بالكم، إن صح إنكم معنا توافقون أهل الإسلام، قال وعلى أي تقدير لا يصح عطفه على إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ؛ لأنه ليس مقولا لهم، ولا يصلح أن يكون تأكيدا أو تتمة الجواب عن سؤالهم، ومن المباحث النفيسة التي خفيت إلى الآن أن فصل اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ من قوله إِنَّا مَعَكُمْ لا ينبغي أن يكون من هذا الفن؛ لأنه للاحتراز عن ضعف التأليف؛ لأن عدم قصد التشريك هنا لئلا يفسد أصل المعنى بناء على قاعدة العطف فيما بين النحاة صحة التشريك فالتمثيل به خال عن التحصيل، ومثال ما نحن فيه زيد ضرب ذهب لم يعطف ذهب على ضرب، مع أنه يصح أصل المعنى في قصد التشريك، ولا يخالف قاعدة النحو المشهورة؛ لئلا يشارك الحكم السابق في القصر.
(وعلى الثاني) أي: على تقدير أن لا يكون للأولى محل من الإعراب (إن قصد ربطها بها على معنى عاطف) لم يقل على عاطف (سوى الواو) وأدرج المعنى ليدخل فيه الواو بمعنى أو ويخرج ثم واو بمعنى الواو (عطفت) به لا بد من اشتراط أن لا يكون للأولى حكم لا يجرى في الثانية فتأمل (نحو: دخل زيد فخرج عمرو أو ثم خرج عمرو إذا قصد التعقيب أو المهلة) الصواب إذا قصد التعقيب بلا مهلة أو بمهلة، والعاطف الذي يقصد به عطف جمل، لا محل لها من الإعراب مما سوى الواو ما سوى لا وحتى فإنهما مختصان بالمفردات إلا أنه يعطف بلا المضارع على المضارع فيقال: أقوم لا أقعد لمضارعته الاسم كذا في الرضى.
وقال السيد السند: إن وجه اختصاص حتى بالمفردات امتناع وجود شرطها، وهو كون ما بعدها جزأ مما قبلها أضعف أو أقوى ولا تحقق له في الجمل أصلا، وفيه بحث؛ لأنهم ذكروا في قوله تعالى: أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ
(1) رسمت بالأصل (شبا الت) وأظنه تحريفا.
(2)
البقرة: 14.
وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (1) إن الثانية بدل البعض من الأولى لدخولها فيها.
ثم قال: وظاهر المفتاح يشعر بوقوع حتى في عطف الجمل؛ حيث قال في بحث العطف: ولا بد في «حتى» من التدريج لما ينبئ عنه قوله:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى
…
بي الحال حتّى صار إبليس من جندي (2)
إذ الظاهر أنه مثال لحتى العاطفة، وحينئذ تجعل الشرط المذكور مخصوصا بحتى العاطفة للمفردات، هذا وفيه أنك عرفت أنه يجري الشرط في الجمل وتفصيله في البيت أنه اندرج في ارتقى في الحال صار كذا وصار كذا فيصح حتى صار إبليس من جندي، وإنما قال الظاهر؛ لأنه يجوز أن يكون نظير الإفادة تدريج حتى العاطفة، وله في المفتاح غير نظير ويحمل قوله: ولا بد في «حتى» على حتى مطلقا مساغ، ومعنى البيت على ما هو المشهور أنه صار بمتابعة إبليس مترقيا في الشرارة إلى أن تبعه إبليس متابعة الجندي للسلطان، ففيه تحذير عن ارتكاب الصغائر فإنه يفضي إلى الجزاءة على أكبر الكبائر، ويحتمل أن يكون المراد أني صرت بالتوبة إلى أن انقاد بي إبليس ولا يزاحمني في الطاعة، ففيه ترغيب في العبادة والجد فيه وإزالة الخوف من تسويل النفس وغلبة الشيطان فإنه يندفع بالثبات على الخير، وإنما شاع العطف بما سوى الواو وحتى ولا؛ لأن لها معنى محصلا وفائدة يعتد بها، بخلاف الواو فإنه لا يفيد إلا اشتراك الجملتين في التحقق، ولا توجه للنفس إلا الاشتراك في التحقق بعد معرفة تحققهما؛ لأنه ليس معنى يعجب النفس، وإنما يعجبها ويجعلها طالبا له بشرائط لا يتيسر معرفتها إلا الأوحدي بعد أوحدي؛ فلذا ترى المهرة يبوحون بحصر البلاغة فيه مبالغة في كونه مدارا لها لا تقول: لو لم تعطف الجملتان لأوهم أن الجملة الثانية رجوع عن الأول؛ لأنا نقول: لا كلام في صحة العطف في مقام التوهم، وهو عطف لدفع
(1) الشعراء: 132.
(2)
البيت لأبي نواس في المفتاح: 102، والإيضاح:58.
وحتى فيه ليست عاطفة، وإنما يقصد التمثيل به لإفادتها التدريج، وإنما لم تكن عاطفة لأن المشهور أنها لا تأتي في عطف الجمل، لأن الجملة قبلها لا يستقبل بها الكلام حتى يصح العطف عليها عند من يقول بصحة العطف بها في الجمل.
الإيهام، وسيأتي نظيره لكن لا يغني عن الشرائط في مقام لا مجال فيه للإيهام؛ لوضوح الأمر من غير شائبة الإيهام، ونحن لم نفصل كل معاني ما سوى الواو مع أن العطف لا يتأتى لا بعد معرفتها؛ لأن المتكفل لها علم آخر، وقد فصلناها لك قبل أن تأتي هذا المقام في شرح الكافية بما لا مزيد عليه. (وإلا) أي: وإن لم يقصد ربط الثانية بالأولى على معنى عاطف سوى الواو (فإن كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية) من تقييد بحال أو ظرف أو غير ذلك (فالفصل)(1) متعين، كذا في الإيضاح، لا يقال الملازمة ممنوعة؛ لأنه قال السكاكي: إن هذا القطع يأتي إما على وجه الاحتياط، وذلك إذا كان يوجد قبل الكلام السابق كلام غير مشتمل على مانع من العطف عليه، لكن المقام مقام احتياط فيقطع لذلك.
وإما على وجه الوجوب، وذلك إذا كان لا يوجد؛ لأنا نقول المراد فإن كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤها للثانية، ولم يسبق على الأولى ما يصح العطف عليه بقرينة أنه تأتي بيان هذا القسم، وهو الذي جعلته كالمنقطعة، وسمي الفصل له قطعا (نحو وَإِذا خَلَوْا) (2) الآية (لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على «قالوا» لئلا يشاركه في الاختصاص) أي: في اختصاصه باعتبار حكم المتكلم لا باعتبار مضمونه (بالظرف لما مر)(3) من أن المفعول ونحوه مقيدات للحكم، فلا يرد أنا لا نسلم وجوب المشاركة في الاختصاص بالظرف؛ لما مر من أن التقديم يفيد التخصيص؛ لأنا نسلم أن تقديم الشرط يفيد التخصيص، وإنما يفيده ظرف لم يتضمن ما يوجب صدر الكلام؛ لأنك عرفت أن المراد اختصاص الحكم لا مضمون الجملة، والقيد يخص حكم المتكلم لا محالة، وعرفت أن ما مر ليس معناه كون التقديم للتخصيص، بل كون الظرف للتقييد فإن قلت: عبارة
(1) أي بلاغة لا نحوا: لأن العطف يقتضي التشريك في حكم الإعراب لا في القيود، فإذا قيل «ضربت زيدا يوم الجمعة وعشرا» لا يلزم أن يكون ضرب عمرو يوم الجمعة أيضا، ولكن ذلك هو الظاهر من العطف وإن لم يقتضه، فلهذا تعين بلاغة فيما هنا دفعا لإرادة ذلك الظاهر.
(2)
البقرة: 14.
(3)
لأن هذا هو ظاهر العطف وإن لم يقتضه كما سبق، والمراد باختصاصه بالظرف أنه قيد فيه يكون شرطا له، والشرط قيد في الجواب كما هو معلوم.
الإيضاح لا يساعد ما ذكرت؛ لأنه قال: لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المتقدم، فإن وصف الظرف بالمتقدم يشعر بأن للتقدم مدخلا في المشاركة في الاختصاص، والتقييد بالظرف لا مدخل فيه للتقدم.
قلت: قيده به؛ لأن العطف عليه المقيد إنما يفيد المشاركة في القيد المتقدم دون المتوسط، أو المتأخر، يدل عليه كلام الشارح المحقق.
واعلم أن في الآية ثلاثة أمثلة؛ لأنه لا ريبة في صحة عطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على مجموع الشرط والجزاء؛ إذ عطف غير الشرطية على الشرطية وبالعكس كثير، والجامع أيضا يتحقق إذ تقاولهم بهذه المقالات ينسب الاستهزاء، بل عين الاستهزاء والمسند إليه في كل منهما مستهزئ بالآخر؛ لأن استهزاءهم بالمؤمنين في أحكام الله.
فوجه ترك العطف عليها أن عطفها عليه يوهم عطفها على الجزاء، فالقطع لدفع الوهم، وهو حينئذ مثال للفصل لتكون كالمنقطعة، وكأنّ المصنف غفل عنه فاقتصر على جعله مثالا للفصلين دون الثالث.
قال الشارح المحقق: فإن قلت: إذا عطف شيء على جواب الشرط، فهو على ضربين: أحدهما: أن يستقل كل بالجزائية نحو: إن تأتني أعطك وأكسك.
والثاني: أن يكون المعطوف عليه، ويكون بحيث يتوقف على المعطوف الشرط سببا فيه بواسطة كونه سببا في المعطوف عليه، كقولك: إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت، أي: إذا رجع استأذنت وإذا استأذنت خرجت، فلم لا يجوز أن يكون عطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على «قالوا» من هذا القبيل.
قلت: لأنه حينئذ بصير وإذا قالوا ذلك استهزأ الله بهم، وهذا غير مستقيم؛ لأن الجزاء أعني: استهزاء الله بهم إنما هو على نفس استهزائهم وإرادتهم إياه، لا على إخبارهم عن أنفسهم بإنا مستهزؤن بدليل أنهم لو قالوا ذلك لدفعهم عن أنفسهم والتسلم عن شرهم لم يكن عليهم مؤاخذة، كذا في دلائل الإعجاز.
قلت: أولا: دليل الشيخ مدخول؛ لأن المراد بالقول القول عن اعتقاد،
كما لا يخفى فترتيب الاستهزاء على هذا القول المخصوص، لا على القول المطلق، ولا يتم ما ذكره دليلا على عدم ترتيب الاستهزاء على القول المخصوص.
وثانيا: أنه أورد على الشيخ أن العطف على جواب الشرط له احتمال ثالث، وهو أن لا يستقل بشيء بالجزائية، بل يكون الجواب مجموع الشرط والجزاء، ويدفعه أن العطف حينئذ ليس على الجزاء، بل العطف مقدم على الجعل جزاء.
وثالثا: أن اختصاص الاستهزاء بوقت الخلو بحاله بعد؛ لأن القول مختص بوقت الخلو، والاستهزاء بوقت القول، والمختص بالمختص بالشيء مختص به، والأعجب من ذلك كله أن منع كون العطف موجبا للتقييد مما لا يضر؛ لأن المقصود بيان نكتة للفصل يجعل المراد من الآية ما لا يستقيم معه الوصل، هو أن المراد استهزاء الله مطلقا، ولو عطف على الجزاء لفات الإطلاق لإفادته الاختصاص بوقت الخلو.
فالمناقشة بأنه يحتمل الاختصاص بوقت القول مما لا يضر في تعيين الفصل؛ لأن العطف يفيد الاختصاص بأحد الطرفين لا محالة على أن الأظهر الأشيع الاحتمال الأول، وأن المصنف لم يعين الظرف وأن يتبادر منه وقت الخلو.
وكأن مهابة الشيخ شغلت المحققين عن مشاهدة ضعف كلامه، والله يختص من يشاء بإنعامه.
(وإلا) عطف على قوله (فإن كان للأولى حكم) أي: إن لم يكن للأولى حكم (لم يقصد إعطاؤه للثانية) وذلك بأن لا يكون لها حكم زائد على مفهوم الجملة، أو يكون ذلك ولكن قصد إعطاؤه للثانية أيضا.
فإن قلت: مع قصد الإعطاء كيف يصح الفصل ويفوت الحكم؟ .
قلت: لا ينحصر الإعطاء في حكم العطف فليصرح بالحكم في المعطوف.
فإن قلت: من الممتنع أن لا يكون للأولى حكم زائد على مفهوم الجملة إذ الكلام البليغ لا يخلو عن معنى مراد.
قلت: المراد حكم زائد على مفهوم الجملة يمكن إعطاؤها للثانية بالعطف.