الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد الخامس
كلمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الدكتور حامد الغابد
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين ورحمة الله للعالمين.
يسعدني أن أقدم للقارئ الكريم العدد الخامس من هذه المجلة العلمية الفقهية الرصينة التي رأت النور، أول ما رأت غداة شروع مجمع الفقه الإسلامي في أداء مهمته الجليلة كمؤسسة إسلامية متخصصة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
وها هو العدد الجديد من هذه المجلة يصدر، بحمد الله، حافلا بالبحوث العلمية والدراسات الإسلامية التي يجد فيها المسلم، دارسا كان أم باحثا أم فقيها، مرجعا غنيا يجمع طائفة من آراء صفوة فقهاء المسلمين إزاء بعض المشكلات والاستفسارات والقضايا التي تواجه أبناء هذه الأمة في العصر الحاضر. ولقد أتيح لي أن أطلع على الأعداد السابقة من مجلة المجمع، فوجدتها. بحق، مرآة صادقة للجهود التي يبذلها المجمع لفائدة أبناء هذه الأمة، أما هذا العدد فيمثل خطوة أخرى موفقة على الطريق. بما يضمه من مواد فقهية إسلامية نافعة.
وأنتهز هذه الفرصة لأشيد بالدور المهم الذي يضطلع به مجمع الفقه الإسلامي بكل اقتدار على صعيد تبصير المسلمين بشؤون دينهم بما يتفق والحياة المعاصرة، وعلى صعيد تسليط الضوء على بعض النقاط التي تحتاج إلى شرح أو بيان من تراثنا الفقهي الزاخر.
ويسرني أن أسجل بكل التقدير في هذا المقام أن المجمع قد قطع في بضع سنين شوطا طيبا، ولله الحمد، على طريقه المرسوم، والفضل يعود في ذلك إلى الدعم الملموس الذي حظي به وما يزال يحظى به من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي من حكومة خادم الحرمين الشريفين التي تشمل المنظمة، أمانة عامة وأجهزة ومؤسسات. بالرعاية والمساعدة والمساندة.
ويعود الفضل في ذلك أيضا، إلى أمانة المجمع العامة، وعلى رأسها سماحة الشيخ الجليل الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الذي عمل بدأب ومثابرة من أجل أن يبلغ المجمع ما بلغه اليوم من مكانة، بل لعل من الإنصاف أن أذكر ما هو معروف من أن سماحته قد أسهم في العمل على إنشاء المجمع، إسهاما مشكورا، حتى منذ كان المجمع مجرد فكرة لم تر بعد النور. فليجازه الله عن المسلمين خير الجزاء.
وتطلعا إلى تعميم الفائدة لصالح أكبر مجموعة من القراء فإني آمل في أن يوفق المجمع في العمل مستقبلا على إصدار هذه المجلة باللغات الرسمية الثلاث المعمول بها في منظمة المؤتمر الإسلامي. ذلك أن المواد التي تضمها المجلة جديرة بأن تنقل إلى عدة لغات حتى يتسنى للمسلمين الذين لا يجيدون العربية، ولغير المسلمين من الأجانب، الاطلاع على آراء صفوة الفقهاء، في عصرنا الحاضر، من خلال هذه المجلة العلمية النافعة.
ويدعونى ذلك إلى مناشدة المسلمين، دولا وأعضاء، وأفرادًا وجماعات، إلى دعم المجمع الفقهي الإسلامي ومساندته ماديا؛ كي يتمكن من أداء مهمته على خير وجه.
والله الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الدكتور حامد الغابد
كلمة معالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الخلق والأمر والتدبير. والصلاة والسلام على البشير النذير. وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي عام 1409 انعقدت الدورة الخامسة لمجلس الفقه الإسلامي على ضفاف جزيرة العرب في دولة (الكويت) مفتتحا برعاية أمير البلاد سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وحضور جمع كريم من رجال البلاد من الأمراء والوزراء والعلماء وغيرهم، وفي مقدمتهم سمو ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح، واستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ممثلة في معالي وزيرها الأستاذ/ خالد أحمد الجسار، ثم تتابعت جلسات هذه الدورة المباركة من 1/5/1409 إلى 6/5/ 1409 في عشر جلسات لمناقشة عدد من الموضوعات والمستجدات والنوازل الفقهية التي يعايشها المسلمون، ويبحثون عن الجواب عليها (بحث شحيح ضاع في الترب خاتمه) .
وتختم الدورة منتجة مجموعة من القرارات الشرعية: في إعلان وجوب تحكيم الشريعة على من بسط الله يده، وأن هذا أول واجب على الحاكم المسلم. وفي بيان أحكام العرف. وبيع المرابحة، وتحديد النسل ومدى تدخل الولاة فيه؟ ومنتجة عقد وشائج من الأخوة الإيمانية والتعاون في المجالات الشرعية، ومن أبرزها (اتفاقية الكويت) بين المجمع ومنظمة الطب الإسلامي ممثلة في معالي رئيسها وزير التخطيط الدكتور عبد الرحمن العوضي. وقد أجرى المجمع ولله الحمد، توقيع الاتفاقية، وفيها وجوه التعاون بين المؤسستين.
هذه المقيدات وأضعافها، وما دار من مناقشات أبدع بها رجال هذا المجمع من العلماء الأجلاء والفقهاء الفضلاء تراها أمامك في هذه المجلدات ممثلة العدد الخامس لمجلة المجمع. والتي تبرز اليوم في حلة بهية منشورة لأنظار العلماء وطلاب العلم تشد أزر أعداد الدورات السابقة لتكون في تمام اثني عشر مجلدًا.
فجزى الله العلماء العاملين والباحثين الجادين أحسن الجزاء، ولله الحمد في الآخرة والأولى، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق مفصلا، فيه آيات بينات ونور وهدى وذكر للعالمين.
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبد الله إمام الهدى ورسول السلام الذي بلغ الناس ما أنزل عليه من ربه من بصائر وحكمة، ومنهاج ورحمة، فثبت في قلوبهم التقوى، وألزمهم بشرائع الله سبحانه في كل الأقوال والأفعال والتصرفات والأعمال.
وبعد: فقد وعى مجمع الفقه الإسلامي الدولي مسئولياته منذ تأسيسه، وأدرك ما يواجه أمتنا الإسلامية من تحديات العصر، وما تعانيه من مشكلات، جاهد لإيجاد الحلول الشرعية لها، والبدائل متغلبا بذلك على الغزو الفكر، وما أحدثه من بلبلة في المجتمعات الإسلامية.
وانطلاقا من هذا الوعي، وإدراكا لاتساع الفكر الإسلام وقدرته على استيعاب مشكلات كل العصور، اعتمد مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنهج العلمي أساسا لدراسة قضايا الحياة المعاصرة، ولم يتوان في معالجتها، وبذل الوسع لاستنباط الأحكام فيها من أصول شريعتنا، وهو إلى جانب هذا منفتح على العصر، ملتزم بالتقصي والاستقراء، غايته الوصول بقراراته وتوصياته إلى الأحكام الشرعية الصحيحة، وتوفير القاعدة السليمة للحياة الإسلامية المطلوبة في جميع أنحاء الدنيا بين المسلمين عامة، وبينهم وبين غيرهم وفقا لأصول الأحكام الإسلامية، ومبادئ الدين السامية، وطبقا لما تقتضيه مصالح الناس وذلك في إطار تحقيق المقاصد الشرعية.
وتلك سنة المجمع التي جرى عليها من يوم شروعه في عمله وفقا لرغبة قادة الأمة الإسلامية الساهرين على حمايتها، وعلى التطور بها تطورا صالحا بناء يعيد لها عزتها، وينمي قدراتها، ويحفظ قوتها وأمنها.
وقد وجدنا لتيسير ذلك من دولة المقر، ومن عماد نهضتها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - أعزه الله ونصره - كل دعم ورعاية يسابقان خطواتنا إلى إنارة المسلمين بتعاليم دينهم، وأحكام شريعتهم.
ونحن إذ نقدم هذا العدد الخامس من مجلة مجمع الفقه الإسلامي للسادة القراء من العلماء والفقهاء، ورجال الطب والاقتصاد، وأساتذة الجامعات وطلاب العلم والباحثين، ولعامة المسلمين، نضع يين أيديهم نتاج أعمال المؤتمر الخامس الذي انعقد بالكويت في الفترة من 1 - 6 جمادى الأولى 1409 - 10 - 15 ديسمبر 1988 م بدعوة كريمة من حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، ورئيس القمة الإسلامية الخامسة حيث رعى سموه - أيده الله وحفظه - الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بإلقاء كلمة كريمة جامعة أكد فيها جلال العلم وفضل العلماء، منوهًا بأهمية مجمع الفقه الإسلامي، وبما يضطلع به من جهود في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد اعتمد هذا الخطاب الشريف وثيقةً أساسيةً من وثائق المؤتمر.
وكان للدور الذي قام به معالي الأستاذ خالد أحمد الجسار وزير الأوقاف والشئون الإسلامية أكبر الأثر في تحقيق النجاح للمؤتمر، كما كان لأجهزة الإعلام الكويتي من تلفزة وإذاعة وصحافة الفضل الكبير في تغطية أعمال الدورة، ونقل الكبير من عروضه ومناقشاته إلى الجماهير الواسعة في الكويت وخارجها.
ويطيب لنا أن ننوه هنا بما تم أثناء انعقاد هذه الدورة بالكويت من توقيع ميثاق التعاون المقترح من معالي الدكتور عبد الرحمن العوضي وزير التخطيط، ورئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بين المجمع والمنظمة، فكان ذلك تتويجا للنجاحات التي تحققت بفضل الله تعالى، ثم بفضل حضرة صاحب السمو أمير الكويت وحكومته الرشيدة وشعبه الكريم، ودعما لمسيرة المجمع وتعاونا معه في كل ما يعود بالخير والنفع على المسلمين عامة.
وقد أسهم في أعمال هذه الدورة ثلة كريمة من أصحاب الفضيلة العلماء، ونخبة متميزة من الباحثين والخبراء، وأغلب أعضاء المجمع ممن حضر المؤتمر وكان عدد المشاركين يبلغ المائة أو يزيد، عرضت عليهم جميعهم للدرس، والمناقشة، واتخاذ القرارات جملة من البحوث والدراسات، تناولت الموضوعات التالية:
1 -
تنظيم النسل وتحديده. 23 بحثا
2 -
الوفاء بالوعد 9 بحوث
3 -
المرابحة للآمر بالشراء 9 بحوث
4-
تغير قيمة العملة 12 بحثًا
5 -
الحقوق المعنوية 10 بحوث
6 -
التأجير المنتهي بالتمليك 5 بحوث
7 -
تحديد أرباح التجار 5 بحوث
8 -
العرف 11 بحثًا
9 -
تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بحثان
فقد كانت جملة البحوث المعروضة على الدورة 86 بحثًا أتبعت بما دار حولها من تعقيبات ومداولات، وختمت - كما هو واضح في هذا العدد - بما توصل إليه مجلس المجمع من قرارات وتوصيات.
ولا يفوتنا ونحن نقدم للقراء الأكارم هذا العدد الخامس من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، أن نزجي الشكر الجزيل للسادة الأعضاء، وللباحثين والخبراء. على ما بذلوه من جهود خيرة مباركة تميزت بها هذه الدورة، كما نباهي بالإقبال المتزايد من الطلاب والباحثين، وعامة المسلمين على هذه المجلة، لما فيها من مادة علمية جادة، وآراء اجتهادية دقيقة.
كما لا يفوتنا بهذه المناسبة الشريفة أن نشكر حضرة صاحب المعالي الشيخ أحمد جمجموم لأريحيته الكريمة بتوليه الإنفاق على طبع هذا العدد بأجزائه الثلاثة حتى أخرجه في أبهى صورة وأجمل حلية، فالله يجزيه الجزاء الأوفى، ويكلؤه بعنايته ورعايته، وإنى لأدعو لكل من أسهم في إنجاز هذا العمل الجليل بالمثوبة والأجر،
وختاما أسأل الله تعالى أن يسدد على طريق الخير والرشاد خطانا، ويوفقنا في جميع أعمالنا، ويتقبل منا هذا الجهد المتواضع، وينفع به المسلمين أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
كلمة
حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح
أمير دولة الكويت
ورئيس الدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
إخواني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
باسم الكويت، وباسم منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحمل الكويت شرف ومسئولية رئاسة دورتها الخامسة، أرحب بكم في هذه الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي.
ومع الترحيب بكم، وأنتم صفوة علماء الإسلام، تقدير وأمل ودعاء.
تقدير لما تبذلون من جهد بناء في مد الجسور بين الإسلام والحياة المعاصرة، وعكوف دائب على البحث العلمي وزن الإسلام فيه مداد العلماء بدم الشهداء: هذا يبني الأوطان ويحميها، وهذا يبني العقول ويزكيها.
وآمل في أن يستمر عطاؤكم ويزداد.
ودعاء أن يثيبكم الله سبحانه خيرًا، وأن يفتح عليكم وبكم من أبواب التعاون ما ينير للمسلمين مسالك الحاضر والمستقبل.
إخواني:
إن الفقه هو التعمق في الفهم، وإن اختص به القانون والتشريع، وأمامنا الآن فقه أكبر نستطيع أن نسميه " فقه المجتمعات الإسلامية " ويقصد به عمق واتساع فهمنا للقضايا الإسلامية المعاصرة، والاجتهاد في استنباط الأحكام والخطوط الأساسية للتقدم، والاتفاق على الوسائل التي نتخفف بها مما خلفته الأحقاد والحروب من جراح نفسية وفكرية ومادية، وتقوى بها أواصر التعاون في مستوياتها وآفاقها التشريعية والتنفيذية والعلمية والثقافية لتكون الأجيال الجديدة أكثر قدرة وعطاء.
وأعتقد أن نقطة البدء هي أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي ذاتها، لتكون صورة التعاون والتكامل والاجتهاد المنشودة، وتتسع دوائرها لتشمل الأجهزة المناظرة في العالم الإسلامي والجاليات الإسلامية في مواطنها الجديدة.
إن الفكر الإسلامي يقابل تحديات كثيرة أمام كشوف ومناهج العلم الحديث، ويتساءل المجتمع الإسلامي وبخاصة أجيال الشباب عن آراء العلماء في هذه القضايا والمشكلات، وإنهم يأملون في اجتهادات إيجابية نابعة من القرآن الكريم والسنة الشريفة، تعين على سلوك الطريق، بعد أن رضي جانب من الفكر الإسلامي خلال قرون مضت بالانطوائية والتقليد وما كان هذا ليحول دون استمرار حركة التاريخ، ومتغيرات الحياة والحوار بين الحضارات.
إن الإسلام شجرة طيبة، تضرب بجذورها في عمق الفطرة، وتمد فروعها في السماء لتحمل الزهر والثمر، وإذا كنا نستمد الأصالة من فطرة الله التي فطر الناس عليها، فإننا نحمل مسئولية الاجتهاد، وهو أرض اللقاء بين الأصالة وقضايا الحياة المتجددة.
إن كل حضارة عالمية لها سماتها الأساسية التي تسبق إلى الذهن إذا جاء ذكرها، فما هي معالم الحضارة الإسلامية في عالمنا المعاصر؟ إننا نستطيع أن نتحدث عن الماضي، وعن الصحوة المعاصرة كانطلاق تختلط فيه الإيجابيات بالسلبيات، والآمال بالعثرات.
ولكن علينا بالجهد المشترك أن نتعاون على تشكيل الملامح الطيبة للوجود الإسلامي الذي ينتظم الصف فيه بعد أن كان أمره فرطا، وتمر يد المحبة على آثار التعصب والتباعد، ويمحو فيه ضياء العلم ظلمات التخلف، وتتلاقى العقول والأيدي على صياغة الآمال أعمالا تنفع الناس، وتمكث في الأرض.
ولو نظرنا إلى هذه المسئوليات جميعا لوجدناها مستويات أربعة متوالية الاتساع، ومتبادلة التأثير، وتبدأ من تكوين الفرد المسلم إلى الأسرة المسلمة إلى المجتمع المسلم إلى مكانة هذا المجتمع في الحياة المعاصرة.
والأسرة هي خلية المجتمع ومدرسته الأولى، أقامها الله سبحانه على المودة والرحمة، وهي خير بيت ينشأ فيه الأبناء.
وإن تنظيم الأسرة حب ومسئولية، ويبدو هذا التنظيم في حسن إعداد الأبناء للحياة، فلا يحمل الأبوان فوق ما يطيقان رعايته وتربيته في عالم ازدادت فيه المسئوليات وتقدم العلم، واتسعت آفاق التخصص التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي.
وخير الأبناء من كانوا من الباقيات الصالحات، الذين تقوم حياتهم على الإيمان والعلم، والإخاء والعمل، وتستمر بهم حسنات الآباء، ويتسع الخير والعطاء.
نحن محتاجون إلى تربية الأجيال الجديدة على السماحة، وأن نغرس في نفوسهم إخاء يضم أبناء القبلة جميعا، ويشع منهم على العالمين، برا ورحمة في نور من كتاب أنزله الله تعالى هدى ورحمة، وبعث به رسولا على خلق عظيم وصفه بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء]
وتدعونا هذه التربية إلى مراجعة مناهج الدراسة، وإلى الاتفاق على الخطوط الرئيسية في أجهزة الدعوة الإسلامية، والإعلام والثقافة، بحيث تصبح من وسائل الربط والتوثيق، أما المسائل الخلافية فمكانها مجالس العلماء، سعيًا إلى المزيد من التقارب في جو من الأخوة والتعاون.
إخواني:
إن هذا الإخاء سينعكس على قضايانا الإسلامية، ونحن نرى - والحمد لله - مطالع الخير وإن خالطتها العقبات والمشكلات وهذه سنة الحياة، ومواد الاختبار التي يبتلي الله سبحانه بها عباده ليمحص إيمانهم، وعسى أن نكون من المحسنين.
وأمامنا قضية فلسطين:
ولقد استطاع الجيل الجديد من أبناء فلسطين أن يشق طريقه رغم كل ضغوط القهر ومحاولات طمس الهوية، وأن يؤكد ذاته على أرض النضال الشريف، وتحركت معه أجيال سبقته على الطريق، وتابعته عقول وقلوب لا تتحرك إلا إذا كان أصحاب القضية أحياء يدافعون عنها ويروونها بالجهد والتضحية.
وكانت وحدة القرار السياسي الذي عبر عنه المجلس الوطني الفلسطيني وميلاد الدولة الفلسطينية، من ثمار هذا النضال الصامد، وقد رحبت بذلك دول كثيرة بادرت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولا تزال الاعترافات تتوالى مؤكدة حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته فوق أرضه.
وإننا لنحيي هيئة الأمم المتحدة والجمعية العامة على مساندتها العادلة للحق الفلسطيني، وقرارها بأن يكون إلقاء كلمة فلسطين في المقر الأوروبي في جنيف عندما حال القرار الأمريكي المنحاز بينها وبين الوصول إلى منبر الأمم المتحدة في نيويورك.
وأما عن العلاقات العراقية الإيرانية، فإننا نتطلع بعد وقف إطلاق النار إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 598 بكامله لتعود الجهود إلى التعمير والإنتاج وحسن الجوار.
وفي أفغانستان نرجو أن يلتقي إخوتنا على كلمة سواء، وأن تثمر رعاية المملكة العربية السعودية الشقيقة للمباحثات بينهم وبين الاتحاد السوفيتي ليفرغ الشعب الأفغاني إلى بناء حياته الجديدة.
أما لبنان فإن لنا أملا في أن تقف الدول العربية موقفا موحدا لشد أزره حتى تعود إليه وحدته الوطنية وسيطرته على كامل أرضه، ويلتقي أبناؤه على العمل والتعاون والمودة.
ومن الجانب السياسي ننتقل إلى الجانب الاقتصادي والإنساني:
هناك الملايين من إخوتنا في العقيدة معذبون في الأرض، ويقاسون من صنوف متنوعة من الحرمان ابتداء القوت الضروري إلى التعليم، وما يقوم عليه من زراعة وصناعة وتقدم علمي، وكل إنسان يحتاج أولا إلى ما يحفظ حياته، ثم إلى ما ترقى به هذه الحياة.
وبهذا تبدو أهمية التنمية الزراعية في العالم الإسلامي في وقت لم تعد الحبوب الغذائية مجرد مادة تقوم بها الحياة، أو سلعة تجارية، ولكن من وسائل الضغط السياسي والاقتصادي، وهذه التنمية مسئولية دينية كما أنها مسئولية سياسية معًا، وما يصدق على الزراعة يصدق على الأنشطة الاقتصادية الأخرى، التي توفر للعالم الإسلامي مادة حياته، وحرية إرادته.
إن الإنتاج طريق الكرامة، والسعي فيه عبادة، وإن جهد الزارع والعامل روافد تلتقي مع جهود العلماء، في بناء الحياة الإسلامية، ومن حولها حصون من عزمات الشباب تحفظ الأوطان من أي عدوان.
وإننا لنأمل أن يتسع هذا الإنتاج، وتعمق قواعده وتمتد آفاقه إلى المشاركة في البحث العلمي وأن يتم هذا كل بتنسيق بين الأجهزة على مستوى العالم الإسلامي وبتعاون عالمي لا يمكن للبحث أن يسير دونه.
هذا أيها الإخوة هو طريق الإسلام، وهو طريق السلام، وإنني أتطلع إلى اليوم الذي يلتقي فيه علماء الإسلام على دستور عمل يجمع المسلمين في ساحة وإخاء تحررت من الصراعات المذهبية وتوجهت إلى بناء مستقبل الإسلام.
وأدعو الله سبحانه أن يكتب لكم في هذا السعي فضلًا، وأن يهدينًا جميعًا سواء السبيل.
إخواني:
أكرر الترحيب بكم، وأتمنى لكم طيب الإقامة وخصوبة الإنتاج، وسلامة العودة، واستمرار التعاون.
وفقكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
معالي الأستاذ خالد أحمد الجسار
وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي أرسل رسوله للعالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار.
صاحب السمو أمير البلاد جابر الأحمد الجابر الصباح، سمو ولي العهد سعد العبد الله السالم الصباح حفظكم الله من كل مكروه.
ضيوفنا الكرام والمشاركين في هذه الدورة رعاكم الله.
باسمي وباسم وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية (وباسم دولة الكويت حكومة وشعبًا، أفرادًا ومؤسسات) أرحب بكم أجمل ترحيب في هذه الدورة الخامسة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي المقام على أرض دولة الكويت.
إن استضافة دولة الكويت لهذه الدورة تنبع من اهتمام سموكم حفظكم الله بدعم المشاريع الإسلامية سواء أكانت علمية تقوم بالتنظير ورسم المبادئ، أم عملية تعنى بالدعوة، وتهتم بإيصال النفع للمسلمين وتوفير التكافل لهم، وهي ترى في ذلك تعزيزًا لمكانة المجمع ومظهرًا من مظاهر الأخوة الإسلامية بين هذه الأمة، وإن لدولة الكويت بتوجيهات سموكم علاقة وثيقة بمسيرة هذا المجمع منذ أن شاركت في المرحلة التأسيسية له مشاركة فعالة، ومضت مع زميلاتها من الدول الإسلامية في دعم مسيرته انطلاقًا من الدور الذي يقوم به، فهو الأداة العصرية المؤهلة لمواصلة الجهود الشرعية والتشريعية والبحث الجماعي في حلول المشكلات المعاصرة.
والجدير بالذكر أن في الكويت مؤسسة فقهية تلتقي مع أهداف المجمع من أجلها حظيت الكويت بعضو ثان في المجمع فضلًا عن العضو الممثل للدولة، هذه المؤسسة هي الموسوعة الفقهية التي تعتبر هدية الكويت إلى العالم الإسلامي، وإن النهوض بها أغنى المجمع عن جهود ضخمة كان عليه بذلها لإعداد موسوعة فقهية شاملة، ولذا وجه طاقته إلى إنشاء موسوعة خاصة للمعاملات الاقتصادية، وهذا فضلًا عما يتصل بالموسوعة من أعمال موسوعية مساعدة منها مشروع (الكشاف الآلي الشامل للمراجع الفقهية) ويهدف لفهرسة مائة مرجع فقهي عن طريق الحاسب الآلي بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية من خلال ميثاق مشترك فضلًا عن مشروع تحقيق التراث الفقهي المخطوط، ونشر الرسائل التراثية في العلوم الشرعية.
إن وجود ملتقى لفقهاء يمثلون العالم الإسلامي تمثيلًا دقيقًا على مستوى أكاديمي هو مطلب ملح في المجال العلمي، والفكري، والتوحيد السياسي الرشيد، فلا يخفى أن من مصادر الاجتهاد الفقهي (الإجماع) وهو اتفاق المجتهدين المسلمين في القضايا التي لم ينص على حكمها صراحة في القرآن والسنة، فيعمد كل فقيه لتلمس حكمها من منازع استدلالية شتى، فإذا التقت الآراء الفقهية رغم اختلاف مساراتها على حكم متوافق حظي حينئذ بالحجية وقطع الخلاف، ولم توجد طريقة لإحياء هذا المنهج الذي اختفى منذ عصور طويلة إلا عند قيام هذا المجمع من خلال أعضائه الذين يعتبر كل عضو منهم مستقطبًا للفكر المختار لفقهاء الدولة التي يمثلها، مضافًا إلى أعضاء الدول، أعضاء مختارون لتفوقهم البارز، وأعضاء يمثلون المؤسسات المشابهة.
ولا يخفى ما تعرض له الفقه الإسلامي (الذي هو نسع الفكر الموحد والثقافة العامة لهذه الأمة) من ركود أو توقف عن المواكبة العصرية بفعل المؤثرات العامة المعروفة التي سبقت عصر النهضة، بحيث أصبح من العسير كمال الاستفادة من معطياته السابقة ومواصلة إمداده بما جدت الحاجة إليه إلا إذا توفرت له سبل العناية المركزة لإعادة حيويته الكامنة في مناهجه وتراثه، وهو ما تجلى في أهداف المجمع، وظهر في الوسائل العديدة التي باشر بها لتحقيقها - رغم حداثة العهد - وذلك من خلال دورته السنوية، وندواته المتخصصة، ولجانه، ومشاريعه العلمية، ومشاركته الرقابية والموجهة لأي نشاط جماعي يتصل بالفقه والفكر الإسلامي؛ ليضع موضع التنفيذ هدفه الأساسي المتمثل في شد المسلمين لعقيدتهم وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية نظريا وعمليا عن طريق السلوك الإنساني ذاتيا وجماعيا ودوليا، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بحيث أصبح المجمع رمزا للوحدة الفكرية والتشريعية وتآزر الجهود بين فقهاء الدول الإسلامية كلها لإيجاد الحلول للمشكلات المعاصرة، والسعي لاستكمال مقومات عزة الأمة الإسلامية وقوتها في شتى المجالات.
هذا وإن المجمع يعبتر أقدر الجهات على معالجة القضايا المعاصرة، كما يعتبر المرجع الأعلى لهيئات الإفتاء ومراكز البحث حيث تحال إليه المسائل الشائكة المحتاجة لنظر جماعي أصيل من خلال الأبحاث والدراسات العميقة التي يستلزمها طرح أي موضوع في دورات المجمع.
وفضلا عن هذا يلحظ المتابع لنشاط المجمع أنه احتل دورا محوريا في الملتقيات الفقهية التي تقام في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه من مؤتمرات وندوات، إذ يشارك في أنشطة هذه الملتقيات من خلال أمانته العامة وبعض أعضائه المنتمين إلى جميع الدول الإسلامية أو خبراته في شتى التخصصات، وإن هذه المشاركة مزدوجة الاعتبار فهي من جهة روافد للمجمع، ومن جهة أخرى هي فرصة متاحة لاكتساب أو تعزيز الطابع الأكاديمي للطاقات العلمية.
لقد بادرتم يا صاحب السمو باستضافة هذه الدورة على أرض الكويت الحبيبة في فترة رئاسة سموكم للمؤتمر الإسلامي الخامس، لتكون إقامتها على أرض الكويت ظهيرا للجهود العلمية المحلية التي أوجدتموها على أرض البلاد وسهرتم على العناية والاهتمام بنموها، والمحافظة عليها، وتوأمة مع المؤسسات الأكاديمية وتلاقيا مع ما تبثه من فكر ومعرفة سواء أكانت هذه المؤسسات ذات طابع ثقافي شامل، كمؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي يرأس سموكم مجلس إدارتها، أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أم كانت مؤسسات معنية بالفقه والتشريع كالموسوعة الفقهية وكلية الشريعة، أم كانت معنية ببعض التخصصات الحيوية مع الاهتمام بالرؤية الإسلامية، كالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، أم كانت مؤسسات تحقق الوجود الفعال للاقتصاد الإسلامي في صورته الخيرية كبيت الزكاة والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، أو في التنمية والاستثمار كبيت التمويل الكويتي.
إن جهودكم - يا سمو الأمير - لم تقتصر على الكويت بحدودها بل تجاوزتها إلى الإسهام المستمر في دعم المراكز والمؤسسات والمنظمات في شتى ديار المسلمين ماديا ومعنويا وثقافيا، وحسبنا الإشارة إلى المشاريع الأربعة الأخيرة التي أمرتم بإنجازها لإهدائها إلى العالم الإسلامي وهي:
- (قاموس القرآن الكريم) وهو يجمع الجوانب المختلفة المتعلقة بكتاب الله بالكلمة والصورة وبشتى اللغات.
- (أطلس الخدمات الإسلامبة) وهو يضع الأساس العلمي لشتى الخدمات وخاصة الصحية والتعليمية والاجتماعية.
-مقولات في الطب والقانون والأخلاق وهي تبين الاجتهادات الإسلامية في المستجدات الطبية.
-تنظيم لقاء بين الشباب الرياضي الإسلامي على أرض الكويت في الربيع القادم للتعارف وتوثيق الصلة.
كما أنكم يا صاحب السمو - صدعتم بالحق على أعلى مستوى في خطابكم التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناصرة قضايا الأمة الإسلامية، والقضايا الإنسانية العادلة، فدعوتم إلى تخفيف معاناة الدول النامية، وإلى مقاومة الإرهاب بشتى صوره ومصادره، وإلى رعاية حقوق الإنسان، وغير ذلك مما أملاه عليكم إيمانكم وإحساسكم الإسلامي الصادق المرهف واهتمامكم بأمر المسلمين.
إن هذه الأنشطة والمؤسسات الإسلامية التي نهضت بتوجيهات من سموكم ورعايتكم وعنايتكم بها، والمؤسسات الأخرى التي أسهمتم بها في شتى أنحاء العالم الإسلامي، في مجال نشر الوعي الديني والثقافة الإسلامية، أو في مجال التطبيقات، إنها لتبرز محاسن الشريعة الإسلامية، وتجعل المسلمين يتفيأون ظلالها وينعمون بخيرها، والله المسئول أن يبارك هذه الجهود المتعاونة على البر والتقوى، وأن يحفظكم وسمو ولي عهدكم الأمين ذخرا للبلاد، وهو ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
معالي السيد شريف الدين بيرزاده
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب السمو.
أصحاب السماحة.
أصحاب المعالي.
الإخوة الأعزاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، فإنني أشعر بسعادة غامرة وأنا أخاطب الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي التي تنعقد في دولة الكويت، التي أسهمت حكومة وشعبا تحت القيادة الحكيمة لسمو أميرها المعظم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، إسهاما ملموسا في تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية. وأود في هذا المقام أن أبين أن سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رئيس مؤتمر القمة الإسلامية الخامسة يمثل تطلعات المسلمين إلى تجسيد تصور الإسلام النبيل لخلاص الجنس البشري، وإحلال السلام، ودفع عجلة التقدم.
واسمحوا لي بأن أتوجه بالتهنئة إلى سماحة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي على النجاح الذي حققته هذه الهيئة الإسلامية منذ إنشائها، فقد استطاعت أن تجتذب إلى رحابها علماء أعلاما وفقهاء بارزين، ونخبة من مفكري العالم الإسلامي، حتى غدت محفلا مرموقا لعمق الدراسة والبحث والعمل الجماعي، في حقول الشريعة وتطبيقاتها في عالم اليوم.
أصحاب السماحة والمعالي
الإخوة الأعزاء..
إنه لا يمكن بناء المجتمع الإسلامي الحق إلا على أساس راسخ من فهم مبادئ عقيدتنا السمحة وتطبيقها على حاجتنا المعاصرة، وتكييف حياتنا أفرادا وجماعات وفقا لتعاليم ديننا الحنيف، ومما يثلج الصدر أن دولنا الإسلامية أضحت تدرك إدراكا متزايدا أن جهودها الرامية إلى إقامة نظم سياسية واقتصادية واجتماعية جديرة بالثقة يجب أن تستند إلى الأسس الراسخة للشريعة الإسلامية، وإنني لعلى يقين من أن مجمع الفقه الإسلامي لن يضن على الدول الإسلامية بما يتوفر عليه من معلومات وأفكار وحلول.
ومن الأهمية بمكان أن نطرد من أذهان شبابنا أية أفكار مفروضة أو مفهومات خاطئة يمكن أن تنسب إلى الإسلام وإلى التاريخ والحضارة الإسلاميين، كما أن علينا أن نحصن الأمة الإسلامية تحصينا كافيا لمواجهة المذاهب والمؤثرات الغربية عنا، وأن نساعد الدول الإسلامية على وضع نظمها التعليمية والتربوية وفقا لتعاليم ديننا الحنيف وحاجاتنا القائمة.
أصحاب السماحة والمعالي.
الإخوة الأعزاء
…
إن أعداء الإسلام يحاولون على الدوام زرع بذور الشقاق بين صفوفنا، وهناك محاولات دائبة جارية في الوقت الحاضر عمادها السفسطة والتزييف، وهدفها تشويه الفكر الإسلامي، ومن ذلك كتاب يتهجم على المقدسات الإسلامية ألفه المدعو سلمان رشدي بعنوان "قصائد شيطانية". كما أن هناك كتابا آخر نشرته بعثات تبشيرية في قبرص عنوانه "سيرة المسيح بلسان عربي فصيح" حاول مؤلفوه بدافع الحقد الدفين أن ينشروه في شكل القرآن الكريم قصد تشويش أفكار الناس وتضليلهم، وقد حثت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدول الأعضاء على اتخاذ التدبيرات العاجلة لمصادرة بل تدمير مثل هذه الكتب المنطوية على الافتراء والقذف، ولمنع الناشرين من تولي نشر مثل هذه الكتب.
والجهل بالإسلام وبتعاليمه الخالدة غالبا ما يؤدي وبخاصة في البلدان الغربية إلى مفهومات خاطئة عن جوانب معينة في المجتمعات الإسلامية، ولذا فإن على مجمع الفقه الإسلامي أن يعمل على إقناع الأكاديميين والمفكرين وأهل الرأي في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية بأوجه الإسلام المختلفة، وبخاصة تلك الأوجه التي غالبا ما يساء فهمها وتكون عرضة للنقد، ولا بد كذلك من إصدار دوريات منتظمة لهذا الغرض توزع على نطاق واسع بلغات شتى.
أصحاب السماحة والمعالي:
إن على مجمع الفقه الإسلامي كذلك أن ينظر الأسلوب الأمثل الذي يمكن الدول الإسلامية من إدماج المرأة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ذلك أن دور المرأة ومكانتها في الإسلام كانا موضوع نقاش حتى في بعض الدول الإسلامية، وهذه قضية مهمة لأن المرأة تشكل تقريبا نصف الأمة، ولقد وضع القرآن الكريم المبادئ، وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المثال الذي يحتذى في تطبيق تلك المبادئ النبيلة، ولا أظن أن هناك اليوم شكا فيما يخص المكانة الرفيعة التي تتمتع بها المرأة في الإسلام، ولذا فعلينا أن نوفر الخطوات العملية التي نستطيع بها إدماج المرأة في تنمية مجتمعاتنا في هذا العصر.
أصحاب السماحة والمعالي
الإخوة الأعزاء:
وعلى مجمع الفقه الإسلامي أن يطور برنامج خدمات استشارية تستفيد منه الدول الإسلامية، على أن يتكون هذا البرنامج، ذو المجالات المتعددة الأبعاد ذات الصلة الوثيقة بالشريعة الإسلامية، من البحوث والدراسات التخصصية، ومن توفير التوصيات اللازمة حول موضوعات ذات أهمية بناء على طلب من إحدى الدول الإسلامية.
إن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار تعلمنا الكثير، وتؤكد أن من واجبنا العمل بمبادئ الإسلام النبيلة وتطبيقها عن طريق الجهاد ضد الجهل وتقوية أسس التضامن الإسلامي، ولقد كانت هذه هي الطريقة التي تم بها نشر ديننا الحنيف الذي انبعث من مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى سائر أنحاء العالم، والإسلام دين العالمين، ولكي يدرك الإنسان مدى قوة هذا الدين فما عليه إلا أن يتفقه في القرآن الكريم، ويتعمق في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن واجباتنا الأساسية كخدم لهذه الأمانة المقدسة، أن ننشر رسالة القرآن الكريم في أجلى صورة، فذلك فرض واجب على كل مسلم، ولا شك في أن على مجمع الفقه الإسلامي أن يضطلع بدور رائد في تنفيذ هذه المهمة النبيلة.
لقد قدم مجمع الفقه الإسلامي منذ إنشائه مساهمةً قيمة في توضيح وتسهيل وتحديد التعاليم الإسلامية القائمة على الشريعة الإسلامية، ذلك أنه تبني أربعة وعشرين قرارا حول الشريعة، وأصدر ستا وعشرين فتوى حول مختلف القضايا المتعلقة بالمجتمع الإسلامي، وأن المواضيع المتنوعة التي بحثها المجمع أو تلك التي ما زال يبحثها تتضمن عملية زراعة أعضاء الإنسان ودفع الزكاة لصندوق التضامن الإسلامي، والاستثمار والمشاركة في الشركات واستخدام الملكية الخاصة لصالح المجتمع، والاستثمارات بشكل عام، والقضية المتعلقة بتأجير الممتلكات، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالوحدة الإسلامية ومكافحة الفساد الخلقي.
ويسرني أيضا أن أسجل اهتمام المجمع بالمسائل الهامة المتعلقة بالأمور المالية والاستثمارات والأعمال المصرفية وغير ذلك من القضايا الهامة، وذلك من أجل مساعدة الدول الإسلامية في تنظيم اقتصاديتها وفقا لتعاليم الإسلام، ولا بد من الاستمرار في عقد الندوات المتخصصة حول هذه القضايا الهامة، كما أن توصيات الندوتين اللتين انعقدتا بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية حول الأمور المتعلقة بـ " تذبذب معدل الصرف " و" سندات المقارضة والاستثمار" يجب أن تنشر على نطاق واسع.
ومن بين المشاريع الجيدة التي تستحق التنويه والتي قام بها مجمع الفقه هي المشروعان المتعلقان بـ "موسوعة تيسير الفقه" و"الموسوعة الفقهية الاقتصادية" وستكون هاتان الموسوعتان في غاية الأهمية والفائدة بالنسبة للعلماء والباحثين والفقهاء في الدول الإسلامية، وسوف تكون لهاتين الموسوعتين قيمة كبيرة في المحاكم الشرعية التي أنشئت في العديد من البلدان الإسلامية وذلك نظرا لكونهما مرجعين أصيلين من الناحية الشرعية.
وأود أن أعرب عن تقديري للمجمع لما أولاه من أهمية للبحث عن حلول مناسبة للقضايا والمسائل المعاصرة التي تهم المسلمين في حياتهم اليومية.
إن نجاح المجمع في تحديد رأي يتفق عليه بالإجماع حول قضايا الشريعة وحول أسس علاقات الدول الإسلامية على المستويين الخارجي والداخلي سوف يساهم إلى حد بعيد في تعزيز الوحدة الإسلامية.
والواقع أن مجمع الفقه الإسلامي يستحق كل دعم مادي ومعنوي، وعليه فإنني أناشد جميع المسلمين المساهَمة في عمل المجمع بكل طريقة ممكنة من أجل تمكينه من القيام في أحسن الظروف بمهمته النبيلة الموكلة إليه، ألا وهي خدمة الأمة الإسلامية.
الإخوة الأعزاء:
إن استضافة دولة الكويت لمحكمة العدل الإسلامية الدولية مدعاة للتقدير والإعجاب، ويسرني في هذا الصدد أن أبلغكم بأن دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومصر والجماهيرية الليبية قد صادقت على النظام الأساسي لهذه المحكمة، كما وأنني أؤيد الرأي القائل بأنه لا بد من القيام بعمل فعال لاستكمال الإجراءات اللازمة والجوانب الإدارية لتمكين المحكمة من الشروع في نشاطها حالَمَا يتم إيداع التصديقات اللازمة في هذا الشأن.
وأملنا كبير في أن تستكمل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الشكليات اللازمة لتمكين محكمة العدل الإسلامية الدولية من ممارسة
عملها في وقت مبكر فإنشاء محكمة العد ل الإسلامية سوف يكون دون شك أداة لتعزيز وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وستكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه المحكمة في قضاياها، كما ستأخذ المحكمة في اعتبارها القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف والأعراف الدولية المطبقة كقوانين، والمبادئ العامة للقانون، والأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية، وآراء فطاحل الخبراء في القانون الدولي في مختلف الدول.
أصحاب السعادة:
أود أن أختتم حديثي في الإعراب عن امتناني وشكري لسمو أمير دولة الكويت ولحكومة الكويت لكرم الضيافة والترتيبات الممتازة التي وضعت لضمان نجاح مداولاتنا.
وإنني لعلى ثقة بأن الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي ستكون معلما آخر على طريق تحسس الأمة الإسلامية لمستقبل مجيد قائم على المرتكزات القوية للشريعة الإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي هدانا فجعلنا مسلمين، والحمد لله إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين، والحمد لله إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في حكمه سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى، اللهم صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، ورضي الله عن الصحابة والآل وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد دأب شداة الصلاح بهذه الأمة على أن ينطلقوا في إصلاحهم بما يفيض على ألسنتهم وما ترقمه أقلامهم من القواعد العامة والكليات الجامعة والأصول والضوابط الشاملة التي تستلهم الفروع والجزئيات، وتستوعب النوازل والأقضيات والواقعات، وإن أهل الإسلام في غمرة اليقظة الإسلامية التي تتهلل لها الوجوه، يعايشون ظواهر مهمة في يقظة المسلمين وأهمها ظاهرتان: إحداهما تعني العلم والعمل به، تعني البصيرة والتبصر في دين الله وفي أحكام أفعال العباد اعتقادا وقولا وعملا، تأسيسا على كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، هذه الكلمة أسست عليها الملة ونصبت القبلة، ومن أجلها جردت سيوف الجهاد، ومن أجلها خلقت الجنة والنار، وهي أول الأمر وآخره، وهي البداية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر بعثته:((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)) وهي النهاية كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ((لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله)) .
وإن في هذا إرشادا عظيما إلى أن حياة المسلم مبنية على تحقيق كلمة التوحيد، وهذه الكلمة العظيمة هي أول مأمور به في كتاب الله تعالى كما في فواتح سورة البقرة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] ويضادها أول ما نهى الله عنه كما قال بعد ذلك {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] .
وهذه الكلمة العظيمة هي أول ما فتح الله به كتابه في سورة الفاتحة مشيرا إلى أنواع توحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونحو ذلك {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] اختتم الله بها كتابه. وفي هذا إشارة إلى أن ما بين اللوحتين أو الدفتين هو كله لتحقيق كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" وعلى ذلك آيات التنزيل الأخريات في سورة الذاريات {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
قال المفسرون "إلا ليوحدون"
وإن مجمع الفقه الإسلامي يحمل عبئا كبيرا وقسطا وافرا من حمل أشعة كلمة التوحيد ونشرها بين المسلمين في أمورهم العامة والخاصة، والذي نعقد اليوم دورته الخامسة في ضفاف جزيرة العرب على أرض دولة الكويت بدعوة من سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عبر الرسالة الشفهية التي تلقيناها على لسان معالي وزير الأوقاف، فشكر الله لسموكم ذلك وبارك في جهودكم، ولقد زودتم التكريم إكراما، والتشريف تشريفا بتشريفكم في افتتاح هذه الدورة فشكر الله مسعاكم وأكرمكم وجزاكم كل خير.
صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح
سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ولي العهد
أيها العلماء الأجلاء
أيها الجمع الكريم
وأما أخراهما فهي تلكم المرحلة التاريخية وقبل أن تكون تاريخية فهي حسنة في ميزان الحسنات وإنما الأعمال بالنيات، إنها تلكم المبادرة العظيمة التي تسنمتم قصب السبق لها يا صاحب السمو، إنها محكمة العدل الدولية الإسلامية، إنها إعلان الرد في التحاكم إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد ألبستم المسلمين في هذا لباس الكرامة وحللتموهم رداء عز، ودفعتم التناقض الذي يلهج به ويمضغه أعداء الإسلام، يا معشر المسلمين كيف تؤمنون بالإسلام ولا تحكمونه؟! واليوم نعلن ونقول بكل افتخار: لقد حكمناه بإنشاء محكمة العدل الدولية الإسلامية التي أقرها قادة الدول في العالم الإسلامي، والتي حزتم قصب السبق لها فجزاكم الله خيرا على ذلك أحسن الجزاء وأكمله.
هذا وإنه من واقع مشاركتي المتواضعة في إعداد النظام الأساسي من أول لجنة عقدت في مدينة جدة، كان لي نوع من التتبع لما قيل وما نشر وما كتب عن هذه المحكمة، والذي حصيلته أن علماء المسلمين ومفكريهم وصلحاء المسلمين يرون أن هذه المحكمة هي مرحلة نقلة إلى المحاكم الشرعية المحلية إلى تحكيم شريعة الله يبن العباد فوق أرضه وتحت سمائه في ضروريات حياتهم في أموالهم، في أعراضهم، في نسلهم، في حقوقهم، في شؤون حياتهم كافة؛ إذ الذمم مشغولة والعهدة كبيرة، والحجة قائمة وأمامنا مواقف صعاب يوم العرض على رب الأرباب، فأعدوا رحمكم الله للسؤال جوابا، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه.
وإني وإخواني رجال هذا المجمع نقدم خالص شكرنا وتقديرنا لسموكم الكريم، ولسمو ولي عهدكم ولرجال حكومتكم، وفقنا الله وإياكم لكل عمل صالح مبرور وحفظنا جميعا بالإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين وسلم تسليما كثيرا.
حضرة صاحب السمو الأمير المعظم الشيخ/ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت ورئيس الدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي أعزه الله.
حضرات أصحاب المعالي والسعادة والسماحة والفضيلة الموقرين.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
بيمن الله وكريم فضله وجميل رعايته، تنعقد هذه الدورة الخامسة لمؤتمر مجمعكم الموقر، باستضافة كريمة من سمو الأمير المعظم، وتحت سامي إشرافه بهذه الأرض الطيبة المباركة ديار الكويت، وإنا ونحن في طريقنا إلى هذه القاعة لتتردد على أسماعنا تلكم الكلمات الفرائد التي عقلناها يا سمو الأمير من خطابكم الجليل في القمة والتي رسمتم بها أجمل صورة لهذا البلد المضياف حين قلتم أيدكم الله بنصره وشملكم برعايته وحفظه. إن الكويت تعيش الإسلام دينا والعروبة وطنا، والتعاون طريقا، والسماحة شعارا، والإخاء نورا، والتشاور منهاجا، والعدل ميزانا، والتقدم مسؤولية، والسلام غاية. وفي هذا تعبير صادق عن أبرز ملامح هذه الدولة وهذا الوطن فتلك مقوماته الأساسية واضحة جلية في سلامة العقيدة وشريف القيم وكريم المبادئ وعظيم التطور المسؤول الذي يواجه بحكمة عالية وخطة محكمة كل ألوان التحدي الحضاري المعاصر.
وإنكم يا سمو الأمير إلى جانب ذالكم، وبحكم رئاستكم للقمة الخامسة قد توليتم حفظكم الله وتتولون القيام بكثير من الأعمال البناءة للأمة الإسلامية داخل الكويت وخارجها، وارتفع صوتكم بالحق وبالدعوة إلى الحلول الناجعة لجملة من القضايا في المحافل الدولية، وواكبت رئاستكم الشريفة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بوادر الانفراج بين الإخوة الأشقاء في العالم الإسلامي كما استمرت العناية والدعم للمكافحين بأفغانستان، وللانتفاضة الشعبية المباركة بالأرض المحتلة وللجهاد من أجل تحرير فلسطين والقدس الشريف، وكان من منن الله على المسلمين في هذه الأيام إعلان المجلس الوطني الفلسطيني وثيقة الاستقلال لقيام دولة فلسطينية تكون بإذن الله خير أداة ووسيلة لمواصلة النضال حتى النصر وتحقيق آمال الأمة في تحرير قبلتها الأولى.
وإننا الساعة في هذا الإطار الديني والروحي، والخلقي والعلمي، الذي شعت أنواره وعمت آلاؤه. وبهذه البقعة الزاهية النضراء من أرض الكويت، نجتمع ممثلين لدولنا التي ورد على لسان سموكم – حفظكم الله – التنويه بشرفها وعظيم خطرها حين وصفتم الموقع الذي يجمعها بأنه يجعل منها قارة إسلامية وسط العالم القديم. ويحقق لأبناءها وجودا إيجابيا في قارات الأرض جميعا، وإنها لمقولة شريفة تذكر بالوسطية وبالدور الذي على المسلمين القيام به، وكأنها تلفت النظر إلى مزيد من التدبر لقول الله عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] . وإلى وجوب الحرص على العمل بما استودعته هذه الآية الكريمة من حكم وأسرار.
ويسعدني في هذه الجلسة الافتتاحية أن أعرض على حضراتكم مجمل نشاط المجمع، ففيما بين الدورة الثانية التي انعقدت لمؤتمركم الموقر بجدة في ربيع الثاني 1406هـ باستضافة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أعزه الله ونصره وبين هذه الدورة الخامسة التي تجمعنا اليوم طرح على المجمع ثلاثة وعشرون موضوعا دينيا واجتماعيا واقتصاديا، كما قدم إليه ما لا يقل عن ستين ومائة بحث ودراسة ومجموعة من الوثائق من أوراق وقرارات علمية في نفس الموضوعات، وتولى مجلسكم الموقر مناقشتها كلها وأصدر بشأنها تسعة وعشرين قرارا مجمعيا فقهيا وثلاثا وعشرين توصية، وفي هذه الدورة يعرض على سامي نظركم نحو خمسين بحثا حول عشرة موضوعات تتبعها كالعادة مناقشات تتلوها بإذن الله قرارات وتوصيات.
وقد قرر المجمع عقد ندوتين: الأولى عن سندات المقارضة قام بها بالتعاون مع معهد البحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، والثانية عن الأسواق المالية أرجئ عقدها لأسباب ترتيبية وتنسيقية إلى موعد لاحق بعد هذا المؤتمر وذلك بالاتفاق مع البنك ومع وزير الأوقاف والشؤون الدينية بالرباط معالي الدكتور عبد الكبير المدغري العلوي.
ومضينا خلال عشرة شهور تفصل بين الدورتين الرابعة والخامسة نسرع الخطى في الإعداد والشروع في تنفيذ مقترحات المجلس بشأن الموسوعة الفقهية، وإحياء التراث وتيسير الفقه، فكان أن وزعنا جملة من المواضيع الفقهية الاقتصادية المتعلقة بالمعاملات على زمرة من الفقهاء والباحثين في الاقتصاد الإسلامي، ووصلتنا بالفعل بعض هذه الدراسات التي سنرفعها قريبا إن شاء الله إلى لجنتي المراجعة والاعتماد لنقوم بعد ذلك بنشرها، وقد تم تحقيق الجواهر الثمنية في فقه عالم المدينة لابن شاس، الذي تكفلت عناية خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله بطبعه على نفقته، والكتاب الآن بين يدي أحد فقهاء المالكية الأثبات لمراجعته تمهيدا لنشره، وقد واصلنا النظر في مشروع تيسير الفقه وأعددنا زمرا من الموضوعات مرفقة بالخطة التفصيلية لكل موضوع لتوزع على العلماء المستكتبين في هذا الغرض، كما قمنا بالاتصال بمعالي الدكتور محمد عبده يماني مدير عام مؤسسة اقرأ الخيرية التي ستتولى مشكورة الإنفاق على هذا المشروع لضبط ما يحتاجه من التكاليف إعدادا وإنجازا وترجمة إلى جملة من اللغات الحية والإسلامية.
ومما نعتز به ونفخر ذلك التعاون القائم بين المجمع والمؤسسات العلمية المختلفة من جامعية ومجمعية بالمملكة العربية السعودية وبالكويت وبمصر وتونس والمغرب، وأريد أن أذكر في مقدمة ذلك في هذه المناسبة الشريفة اتفاقية التعاون التي تولينا إبرامها بين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبين المجمع، والتي تم توقيعها بالرياض منذ شهرين مع العلامة الجليل صاحب المعالي الدكتور عبد الله التركي، وقد أقر حفظه الله – طلبنا تفريغ أحد الأساتذة المختصين في علم القواعد ليعمل كامل الوقت بالمجمع ويشرف بنفسه مع ثلة من زملائه على إنجاز معلمة القواعد الفقهية.
وعلى هذا النحو أيضا – بحمد الله – أمضى المجمع اتفاقية ثانية مع جامعة أم القرى ووجدنا لإنجاز هذا المهم كل تشجيع ومساعدة من الدكتور الجليل راشد الراجح مدير الجامعة بمكة المكرمة، وإني لأدعو الله لنا ولهم بالتوفيق والتمكين لخدمة شريعته والاجتهاد بما يرضيه سبحانه مما يحقق لهذه الأمة صالح أمرها ويعيد إليها عزتها وريادتها.
ولقد تمكنا – بحمد الله وعونه – إلى جانب ذلك من إعداد ومراجعة وطبع العدد الرابع من مجلة مجمعكم الموقر، ولا يفوتني في هذا الصدد أن أنوه بما لقيناه من الأستاذ النابغ المربي الداعية الإسلامي معالي الدكتور محمد أحمد الشريف من عناية ودعم وبما منحته جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بطرابلس للمجمع من مساعدة سخية يسرت علينا إخراج هذا العدد بأجزائه الثلاثة في أجمل صورة وأبهى حلة.
ويسرني أن أحيط حضراتكم علما بالقرار45/17س لمؤتمر وزراء الخارجية السابع عشر المنعقد بعمان الأردن بإحالة مشروع النظام الأساسي للجنة الإسلامية الدولية للقانون على مجمعكم الموقر لتبحثوا إمكانية اضطلاع مؤسستكم العلمية الفقهية بالمهام المتوخاة من تلك اللجنة، وفي هذا مظهر من مظاهر الاعتداد بالمجمع وبرسالته الشريفة يظهر – بحمد الله – من الدول الإسلامية ومن المسؤولين في كل بلد كما نلمسه من عامة المؤمنين في الأقطار الإسلامية وخارجها. فكم تلقينا من رسائل وعرضت علينا من قضايا وطلب من فتاوى ومنشورات مجمعية مما يدل على التطلع الكبير إلى نشاطات المجمع تعرفا عليها ومتابعة لها، وقد حمل ذلك السري الماجد معالي الشيخ حسن عباس شربتلي – حفظه الله – على دعم أنشطة المجمع بصلة سنية أراد بها مساندته في الاضطلاع بدوره الديني العلمي.
وإني حين أذكر بالمهمة الأولى لمؤسستكم الجليلة التي تتمثل في فتوى الناس في دينهم وتعريفهم بأحكام الله فيما يجري بينهم، وإسعافهم بالحلول الشرعية الناجعة لما يواجهونه في حياتهم اليومية من مشاكل على صعيد الأفراد والمجتمعات دولا وشعوبا، لا يفوتني أن أنوه بجهود هذه العصابة الكريمة والصفوة الخيرة من علماء الشريعة وفقهاء الأمة ممثلين في أعضاء المجلس وخبراء المجمع، فإن في متابعتكم لدرس ما يعرض عليكم من قضايا في مختلف المجالات العقدية والسياسية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية بردها إلى ما وضعه الإسلام من أصول، وضبطه الأئمة من قواعد، وفي مواكبتكم للتحفز العام وللحركة النشيطة التي يشهدها العالم الإسلامي من أجل نهوضه واسترجاع مكانته بين الأمم ما يحمل على الابتهاج والفخر، وإن هذه المواكبة الحازمة وذلك التوجيه السليم لا يتمان إلا بمضاعفة الجهود وبذل الوسع في الأعمال العلمية المجمعية الكبيرة التي لا تنقطع، والتي تحتاج إلى أجيال وأجيال تبني كما بنى الأوائل، فترد الحاضر على الماضي، وتشق السبيل الأقوم لبناء المستقبل الإسلامي، وإن ما تقومون به أيها السادة باستمرار الضمان لتحقيق الغد المشرف المشرق لبلادنا الإسلامية قاطبة.
وفي ختام هذه الكلمة أريد أن أزجي الشكر الفائق والامتنان العميق مجددا لراعي دورتنا الخامسة سمو الأمير الجليل الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت – حفظه الله - ولحكومته الرشيدة على ما وجدناه من عناية غامرة، ولا أنسى ما قام به ويقوم به معالي الوزير الفقيه الأديب العالم الجليل خالد أحمد الجسار الذي يرجع إليه الفضل ولأعضاده في وزارة الأوقاف من علماء وإداريين في الإعداد الرائع الدقيق لهذه الدورة، وما وجدناه لديهم كافة من بالغ الحفاوة بإخوانهم العلماء الذين أسرعوا من كل صوب فرحين مستجيبين للدعوة الأميرية الكريمة.
والأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الناطقة باسم المجمع لا يمكن أن تنسى في هذه المناسبة ما قدمه إليها معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده في كل مراحل نشاطاتها من عظيم التأييد وكريم الدعم.
ولا ما اضطلع به مكتب المجمع من أمانة المراقبة، والدرس للمشاريع، والإعداد لخطة السير، بكامل الموضوعية والتجرد، والحرص على أن يجعل من هذه المؤسسة مفخرة للدول الإسلامية تباهي بها، وتجني من ورائها جليل الخدمات للأمة الإسلامية دولا وأوطانا وشعوبا.
وكذلك ما تميز به رئيس مجلسنا العلامة النابغ الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد من حكمة وأناة، وحسن رأي، وعميق نظر، وقدرة فائقة على تدبير شئون المجلس وإدارته، وهو لا ينفك طوال السنة عن متابعة سير المجمع، لا يبخل بالتوجيه والمساعدة واتخاذ ما يلزم من التدابير للسير بمؤسستنا قدما.
فإلى هؤلاء وأولئك جزيل الشكر والتقدير، وإليكم جميعا حسن الثناء وخالص الدعاء، فلحفظ شريعتكم وإحياء فقهكم ما بذلتم، وفي سبيل الله ما فعلتم وتفعلون {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20] . وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.