الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]
للتشبيه باعتبار وجهه، وهو أنه (إما قريب مبتذل) أي: غير مصون من أحد، بل يعطي لكل أحد ويناله بمجرد توجيهه، والابتذال عدم الصيانة (وهو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادي الرأي) أي ظاهر الرأي، فإن جعل من بدا يبدو فالأمر ظاهر لفظا ومعنى، وإن جعل من بدأ مهموزا فوجه حذف الهمزة أنها قلبت ياء لانكسار ما قبلها.
ذكره القاضي في تفسير قوله تعالى: بادِيَ الرَّأْيِ (1) في سورة هود، ووجهه جعل أول الرأي ظاهره، تنزيل أول الرأي منزلة ظاهر الشيء الذي يبدو أولا، ولك أن تجعله حينئذ بمعنى أول الرأي، ولك أن تهمزه كما في قراءة من قرأ «باديء الرأي» بالهمزة، وجعل القاضي تقديره في الآية في وقت حدوث بادي الرأي على حذف مضافين ولك أن تجعله ظرفا تنزيليا فيستغنى عن حذف المضاف، ولا ينتقض التعريف بتشبيهه بكون المشبه به لازما ذهنيا للمشبه مع خفاء وجهه؛ لأنه ليس انتقالا لظهور وجهه في بادي الرأي. وقوله لظهور وجهه قيد للتعريف وتحقيقه أن يكون المشبه بحيث إذا نظر العقل فيه ظهر المفهوم الكلي الذي هو مشترك بينه وبين المشبه به، من غير تدقيق نظر، والتفات النفس إلى المشبه به من غير توقف، ولم يكتف بما ظهر وجهه في بادي الرأي؛ لأنه يتبادر منه الظهور بعد التشبيه، وإحضار الطرفين، وهو لا يكفي في الابتذال، بل لا بد أن يكون انتقال من المشبه إلى المشبه به؛ لظهور وجهه بمجرد ملاحظة المشبه.
(إما لكونه أمرا جمليا) لا تفصيل فيه (فإن الجملة أسبق إلى النفس) من التفصيل؛ وذلك لأن التفصيل بتحليل أمر مجمل أو بجمع أمور مجملة، وبالجملة الجملة أسبق إلى النفس، ولأن النفس مجبولة على درك المجمل، وحفظ المجمل، حتى إن التفصيل كأنه خروج عن جبلتها، ولأن المجمل أحب عندها؛ لأنه الذي يبقى لها بعد التفصيل، فكان التفصيل وسيلة إلى تحصيل مجمل على ما ينبغي.
ألا ترى أن التعريفات التي هي تفاصيل وسائل معرفات هي مجملات، حتى إذا حصل المجمل أعرض النفس عن التعريف، والتفصيل هنا ما خطر بالبال في تفصيل هذا الإجمال، ولعله أجمل مما ذكره الشارح المحقق في شرح هذا المقال،
(1) هود: 27.
حيث قال: ألا ترى أن إدراك الإنسان من حيث إنه شيء أو جسم أو حيوان أسهل وأقدم من إدراكه من حيث إنه جسم حساس متحرك بالإرادة ناطق؛ لأن المفصل يشتمل على المجمل وشيء آخر؛ فلهذا كان العام أعرف من الخاص، على أن في قوله: لهذا كان العام أعرف من الخاص نظرا؛ لأن العام ربما يكون مفصلا، كالجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، والخاص مجملا كالإنسان.
وقال المصنف: ألا ترى أن الرؤية لا تصل في أول أمرها إلى الوصف على التفصيل، لكن على الجملة، ثم على التفصيل؛ ولذلك قيل: النظرة الأولى حمقاء، وفلان لم ينعم النظر، وكذا سائر الحواس فإنه يدرك من تفاصيل الأصوات، والطعوم في المرة الثانية ما لم يدرك في الأولى. وفيه بحث، وذلك لأن ذلك لبس للإجمال، فإن الإجمال بعد التفصيل في غاية المثابة، بل لأنه لا إتقان في النظرة الأولى، ولا يحصل إحكام النظر بها؛ لقلة إعماله.
(أو قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن، أما عند حضور المشبه لقرب المناسبة) بين المشبه والمشبه به مثلا؛ إذ قد يكون غلبة الحضور اتفاقا لا لقرب المناسبة، ولا يخفى أن غلبة حضور المشبه عند حضور المشبه به بجامع غلبة حضور المشبه به مطلقا، فلا يقابل بينه وبين قوله مطلقا، إلا أن يقيد الغلبة عند حضور المشبه به بقيد فقط، لكن لا يساعده المثال أو يجعل الترديد لمنع الخلو.
(كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل) إذا اعتبر التركيب، وأما إذا لم يعتبر فهو أيضا أمر جملي يشهد له ما سيأتي من أنه كلما كان التركيب من أمور أكثر كان التشبيه أبعد، حيث لم يقل كلما كان التعدد أكثر كان التشبيه أبعد. وفيه بحث؛ لأن الظاهر أن تعدد وجه الشبه أيضا من أسباب البعد والغرابة، ويرد أن الجرة الصغيرة أيضا كثير الحضور مطلقا في الذهن، فلا وجه لجعله مما غلب حضوره عند حضور المشبه به، لا مطلقا.
والجواب أن كلا من الجرة والشمس مما يغلب حضور الكوز والمرآة عند حضوره، فيصبح التمثيل لغلبة حضور المشبه به عند حضور المشبه بأيهما