الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقول بعد تحقيق المركب دخول حين نورا في المشبه به أيضا لا يوجب التركيب إذ لا معنى للتركيب إلا انتزاع الهيئة من عدة أمور، فالتحقيق يغني عن هذا التدقيق، ومن الله العون والتوفيق وإحكام القول والتوثيق.
[أو مركبان]
(و) المركب الحسي (فيما) أي: في تشبيه (طرفاه مركبان كما) أي: مركب حسي (في قول بشار [: كأنّ مثار) اسم مفعول من أثار الغبار، أي: هيجه (النّقع) والإضافة بيانية، ولو جعل كأن للتشبيه لم يكن المحذوف من أركان التشبيه إلا الوجه، وإن جعل للظن كأن أداة التشبيه أيضا محذوفة، ويكون كقولك: أظن زيدا أسدا، فيكون أبلغ وهذا أصل مهدية لك في كل تشبيه مشتمل على كلمة كان جليا كأنه جرى بأن يتخذه جليا (فوق رءوسنا، وأسيافنا) منصوب معطوف على المثار بواو المقارنة، كما في كل رجل وضيعته، وهذا معنى قول الشيخ إن أسيافنا في حكم الصلة للمصدر؛ لئلا يقع في التشبيه تفرق يعني أنه متصل بالمثار ومنضم معه، ومن تتمته وليس مستقلا في الملاحظة، وذلك الاتصال نشأ من المقارنة المستفادة من العاطف، ولم يرد الشيخ أنه مفعول معه وعامله المثار؛ لأن النقع ليس معمولا للمثار؛ لأنه لم يعتمد حتى يكون له معمول، وحذف المعتمد عليه تكلف لا يعتمد عليه ولو جعلت المثار مصدرا لكان النقع مفعوله بلا كلفة، وكان أسيافنا مفعولا معه، وكان هذا أنسب بكلام الشيخ، ويكون كلام الشيخ أدعى له، ولا يذهب عليك أن ليس الإثارة مشبهة؛ لأن المثار أيضا ليس مشبها، وفي تشبيه المركب لا يلي المشبه أداة التشبيه، فجعل الشارح المحقق هذا الاحتمال وهما منهم (ليل تهاوى) قال الشارح: أي: يتساقط بعضها في إثر بعض، وهو مضارع مؤنث حذف إحدى تائيه ومن جعله ماضيا لم يؤنث؛ لأنك في الإسناد إلى ظاهر الجمع الغير السالم بالخيار، فقد أخل بكثير من اللطايف التي قصدها الشاعر على ما ستطلع عليه في أثناء شرحه هذا، واختلف في بيان الإخلال فقال بعضهم: إن سقوط بعض في إثر بعض يستفاد من صيغة الحال، فإن ما يحصل في زمان الحال شأنه أن يحصل بالتدريج واختلاف الحركات وما يتبعها بسقوط بعض في إثر بعض، ولا يخفى أن الحصول التدريجي مقتضى الانطباق على زمان حالا كان أو غيرها، وأن
اختلاف الحركات يجامع سقوط الجميع معا، وقال بعضهم:
يفوت ما يفيده صيغة المضارع من استحضار الصورة العجيبة المستفاد من جعل الماضي في معرض الحال، وقيل: يفوت الاستمرار التجددي المفاد بصيغة المضارع المناسب للمقام، وفي هذين القولين أنه فوت لطيفة لا يذكر في أثناء شرحه لا إخلال بكثير من لطائف يذكر فيه، ونحن نقول ليل تهاوى كواكبه، يفيد وصفه الليل بالخلو عن الكواكب، فيلزم تشبيه مثار النقع والسيوف بالليل الخالي عن الكواكب، بخلاف ليل تتهاوى (كواكبه)] (1) فإنه يفيد وصفه بكونه والكواكب يسقط بالتدريج المنطبق على وجود الليل يحكم به ذائقه لا يفوتها دقائق فحاوي البيان، وحقايق تطاوي التبيان كواكبه أي كواكب له؛ لأن سقوط السيوف وارتفاعها إنما يكون لطائفه طائفة منها، لا لواحد فواحد، فهذا مفهوم الجمع الاستغراقي بمعنى كل جمع جمع وإسناد المضارع الاستمراري.
(من الهيئة) بيان لما في قوله: كما (الحاصلة من هوى) قال الشارح: بفتح الهاء، ونحن نقول: الأظهر ضم الهاء؛ لأن الهوى بالضم السقوط من علو إلى سفل، والهوى بالفتح إما كالهوى بالضم، وإما مقابل له فتخصيصه بالإصعاد، كتخصيص الضم بالانحدار على ما حققه القاموس (أجرام) أي: أجسام، وقد يعارف الجرم في الجسم العلوي، كما تعارف الجسم في السفلي (مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار، متفرقة في جوانب شيء مظلم) فوجه الشبه مركب كطرفيه، لكن التركيب أعجب مما يفيده بيان المصنف؛ لأنه دخل في هذا التركيب اختلاف حركات بالسرعة والبطء، وبالجهات وبالاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض وتلاقي تلك الأجرام وتداخلها، وتصادم بعضها وبعضها، كما هو شأن تهاوي الكواكب طائفة في إثر طائفة على ما نقل من أسرار البلاغة للشيخ، فإنه قال: نبه على جميع ذلك بكلمة واحدة، وهي قوله تهاوى، وقد عرفت وجهد، وأنه لو كان ماضيا لم يفده وليس مرادهم أن عبارة البيت لا يحتمل إلى تشبيه المركب بالمركب في مركب، بل لا ينكر أن مثله يحتمل التشبيهات المتعددة المتفرقة، والتشبيه الواحد إما تشبيه مركب بمركب كما عرفت، وإما تشبيه مثار
(1) البيت لبشار بن برد في ديوانه 1/ 318، والإيضاح: 213، والمصباح: 106، ويروى:(رءوسهم) بدل (رءوسنا). تهاوى: تتساقط، وخفف بحذف إحدى التاءين.