الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعي
وآراء الفقهاء المتقدمين
فيه
إعداد
الشيخ محمد عبده عمر
باحث علمي في المركز اليمني للأبحاث الثقافية
بوزارة الثقافة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله. والصلاة والسلام على من قال: الدين المعاملة: أبي القاسم محمد خاتم الأنبياء وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وترسم خطاه إلى يوم الدين. وبعد.
فهذا بحث في موضوع: بيع المرابحة للآمر بالشراء.
واستجابة لرغبة مجمع الفقه الإسلامي المتضمنة خطاب سماحة أمينه العام المؤرخ 15 / 8/ 1408هـ في الكتابة في المواضيع التي تعرض على المجمع في دورته الخامسة المزمع انعقادها في ديسمبر 88 م بدولة الكويت الشقيق فقد وقع اختياري على المواضيع التالية:
منزلة العرف من الأدلة الشرعية، وقد فرغت من الكتابة فيه. والآخر: بيع المرابحة.
وهو ما سوف نتناوله في بحثنا هذا إن شاء الله وقد قسم إلى المباحث التالية:
1-
المبحث الأول:
تعريف بيع المرابحة في الاصطلاح الشرعي وآراء الفقهاء المتقدمين فيه.
2-
المبحث الثاني:
الإشارة إلى السوابق التاريخية للموضوع وما طرح فيه من أنظار شرعية إلخ.
3-
المبحث الثالث:
النظرة الفقهية إلى أدلة الخلاف ووجه الدلالة منها ومخارج الاستدلال. هذا والله وحده الهادف إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
المبحث الأول:
1-
تعريف المرابحة في الاصطلاح الشرعي: هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحًا كأن يقول البائع أنا اشتريت هذه السلعة بمائة دينار أو هي علينا بمائة دينار وأبيعك إياها بمائة وعشرة. وهناك عدة تعاريف وكلها تدور حول هذا المعنى وكلها تعني الزيادة على رأس المال. فعند الحنفية: المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح. وقال بعض المالكية: المرابحة عبارة عن بيع السلعة بالثمن المشتراه به مع زيادة ربح معلوم للمتعاقدين: أما الحنابلة فقالوا: هو البيع برأس المال وربح معلوم. هذه التعاريف متقاربة المعنى كما نجدها مشتركة في مدلولها اللغوي: فالمرابحة في اللغة مشتقة من رابح واربح وكلا اللفظين يعنيان البيع أو الشراء بزيادة على رأس المال وهو الربح (1) وهذا هو المعنى الشرعي لمعنى المرابحة فاجتمع المدلول اللغوي مع المدلول الشرعي في الاصطلاح. وهذا التعريف للمرابحة ليس هو المقصود هنا بالبحث لأن بيع المرابحة بالتعريف المتقدم يكاد ينعقد الإجماع على صحته عند العلماء سلفا وخلفا بل إنه قد نقل الإجماع على صحة بيع المرابحة بالمعنى المتقدم وإن كان البعض من العلماء يفضل بيع المساومة عليه وهذا خلاف أفضلية وليس خلاف في عدم صحة بيع المرابحة. فبحثنا هذا لا يتعلق ببيع المرابحة بالمعنى الآنف الذكر على اعتبار أنه ليس هناك أي خلاف في صحته وجوازه وإن كانت هناك خلافات جزئية تفصيلية بين الفقهاء سلفا وخلفا وهذا شيء متعارف عليه بين الفقهاء في مسائل عديدة من فقه المعاملات وإن كنا لا بد وأن نتناول بيع المرابحة بالمعنى المذكور ولكنه ليس مقصودا لذاته بل لتحرير المسألة التي يتعلق بها بحثنا هذا وللإيضاح الكافي الذي يجلي المسألة المراد بحثها من أي ملابسة عملا بالقاعدة الفقهية المشهورة: الحكم على الشيء فرع عن تصوره ولكن بحثنا يتعلق بصورة التعامل التي تزاولها البنوك والمصارف الإسلامية تحت عنوان: بيع المرابحة للآمر بالشراء وصورتها: أن يتقدم العميل إلى البنك أو المصرف طالبا منه شراء سلعة معينة بالمواصفات التي يحددها على أساس الوعد منه أي من العميل بشراء تلك السلعة اللازمة له فعلا مرابحة بالنسبة التي يتفقان عليها ويدفع الثمن مقسطا حسب إمكانيته. فهذه الصورة كما يفهم من التعريف ذات شقين: أحدهما عندما يأتي العميل إلى البنك طالبا منه شراء سلعة معينة أو موصوفة ليست عند البنك فيعده البنك بأنه سيشتري السلعة التي يطلبها العميل ويبيعها له ويعده أي يعد العميل البنك بأنه سوف يشتري السلعة عند ما يقدمها البنك. وفي هذه الفترة يحددان الشراء والربح وطريقة الدفع نقدا أو مؤجلًا أو مقسطًا، وبعض المصارف أو البنوك تطلب دفع عربون مقدما.
والسلعة المطلوبة قد لا تكون موجودة في الأسواق المحلية فيستوردها البنك من الخارج.
2-
الشق الآخر: إبرام العقد وتبدأ بعد شراء البنك البضاعة وعرضها على العميل وقبوله لها: ما حكم هذه المعاملة في فقه الشريعة الإسلامية؟ فهذه هي نقطة البحث التي تتعلق بها الأنظار الشرعية. وإن كانت كما تقدمت الإشارة أتناول في البداية الموضوع بصفة عامة لتحرير وإيضاح نقطة البحث لا أكثر من ذلك.
المبحث الثاني: الإشارة إلى السوابق التاريخية للموضوع وما طرح فيه من أنظار شرعية إلخ.
(1) انظر مادة ربح في لسان العرب. المغني لابن قدامة 4/136. البداية والنهاية لابن رشد 2/214
تقدمت الإشارة إلى أن بيع المرابحة بالتعريف الفقهي المتقدم باستثناء تعريف نقطة البحث من البيوع الجائزة بين الفقهاء ويشترط في بيع المرابحة ما يشترط في البيع بصفة عامة ويختص بشروط خاصة أهم ما فيها علم المتابيعين برأس المال والربح كأن يقول البائع: رأس مالي مائة وربح عشرة. وفي هذا المبحث مسائل لا بد من تناولها. منها ما هو الذي يعد من رأس المال مما لا يعد وفي صفة رأس المال الذي يجوز أن يبنى عليه الربح. والأخرى حكم ما وقع من الزيادة أو النقصان في خبر البائع بالثمن.
فأما ما يعد في الثمن مما لا يعد: أي مما ينوب البائع على السلعة زائد على الثمن فإن المالكية يقسمونه إلى ثلاثة أقسام: قسم يعد في أصل الثمن ويكون له حظ من الربح. وقسم يعد في أصل الثمن ولا يكون له حظ من الربح وقسم لا يعد في أصل الثمن ولا يكون له حظ من الربح. فأما الذي يحسب في رأس المال ولا يجعل له حظ من الربح فهو الذي لا يؤثر في عين السلعة مما لا يمكن البائع أن يتولاه صاحب السلعة بنفسه كالسمسرة والطي والشد وقال أبو حنيفة بل يحتمل على ثمن السلعة كل ما نابه عليها وقال أبو ثور: لا تجوز المرابحة إلا بالثمن الذي اشترى به السلعة فقط. إلا أن يفصل ويفسخ عند البيع إن وقع، قال: لأنه كذب لأنه يقول: أي صاحب السلعة ثمن سلعتي كذا وكذا وليس الأمر كذلك وهو عنده أي عند أبي ثور من باب الغش. وأما الذي يحسب في رأس المال ويجعل له حظ من الربح فهو ما كان مؤثرا في عين السلعة مثل الخياطة والصباغ. وأما صفة رأس المال: أي الثمن الذي يجوز أن يخبر به فإن مالكًا والليث بن سعد قالا فيمن اشترى سلعة بدنانير والصرف يوم اشتراها صرف معلوم ثم باعها بدنانير تختلف عن الدنانير التي اشترى بها أو بدراهم والصرف قد تغير إلى زيادة أنه ليس له أن يطلب سعر الصرف الذي كان يوم شرائه للسلعة. كما اختلف بعض فقهاء المالكية: فيمن ابتاع سلعة بعروض هل يجوز له أن يبيعها مرابحة أم لا يجوز فقال ابن القاسم يجوز له بيعها بالثمن الذي اشتراها به من العروض ولا يجوز له على القيمة. وقال أشهب: لا يجوز لمن اشترى سلعة من العروض أن يبيعها مرابحة لأنه يطالبه بعروض على صفة عرضه. وفي الغالب لا يكون عنده فهو من باب بيع ما ليس عنده. كما اختلف مالك وأبو حنيفة فيمن اشترى سلعة بدنانير ثم أخذ بالدنانير عروضا أو دراهم فهل يجوز له بيعها مرابحة دون أن يعلم (1) بما نقد أم لا يجوز؟ فقال مالك لا يجوز إلا أن يعلم بما نقد وقال أبو حنيفة يجوز أن يبيعها منه مرابحة على الدنانير التي ابتاعها: أي التي ابتاع بها السلعة دون العروض التي أعطى فيها أو الدراهم. وقال مالك أيضا فيمن اشترى سلعة بأجل فباعها مرابحة أنه لا يجوز حتى يعلم بالأجل وقال الشافعي إن وقع كان للمشترى مثل أجله. وقال أبو ثور هو كالعيب وله الرد به أما حكم ما وقع فيه من الزيادة والنقصان في خبر البائع بالثمن. فقد اختلف فيه فقهاء السلف ومن هذه المسائل مسألة من ابتاع سلعة مرابحة على ثمن ذكره ثم ظهر بعد ذلك إما بإقراره أو ببينة أنه كان أقل، والسلعة قائمة فقال مالك وجماعة: المشتري بالخيار.
(1) انظر البداية والنهاية لابن رشد المرجع السابق
إما أن يأخذ بالثمن الذي صح أو يترك إذا لم يلزمه البائع أخذها بالثمن الذي صح، وإن ألزمه لزمه. وقال أبو حنيفة ونفر بل المشتري بالخيار على الإطلاق ولا يلزمه الأخذ بالثمن الذي إن ألزمه البائع لزمه. وقال الثوري وابن أبي ليلى وأحمد وجماعة بل يبقى البيع لازمًا لهما بعد حط الزيادة وعن الشافعي قولان قول بالخيار مطلقا وقول باللزوم بعد الحط وحجة من أوجب البيع بعد الحط أن المشتري إنما أربحه على ما ابتاع به السلعة لا غير ذلك فلما ظهر خلاف ما قال وجب أن يرجع إلى الذي ظهر كما لو أخذه بكيل معلوم فخرج بغير ذلك الكيل إنه يلزمه توفية ذلك الكيل. وحجة من رأى أنه الخيار مطلقًا تشبيه الكذب في هذه المسألة بالعيب أعنى أنه كما يوجب العيب الخيار كذلك يوجب الكذب.
وأما إذا فاتت السلعة فقال الشافعي يحط مقدار ما زاد من الثمن وما وجب له من الربح وقال مالك: إن كانت قيمتها يوم القبض أي يوم البيع على خلاف عنه في ذلك مثل ما وزن المباع أو أقل فلا يرجع عليه بشيء: أي فلا يرجع عليه المشتري بشيء وإن كانت القيمة أقل خير البائع بين رده للمشتري القيمة أورده الثمن أو إمضائه السلعة بالثمن الذي صح. وأما إذا باع الرجل سلعته مرابحة ثم أقام البينة أن ثمنها أكثر مما ذكره وأنه وهم في ذلك والسلعة قائمة. فقال الشافعي: لا يسمع منه تلك البينة لأنه كذبها آخر. وقال مالك في هذه المسألة إذا فاتت السلعة يخير المبتاع أن يعطى قيمة السلعة يوم قبضها أو أن يأخذها بالثمن الذي صح. ومعرفة أحكام هذا البيع في مذهب السادة المالكية. ينبني على معرفة أحكام ثلاثة وما تركب منها وهي حكم مسألة الكذب وحكم مسألة الغش وحكم مسألة وجود العيب فأما حكم الكذب فقد تقدمت الإشارة، وأما حكم الرد بالعيب فهو حكمه في البيع المطلق. وأما حكم الغش عنده فهو تخيير البائع مطلقا وليس للبائع أن يلزمه البيع وإن حط عنه مقدار الغش كما له ذلك في مسألة الكذب (1) .
(1) الأم للشافعي ج3 ص34
ومما تقدم يتضح لنا بأن هذه المعاملة معروفة في كتب الفقه الإسلامي. أما الخلاف فيما يتعلق ببحثنا فهو وقوع البيع على الإلزام من أول الأمر بمعنى أن البنك ملزم بالبيع مرابحة للآمر بالشراء. والآمر بالشراء ملزم بتنفيذ وعده بالشراء عندما يقدم له البنك السلعة المطلوبة. فهذه معاملة مركبة من وعد بالشراء وبيع المرابحة فهي في الحقيقة ليست من باب بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن البنك لا يبيع شيئا ابتداء، وإنما يتلقى أمرًا بالشراء وبالتالي فهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب منه ويعرضه على المشتري ليرى ما إذا كان مطابقًا لما وصف أم لا. وبالتالي فإن هذه المعاملة لا تنطوي على ربح ما لم يضمن؛ لأن البنك قد اشترى فأصبح مالكا يتحمل تبعة الهلاك.
هذه خلاصة وجهة نظر المجيزين لهذه المعاملة من بعض الفقهاء المعاصرين، أما علماء السلف بما فيهم أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة فلا أعلم أحدًا منهم أجاز هذه المعاملة، والمشهور من بعض علماء السلف رضي الله عنهم جواز هذه المعاملة إذا جعل الخيار للطرفين أو لأحدهما. أما الفقهاء المعاصرون فإن أول خلاف ظهر بينهم في هذه المسألة عندما طرح هذا الموضوع على بساط البحث في مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1399 هـ 1979م، وكان رأي الأغلبية جواز الإلزام بالوعد في هذه المعاملة وقد جاءت توصية المؤتمر كالتالي:" يرى المؤتمر أن هذا التعامل يتضمن وعدًا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقا لذلك الشرط. إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقا لأحكام المذهب المالكي. وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى. وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه. تحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى إصدار قانون بذلك " نصًّا: (1) .
(1) انظر مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1399 هـ 1979م ص14
وطرح هذا الموضوع نفسه في مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت في جمادى الآخر 1403 هـ مارس 1983، وأصدر المؤتمر فيه التوصية التالية:
8 – " يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق هو أمر جائز شرعًا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي. وأما بالنسبة للوعد ملزما للآمر أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة المصرف، والأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات وقيمة مراعاة لمصلحة المصرف والعميل وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعًا وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه " نصًّا.
بهذا الاستعراض للسوابق التاريخية للموضوع وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بنقطة البحث نخلص من تحرير الموضوع إلى النقاط التالية:
1 – أولا عنوان بحث الموضوع والمحدد تسميته من قبل المجمع: ببيع المرابحة للآمر بالشراء غير دقيق؛ لأن هذا العنوان تدخل فيه صور من بيع المرابحة للآمر بالشراء أجازها العلماء سلفا وخلفا مما جعل البحث في الموضوع محل التباس تبعًا لالتباس العنوان. وأرى ضرورة التسمية التالية: بيع الأمانة للآمر بالشراء لمقابل ربح معلوم للبائع المؤتمن على شراء السلعة للآمر بالشراء؛ لأن هذا البيع في نظري هو بيع أمانة أقرب منه للمرابحة، وهذا التخريج لهذا النوع من البيع يخرجنا من الخلاف الفقهي وعلى وجه الخصوص يخرجنا من النص النبوي الشريف الذي يتمسك به بعض الفقهاء من قوله عليه الصلاة والسلام:" لا تبع ما ليس عندك " على أن لي بعض الملاحظات على وجه الاستدلال بهذا الحديث سوف أوضحها في مكانها من هذا البحث إن شاء الله. كما يخرجنا من الخلاف الفقهي الذي يمثل من وجهة نظري جوهر الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة سلفا وخلفا والخاص بالوفاء بالوعد من جانب العميل خاصة إذا علمنا بأن جمهور الفقهاء قد جوزوا هذا النوع من البيع إذا جعل الخيار للطرفين أو لأحدهما. كما أن الفقهاء المعاصرين مجمعون ولا يوجد بينهم خلاف حسب علمي بأن الخيار في هذا النوع من البيع، إذا جعل الطرفان بالخيار أو أحدهما فإنه يعتبر جائز شرعًا، وإنما الخلاف بين السلف والخلف منصب في هذه المسألة على الوعد الذي يعد به العميل البنك أو المصرف من أخذ السلعة عندما يقدمها له البنك وتكون مطابقة للمواصفات التي اشترطها العميل في توفرها في السلعة. هل الوعد شرعًا ملزم للعميل بأخذ السلعة أو ليس ملزما. وقد تقدم لنا في هذا البحث استعراض أقوال الفقهاء وخلاصة مؤتمرَي دبي والكويت.
2 – ثانيا: استدلال بعض الفقهاء بحديث: لا تبع ما ليس عندك، ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مسألتنا مناط البحث واضح: وهو أن البنك أو المصرف عندما يعد العميل ببيع السلعة لا يكون البنك أو المصرف قد ملك تلك السلعة، وبالتالي فإن هذا البيع لا يجوز استنادًا إلى نص الحديث. ولكن هذا الاستدلال من وجهة نظري غير دقيق للأسباب التالية.
1 – أولا: أن قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تبع ما ليس عندك)) يحتمل أن النهي منصب على تحريم بيع الإنسان لأخيه شيئًا لا يقدر على تسليمه للمشتري وقت العقد؛ لأن هذا النوع من البيع نوع من بيوع الغرر التي نهى الشارع عنها، ومن الأمور التي لا يستطيع البائع تسليمها وقت العقد كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء ومن باب أولى يشمل النهي بيع الفضولي ما ليس يملكه وإن كان بعض الفقهاء قد أجازوه إذا أجازه من يملك عين المبيع بالشروط المعتبرة، كما يحتمل أن ينصب النهي على كل بيع لا يستطيع البائع تسليمه للمشتري وقت إبرام العقد وإن كان يملكه، هذا من ناحية وجه الاستدلال بهذا الحديث على مسألتنا فالحديث بهذا الاحتمال تصبح دلالته ظنية أي غير قائمة الحجة على المخالف؛ لأنها غير قطعية الدلالة على محل الخلاف، أما من ناحية أصولية فإن الحديث يشتمل على عموم وخصوص مطلق يجتمعان في النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده، وينفرد الجواز في بيع الإنسان ما يملكه مما هو قادر على تسليمه؛ لأنه يسمى عرفًا عنده وإن كان غير قادر على تسليمه وقت العقد إذا أخبر المشتري بذلك وهذا ما جرى عليه عرف المسلمين في معاملاتهم.
وبالنظر إلى مناط الاستدلال بهذا الحديث على مسألتنا نجد وجه الاستدلال غير دقيق؛ لأن هذه المسألة مركبة من طرفين أو جزأين من وعد بالشراء من جانب العميل طرف، وبيع بالمرابحة من جانب البنك أو المصرف وبالتالي فهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، فجهة النهي منفكة؛ لأن البنك لا يبيع شيئا ابتداء وإنما يتلقى أمرا بالشراء وبالتالي فهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب منه وطبقًا للمواصفات الدقيقة التي يحددها الآمر بالشراء، فإذا جاءت السلعة على خلاف الشروط والمواصفات الدقيقة فإن المشتري بالخيار إن شاء عقد الصفقة وأبرم العقد، وإن شاء فسخ البيع باتفاق المذاهب الفقهية، وليس في هذا النوع من البيع شيء من الغرر المحتمل وجوده في حديث: لا تبع ما ليس عندك، كما تقدمت الإشارة، ومعلوم عند علماء سلف الأمة وخلفها بأن نصوص الكتاب والسنة الخاصة بالمعاملات معللة ومعقولة المعنى وخاضعة للحكمة والمصلحة التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن هذا المنطلق كانت المذاهب الفقهية وزخرت المكتبات بإنتاج العقول المتفقهة في كنوز الكتاب والسنة. وهذه هي مهمة المجمع الذي بدأ بخطى ثابتة ومباركة مما جعله الآن موضع اهتمام أمتنا الإسلامية التي تأمل من علمائها وفقهائها الأجلاء مساندتها ومساعدتها على جمع كلمتها في الرأي خاصة في هذا الظرف الذي نجد فيه أمتنا الإسلامية مستهدفة من الطامعين في خيراتها وموقعها والذين ما برحوا يخططون لزرع الفتن بين أبنائها.
فإذا لم نجد للمسألة حكمًا من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ولا القياس الصحيح فإن الواجب على المجتهد والحالة هذه أن يلجأ للالتماس في حكم المسألة إلى المصادر الشرعية المعتبرة.
المبحث الثالث: النظرة الفقهية إلى أدلة الخلاف ووجه الدلالة منها ومخارج الاستدلال:
أن أدلة الخلاف في المسألة مناط البحث تنحصر أصولها في الآتي:
1 – عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((: لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) رواه الخمسة إلا ابن ماجه. الحديث: في ج2 من كتاب المنتقى لابن تيمية الجَدّ، طبعة أولى عام 1351 هـ- 1932 م ص332 (1) .
2 – عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وأخرجه في علوم الحديث من رواية أبي حنيفة عن عمرو المذكور بلفظ: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط)) ثم قال ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في الأوسط وهو غريب، متن بلوغ المرام (2) .
(1) انظر 5 و6 من نيل الأوطار ص 175 وما بعدها
(2)
انظر 5 و6 من نيل الأوطار ص 175 وما بعدها
3 – عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه قال: ((قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق. فقال: لا تبع ما ليس عندك)) ، رواه الخمسة، هذه هي النصوص الثابتة بالسنة ومكان الدليل منها على المسألة عند القائلين به هو قوله عليه الصلاة والسلام:((لا تبع ما ليس عندك)) ، وقد سبق في المبحث الثاني مناقشتي لوجه الدلالة، ووجهة نظر المستدلين بها. وقصدت بجمع نصوص الحديث وكان بالإمكان الاكتفاء بحديث حكيم بن حزام لولا أن الإمام محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه قال في سنده عند شرحه للحديث: ما يلي " الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن حيكم، انتهى. وفي بعض طرقه عبد الله بن عصمة زعم عبد الحق أنه ضعيف جدا، قال: والكلام للشوكاني:ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه مجهول. قال الحافظ وهو جرح مردود فقد روى عنه ذلك ثلاثة كما في التلخيص وقد احتج به النسائي، وفي الباب عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند أبي داود والترمذي، وصححه النسائي وابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((:لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا في ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) قال الإمام الشوكاني: قوله: " ما ليس عندك "، أي ما ليس في ملكك وقدرتك. ثم قال: والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر على انتزاعه ممن هو في يده، وعلى الآبق الذي لا يعرف مكانه، والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه، ويدل على ذلك معنى عند لغة، قال الرضى: إنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا، انتهى. فيخرج عن هذا ما كان غائبًا خارجا عن الملك أو داخلًا فيه خارجًا عن الحوزة. وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم ((لا تبع ما ليس عندك)) أي ما ليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك. قال البغوي: النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها، أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز، وإن لم يكن المبيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم. قال: وفي المعنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله، فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلًا لم يصح عند الأكثر إلا النحل، فإن الأصح فيه الصحة كما قاله النووي في زيادات الروضة وظاهر النهي تحريم بيع ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلا تحت مقدرته. وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم.
وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض، هذه خلاصة وجهة نظر الإمام الشوكاني ومن نقل عنهم، نجد فيها الاحتمالات التي أشرنا إلى بعضها في المبحث الثاني من هذا البحث. ولكنا نجد الإمام النووي يصرح بجواز البيع إذا كان البيع في ذمة المشتري إذ هو - أي المبيع - كالحاضر المقبوض، انتهى.
وإذا أمعنا النظر في حديث حكيم بن حزام وفي استفتائه للنبي عليه الصلاة والسلام بهذه الصيغة: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق، إن المعنى المتبادر إلى الذهن من منطوق الحديث أن الرجل طالب السلعة يأتي إلى حكيم ليأخذ منه سلعة في الحال، فيتفقان على الثمن دون علم المشتري أن السلعة التي أبرم بشأنها العقد غير موجودة عند حكيم، ثم يذهب حكيم خلسة إلى السوق فيبحث عن السلعة التي عقد بشأنها العقد مع المشتري فيأخذها من السوق فيأتي بها ليسلمها إلى المشتري. فكانت فتوى هذا السؤال: لا تبع ما ليس عندك، لما في ذلك من الغرر والمخاطرة.
أما الغرر فلما فيه من إيهام المشتري بأن السلعة المطلوبة موجودة لدى البائع وقت إبرام العقد حيث لم يقل حكيم: إنه ليأتيني الرجل فيسألني عن البيع، فأقول له السلعة المطلوبة ليست عندي ولكني أعدك بعد إبرام العقد بالذهاب إلى السوق، وأخذها وأعرضها لك وتسليمك إياها حسب المواصفات المتفق عليها في صيغة العقد. فلو كان السؤال على هذا الوجه الذي يحاول المستدل على تحريم نوع البيع في مسألتنا هذه لربما كانت الفتوى بقوله عليه الصلاة والسلام ((لا تبع ما ليس عندك)) على خلاف ما هي عليه.
فوجه الدلالة في الحديث افتراضية على خلاف منطوق الحديث ومفهومه وسببه. وأما المخاطرة فلربما ذهب إلى السوق فلم يجد السلعة المباعة مما يثير الخلاف والمنازعة بين البائع ما ليس عنده والمشتري. . . إلخ.. وربما كانت حاجة المشتري إلى السلعة لا تحتمل التأخير إما لحاجته إليها في الحال وإما لنفاذها من السوق بسبب إيهام المشتري بأن السلعة المطلوبة بحوزة البائع مما يجعل المشتري يطمئن إلى محادثة البائع المدلس وضياع جزء من الوقت كان بإمكان المشتري طالب السلعة الحصول عليها بيسر وسهولة لو أن البائع المدلس قال لطالب السلعة: السلعة المطلوبة لا توجد الآن عندي فإن أحببت أحضرتها لك عند الحصول عليها، وإن كنت تريدها الآن فبإمكانك الذِّهَاب إلى السوق أو إلى التاجر الفلاني وهذا من باب النصيحة.
2 – الدليل الثاني من أدلة الخلاف يتعلق بالعميل: أي الوفاء بالوعد بمعنى هل الوفاء بالوعد من جانب العميل يأخذ السلعة عند إحضارها من قبل البنك أو المصرف ملزم أو غير ملزم. ومما زاد الخلاف في المسألة: صيغ الوفاء بالوعد من الكتاب والسنة مختلفة حسب اختلاف الآثار المترتبة عليها فليست كلها تحمل على الوجوب، وليست كلها تحمل على الندب والاستحباب. مما حدا ببعض الفقهاء إلى التفريق بين الوفاء بالوعود التي يترتب على عدم الوفاء بها إضرار للطرف الآخر فجعلوا الوفاء بها واجب وملزم مثل أن يقول فلان من الناس لآخر: اهدم دارك هذه وابن مكانها أخرى وأنا أسلفك ما تحتاج إليه من تكاليف بناء للدار. فيقوم صاحب الدار بهدمها، فإن الوفاء بالوعد ملزم؛ لأن الواعد أدخل الموعود في ورطة، وعلى ذلك فقس مثل قول الواعد لآخر: تزوج وأنا أسلفك تكاليف الزواج، ونحو ذلك، فقالوا: بلزوم كل وعد أدخل الموعود في ضرر من جراء تسبب عدم وفاء الواعد بوعده كما ذهب فريق من الفقهاء إلى الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقًا.
وفريق آخر ذهب إلى عدم الإلزام بالوعد مطلقا، ومن هذا الفريق الأئمة الثلاثة ورواية عن الإمام مالك. علمًا بأن الأئمة الثلاثة ما عدا مالك يجوزون هذا النوع من البيع إذا كان الخيار لهما أو لأحدهما، ولم يحتجوا بحديث حكيم بن حزام المتقدم على فساد البيع مما أضعف الاستدلال به في مسألتنا هذه، ومما يلاحظ في هذه المسألة أن كلام الفقهاء منصب في باب الوفاء بالوعد على العميل دون صاحب البنك أو المصرف فيما إذا لم يلتزم بالوفاء للعميل حسب الاتفاق الذي تم بينهما، فحسب علمي لم أجد أحدًا تناول الطرف الآخر بالإلزام أو بعدمه أو غير ذلك، كما هو الخلاف بالنسبة للعميل علمًا بأن الأضرار التي تلحق بصاحب البنك أو المصرف قد تلحق بالعميل إذا كان يترتب على عدم وفاء البنك بما التزم به من إحضار السلعة بوقت معين معلوم إضرار بالعميل: والخلاصة لهذا المبحث تتحدد في أن النصوص التي وردت في إطار الظنية في ثبوتها أو دلالتها، وهنا يتصدى الاجتهاد للبحث عن صحة السند من خلال دراية السند وطرق روايته أو يتصدى الاجتهاد للبحث في تفسير تلك النصوص بما يؤدي إلى وضوح الدلالة على المعاني المراد منها: الأمر (1) الذي يحتم على مجمعنا الموقر حسم الخلاف في هذه المسألة التي أصبحت ملحة وضرورية في حياة الأمة الإسلامية ولنا في مصادر الاجتهاد النبع الذي لا ينضب فإذا كانت النصوص ظنية الدلالة وشقة الخلاف فيها متسعة، والمسألة المطروحة ضرورية وملحة فإننا نلجأ لترجيح أحد القولين أو الأقوال على الآخر باستلهام روح التشريع الإسلامي الذي استهدف في أحكامه تحقيق مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم، وهو الذي يقدر ما إذا كان عملا معينا يحقق لهم مصلحة: أي يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم مفسدة، أي يدرأ عنهم ضررًا. وقد ذهب المالكية إلى أن المصلحة تخصص النص غير القطعي ومنها كل النصوص العامة، ومن ذلك تخصيص الحديث النبوي ((البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر)) فإن المصلحة تقتضي عدم تحليف المدعى عليه إلا إذا كان بينه وبين المدعي خلطة حتى لا يسيء السفهاء استغلال هذا الحق ويكيدون لغيرهم رفع دعاوى أمام القضاء، كما أن المذهب الحنفي ويخصص النص بالمصلحة وإن كان عندهم يأخذ اسم الاستحسان ومنها تخصيص الحديث الذي يوجب رؤية العيان في الشهادة فأباحوا قبول شهادة التسامع في إثبات بعض الحقوق إذا اقتضت المصلحة فيها ذلك، مثل إثبات أصل الوقف صيانة للأوقاف القديمة من الضياع، وأجازوها في إثبات النسب والوفاة والدخول بالزوجة ومنها حديثنا محل الخلاف. فقد خصصوا النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده. فأباحوا بيع الثمار المتلاحقة بعد بدو صلاحها. وكذلك تخصيص النصوص التي توجب أن يكون الشهود من الرجال وحدهم أو من الرجال والنساء معًا، فأباحوا قبول شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه سوى النساء مثل الجرائم التي تقع في الحمامات الخاصة بالنساء وشهادة القابلة على واقعة الولادة وتعيين المولود عند النزاع فيه.
(1) انظر الجامع الصحيح 3/536 الغرر وأثره للدكتور الصديق الضرير ص318. وما بعدها
خلافًا للحنابلة الذين يرون عدم جواز تخصيص النص بالمصلحة على الرغم من أخذهم بنظرية المصالح المرسلة وحجتهم في أنه لا محل للنظر إلى المصلحة إلا عند فقدان النص، ولا مجال للنظر إليها عند وجوده؛ لأن دلالة النص وعمومه مقدمان على النظر إلى المصلحة. كما ذهب الشافعي إلى رفض الأخذ بنظريتي الاستحسان والمصالح المرسلة إلى عدم تخصيص النص، ولو كان غير قطعي الدلالة بالمصلحة؛ لأنه يرفض التسليم بالمصلحة كأصل للتشريع، غير أنه يصل إلى ذات النتيجة التي يصل إليها من يأخذ بالمصلحة المرسلة كأساس للتشريع، ويخصصون بها النص ولكن عن طريق أصل آخر هو تحكيم قاعدة الضرورات تبيح المحظورات (1) . وعلى الرغم من الخلاف الشكلي بين الأئمة الثلاثة فإن المصلحة المرسلة أصبحت مصدرًا خصبا للفقه الإسلامي تخصص بعض النصوص وتفسر البعض الآخر منها فمن أمثلة الاعتماد عليها في تفسير النصوص وفهمها منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إعطاء المؤلفة قلوبهم سهمًا في الزكاة رغم الأمر بذلك في القرآن كما أوقف عقوبة السرقة في عام المجاعة وأبقى أرض العراق وغيرها من الأرض المفتوحة في أيدي أصحابها، وفرض ضريبة الخراج عليها بدلا من توزيعها على الفاتحين: وفي هذا الصدد يقول المالكية تعبيرهم المشهور: " فحيث تكون المصلحة العامة للمسلمين يكون شرع الله "(2) .
وبعد هذا الاستعراض، ولكون هذا النوع من البيوع أصبح اليوم في حكم الضرورة وبما أن القاعدة الشرعية: هي أن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما قام الدليل المعتبر شرعًا على تحريمه فإنني أرجح جواز إباحة التعامل بهذا البيع مع وضع الشروط والضوابط اللازمة شرعًا، ولو لم يكن في نظري أي مرجح لهذا النوع من البيع إلا تخصيص الحديث النبوي الذي ينهى عن بيع ما ليس عند البائع على فرض سلامة وجه الاستدلال منه لكانت المصلحة وحدها كافية لتخصيصه، ولا يفوتني هنا أن أذكر أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع الموقرين بترابط النظرة الفقهية للمجمع في هذه المسألة. وبين القرار رقم (1) و2/7. /86 بشأن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية الذي أصدره في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 12 صفر 1407 هـ / 12 إلى 16 أكتوبر 1986 م. حيث جاء فيه ما يلي: " المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.
المبدأ الثاني: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعا. والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
(1) انظر المدخل للزرقا ص 57 وما بعدها المستصفى للغزالي ص137، والأم للشافعي ج7 ص373- 374
(2)
انظر محمد يوسف موسى: المدخل ص189، 191، أصول الفقه للبرديسي 1969 ص21 وما بعدها
المبدأ الثالث: إن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
المبدأ الرابع: أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
المبدأ الخامس: أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكا للمعدات ما لم يكن ذلك لتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه. . . إلخ.
والله أسأل أن يهدينا سواء السبيل ويلهمنا طريق الحق والصواب
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بقلم عضو المجمع محمد عبده عمر
أهم مراجع البحث:
1 – البداية والنهاية لابن رشد.
2 – المدخل لفضيلة الشيخ الزرقا.
2 – المغني لابن قدامة.
3 – الأم للإمام الشافعي.
4 – زاد المعاد للإمام ابن القيم.
5 – نيل الأوطار للإمام الشوكاني.
6 – متن بلوغ المرام على شرح سبل السلام.
7 – الجامع الصحيح.
8 – الغرر وأثره لفضيلة الشيخ الصديق الضرير.
9 – المستصفى للإمام الغزالي.
10-
محمد يوسف موسى المدخل.
11-
أصول الفقه للبرديسي.
12-
أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف.
13-
إعلام الموقعين لابن القيم.
14-
غمز عيون البصائر لشهاب الدين الحموي.
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات".
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب/ البنك الإسلامي للتنمية/ جدة.
عمان 22 شوال – 25 شوال 1407 هـ
18/6 – 21/6/1987م
بحث الدكتور عبد الستار أبو غدة
عن
أسلوب المرابحة والجوانب الشرعية
التطبيقية في المصارف الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فلا تخفى الحاجة الماسة إلى استمرار البحث المتأني المتعمق في أنشطة المصارف الإسلامية، سواء ما أصبح منها جادة مسلوكة يستبعد التنكب عنها، أو الطرق التي لم تبلغ هذه المنزلة لإعوازها إلى التمهيد أو التعبيد، وجميع هذه المناشط تعتبر ضرورية لتغلب المصارف الإسلامية على مصاعب النشأة، ووحشة الغربة، وبواعث المواكبة العصرية لتحقيق نفس الأغراض المبتغاة في الميدان الاقتصادي ولكن بوسائل شتى منها المتوافق مع المتبع من غيرها، ومنها المهذب أو المشذب، ومنها المستحدث بأصله من حيث هو، أو بوصفه والملابسات الإجرائية لتطبيقه.
و (المرابحة) هي من هذا النوع الأخير، وقد أدى هذا الطابع القديم الحديث فيها إلى أن لا تقتحمها أبصار الباحثين إلا من خلال الاعتراض عليها أو المنافحة عنها، ولم يسلم هذا ولا تلك من الإفراط أو التفريط.
وقد أردت أن أسلط بعض الضوء على (أسلوب المرابحة) من خلال النواحي التالية:
- أسلوب المرابحة قديما وحديثا
- التأصيل الجماعي لأسلوب المرابحة
- الجوانب الفقهية المطبقة في المرابحة
- جوانب تطبيقية أخرى للمرابحة
- أساليب وصنع طرحت في شأن المرابحة
ولا أدعي أن هذا كل ما يقال في هذا المقام فقد اقتصرت على ما رأيت أنه أهم مع بعض المهم، ثقة بما تكشف عنه اللقاءات الجماعية من تكامل، وعسى أن تتمخض البحوث المطروحة في الندوات المتخصصة لموضوع واحد، كهذه الندوة عن تأصيل لذلك الموضع الوحيد من استعراض ما له وما عليه وإحلاله موقعه الجدير به، بعيدا عن ضغط الحاجة، والاسترواح للسهولة أو الشهرة.
والله ولي التوفيق.
د. عبد الستار أبو غدة
(أولا)
أسلوب المرابحة قديما وحديثا
(تمهيد وجيز في ماهية المرابحة) :
المرابحة صيغة (مفاعلة) من الربح، وهي بيع بزيادة ربح على الثمن الأول، وصيغ المفاعلة للمشاركة وهي هنا اشتراك البائع والمشتري في قبول الإرباح بالقدر المحدد، والمرابحة: نوع من أنواع بيوع الأمانة التي يقوم فيها التبايع على أساس (رأس المال) ، وهو ثمن شراء السلعة أو (التكلفة) وهي ما قامت به السلعة على البائع.
ففي بيع المرابحة يتم عقد البيع بإضافة نسبة مئوية معلومة أو مبلغ مقطوع على رأس المال أو التكلفة.
أسلوب المرابحة قديما:
وهذا البيع بهذه الصورة الساذجة لم يخل منه كتاب من كتب الفقه على شتى المذاهب، ولم ينازع أحد في مشروعيته؛ لأنه بهذه الكيفية الخاصة لتحديد الثمن لم يخرج عن مطلق البيع الذي جاء النص بإباحته في قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، بل جاء في السنة تطبيق للتولية (شقيقة المرابحة) حين اشترى أبو بكر رضي الله عنه الناقتين اللتين أعدهما للهجرة عليهما، وأراد أبو بكر رضي الله عنه إعطاء إحداهما للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الهبة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بل بالثمن، أي يأخذها تولية بمثل الثمن الذي اشتراها به أبو بكر رضي الله عنه.
وللفقهاء تفصيلات في أحكام المرابحة وآثارها وما يترتب على ظهور الخلف (التغاير) بين ما أخبر به البائع وبين الثمن الحقيقي (الخيانة في الإخبار عن الثمن) من تصحيح للثمن المستحق على المشتري وثبوت خيار له بين المضي في العقد مصححًا أو الفسخ عند من يثبت له ذلك الخيار، ويسمى (خيار المرابحة) أو (خيار تخبير الثمن)(1) – مع الأخذ بالاعتبار أن هذه التسمية الثانية تشمل بالإضافة إلى المرابحة كلا من (التولية) و (الوضيعة) .
ولسنا بمعرض البحث في هذه الأحكام المستقرة بل الغرض مناقشة الطرح الجديد للمرابحة والجوانب الفقهية العصرية لتطبيقها، ولذا آثرت استخدام عبارة (أسلوب المرابحة) .
(1) التسمية الثانية يستعملها الحنابلة و" تخبير " بالباء بعد الخاء بمعنى " الإخبار " وقد وقعت في كثير من كتبهم محرفة إلى " تخيير" بياءين
أسلوب المرابحة حديثا:
أما أسلوب المرابحة حديثا فالحق أن أول من طرحه للتطبيق على نطاق المعاملات المصرفية هو الدكتور سامي حسن حمود، وقد أنصف الحقيقة حين أشار إلى (سابقة) قديمة لهذا الأسلوب، هي ما أورده عن الإمام الشافعي في كتاب الأم و (بارقة) جديدة لسند هذا التطبيق، هي ذلك التكييف الشرعي الدقيق الذي أسعفه به العلامة الشيخ محمد فرج السنهوري (1) .
أما السابقة فهي قول الشافعي في كتاب الأم:
" وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعةَ، فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز، والذي قال: (أربحك فيها) بالخيار: إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه، وهكذا إن قال: " اشتر لي متاعا، ووصفه له، أو متاعا أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء يجوز البيع الأول، ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال: أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دَيْن، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر. فإن جدداه جاز. وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع. والثاني أنه على مخاطرة إنك وإن اشتريته على كذا أربحك فيه على كذا " (2) .
وأما التكييف الشرعي لهذا الأسلوب مقولا على لسان العلامة الشيخ محمد فرج السنهوري كما جاء في مقابلة أجراها معه الدكتور سامي حمود بتاريخ (9/8/1975)(3) :
" هذه العملية مركبة من وعد بالشراء وبيع بالمرابحة.
- وهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن المصرف لا يعرض أن يبيع شيئا، ولكنه يتلقى أمرا بالشراء، وهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب، ويعرضه على المشتري الآمر ليرى ما إذا كان مطابقا لما وصف.
- كما أن هذه العملية لا تنطوي على ربح ما لم يضمن؛ لأن المصرف وقد اشترى فأصبح مالكا يتحمل تبعة الهلاك ".
(1) ذكر ذلك في رسالته للدكتوراة " تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية (ص479) ط (1)
(2)
الأم للإمام الشافعي 3/29 ط. الكليات
(3)
تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية (رسالة دكتوراة) سامي حسن محمود (ص479) ط (1)
واستكمالا لتأريخ هذا التطبيق فإن الكيفية التي طرح بها أول مرة لم تلبث أن اتسعت أفقيا وعموديا – إن صح التعبير – فقد ذكر الدكتور سامي هذا الأسلوب على أنه بديل يطرحه لمواجهة مسألة خصم الكمبيالات لدى البنوك الربوية ممن يشترون السلع، وليست لديهم الملاءة للدفع والعاجل
…
وأنه: " للمساعدة على تمكين الشخص من الحصول على السلعة التي يحتاجها على أساس دفع القيمة بطريق القسط الشهري، أو غير ذلك من ترتيبات مشابهة، ولكن هذا الخط يبدأ من المستهلك وليس من التاجر ". وهذا الخط أصبح خطوطا حيث صار يصل بين التاجر المستورد وبين المصدر، ويصل بين صاحب المصنع وبين مصدري المصانع، ويصل بين مستغلي منافع البواخر والطائرات وبين صانعيها وهكذا.
كما أن المرابحة اتسعت في الشمول بحيث زاحت (المضاربة) ، بل كادت تزيحها من التطبيق، مع أنها وهي الأسلوب الرائد في المصارف الإسلامية، وكانت مطروحة وحدها في الساحة حتى قرنت بها المرابحة.. وسنرى أن هذه المزاحمة أو الإزاحة لم تنج من المخاوف بل المآخذ أحيانا مما سيأتي بيانه في موقعه المناسب. مما جعل الحاجة داعية إلى تقديم ردائف للمرابحة من حيث هي، أو للعنصر الشائك منها وهو أن يسبقها وعد بالشراء باعتباره إجراء يتوقف عليه تطبيقها، وأصبح مثارا للجدل من حيث لزومه وعدم لزومه، وأثر ذلك على جوهرية شراء المصرف السلعة لنفسه وتحمله للضمان. وهو ما طرح في الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي (7 مارس 1987) من خلال خيار الشرط على ما سيأتي:
(ثانيا)
التأصيل الجماعي لأسلوب المرابحة
لم يلبث أسلوب المرابحة المقدم إلى المصارف الإسلامية أن أخذ طريقه إلى الإقرار الجماعي له من خلال قنوات شتى؛ (1) .
(إحداها) : ظهوره بصورة أساسية في أنظمة المصارف الإسلامية الأولى ونشراتها، كبنك دبي الإسلامي، وبيت التمويل الكويتي، والبنك الإسلامي الأردني، وبنك فيصل الإسلامي المصري، وبنك فيصل الإسلامي السوداني
…
إلخ.
(الثانية) : إدراجه في الكتابات المهتمة بتنظير أنشطة المصارف الإسلامية، كالموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية في جزأين منها: الأول ص28، والخامس، الجزء الشرعي، المجلد الأول ص 329، وإن كان معظم ما جاء عنه فيهما يدور على ما كتبه الدكتور سامي حمود.
(الثالثة) : صدور التوصيات من المؤتمرات بتنظيم وتعزيز أسلوب المرابحة، كان ذلك في مؤتمر الصرف الإسلامي الأول بدبي 1399 هـ = 1979م. ثم في مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني بالكويت.
(الرابعة: تأكيد ذلك في ندوة البركة الأولى للمصارف الإسلامية بالمدينة المنورة. رمضان 1403هـ = يونيو 1983م. والتي عنيت بالرد على بعض الشبهات المثارة حول المرابحة.
والجدير بالذكر أن هذين المؤتمرين لم يحسما أعسر الجوانب الفقهية في هذا الأسلوب وهي مسألة إلزامية الوعد، ولا تركاها غفلا، بل جاءا بمبدأ التخيير لكل مصرف في الأخذ بإحدى الوجهتين اللتين اختلف فيهما طويلا، وهما: الإلزام، وعدمه (2) .
(1) الأعمال المصرفية التي يزاولها البنك الإسلامي ص3، بيت التمويل الكويتي للأعمال المصرفية والاستثمار ص16 بيوع الأمانة في ميزان الشريعة
(2)
بعض المصارف يختار الإلزام، وبعضها يختار عدمه، وبعضها يختار في المرابحات الخارجية الإلزام، وفي المرابحات الداخلية عدم الإلزام وذلك هو المطبق في بيت التمويل الكويتي تبعًا لصعوبة تقدير جدية الوعد ومعرفة العملاء
وفيما يلي نص قرار المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي بدبي بشأن اعتبار (الوعد بالشراء مرابحة) بين صور التمويل:
" يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة يحدد جميع أوصافها ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به العميل بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما. وهذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقا لذات الشروط.
ومثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى. وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه.
وتحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية، وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى إصدار قانون بذلك.
ويلحظ بوضوح أن الغرض الأساسي من القرار بيان مشروعية (إلزام الوعد) . أما المؤتمر الثاني بالكويت فقد جاء فيه عن المرابحة ما نصه.
" يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة للآمر وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.
وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزما للآمر أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه.
وخلاصة هذا القرار:
- ضرورة أن يسبق تملك المصرف السلعة لنفسه وحيازتها قبل بيع السلعة للواعد.
- تحمل المصرف تبعة الهلاك قبل التسليم
- تحمل المصرف تبعة الرد بالعيب الخفي
- جواز إلزامية الوعد وعدمها
- تخيير المصارف في الأخذ بالإلزام وعدمه من خلال قرار هيئة رقابة المصرف.
أما ندوة البركة الأولى فقد جاء في التوصية الثامنة منها ما يلي:
" أورد بعض الناس شبهات على جواز بيع المرابحة بالأجل بأنه ينطوي على شبهة ربوية، كما أوردوا شبهات على جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء. وهذه الشبهات هي:
(أولا) أن هذا العقد يتضمن بيع ما ليس عند البائع
(ثانيا) تأجيل البدلين
(ثالثا) أنه بيع دراهم بدراهم والمبيع مرجأ، أو أنه نوع من التورق
(رابعا) أن المالكية منعوا الإلزام بالوعد في البيع
(خامسا) أن هذا العقد يتضمن تلفيقا غير جائز
فما هو الجواب عن ذلك؟
الفتوى: بيع المرابحة المعروف في الفقه الإسلامي جائز باتفاق سواء كان بالنقد أو بالأجل، وأن هذه الشبهة الربوية المثارة على بيع المرابحة بالأجل ليست واردة لا في هذا البيع ولا في البيع المؤجل.
وأما صورة المرابحة للآمر بالشراء فإن اللجنة تؤكد ما ورد في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي المنعقد في الكويت مع ما تضمن من تحفظات بالنسبة للإلزام ".
(ثالثا)
الجوانب الفقهية المطبقة في المرابحة
إن المرابحة من حيث هي غنية عن الاستدلال على مشروعيتها هنا، لما أشرت إليه من اشتمال كتب الفقه جميعها على باب للمرابحة تستوفي فيه أدلة مشروعيتها وأحكامها ومستند كل حكم، ولكن بالنظر إلى (أسلوب) المرابحة المتبعة في البنوك الإسلامية هناك بعض الجوانب الفقهية المرعية فيه حتى يمكن تطبيقها بصورة عملية مأمونة.
وهذه الجوانب المستحدثة تزيد أو تنقص تبعا لمجالات التطبيق المختلفة، وما دمنا في معرض البحث والمناقشة فإن المناسب استيعاب جميع ما حفت به المرابحة من نقاط مع مستند كل منها بقطع النظر عن كونه مسلما أو محل اعتراض، مع إيراد النقاش المتعلق بكل منها. وفضلا عن ذلك سأشير في الأخير إلى جوانب فقهية وقع الربط بينها وبين أسلوب المرابحة مع أنها لا علاقة لها بهذا الأسلوب.
وفيما يلي الكلام عن تلك الجوانب، مع مناقشة ما أورد في ذلك من اعتراضات وشبهات:
استعراض الجوانب الفقهية المعترض بها على أصل المرابحة:
لعل ما أورده كل من الدكتور يوسف القرضاوي من اعتراضات على أسلوب المرابحة بصدد الدفاع عنها (1) وما أورده الدكتور محمد سليمان الأشقر في كتابه الهادف إلى نقدها (2) . هو أجمع ما قيل في هذا المجال، حيث أورد الدكتور القرضاوي ستة أمور، اثنان منها لا داعي للتوقف عندهما لما فيهما من التكلف، ومجافاة المنطق الفقهي:
(أولهما) إن هذه المعاملة ليست بيعا ولا شراء وإنما هي حيلة لآخذ الربا، (وثانيهما) أن أحدا من فقهاء الأمة لم يقل بحلها. وما جاء به المعترضون بهذين لا يزيد عن التهويل اللفظي، وقد نهض الدكتور القرضاوي بكشفه بما لا مزيد عليه.
ثم أورد الدكتور القرضاوي – على لسان المعترضين – أربعة أمور أخرى؛ اثنان منها تكفي لمحة يسيرة في الكلام عنها، في حين يقتضي الأمران الآخران شيئا من التفصيل (الآتي فيما بعد) لما لهما من جذور في المراجع الفقهية، كما تكررت بعض هذه الاعتراضات في دراسة الدكتور محمد الأشقر مع زيادات سيأتي الكلام عنها بمناسبتها.
* القول بأن أسلوب المرابحة من بيعتين في بيعة:
وذلك لما فيها من البيع للواعد بالأجل وهو بسعر مغاير للسعر الحال
…
والحقيقة أن هذا الاعتراض ليس موجها للمرابحة لذاتها، بل لما فيها من بيع الأجل؛ لأن تطبيق المرابحة لدى المصارف الإسلامية لا ينفك عن بيع الأجل.. وقد جاء تفسيران (للبيعتين في بيعة) : أحدهما أنها قول البائع: بعتك بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة، والتفسير الثاني أنها بيع العينة؛ لأن فيه بيعتين إحداهما بثمن آجل، والأخرى بثمن حال، لتحصل بذلك الحيلة على الربا.
وسيأتي الكلام عن علاقة أسلوب المرابحة ببيع العينة، أما البيع بالأجل فقد اعتبر التشكيك فيه من سقط القول بعد أن أخذ به جماهير الفقهاء، وضبطوا صحته بأن ينفصل المتعاقدان (بعد المساومة في الثمن المتعدد) على ثمن واحد محدد، فلا تكون هناك إلا بيعة واحدة، وينتفي الغرر الذي يحصل لو كانت المساومة أساسًا دون إبرام وجه واحد مما دار فيها.
والذي يقع في أسلوب المرابحة هو بيعة واحدة للاتفاق على ثمن واحد هو تحديد ثمن البيع الأجل مع تحديد الأجل، فلا جهالة ولا غرر.
(1) بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية، للدكتور يوسف القرضاوي 37
(2)
بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، للدكتور محمد سليمان الأشقر 7
* القول بأن أسلوب المرابحة فيه بيع ما لا يملك:
وهذا الاعتراض لا مساغ له أيضا في الأسلوب المطبق في المصارف الإسلامية، اللهم إلا ما قد يقع مخالفا لما هو مقرر من مؤتمراتها وندواتها أو هيئاتها ومستشاريها، فما وقع كذلك فهو أسلوب منحرف، وعليه تنصب معظم الاعتراضات (1) .
وهذا المحذور من أول ما طرح بالنسبة لأسلوب المرابحة فقد احترزت منه البيانات التي رافقت نشأته.
* القول بأن الوعد لازم:
لا يخفى أن هناك صلة شديدة بين مسألة (بيع ما لا يملك) وبين الجانب الآخر المهم في أسلوب المرابحة وهو القول بلزوم الوعد، من حيث إن ما ينشأ عن هذا اللزوم يحول الوعد إلى شبه عقد فيقع المصرف في بيع ما لم يملكه بعد.
وليست الإشارة إلى هذه العلاقة حديثة بل جاءت في أقوال المتقدمين على ما أورده الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير في إشارة له إلى المرابحة ضمن أشكال وأساليب الاستثمار في الفكر الإسلامي حيث قال: " وجدت في أقوال المتقدمين من الفقهاء صورة من التعامل شبيهة بما نتحدث عنه يؤيد حكمهم فيها ما ذهبت إليه، فقد روى مالك في الموطأ: أنه بلغه أن رجلا قال لرجل: ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبدَ اللهِ بنَ عمرَ فكرهه ونهى عنه.
وقد ذكر مالك هذه المسألة في باب " بيعتين في بيعة " فكأنه يرى أن ابنَ عمرَ يعتبرها داخلة فيما نهى عنه من بيعتين في بيعة. (2)
قال الباجي: " ولا يمتنع أن يوصف بذلك من جهة أنه انعقد بينهما أن المبتاع للبعير بالنقد إنما يشتريه على أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من ذلك الثمن فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمن بيعتين، إحداهما الأولى وهي بالنقد، والثانية المؤجلة، وفيها مع ذلك بيع ما ليس عنده؛ لأن المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه، وفيها سلف بزيادة؛ لأنه يبتاع له البعير بعشرة على أن يبيعه منه بعشرين إلى أجل، يتضمن ذلك أنه سلفه عشرة في عشرين إلى أجل، وهذه كلها معان تمنع جواز البيع، والعينة فيها أظهر من سائرها ".
(1) ومن ذلك ما جاء في بحث الدكتور محمد سليمان الأشقر حيث أورد بضعة أمور - سبق بعضها - وهي لا تتحقق إلا في تطبيق خاص من تطبيقات المرابحة ليس هو المعمول به في المصارف الإسلامية، ولم يورد على الأسلوب المشهور إلا مسألة إلزامية الوعد. . مع أمور أخرى تتصل به وهي كل ما يقيد حرية الطرفين في إتمام البيع أو تركه، وعدم ترتب تعويض لما يقع على أحدهما من ضرر، وعدم البيع إلا بعد القبض
(2)
أشكال وأساليب الاستثمار في الفكر الإسلامي، بحث للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، مجلة البنوك الإسلامية، العدد 19
ولابد من التعقيب بأن هذا المحذور يقع حقيقة إذا صدر الشراء من العميل والبيع إليه قبل تملك المصرف للسلعة، وهو ما صوره الدكتور محمد الأشقر بقوله:" إن العميل يقول في شأن السلعة: إذا اشتريتموها بمائة فقد أشتريتها منكم بمائة وعشرين نقدا أو مؤجلة "، ثم قال عن هذه الصورة: " فهو عقد بلا ريب ولو سمي وعدا فهو عقد أيضًا
…
وهذا لا يسلم إلا بوجود الضميمة التي فيها فإذا اشتريتموها بمائة فقد أشتريتها منكم
…
"
وليس هذا هو الأسلوب المتبع في المصارف الإسلامية أصوليا، ولا عبرة بما شذ، كما هذه الصورة المنتقدة فيها شراء معلق والبيع والشراء لا يقبل التعليق ولا يقع، خلافا للبيع المضاف إلى زمن مستقبل حيث تلغى الإضافة ويقع البيع.
المواقف تجاه لزوم الوعد:
بما أن توصية المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي تركت الحرية لكل مصرف في الأخذ بلزوم الوعد أو عدمه فإن المصارف اختلفت مواقفها في هذا الشأن:
- فبعضها كالبنك الإسلامي الأردني أخذ بإلزام الوعد مطلقا.
- وبعضها كمصرف فيصل الإسلامي السوداني أخذ بالإلزام بالنسبة للمصرف دون العميل، وهو ما رأى الدكتور الضرير أنه أبعد عن الشبهة؛ لئلا تجعل المعاملة عقد بيع مرابحة قبل ملك البنك للسلعة إذا اعتبر ملزما للطرفين. .
- وبعضها كبيت التمويل الكويتي أخذ بالإلزام في المرابحات الخارجية، حيث تكثر المخاطر لعدم معرفة حال الواعد، والأخذ بعدم الإلزام في المرابحات الداخلية.
والحقيقة أن زوال الشبهة تماما هو في القول بعدم لزوم الوعد رغم ما يحف بذلك من المخاطر التي لا تخلو عنها طبيعة التجارة وأسلوب المرابحة أسلوب تجاري، وليس أسلوبا مصرفيا للتمويل دون مخاطر.
وقد رأينا في كلام الشافعي اشتراط الخيار لكل من الطرفين، كما رأينا في كلام المالكية إدراج صور من المرابحة في العينة المكروهة، أو المحظورة حسب الصيغة المتبعة فيها لموضع اللزوم الذي جعل الشراء كما لو كان لصالح الواعد، ثم يتقاضى منه زيادة عن المدفوع وهي نظير الأجل.
كما أن من صور هذه المواعدة بأنها عقد لم يحالفه الصواب؛ لأنه أعدم الفوارق بين العقد والوعد لمجرد توثيق الوعد ديانة أو قضاء في حين أن العقد يترتب عليه الحصول على ثمن المبيع، وبمجرد العقد.
والوعد لا يزيد عن الحصول على تعويض للضرر إن وقع، وللقضاء فيه مدخل ومجال. . .
وقد حان الآن الكلام عن قضية إدراج المرابحة في بيع العينة، وعن مسألة إلزام الوعد:
إدراج المرابحة في بيوع العينة:
للعينة صورة مشهورة وقع فيها خلاف بين الجمهور القائلين بحرمتها أو كراهتها تحريما وبين الشافعية القائلين بجواز العقد نظرا إلى اكتمال مقوماته وطرح ما التبس به من نية، وهذه الصورة هي أن يشتري شخص سلعة من مالكها بالأجل، ثم يبيعها إليه نقدا، وهناك صورة أخرى بكون الرغبة للحصول على المال لدى مالك السلعة نفسها حيث يبيع سلعته نقدا إلى شخص، ثم يشتريها منه بالأجل، وهاتان الصورتان لم تتبدل فيهما عين السلعة وعين العاقدين (البائع والمشتري) وهي تتخذ حيلة للاقتراض بفضل خال عن عوض وليس تمليك السلعة مرادا في الصورتين، بل المراد تحصيل السيولة لكن تحت اسم المبايعة.
ولا يخفى أنه لا علاقة حقيقة بين أسلوب المرابحة وبين العينة في تحقيق ما يراد من العينة من السلف الذي يجر نفعا دون أن يكون لأحد العاقدين غرض في تملك أو تمليك السلعة؛ لأن هناك سلعة لم تكن لدى كلا المتعاملين بأسلوب المرابحة، بل كانت لدى طرف ثالث (المصدر) وتم تملكها لأحدهما (المصرف) ، ثم بيعها بالأجل للمتعامل الآخر (الواعد بالشراء) ولم يقم المصرف بشرائها ثانية من الوعد بالشراء كما هو الحال في العينة حيث يكون الغرض الحصول على (العين) أي النقد، وليس الحصول على السلعة: ومن هنا جاءت تسمية هذه المعاملة قال الفيومي في المصباح المنير: " قيل لهذا البيع عينة؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا، وذلك حرام إذا اشترط المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن معلوم، فإن لم يكن بينهما شرط فأجازها الشافعي لوقوع العقد سليما من المفسدات، ومنعها بعض المتقدمين وكان يقول: هي أخت للربا.
والربط بين الاشتراط وبين الحرمة هو مذهب الشافعية خلافا للجمهور الذين لم يعلقوا الحرمة على هذا الاشتراط الملفوظ أو الملحوظ. فلو باعها المشتري من غير بائعها في المجلس فهي عينة أيضا لكنها جائزة بالاتفاق "، وهذا الصورة الأخيرة تسمى (التورق) " وهو الحصول على الورق، أي الفضة فهو بمعنى (العينة) التي هي الحصول على العين، أي النقد الحاضر من ذهب أو فضة.
ويبدو للمتأمل في مذهب المالكية أنهم اتجهوا وجهة مغايرة كل المغايرة لما أخذ به الشافعية من ربط الحرمة باشتراط الصفقة الثانية التي تعود بها السلعة إلى مالكها الأول، فالمالكية منعوا كثيرا من صور البيع على سبيل الحرمة أو الكراهة أو التورع لوجود الغرض المشابه لبيع العينة على تقدير أنه من الممكن اتخاذ صور من البيع ذريعة للربا، وسموها عِينة، وما أجازوها منه غيروا آثاره ونتائجه لإجراء تغيير في تكوينها مع أنها لا يقع فيها عود السلعة إلى مالكها الأول، ولكن لمجرد قابلية المجال لسلوك سبل أخرى كالقرض، فإذا لم يتم القرض وتم ما يغني عنه مع ترتب زيادة على أحدهما فهي من الذريعة للربا، وهم قد توسعوا في الذرائع.
وفيما يلي إيجاز ما أورده ابن رشد (الجد) في " البيان والتحصيل " وهو أصل لِمَا جاء في كتب المالكية التالية له حول تقسيم العينة إلى جائزة وهي إذا لم يقع تواعد بل مجرد استفادة البائع من وجود الرغبة، ومكروهة وهي إذا حصل تواعد على أصل الشراء والإرباح دون تحديد مقدار الربح، ومحظورة قال عنها ما نصه " وهي أن يقول الرجل للرجل: اشتر سلعة كذا وكذا بكذا وكذا، وأنا أشتريها منك بكذا وكذا، وهذا الوجه فيه ست مسائل تفترق أحكامها بافتراق معانيها " ثم سردها معقبا عليها بأحكام شتى، كالجواز، أو الكراهة " لوجود المراوضة التي وقعت بينهما في السلعة قبل أن تصير في ملك المأمور "، وقال في إحداها: " ويستحب له أن يتورع فلا يأخذ منه إلا ما نقد فيها " ولولا خشية الإطالة لأوردت كلامه بكامله فيرجع إليه من شاء (1) .
ومن هذا يتبين أن الممنوع هو ما كان فيه قرض بزيادة وظهر في صورة بيع. أما أسلوب المرابحة فهو بيع خالص ولو كان من الممكن أن يقرض البائع المشتري المبلغ الذي يتمكن به من الشراء لصالحه دون فرق الربح الذي حصل لموضوع التأجيل في الثمن، والأمر لا يعدو أن يكون من قبيل الورع والحذر من مشابهة من يتخذ صورة البيع حيلة للإقراض بالربا. . .
هذا وقد أورد الدكتور رفيق المصري على (أسلوب المرابحة) بصدد رفضه له أنه لا يخرج عن أسلوب (حسم الأسناد التجارية) قائلا: " فليس الحسم إلا نتيجة عملية مشابهة حيث يقوم البائع بالبيع لأجل مع زيادة السعر، ثم يتقدم إلى المصرف للحسم، فيأخذ الثمن النقدي، على أن يسترد المصرف الثمن المؤجل في الاستحقاق. والفرق بين العمليتين هو أن المصرف يمنح المال للبائع في حال الحسم، ويمنحه للشاري في حال " بيع المرابحة ". وهذا وإن كان (أي المصرف) يطالب الشاري بسداد الثمن عند الاستحقاق قبل الرجوع على البائع (بافتراض أن السند لم يظهر) أي وكأن المصرف في حال الحسم يمنح المال للبائع عوضا أو نيابة عن الشاري، فماذا يبقى من الفرق بين الحسم وما دعاه الدكتور حمود بالمرابحة. هذا مع أن المرابحة فرأينا (أي رأي د. المصري) ليست كما صورها الدكتور حمود.. أن بيع المرابحة يتم ضمن علاقة ثنائية بين البائع والمشتري فيما يريد أن يجعله الدكتور حمود ذا علاقة ثلاثية بإضافة المصرف الممول وهو في هذه الحالة عبارة عن قرض بفائدة يقدمه المصرف إلى الشاري والفائدة ليست إلا فرق السعرين: المؤجل والمعجل فهو يشبه بهذا نظام بطاقة الائتمان المعروف في الغرب. . . وإن هذه الصورة من بيع المرابحة للأمر بالشراء إنما تطابق صورة من بيع العينة المحرم.
(1) البيان والتحصيل لابن رشد (الجد) 7/86 - 89
وقد استكملت كل كلام الدكتور رفيق؛ لأنه أقسى وأغرب ما أثير على أسلوب المرابحة. وقبل مناقشة بعض ما جاء في كلامه عنه تجدر الإشارة إلى أن هذه النقطة التي وقف عندها طويلًا (وهي المشابهة بينه وبين الحسم) ليست كل ما أبداه من اعتراضات على أسلوب المرابحة، ففي دراسة قدمها في ورقة عمل إلى المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي أضاف إلى هذا الجانب أمورًا أخرى هي أنه من (بيعتين في بيعة) و (بيع ما ليس عند البائع) و (فيها سلف وزيادة) أي قرض مع فضل خال عن عوض. وقد سبق الكلام عن هذه الاعتراضات، وهي قد جاءت أيضًا في بحث للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير بصدد أسلوب المرابحة مع الإلزام بالوعد ونقلها على سبيل التشبيه واستند في ذلك إلى عبارة للباجي، وسبق تفصيل ذلك". (1) .
أما الجواب عن الجديد منها وهي (تشبيه أسلوب المرابحة بالحسم) فهو لا يلحق بأسلوب المرابحة أي ضير؛ لأنه تشبيه في الأثر والنتيجة مع إغفال الفروق الجوهرية في السبب الشرعي المقتضي التحريم في الحسم، والحل في المرابحة، فكم من صيغتين تشابهتا في تحقيق الغرض مع اختلاف المنهج والحكم.
ويلحظ أن الدكتور حسن الأمين – في بحثه عن أسلوب المرابحة (2) استرسل في تكييف هذا الاعتراض بما ربما لم يخطر على بال صاحبه وهو أن الحسم هو بيع بطريق الحوالة، وأن الحوالة مختلف فيها هل هي بيع أم وفاء ثم ضعف ذلك وأشار إلى أن عملية الحسم قرض وفيها مبادلة نقد بنقد زائد في مقابل الأجل على حين أن المرابحة تتضمن مبادلة سلعة بنقد، هذا ما ختم به الدكتور الأمين مناقشته لهذا الاعتراض وهو يغني عن كل ما سواه؛ لأن مرده إلى اختلاف السببين ما بين حلال وحرام.
ويضاف إلى هذا أنه لا صحة لكون العلاقة ثلاثية في المرابحة فقد اشتبهت على قائل ذلك المراحل المتعددة لأسلوب المرابحة وفي كل منها علاقة ثنائية، والمرابحة نفسها علاقة ثنائية بين الواعد والبنك، ثم بين البنك والمصدر، ثم بين البنك والعميل. . ثم كيف يسلم للدكتور رفيق المصري قوله: إن " الفائدة ليست إلا فرق السعرين المؤجل والمعجل " مع أن هذا الفرق إذا وقع خلال البيع حلال وهو نفسه مصرح بذلك. (3)
(1) أشكال وأساليب الاستثمار في الفكر الإسلامي بحث للدكتور الصديق الضرير في مجلة البنوك الإسلامية العدد (19)
(2)
الاستثمار اللاربوي في نطاق عقد المرابحة (بحث منشور في مجلة المسلم المعاصر العدد (35) .
(3)
بحثه: النظام الإسلامي خصائصه ومشكلاته ص 18، ويبدو أن الولع بنقد المرابحة أدى به إلى هذا القول المختلف عما سبق له أن قرره
رابعًا: جوانب تطبيقية شرعية للمرابحة:
توجد هناك لدى بعض المصارف جوانب شرعية تطبقت في المرابحة حتى أصبحت من لوازمها حسب الأسلوب المتبع عمليًّا مع أن هذه الجوانب ليست لازمة لأصل الأسلوب، فمن ذلك:
أ- أخذ العربون من الواعد:
وموجز الكلام في الحكم الشرعي للعربون أن الإمام أحمد قال بجوازه مستدلًّا بفعل عمر رضي الله عنه، وأن للعربون صورتين: أن يكون جزءًا مقدمًا من الثمن في حال تمام البيع على كل حال، ثم إما أن يعاد لدافعه إن لم تتم الصفقة، أو أن لا يعاد بل يؤخذ في حال العدول من دافعه عن إتمام الصفقة.
وما دام حكم العربون خلافيًّا وقد قام الدليل على جوازه ولم يصح الحديث في النهي عن بيع العربون، فوجوده في بيع المرابحة لا يختلف في الحكم عن وجوده في بيع المساومة، لكن بعض من تكلم في مسألة لزوم الوعد ربط بين العربون وبين هذا اللزوم الذي يفضل عدم وجوده، أبعادًا لصورة الوعد عن ملامح العقد المبرم، مع أن العربون ليس فيه مزيد إلزام في لزوم الوعد في ذاته بل هو في معنى التعويض عما لحق بالطرف الآخر من ضرر وليس حملًا على إبرام العقد، فإبرام العقد شيء، وبذلك المال تعويضًا عن ترك التعاقد شيء آخر.
وقد اختلفت صور العربون بعد شمول حالته للطرفين للواعد الذي سيؤول إلى مشتر، أو البائع. كما ظهرت صورة يدفع فيها الواعد عربونًا ثم إذا أخل بالتعاقد لا يرد إليه إلا إذا هيأ بمعرفته مشتريًا آخر بحيث لا يقع الضرر.
وقد يدفع الواعد قبل دخوله في المواعدة عربونًا للمصدر، ثم يأتي للمصرف الذي يبدي رغبته في شراء السلعة (التي هي موضوع المرابحة) فيفرج المصدر عن عربون الواعد، ثم يشتري المصرف السلعة ويبيعها مرابحة للعميل الواعد.
ب- أخذ الضمان من الواعد:
الأصل في الضمان (أي الكفالة) أن يؤخذ في الحق الذي وجب أو انعقد سبب وجوبه، وقد أجاز بعض الفقهاء ومنهم الحنفية والحنابلة أن يطلب الضمان لحق سيجب فيما بعد وسموا هذا (ضمان الدرك) ؛ لأنه لما سيدرك الشخص من حقوق عليه، كما سماه بعضٌ:(ضمان السوق) ؛ لأنه يحصل لتمكين غريب يريد العمل في السوق فيكفله تاجر معروف تجاه كل ما سيترتب بذمته وبذلك يعمل في السوق.
وبما أن المصرف الإسلامي يجري المرابحة عن طريق استيراد ما يحتاجه العميل، ومن خلال البيانات التي يقدمها العميل عن البضاعة وعن المصدر، وقد يكون في ذلك بعض التوريط للمصرف إذا تعامل مع مصدر لا يعلم جديته في التعامل وأمانته فيه، وقد يدفع له الثمن أو جزءًا منه – من خلال فتح الاعتماد - ثم لا يفي بما التزم تجاه المصرف، وحينئذ يحتاج الأمر إلى جهد كبير لاستخلاص المصرف حقه ومع هذا الجهد قد يرجع بخفي حنين، وهذا ما دعا بعض المصارف إلى أن تطلب من الواعد قيامه بكفالة المصدر – وهي معاملة مستقلة عن المرابحة وإن كانت قد أصبحت من إجراءات أسلوبها المتبع لدى بعض المصارف.
على أن الالتزام الذي تغطيه هذه الكفالة ليس هو التزام البيع بالمرابحة؛ لأنه لم يحصل بعد، وإنما هو نتيجة التزام مستقل، وهو التزام تبعي للالتزام الأصيل بين المصرف وبين المصدر الذي منه يتم الحصول على السلعة موضوع المرابحة.
ج- تخفيض الثمن بالسداد المبكر:
لا يخفى أن أسلوب المرابحة يشتمل على البيع بالأجل، والأجل في البيع له حصة من الثمن، لكنها مدمجة فيه وعليه لا يمكن شرعًا أن يزاد الثمن إذا زاد الأجل، كما لا يمكن أن ينقص إذا نقص الأجل.
وهاتان الحالتان من صور الربا في الجاهلية ويطلق على الأولى (زِدْنِي أُنْظِرْك) وعلى الثانية (ضع وتعجل) ..
وبما أن أسلوب المرابحة، بل بيع الأجل نفسه يتم في ساحة ترتبط فيها الأسعار بالفائدة وحساباتها الزمنية فإن من يشتري بالأجل لمدة ما، ثم يقوم بالسداد قبل مضيها يشعر أنه قد غبن؛ لأنه اشترى حالًّا بسعر الآجل، مما أدى بالمصرف المركزي بباكستان إلى إصدار تعليماته للمصارف بشأن التزام تخفيض الثمن في حالة السداد المبكر. (1)
ولا يخفى ما في ذلك من خلل شرعًا، بالرغم من وقوع الخلاف في قاعدة " ضع وتعجل " فإن ما استقر عليه الفقه منع الحط من الثمن المؤجل إذا تم تعجيله ما دام ذلك الحط بشرط ملفوظ أو عُرْف ملحوظ.
(خامسًا)
أساليب وصيغ طرحت في شأن المرابحة
لقد أتى على المصارف الإسلامية حين من الدهر لم تزل – إلى جانب خدماتها المصرفية - متشبثة في جوهر أعمالها الاستثمارية بالتجارة في ظل قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . [البقرة: 275]
فإن إقدامها على التجارة لا يحصل بالصورة التقليدية المتبعة في الأسواق والتي يصدق عليها قول القائل: (وفازَ باللذةِ الجسورُ) بل إنها – في ظروف استئمان أصحاب الأموال إياها ومناشدتهم لها بلسان الحال في مزيد الحرص على مصالح المودعين المستثمرين في سلامة رأس المال وريعه ما أمكن- لا تتردد في توفير أي ضمان أو أمان لا يخل بقاعدة الرحب الحلال المتمثلة في (الغرم بالغنم) و (الخراج بالضمان) ولا يوقع المتعامل في المحذور بظلم المراباة أو التجارة باختلال التراضي وحصول الخلابة.. والمصارف الإسلامية إن وجدت في (بيع المرابحة المسبوق بالمواعدة) واحة الأمان ليس لها أن تكتفي به؛ لما يعتري هذا الأسلوب من الاحتمالات الناشئة عن إلزامية الوعد وعدمها، ولكثرة الصور العملية التي تستدعي فيها الأسواق اتباع أسلوب المبادرة لتوفير ما يظن اتجاه الرغبات إليه، ولو كانت غير معينة ولا موثقة بالوعد المحترم.
(1) أشار إلى ذلك د. جمال الدين عطية في كتابه على البنوك الإسلامية.
أ- أسلوب (بيع المخابرة)
وتطبيقه للمصارف الإسلامية
المستند الشرعي:
أسلوب شرعي يحقق – في الأصل- التروي وتدبر العواقب لصاحب الخيار سواء كان هو المشتري ليرى هل يصلح له المبيع أو لا، أو البائع ليرى هل يناسبه الثمن أو لا، لكن الغاية الخاصة هنا هي حفظ خط الرجعة فيما إذا لم يف الواعد بوعده في شراء السلعة، التي سيتملكها (المصرف الإسلامي) بناء على هذا الوعد، ولا ضير من تعدد الغايات والمصالح من تصرف ما، ولا أثر لذلك على مشروعيته.
السابقة العلمية:
إن الإمام محمد بن الحسن الشيباني هو أول من أرشد إلى هذه الوسيلة سائلًا سأله (حقيقة، أو تقديرًا على سبيل التعليم) وقد سماها ذلك السائل (حيلة) بمعنى المخرج الشرعي أو الحل الموافق لحالة السائل. وفي ذلك أورد محمد بن الحسن في كتاب "المخارج" ص 37 على لسان من سأله قوله:
- أرأيت رجلًا أمر رجلًا أن يشتري دارًا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى الدار في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟
- قال: يشتري المأمور الدار، على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، ويقبضها، ويجيء الآمر إلى المأمور فيقول له: قد أخذت منك هذه الدار بألف درهم ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك. فيكون ذلك للآمر لازمًا، ويكون استيجابًا من المأمور للمشتري.
الخطوات العملية:
1-
يتلقى المصرف الإسلامي رغبة من عميله مع وعد بالشراء وهو إن كان لا يبالي – في الواقع- بمصير هذا الوعد، فإن من الضروري الإبقاء على جدية الوعد تفاديًا للدخول في المصفقة وإلغائها مما إذا تكرر يخل بسمعة المصرف كمستورد.
2-
يشتري المصرف السلعة الموعود بشرائها مع اشتراطه الخيار (حق الفسخ) خلال مدة معلومة يظن كفايتها للتوثق من تصميم الواعد على الشراء وصدور إرادته بذلك.
3-
يطالب العميل الواعد بتنفيذ وعده بالشراء فإذا اشترى السلعة باعه المصرف إياها وبمجرد موافقته على البيع يسقط الخيار الذي له.
مزايا هذا الأسلوب:
ليس الاستباق والتروي هو الأهم في مزايا أسلوب (بيع المخايرة) فإنه يتيح للمصرف الإسلامي الدخول في مبادرات لشراء ما يتوقع اتجاه الرغبات إليه، كما أنه يجعل المصرف الإسلامي جهة أصيلة في السوق حيث يتلقى رغبات البيع من المصدرين كما يتلقى رغبات الشراء من العملاء.
وهذا الأسلوب كان أول ما طرحته جوابًا عن مسألة أثيرت في إحدى جلسات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لبيت التمويل وقد شد انتباه رئيس مجلس إدارته بصفته رئيسًا لتلك الجلسات وعنصرًا مصرفيًا ضروريًا لاكتمال مداولاتها وحسن أداء مهامها فاقترح أن يكون أحد موضوعات الندوة الفقهية الأولى التي أقامها بيت التمويل الكويتي، وذلك لكي يمر بقنوات جماعية بحيث تستطلع الآراء الشرعية والفنية في تطبيقه وأدائه الدور المطلوب. وقد اشتملت الندوة على أربعة أبحاث في هذا الموضوع شاركت بأحدها وهو منشور ضمن أعمال الندوة المذكورة.
ولعل من لطيف التوافق أن هذا الأسلوب الذي يمكن اختصار تسميته بكلمتي (بيع المخايرة) سبق إلى تقريره وسيلة للأمان في الاستثمار الأمام محمد بن الحسن الشيباني، كما أن (بيع المرابحة للواعد بالشراء) – وموقعه معروف في أمان الاستثمار- قد سبق إلى الإبانة عنه الإمام الشافعي، مع أن الموضعين يمثل كل منهما بابًا أصيلًا بين أبواب فقه المعاملات. وهذا يزيد من الدلائل على ما في هذا التراث الفقهي من ثروة تشريعية لا تفتقر إلا للترتيب والمواكبة العصرية في صور التطبيق ومجالاته.
وفيما يلي بعض ما انتهت إليه الندوة في هذا الأسلوب تأكيدًا لموقعه رديفًا للمرابحة أو بديلًا لها حسب الرغبة:
الفتاوى والتوصيات الفقهية:
بشأن خيار الشرط وتطبيقه في معاملات المصارف الإسلامية
(1)
أحكام مختارة في خيار الشرط:
أ- خيار الشرط حق يثبت باشتراط المتعاقدين لهما أو لأحدهما أو لغيرهما، يخول من يشترط له إمضاء العقد أو فسخه خلال مدة معلومة.
ب- اشتراط الخيار كما يكون عند التعاقد يكون بعده باتفاق العاقدين.
جـ- يتم اشتراط الخيار بكل ما يدل عليه.
د- يمكن اشتراط الخيار في جميع العقود اللازمة القابلة للفسخ مما لا يشترط القبض لصحته، فيمكن اشتراطه في البيع والإجارة مثلًا، ولا يسوغ اشتراطه في الصرف والسلم وبيع المال الربوي بجنسه.
هـ- لا يجب تسليم البدلين (المبيع أو الثمن) في عقد البيع بشرط الخيار، ولكن يجوز قيام أحد العاقدين أو كليهما بالتسليم طواعية لا سيما بهدف التجربة والاختبار.
و ينتقل ملك المبيع إلى المشتري (المصرف الإسلامي مثلًا) بموجب العقد إذا كان الخيار له وحده.
ز- نماء المبيع في مدة الخيار يتوقف فيه إلى إمضاء البيع أو فسخه، فإن أمضى كان النماء للمشتري (المصرف) وإن فسخ كان للبائع.
حـ- إذا كان الخيار للمشتري وحده (المصرف) فإن تصرفاته، من بيع وإجارة ونحو ذلك، تصرفات صحيحة ناقلة للملك مسقطة للخيار ولو لم يسق ذلك التصرف قبض المصرف الإسلامي للسلعة ما لم تكن قوتًا.
ط- يسقط الخيار ويصبح العقد باتًا بمجرد انقضاء مدة الخيار إذا لم يصدر من المشتري (المصرف) فسخ العقد أو التصرف في السلعة.
ى- لا يشترط قيام المشتري (المصرف) بإعلام البائع بإبرامه للعقد أو فسخ له، لأن البائع بموافقته على جعل الخيار للمشتري خوله صلاحية اختيار الإمضاء أو الفسخ خلال المدة المعينة.
ك- يضمن المشتري (المصرف) المبيع إذا قبضه وتلف مدة الخيار.
(2)
تقديم صورتين لخيار الشرط للممارسة:
يمكن تطبيق إحدى الصورتين التاليتين:
الأولى: بناء على رغبة ووعد بالشراء:
أ- يتلقى المصرف الإسلامي رغبة من عميله مع وعد بالشراء، وهو وإن كان لا يبالي –في الواقع- بمصير هذا الوعد، فإن من الضروري الإبقاء على جدية الوعد، تفاديًا للدخول في الصفقة بدءًا ثم إلغائها انتهاءً، مما إذا تكرر يخل بسمعة المصرف كمستورد.
ب- يشتري المصرف السلعة الموعود بشرائها مع اشتراط الخيار له (حق الفسخ) خلال مدة معلومة تكفي عادة للتوثق من تصميم الواعد على الشراء وصدور إرادته بذلك.
جـ- يطالب المصرف الواعد بتنفيذ وعده بالشراء فإذا اشترى السلعة باعه المصرف إياها، وبمجرد موافقته على البيع يسقط الخيار.
الثانية: المبادرة لتوفير سلع مرغوبة في السوق:
أ- يشتري المصرف الإسلامي سلعة من الأسواق المحلية أو العالمية مع اشتراطه الخيار (حق الفسخ) خلال مدة معلومة تكفي عادة للتوثق من وجود راغبين يبرم معهم عقودًا على تلك الصفقة.
ب- يحق للمشتري (المصرف) أن يبرم عقودًا على تلك الصفقة مع الراغبين في شرائها وبمجرد إتمام العقد ينتهي الخيار.
من المراجع المستخدمة في البحث
أ- من كتب الفقه:
- الأم للإمام الشافعي
- المغني لابن قدامة
- المبسوط للسرخسي
- مواهب الجليل للحطاب
- البيان والتحصيل، لابن رشد الجد
- بداية المجتهد لابن رشد الحفيد
- المخارج في الحيل، لمحمد بن الحسن الشيباني
ب- من كتب أنشطة المصارف الإسلامية:
- تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، د. سامي حسن حمود
- الأعمال المصرفية التي يزاولها بنك دبي.
- أعمال مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني، بيت التمويل الكويتي.
- البنوك الإسلامية، للدكتور جمال الدين عطية
- قرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول، بنك دبي
- قرارات ندوة البركة الأولى
- فتاوى وتوصيات الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي.
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار فلي البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات:
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب / البنك الإسلامي للتنمية / جدة.
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407هـ
18/6 – 21/6/1987م
بحث الدكتور حاتم القرنشاوي
عن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق عقد المرابحة
مقدمة:
عقود المرابحة هي إحدى صيغ التوظيف التي تستأثر بجانب رئيسي من التمويل الذي تقدمه البنوك الإسلامية في الوقت الحالي حيث تتراوح نسبة التوظيف قصير الأجل في تلك البنوك –وعماده المرابحات - بين 40 % - 60 % من إجمالي التوظيفات في المتوسط.
ومضمون بيع المرابحة أن يقوم البنك بشراء سلعة ما بناء على طلب عميل ويعرضها للبيع بالثمن الذي اشتريت به مع زيادة ربح معلوم للبائع والمشتري فيدفع المشتري الثمن مضافًا إليها لربح الذي يتفقان عليه.
وفي التطبيق العملي فإن العميل يتقدم للبنك طالبًا شراء سلعة معينة تحدد مواصفاتها بدقة وقد يحدد مصدرها ويعد بشرائها بتكلفتها زائد ربح يتفق عليه. وقد يطلب البنك دفع جانب من الثمن (عربون) مقدمًا عند طلب الشراء ويقوم البنك بعد ذلك بالحصول على السلعة إن لم تكن متاحة لديه ويعرضها للعميل الذي يشتريها بحسب ما اتفق عليه أو قد يرفضها. وقد يتفق على أن يتم دفع كامل ثمن السلعة أو المتبقي منه مضافًا إليه ما اتفق عليه من ربح عند توقيع عقد البيع واستلام السلعة وقد تكون مرابحة لأجل- وهي الصورة الأعم في بعض البنوك- بحيث يتم دفع باقي القيمة على أقساط يتفق على مواعيد استحقاقها.
وقد ثارت حول عقد المرابحة –وما زالت- العديد من التساؤلات الفقهية والاقتصادية والتطبيقية. فمن الناحية الفقهية أثيرت التساؤلات حول شرعية العقد ذاته ومدى شرعية إلزام المشتري بوعده بالشراء ومن ثم جواز إلزامه بالتعويض في حالة تحمل البنك لأية خسائر قد تنتج عن عدم التزام المشتري بوعده وكذلك أثيرت التساؤلات حول جواز الربط بين بيع المرابحة والبيع لأجل وجواز قبض العربون ومدى حق المشتري فيه إن عدل عن وعده بالشراء. وكذلك فيما يجوز حسابه ضمن الثمن الذي يحتسب الربح على أساسه وهل يحتسب الربح كنسبة أو كقيمة. وهي كلها تساؤلات لها انعكاساتها التطبيقية فضلًا عن جانبها الفقهي.
ومن الناحية الاقتصادية فقد أثار توسع البنوك الإسلامية في عمليات المرابحة تساؤلات حول مدى جدية هذه البنوك في تدعيم جهود التنمية الاقتصادية في البلاد الإسلامية والتي تتطلب توجيه جانب متزايد من مواردها لعمليات الاستثمار الإنتاجي وهو طويل الأجل بالضرورة. وعن تأثير ذلك من الناحية الاجتماعية على ترسيخ قيمة الربح السريع وتجنب المخاطرة وهو ما قد يتعارض مع قيم إسلامية أخرى.
وبطبيعة الحال لن تعرض هذه الورقة - ولا تستطيع - لكل هذه التساؤلات التي ما زال بعضها موضع أخذ ورد والتي سيتم مناقشة جانب رئيسي منها في أوراق بحثية أخرى مقدمة لهذه الندوة وإنما ستحاول أن تفتح الباب لحوار مثمر – إن شاء الله- حول بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتطبيق عقد المرابحة والإطار المحاسبي لتلك العقود.
أولًا: الآثار الاقتصادية لتطبيق عقد المرابحة:
لا خلاف على أن لصيغة المرابحة جوانب إيجابية عديدة لعل أهمها يتمثل في توفير بديل "شرعي" لعمليات التمويل الربوي قصير الأجل الذي تقدمه البنوك التقليدية وكذلك في تأمين انسياب السلع المطلوبة للمجتمع بتكلفة نهائية يمكن أن تكون أقل مما هي عليه في حالة التمويل بالفائدة. وكلا الهدفين لازم لحركة النشاط الاقتصادي ولخدمة جماهير المستهلكين.
ولكن الذي يمكن أن يثور حوله الخلاف هو الشروط والضوابط التي يمكن من خلالها تجنب المزالق التي نشأت في بعض الأحيان ليس من المرابحة كصيغة شرعية للتعامل –في حدودها المتفق عليها- وإنما في طريقة تطبيقها ومداه. وبصورة أكثر تحديدًا فإننا يمكن أن نبرز ما يلي:
1-
نظرًا لأن صيغة المرابحة قد قدمت للبنوك الإسلامية صورة للتوظيف أقرب ما تكون شكلًا لصيغة الائتمان القصير التقليدية من حيث انخفاض درجة المخاطرة نتيجة توافر درجة عالية من الضمانات – وخاصة في حالة الأخذ لإلزام طالب الشراء بوعده وأخذ العربون وعد رده كليًا أو جزئيًا مقابل الضرر الذي قد ينشأ- وكذلك سرعة دوران رأس المال أدى ذلك كله إلى إقبال تلك البنوك على توجيه كم متزايد من أموالها لتلك الصيغة.
2-
ساهم عدم توافر الكفايات المهنية اللازمة لدراسة مجالات المشاركة الدائمة أو المتناقصة، واتخاذ القرار بشأنها وعدم الرغبة –أو المقدرة- على تحمل مسئولية ذلك القرار ساهم ذلك كله في تدعيم الاتجاه نحو توظيف كم متزايد من الأموال في عمليات المرابحة وكان ذلك بالضرورة على حساب التوظيف طويل الأجل ومتوسط الأجل.
3-
أدت رغبة البنوك الإسلامية –أو بعضها- في الدخول في منافسة غير مطلوبة ولا مرغوبة مع البنوك التقليدية في مجال العائد الذي يحصل عليه العميل ومدى دورية ذلك العائد ليس فقط إلى توجيه الأموال للمرابحات وإنما لتوجيه جانب ليس بالبسيط منها إلى تمويل عمليات شراء السلع نصف الكمالية والكمالية حيث يكون هامش الربح الممكن الحصول عليه أعلى ودرجة المخاطرة أقل كما في حالة السيارات التي تظل قانونًا مملوكة للبنك حتى تمام السداد. وقد كان ذلك بطبيعة الحال على حساب ما يمكن توجيهه للسلع الضرورية ذات هامش الربح المنخفض فضلًا عن تفضيل المرابحات ذات المدى الزمني القصير ما أمكن أو فرض معدلات ربح عالية مقابل الأجل وهو ما أثار بالضرورة تساؤلات لا ترتبط فقط بالشرعية بل بطبيعة البنوك الإسلامية ذاتها.
4-
ارتبط التطبيق أيضًا في نماذج عديدة منه بتفضيل ضمني لتمويل عمليات شراء السلع المستوردة لأسباب عديدة منها نمطيتها وسهولة تحديد مواصفاتها وانخفاض درجة المخاطرة فيها نسبيًا ولازدياد درجة تحكم البنك في تدفقها وسهولة تصريفها بالمقارنة بالسلع المحلية في بعض البلاد.
ومؤدى ذلك كله أن تضاءل نشاط البنوك الإسلامية –أو انعدم- في مجال تمويل المضاربات وكذلك تمويل المشاركات الدائمة أو المتناقصة وتحول هيكل الموارد تدريجيًا إلى موارد قصيرة الأجل في المقام الأول وتعرضت عديد من البنوك الإسلامية في البلاد التي تعاني من مشاكل في موازينها التجارية –إلى عديد من المخاطر غير المحسوبة والتي نشأت من وضع قيود على عمليات الاستيراد أو من تقلبات في أسعار العملات أدت لعجز المدينين عن السداد أو نتيجة لتزايد الديون المعدومة التي ترتبت على اندفاع بعض البنوك في القيام بعمليات المرابحة دون دراسة دقيقة مسبقة –وتحت افتراض أن هناك من الضمانات ما يكفي- مما أدى لاستغلال ثغرات العمل أو العقود.
والأهم من ذلك كله هو تدني الأثر الكلي لنشاط البنوك الإسلامية على الاقتصاد القومي حيث انصرف ذلك النشاط إلى تمويل التجارة- وهي نشاط مشروع ومطلوب- ولكن على حساب الأنشطة الأخرى ولم يكن ذلك مطلوبًا خاصة في المجتمعات التي تعاني في المقام الأول من قصور هياكلها الإنتاجية ومن حاجتها الملحة إلى إيجاد فرص عمل منتجة لمواطنيها. ولا شك أن مثل ذلك الأثر السلبي لسيطرة توظيفات المرابحة سيتفاوت حسب طبيعة المجتمع وتكوينه والأهمية النسبية لقطاعاته الاقتصادية ومدى التوازن بينها وفرص الاستثمار المتاحة فيه.
ثانيًا: بعض الجوانب الاجتماعية وأخلاقيات العمل المرتبطة بتطبيق عقود المرابحة:
يرتبط تطبيق عقد المرابحة بمجموعة من المتطلبات السلوكية والأخلاقية التي تعكس الاشتراطات الإسلامية في مشروعية وطيب عائد النشاط الاقتصادي، فالتطبيق المقبول شرعًا لعقد المرابحة يتطلب فضلًا عن سلامة العقد:
1-
الأمانة وعدم الخيانة أو التحايل حيث إن مدار تحديد الربح وما يلحق به ومن ثم كان هذا الأمر مدار بحث وتدقيق من الفقهاء فيما يترتب على عدم الأمانة في تحديد الثمن أو في مكوناته أو في التحايل على ذلك ببيع السلعة صوريًا ثم شرائها وغير ذلك.
2-
جدية البائع والمشتري وترسيخ سلوك الوفاء بالعهد والالتزام بالوعد خلقًا وليس بالضرورة قضاءً.
3-
ضرورة إظهار عيوب المبيع أو ما يكره فيه إن علمها البائع قبل التسليم وإن خفيت على المشتري وهو ما قد يندرج تحت باب أمانة التعامل.
4-
الالتزام الديني حيث قد يداخل تحديد الربح أو مقابل الأجل في حالة المرابحة لأجل شبهة استخدام الفائدة الدائنة في البنوك التجارية أو التسهيلات البنكية الأخرى في احتساب " الربح " وهو ما ينقل العملية من دائرة الحل إلى الشبهة المحرمة إن لم يكن إلى الحرمة ذاتها.
ومن ناحية أخرى فإن التطبيق المصرفي السليم لعمليات المرابحة يتطلب خلافًا لما قد يسود لدى بعض العاملين بالبنوك الإسلامية- درجة عالية من المعرفة لظروف السوق وتطور الطلب على السلع المختلفة فيه وجهازًا فنيًا قادرًا على تحليل المناخ العام للسوق واتجاهات السياسة الاقتصادية في الأجل القصير والطويل وشبكة مصادر المعلومات لتأمين ما يكفي من بيانات عن المصادر البديلة للسلع ومواصفاتها وأسعارها فضلًا عن الاستعلامات المطلوبة عن العملاء طالبي التمويل. وتوافر ذلك يعني إمكانية قيام البنك بدوره المفترض كتاجر –وليس كممول فحسب- يحصل على السلعة من أفضل مصادرها بأقل تكلفة ممكنة وأفضل شروط متاحة مما يعني توفيرها للعميل بكل هذه المزايا فضلًا عن تأمين ربحه وتقليل المخاطر غير المحسوبة التي قد تنشأ من قصور المعلومات عن العميل أو عن ظروف السوق المحلي وهو ما يخل بدور البنك "كمضارب" في أموال المودعين. ولا شك أن توافر الأفراد القادرين على القيام بهذه المهام إنما يندرج كذلك في باب أمانة التعامل حيث إن العميل هنا –خاصة في حالة إلزامه بوعده بالشراء- إنما يقبل الثمن الذي يحدده البنك بناء على كل ما تكلفه بالفعل فإن لم يكن قد تحرى كل السبل التي تكفل له الحصول على أفضل الأثمان وأحسن الشروط اعتمادًا على التزام العميل فقد شاب تعامله في رأينا- الكثير.
وبعيدًا عن تلك المتطلبات الأساسية التي أشرنا لبعضها فإن الصورة التي تم بها تطبيق صيغة المرابحة في الواقع العملي قد أسفر عن بعض الآثار السلوكية السلبية التي انعكست على مودعي البنوك الإسلامية ومتخذي القرار فيها في الوقت ذاته. ولعل من أهم تلك الآثار السلبية هو ترسيخ سلوك انتظار الربح السريع لدى المودعين من ناحية وسلوك تجنب المخاطر – أو ما يتصور أنه تجنب مخاطر- مع الرغبة في زيادة هامش الربح ما أمكن لدى متخذي القرار في البنوك الإسلامية وهو ما أدى بالتالي إلى سيادة معيار للتقييم يرتكز أساسًا على معدلات الربح المحققة بمعرفة البنك دون ما نظر إلى غيرها من المعايير الأخرى مثل الإسهام في تحقيق "مجتمع المتقين" الذي يسعى إليه العمل الإسلامي أو توفير فرص العمل للمحتاجين أو غيرها مما ينبغي أن تكون مكونات أساسية في دالة ربح البنك والمودع على حد سواء.
وقد أدى تفشي هذا السلوك – الذي انعكس في توجيه جانب متزايد من الموارد المتاحة لعمليات المرابحة قصيرة الأجل- إلى عدم توجيه الجهد الكافي لتكوين الكادرات الفنية القادرة على العمل في مجال التوظيفات متوسطة الأجل وطويلة الأجل وهي عصب جهاز الاستثمار الذي يتصف بضعفه الشديد في معظم البنوك الإسلامية ومن ثم بدا الأمر وكأنه يدور في دائرة مغلقة فتوجه الموارد إلى التوظيف نتيجة للرغبة في الربح العالي ذو درجة المخاطرة القليلة- مما انعكس على عدم الاهتمام بجهاز الاستثمار وهو ما أدى بالتالي إلى صعوبة توجيه الموارد للتوظيف الطويل وإن وجدت النية ومن ثم توجيه مزيد من الموارد للتوظيف القصير.
ثالثًا: بعض الملاحظات حول الإطار المحاسبي لعقد المرابحة:
تثير دراسة الإطار المحاسبي لعقد لمرابحة مجموعة من النقاط الأساسية يمكن تحديدها فيما يلي:
1-
تحديد ثمن شراء السلعة وما يتم تحميله عليه.
2-
تحديد هامش الربح الذي سيحصل عليه البنك.
3-
حساب ثمن بيع السلعة للآمر بشرائها وهو محصلة إضافة 1، 2.
4-
معالجة طرق سداد الثمن.
1-
تحديد ثمن شراء السلعة وما يتم تحميله عليه:
وهنا يتطلب الأمر وجود قيود محاسبية مستقلة لكل عملية مرابحة تتحدد فيها كافة المصاريف المباشرة المتعلقة بعملية شراء السلعة ونقلها إلى مقر البنك وكذا التحديد الواضح لنصيب العملية من المصروفات الإدارية إذا ما أمكن احتسابها بصورة دقيقة وإلا فإننا نميل إلى اعتبار تلك المصروفات من بين مبررات الربح الذي يحصل عليه البنك نظير قيامه بالعملية ومن ثم فإن إدخاله في الاعتبار عند تحديد الثمن الذي يضاف إليه هامش الربح قد يعني ازدواجية في الحساب. وجدير بالذكر أن الأمر قد يتطلب إعادة تقويم السلعة في تاريخ عقد البيع إذا ما كان البنك قد حصل عليها نفسه عن طريق مرابحة لأجل ومن ثم لا يجوز تحميل المشتري بالزيادة الناشئة عن الأجل.
2-
تحديد هامش الربح الذي سيحصل عليه البنك:
قد يكون من الأفضل في هذا الشأن خلافًا لما جرى عليه العمل في بعض المصارف أن يتم الإعلان عن هامش الربح الذي يرغب البنك في تقاضيه عن المجموعات السلعية المختلفة والذي يكون أساسًا للتعاقد في حالة الرضا –بين الطرفين وبطبيعة الحال فإن هذا الهامش ينبغي تعديله بصورة دورية في ضوء ما يطرأ من تغييرات في السوق أو في المناخ الاجتماعي أو الاقتصادي وليس على أساس التباين بين العملاء.
ومن ناحية أخرى فإننا نميل إلى ما انتهى إليه بعض الباحثين من ضرورة الفصل بين هذا الهامش وبين ما يحصل عليه البنك من زيادة في الثمن مقابل الأجل وان يحدد لذلك هامش مستقل يسترشد في تكوينه بمتوسط العائد من توظيفات البنك ومن متوسط العائد في السلعة موضع التعاقد.
وفي كل الأحوال ينبغي أن يضع البنك في اعتباره ذلك التوازن المطلوب –والمفتقد أحيانًا- بين الرغبة في تعظيم الربح وبين الوظيفة المجتمعية للبنك الإسلامي.
3-
حساب ثمن بيع السلعة:
وهو ما سيأتي كمحصلة لتحديد تكلفة الشراء وإضافة هامش الربح وهامش الآجل.
4-
طرق سداد الثمن:
ينبغي في هذه النقطة أخذ القيمة الحقيقية للعربون أو المقدم الذي دفعه العميل عند طلب الشراء بمعنى أنه من غير المقبول أن يحتسب البنك لنفسه زيادة في الربح مقابل الأجل ثم يعامل طالب الشراء بالقيمة الاسمية لما دفعه قبل التعاقد بشهور عند احتساب المتبقي من الثمن- وفي هذا قد يقترح إيداع المقدم أو العربون كوديعة استثمارية تحتسب أرباحها طول فترة ما قبل التعاقد على البيع ونضفي تلك الوديعة عند التعاقد وتستخدم في السداد الفوري أو كقسط أول في حالة المرابحة لأجل. ولا شك أنه في الحالة الأخيرة يظل العميل مدينًا بقيمة الأقساط ويحمل بها حسابه حتى تمام السداد. ويتعلق بهذه النقطة أمران: أولهما يرتبط بطبيعة التعامل مع العربون أو المقدم في حالة عدول العميل عن الشراء وهنا تختلف المعالجة طبقًا للتفسير الفقهي الذي يأخذ به البنك فإن كان يأخذ بصيغة الوعد الملزم فإنه يحتفظ بحساب العربون حتى يتم تصريف السلعة ويخصم منه ما قد يتحمله البنك من خسارة وأما إذا أخذ بثبوت الخيار للعميل وللبنك فإنه سيقوم في هذه الحالة برد العربون للعميل دون ما خصم.
والأمر الثاني يتعلق بما أثير من ضرورة أخذ قيمة النقود لا عددها في الاعتبار عند تحديد الثمن وعند السداد وكذلك عند التأخر فيه والرأي أن مثل هذا الأمر فيه من التحفظات الشرعية ما يتطلب مزيد بحث ودراسة فضلًا عن أنه يدخل ضمن المخاطر التجارية التي ينبغي أخذها في الاعتبار عند تحديد الثمن في البيع الآجل عمومًا ومن ثم فقد يكون الأيسر والأحوط أن يلتزم الطرفان بما يتم الاتفاق عليه من ثمن وأقساط عند التعاقد وأن يوجه مزيد من البحث خاصة لرأي ابن عابدين وغيره من الفقهاء المحدثين في هذا الأمر.
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات".
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب / البنك الإسلامي للتنمية / جدة.
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407 هـ
18/6 – 21/6/1987 م
بحث السيد موسى شحادة
عن
"تجربة البنك الإسلامي الأردني"
بسم الله الرحمن الرحيم
خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية
الجوانب التطبيقية والقضايا والمشكلات
تجربة البنك الإسلامي الأردني
مقدمة:
تهدف هذه الورقة إلى تقديم تجربة البنك الإسلامي الأردني في تطبيق عقد المرابحة من الناحية العملية والصعوبات التي تعترض هذا التطبيق مع الإشارة إلى خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنك.
ولعل من المناسب قبل شرح هذه التجربة وتفصيلها ونطاق تطبيقها، الإشارة إلى بعض المعلومات والبيانات عن البنك وأهدافه وخطط الاستثمار فيه وذلك حسب متطلبات الورقة التي حددت إطار هذا البحث.
تأسيس البنك:
تأسس البنك بموجب قانون خاص مؤقت صدر في عام 1978 وتفضلت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية بإصداره كقانون دائم عام 1985. ومن الجدير بالذكر أن قانون البنك ونظامه الأساسي قد دُرِسَا من قبل لجنة من العلماء وذلك قبل إقراره. وقد سجل البنك كشركة مساهمة برأسمال مقداره أربعة ملايين دينار أردني، وتم في عام 1986 رفع رأسماله إلى (6) ملايين دينار.
أهداف البنك:
حدد القانون وجوب التزام البنك باجتناب الربا –في الأخذ والإعطاء- وأكد أن هذا الالتزام مطلق في جميع الأحوال والأعمال، وأن أنظمة البنك ولوائحه وتعليماته الصادرة فيه -خلافًا لموجبات هذا الالتزام- تعتبر غير نافذة في حق البنك له أو عليه.
كما حددت مواد قانونه إلى أن البنك يهدف إلى تغطية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية في ميدان الخدمات المصرفية وأعمال التمويل والاستثمار المنظمة على غير أساس الربا، مع الإشارة بوجه خاص إلى الغايات التالية:
أ- توسيع نطاق التعامل مع القطاع المصرفي عن طريق تقديم الخدمات المصرفية غير الربوية مع الاهتمام بإدخال الخدمات الهادفة إلى إحياء صور التكافل الاجتماعي المنظم على أساس المنفعة المشتركة.
ب- تطوير وسائل اجتذاب الأموال والمدخرات وتوجيهها نحو المشاركة في الاستثمار بالأسلوب المصرفي غير الربوي.
جـ- توفير التمويل اللازم لسد احتياجات القطاعات المختلفة، ولا سيما تلك القطاعات البعيدة عن إمكان الإفادة من التسهيلات المصرفية المرتبطة بالفائدة.
اختصاصات البنك:
ولتحقيق الأهداف المذكورة فقد سمح للبنك بممارسة العمل في المجالات التالية:
1-
الأعمال المصرفية غير الربوية:
يمارس البنك سواء لحسابه أو لحساب غيره في داخل المملكة وخارجه جميع أوجه النشاط المصرفي المعروفة أو المستحدثة مما يمكن البنك أن يقوم به في نطاق التزامه المقرر ويدخل في نطاق النشاط ما يلي:
أ- قبول الودائع وفتح الحسابات الجارية وحسابات الإيداع المختلفة وتأدية الشيكات وتقاصها وتحصيل الأوراق التجارية، وتحويل الأموال، وفتح الاعتمادات المستندية وإصدار الكفالات وخطابات الضمان وبطاقات الائتمان وغير ذلك من الخدمات المصرفية.
ب- التعامل بالعملات الأجنبية بيعًا وشراء على أساس السعر الحاضر.
جـ- إدارة الممتلكات وغير ذلك من الموجودات القابلة للإدارة على أساس الوكالة بالأجر.
د- القيام بدور الوصي المختار لإدارة التركات وتنفيذ الوصايا.
هـ- القيام بالدراسات الخاصة لحساب عملائه وتقديم المعلومات والاستشارات المختلفة.
2-
الخدمات الاجتماعية:
القيام بدور الوكيل الأمين في مجال تنظيم الخدمات الاجتماعية الهادفة إلى توثيق أواصر الترابط بين مختلف الجماعات والأفراد؛ لتقديم القروض الحسنة للغايات الإنتاجية والاجتماعية، وإنشاء وإدارة الصناديق المخصصة لهذه الغايات، وكل ما يلزم من أعمال من أجل هذه الغايات المستهدفة.
3-
أعمال التمويل والاستثمار:
يقوم البنك بجميع أعمال التمويل والاستثمار على غير أساس الربا وذلك من خلال الوسائل التي تمكنه من تحقيق أهدافه ومنها:
أ- تقديم التمويل اللازم –كليًّا أو جزئيًّا- في مختلف الأحوال والعمليات ويشمل أشكال التمويل بالمضاربة والمشاركة، وبيع المرابحة وغير ذلك من صور مماثلة.
ب- توظيف الأموال التي يرغب أصحابها في استثمارها المشترك مع سائر الموارد المتاحة لدى البنك وفق نظام المضاربة المشتركة، وكذلك القيام بتوظيف الأموال حسب الاتفاق الخاص بذلك.
جـ– استثمار الأموال في مختلف المشاريع.
د- تأسيس الشركات في مختلف المجالات وتملك الأموال المنقولة وغير المنقولة واستثمارها واستئجارها وتطويرها في مجالات مختلفة: زراعية وصناعية وإسكان وغيرها.
مباشرة البنك للعمل:
باشر الفرع الأول للبنك أعماله في شهر أيلول (سبتمبر) عام 1979 في مدينة عمان، وتم وضع خطة للتفرع بهدف إيصال الخدمات إلى كافة المواطنين في أنحاء المملكة، وأصبح للبنك الآن اثنا عشر فرعًا تنتشر في مناطق الأردن الأكثر ازدحامًا بالسكان والأكثر نشاطًا من الناحية الاقتصادية. وقد استطاع البنك من خال فروعه، أن يستقطب خلال سبع سنوات من عمله ودائع بلغت حتى نهاية عام 1986 حوالي (128) مليون دينار أردني منها 100 مليون دينار في حسابات الاستثمار المشترك، كما بلغت استثماراته في مجالات الاستثمار المختلفة حتى نهاية الفترة المذكورة، حوالي (95) مليون دينار أردني، وبلغ عدد عملائه حوالي (80) ألف عميل.
البيئة التي يعمل فيها البنك:
يعمل في الأردن الآن (16) مصرفًا ومثلها كشركات مالية وعقارية تقبل الودائع. وبالرغم من أنه كان آخر مصرف باشر عمله في المملكة، إلا أنه أصبح يحتل، مع نهاية عام 1986، المرتبة الرابعة بين البنوك الأردنية من حيث مجموع الموجودات ومن حيث مجموع الودائع، ومن حيث مجموع الاستثمارات، وذلك بالرغم من قصر المدة التي أنشئ فيها ويبلغ رأس مال البنك واحتياطياته ومخصصاته في الوقت الحاضر حوالي 9.8 مليون دينار يضاف إلى ذلك 2.7 مليون دينار كمخصص لمخاطر الاستثمار.
العلاقات مع البنوك المحلية والأجنبية:
استطاع البنك خلال الفترة الماضية وضع أسس التعامل مع البنوك المحلية وفق قانونه وتطبيقاته الخالية من الربا. كما تم إقامة علاقات مع المصارف الخارجية وفق نفس الأسس. ومن الجدير بالذكر أن البنك يتبع سياسة إقامة شبكة المراسلين في الخارج مع البنوك الإسلامية أولًا، وإذا تعذر وجودها في بلد ما فإنه يتجه إلى البنوك الأخرى التي تفهمت تطبيقات البنك وأسس تعامله وقبلت التعامل معه وفق هذه الأسس.
العلاقات مع البنك المركزي الأردني:
يمارس البنك الأعمال المصرفية المختلفة حسب الأعراف والقواعد المتبعة لدى البنوك المرخصة في المملكة وذلك باستثناء ما يتعارض منها مع التزام البنك المقرر بالسير في تعامله على غير أساس الربا.
كما يتقيد البنك –في مجال ممارسته لنشاطه المصرفي- بكل ما تتقيد به البنوك المرخصة من ضوابط بما في ذلك الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي المقرر والمحافظة على نسب السيولة اللازمة لحفظ سلامة مركز البنك، وحقوق المودعين والمستثمرين والمساهمين، كما يتقيد البنك بالتعليمات الصادرة للبنوك فيما يتعلق بتنظيم الائتمان ونوعيته وتوجيهه في الإطار المطلوب للتنمية الوطنية.
ومن الجدير بالذكر أن البنك الإسلامي، وحسب تطبيقات البنك المركزي الأردني، لا يستطيع حتى الآن الاستفادة، كما تستفيد المصارف الأخرى، من التسهيلات التي يقدمها البنك المركزي كملجأ أخير لتلك البنوك عند الحاجة إلى السيولة السريعة، كما أنه لا يستفيد من تعليمات إعادة الخصم أو تشجيع التصدير وغيرها بسبب عدم وجود المنافذ في تلك التعليمات خارج إطار الفائدة. ويأمل البنك الإسلامي أن تتاح له فرصة المساواة مع البنوك الأخرى ليتمكن من زيادة توجيه استثماراته نحو متطلبات التنمية ولمدد أطول مما هو مطبق حاليًا لدى البنك الإسلامي، وتجنبًا لاستمرار تعطيل نسبة عالية من سيولته بسبب ذلك.
القوانين والأنظمة التي تحكم علاقاته بالآخرين:
باستثناء ما ورد في قانون البنك الإسلامي الخاص، فإن العديد من القوانين ما زالت تعيق حرية تطبيقات البنك وقد أشرت سابقًا إلى الامتياز الذي تمتاز به البنوك الأخرى في مجال استفادتها من تسهيلات البنك المركزي. كما أن بعض القوانين الأخرى تعيق تطبيقات البنك وتجعل تكلفة تعامل الناس معه مرتفعة كقانون رسوم تسجيل الأراضي وغيره من قوانين الرسوم، وسنتعرض إلى إيضاح هذه الناحية في تطبيقات عقود المرابحة وبيان أثرها على تعامل العملاء مع البنك الإسلامي.
مصادر الأموال:
تتكون موارد البنك من مصادر ذاتية، وتتمثل في رأسمال البنك واحتياطياته وتشكل هذه النسبة حاليًا 10 % من مصادر الأموال، وأما الجزء الأكبر فيتمثل في الموارد من الودائع الائتمانية وحسابات الاستثمار وتشكل هذه الموارد حاليًا 90 %، والحسابات في البنك الإسلامي الأردني ثلاثة أنواع رئيسية هي:
أ- حسابات الائتمان:
وهي عبارة عن الودائع (الجارية وتحت الطلب) التي يتسلمها البنك على أساس تفويضه باستعمالها وله غنمها وعليه غرمها، ولا تكون مقيدة بأي شرط عند السحب أو الإيداع.
ب- حسابات الاستثمار المشترك:
وهي الحسابات التي يتسلمها البنك من الراغبين في مشاركته فيما يقوم به من تمويل واستثمار على أساس المضاربة المشتركة مقابل حصول هذه الحسابات على نسبة من الربح المتحقق خلال السنة المالية ذات العلاقة وهذه الحسابات هي حسابات التوفير والإشعار والأجل.
جـ- حسابات الاستثمار المخصص:
وهي الودائع التي يتسلمها البنك من الراغبين في اسثتمارها في مشروع معين أو غرض محدد على أساس حصول البنك على حصة من الربح، ودون أن يتحمل الخسارة الناشئة بدون تعد أو تفريط.
ويبين الجدول رقم (1) فيما يلي تطور موارد الودائع خلال الأعوام 1980 – 1986، كما يبين الجدول رقم (2) فيما يلي تصنيف ودائع لأجل وتحت إشعار في البنك حسب استحقاقها وتدفقها.
جدول رقم (1)
تصنيف الودائع والحسابات (لأقرب ألف دينار)
السنة جارية وتحت الطلب توفير إشعار لأجل المجموع
1980 4848 1097 4099 1598 11642
1981 12213 1864 8024 3233 25334
1982 16382 3268 11530 4654 35834
1983 20728 4902 13485 19451 58566
1984 22298 6826 15033 38712 82869
1985 23746 8060 15875 55183 102864
1986 26641 10287 16334 74352 127614
جدول رقم (2)
تصنيف الحسابات الاستثمارية تحت إشعار ولأجل حسب استحقاقها في نهاية الأعوام التالية:-
حسابات تستحق خلال 3 أشهر بعد ثلاثة أشهر
ولغاية ثلاثة أشهر بعد ستة أشهر
ولغاية تسعة أشهر أكثر من تسعة أشهر
1980 4099
1598
1981 8024
3233
1982 11530
4654
1983 13485
19452
1984 38299 4761 3698 6987
1985 32526 8746 10887 18899
1986 34297 14810 16801 24777
وحيث إن الودائع تستحق لأعداد كبيرة من العملاء تختلف ميولهم اختلافًا كبيرًا فإنه يتوجب على الإدارة الحكيمة التعرف على العوامل التي تحكم تصرفات هؤلاء العملاء وتوزيع ودائعهم واستحقاقاتها، والوقوف على توقعات السحب والإيداع والأهمية النسبية لكل نوع من أنواع الودائع وتجميع هذه الودائع في إحصائيات لتحديد استراتيجية الاستثمار والاستخدام للموارد، ولتحديد آجال هذه الاستخدامات لتتطابق مع استحقاق الودائع للوصول إلى الحد الأمثل من السيولة والربحية حتى لا تتم التضحية بأي من العنصرين المذكورين على حساب الآخر.
ويلاحظ القارئ من الجدولين السابقين أن الودائع " كما ظهرت في الجدول رقم 1 " قد ازدادت في حسابات الأجل عبر السنوات ولا سيما منذ بداية العام 1983 (حيث كانت قبله غير منتظمة الاستحقاق) وأصبحت هذه الودائع تشكل في نهاية عام 1986 58.2 % وتبلغ نسبة حسابات لأجل وتحت إشعار معًا 71.1 % من إجمالي الودائع في نهاية العام المذكور. ويعود السبب في زيادة ودائع لأجل إلى أن إدارة البنك قد توصلت إلى تغيير الأسلوب الذي اتبع في قبول ودائع العلماء عند تأسيس البنك، وتم اتخاذ قرار أثر بشكل جوهري على أوعية الادخار إذ أصبح قبول ودائع لأجل منذ بداية عام 1983 على مدار العام خلافًا لما بدئ العمل به في عام 1979 حيث كان قبول ودائع لأجل مقصورًا على نهاية العام فقط، يضاف إلى ذلك مباشرة البنك بقبول ودائع استثمارية بالعملات الأجنبية منذ ذلك التاريخ.
أما الجدول رقم (2) فيوضح أن هيكل استحقاق الودائع قد تغير أيضًا. بحيث أصبحت الودائع التي تستحق بعد تسعة أشهر حوالي 19.4 %، بينما كانت هذه الودائع تستحق في زمن قصير نسبيًّا مما كان يسبب إعاقة تامة في استخدام هذه الأموال لفترات طويلة، وبالتالي يؤثر على خطة الاستثمار في البنك.
استخدام الأموال وإدارة التوظيفات:
يستثمر البنك الإسلامي أمواله وموارده من خلال قنوات استثمارية متعددة نوجزها فيما يلي:
أ- المضاربة:
ومن خلال هذه القناة الاستثمارية يدخل البنك طرفًا في عمليات الاستثمار بأن يقدم النقد اللازم كليًّا أو جزئيًّا لتمويل عملية تجارية محددة يقوم بالعمل فيها شخص آخر على أساس المشاركة في الربح أو الخسارة حسب التطبيقات الشرعية المعتمدة.
ب- المشاركة:
وتشمل مختلف الحالات التي يدخل البنك طرفًا ممولًا فيها في مشروع ذي جدوى اقتصادية. والمشاركة إما مستمرة أو متناقصة تنتهي بتمليك الشريك حصة البنك بعد مدة معينة، وأبرز تطبيقات البنك الإسلامي الأردني في المشاركة المنتهية بالتمليك هي حالات العقارات التي يمولها البنك وذلك بتقديم التمويل، كليًّا أو جزئيًّا، للشريك على أساس حصول البنك على نسبة من صافي الدخل المتحقق فعلًا، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي ليكون تسديدًا لأصل ما قدمه البنك من تمويل. وبعد استرداد البنك لكامل ما دفعه من تمويل يؤول المشروع مع كامل إيراداته لصاحبه، وقد طبق البنك الإسلامي هذا الأسلوب على العقارات التجارية وبعض العقارات السكنية في مناطق مختلفة من المملكة، وكأمثلة على تطبيقه، مشاركة البنك في مشروع بناء سوق تجاري بالمشاركة مع بلدية أربد، وكلية مجتمع في جرش ومستشفى في الزرقاء.
جـ- الاستثمار المباشر:
يستثمر البنك موارده في الموجودات والأصول المنقولة وغير المنقولة والمساهمات التي تدر عليه دخلًا يستطيع به أن يغطي بعض مصروفاته ويعطيه إيرادات لمودعيه.
د- بيع المرابحة:
أما أهم قنوات الاستثمار في البنك الإسلامي الأردني حاليًا فهي بيع المرابحة، وبيع المرابحة كما هو معروف هو البيع برأس المال وربح معلوم مع اشتراط علم البائع والمشتري برأس المال.
أما بيع المرابحة للآمر بالشراء المطبق في البنك فهو قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه (العميل) على أساس شراء البنك ما يطلبه الآمر بالشراء بالنقد – كليًّا أو جزئيًّا- على أساس التزام العميل بشراء ما أمر به بالربح المتفق عليه عند الابتداء. والبنك لا يبيع الراغب في الشراء حتى يملك السلعة ثم يجري عقد البيع، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن البنك يشتري ويصبح مالكًا للسلعة، ويتحمل البنك تبعة هلاكها قبل تسليمها لصاحبها.
ونظرة إلى الجدول رقم (3) المبين تاليًا تظهر الأهمية النسبية لقنوات الاستثمار في البنك الإسلامي الأردني كما هي في نهاية الأعوام 1984، 1985 و1986.
ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن معظم استثمارات البنك الإسلامي الأردني تمت وانتهت مع عملاء في المملكة، وأن نسبة هذه الاستثمارات القائمة والتي تمت مع عملاء خارج المملكة كما هي الأرصدة في نهاية الأعوام الثلاثة المذكورة كانت تتراوح ما بين 8.9 % إلى 10.3 %.
جدول رقم (3)
توزيع الاستثمارات في البنك الإسلامي الأردني (لأقرب ألف دينار) :-
السنة المشاركة والمضاربة والاستثمارات الأخرى المرابحة المجموع نسبة المرابحة إلى المجموع
1984 11764 51249 63013 81.33 %
1985 14882 56132 71014 79.04 %
1986 19464 75998 95462 79.6 %
خطة الاستثمار في البنك:
إن مشكلة توازن السيولة والربحية في إدارة الموارد أمر أساسي في كل الأعمال، وبالرغم من أن رسالة البنوك الإسلامية، باعتبارها بنوك استثمار، قد تدفع بعض مسؤوليها إلى تغليب النواحي الاستثمارية وعدم تعطيل الأموال، إلا أن مشكلة السيولة بقيت من الأساسيات التي روعيت تمامًا في مسيرة البنك الإسلامي الأردني باعتبارها أساسًا لاستمرار المؤسسة في العمل، ولقد أثرت الموارد المتاحة واستحقاقاتها وتدفقاتها بشكل جوهري على طبيعة الاستثمار وقنواته ومدته، كما أثر في ذلك أيضًا ضرورة المحافظة على السيولة الكافية لتغطية احتياجات المودعين مقرونا بضرورة إيجاد مصادر دخل سنوي للتوزيع عليهم.
وكان أثر عدم الاستفادة من المميزات التي تتمتع بها البنوك التجارية في علاقاتها مع البنك المركزي - كملجأ أخير كما سبق ذكره - في توجهات وقنوات وخطط الاستثمار في البنك إذ كان هذا العامل مقيدًا للاستثمار طويل الأجل وجعله محدودًا نسبيًّا ولا سيما في السنوات الأولى لعمل البنك، ولم يتجه البنك إلى الاستثمار الأطول أجلًا إلا بعد أن اطمأن إلى استمرار تدفق الودائع سنويًّا بما يضمن زيادة مدة الاستثمار وتنويع قنواته.
تطبيق عقد المرابحة:
بُوشِرَ في تطبيق عقود المرابحة في البنك منذ الأشهر الأولى للعمل وذلك لاستخدام الموارد المتاحة من رأسمال وودائع، وكان إنشاء عقد المرابحة وإقراره من قبل إدارة البنك، بعد موافقة المستشار الشرعي عليه، أمرًا مهمًّا في التطبيق لاستغلال هذه الموارد، وبُوشِرَ وقتها وضع السياسات للعمل وآلية التطبيق والتعليمات اللازمة لذلك.
آلية التطبيق بتمويل المرابحة:
يجري البنك عمليات التمويل بالمرابحة وفق إجراءات وخطوات جرى إقرارها من الناحية الشرعية والإدارية ويمكن توضيح هذه الإجراءات فيما يلي:
1-
بيع المرابحة للأفراد في السلع المميزة والقابلة للرهن (السيارات مثلًا) : تتولى فروع البنك بموافقة الإدارة اختيار العملاء (البائعين) وفق الخطوات التالية:
أ- يقدم المشتري طلب شراء السلعة على أساس المرابحة لفرع البنك ويوقع عقد مرابحة للآمر بالشراء.
ب- يطلب البنك فاتورة عرض الأسعار من البائع.
جـ- يقدم البائع فاتورة عرض أسعار البيع للبنك.
د- يوافق البنك على الفاتورة بعد التحقق من أنها مطابقة للشروط المقررة ويعيدها للبائع.
هـ- يشتري البنك البضاعة من الوكيل (أو البائع) بموجب فاتورة رسمية صادرة باسم البنك.
و يلتزم المشتري بشراء البضاعة مرابحة بالسعر المتفق عليه وذلك بتوقيعه عقد المرابحة الخاص لدى البنك المتضمن ذلك.
ز- يتولى البائع بطريق الوكالة تنظيم عقود البيع وتنظيم الكمبيالات وذلك حسب الفاتورة الموضحة في البند (و) أعلاه وتسجيل السيارة باسم البنك.
ح- يقدم البائع (الوكيل) المستندات المذكورة للبنك ويقوم البنك بدفع رصيد فاتورة البيع واستلام الكمبيالات بعد استكمال الإجراءات اللازمة.
ط- يكفل البائع الكمبيالات المقدمة (إذا كان ذلك من الشروط بين البنك والوكيل) وللبنك عند إتمام العقد الحق في الحصول من المشتري على ضمانات أخرى يراها مناسبة لضمان حقوقه.
ى- يبيع البنك السيارة للمشتري مرابحة ويسجلها باسم المشتري (في دائرة السير) ، وفي ذات الوقت يرهنها لصالح البنك لدى دائرة السير. (إذا كان الرهن من شروط الضمان) .
ك- يجري تأمين السيارة شاملًا لصالح البنك (إذا كان ذلك من الشروط المتفق عليها بين البنك والمشتري) .
2-
شراء الأراضي والعقارات:
تطبق على شراء الأراضي والعقارات نفس الإجراءات المتعلقة بالسيارات من حيث التسجيل لدى دائرة الأراضي عند شراء البنك للعقار ثم إعادة تسجيله باسم المشتري.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن تسجيل العقار مرتين الأولى باسم البنك كمشتر من البائع ثم باسم العميل مشتري الأرض يوجب دفع رسوم تسجيل العقار مما سبب إعاقة لقيام البنك بمثل هذا التمويل بشكل كبير بسبب ارتفاع هذه الرسوم وأعاق قيام البنك تمويل الأفراد في الشقق والبيوت.
3-
تمويل شراء السلع المشتراة محليًّا:
يمول البنك الأفراد في السلع غير القابلة للرهن كالتجهيزات المنزلية وغيرها (أثاث، غسالات، ثلاجات، أفران غاز، غرف نوم،
…
إلخ) وفق الخطوات التالية:
أ- يقدم المشتري طلب شراء السلعة على أساس المرابحة لفرع البنك.
ب- إذا وافق البنك على التمويل يوقع البنك والعميل عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء.
جـ- يطلب البنك فاتورة عرض الأسعار من البائع للبضاعة المطلوبة.
د- يقدم البائع فاتورة عرض أسعار البيع للبنك.
هـ – يوافق البنك على الفاتورة بعد التحقق من أنها مطابقة للشروط المقررة ومن ثم يعيدها للبائع أو يوجه رسالة للبائع بالموافقة على ما ورد في فاتورة العرض.
و يشتري البنك البضاعة من البائع بموجب فاتورة رسمية صادرة باسم البنك.
ز- يقوم البنك بدفع قيمة البضاعة للبائع حسب فاتورة البيع.
ح- يلتزم المشتري بشراء البضاعة مرابحة بالسعر المتفق عليه وذلك حسب عقد بيع المرابحة الخاص بذلك والموجود لدى البنك والمتضمن ذلك.
ط- يتولى البنك تنظيم الكمبيالات على المشتري حسب شروط عقد المرابحة.
ى – يتولى أحد موظفي البنك الإشراف على عملية استلام البضاعة من البائع وتسليمها للمشتري.
ويجري تطبيق هذه الإجراءات على جميع المواد التي تلزم للأفراد أو التجار في عمليات المرابحة الداخلية كشراء الحديد والأسمنت والمواد الغذائية والمواد الخام وجميع مستلزمات التجارة.
وتجدر الإشارة إلى أن البنك قد درج على دفع أثمان المشتريات من العملاء الذين يبيعونه بضائع بموجب شيكات مسطرة حتى لا تصرف نقدًا.
4-
تمويل المرابحة بواسطة الاعتمادات المستندية والاستيراد:
يجري تمويل البضائع بواسطة الاعتمادات المستندية سواء أكان ذلك لسلع تجارية أو معدات أو مواد خام أو غيرها مما يستورد من بضائع وتتلخص عمليات التمويل بهذه الطريقة بما يلي:
أ- يوقع العميل الآمر بالشراء على عقد الآمر بالشراء ثم يوجه أمره إلى البنك لشراء سلعة جاهزة محددة الأوصاف، ويأمر البنك بشرائها.
ب- يتولى البنك فتح الاعتماد المستندي من المصدر الذي حدده العميل للبضاعة الموصوفة.
جـ- يقوم البنك بشراء البضاعة بموجب الاعتماد المستندي من المصدر، ويدفع قيمتها له.
د- عند ورود المستندات المحددة لملكية البضاعة يجري الاتصال بالعميل طالب الشراء ليقوم بالاطلاع على تلك المستندات، ثم يقوم البنك بإتمام عملية البيع ويظهر بوليصة الشحن تظهيرًا ناقلًا للملكية، ويطلب إلى إحدى شركات التخليص إنهاء المعاملة مع الجمارك وتسليم البضاعة إلى العميل.
هـ- عند تظهير البوليصة يقوم البنك باحتساب قيمة البضاعة بالدينار الأردني حسب الشروط المتفق عليها مع المشتري، ويتم تنظيم كمبيالات بثمن البضاعة مضافًا إليه ربح البنك حسب الشروط المقررة.
ومن الجدير بالذكر أنه إذا وردت مستندات البضاعة مخالفة لشروط الاعتماد أو تبين أن البضاعة عند استلامها من الجمارك بها تلف فإن البنك يتحمل النتائج المتعلقة بذلك، ويكون العميل مخيرًا بين قبول البضاعة أو رفضها.
أما إذا تطابقت المستندات والبضاعة مع ما سبق، وأمر المشتري فإنه يلزم بشرائها حسب العقود الموقعة معه.
كما تجدر الإشارة إلى أن البنك يتولى تكليف بعض الجهات في بلدان المصدر من أجل معاينة البضاعة وإرفاق شهادة معها تفيد دقة وصحة المواصفات للبضائع المشحونة بسبب مسؤوليته عن تسليم البضائع للمشتري، ومنعًا لشحن بضائع مخالفة للشروط كما يفعل ذلك بعض المصدرين في بعض البلدان.
نطاق تطبيق المرابحة:
شملت تطبيقات البنك الإسلامي الأردني في المرابحة نطاقًا واسعًا شمل معظم السلع اللازمة معمرة أو غير معمرة أو استهلاكية، ففي مجال الأفراد تم تمويل احتياجاتهم من السلع الاستهلاكية كالسيارات والأثاث وغيرها. وتم تمويل التجار في مختلف احتياجاتهم أيضًا كالأقمشة والمواد الغذائية ومواد البناء. . . إلخ، أما الصناعيين فتم تمويلهم فيما يحتاجونه من معدات ومصانع ومواد خام، وتم تمويل المتعهدين والمقاولين في الآليات والمعدات والجرافات والحفارات وغيرها، وشمل التمويل أيضًا نطاق الآليات الدقيقة كأجهزة الكمبيوتر، وأدوات المختبرات والمعدات الطبية اللازمة للمستشفيات والمواد الخام اللازمة لصناعة الأدوية، وحاجات المعاهد والجامعات وحاجات المزارعين من سماد وبذور وتراكتورات زراعية وبيوت بلاستيكية أو معدات التغليف والتعبئة، وغير ذلك من المواد في جميع القطاعات وتمويل البترول وغيرها.
القطاعات والنشاطات التي يطبق فيها عقد المرابحة:
إن نظرة إلى تصنيف أعمال التمويل في البنك تشير إلى أن جميع القطاعات قد تم تمويلها بواسطة عقود المرابحة، وفيما يلي كشفًا يبين توزيع التمويل في البنك حسب القطاعات كما ظهر في نهاية الأعوام المذكورة والتي تمثل المرابحة 80 % تقريبًا منها.
كشف رقم (4)
التوزيع القطاعي للتمويل والاستثمار
حسب تصنيف البنك المركزي الأردني
القطاع 1984 1985 1986
الصناعة 26.6 % 28.6 % 34.9 %
التجارة العامة 21.9 % 23.8 % 22.9 %
عقارات وتعهدات 17.3 % 18.2 % 17.2 %
نقل 13.7 % 9.4 % 9.9 %
أفراد وأصحاب مهن 7.2 % 8.2 % 7.5 %
الزراعة والخدمات والأغراض الأخرى (تم دمجها)13.3 % 11.8 % 7.6 %
الصعوبات القائمة:
من استعراض سريع لما ورد في هذه الورقة، ومن واقع التطبيق العملي تتبين لنا بعض الصعوبات المبينة تاليًا:
1-
قصور بعض القوانين عن معالجة تسهيل مهمة البنك الإسلامي في تحقيق متطلبات عملائه حيث إن بعض هذه القوانين قد صيغ لمعالجة الإقراض الربوي دون حل مشكلة التمويل اللاربوي. وأمثلة ذلك اضطرار البنك عند تمويل شقة لعميل أو سيارة إلى دفع رسوم متكررة تصل في تمويل العقارات إلى (16 %) من تكلفة التمويل مما يثقل كاهل العملاء.
2-
منح ميزة للبنوك الربوية على البنك الإسلامي في مجال استفادته من تعليمات تشجيع التصدير بسعر خصم مخفض، مما يجعل تكلفة عملاء البنك الإسلامي أعلى من تكلفة عملاء البنوك الأخرى بسبب هذا الامتياز.
3-
اضطرار البنك الإسلامي – بسبب عدم إمكان الإفادة من تسهيلات البنك المركزي- كملجأ أخير- اضطرار البنك إلى ما يلي على سبيل المثال:
أ- جعل مُدَد التمويل لعملائه قصيرة الأجل أو متوسطة.
ب- الاحتفاظ بسيولة مرتفعة لمواجهة أي طوارئ قد تحصل –لا سمح الله- مما يعيق استثمار الأموال، ويخفض عوائد المودعين.
جـ- اعتماد البنك الإسلامي على تدفق الودائع عند اتخاذ خطة توزيع وتنويع استثماراته وتحديد مُدَد التمويل اللازمة.
د- توجيه أغلب استثماراته إلى المرابحة، بدل توجيهها إلى المساهمات والمشاركات، لسرعة تسييلها ووضوح التدفق النقدي، ووضوح العائد.
4-
نقص الأدوات المالية (كسندات المقارضة) التي يمكن بمقتضاها سرعة تدوير الأموال وإيجاد مصادر للسيولة السريعة للبنك مما يشكل باعثًا على الاستثمار الأطول أجلًا.
5-
اضطرار البنك إلى التشدد في الحصول على الضمانات لتكون رادعًا للعملاء، بسبب مماطلة بعض العملاء في السداد ولجوئهم إلى الاستفادة من قوانين المحاكمات اعتمادًا على أن البنك لا يتقاضى عوائد عن أمواله المستحقة خلال سنوات المحاكمة.
6-
لقد أدى ارتباط العديد من الناس بأعمال البنوك الربوية لمدة طويلة إلى تركز أذهانهم بأن أية نسبة مئوية يتقاضاها البنك على تكلفة المرابحة وإنما هي من أعمال الفائدة دون تفهم لطبيعة عملية المرابحة.
7-
اعتراض البعض على قيام البنك بتأمين البضائع التي يمولها من خلال شركات التأمين القائمة.
8-
ضعف الأجهزة الوظيفية، ولا سيما في بداية عمل البنك، وعدم قدرتها على تفهم الأمور الشرعية بدقة.
الحلول المقترحة:
يمكن اقتراح ما يلي في هذا المجال لإيجاد بعض الحلول لدفع مسيرة البنوك الإسلامية:
1-
معالجة الثغرات في بعض القوانين لتساير وتتمشى مع حاجات التطبيق وفق ما ذكر في الصعوبات سواء من ناحية الرسوم المكررة أو من ناحية مماطلات العملاء في التقاضي وغيرها.
2-
إيجاد حل لمشكلة استفادة المصارف الإسلامية من البنوك المركزية كملجأ أخير خارج إطار الفائدة لا سيما وأن هذه المهمة هي من المهمات الأساسية للبنوك المركزية، وكذلك إيجاد الإمكانية للاستفادة من توجهات السياسة النقدية في مجالات الاستثمار المختلفة كالتصدير؛ ليتمكن البنك من التوجه في استثماراته حسب توجهات خطة التنمية.
3-
إيجاد الأدوات المالية وإقرار قانون سندات المقارضة بشكله الدائم ليصار إلى الاستفادة منه وتطبيقه لإيجاد وسائل التسييل السريعة.
4-
إيجاد حوافز للبنوك الإسلامية لتقوم بتوجيه استثماراتها ضمن الأسس التي تراها الدولة ووفق خطط التنمية.
5-
استمرار توجه البنوك الإسلامية نحو حسابات الودائع لأجل الأطول أجلًا وحسابات الاستثمار المخصص ضمن الحوافر المطلوبة لتتطابق استحقاقات هذه الودائع مع التدفقات النقدية للاستثمارات.
6-
الحاجة المستمرة من الفقهاء إلى استمرار تقديم الفتاوى بمرونة وتطور واستيعاب للجديد من الأعمال لتبقى مرونة التعامل، ويبقى التطبيق للنظام المصرفي الإسلامي مسايرًا للمستجدات ضمن قواعد الشريعة الإسلامية السمحاء.
7-
استمرار البنك في إجراء التدريب المستمر لموظفيه من أجل تفهم طبيعة العمل واستيعاب مستجداتها.
8-
الاستمرار في توجيه الإعلام المصرفي الإسلامي لتوضيح طبيعة أعماله المطابقة للشريعة.
9-
السماح للبنك الإسلامي بإنشاء شركة تأمين تبادلي مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية لإكمال مسيرة أعماله وتطابقها وتناسقها.
التوقعات المستقبلية:
إن مسيرة البنك الإسلامي خلال الفترة الماضية تعطي دليلًا على ما يمكن أن تصل إليه هذه المسيرة من تقدم ونجاح ما استمرت رعايتها، وتسهيل مهمة القائمين عليها سواء في إزالة الصعوبات التي تواجه المؤسسة أو منح الحوافز لها؛ لتتجه المؤسسة وتشارك في دور أكبر في خطط التنمية المختلفة.
ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن توجهات البنك المستقبلية هي إدخاله في خططه واستراتيجية استثماره خطوات أساسية للوصول إلى أكبر عدد من العملاء في مختلف مناطق المملكة. وقد كان لنجاح تجربة البنك التي بدأها منذ بداية العام الماضي، بتزويد المواطنين بما يلزمهم من تمويل في مواد البناء لإكمال مساكنهم التي استفاد منها أكثر من ألفي مواطن، أغلبهم خارج مدينة عمان، كانت نتائج هذه التجربة مشجعة له على توجيه خطط للوصول إلى الحرفيين وأصحاب الصناعات الصغيرة حيث تقرر هذا العام السير في هذا النوع من التمويل لتوسيع قاعدة المستفيدين من خدماته.
أما على صعيد الخدمات العامة فقد توجه البنك في خطط استثماره لهذا العام إلى تمويل بناء المدارس الحكومية، وقدم عرضًا – ما زال يجري البحث فيه مع الجهات المختصة - لتمويل هذه المدارس وفق الأسلوب الذي يتفق عليه، كل ذلك بناء على استقرار تدفق الودائع وحسن استخدامها بما يلائم سياسة البنك الاستثمارية.
الخاتمة
وأخيرًا وليس آخرًا فإن مسيرة البنك الإسلامي الأردني ما زالت في رأيي في بدايتها رغم وصول البنك إلى المرتبة الرابعة بين البنوك الأردنية في هذه الفترة القصيرة من الجهد والعمل الصامت، وأن مزيدًا من الدعم له سيمكنه من تحقيق الغاية التنموية والاجتماعية التي أنشئ من أجلها بفضل توفيق الله سبحانه وتعالى وجمهور المتعاملين والرعاية التي يلقاها البنك على جميع المستويات.
والله الموفق وهو المستعان.
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية: الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات".
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب / البنك الإسلامي للتنمية / جدة.
عمان
22-
شوال – 25 شوال 1407هـ
18/6 – 21/6/1987م
بحث الأستاذ قاسم محمد قاسم
عن
البنوك الإسلامية واستراتيجيتها الاستثمارية
البنوك الإسلامية واستراتيجيتها الاستثمارية
ورقة عمل
مقدمة إلى الاجتماع المشترك بين منظمة الخليج للاستشارات
الصناعية والبنوك الإسلامية في منطقة الخليج
لبحث إمكانيات التعاون بينهما
إعداد
قاسم محمد قاسم
مدير عام مصرف قطر الإسلامي
البنوك الإسلامية واستراتيجيتها الاستثمارية
ورقة عمل لبحث إمكانيات التعاون بين
منظمة الخليج للاستشارات الصناعية والبنوك الإسلامية
في منطقة الخليج
مقدمة:
ليس الغرض من هذه الورقة تقديم بحث بالمفهوم الأكاديمي لكلمة بحث، وليس الغرض منها التعرض بالتفصيل لتطور المصارف عامة والمصارف الإسلامية خاصة.
وإنما الغرض هو عرض تصور مبني على الخبرة والممارسة الفعلية اليومية للاستراتيجية الاستثمارية في المصارف الإسلامية كما يراها الكاتب، والصعوبات التي تصادفها هذه المصارف تمهيدًا لإيجاد تصور مشترك لإمكانات التعاون بين المصارف الإسلامية العاملة في منطقة الخليج، وبين منظمة الخليج للاستشارات الصناعية.
فالغرض الذي من أجله وجدت المصارف الإسلامية يكاد يكون هو نفس الغرض الذي أنشئت من أجله المنظمة، فبينما تسعى المصارف الإسلامية لتوظيف الأموال في مجالات التنمية المختلفة تسعى المنظمة – فيما أظن- إلى تقديم الاستشارة المهنية المتخصصة بكامل فروعها في مجالات التنمية الصناعية للدول الأعضاء في المنظمة. إلا أن المصارف الإسلامية تهدف إلى تحقيق الربح المقبول شرعًا على ما تقوم به من استثمارات في حين أن المنظمة لا تهدف إلى الربح فيما تقوم به من دراسات واستشارات إذ يكفيها أن يعود الربح منفعة اقتصادية واجتماعية ناتجة عما يجري تنفيذه من مشروعات لدى هذه الدول الأعضاء.
إن إدارات المصارف الإسلامية لم تأل جهدًا - منذ تأسست هذه المصارف- في تطوير أنماط ووسائل العمل المنسجمة مع المبادئ الإسلامية، كما لم تأل جهدًا في البحث عن فرص الاستثمار للأموال المتراكمة لديها من أجل خلق دور منتج للمال بين أيدي المسلمين بما ينفع أصحاب الأموال، وينفع المجتمعات التي تنتمي هذه الأموال لها.
لقد كان الهدف الأول لتأسيس أول بنك إسلامي في وقتنا الحاضر هو تطهير الأموال من الربا عن طريق تقديم البدائل المقبولة شرعًا لأنماط الاستثمار المختلفة، والتي درجت البنوك التقليدية على تقديمها سواء لأصحاب الأموال (عرض الأموال) أو مستغلي هذه الأموال (الطلب على الأموال) على أساس ربط الاستثمار وعوائده بفوائد محددة سلفًا.
وقد مارست البنوك التقليدية بفلسفة تنصب على الضمان، وهذه الفلسفة نابعة من كون الوديعة عقد قرض وأن المقترض يتصرف بالقرض ويقع عليه الضمانه، وقد ضمنت البنوك للمودع رأس ماله والفائدة المحددة سلفًا. كما أخذت على المقترضين ضمان ما اقترضوا دون ربط القرض بما وراءه من عمل، ودون نظر إلى نتيجة هذا العمل إن ربحًا وإن خسارة، وعليه فإنه يصح وصف هذه الفلسفة بفلسفة تأجير الأموال حيث يتوجب دفع الإيجار (الفوائد) سواء انتفع (ربح) المستأجر (المقترض) أم لم ينتفع.
مهنيًّا، فقد اقتنع نظام المصرف الدولي بجدوى هذه الفلسفة في غياب البديل، ومع تواتر التطبيق عبر مئات السنين، فقد أصبحت هذه الفلسفة راسخة، وأصبح المجتمع المصرفي الدولي يقاوم أي تغيير.
ولقد طورت الأجهزة المصرفية التقليدية في إحدى مراحلها نوعًا من الممارسات الاستثمارية التي اقتربت بأساسها النظري من المفهوم الإسلامي لاستثمار المال حيث ظهرت مصارف تسمى بنوك التجار أو بنوك الأعمال والاستثمار، وتقوم هذه البنوك على أساس إنشاء المشروعات والمساهمة في رأس مالها مع آخرين إلا أن هذه البنوك قد ظلت وفية للمذهب الذي نشأت عليه وهو نظام الفائدة في تعاملها مع مصادر الأموال.
2-
النظام المصرفي التقليدي وسلوك الأفراد:
2-
1- كان تطور النظام المصرفي التقليدي مواكبًا لتطور الحضارة الغربية الحديثة، والتي كان من أهم إفرازاتها فصل الدين عن الحياة اليومية للأفراد في المجتمعات المسيحية، ودون أن نخوض في بحوث لاهوتية لسنا مؤهلين لها، نقرر أن الدين المسيحي يحرم الربا، ولكننا نجد أن البيئة الحضارية الحديثة أوجدت مناخًا مناسبًا لتطوير العمل المصرفي القائم على نظام الفائدة دون أن يجد مقاومة دينية تمنع تطوره.
2-
2- ونظرًا لقيام البنوك بدفع الفوائد على الأموال مع تعهدها برد المال والفوائد المستحقة عليه إلى صاحبه فقد أدى هذا الوضع إلى تباطؤ همم أصحاب الأموال عن استثمار أموالهم بأنفسهم بما في ذلك من مخاطر وقبول الأسلوب الهين وهو الإيداع لدى البنوك مقابل الفوائد. ولنفس السبب، أي ضمان البنك لأموال المودع مع ما يترتب عليه من فوائد فقد تعسفت البنوك في اقتضاء ديونها من المدينين دون نظر إلى الحالة المادية للمدين أو حال المشروع الذي أخذ من أجله المال أو الظروف الاقتصادية السائدة، بل إن مبدأ القرض بفائدة كثيرا ما كان أهم أسباب تردي الحالة المادية للمدين. وما وَضْعُ دولِ العالمِ الثالث المدينة بخاف عنا إذ أن فوائد خدمة الدين كثيرًا ما زادت عن موارد بعض الدول المدينة. وهكذا تراجعت المعايير الأخلاقية في التعامل المالي وقلد التجار والأفراد البنوك فيما ذهبت إليه، وأصبح الطلاق بائنًا بين المال وبين الهدف الذي صرف من أجله، وأصبح تأجير الأموال هو القاعدة، كما أصبح الفرد في سلوكه يجمع المال من أجل المال وتطور الأمر ليصبح عادة اجتماعية.
2-
3- ولتشجيع أصحاب الأموال على الاحتفاظ بأموالهم لدى البنوك فقد أصبحت البنوك تدفع لهم الفوائد على فترات زمنية قصيرة جدًّا ربما وصلت إلى ليلة واحدة “OVERNIGHT” ومن الطبيعي أن يكون أجل الودائع مساويًا للفترة التي تدفع عنها الفوائد. وكانت النتيجة أن تغيرت عادات المودع من استثمار أمواله في مشروعات طويلة الأجل إلى استثمارها في ودائع ذات أجل قصير جدًّا.
3-
المصارف الإسلامية، تطهير وتثمير:
3-
1- دخل النظام المصرفي الحديث إلى العالم الإسلامي، والعالم الإسلامي في حالة خطيرة من التمزق والتخلف والجمود، وفي وقت كانت فيه أغلب أقطاره ترزح تحت سيطرة الدول الأجنبية، كما أن دور المؤسسات الدينية بدأ يتراجع إلى الوراء بضغط من الدول الاستعمارية التي كانت ترى دائمًا أن الخطر على نفوذها كبير إذا نهض العالم الإسلامي من سباته بقيادة فكرية إسلامية متطورة؛ ولذا فلقد راوح العالم الإسلامي في مكانه يحاول أن يجيب على السؤال التالي: هل الفوائد المصرفية حلال أم حرام؟ وهل تحل الفوائد إذا كانت دون نسبة معينة وتحرم إن زادت عليها؟ وسمعنا الكثير من الفتاوى التي ليس هنا مجال لبحثها مع أن أغلبها أقر بحرمة فوائد البنوك، إلا أن أحدًا فردًا كان أو مؤسسة أو دولة لم يفكر في إيجاد النظام المصرفي البديل القائم على تطوير أنماط من التعامل الاستثماري المقبول شرعًا.
وللتدليل على ذلك فلقد قبلت الدول الإسلامية جميع التشريعات الوضعية الغربية التي أدخلت معه جميع أنماط التعامل المالي الغربية بحلالها وحرامها كما اعترفت صراحة بالفوائد وظهر اصطلاح الفوائد القانونية في تشريعات تلك الدول الوضعية.
ويشاء المولى أن يجتمع علماء الأمة الإسلامية في عام 1385هـ في القاهرة في المجمع الفقهي الثاني، ويجتمع معهم لفيف من اقتصادي هذه الأمة، وصدرت فتوى جماعية باعتبار فوائد البنوك من الربا المحرم، وأن على رجال المال والاقتصاد وعلماء الشريعة أن يبحثوا عن البديل.
ولقد كان البديل في العشر سنوات الأخيرة نحوا من خمسين بنكا إسلاميًّا إضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية الذي تشترك في عضويته أكثر من خمسة وأربعين دولة إسلامية، وكذلك تحويل النظام المصرفي في باكستان بأكمله لينسجم مع الشريعة الإسلامية.
لقيت البنوك الإسلامية الكثير من الترحيب والتشجيع منذ قيامها وتمثل هذا التشجيع بالزيادة الكبيرة والمطردة في حجم الودائع لدى هذه البنوك. ذلك أن تأسيس هذه البنوك أوجد منفذًا للكثير من أصحاب الأموال الذين لا يتقاضون أية فوائد على أموالهم فوجدوا في البنك الإسلامي مكانًا مناسبًا لاستثمار أموالهم التي ظلت معطلة سنين طويلة. يضاف إلى هذا انجذاب المتعاملين الآخرين الذين لا تحركهم الاعتبارات الدينية بل جذبتهم النجاحات المبدئية التي حققتها تلك البنوك والعوائد المرتفعة التي تمكنت من توزيعها على المودعين في مراحل مختلفة.
3-
2- إلا أن نجاح البنوك الإسلامية متمثلًا في الإقبال المتزايد للمودعين كان في حد ذاته بداية لمشاكل فنية حقيقية لهذه البنوك.
إن الأموال المتراكمة لدى البنوك الإسلامية كانت ولا تزال تبحث لها عن منافذ شرعية تستثمر بها حتى تعطي مردودًا مناسبًا للمودع وللبنك، فدعوة البنك الإسلامي لنفسه بأنه قام بتطهير الأموال من الربا واستثمار مال المسلمين فيما ينفع المسلمين خارج نظام الفائدة وخارج إطار الإقراض والاقتراض قد حددت مسار البنوك الإسلامية بصفة نهائية – في رأي الكاتب - في الاستثمار. " فالاستثمار يشكل طبيعة عمل المصارف الإسلامية وذاتها بل وحياتها، وبدونه لا يتصور لها استمرارية - وهي في هذا تعطي النموذج الفريد في التوحد في توجهاتها مع أهداف دولها في الاستثمار والتنمية "(1)
وكما هو معلوم فالاستثمار المرتبط بالتنمية بالمعنى الذي تقصده وترغب في تحقيقه البنوك الإسلامية هو استثمار طويل الأجل بطبيعته، ويجب أن يتم في مجالات وفرص مجدية.
4-
المعوقات التي واجهتها البنوك الإسلامية في توجهاتها الاستثمارية:
واجهت البنوك الإسلامية ولا زالت العديد من المعوقات التي تعترض طموحاتها الاستثمارية، وأهم هذه المعوقات في نظر الكاتب ما يلي:
أولًا: العادات الربوية لدى المودعين:
ومنها أن المودع يودع أمواله في آجال قصيرة لا تتجاوز السنة في أغلب حالاتها، وفي القليل جدًّا من الحالات أصبح المودع يودع في نوع من الودائع المطلقة وهي التي تشبه الودائع بإشعار لدى البنوك التقليدية – وهذا أيضًا ما يجعل من هذه الودائع ودائع قصيرة الأجل عند دراسة طبيعة الموارد المتاحة للاستثمار.
إن مثل هذا الوضع يحد من قدرة المصرف الإسلامي على الاستثمار في الأجل الطويل إذ لابد من تماثل الاستحقاقات بين مصادر الأموال وبين استخداماتها، وهي ما يسمى بالإنجليزية “MATCHFUNDING”؛ لأن الإخلال بهذا التماثل بشكل كبير يعرض المصرف لمخاطر كثيرة أهمها احتمال توقفه عن الدفع.
ثانيًا: يرتبط بالعادات الربوية لدى المودعين عادة أخرى أهمها أن الإنسان فطر على حب الكسب وكره الخسارة.
ومن واقع الخبرة العملية فإن المودع لدى البنك الإسلامي – وإن كان يقبل مقدمًا وعلى الورق على الأقل بمبدأ المشاركة في الخسارة - ينتظر الأرباح الموزعة آخر العام.
(1) أحمد أمين فؤاد – معوقات الاستثمار في البلاد الإسلامية وسبل التغلب عليها ص2 من أبحاث المؤتمر الثالث للمصرف الإسلامي- دبي – أكتوبر 1985.
وكما هو معلوم فإن أي مشروع استثماري ستمر به عدة سنوات قبل أن تظهر ميزانيته أية أرباح. وهذا الوضع، يضاف إلى سابقه دفع بودائع البنوك الإسلامية إلى الاستثمار في مجالات الاستثمار القصيرة الأجل، وخصوصًا المجالات التجارية حتى تتفادى مشاكل اختلاف الآجال وتشبع الناحية النفسية لدى المودع المتمثلة في التطلع إلى الربح السريع.
ثالثًا: حداثة نشأة البنوك الإسلامية:
ولهذا العامل أثرين:
أ- اضطرار البنوك الإسلامية للتركيز على العمليات التجارية القصيرة الأجل لتقوية مراكزها المالية.
ب- قلة الكفاءات البشرية المؤهلة شرعيًّا وفنيًّا للبحث عن الفرص المجدية وإعداد دراسات الجدوى العائدة لها، وتقييم ما يقدم إليها من مشروعات.
رابعًا: ضيق السوق المحلي أحيانًا وعدم قدرته على استيعاب مشاريع استثمارية معينة بما في ذلك الصعوبات المتعلقة باقتصاديات الموقع وتوطن الصناعة هذا الوضع مقرونا بارتفاع الثروة لدى المودعين في نفس السوق مما يجعل من ازدياد الودائع مشكلة في حد ذاتها؛ لعدم القدرة على خلق فرص مناسبة للاستثمار.
خامسًا: عدم توفر الدراسات لمشروعات استثمارية معينة وعدم وجود أولويات لمشاريع استثمارية تجارية تحقق العوائد المناسبة لتحفيز المستثمر للمخاطرة بأمواله، ويرافق ذلك عدم وجود بيوت الخبرة المتخصصة في تقديم دراسات السوق والجدوى وتقييم الفرص، وإن وجدت مثل هذه البيوت فأكثرها مشكوك في حياده وكثيرًا ما عرضت دراسات تم تفصيلها تفصيلًا لتؤثر على القرار تأثيرًا مغرضًا.
يضاف إلى ذلك أن بيوت الخبرة الأجنبية ليس لها دراية كافية بالسوق المحلي مما يرفع من تكلفة إعداد الدراسة.
سادسًا: القيود على الاستثمار خارج النطاق المحلي:
من المنطقي أن يتجه الاستثمار إقليميًّا وإسلاميًّا مع ضيق الأسواق المحلية عن الاستيعاب. فالبنوك الإسلامية في دول الخليج هي بنوك وفرة نقدية في حين أن الدول العربية والإسلامية المجاورة هي أسواق متعطشة للاستثمار، ولديها الكثير من الكوادر البشرية الماهرة ونصف الماهرة اللازمة للعمل في هذا الاستثمار، كما أن كثافتها السكانية توفر القوة الاستهلاكية اللازمة لامتصاص أي إنتاج.
إلا أن القيود الضريبية والنقدية ومخاطر تقلبات أسعار الصرف ومشاكل ميزان المدفوعات وعدم الاستقرار السياسي وسرعة تغيير القوانين وتعديلها، كل هذه العوامل وغيرها كثير يجعل المستثمر – بما في ذلك البنك الإسلامي- غير مطمئن على مستقبل استثماره؛ ولهذا رأينا ونرى توجيه الكثير من الأموال العربية والإسلامية إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية للاستثمار في القطاعات الصناعية والمالية والعقارية وذلك رغم مخاطر تجميد الاستثمارات الأجنبية، والتي أصبحت أكثر وضوحًا في السنوات القليلة الماضية، رغم كل ما يقال من تبريرات وتفسيرات.
سابعًا: القيود الشرعية:
معلوم أن المصارف الإسلامية قامت لتقدم البدائل المقبولة شرعًا لأنماط التعامل المالي والمصرفي؛ ولذا فإن أي عملية سواء كانت عملية يومية تجارية أو عملية استثمارية تخضع لمراجعة دقيقة للتأكد من انسجامها مع الضوابط الشرعية التي تسير المصارف الإسلامية على هديها. وأي عملية لا توافق الشروط الشرعية يتم رفضها.
ولطمأنة المودع والمستثمر أنشأت المصارف الإسلامية ضمن أجهزتها لجانًا للرقابة الشرعية مكونة من أفاضل العلماء في البلاد التي تعمل فيها لعرض الممارسات المصرفية عليها وصولًا للصيغ المقبولة شرعًا. ولهذا فليست كل الفرص مهما كانت مجدية ومغرية، مقبولة للمصارف الإسلامية. فإذا لم يتساوى أطراف العلاقة في المشاركة في الربح والخسارة وإذا استثمرت المشروعات فائض أموالها أو إذا مولت العجز لديها عن طريق البنوك التقليدية تثور الصعوبات في قبول مبدأ الاستمثار. هناك بالطبع حالات قبلتها بعض لجان الرقابة الشرعية في بعض البلدان ولها أسبابها في ذلك إلا أننا لا نستطيع أن نفترض أن كل اللجان ستتخذ نفس المواقف.
إن من الصعوبات الشرعية اختلاف وجهات النظر من لجنة إلى لجنة في النظر إلى الأشياء والعمليات والمعاملات مما يمكن مصرفًا من عمل شيء ولا يمكن مصرفًا آخر من مشاركته به وأبرز مثل على ذلك اختلاف المواقف في قضية الإيجار المنتهي بالمليك (LEASING) ، إلا أن اختلاف لجان الرقابة الشرعية أمر يمكن تلافيه عن طريق التنسيق بين هذه اللجان في المشروعات المشتركة أو بأي أسلوب آخر.
5-
الاستثمار خليجيًا:
بينا في الصفحات السابقة أن الاستثمار بالنسبة للمصارف الإسلامية هو بمثابة الهواء اللازم لتنفس الإنسان وأن المصارف الإسلامية بدون استثمار حقيقي يضيف إلى الاقتصاد الوطني حقيقية ستلقي ظلالًا من الشك على مبررات وجودها. كما قررنا أن المصارف الإسلامية لا ينقصها المال ولكن تعترضها الصعوبات.
وقد استعرضنا بعضًا من تلك الصعوبات وهي في نظري –باستثناء الصعوبات الشرعية- نفس الصعوبات والمعوقات التي تعترض أي مستثمر.
ولقد حاولت المصارف الإسلامية كثيرًا لتذليل الكثير من الصعوبات ولا زالت تحاول وسوف تستمر- إن شاء الله في هذه المحاولات.
ومن ضمن هذه المحاولات محاولتنا اليوم كمجموعة خليجية ضمن منظومة البنوك الإسلامية لولوج باب الاستثمار من حيث يمكن ولوجه بالتعاون مع منظمة إقليمية متخصصة لا تهدف إلى الربح وأعني منظمة الخليج للاستشارات الصناعية.
فدول الخليج تتشابه في الكثير من الخصائص والنظم الاجتماعية والسياسية والنقدية ووفرة الثروة وتشابه التشريعات وهذه كلها نقاط التقاء إيجابية يضاف إليها توجه تلك الدول إلى زيادة التنسيق فيما بينها في مختلف المجالات وصولًا إلى التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
كما تتشابه هذه الدول في صغر كياناتها منفردة –باستثناء السعودية والعراق - من حيث عدد السكان وحجم الأسواق مما يخلق مناخًا استثماريًا غير مؤات إن انفرد كل كيان بتطوير المشروعات التي يرى أنها ضرورية ومن ثم تتكرر المشروعات الاستثمارية المتشابهة مما يؤدي بالتالي إلى الشك في الجدوى الاقتصادية لتلك المشروعات.
إذن فالتكامل الاستثماري بين هذه الدول أمر يمكن أن تفيد منه البنوك الإسلامية وتستفيد عن طريق الدخول في المشروعات المشتركة التي تخدم قطاعًا أوسع وأعمق مما لو انفردت هذه البنوك في الاستثمار في مشاريع متكررة. وعليه فمشاركة البنوك الإسلامية مستفيدة من هذا التكامل يدفع بهذا التكامل إلى مراحل متقدمة.
كما أن الاستثمار خليجيًّا – في المشاريع التي تثبت جدواها- يعطي للمستثمر إحساسًا أكثر بالأمان على استثماراته، ويستطيع أن يرى بعينه: أين استثمرت تلك الأموال وكيف تجري إدارتها، وذلك نظرًا لقربها منه إقليميًّا.
6-
هل يمكن أن تستفيد البنوك الإسلامية في الخليج من منظمة الخليج للاستثمارات الصناعية؟
من كل ما مضى وانطلاقًا من استعداد مبدئي لدى البنوك الإسلامية في منطقة الخليج للاشتراك معًا في مشاريع مشتركة على مستوى الخليج فإن إمكانية التفاعل قائمة بين البنوك الإسلامية والمنظمة، والأسباب بسيطة وسهلة ودون الدخول في تعقيدات علمية لدى البنوك الإسلامية؛ المال، والرغبة في استثماره استثمارًا مجديًا.
ولدى المنظمة الخبرة والكوادر الفنية والسوق الواسع ودعم الدول الأعضاء بها لتسهيل تنفيذ دراستها على أرض الواقع.
ولهذا فإن منظمة الخليج في اعتقادنا تستطيع أن تشبع الحاجات الآتية للمصارف الإسلامية:
1-
إعداد دراسات عن السوق وعن فرص الاستثمار التي يتبين جدواها مبدئيًّا في مجالات الصناعة.
2-
إعداد دراسات الجدوى للمشروعات الصناعية والمنوي إقامتها.
3-
تقييم دراسات الجدوى التي تعرض على البنوك الإسلامية من عملاء آخرين أو من بيوت الخبرة المتخصصة.
4-
مساعدة البنوك الإسلامية في الترويج للمشروعات التي تتبناها البنوك الإسلامية.
5-
دعوة البنوك الإسلامية للمساهمة في المشاريع التي تطرحها المنظمة، والتي وافقت عليها الدول الأعضاء.
6-
تقديم فرص التدريب اللازمة للكوادر الفنية لدى البنوك الإسلامية في مجالات دراسة وتقييم وإدارة المشروعات الصناعية.
أما الصعوبات التي تعرضت لبحث بعضها آنفًا فعند وجود:
أ- المشروع المجدي.
ب- المتوسط الحجم.
جـ- ذو الغرض المقبول شرعًا من وجهة نظر إسلامية.
فإنه يمكن بالعمل الدؤوب تخطي الكثير منها والوصول إلى صيغ واتفاقات مقبولة.
وأما المنظمة فإن تعاونها مع مجموعة البنوك الإسلامية في دول الخليج سوف يساعدها بالتأكيد على الوصول إلى أهم أهدافها وهو تحقيق الإنماء الصناعي للمنطقة من منظور التعاون والتنسيق الاقتصادي، كما يساعدها في جهودها لتحقيق التكامل الصناعي بين دول منطقة الخليج العربي.
إن تعاون المنظمة مع البنوك الإسلامية يمثل أداة فعالة وقادرة على تخطي عقبات الروتين كما يمثل وصولًا أسرع إلى الإمكانيات المادية المطلوبة لدفع عملية التنمية والتكامل، ونحن كمجموعة مصارف إسلامية لنا أمل عريض في أن يشجع هذا التعاون جهات أخرى كثيرة في عالَمَيْنا العربي والإسلامي للسير في نفس الاتجاه وصولًا لتنمية الأمة ورفع مستوى الإنسان وتحقيقًا للاعتماد على النفس.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]
صدق الله العظيم
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي
لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات"
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب / البنك الإسلامي للتنمية / جدة.
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407 هـ
18 /6 – 21 /6 /1987م
بحث الدكتور محمد عبد الحليم عمر
عن
التفاصيل العملية لعقد المرابحة في النظام
المصرفي الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
موضوع البحث:
حينما قامت البنوك الإسلامية اتجهت صوب الشريعة الإسلامية للبحث عن صيغ لتوظيف أموالها، وكان من بين هذه الصيغ بيوع المرابحة التي تعتبر من الصور المناسبة لطبيعة عمل المصارف في تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتطبق على نطاق واسع فيها، وبالرغم من ذلك فإنها تكاد تكون الصورة الوحيدة التي ثار حولها جدل كثير ليس من حيث الفكرة كما وردت لدى الفقهاء القدامى، وإنما من حيث الأسلوب الذي تطبق به في البنوك الإسلامية المعاصرة، وبما أن هذا التطبيق يمثل صدى للأفكار النظرية حولها؛ لذلك أثر الخلاف النظري بين الفقهاء المعاصرين على الإجراءات العملية لبيوع المرابحة، الأمر الذي على هذه الصورة محور الاهتمام في كل الندوات والمؤتمرات والدراسات التي جرت حول البنوك الإسلامية، ويأتي هذا البحث ليقوم برصد الإجراءات التفصيلية لبيوع المرابحة لتحديد الفروق بين تطبيقها في البنوك الإسلامية، ثم تقويم هذه الفروق شرعيًّا واقتصاديًّا. وبذلك نصل إلى تحقيق الأهداف التالية.
هدف البحث:
إن الهدف العام لهذا البحث هو المساهمة العلمية في إنجاح مسيرة البنوك الإسلامية من خلال دراسة إحدى أهم صور توظيف الأموال بها وهي بيوع المرابحة لتحقيق ما يلي:
1-
تحديد الإجراءات التفصيلية لبيوع المرابحة في البنوك الإسلامية بصورة مجمعة في بحث واحد حتى يمكن تبادل المعلومات والخبرات بين البنوك التي يجمعها هدف مشترك.
2-
تحديد الفروق التطبيقية لبيوع المرابحة بين البنوك المختلفة، ثم تقويم هذه الفروق شرعيا واقتصاديا بصورة تساعد بعض البنوك على تعديل التطبيق استرشادا بالقواعد الشرعية وبما يتم تطبيقه في بنوك أخرى.
3-
بيان مدى تناسب التطبيق مع الأفكار النظرية شرعية واقتصادية بشكل يوضح للمسئولين في هذه البنوك مدى التزامهم بالأحكام الشرعية في تطبيق عقود المرابحة ومدى ومسايرة هذا التطبيق للأفكار الاقتصادية.
مصادر المعلومات: بما أن البحث يجمع بين الإطار التطبيقي والنظري لذلك اعتمدنا في إعداده على المصادر التالية:
أ- تجميع المعلومات عن الإجراءات العملية بواسطة الأدوات التالية:
1-
استمارة استقصاء – مرفق صورتها – أرسلناها لجميع البنوك الإسلامية ورد علينا بعضها.
2-
نماذج من طلب الشراء وعقد الوعد وعقد البيع مرابحة، المستخدمة في عدد من البنوك.
3-
دليل إجراءات العمل لبعض البنوك.
4-
الإطلاع على الفتاوى الصادرة من هيئة الرقابة الشرعية لبعض البنوك والتي ناقشت تطبيق المرابحة بها.
5-
الزيارة الميدانية لبعض البنوك بمصر ومناقشة بعض المسئولين بها عن تطبيق عقود المرابحة.
ب- بعض كتب الفقه قديمًا وحديثًا وأعمال المؤتمرات والندوات التي تناولت موضوع المرابحة.
محددات البحث: توجد عدة محددات يلزم ذكرها فيما يلي:
1-
إن بعض البنوك لم ترد على استمارة الاستقصاء المرسلة إليها وقد تكون لديها إجراءات تختلف عن باقي البنوك لم نذكرها لأننا لم نعلم بها.
2-
إننا التزمنا بالضوابط التي وضعتها إدارة الندوة –قدر الإمكان- من حيث عدد الصفحات.
3-
إن هناك بحوثًا أخرى في الندوة تتناول بالتفصيل الجوانب المختلفة للمرابحة الفقهية والقانونية والاقتصادية.
أسلوب البحث: قام البحث على الأسلوب التالي في عرض المعلومات:
1-
بدأنا البحث ببيان الإطار العام لعمليات المرابحة بشقيه الفقهي والمصرفي.
2-
قسمنا البحث بحسب المراحل التي تتم بها العملية (المواعدة – الشراء الأول – البيع مرابحة) ثم بحسب الخطوات التي تتم في كل مرحلة.
3-
أوردنا الإجراءات العملية التي تتبع في كل خطوة مع تحديد الفروق بينها.
4-
أوردنا الرأي الشرعي والاقتصادي بالنسبة لكل خطوة منها.
خطة البحث: سعيًا وراء تحقيق الهدف من البحث وتمشيًا مع الأسلوب المذكور تم تنظيم البحث وفق الخطة التالية:
المبحث الأول: الإطار العام لبيوع المرابحة.
المبحث الثاني: الإجراءات العملية في مرحلة المواعدة.
المبحث الثالث: الإجراءات العملية في مرحلة الشراء الأول.
المبحث الرابع: الإجراءات العملية في مرحلة البيع مرابحة.
المبحث الأول
الإطار العام لبيوع المرابحة
من المهم وقبل البدء في دراسة الإجراءات العملية لبيوع المرابحة أن نأتي في إيجاز على الجوانب الفقهية والمصرفية لها، لتتضح صورتها الإجمالية ولتساعد على تقويم الفروق التي تظهر في التطبيق، وسوف نتناول ذلك في الآتي:
أولًا- الجانب الفقهي ثانيًا- الجانب المصرفي
أولًا- الجانب الفقهي:
أ- تعريف المرابحة: توجد تعاريف عديدة للمرابحة لدى الفقهاء وهي وإن اختلفت في الصياغة إلا أن دلالاتها واحدة، حيث تدور حول بيع السلعة بثمن شرائها وزيادة ربح، حيث يقول أحد الفقهاء: المرابحة بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به وزيادة ربح. (1)
ب- مشروعيتها: يستدل الفقهاء على مشروعية المرابحة بأدلة عامة غير مباشرة مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2) والرأي الراجح لدى الفقهاء أن المرابحة جائزة شرعًا، وهناك من يرى كراهتها مثل ابن عمر وابن عباس، (3) بل إن هناك من يقول بمنعها مثل ابن حزم (4) ولقد بنيت الآراء التي تقول بالكراهة أو المنع على أن البيع يتضمن غررًا وجهالة ولقد فند ابن قدامة (5) هذه الحجة بما يمكن معه القول أن المرابحة جائزة شرعًا.
(1) الدسوقي – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير- دار إحياء الكتب العربية بمصر جـ 3 ص 159
(2)
سورة البقرة – آية 275
(3)
ابن قدامة – المغني – مكتبة الجمهورية العربية – جـ 4 ص 199
(4)
ابن حزم – المحلى – مكتبة الجمهورية العربية – جـ 9 ص 625
(5)
ابن قدامة – المغني – مكتبة الجمهورية العربية – جـ 4 ص 199
ويستفاد من الاستدلال على مشروعية المرابحة بالأدلة العامة، بأن الموضوع يدخل بصورة كبيرة في دائرة الاجتهاد الذي يجب أن يراعي إلى جانب الالتزام بالقواعد الشرعية العامة، ظروف الحال المتغيرة، وبذلك فإن التطبيق المعاصر لبيوع المرابحة يجب أن يراعي الظروف الحالية والتي من أهمها أن العملية تتم بين مؤسسات كبيرة وليس في نطاق المعاملات الفردية التي كانت موجودة في زمن الفقهاء القدامى، هذا إلى جانب التطور الكبير الذي لحق بالأنشطة الاقتصادية، وهذا ما يلزم على المجتهدين المعاصرين مراعاته دون التقيد الحرفي بكل ما قاله الأولون رغم أهميته.
جـ – شروط المرابحة: توجد عدة شروط للمرابحة ذكرها الفقهاء القدامى من أهمها:
1-
أن يكون الثمن الأول معلومًا لطرفي العقد، وكذلك ما يحمل عليه من تكاليف أخرى.
2-
أن يكون الربح محددًا مقدارًا أو نسبة من الثمن الأول.
3-
أن يكون الثمن الأول من ذوات الأمثال.
4-
أن يكون العقد الأول صحيحًا.
إلى غير ذلك من الشروط المذكورة تفصيلًا في كتب الفقه. (1)
د- صور المرابحة: يمكن أن تتم المرابحة بإحدى صورتين عرفهما الفقه قديمًا وهما:
1-
الصورة الأولى: ويمكن أن يطلق عليها الصورة العامة أو الأصلية وهي أن يشتري شخص ما سلعة بثمن معين ثم يبيعها لآخر بالثمن الأول وزيادة ربح، فهو هنا يشتري لنفسه دون طلب مسبق ثم يعرضها للمبيع مرابحة.
2-
الصورة الثانية: وهي ما يطلق عليها حديثًا اصطلاح " بيع المرابحة للآمر بالشراء " وكيفيتها: أن يتقدم شخص إلى آخر ويقول له: اشتر سلعة معينة موجودة –أو يحدد أوصافها- وسوف أشتريها منك بالثمن الذي تشتريها به وأزيدك مبلغًا معينًا أو نسبة من الثمن الأول كربح، وهذه الصورة وإن كانت تسميتها بالبيع مرابحة للآمر بالشراء من إطلاق الفقهاء المعاصرين إلا أن كيفيتها وردت لدى الفقهاء القدامى كما جاء في كتاب الأم للشافعي ما نصه: "وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز
…
" ثم يقول: "وهكذا إن قال: اشتر لي متاعًا - ووصفه - أو متاعًا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع.." (2)
(1) يراجع في ذلك: ابن قدامة المغني مرجع سابق جـ 4 ص 198 وما بعدها، ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقصد – دار الكتب العربية – جـ 2 ص 273 وما بعدها، الشربيني الخطيب – مغني المحتاج – مطبعة مصطفى الحلبي جـ 2 ص 76 وما بعدها.
(2)
الإمام الشافعي – الأم- الدار المصرية للتأليف والترجمة جـ 3 ص 33.
ثانيًا: الجانب المصرفي للمرابحة: وسوف نتناول فيه النقاط التالية:
أ- مدى تناسب المرابحة مع طبيعة البنوك الإسلامية.
ب- حجم عمليات المرابحة في البنوك الإسلامية.
جـ- الصورة التي تتم بها وأساليب تطبيقها في البنوك الإسلامية.
أ- مدى تناسب المرابحة مع طبيعة عمل البنوك الإسلامية: يثير البعض شبهات (1) حول قيام البنوك الإسلامية بعمليات المرابحة على أساس أن طبيعة عمل هذه البنوك هو الوساطة المالية وأن عملية المرابحة تقتضي الوساطة التجارية ولذلك فإن البنك يطبق المرابحة بأسلوبه كوسيط مالي وليس كتاجر حيث يقوم بدفع مبلغ للمورد ويتقاضى من المشتري مرابحة أزيد منه، وفي ذلك شبهة ربا لا محالة.
وفي رأينا أن هذه الشبهة لا محل لها، حقيقة أن طبيعة عمل المصارف عمومًا هو الوساطة المالية، ولكن هذه الوساطة بين الادخار والاستثمار، حيث تقوم بتجميع المدخرات وتوجيهها إلى الاستثمارات المختلفة ويختلف هذا التوجيه بحسب نوع البنوك من تجارية ومتخصصة وبنوك استثمار وأعمال، والتي يحق لها استثمار الأموال بنفسها في أعمال وأنشطة تجارية وصناعية وغيرها.
(1) د. رفيق المصري – النظام المصرفي الإسلامي- المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي باكستان – مارس 1983 ص 47 وله أيضًا نفس الرأي في ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي المدينة المنورة – رمضان 1403 – كتاب المناقشات صفحات 95 – 96، 129 - 130
ولا تختلف طبيعة عمل البنوك الإسلامية (1) وفق هذا التصور عن غيرها في كونها تقوم بالوساطة المالية بين الادخار والاستثمار، غير أن هذه الطبيعة تقتضي أن تكون البنوك الإسلامية بنوك استثمار وأعمال حيث تقوم بمباشرة الأنشطة الاقتصادية المختلفة بنفسها بصور عديدة ومنها صورة بيوع المرابحة التي تعني شراء وبيع السلع بربح محدد، وبالتالي يمكن القول أن عملية المرابحة لا تتناقض مع طبيعة عمل المصارف الإسلامية بل على العكس هي من أنسب صور توظيف الأموال بها، كما أن دور البنك في هذه العملية ليس التمويل فقط، وإن كان التمويل لا يمنع من كون العملية تجارة أيضًا، لأن الحكمة من بيوع المرابحة تتحدد في الآتي:
1-
أن المشتري مرابحة لا تكون لديه الخبرة في الشراء، وبذلك يعهد إلى غيره ممن له خبرة لشرائها ثم يبيعها له مرابحة.
2-
أن المشتري مرابحة لا تكون لديه القدرة التنظيمية لإتمام عملية الشراء.
3-
أن المشتري مرابحة لا تكون لديه القدرة التمويلية لتمويل عملية الشراء فورًا.
4-
تقليل المخاطر على المشتري مرابحة خلال فترة الشراء الأول من المورد. وإحضار السلعة فإنه وإن كان لا يمكن القول بأن البنك الإسلامي أكثر خبرة من المشتري، خاصة إذا كان الأخير يعمل أو يتاجر في السلعة، فإنه بالتأكيد يقدم خدمات أخرى لإتمام العملية مثل تحمل المخاطر خلال فترة الشراء الأول ومباشرة العملية من خلال أجهزته بالإضافة إلى تمويل العملية، ولكل ذلك فهو ليس ممولًا للعملية فقط، وإنما يمارس الدور التجاري، وما يستحق من ربح ليس فقط لتقديم الأموال كالبنوك الربوية وإنما أيضًا لما يقوم به من دور في إتمام الصفقة.
ب- حجم عمليات المرابحة في البنوك الإسلامية: تأكيدًا لتناسب عمليات المرابحة مع طبيعة عمل البنوك الإسلامية فإنها تقوم بها على نطاق واسع في جميع أنواع السلع ومن مصادر محلية وأجنبية وبمبالغ كبيرة، فلقد ظهر من الإجابات على استمارة الاستقصاء ما يلي:
1-
أن عمليات المرابحة تتم على منقولات من أغذية وسيارات وبضائع مختلفة كما تتم على عقارات في بعض الأحيان.
2-
أن نسبة مصدر البضائع تتراوح بين 30 % إلى 90 % مصادر محلية وبين 70 % إلى 10 % مصادر أجنبية.
3-
أن نسبة عمليات المرابحة إلى مجموع عمليات التوظيف الأخرى بالبنوك تتراوح بين 90 % وبين 65 % سواء من حيث عدد العمليات أو المبالغ الموظفة.
(1) من المهم الإشارة إلى أن البنوك الإسلامية تختلف عن غيرها في علاقتها بالمدخرين والمستثمرين حيث تقوم هذه العلاقة على قاعدة المشاركة وليس قاعدة الاقتراض والإقراض بفائدة ربوية.
جـ- الصورة التي تتم بها المرابحة وأساليب تطبيقها في البنوك الإسلامية:
لقد سبقت الإشارة إلى أن الفقه الإسلامي قديمًا عرف صورتين للمرابحة هما الصورة العامة وصورة بيع المرابحة للآمر بالشراء، وبالنظر في التطبيق المعاصر نجد أن الصورة الأولى والتي يسبق العرض فيها الطلب نادرة الحدوث، كما أفادت بذلك البنوك في إجاباتها على أسئلة استمارة الاستقصاء، ويقف وراء هذه الندرة عدة أسباب منها:
1-
أن السلع تتعدد ويوجد تخصص في التجارة ولا يعقل أن يتخصص البنك الإسلامي في سلعة معينة، وإلا لكان بذلك يضيق من دائرة نشاطه، كما لا يمكن اقتصاديا شراء جميع السلع وعرضها انتظارًا لطلبها لما يصاحب ذلك من تكاليف ومجهودات كثيرة لدراسة الأسواق، ولوجود مخاطر كبيرة تتمثل في عدم القدرة على تصريف البضاعة وتعطيل جزء من أمواله في المخزون السلعي.
2-
أنه لا توجد لدى البنك قدرة تخزينية لاستيعاب السلع التي يشتريها انتظارًا لبيعها مرابحة.
3-
عدم وجود الكفاءات البشرية المطلوبة لتنفيذ هذه الصورة والتي يلزم أن تكون متخصصة في عمليات التسويق شراء وبيعًا.
لذلك فإن الصورة الأخرى " بيع المرابحة للآمر بالشراء " هي التي تلقى قبولًا في التطبيق العملي كما أفادت بذلك كل البنوك التي ردت على أسئلتنا، وهذه الصورة نقوم بالطبع على الفكرة الأصلية للصورة العامة حيث يقوم المصرف ببيع ما اشتراه مرابحة وإن كان يسبق ذلك طلب من المشتري أي أن الطلب فيها يسبق العرض بما يضمن معه البنك من تصريف السلع التي يشتريها.
وبالنظر في الإطار التطبيقي لهذه الصورة كما تحدث في البنوك الإسلامية نجد أنها تطبق بعدة أساليب هي:
الأسلوب الأول: وكيفيته أن يتقدم العميل للبنك بطلب شراء سلعة معينة يحدد أوصافها ويقوم المصرف بالحصول عليها بطريقته من أي مصدر ثم يبيعها مرابحة لطالبها.
الأسلوب الثاني: وكيفيته أن يتقدم العميل للمصرف بطلب شراء سلعة معينة يحدد أوصافها ومصدر توريدها وكل البيانات المتعلقة بها ويقوم المصرف بشرائها بعينها من نفس المصدر ويبيعها مرابحة لطالبها.
وهذان الأسلوبان يطبقان في البنوك الإسلامية وهما جائزان شرعا كما يقرر بذلك الإمام الشافعي في القول السابق سواء حدد العميل سلعة بعينها أو حدد أوصافها.
الأسلوب الثالث: ويحدث في حالة السلعة المستوردة والمصرف يكون في دولة تحكمها قوانين وقرارات استيراد، حيث يحدد لكل مستورد في الدولة حصة معينة للاستيراد وتصدر له رخصة بذلك فيتقدم المستورد بطلب إلى البنك ليقوم باستيراد السلعة وبيعها له مرابحة، وبما أن رخصة الاستيراد تكون باسم المستورد وأنه في بيع المرابحة لابد أن تكون السلعة في ملك البنك أولا حتى يمكنه بيعها مرابحة، وحلًّا لذلك فإنه في هذه الحالة يتم تطبيق بيع المرابحة بأي من الطريقتين بحسب ما تسمح به قوانين الدول التي توجد بها البنوك.
الطريقة الأولى: أن يقوم العميل المشتري مرابحة بالتنازل عن رخصة الاستيراد للبنك حتى يمكنه شراء السلعة باسمه ثم بيعها مرابحة وهذا ما يتم على سبيل المثال في البنوك الإسلامية العاملة بالسودان.
الطريقة الثانية: أن تستخدم الموافقات او الرخص الاستيرادية للعملاء لإتمام عملية الاستيراد وترد مستندات الشحن باسم المصرف ويتم تظهيرها تظهيرا ناقلا للملكية باسم العميل ويتم إبرام عقد البيع مرابحة معه وبذلك تدخل البضاعة إلى الدولة باسم المستورد، وهذا يحدث في بنك فيصل المصري حيث إن قوانين الاستيراد في مصر تحظر على غير المصريين الاستيراد وبنك فيصل يعتبر من المصارف المشتركة لأن به مساهمين أجانب.
وتجدر الإشارة إلى أنه لو كان للبنك الحق في الاستيراد فإن العملية تدخل في نطاق الأسلوب الثاني.
الأسلوب الرابع: ويمكن تسميته بأسلوب توكيل البائع أو المورد في إجراء عملية البيع مرابحة نيابة عن البنك، وكيفيته كما وردت في جواب المستشار الشرعي للبنك الإسلامي الأردني ردا على مدى شرعية هذا الأسلوب في إجراء عمليات المرابحة، أن يتولى البنك اختيار البائعين وتحديد سقف لمعاملاتهم مع البنك في حدود مبلغ معين على أن يتقدم المشتري بطلب شراء للبنك، فيطلب البنك من البائع عرض أسعار للتحقق من مطابقة الشروط ثم يشتري البنك البضاعة من البائع بموجب فاتورة صادرة باسمه ويتولى البائع بطريق الوكالة تنظيم عقود البيع مرابحة واستلام الدفعة الأولى وتنظيم الكمبيالات وكفالتها ثم يقدم البائع مستندات العملية للبنك الذي يدفع له قيمتها.
وقد أجاب المستشار باعتماد هذا الأسلوب (1) .
(1) البنك الإسلامي الأردني – الفتاوى الشرعية جـ1 1984 فتوى رقم 5، 14، 21
الأسلوب الخامس: ويمكن أن نطلق عليه أسلوب توكيل المشتري مرابحة في إجراء عملية البيع مرابحة نيابة عن البنك، وكيفيته كما ورد في ندوة البركة بالمدينة المنورة (1) أن يطلب شخص من البنك شراء سلعة معينة لبيعها له مرابحة فيتفق معه البنك على توكيله في عملية الشراء، ثم توكيله ثانية في بيعها لنفسه مرابحة، وقريبا من ذلك ما ذكره أحد أعضاء الندوة (2) فيما وجده مطبقا في بعض البنوك بأن يحضر شخص للبنك ويطلب منه شراء سلعة معينة ليشتريها من البنك مرابحة، فيقوم البنك بإعطائه شيكا بالمبلغ لشرائها بنفسه وأخذها مرابحة، وفي رأينا فإن هذا الأسلوب بشقيه (توكيل أو بدون توكيل) غير سليم للآتي:
1-
أنه لا يجوز في عقود المفاوضات ومنها البيع أن يتولى شخص واحد تولي العقد عن الجانبين؛ ولذلك لم يجز أن يكون الشخص الواحد وكيلا عن الجانبين في البيع وأشباهه (3) ، وبالتالي فإنه وإن صح توكيل المشتري مرابحة في إجراء الشراء الأول فلا يصح توكيله في البيع لنفسه مرابحة.
2 – أن في هذا الأسلوب شبهة التحايل لمعاملة ربوية حيث قد لا تكون هناك سلعة بالمرة، وإنما تتم العملية صوريًّا لحصول العميل على مبلغ الصفقة حالا ورده آجلا بزيادة، وذكر السلعة بينهما لتغطية العملية.
لذلك فإننا ندعو البنوك الإسلامية إلى الامتناع عن هذا الأسلوب الذي يخالف الشريعة الإسلامية.
(1) ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي- المدينة المنورة – مرجع سابق ص 323- 330
(2)
د. صديق الضرير – مرجع سابق ص 106
(3)
الشيخ محمد أبو زهرة – الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية – دار الفكر العربي 1976 ص406
المبحث الثاني
الإجراءات العملية في مرحلة المواعدة
لقد سبق القول أن بيع المرابحة للآمر بالشراء هو الصورة المطبقة في البنوك الإسلامية، وتبدأ هذه الصورة بمرحلة المواعدة على الشراء حيث يتقدم العميل إلى البنك بطلب لشراء السلعة، وبعد أن يتم دراسة الطلب يتم إبرام عقد الوعد معه، وبالتالي فإن الإجراءات في هذه المرحلة تسير وفق الخطوات التالية:
أولا – تلقي المصرف لطلب الشراء.
ثانيا – دراسة المصرف العملية.
ثالثا – إبرام عقد الوعد مع العميل.
أولا – طلب الشراء: تبدأ العملية بتلقي البنك طلبا من العميل يوضح فيه رغبته في أن يقوم البنك بشراء سلعة معينة على أن يشتريها العميل منه مرابحة، ومن الناحية التطبيقية فإن ذلك يتم في جميع البنوك الإسلامية من خلال نموذج يسمى " طلب شراء أو طلب شراء المرابحة أو رغبة بالشراء ".
أ – البيانات التي تظهر به:
1 – بيانات مشتركة لدى جميع البنوك وهي:
- مواصفات البضاعة المطلوب شراؤها، - بيانات عن العميل.
- القيمة الإجمالية، - المستندات المطلوبة.
2 – بيانات تنفرد بها بعض البنوك:
- نسبة الربح، - مصدر البضاعة -، شروط ومكان التسليم.
هذا مع ملاحظة ما يلي:
- أن هذا الطلب أو الرغبة عبارة عن بيان بالبضائع المطلوب شراؤها كما هو واضح من التقديم في نماذجها.
- أن هذه النماذج تحيل إلى عقد الوعد الذي يوجد على نفس نموذج طلب الشراء بالصفحة الخلفية في بعض البنوك وتظهر الإحالة بالنص وهذه البضائع هي موضوع وعد الشراء المحرر بيننا وبينكم بتاريخ / /، وبالتالي فإن ما لم يذكر في طلب الشراء من بيانات لدى بعض البنوك يوجد تفصيلا وزيادة عليه في عقد الوعد كما سنرى فيما بعد.
ب – ومن دراسة نماذج طلبات الشراء وإجابات البنوك على استمارة الاستقصاء عن هذه الخطوة يتضح أن العميل قد يقوم بالدراسة المبدئية لتحديد السلعة محل الصفقة وتحديد مصدرها وسعر شرائها وكافة الشروط الأخرى المتعلقة بالشراء الأول، ولتقويم ذلك اقتصاديا يمكن القول بالآتي:
1 – إن قيام العميل بتحديد السلعة ومصدرها والسعر المبدئي لشرائها أمر طبيعي لأنه الذي يحتاج السلعة وهو أقدر على تحديد مواصفاتها ويعرف مصادرها ولديه خبرة بها، هذا مع مراعاة أن البنك يقوم بعد تلقى طلب الشراء بدراسة العملية كما سيأتي بعد.
2 – من الناحية الفقهية فإن قيام العميل بالاتصال الأول بالموردين وتحديد السلعة أمر يجد سنده الفقهي في قول الإمام الشافعي المشهور حيث جاء في صدره: " وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعةَ،: فقال اشتر هذه وأربحك فيها
…
" حيث يفهم من النص أنه يجوز أن يقوم المشتري مرابحة بتحديد السلعة تعيينًا ويريها للبائع مرابحة، وتطبيق ذلك في الوقت المعاصر يكون باتصال المشتري مرابحة بالمورد والحصول منه على فاتورة مبدئية وباقي المستندات في حالة الاستيراد من الخارج وتقديمها مع طلب الشراء للبنك.
ثانيا – دراسة العملية: حينما يتلقى البنك طلب الشراء من العميل يقوم بدراسة العملية من كل جوانبها، والتي تشمل – بإيجاز – كما ورد بدليل الإجراءات لدى أحد البنوك:(1) .
1-
سلامة البيانات المقدمة من العميل سواء عن نفسه أو البضاعة موضوع الصفقة أو المورد.
2 – دراسة سوق السلعة حتى يضمن إمكانية تسويقها في حالة نكول العميل عن الشراء.
3 – التأكد من أن الطلب يدخل فعلا ضمن نشاط العميل حتى لا تكون العملية ستارا لحصوله على مبلغ الصفقة.
4 – التأكد من أن العملية تتفق والأغراض التي يمولها البنك.
5 – التأكد من أن العملية تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين السائدة.
6 – دراسة الحالة المالية للعميل للتأكد من قدرته على سداد الثمن.
7 – بيان تكلفة العملية بالتفصيل.
8 – تحديد نسبة الربح طبقا لنوع السلعة وأجَل السداد.
9 – تحديد الأسلوب المقترح لتنفيذ العملية من حيث كيفية دفع الثمن للموردين وتحصيله من العميل.
10-
تحديد الضمانات المقترحة لضمان حق البنك في تحصيل الثمن في ضوء حالة العميل وقيمة الصفقة.
(1) بنك فيصل الإسلامي المصري – دليل العمل ص120 وما بعدها
هذا مع ضرورة الإشارة إلى بعض الأمور المتصلة بدراسة العملية التي اتضحت لنا من إجابات البنوك على استمارة الاستقصاء وهي:
أ – أن بعض البنوك عند دراسة العملية تقوم بالحصول على عروض أخرى لنفس نوع السلعة ومواصفاتها بغرض المقارنة والحصول على أفضل العروض لإتمام الصفقة، وهذا أمر له أهميته؛ لأن فيه خدمة للمشتري مرابحة ويؤكد صحة ما ذهبنا إليه سابقا من أن دور البنك في العملية ليس مجرد دور تمويلي فقط كما يعتقد البعض، بل أنه يقوم بدور تجاري أيضا.
ولقد أوردنا سؤالًا باستمارة الاستقصاء: " إذا كان لدى المصرف عرض من مورد آخر خلاف المورد الذي حدده العميل بشروط أفضل، هل يؤخذ به؟ " فأجابت بعض البنوك بنعم وأخرى: لا.
ب – أنه توجد لدى البنوك مشكلات تتعلق بدراسة العملية من أهمها:
1-
عدم توافر المعلومات عن الموردين – خاصة المصدرين – ويقترح لذلك:
- إنشاء مركز معلومات عن الموردين.
- إقامة علاقات مع كل من الغرف التجارية والزراعية والصناعية والملحقين التجاريين والهيئات التجارية بالدول الإسلامية.
2 – عدم وجود قسم لدراسة السلع يمكن بواسطته دراسة الحالة التسويقية للسلعة حتى يمكن تصريفها في حالة نكول العملاء.
ثالثا – عقد الوعد: إن الخطوة التالية لدراسة العملية وقبول البنك القيام بها هي إبرام عقد الوعد مع العميل، والذي يتفق بموجبه الطرفان – البنك والعميل على تنفيذ العملية، وسوف نتناول في هذه الخطوة ما يلي:
أ – هل يتم إبرام عقد الوعد أو يكتفى بطلب الشراء؟ لقد أجابت غالبية البنوك على هذا التساؤل بنعم وأرفقت بإجاباتها نموذجا لهذا العقد، وأجاب عدد قليل منها بأنه يكتفى بطلب الشراء، والحجة لدى الفريق الأخير أن إبرام عقد الوعد فيه معنى الإلزام بإتمام الصفقة، وهم لا يأخذون بالرأي الذي يقول بالإلزام بالنسبة للعميل – كما سيأتي بعد- وبالتالي فليس هناك حاجة في نظرهم لإبرام عقد الوعد، وبمناقشة ذلك يمكن القول أن إبرام عقد الوعد ضروري من الناحية العملية حتى مع القول بعدم إلزام الوعد؛ لأن العميل وقد أبدى رغبته في الشراء بموجب طلب شراء فإن الأمر يقتضي الرد على طلبه كتابة؛ لأنه لا يمكن الاعتماد على ذاكرة العاملين، أو العميل وبدلا من أن يرسل البنك له خطابا بذلك فإن الأفضل أن يبرم معه اتفاقا مكتوبا يحفظه كل طرف في ملف العملية لديه حتى يبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الصفقة، ويمكن النص إذا رأيا الأخذ بعدم الإلزام على ذلك بالعقد.
ب – البيانات التي تذكر بعقد الوعد: بالاطلاع على نموذج العقود التي وصلتنا مع استمارة الاستقصاء وجدنا أنها تشتمل على البيانات التالية:
1 – بيانات مشتركة لدى جميع البنوك، وهي:
- المقدمة التي تشتمل على البيانات الخاصة بطرفي العقد، وموضوع العقد وهو البيع مرابحة.
- الإحالة إلى طلب الشراء فيما يتعلق بتحديد نوع البضائع ومواصفاتها وغير ذلك من البيانات التي وردت به.
- نسبة الربح المتفق عليها.
- كيفية سداد ثمن البيع.
2 – بيانات تختلف من بنك إلى آخر، وهي:
- إقرار الطرف الثاني (العميل) بتنفيذ وعده بالشراء عند إخطار البنك له بأن البضاعة جاهزة، فلقد ورد هذا الإقرار في أغلب النماذج.
- ورد في نماذج بعض البنوك بأنه إذا امتنع أحد طرفي العقد (العميل أو البنك) من تنفيذ وعده يتحمل الأضرار التي تلحق بالطرف الآخر، بينما ورد ذلك بالنسبة للعميل فقط لدى بعض البنوك الأخرى.
- إقرار الطرف الثاني بأهليته للتعاقد والتزامه بأحكام الشريعة والنظام الأساسي للبنك.
- النص على قيام العميل بدفع مبلغ مقدم عند توقيع عقد البيع كتأمين لضمان جديته.
- النص على أن الشاحن يعتبر وكيلا عن البنك، وفي نماذج أخرى وكيلا عن الطرفين.
- النص على أن ما ورد ذكره يخضع للقوانين والأعراف النافذة في الدولة، وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفي بنوك أخرى أحالت النزاع الذي ينشأ إلى هيئة تحكيم يختارها الطرفان.
- نصت بعض البنوك على أحقيتها في شراء البضاعة من مصدر آخر خلاف المورد الذي حدده العميل في طلب الشراء، بينما نصت بعض البنوك على أنه إذا امتنع المورد الذي عينه العميل عن تنفيذ الصفقة أو أخرها لا يكون البنك مخلا بوعده وليس مسئولا عن الضرر الذي يعود على العميل، وعليه – أي العميل- أن يدفع كافة المصاريف التي تكبدها البنك نتيجة عدم تنفيذ الصفقة.
وبالنظر في هذه البيانات يمكن إبداء الملاحظات التالية.
1 – أن تحديد الربح ورد في بعض النماذج كنسبة من التكلفة الكلية، وفي البعض الآخر استثنى منها الرسوم الجمركية، ومصاريف النقل إلى مخازن العميل، وسوف نعود إلى ذلك تفصيلا فيما بعد.
2 – أن النص على إلزام العميل بالوفاء بوعده دون البنك في بعض عقود الوعد يحتاج إلى تعديل؛ لأن الأصل المتفق عليه وفقا لقول الشافعي أن البنك ملزم بتنفيذ وعده، بينما الخلاف يدور حول إلزام العميل كما سيأتي بعد.
3 – أن النص في بعض النماذج على التزام العميل بتعويض الضرر الواقع على البنك نتيجة عدم الوفاء بوعده يحتاج إلى تعديل كما جاء في النماذج الأخرى التي تلزم في ذلك كلًّا من العميل والبنك.
4 – أن النص على أن الشاحن يكون وكيلا عن الطرفين ليس له سنده القانوني أو الشرعي؛ لأنه في مرحلة الشراء الأول يكون البنك هو المشتري ولا دخل للعميل بها.
5 – أن النص على أنه إذا امتنع المصدر المعين من قبل العميل على تنفيذ العملية فإن البنك لا يكون مسئولا، يحتاج إلى إعادة نظر؛ لأن ذلك يخفف من مسئولية البنك بينما مسئولية العميل قائمة مهما كانت الأعذار.
جـ-الإلزام بالوعد: تعتبر هذه القضية من موضوع بيع المرابحة للآمر بالشراء محل الخلاف الرئيسي حيث كثرت فيها الكتابات وصدرت بشأنها التوصيات العديدة، ويدور الخلاف فيها بين آراء ثلاثة أولها: أن الوعد غير ملزم للعميل أو المصرف، وثانيها: أن الوعد ملزم للمصرف فقط، وثالثها: أن الوعد ملزم لكل من العميل والمصرف، ويأتي التطبيق العملي صدى لهذه الآراء، كما أفادت بذلك البنوك في إجاباتها على استمارة الاستقصاء.
ويعتبر الرأي الثالث (الإلزام لكلا الطرفين) هو الرأي الراجح لدى الفقهاء المعاصرين وبالتالي هو الرأي السائد في التطبيق العملي، ويقف وراء هذا الرأي الذي تؤيده عدد من الحجج العملية والأدلة الشرعية (1)، لسنا في حاجة إلى تكرارها لكننا نود التأكيد بخصوصها على الآتي:
1 – أن موضوع المرابحة في أصل من الأمور الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي محدد، وبالتالي فإن الاستدلال بقول الإمام الشافعي بعد الإلزام بالوعد للعميل هو اجتهاد منه صدر في ظل ظروف معينة، وكما يقول الدكتور القرضاوي (2) :" ومن يدري لعل الإمام الكبير- يقصد الشافعي – لو رأى ما يترتب اليوم على إعطاء الخيار لطالب الشراء في الصفقات الكبيرة من الأضرار والخسائر لغير اجتهاده دفعا للضرر وتجنبا لأسباب النزاع بين الناس ".
وعلى ذلك فإن الرأي الذي وصل إليه جمهور الفقهاء المعاصرين من القول بالإلزام لا يخالف نصا ولا يعطل حكما شرعيا قائما، بل على العكس يدور في فلك مقصود الشريعة من المحافظة على الأموال ومنع الضرر والحد من المنازعة بين الناس.
2-
أن الوفاء بالوعد من القواعد الأصولية في الإسلام التي يجب أن يلتزم بها المسلم في كل أعماله.
3 – أن هناك آراء لدى الفقهاء القدامى تقول بالإلزام بالوعد في المعاملات دينا وقضاء.
(1) انظر في ذلك: د. يوسف القرضاوي – " بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية " دار القلم الكويت.
(2)
د. يوسف القرضاوي – " بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية " دار القلم الكويت ص51
4 – أن التراضي من أهم ركائز العقود والمعاملات في الإسلام، وحيث إن الطرفين تراضيا على الالتزام بالوعد فإنه ينفذ طالما لم يتفقا على ما يخالف نصا شرعيا، وأن هذا الإلزام لا ينافي مقصود العقد.
5 – أن ما يسوقه البعض (1) من أنه كان هناك إلزام بالوعد فإن العملية تكون قد تمت، وفي ذلك مخالفة للحديث الشريف ببيع الإنسان ما ليس عنده، هذا فضلا على أنه لا يكون هناك داع لإبرام عقد البيع عند حضور البضاعة، هذا القول مردود عليه بأن الاجتهاد الفقهي والتطبيق العملي المعاصر على أن عقد الوعد ليس بعملية بيع، وأنه ينصب على الوفاء بالوعد فقط، بدليل أنه يمكن تعديل الثمن أو شروط السداد في عقد البيع بعد ورود البضاعة والوقوف على تكلفتها الفعلية؛ ولذلك لا تحتوي عقود الوعد في البنوك الإسلامية على ثمن البيع مرابحة بل تذكر بقيمة إجمالية – احتمالية – في طلب الشراء، ولذلك لا يتم عقد البيع إلا بعد ورود البضاعة فعلا للبنك.
وفي نهاية هذا المبحث نورد ملاحظة عامة تتعلق بترتيب الإجراءات في مرحلة المواعدة، فلقد تبين لنا أنها لا تمر وفق الخطوات المنطقية التي ذكرناها (طلب شراء – دراسة العملية- إبرام عقد الوعد) ، بل الذي يتم هو تقديم طلب الشراء كبيان بالبضائع مع إبرام عقد الوعد في نفس الوقت، والذي يكون على نفس نموذج طلب الشراء، ثم يبدأ البنك في دراسة العملية، فإن وجدها مجدية استمر فيها وإلا توقف عنها، وهذا الإجراء يتعارض أولا مع الترتيب المنطقي للعملية، وثانيا أنه في حالة الأخذ بالالتزام بالوعد للطرفين ورأى البنك بعد الدراسة عدم جدوى العملية يعتبر مخلا بالوعد، ولكن الذي يحدث في بعض البنوك أنه غير مخل بوعده، وفي ذلك تناقض بين الإطار النظري والتطبيقي لدى هذه البنوك، بل أننا وجدنا بعض البنوك تذهب في المخالفة إلى أبعد من ذلك فتبرم عقد البيع مع عقد الوعد عند تلقي طلب الشراء.
(1) د. الصديق الضرير – ندوة البركة – مرجع سابق ص: 102
المبحث الثالث:
الإجراءات العملية في مرحلة الشراء الأول
بعد أن تنتهي الإجراءات في مرحلة المواعدة تبدأ المرحلة التالية وهي قيام البنك بإجراءات شراء السلعة المطلوبة حتى يتمكن من بيعها مرابحة للعميل، وتمر هذه المرحلة في الخطوات التالية:
أولا: الاتصال بالمورد والتعاقد معه للشراء.
ثانيا: استلام البنك للسلعة من المورد.
ثالثا: المخاطر التي تتعرض لها السلعة خلال مرحلة الشراء الأول.
أولًا: الاتصال بالمورد والتعاقد معه للشراء: وسوف نتناول في هذه المرحلة الإجراءات التالية:
أ – الاتصال بالمورد: يقوم المصرف بالاتصال بالمورد بعدة طرق أهمها:
1 – إذا كان المورد محددا في طلب الشراء المقدم من العميل فإن البنك تكون لديه بيانات عنه وعن البضاعة وأسعارها من واقع الفاتورة المبدئية، وشروط التسليم والدفع، وبذلك فإنه يبدأ في الاتصال به واتخاذ إجراءات الشراء بالطرق المعتادة، وهذا لا يمنع لدى بعض البنوك من أن يحصل البنك على عروض من موردين آخرين للمقارنة بينها واختيار الأفضل، وهذا ما أفادت به بعض البنوك.
2 – إذا لم يكن المورد محددا في طلب الشراء فإن البنك يتولى بواسطة القسم أو الإدارة المختصة لديه بالاتصال بالموردين والحصول على عروضهم، ثم يبدأ في الشراء بالإجراءات المعتادة.
3 – أن يكون هناك اتفاق مسبق بين البنك وبعض الموردين على تصريف سلعهم من خلال عمليات المرابحة بالبنك، وبذلك فإن العميل حينما يذهب للمورد للشراء يرسله للبنك فيقدم طلب شراء وبعد دراسته وإبرام عقد الوعد يصدر أمر توريد للمورد ويشتري منه البضاعة، ثم يوكل البنكُ الموردَ في عملية البيع مرابحة للعميل كما سبق ذكره.
4 – توكيل البنك للعميل في الاتصال بالموردين في مرحلة الشراء الأول خاصة إذا لم يكن في البنك قسم مختص أو خبراء لشراء هذه السلعة، هذا مع ضرورة الإشارة إلى أنه وإن كان يجوز شرعا توكيل البنك للعميل في الشراء الأول، فإنه لا يجوز توكيله في البيع مرابحة لنفسه كما سبق ذكره.
ب – التعاقد مع المورد:
1-
أسلوب التعاقد: يتم التعاقد مع المورد بأساليب تختلف بحسب الظروف ونوع السلعة وبذلك يأخذ التعاقد أحد الأساليب التالية:
- إصدار أمر توريد للمورد، ثم ورود الفاتورة منه، وذلك في الشراء المحلي.
- فتح الاعتماد المستندي، وورود مستندات الشحن التي يتسلمها الشاحن وكيلا عن البنك.
- إبرام عقد شراء بين المصرف والمورد، خاصة في حالة العقارات وبعض المنقولات كالسيارات.
وبكل هذه الأشكال ينعقد الشراء الأول بين المورد والبنك بناء على الرأي الفقهي الراجح (1) في أن العقود تنعقد بكل ما يدل على مقصودها من قول أو فعل أو ما يقوم مقامهما كالكتابة، وحيث إن إرسال أمر التوريد للمورد يمثل إيجابا من البنك فإن إرسال المورد للفاتورة أو مستندات الشحن إلى البنك يمثل القبول.
2 – شروط التعاقد: ومن أهم ما يجب ذكره هنا ما يلي:
- أنه يجب أن يكون مستند التعاقد (فاتورة أو عقد) باسم البنك حتى لو تولى أي شخص آخر الشراء وكيلا عن البنك، وذلك حتى يتحقق شرط ملكية البنك للسلعة قبل بيعها مرابحة، وهذا ما يحدث في الواقع التطبيقي كما أفادت بذلك البنوك في إجاباتها على أسئلة استمارة الاستقصاء بأن البنك يقوم بالشراء لحساب نفسه وتكون المستندات باسمه، هذا مع مراعاة أن بعض البنوك أفادت بأن الفواتير ترد باسم العميل وذلك بالنسبة لعمليات الاستيراد، ونرى في هذه الحالة أن العملية لا تكون بيع مرابحة بل يكون البنك وكيلا عن العميل في الشراء.
- بالنسبة لبعض السلع كالعقارات والسيارات فإن القوانين السائدة في الدول المختلفة تشترط لنقل الملكية ضرورة تسجيل عقد البيع في إدارة التسجيل الحكومية المختصة " كالشهر العقاري بمصر " وبناء عليه فإنه يلزم في حال شراء البنك لمثل هذه السلع أن يسجلها باسمه قبل بيعها مرابحة حتى تتحقق ملكيته لها، وهذا ما ورد في الفتاوى الشرعية لبعض البنوك (2) ، ونرى بالنسبة لهذه النقطة أنه يمكن الاكتفاء في تحقيق شرط ملكية البنك للسلعة قبل بيعها مرابحة بالعقد الابتدائي تبسيطا للإجراءات، وتخفيضا لتكاليف السلعة خاصة في الدول التي يتطلب التسجيل فيها إجراءات مطولة وتكاليف كبيرة، وبما أن البنك يشتري السلعة ليبيعها بمجرد شرائها، فلا داعي لأن تتم إجراءات التسجيل مرتين، مرة باسم البنك ومرة باسم المشتري مرابحة، هذا فضلا عن أن ما نراه لا يتعارض مع القواعد الشرعية التي تقول بأن العقد ينعقد بكل ما يدل عليه وأن الإقرار به عند حاكم (التسجيل) إجراء لتأكيد العقد وليس ضرورة لإنشائه، فهي توثقة للعقد لا زيادة فيه (3) .
- صفة الثمن: نظرا لأن بيع المرابحة يبنى على الثمن الأول، فإنه يلزم العلم به صفة ومقدارا وهذا ما سنوضحه فيما بعد، كل ما نريد توضيحه هنا أنه لو اشترى البنك السلعة بالأجل فلا بد أن يبين هذه الصفة قبل البيع مرابحة (4) لأن للأجل حظا في الثمن يزيد به فلا بد أن يعرف المشتري مرابحة أجل الثمن في الشراء الأول.
(1) الشيخ محمد أبو زهرة – الملكية ونظرية العقد - ص 234، 238
(2)
البنك الإسلامي الأردني – الفتاوى الشرعية – مرجع سابق ص 98
(3)
الخطيب الشربيني – مغني المحتاج – مرجع سابق جـ2 ص 120
(4)
الدسوقي – حاشية الدسوقي – دار إحياء الكتب العربية جـ3 ص165
ثانيا: استلام البنك للسلعة من المورد: لإتمام تحقق شرط ملكية البنك للسلعة قبل بيعها مرابحة، ولكي يتم الشراء الأول فإنه يلزم أن يستلم البنك السلعة المشتراة، وهذا أمر طبيعي في عمليات الشراء العادية، ولكن بما أن البنك يشتري السلعة ليبيعها مرابحة فإنه تثور بعض التساؤلات تدور حول استلام البنك للسلعة كأحد الإجراءات التي تثبت ملكيته لها، وهذه التساؤلات تدور حول من يقوم بعملية الاستلام ونقل السلعة.
أ – من يقوم باستلام السلعة في الشراء الأول: بما أن البنك هو الذي يقوم بالشراء الأول لحساب نفسه فإن الوضع الطبيعي أن يقوم هو باستلام السلعة من مخازن المورد أو المكان المحدد في شروط التسليم، ولكن بما أنه يشتريها ليبيعها مرابحة فإنه يتصور أن عملية التسليم للبنك ثم تسليم السلعة للمشتري مرابحة تتم مرة واحدة، ولقد جاءت إجابات البنوك على هذا التساؤل في استمارة الاستقصاء وفق الآتي:
1 – بعض البنوك أفادت بأن الذي يتسلم البضاعة من المورد هو المشتري مرابحة.
2 – بنوك أخرى أفادت بأن الذي يتسلم البضاعة من المورد هو مندوب المصرف.
3 – والقسم الأخير من البنوك أفاد بأن عملية الاستلام تتم مشاركة بين مندوب المصرف والعميل.
ومما لا شك فيه أن حضور المشتري مرابحة – أو مندوبة – عملية الاستلام في الشراء الأول أمر هام؛ لأن ذلك يقلل المنازعة حول السلعة في البيع مرابحة له، غير أنه من المهم حضور مندوب البنك معه؛ لأنه هو الذي يشتري في هذه المرحلة.
وفي حالة المشتريات الخارجية فإن البنوك أفادت بأنه في أغلب الأحيان يتولى المشتري مرابحة التخليص الجمركي على البضاعة؛ نظرا لخبرته في ذلك، ولأن البنوك في العادة ليس لديها الإمكانات لعمل ذلك.
ب – نقل السلعة من مخازن المورد إلى مخازن البنك قبل بيعها مرابحة: من الأمور المهمة لتحقيق شرط ملكية البنك للسلعة قبل بيعها مرابحة قبضها حتى تتحقق حيازته للسلعة، ومن المقرر قانونا شرعا أن الحيازة للمنقول تكون بنقله، وللعقار تكون بالتخلية وما يحدث في الواقع التطبيقي في البنوك الإسلامية هو الآتي:
1 – بالنسبة للمشتريات الخارجية، فإن شرط قبض البنك للسلعة قبل بيعها مرابحة يتحقق؛ لأن الشاحن يكون وكيلا عن البنك كما سبق ذكره.
2 – بالنسبة للعقارات فإن شرط القبض يتحقق أيضا؛ لأنه يحدث بالتخلية، أي تمكين البنك من العقار.
3 -
بالنسبة للمشتريات المحلية (منقولات) فإن البنوك أفادت بأن السلعة تظل في مخازن المورد حتى يبيعها مرابحة؛ نظرا لعدم وجود قدرة تخزينية كافية لديها.
وفي تقويم هذا الأسلوب شرعيا نجد أن مالكًا يرى أنه يجوز بيع ما سوى الطعام قبل القبض، وأما الطعام فالقبض فيه شرط في بيعه، ورأي أحمد قريب من هذا.
وأما أبو حنيفة فالقبض عنده شرط في كل بيع ما عدا المبيعات التي لا تنتقل ولا تحول كالدور والعقار، وهذا هو رأي الشافعي (1) ، وبالنسبة لجميع المبيعات.
(1) ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد – دار الكتب العربية جـ2: ص 182 – 183- ابن قدامة – المغنى: مرجع سابق جـ4: ص121- 128
ثالثا: المخاطر التي تتعرض لها السلعة خلال مرحلة الشراء الأول:
إن السلعة في مرحلة الشراء الأول حتى بيعها مرابحة تكون في ملكية البنك، وعلى ذلك فالمقرر شرعا أن ضمانها يكون على البنك بمعنى أنه هو الذي يتحمل مخاطرها؛ لأنه المالك لها، وهذا ما أفادت به جميع البنوك في إجاباتها على استمارة الاستقصاء، لكن هناك بعض النقاط جديرة بالذكر من أهمها:
أ – أن البنوك تحمل المشتري مرابحة مبلغ التأمين على البضاعة خلال الشراء الأول، وذلك بإدراج هذا المبلغ ضمن المصروفات التي تحمل على الثمن الأول، ويقتضي الأمر طالما أن البنك هو الذي يتحمل مخاطر السلعة خلال مرحلة الشراء الأول أن لا يحمل العميل قيمة التأمين؛ لأنه ما دام البنك يتحمل تبعة الهلاك، والتأمين هنا تكلفة لتبعة الهلاك فإذا حمل بها الآمر بالشراء كان فيها شبهة، ومن وجه آخر فإنه إذا تعرضت البضاعة لمخاطر معينة وتلف جزء منها فإن البنك هو الذي يقبض مبلغ التعويض فكيف يحمل العميل بقيمة التأمين ويحصل البنك على التعويض؟
ب – بعض البنوك تشترط في عقد البيع مرابحة على العميل إبراءها من أي عيب يكون بالسلعة، ويفهم من هذا أن ذلك يكون سواء حدث العيب عند المورد أو عند البنك، وبالتالي فإنه إذا حدثت مخاطر أدت إلى عيوب بالسلعة فإن الذي يتحملها هو العميل وليس البنك، وهذا جائز شرعا (1) .
جـ- في حالة إجراء البيع مرابحة للسلعة على البرنامج أو الصفة أي قبل وصول السلعة وفحصها، ويكون ذلك غالبا في المشتريات الخارجية حيث يقوم البنك بتظهير بوليصة الشحن تظهيرا ناقلا للملكية باسم المشتري مرابحة، فما هو حكم المخاطر التي تتعرض لها السلعة قبل تسليمها للمشتري مرابحة؟
الرأي الفقهي لدى أبي حنيفة أن كل بيع تلف قبل قبضه من ضمان البائع إلا العقار، وقال الشافعي: كل بيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. أما مالك فيرى ذلك بالنسبة للطعام فقط، ولأحمد رأيان أحدهما من ضمان البائع والثاني أنه من ضمان المشتري، هذا مع مراعاة ما يلي بالنسبة لهذا البيع:
1 – إنه لو اشترط البنك على العميل إبراءه من أي عيب يظهر بالسلعة فذلك جائز كما سبق ذكره في فقرة (ب) .
2 – أن البيع على البرنامج جائز عند مالك (2) طالما كان المبيع موافقا للصفة التي ذكرت خلافا للشافعي (3) .
(1) ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد – مرجع سابق جـ2 ص234
(2)
الإمام مالك – الموطأ – دار الشعب ص415- 416
(3)
الإمام الشافعي – الأم – مرجع سابق جـ3 ص18، 45
المبحث الرابع
الإجراءات العملية في مرحلة البيع مرابحة
هذه هي المرحلة الأخيرة من مراحل البيع مرابحة، وسوف نتناول فيها النقاط التالية:
أولا: عقد البيع مرابحة
ثانيا: ثمن البيع
ثالثا: الضمانات
رابعا: التوقف عن الدفع
خامسا: النكول
سادسا: المعالجة المحاسبية لعمليات المرابحة
وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولا: عقد البيع مرابحة: من المقرر في جميع البنوك أنه يتم إبرام عقد البيع مرابحة، ولا يكتفى بعقد الوعد السابق، وهذا ما يؤكد ما سبق أن ما ذكرناه بأن عقد الوعد ليس عقد بيع، وسوف نتناول بخصوص عقد البيع ما يلي:
أ – متى يتم إبرام عقد البيع مرابحة؟ يختلف وقت إبرام عقد البيع مرابحة في البنوك المختلفة، فهناك من يذكر أنه يتم إبرام العقد خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ إخطار البنك للعميل بأنه اشترى البضاعة وأصبحت جاهزة، وهناك من حدد هذه المدة بسبعة أيام، بينما توجد بنوك تحدد وقت إبرام العقد بمجرد إعلام العميل بأن البضاعة جاهزة، هذا مع مراعاة أن عملية تجهيز البضاعة التي يعول عليها في تحديد وقت إبرام عقد البيع تكون بإبرام عقد شراء البنك للسلعة أو استلامه للبضاعة، أو استلام الشاحن- وكيل المصرف – للبضاعة ومستندات الشحن أو ورودها للمنطقة الجمركية أو ورود مستندات الشحن للبنك، وإذا كان استلام المصرف للبضاعة يحق له بيعها مرابحة باعتبار أن ذلك يحقق شرط ملكية البنك لها بصورة كاملة، فإن التساؤل الذي يرد هنا هو، هل يحق للبنك بيع البضاعة مرابحة بعد استلام مستندات الشحن أو إبرام عقد شرائها، وبمعنى آخر هل يحق له بيعها مرابحة قبل معاينتها؟ والرأي الشرعي: أن ذلك يجوز طالما كانت السلعة محددة ومعلومة مواصفاتها بدقة وهو المعروف في الفقه الإسلامي ببيع البرنامج، وهو ما صدرت بشأنه فتوى المستشار الشرعي للبنك الإسلامي الأردني (1) بأنه يجوز إتمام البيع مرابحة على أساس بوليصة الشحن عن طريق تظهيرها للغير تظهيرا ناقلا للملكية، وذلك دون معاينة البضاعة الموصوفة في البوليصة.
(1) الفتاوى – مرجع سابق – ص 15
ب – البيانات الواردة بعقد البيع مرابحة: بالاطلاع على نماذج عقد البيع مرابحة في البنوك الإسلامية نجد أنها اشتملت على بيانات عديدة سوف نسردها في إيجاز مع إفراد فقرات مستقلة لبعضها، مثل الثمن والضمانات حيث نتناولها بالتفصيل لأهميتها، وتشتمل نماذج هذه العقود على البيانات التالية:
اسم العقد – التاريخ – مكان العقد – بيانات عن طرفي العقد – إقرار العميل بأنه اطلع على نظام البنك – موضوع العقد – تحديد مكان التسليم – تحديد الثمن – تحديد الربح- طريقة دفع الثمن – التأكد بأن البضاعة في حيازة المصرف- تحديد جهات الاختصاص في حالة وقوع نزاع بشأن العقد سواء المحاكم أو هيئات التحكيم التي تشكل باختيار طرفي العقد- الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالعقد – إقرار العميل بأهليته- مسئولية العميل عن تأخير دفع أقساط الثمن – عدم الحق في مطالبة العميل البنك بالتعويض إذا امتنع المورد عن التوريد – مسئولية العميل عن الأضرار التي تقع على البنك من جراء عدم تسلمه البضاعة – إبراء العميل البنك من ضمان ما يكون من عيوب في البضاعة - مسئولية العميل عن إخطار شركة التأمين والملاحة بأي نقص يظهر في البضاعة - الضمانات التي على العميل تقديمها ضمانا لسداد باقي الثمن – مسئولية العميل عن التصرف في البضاعة وفق القوانين بالدولة- إقرار العميل بأن النقص الذي يظهر في البضاعة لا يفسخ العقد بل يستنزل من قيمتها بمقدار النقص.
وتأتي ملاحظاتنا على هذه البيانات في الآتي:
1-
إن بعض البنوك تسمي العقد (عقد بيع) فقط دون ذكر كلمة (مرابحة) في عنوان العقد.
2 – إنه يوجد نموذجان من العقود، أحدهما للعمليات المحلية، والآخر لعمليات الاستيراد وتتفق أغلب بياناتهما ما عدا ما يتعلق بعملية الاستيراد من الخارج مثل مكان التسليم.
3 – إن بعض نماذج العقود تحيل إلى عقد الوعد وطلب الشراء في تحديد بعض الأمور، مثل مواصفات البضاعة ومكان التسليم، وحيث إن عقد الوعد لا ينعقد به بيع لذا فمن المستحسن – مثل ما فعلت بعض البنوك – ذكر جميع البيانات في عقد البيع.
4-
إنه سبق أن أبدينا ملاحظات على بعض البيانات الواردة خاصة التي تتعلق بمسئولية العميل، والتي ترى أنه يركز عليها دون ذكر لمسئوليات البنك كثيرا.
5 – من الملاحظ أن بعض البيانات السابقة تذكر في نماذج بعض البنوك، ولا تذكر في الأخرى.
6 – إنه على وجه الإجمال فإن البيانات الواردة في نموذج عقد المرابحة تشتمل على ما يحقق شروط المرابحة من السابق ذكرها، وبالتأكيد فإن بعض البحوث الأخرى المقدمة في الندوة والتي تتناول كلا من الجانب القانوني والجانب الفقهي لعقود المرابحة سوف تتناول ذلك تفصيلًا.
ثانيا: ثمن البيع مرابحة: وسوف نتعرف عليه في النقاط التالية:
أ – ذكر الثمن في العقد: إن ذكر الثمن في العقد أمر لازم شرعا وواقعا، ونتناول فيما يلي العقد الذي يذكر فيه وكيفية ذكره.
1 – العقد الذي يذكر فيه: بالنظر في نماذج عقود المرابحة وإجابات البنوك على استمارة الاستقصاء نجد أن ثمن البيع مرابحة يذكر مرتين، مرة في عقد الوعد عند من يبرمه، وأخرى في عقد البيع مرابحة، وفي تقويمنا لهذا الأسلوب نقول بالآتي:
- إن الثمن غالبا ما يكون معروفا عند الوعد حيث يتقدم العميل بالفاتورة المبدئية الموضح بها ثمن الشراء الأساسي، إلا أنه ليس من الضروري أن يتفق الثمن الوارد في عقد الوعد مع الثمن الوارد في عقد البيع مرابحة وسبب ذلك كما أفادت البنوك ما يلي:
* قيام المورد بشحن جزء من البضاعة والامتناع عن شحن الجزء الباقي.
* إذا تغيرت الأسعار من مرحلة المواعدة إلى مرحلة الشراء الأول.
* في حالة الاستيراد حيث يمكن أن تتغير قيمة العملة وأسعار الجمارك وغيرها.
- أن ذكر الثمن في عقد البيع مرابحة ضروري؛ لأن العلم بالثمن شرط شرعي في جميع عقود البيع، وأما ذكره في عقد الوعد فلا يغني عن ذكره في عقد البيع؛ لأن العقد الأول يتعلق بمواعدة على البيع ولا يتعلق بعملية البيع ذاتها.
2 – كيفية ذكر الثمن في العقد: بالاطلاع على نماذج عقود المرابحة في البنوك الإسلامية نجد الآتي:
- بعض البنوك تورد ثمن البيع بصيغة إجمالية هي: " تم هذا البيع وقبله طرفاه بثمن إجمالي قدره.. " وذلك دون الإشارة إلى عناصر الثمن من ثمن شراء أساسي ومصروفات وربح، هذا مع الإشارة إلى أن نفس البنوك تذكر في عقد الوعد بأن الثمن هو قيمة التكلفة المشتملة على ثمن الشراء والرسوم الجمركية وتكاليف الشحن والتأمين وكافة المصاريف الأخرى بالإضافة إلى الربح بنسبة.. % من التكلفة الكلية.
وفي رأينا، وكما سبق أن ذكرنا تكرارا أن عقد الوعد ليس عقد بيع وبالتالي يجب أن يذكر في عقد البيع الثمن بمشتملاته من ثمن أساسي وربح، ولا يكتفى في ذلك بما ذكر في عقد الوعد خاصة أن نفس البنوك أجابت بأنه يمكن أن يتغير الثمن في عقد الوعد عن الثمن في عقد البيع.
- بعض البنوك تورد الثمن إجماليا ثم تذكر مشتملاته بقولها: إن ثمن البيع متضمنا الثمن الأساسي والمصاريف المدفوعة من البنك مضافا إليه ربح قدره
…
، وهذا الأسلوب سليم شرعا؛ لأنه يحقق شروط العلم بالثمن الأول والربح، لأنه أخير بالثمن الأول بما قامت عليه السلعة به (الثمن الأساسي + التكاليف الأخرى) مضافا إليه الربح المتفق عليه.
ب – عناصر الثمن:
من المعروف أن ثمن البيع في المرابحة يتكون من ثمن الشراء الأساسي والمصروفات التي أنفقها البنك على السلعة خلال فترة الشراء الأول بالإضافة إلى الربح المتفق عليه، وبذلك فإن عناصر الثمن تتحدد في كل من الثمن الأساسي أو الأول، المصروفات، الربح، وفيما يلي تفاصيل كلٍّ منها:
العنصر الأول: الثمن الأساسي أو ثمن الشراء الأول: من المتفق عليه أن الثمن الأول هو الثمن الذي اشترى به البنك السلعة من موردها مع أمور تتصل بالثمن الأول مثل هل هو الثمن المتعاقد عليه أو المدفوع فعلا؟ لأنه قد تتغير قيمته أو صفته بأن يشتري بدولارات ويدفع بدلا منها إسترليني، ونورد فيما يلي أهم الأمور التي تؤثر على الثمن الأول:
1 – تغير الثمن الأول بسبب تغير الأسعار، وصورته أن يشتري البنك السلعة بـ100000 جنيه مثلا ولكن قبل عقد البيع مرابحة زادت الأسعار لتصبح قيمة السلعة 110000جنيه فالمقرر شرعا (1) والذي يحدث في التطبيق العملي أنه لا يؤخذ بالزيادة في الأسعار بل بالثمن الذي اشترى به فعلا وهو 100000 جنيه.
2 – تغير الثمن الأول بسبب تغير في السلعة ذاتها بأن نقصت بالتلف أو غيره أو زادت زيادة متصلة أو منفصلة، ففي حالة التغير بالنقص فإن المقرر شرعا (2) وما يحدث تطبيقا أنه يتم إسقاط مقابل النقص من الثمن، أما في حالة الزيادة بأن وردت كمية أكبر من المطلوبة مثلا تضاف قيمتها على الثمن الأول.
3 – سعر الصرف: في حالة المشتريات الخارجية تثور مشكلتان بخصوص تغير سعر الصرف هما:
- إذا اشترى البنك السلعة بعملة أجنبية محددة كالدولارات 105000 ودفع بدل الدولارات إسترلينيا، وكان سعر الصرف مثلا 3 دولارات لكل جنيه إسترليني، وبالتالي فإن ما دفعه هو 35000 جنيه إسترليني، وعند البيع مرابحة تغير سعر الصرف ليكون 3.5 دولار لكل جنيه إسترليني، وبذلك تكون القيمة 30000 جنيه إسترليني. فهل عند البيع مرابحة يذكر الثمن الأساسي على أنه 35000، أو 30000 جنيه إسترليني؟ الرأي الراجح لدى الفقهاء (3) أن السعر يحسب على ما نقده وبسعر ما صرف يوم النقد أي 35000 جنيه.
- إذا اشترى بعملة أجنبيه وباع بعملة محلية وتغير سعر الصرف للعملة المحلية إلى العملة الأجنبية من يوم الشراء الأول إلى يوم البيع مرابحة مثل أن يكون ثمن الشراء الأول 100000 دولار وسعر الصرف 1.30 جنيها مصريا للدولار، وعند البيع مرابحة 1.40 جنيها، وبالتالي فإن الثمن الأول يوم الشراء 130000 جنيها ويوم البيع 140000جنيها فأيهما يؤخذ به؟ المقرر شرعا (4) وما يحدث تطبيقا هو أن الثمن يحسب على سعر صرف يوم البيع لا يوم الشراء الأول أي 140000 جنيه.
ويتصل بذلك نقطة أخرى هي أنه إذا اشترى البنك السلعة بعملة أجنبية وباعها مرابحة، واتفق مع المشتري على أن السعر يحسب بالعملة المحلية بسعر الصرف يوم ورود المستندات، ولقد أجاب المستشار الشرعي (5) بأن ذلك غير جائز؛ لأن الثمن غير معلوم عند البيع والعلم به شرط لانعقاد البيع.
(1) ابن قدامة – المغني – مرجع سابق جـ4 ص 200
(2)
المرجع السابق ص 201- 202
(3)
ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد – مرجع سابق جـ2 ص274
(4)
الإمام مالك – الموطأ – دار الشعب ص 414، ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد ص274
(5)
الفتاوى الشرعية – البنك الإسلامي الأردني – جـ1 ص93
4 – الخصم (الحسم) أو الحط من الثمن الأول: وكيفيته أن يسمح المورد للبنك بخصم جزء من ثمن الشراء الأول وهو ما يعرف محاسبيا بالخصم بنوعيه؛ (تجاري ونقدي) ، فهل عند البيع مرابحة يذكر الثمن الأول قبل الخصم أو بعده؟
- من الناحية التطبيقية أفادت البنوك في إجاباتها على ذلك بأن بعضها لا تأخذ بالخصم (بنوعيه) في الاعتبار عند تحديد الثمن، والبعض الآخر أفاد بأنه يأخذ الخصم التجاري فقط، بينما هناك فريق ثالث أفاد بأنه يأخذ كلا الخَصْمَين في الاعتبار.
- من الناحية الشرعية يدور الرأي الفقهي في هذه المسألة وفق الآتي (1) :
* الرأي الأول: البائع (البنك) مخير بين أن يحط من الثمن الأول ما حط بائعها عنه فإن اختار الحط لزمت المشتري مرابحة، وإن لم يختر فالمشتري مرابحة بالخيار وهذا هو رأي المالكية.
* الرأي الثاني: يرى أن العبرة في ذلك بوقت الخصم أو الحط، فإذا وقع الحط قبل لزوم العقد الأول - أي في فترة الخيار - فيلزم أن يخصم من الثمن عند البيع مرابحة، وإن وقع الحط بعد لزوم العقد الأول فلا يخصم من الثمن الأول؛ لأنه تبرع لا يقابله عوض فلم يتغير الثمن، وهذا هو رأي الشافعية والحنابلة والحنفية.
وتفسير هذا الرأي باللغة المحاسبية المعاصرة أن الخصم التجاري يؤخذ في الاعتبار بخلاف الخصم النقدي، وهذا تخريج سليم؛ لأن الخصم التجاري محاسبيا هو في حقيقته تعديل لسعر البيع، أما الخصم النقدي محاسبيا أو مسألة " ضع وتعجل" فقهيا فهي تتعلق بالدَّيْنِ الناتج عن الثمن، وعادة لا تعرف قيمته إلا عند السداد الذي قد يكون بعد البيع مرابحة.
العنصر الثاني: (من عناصر ثمن البيع مرابحة) المصروفات: من المعروف أن البنك يتكلف بعض المبالغ لشراء السلعة بخلاف ثمن شرائها، ويلزم لكي يحقق ربحا من هذه العملية أن يغطي ثمن البيع هذه التكاليف بالإضافة إلى ثمن الشراء الأول وهذا هو المقرر شرعا، وما يحدث في التطبيق العملي على خلاف حول ماهية التكاليف التي تضاف وفقا للآتي:
- بالنسبة للواقع التطبيقي: بالاطلاع على عقود المرابحة وإجابات البنوك على استمارة الاستقصاء اتضح ما يلي:
1 – بعض البنوك تضيف على الثمن الأول جميع المصروفات المباشرة على العملية مثل مصاريف وعمولة فتح الاعتماد المستندي والنقل والشحن والرسوم الجمركية والتأمين، أي كل ما يدفع ويتحمله البنك متعلقا بهذه الصفقة.
2 – بعض البنوك تضيف إلى الثمن الأول المصروفات السابقة ما عدا الرسوم الجمركية ومصاريف نقل البضاعة من ميناء الوصول إلى مخازن المشتري على أساس أن مكان التسليم هو ميناء الوصول، وبالتالي فكل ما يحدث من مصروفات بعد ذلك تقع على عاتق المشتري، ولو دفعها البنك نيابة عنه فإنها تُحَصَّل من المشتري كما هي دون إضافتها للثمن الأول أو احتساب ربح عليها.
وهذان الأسلوبان يتشابهان باعتبار أن من يحسب الرسوم الجمركية، ومصاريف النقل إلى مخازن المشتري على أساس أن البنك يدفعها، ويبذل مجهودا في إتمام هذه العمليات، وبالتالي فإنه يكون لها حظ من الربح، وأما من لا يحسبها فيبني ذلك على أن البنك لا يتحمل بها بل يدفعها المشتري، هذا مع ضرورة الإشارة إلى أن إضافة مصروفات التأمين ضمن المصروفات التي تحمل على المشتري أمر فيه نظر وقد سبق بيانه.
(1) ابن قدامة – المغني – مرجع سابق ص200 وما بعدها
3 – بعض البنوك إضافة إلى ما سبق تذكر في عقد البيع مرابحة بأن يتحمل المشتري أية مصروفات أخرى غير واردة في بنود تكلفة العملية موضوع هذا العقد، وفي الحقيقة فإن ذكر ذلك من غير تحديد لأنواع هذه المصروفات للحكم على ما إذا كانت تلحق بالثمن الأول من عدمه، بالإضافة إلى عدم تحديد قيمتها يثير شبهة حول ضرورة معلومية الثمن.
4 – بعض البنوك ترى أنه يمكن لها أن تنص في عقد البيع مرابحة على حقها في تعديل بعض بنود المصروفات مثل فرق العملة والعمولة.. ولكن المستشار الشرعي (1) لها لم يجز ذلك على أساس أن هذا يؤدي إلى عدم معلومية الثمن كشرط أساسي من شروط البيع.
5 – لقد أفادت بعض البنوك في الرد على أسئلة استمارة الاستقصاء بأنها تضيف إلى الثمن مصروفات أخرى غير مباشرة، ويمثل نصيب العملية في المصروفات العامة للبنك، وفي رأينا أن هذا الإجراء فيه شبهة؛ لأنه في أحسن الأحوال لا يمكن تحديد نصيبها من هذه المصروفات بدقة تامة، ومن وجه آخر فإنه يمكن مراعاة تغطية هذه المصروفات من الربح الذي يستحق على ما يتكبده البنك من مال ومن مجهوداته في هذه العملية.
- بالنسبة لوجهة النظر الفقهية في المصروفات التي تضاف على الثمن الأول، تأتي أقوال الفقهاء على التالي (2) :
1 – المالكية: ويفرقون في هذه التكاليف بين الآتي:
- ما له أثر في عين السلعة (أي التكاليف الصناعية) وهذه تضاف ويحسب لها ربح.
- ما ليس له أثر في عين السلعة مثل النقل وعمولة الشراء (أي التكاليف الإدارية والتسويقية) وهذه يفرق بينها، فإذا كانت العادة أن يستأجر عليها تضاف للثمن ولا يحسب لها ربح وإن كانت العادة أن يتولاها البائع بنفسه كعادة التجار فهذه لا تضاف ولا يحسب لها ربح.
2 – الشافعية والحنابلة: يضاف إلى الثمن الأول كل المصروفات التي تكبدها البائع إلا مقابل ما عمله بنفسه؛ لأنه لا يستحق له أجره على ما عمله بنفسه.
3 – الحنفية: ما يجري عليه العرف السائد بين التجار.
وبتقويم التطبيق العملي على ما ورد في أقوال الفقهاء نجد أن له سنده الفقهي من أقوال أئمة المذاهب الكبرى خاصة رأي الحنفية الذي ضبط ذلك بما يجري عليه العرف التجاري.
(1) الفتاوى الشرعية – البنك الإسلامي الأردني – مرجع سابق ص43
(2)
ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد جـ2 ص273 – 274، الخطيب الشربيني – مغني المحتاج – مرجع سابق جـ2 ص175، المرغيناني – الهداية – مطبعة مصطفى الحلبي بمصر جـ3 ص56
العنصر الثالث: الربح: إن هذا العنصر هو مقصود العملية ومنه يستمد اسمها (بيع مرابحة) ، والعلم به وذكره في العقد شرط من شروط المرابحة، وسوف نتناوله في الآتي:
1 – العقد الذي يذكر فيه الربح: في جميع عقود الوعد في البنوك التي تبرمه يوجد ذكر الربح فيه، وأما بالنسبة لعقد البيع مرابحة فإن بعض البنوك تذكره والبعض الآخر لا يذكره بل يذكر الثمن إجماليًّا متضمنا الربح دون إشارة إلى ذلك، وهذا أمر يجب تعديله بضرورة ذكر الربح في عقد البيع حتى يحقق شرط العلم بالربح كأحد شروط المرابحة، ولا يكتفى في ذلك بذكره في عقد الوعد حتى ولو أشير صراحة في عقد البيع على هذه الإحالة، أولًا لأن عقد الوعد لا ينعقد به بيع كما سبق أن كررناه، وثانيًا لأنه ربما يتم تغيير الربح بين مرحلة المواعدة ومرحلة البيع لأية ظروف، مثل صدور قوانين أو قرارات من الدولة تنظم ذلك.
2-
كيفية حساب الربح: يحسب الربح كنسبة مئوية من ثمن الشراء وجميع المصروفات في بعض البنوك ومصروفات محددة في بنوك أخرى على الوجه السابق ذكره، هذا مع ضرورة ذكر الآتي:
- أن نسبة الربح يجب أن تختلف بحسب نوع البضاعة وأجل السداد بما يؤثر على إجمالي الثمن الذي يزيد في البيع الآجل عنه في البيع النقدي؛ لأن الرأي الفقهي مجتمع على أن للأجل حظًّا في الثمن، وهذا الحظ يظهر في زيادة نسبة الربح، مع ضرورة الإشارة إلى أن ذلك يجب أن يكون محددًا بصفة قاطعة عند إبرام عقد البيع، ولا يقال مثلًا: إن نسبة الربح لسلعة ما 5 % إذا كان السداد على شهرين، و7 % إذا كان السداد على أربعة شهور، وهو ما يعرف بالتناسب الطردي للأرباح مع أجل السداد، فإذا كان يجوز أن يكون هذا واضحًا قبل التعاقد فإنه إذا تم العقد على نسبة معينة 5 % مثلًا والسداد لمدة شهرين ثم تأخر المشتري عن السداد في الموعد المحدد أن لا تزاد نسبة الربح مقابل الأجل في هذه المرة، بل يعالج الموقف بأحد الإجراءات المقررة للتوقف عن الدفع كما سيأتي:
- أنه في بعض الدول تحدد الدولة بقرارات نسب الربح لكل سلعة مستوردة أو محلية لكل من المستورد أو تاجر الجملة والتجزئة، ولقد أجابت بعض البنوك التي بهذه الدول أنها تلتزم في تحديد الربح بالنسب المقررة بالدولة.
- نود التنبيه إلى خطورة ما نمى إلى علمنا من أن بعض البنوك تحدد الربح بنسب ثابتة على جميع أنواع السلع (18 % مثلًا) مسترشدة في ذلك بسعر الفائدة الربوي السائد في السوق، وهي بذلك تفرغ عملية المرابحة من مضمونها الاقتصادي والشرعي، وتصبح كأنها عملية إقراض الثمن للمشتري مرابحة خاصة إذا علمنا أنها توكل العملية كلها شراء أول وبيع مرابحة للمشتري.
جـ- طريقة دفع الثمن: بعد أن حددنا الثمن بعناصره نأتي إلى نقطة هامة وهي طريقة دفع الثمن حيث أظهر الاستقصاء أن جميع البنوك تسير على أن يدفع العميل الثمن للمصرف آجلًا على أقساط وفي حالات قليلة يدفع نقدًا، وعملية تقسيط الثمن تيسر التعامل على العملاء، وترغب في التعامل مع البنوك الإسلامية وتوسع مجالات الاستثمار باستخدام البيع مرابحة، هذا مع ضرورة أخذ الضمانات الكافية لضمان حق البنك كما سنذكره بعد، وأن سعر البيع بالأجل متى تم الاتفاق عليه في العقد لا يزاد بعد ذلك إذا زاد الأجل؛ لأن الثمن بالأجل دَيْن في ذمة المشتري والدَّيْن لا يزيد بزيادة الأجل.
ثالثًا: الضمانات: في حالة البيع بالأجل وهو الغالب في التطبيق العملي فإنه من المقرر شرعًا (1) وقانونًا وما يحدث تطبيقًا أن يحصل البنك على ضمانات من المشتري مرابحة بقيمة المؤجل من الثمن.
وبالاطلاع على نماذج عقود المرابحة في البنوك نجد أنها تطلب كل أو بعض الضمانات التالية:
1-
الضمان الشخصي المتعلق بسمعة العميل ومركزه المالي، وهذا يظهر في دراسة العملية.
2-
الحصول على رهن بقيمة الثمن أو رهن البضاعة ذاتها رهنًا تأمينيًّا.
3-
طلب كفالة شخص آخر مليء لضم ذمته إلى ذمة المشتري.
4-
الحصول على سندات إذنية للتحصيل أو سندات إذنية بالاطلاع.
5-
التأمين على البضاعة محل العقد من كافة الأخطار لصالح البنك.
6-
تقديم المشتري خطاب ضمان مصرفي بقيمة البضاعة للبنك.
7-
تحفظ البنك على وديعة للمشتري طرف البنك.
8-
توقيع المشتري على إيصال أمانة أو شيكات مؤجلة السداد بقيمة المبلغ.
9-
عقد البيع مرابحة ذاته.
10-
إعطاء البنك حق امتياز البائع على السلعة المباعة.
11-
أية ضمانات أخرى يطلبها البنك من المشتري.
(1) راجع بحثنا الاحتياط ضد مخاطر الائتمان في الإسلام – بالتطبيق على المصارف الإسلامية – مجلة الدراسات التجارية الإسلامية – مركز صالح عبد الله كامل – كلية التجارة- جامعة الأزهر- العدد الخامس / السادس 1985.
وبالنظر في هذه الضمانات يمكن القول بالآتي:
1-
إن طلب البنك ضمانات من العميل واشتراط ذلك في عقد البيع مرابحة أمر تقره الشريعة حيث إنها لا تخالف مقصود العقد بل تؤكده.
2-
إن بعض البنوك لا تشير إلى الضمانات في عقد البيع مرابحة وإن كانت ذكرتها في إجاباتها على استمارة الاستقصاء.
3-
إن بعض البنوك يكتفي بضمان واحد أو اثنين فقط من هذه الضمانات.
رابعًا: توقف العميل عن الدفع: إذا توقف العميل عن دفع باقي الأقساط وكان موسرًا فإن الإجراءات التي تتبع حيال ذلك أوضحتها نماذج العقد والرد على أسئلة استمارة الاستقصاء في الآتي:
1-
حلول باقي الأقساط فورًا.
2-
استخدام المصرف للضمانات المقدمة إليه في استيفاء حقه.
3-
اللجوء إلى القضاء طبقًا لما هو محدد بعقد البيع، وبعض البنوك تجعل ذلك من اختصاص هيئة التحكيم التي ينص على تشكيلها في عقد البيع بعضو يختاره العميل وعضو يختاره البنك وعضو ثالث مرجح يختار مشاركة بينهما.
4-
استرداد البنك للسلعة إن كانت باقية وهذا الإجراء يتبع في بعض البنوك.
5-
فرض مبلغ على العميل لتعويض المصرف عن الضرر الذي وقع عليه من جراء هذا التوقف، ويتبع هذا الإجراء في بعض البنوك بناء على ما انتهت إليه هيئات الرقابة الشرعية الثلاث لدار المال الإسلامي وبنكي فيصل المصري والسوداني، والذي يقضي بتعويض المصرف عن الضرر الذي يحدث من جراء تأخر العملاء عن دفع ديونهم في مواعيدها وتحسب قيمة الضرر على أساس متوسط نسبة إجمالي أرباح البنك المحققة عن ذات الفترة فضلًا عن أية تعويضات أخرى فعلية، بينما في المصرف الإسلامي الدولي يفوض تقدير الضرر إلى هيئة التحكيم.
وما تجدر ملاحظته بهذا الخصوص أن فرض مبلغ على العميل مقابل التأخير ومقابل الضرر الذي يقع على البنك أمر تجيزه الشريعة بناء على الحديث النبوي الشريف ((لَيُّ الواجد يحل عقوبته وعرضه)) (1) وإذا كانت العقوبة البدنية متفق عليها فإن العقوبة المالية مختلف فيها، والرأي الراجح أنها جائزة وهي في الحقيقة ليس عقوبة بقدر ما هي تعويض للضرر بناء على القاعدة الأصولية إن الضرر يزال، غير أن ما نود الإشارة إليه أن طريقة احتساب الضرر منسوبًا إلى أرباح البنك أمر يحتاج إلى نظر إذ يمكن أن يكون ذلك منسوبًا إلى ما يحققه العميل من أرباح مثلًا، على أساس اعتبار الدَّيْن مال مضاربة. (2)
(1) صحيح البخاري بشرح السندي – دار الشعب جـ 2 ص 58
(2)
راجع في ذلك: بحثنا "حماية الديون في الشريعة الإسلامية" بحث مقدم إلى ندوة البركة الثانية – تونس نوفمبر 1984
خامسًا النكول: كل ما ذكرناه حتى الآن في هذه المرحلة من إجراءات يتعلق بما إذا أوفى العميل بوعده واشترى السلعة مرابحة، أما في حالة نكوله أي رجوعه عن طلب شرائه بمعنى عدم تنفيذه لوعده بالشراء السابق إبداء رغبته فيها أو نكول المصرف عن تنفيذ العملية، فإن هذا ما سنناقشه في هذه الفقرة وفقًا للآتي:
أ- نكول العملاء: لقد أفادت البنوك أنه يحدث أحيانًا نكول بعض العملاء، وفي هذه الحالة تتبع الإجراءات التالية:
- بالنسبة للبنوك التي لا تأخذ بالإلزام بالوعد تتولى بيع السلعة التي أحضرتها لحساب نفسها وينتهي الأمر عند هذا الحد.
- بالنسبة للبنوك التي تبرم عقد الوعد وتأخذ بالإلزام به تتبع فيها الإجراءات التالية:
1-
بيع السلعة بالسعر السائد في السوق وقبض المصرف للثمن استيفاءً لحقه وإذا قل الثمن عن مستحقات المصرف كان له الرجوع على العميل لاستيفاء باقي حقه، وإذا زاد الثمن كانت الزيادة خالصة له باعتباره مالكًا للبضاعة، هذا مع مراعاة أن حق البنك هنا يتمثل في تكلفة السلعة وقيمة الأضرار التي لحقته من جراء عدم تنفيذ الصفقة.
2-
بعض البنوك تتبع الإجراء السابق ولكنها في حالة إذا زاد ثمن بيع السلعة عن مستحقات المصرف تكون الزيادة للعميل.
3-
بعض البنوك تشترط في حالة النكول إحالة الموضوع لهيئة التحكيم للفصل فيه.
4-
هناك إجراء آخر يتمثل في مصادرة الدفعة المقدمة في مرحلة المواعدة لضمان الجدية.
5-
في كل الأحوال يكون هناك إجراء مستقبلي وهو عدم التعامل مع العميل مرة أخرى.
وبالنظر في هذه الإجراءات يمكن القول بالآتي:
1-
إن السلعة في مرحلة الشراء الأول تكون ملكًا للبنك، وبالتالي فإنه إذا باعها يكون البيع لحسابه يتحمل بخسارتها ويعود إليها ربحه بناء على الرأي القائل بأن المبيع يكون من ضمان البائع لا من ضمان المشتري قبل البيع.
2-
إنه تنفيذًا لإلزام العميل بالوعد تقدر الأضرار التي عادت على البنك سواء خسارته في السلعة أو أية أضرار أخرى ويطالب بها العميل ويستوفيها البنك تمامًا من الدفعة المقدمة لضمان الجدية أو مطالبة العميل بها دون مصادرة الدفعة أيًّا كانت قيمتها.
ب- نكول المصرف: بمعنى عدم تنفيذه لوعده بشراء السلعة أو شرائها وعدم بيعها مرابحة لطالبها، وقد أفادت بعض البنوك أنه يحدث أحيانًا نكول المصرف وتتبع بشأن ذلك لما يلي:
1-
بعض البنوك تنص على أنه إذا امتنع أحد الطرفين عن تنفيذ هذا الوعد فإنه يتحمل أية أضرار تلحق بالطرف الآخر، وإذا كان ذلك يرد على إجماله في عقود الوعد فإنه في عقد البيع تحدد كيفية حساب الضرر الذي يقع على المصرف عند نكول العميل كما سبق القول، أما كيفية تحديد حساب الضرر الذي يقع على العميل فلا يذكر إلا في الإشارة العامة إلى أن أي نزاع يحدث يحال إلى هيئة التحكيم.
2-
بعض البنوك اشترطت في عقود البيع والوعد أنه إذا كان نكول البنك بسبب المورد الذي حدده العميل فإن البنك لا يعتبر مخلًّا بوعده.
سادسًا: المعالجة المحاسبية لعمليات المرابحة: وسوف نوضح فيها التوجيه المحاسبي لعمليات المرابحة وأرباحها، إما وفقًا لما جاء في استمارة الاستقصاء أو وفقًا لما نراه متفقًا مع الأصول المحاسبية السليمة، وذلك في الآتي:
أ- عند تلقي البنك طلبات الشراء: لا تجرى قيود محاسبية في الدفاتر بل يكتفى بإثبات ذلك في سجل طلبات الشراء مرابحة.
ب- عند إبرام عقد الوعد: نظرًا لأن عقد الوعد يلقي التزامات مستقبلية على طرفيه؛ لذلك فإنه قد يكتفى بإثبات ذلك في سجل عقود الوعد مرابحة أو يتم تسجيل الوعد بقيد نظامي كالآتي:
×× من حـ/ التزامات العملاء عن بيوع مرابحة (مرابحة رقم....)
×× إلى حـ/ التزامات البنك عن بيوع مرابحة (مرابحة رقم......)
وتظهر في الميزانية ضمن الحسابات النظامية.
جـ- عند تحصيل الدفعة المقدمة التي تشترطها بعض البنوك لضمان الجدية
×× من حـ/ الخزينة (التحصيل النقدي)
×× أو من حـ/ الحسابات الجارية أو الاستثمارية (حـ رقم..)(خصمًا من حـ/ العميل طرف البنك)
×× أو من حـ/ شيكات تحت التحصيل (التحصيل بشيكات)
×× إلى حـ/ حسابات جارية خاصة (مرابحات) مرابحة رقم....
د- عند قيام البنك بشراء السلعة وحسب طريقة دفع المبلغ ومفرداته ووقته
×× من حـ/ الاستثمارات تحت التنفيذ (استثمار في مرابحات) مرابحة رقم
…
×× إلى حـ/ الشيكات
×× إلى حـ/ الموردين
×× إلى حـ/ المراسلين
هـ- عند إبرام عقد البيع مرابحة:
×× من حـ/ مديني المرابحات (اسم المدين) مرابحة رقم
…
×× إلى حـ/ الاستثمارات تحت التنفيذ (استثمارات في مرابحات) رقم..
×× إلى حـ/ إيرادات الاستثمارات (مرابحات) مرابحة رقم..
و تسوية الدفعة المقدمة مع حـ/ مديني مرابحات:
×× من حـ/ حسابات جارية خاصة (مرابحات)
×× إلى حـ/ مديني المرابحات
ز- عند عقد الضمانات المختلفة: تسجل بحسب نوعها بقيد نظامي كالمعتاد.
ح- تحصيل الأقساط تباعًا وبحسب طريقة التحصيل:
×× من حـ/ الخزينة
×× أو من حـ/ حسابات جارية أو استثمارية
×× أو من حـ/ الشيكات
×× إلى حـ/ مديني المرابحات
ط- نكول العملاء:
1-
بيع البضاعة بخسارة:
×× من حـ/ الخزينة
×× من حـ/ مديني المرابحات
×× إلى حـ/ الاستثمارات تحت التنفيذ (مرابحات)
2-
بيع البضاعة بربح لحساب البنك:
×× من حـ/ الخزينة
×× إلى حـ/ الاستثمارات تحت التنفيذ (مرابحات)
×× إلى حـ/ إيراد الاستثمارات
ى- المعالجة المحاسبية للأرباح المحققة من عمليات المرابحات، ويحسن أن نوضح ذلك بالمثال التالي:
حققت إحدى عمليات المرابحة ربحًا للبنك قدره 24000 جنيه علمًا بأن العملية تمت في 1 /4 /1985 ففي حساب أرباح وخسائر أي سنة يظهر فيه هذا الربح؟ علمًا بأن سداد الثمن على ثلاث سنوات من تاريخ الشراء.
في التطبيق العملي للبنوك وفي الفكر المحاسبي المعاصر يوجد رأيان هما:
الرأي الأول: أن الربح كله يكون للسنة التي تحقق فيها البيع (1985) وبالتالي يظهر في حـ/ أ. خ الخاص بهذه السنة بالقيد الآتي:
24000 من حـ/ إيرادات الاستثمارات (إيرادات مرابحات)
24000 إلى حـ/ أ. خ الاستثمار
31/ 12 /1985
الرأي الثاني: توزيع الأرباح على سنوات التحصيل كالآتي:
على أن يتم تجنيب الأرباح التي تخص السنوات التالية في حـ/ دائن:
24000 من حـ/ إيرادات الاستثمارات (مرابحات)
15000 إلى حـ/ إيرادات استثمارات لم تتحقق (للأعوام التالية)
9000 إلى حـ/ أ. خ الاستثمار (لعام 1985)
وبالنظر في هذه المعالجة بشقيها محاسبيًا وشرعيًا يمكن القول بالآتي:
- من الناحية المحاسبية طبقًا لسياسة الحيطة والحذر والتي تقضي بأخذ الخسائر المحتملة في الحسبان فإنه يستحسن أن يكون مخصص بالأرباح التي لم تتحقق، وهي هنا عبارة عن الأرباح المحتسبة على المبالغ غير المحصلة توقعًا لتوقف المدينين عن الدفع، وهذا ما يتبع في البيع بالتقسيط ويتفق ذلك مع الرأي الثاني، وإن كان هذا لا يمنع أن بعض المحاسبين يأخذون بالرأي الأول.
ومن الناحية الشرعية يوجد رأيان:
الرأي الأول: قال به المستشار الشرعي للبنك الإسلامي الأردني (1) ويرى الأخذ بالمعالجة الأولى على اعتبار أن الربح تحقق في سنة البيع وبالتالي يقيد كله فيها بناء على أن العبرة بتحقق الربح، وأن باقي الثمن في حالة التأجيل يعتبر دينًا على المشتري ولا علاقة له بالربح.
الرأي الثاني: ونراه نحن استنادًا إلى القواعد الفقهية التالية:
- أن هناك فرقًا في الربح بين مراحل ثلاث، تولده، وتحققه أو ظهوره، وتوزيعه.
- فالربح كنماء للمال يولد أو يحدث حتى ولو لم يوجد بيع وهذا ما عليه فقه الزكاة في النظر للنماء كشرط من شروط المال المزكى على أنه نماء حقيقة أو حكما، فعلًا أو بالقوة، أما البيع فإنه يظهر الربح ويحققه وليس شرطًا لحدوثه.
- أما توزيع الربح واقتسامه فإنه في فقه المضاربة والتي تعمل البنوك الإسلامية وفق أحكامه في علاقتها بأصحاب حسابات الاستثمار باعتبار البنك مضاربًا وهم أرباب أموال، فالرأي الفقهي (2) على أنه لا بد من نض المال أي تحويله من عروض تجارة إلى نقود كشرط لتوزيع الربح، ولا شك أن باقي الثمن على عملاء المرابحة ليس نقودًا، ولذلك لا توزع الأرباح الناتجة عن عملية المرابحة إلا بعد التحصيل النقدي.
وهذا الرأي يتفق مع سابقه في أن الربح تحقق في سنة البيع ولكننا بصدد قضية توزيعه بين المضارب (البنك) وأرباب الأموال الأمر الذي يقضي بأن يظهر الربح في سنة تحققه ولكن لا يوزع منه إلا بمقدار ما حصل وهذا هو جوهر المعالجة الثانية بإثبات الأرباح في سنة 1985، ثم يرحل منه إلى حـ/ أ. خ الاستثمار الخاص بها ما يقابل المبلغ المحصل ويجنب الباقي في حساب دائن للسنوات التالية.
وفي النهاية أرجو أن أكون وفقت في عرض الموضوع بصورة يستفاد منها في ترشيد عمل البنوك الإسلامية وأقرر أن هذا جهدًا بشريًّا يعتريه القصور ويشوبه الخطأ وحسبي صدق النية في أنني أريد به وجه الله وإعلاء كلمة الإسلام.
والحمد لله أولًا وأخيرًا
…
د. محمد عبد الحليم عمر
تجارة الأزهر
(1) الفتاوى الشرعية – مرجع سابق ص 36- 40
(2)
ابن رشد – بداية المجتهد ونهاية المقتصد – مرجع سابق جـ 2 ص 308
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات".
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب/ البنك الإسلامي للتنمية / جدة.
عَمَّان
22 شوال – 25 شوال 1407هـ
18 /6 – 21 /6/ 1987م
بحث الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة
عن
"تجربة بنوك فيصل الإسلامية – عقد المرابحة - دراسة تطبيقية"
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث مقدم
إلى ندوة خطة "استراتيجية" الاستثمار في
البنوك الإسلامية
الجوانب التطبيقية والقضايا
والمشكلات
المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية "مؤسسة آل البيت"
عمان – الأردن بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
البنك الإسلامي للتنمية – جدة
من
دكتور شوقي إسماعيل شحاته
المستشار المالي لبنك فيصل الإسلامي المصري
في
تجربة بنوك فيصل الإسلامية – عقد المرابحة – دراسة تطبيقية
22 – 25 شوال 1407هـ الموافق 18 يونيو 1987م
بسم الله الرحمن الرحيم
في إطار أهداف الندوة التي تتلخص في:
- دراسة القضايا المتعلقة بتطبيق عقد المرابحة لتوفير التمويل لقطاعات التجارة والصناعة والزراعة والإسكان وغيرها.
- تحديد القضايا العملية والصعوبات في تطبيق عقد المرابحة في النظام المصرفي الإسلامي.
- تبادل الآراء في مجال النظام المصرفي والتمويل الإسلامي.
- اقتراح السبل والوسائل الفعالة لتطبيق عقد المرابحة في البنوك الإسلامية.
والتزاما بمنهج الندوة الموحد في الدراسات التطبيقية، ينقسم هذا البحث في " تجربة بنوك فيصل الإسلامية- عقد المرابحة – دراسة تطبيقية إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: خطوط عريضة لاستراتيجية التمويل، والاستثمار والتوظيف، والعائد، ومؤشرات الأهمية النسبية لمصادر واستخدامات الأموال.
القسم الثاني: طبيعة عقد المرابحة والتفاصيل العملية في التطبيق المعاصر كما هو معمول بها في بنوك فيصل.
القسم الثالث: مشكلات وقضايا وآفاق جديدة في عقد المرابحة وحلول مقترحة.
1-
القسم الأول:
خطوط عريضة لاستراتيجية التمويل، والاستثمار والتوظيف، والعائد، ومؤشرات الأهمية النسبية لمصادر واستخدامات الأموال في بنوك فيصل الإسلامية:
1-
1- مصادر الأموال الداخلية- حقوق الملكية:
وتتمثل في رأس المال المدفوع والاحتياطيات والأرباح المرحلة من سنوات سابقة، وصافي ربح العام:-
بلغ عدد البنوك الإسلامية الأعضاء في الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية حتى وقتنا الحاضر ستة وعشرون مصرفا منها تسعة بنوك من بنوك فيصل الإسلامية بالقاهرة، والسودان، والبحرين. وقبرص والنيجر وغينيا والسنغال وجزر البهاما.
وأخيرا مؤسسة فيصل للتمويل بإسطنبول – تركيا التي تأسست في 23 يناير 1985م.
وبلغت رؤوس الأموال المدفوعة من البنوك الأربعة الأولى
في نهاية 1404 هـ – 1984م المتاحة بياناتها ما تعادل جملته مقومه (1) بالدولار الأمريكي 98.7 مليون دولار، أما مؤسسة فيصل للتمويل بتركيا التي بدأت أعمالها في 2أبريل 1985م فقد بلغ رأس مالها المدفوع 5000 مليار ليرة تركية أسهمت فيها دار المال الإسلامي بنسبة 51 % وبنك فيصل الإسلامي المصري. وبنك فيصل الإٍسلامي السوداني. وبنك فيصل الإسلامي بالبحرين.
(1) سمير مصطفى متولي – بحث مقدم إلى المؤتمر العام الأول للبنوك الإسلامية بإسطنبول- تركيا 18- 21 اكتوبر 1986م في " هيكل مصادر الأموال واستخداماتها بالبنوك والمؤسسات المالية ".
وفيما يلي بيان بمؤشرات الأهمية النسبية لحقوق الملكية في أربعة من بنوك فيصل الإسلامية من رأس المال المدفوع. والاحتياطيات. والأرباح، منسوبة لمجموع مصادر الأموال- مجموعة الميزانية - في نهاية 1404 هـ- 1984 م:
جدول رقم (1)(لأقرب مليون دولار أمريكي)
البنوك رأس المال المدفوع الاحتياطيات والأرباح إجمالي المصادر الداخلية
مجموع الميزانية
1-
بنك فيصل الإسلامي- المصري (1) 40 13.5 53.5 3 % 1862
2-
بنك فيصل الإسلامي- السوداني - 32.6 46.00 78.6 31 % 250
3-
مصرف فيصل الإسلامي- البحرين 20.00 4.5 24.5 9 % 273
4-
مصرف فيصل الإسلامي- قبرص 6.1 0.1 6.2 30 % 21
98.
7 64.1 162.8 6.7 % 2406
وتعكس هذه المؤشرات تفاوت الأهمية النسبية لحقوق الملكية- المساهمين- لمجموع المصادر الداخلية الذاتية للأموال بين 3 %،31 % الأمر الذي لا شك في أنه ينعكس ويحكم خطة الاستثمار والتوظيف وطرق وأساليب التمويل والتركيب القطاعي.
1-
2- مصادر الأموال الخارجية – التمويل الخارجي:
1-
2-1- الحسابات الجارية وحسابات الاستثمار (الودائع تحت الطلب والاستثمارية) :
وفقا للمفاهيم والمبادئ الإسلامية في استراتيجية التمويل وأحكام الشريعة الإسلامية بتحريم التعامل والتمويل بأسلوب القروض بفائدة ثابتة مضمونة ومحددة مقدما بنسبة من رأس مال القرض وهي الربا بعينه برزت إلى الوجود في ميزانيات البنوك الإسلامية مصادر للأموال الخارجية والتمويل الخارجي في إطار الغنم بالغرم، والكسب بالخسارة، والخراج بالضمان، والمضاربة الشرعية وحسابات الاستثمار (الودائع الاستثمارية) .
(1) زيد رأس المال المدفوع إلى 70 مليون دولار أمريكي، والاحتياطيات إلى 26.6 مليون دولار بمجموع قدره 96.6 مليون في وقتنا الحاضر.
أما الحسابات الجارية فهي ودائع تحت الطلب يضمن البنك رد قيمتها بالكامل وله أو عليه كل عائد استثمارها وتوظيفها.
وفيما يلي بيان بمؤشرات الأهمية النسبية لكل من الحسابات الجارية وحسابات الاستثمار منسوبة لإجمالي الودائع، والأهمية النسبية لإجمالي الودائع كمصادر تمويل خارجي منسوبة إلى مجموع مصادر الأموال مجموع الميزانية – في نهاية 1404 هـ- 1984م.
جدول (2)(لأقرب مليون دولار أمريكي)
م البنوك الحسابات الجارية النسبة المئوية حسابات الاستثمار النسبة المئوية مجموع الودائع النسبة لمجموع الميزانية النسبة المئوية
1 بنك فيصل الإسلامي – المصري 54 3.7 % 1477 96.3 % 1532 1862 78 %
2 بنك فيصل الإسلامي- السوداني 100 65 % 55 35 % 154 250 62 %
3 مصرف فيصل الإسلامي – البحرين 6 2.9 % 225 97.1 % 231 273 86 %
4 مصرف فيصل الإسلامي- قبرص - - 13 100 % 13 21 64 %
160 8.3 % 1770 91.7 1930 2406 80 %
وتعكس هذه المؤشرات ضآلة نسبة الحسابات الجارية –الودائع تحت الطلب – التي تتفاوت من صفر % -2.9 %،3.7 % فيما عدا بنك فيصل الإسلامي السوداني التي تعكس أهميتها النسبية لمجموع الودائع 68 % وبلغت في نهاية عام 1405هـ- 1985م- 66 % وفي نهاية عالم 1406هـ- 1986 – 72 %.
كما تعكس هذه المؤشرات بوضوح الأهمية النسبية الكبرى لحسابات الاستثمار – الودائع الاستثمارية – التي تتفاوت بين 96.3 % في بنك فيصل الإسلامي المصري، 97.1 % في مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين، 100 % في بنك فيصل الإسلامي بقبرص.
1-
2-2- دائنون وأرصدة دائنة:
وتحصل البنوك الإسلامية على تمويل خارجي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية كائتمان بضوابطه الشرعية في إطار الأساليب البديلة للقروض والدائنية الربوية ومنها:
- موردو سلع وخدمات، وأصول ثابتة بثمن مؤجل كديون تجارة بأساليب البيع المختلفة، بيع المرابحة، بيع المساومة، بيع التولية، وبيع الوضيعة، بثمن مؤجل.
- الأرصدة الدائنة للمشاركات. والمشارك يختلف عن أصحاب الودائع. كما يختلف عن المساهم. وهو مشارك في عمليات أو أنشطة أو مشروعات.
- الأرصدة الدائنة التي تترتب عن معاملات بأساليب أخرى جائزة شرعا.
وفيما يلي بيان بمؤشرات الأهمية النسبية للدائنين والأرصدة الدائنة- كتمويل خارجي من منظور إسلامي- في نهاية عام 1404هـ- 1984م.
جدول رقم (3)
البنوك
دائنون وأرصدة دائنة
مجموع الميزانية
1 بنك فيصل الإسلامي – المصري 270 14.6 % 1862
2 بنك فيصل الإسلامي – السوداني 22 8.8 % 250
3 مصرف فيصل الإسلامي –البحرين 17 6.2 % 272
4 بنك فيصل الإسلامي – قبرص 1.4 0.7 % 21
320.
4 13 % 24.6
1-
3- استخدامات الأموال:
العمليات الأولى في حياة أي مشروع مستمر بعد عمليات الاكتتاب النقدي في رأس المال المصدر هي تبديل رأس المال النقد من غير جنسه بعروض تنقسم بلغة الفقهاء إلى عروض تجارة من سلع وخدمات- معدة للبيع، أو بلغة العصر- " الأصول الإيرادية " – وعروض القينة غير معدة للبيع بل للاحتفاظ بها لاستخدامها في العمليات الإنتاجية أو بلغة العصر " الأصول الرأسمالية " طلبا للربح الذي يتحصل بالانتفاع بكل منهما فيما هو مقصود منه.
مع مراعاة الاحتفاظ والإمساك بجزء من رأس المال النقدي ومصادر الأموال في صورة نقود وأرصدة نقدية في الصندوق والبنوك أو بلغة العصر " السيولة النقدية المناسبة " لأداء ما هو مقصود منها وهو " المعاملة أولا".
وفي الحديث الشريف: " لا عليك أن تمسك بعض مالك فإن لهذا الأمر عدة" ثم تتوالى دورات تقليب مصادر الأموال حالا بعد حال وفعلا بعد فعل طلبا للربح وهذه الدورة هي دورة الحياة في المشروع المستمر.
1-
3-1 تبويب استخدامات الأموال - الأصول - من منظور محاسبي إسلامي (1) وقياس ومؤشرات أهميتها النسبية في بنوك فيصل الإسلامية في نهاية عام 1404هـ- 1984م.
جدول رقم (4)(لأقرب مليون دولار أمريكي)
م البنوك الأصول التمويلية النسبة المئوية الأصول الإيرادية النسبة المئوية الأصول الرأسمالية النسبة المئوية مجموع الميزانية
1 بنك فيصل الإسلامي –المصري 227 12.7 % 1605.8 86.3 % 19.2 1 % 1862
2 بنك فيصل الإسلامي –السوداني 100 40 % 105.1 42 % 44.9 18 % 250
3 بنك فيصل الإسلامي –البحرين 1.7 0.6 % 270.9 99.3 % 0.4 0.1 % 273
4 بنك فيصل الإسلامي –قبرص 13.5 64 % 7.00 33.5 % 0.5 2.5 % 21
352.
2 14.7 % 1988.8 82.6 % 65.00 2.7 % 2406
(1) د. شوقي إسماعيل شحاتة " نظرية المحاسبة المالية من منظور إسلامي " 1407هـ -1987م الزهراء للأعلام العربي - القاهرة
هذا وقد بلغ مؤشر الأصول التمويلية في بنك فيصل الإسلامي المصري عام 1405هـ – 1985م 11.3 % وفي نهاية عام 1406هـ – 1986م 13.6 %.
وانخفض مؤشر الأصول التمويلية في بنك فيصل الإسلامي السوداني في نهاية عام 1405هـ إلى 36 % ثم إلى 28 % في نهاية عام 1406هـ- 1986م
وتعكس هذه المؤشرات تفاوتا ملحوظا لا شك في أنه يحكم استراتيجية الاستثمار والتوظيف وطرق وأساليب التمويل والتركيب القطاعي والعائد.
1-
3-2- استراتيجية السيولة النقدية والاستخدام الأمثل من منظور إسلامي في البنوك الإسلامية:
1-
بشكل الحجم الزائد عن الاستخدام الأمثل للأصول التمويلية- النقود والأرصدة النقدية بالصندوق والبنوك- عبئا تحميليا وعنصرا من عناصر التكاليف على الإنتاج من منظور إسلامي ذلك أن عائد الاحتفاظ بالسيولة غير المناسبة في البنوك الإسلامية ليس صفرا فحسب بل هو عائد سلبي قدره 2.5 % تتمثل في زكاة النقود الواجبة التي بلغت نصابا وحال عليها الحول.
2-
عائد توظيف الأصول التمويلية – النقود – قد يكون ربحا وقد يكون خسارة وليس ثمنا في جميع الأحوال كالفائدة الربوية.
3-
يعمل الاستخدام الأمثل للأرصدة التمويلية في البنوك الإسلامية على مراعاة تحقيق التوازن في التوظيف على أربعة محاور والمواءمة بينها من حيث:
- التقلب ودوران المال العامل وعدد دوراته.
- المخاطرة وأعني بها في مخاطرة النشاط والأعمال لا المغامرة.
- الربحية.
- التنمية.
4-
المرونة في التخطيط النقدي في البنوك الإسلامية لمواجهة مواسم التمويل والاستخدامات المتوقعة وحوالة الأسواق. وتجديد الموارد النقدية كلما وجد البنك ذلك مناسبا له وأهمية التعاون بين البنوك الإسلامية وأيسرية انتقال مصادر الأموال والفوائض بينها.
1-
3-3- الأهمية النسبية لمؤشرات " المرابحات " في بنوك فيصل الإسلامية وفعاليتها واستقرارها:
بنك فيصل الإسلامي المصري:
1-
بلغت جملة أرصدة المشاركات والمضاربات والمرابحات التجارية والإنتاجية في نهاية عام 1406هـ 1986م مبلغ 1533 مليون دولار أمريكي يمثل 74 % من الاستخدامات – مجموع الميزانية وقدرها 2056مليون دولار أمريكي.
وكانت في نهاية عام 1405هـ- 1985م مبلغ 1375 مليون دولار تمثل 77 % من مجموع الميزانية.
2-
وبلغت جملة أرصدة المرابحات 529 مليون دولار أمريكي تمثل 34 % من إجمالي أرصدة المشاركات والمضاربات والمرابحات في نهاية 1406هـ- 1986م، وتمثل نسبة 26 % من إجمالي الاستخدامات – مجموع الميزانية:
3 – بلغت جملة إيرادات المشاركات والمضاربات والمرابحات لعام 1406هـ- 1986م 113مليون دولار أمريكي بنسبة 92 % من إجمالي الإيرادات وقدرها 123 مليون دولار.
4 – بلغت إيرادات المرابحات 40 مليون دولار أمريكي 35 % من إيرادات المشاركات والمضاربات والمرابحات.
وتعكس هذه المؤشرات مدى الأهمية النسبية " للمرابحات التجارية والإنتاجية " وفعاليتها وأظهرت المقارنات بالسنوات السابقة في بنك فيصل الإسلامي المصري استقرارها.
مؤسسة فيصل المالية – تركيا:
بلغت الأهمية النسبية لمؤشرات استخدامات الأموال في المرابحات والمضاربات في السنة المالية 1985م (والمدة من 2 أبريل 1985م تاريخ مباشرة البنك أعماله حتى 31 /12/ 1985م) كما هي متصلة في التقرير السنوي لعام 1985م.
كالآتي:
73.
6 % مرابحات محلية
20.
8 % مرابحات خارجية
94.
4 % 94.4 % المرابحات
5.
6 % المشاركات
وفيما يلي بيان مؤشرات نشاطات المرابحات على مستوى القطاعات:
وجدير بالذكر أن بنك فيصل الإسلامي المصري قد أسس وأسهم في 32شركة مساهمة تلعب دورا متميزا في مجال نشاط المرابحات في الإنتاج الصناعي والدواء والرعاية الطبية – المستشفيات. والإسكان ومواد البناء. والإنتاج الزراعي والحيواني، والتجارة وفي الاستثمارات والسياحة والبنوك والمؤسسات المالية.
جدول رقم (5)
البنك قطاع الصناعة قطاع الزراعة قطاع التجارة قطاع الخدمات
بنك فيصل الإسلامي- المصري 36 % 17 % 12 % 35 %
مؤسسة فيصل للتمويل / تركيا 53 % 20 % 21 % 6 %
1-
3-4- لماذا نفتقد مؤشرات نشاطات المرابحات في البنك الإسلامي بوصفه آمرا بالشراء؟
لعل ذلك يرجع في رأيي إلى أن البنوك الإسلامية أو بعضها ما زال متأثرا بالنظرة التقليدية للتوظيف وأساليب التمويل في إطار العمل المصرفي باعتبار النقود سلعة، أما الأمر فإنه يختلف جذريا وكليا في البنوك الإسلامية وقد آن الأوان لممارسة البنك الإسلامي لنشاطات المرابحات بشراء السلع والأصول بأسلوب المرابحة بوصفه الآمر بالشراء نقدا وبالأجل وفقا لمؤشرات مصادر واستخدامات الأموال فيه، وبيعها نقدا وبالأجل بضوابطه الشرعية.
وفي ذلك ما يفتح آفاقا واسعة في التوظيف الخارجي والتجارة الخارجية.
وصدق الله العظيم إذ يقول: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) } [قريش]
القسم الثاني
2 – طبيعة عقد المرابحة والتفاصيل العملية في التطبيق المعاصر كما هو معمول بها في بنوك فيصل الإسلامية.
2-
1- طبيعة عقد المرابحة للآمر بالشراء وملائمته علما وعملا للعمليات التمويلية والعمليات الإيرادية تحقيقا للربح من منظور إسلامي:
2-
1-1- تعريف التجارة وبيع المرابحة للآمر بالشراء كأحد أنواع البيع من حيث تعلقه بالثمن من منظور إسلامي:
أحل الله البيع وحرم الربا، وقد كان للعرب تجارة داخلية في جزيرة العرب، وتجارة خارجية مع العالم شرقيه وغربيه وظل الدينار الشرعي الإسلامي يحتل مكانا مرموقا في التجارة العالمية لمدة خمسة قرون من القرن الأول الهجري إلى القرن الخامس.
والتجارة من منظور إسلامي (1) هي: " تقليب المال بمعاوضة لغرض الربح، وهي " صناعة التجار" وهي التصدي للبيع والشراء لتحصيل الربح". ويتم البيع بثمن حال أو مؤجل ولا يصح التأجيل في تسليم الأعيان:
وبيع المرابحة هو أحد أنواع البيع الأربعة من حيث تعلقه بتحديد الثمن وهي:
(1)
إن كان بمثل " الثمن الأول " – أي التكلفة – مع زيادة ربح يتفق عليه فمرابحة.
(2)
إن كان بمثل " الثمن الأول" – أي التكلفة – بدون زيادة فتولية.
(3)
إن أنقص الثمن الأول – أي التكلفة – فوضيعة.
(4)
إن كان بدون زيادة ولا نقص فمساومة – أي بأي ثمن من غير نظر إلى الثمن الأول – التكلفة.
وبظهور البنوك الإسلامية تعاظم دور بيع المرابحة للآمر بالشراء وخصوصا بثمن مؤجل بضوابطه الشرعية. وتأكدت أهميته وجدواه الاقتصادية وملائمته علما وعملا لطبيعة العمليات التمويلية والعمليات الإيرادية التي تجريها البنوك الإسلامية بعيدا عن القروض ونظام الفائدة الربوية لتوظيف واستخدامات الأموال في النشاطات والقطاعات المختلفة لغرض الربح من منظور إسلامي في إطار التقليب. والمخاطرة والغنم بالغرم. والخراج بالضمان إلى غير ذلك من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
هذا ويتعين مراعاة الأحكام الشرعية في البيوع الصحيحة بأن يقوم البنك ببيع ما يملك مع الاتفاق على شروط تسليم المبيع. وأن يكون معلوما للمشتري بثمن الشراء- الثمن الأول- وما أضيف عليه من النفقات كالرسوم الجمركية مثلا، والمصاريف المختلفة التي يتفق عليها الطرفان من مصاريف إضافية مختلفة ومصاريف إدارية وتسويقية أخرى تختص بالمبيع وصولا إلى تحديد التكلفة الكلية التي يضاف إليها نسبة الربح المتفق عليها أو مبلغ الربح وصولا إلى تحديد ثمن البيع النهائي بالعقد. وكذلك طريقة وسداد الثمن على الآجال المختلفة.
(1)" نظرية المحاسبة من منظور إسلامي" د. شوقي إسماعيل شحاتة 1407هـ-1987م الزهراء للإعلام العربي – القاهرة.
وقبل أن نتناول فورا هذه التفاصيل العملية في التطبيق المعاصر لبيع المرابحة للآمر بالشراء بالعقد وبالأجل كما هو معمول به في بنوك فيصل الإسلامية وعلى الأخص بنك فيصل الإسلامي المصري نسترعي الانتباه إلى مدى وأهمية العلاقة بين السعر والتكلفة في التطبيق المعاصر من منظور إسلامي في بيع المرابحة وغيره من بيوع التولية والوضيعة من حيث إنها علاقة تبادلية بمعنى أن كلا منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به وإن أسعار البيع وإن تعلقت بالعرض والطلب والعوامل الفعالة المؤثرة في السوق وحوالة الأسواق والمخاطرة إلا أنها تتعلق أساسا في بيع المرابحة بعلاقة وطيدة بين التكلفة، وثمن البيع حالا أو مؤجلا.
ومن ثم فإن بيع المرابحة يتميز بملاءمته لطبيعة العمليات التمويلية والعلميات الإيرادية المتعلقة بالربح والمرتبطة مباشرة بالتكلفة وعوامل التقليب. والمخاطرة في سوق المال أو سوق العقود التي تتميز بالخصائص الآتية:
1 – حرمة المعاملات.
2 – تحريم الربا بكل أنواعه وأشكاله الظاهرة والمستترة.
3 – تحريم الغش بكل أنواعه.
4 – تحريم الاحتكار بأنواعه.
5 – توافر المعلومات الصادقة لكل من البائع والمشتري.
6 – أن يتلاءم هامش الربح مع درجة المخاطرة.
7 – أن يكون الثمن عادلا وليس مجحفا بحق البائع أو المشتري.
8 – أي شروط أخرى يراها الحاكم ضرورية لمنع الضرر.
2-
2- التفاصيل العملية لتطبيق عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء والنشاطات والقطاعات التي يطبق عليها في بنوك فيصل الإسلامية:
2-
2-1- الأحكام الشرعية الصادرة من هيئات الرقابة الشرعية وقرارات مؤتمرات البنوك الإسلامية في عقد بيع المرابحة:
طبقا للفتاوى الشرعية الصادرة من هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي المصري وهيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني. وهيئة الرقابة الشرعية ببيت التمويل الكويتي وهيئة الرقابة الشرعية بمصرف قطر الإسلامي.
- وبناء على قرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول المنعقد في دبي 1399هـ- 1979م، وفتوى وتوصيات لجنة العلماء بالمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي المنعقد في الكويت 1403هـ – 1983م فإن معاملة الوعد بالشراء والمواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء عقد ملزم لكل من الطرفين الآمر بالشراء والبنك بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها. طالما كانت تقع على البنك الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي. والأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات. وفيه مراعاة لمصلحة البنك والعميل إلا أن كل بنك مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه.
- وبناء على الفتاوى الشرعية المصدرة من هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي يلتزم الطرفان بعقد الوعد بالشراء وعقد البيع بالمرابحة بضوابطهما الشرعية بأن يكون الثمن الأصلي معلوما لمن يشتري بطريق المرابحة وأن تكون جميع النفقات والتكاليف التي تحملها المشتري الأصلي في الحصول على السلعة معلومة كذلك للآمر بالشراء بطريق المرابحة. وأنه لابد من توضيح كل ذلك بجميع أوراق بيع المرابحة المودعة بملف كل عقد من عقودها.
- ينبغي ألا يكون الأمر بالشراء شفاهة ويلزم أن يكون طلبا مكتوبا. وأن يتأكد البنك من جدية الطالب حتى تكون المخاطرة محسوبة وحتى يتلافى البنك نكوص الآمر بالشراء بعد طلبه ذلك.
- أخذ جزء من الثمن مقدما أو أخذ عربون ودفع الباقي عند التسليم أو دفعه على أقساط يتفق عليها جائز بشرط ألا يحق للبنك أن يستقطع من العربون المقدم إلا بمقدار الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء نكول الآمر بالشراء.
- إذا ظهرت خيانة البائع فيما ذكره من الثمن أو غيره مما يجب ذكره فالبيع صحيح ولكن يثبت للمشتري الخيار فإن شاء أخذ بما بينه البائع على ما فيه من زيادة وإن شاء ترك البيع أو أسقط الزيادة.
- لا مانع شرعا من الزيادة في الثمن إذا كان البيع بثمن مؤجل، والدفع على أقساط. ولا مانع أيضا من اختلاف الثمن باختلاف الأجل.
- يأخذ البنك في الاعتبار ألا ترتفع تكلفة السلعة عن مثيلتها في السوق حتى يجد العميل له ربحا مناسبا عند بيعه لها.
- تنقسم عمليات البيع بالمرابحة إلى:
1-
مرابحة محبة 2- مرابحة استيرادية
2-
2-2- التفاصيل العملية لطلب الشراء كما هو معمول بها في بنك فيصل الإسلامي المصري.
يتقدم العميل كتابة بطلب شراء في النموذج المعد يشمل:
أ – بيان السلعة أو الأصول موضوع الوعد بالشراء الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من عقد بيع المرابحة.
ب- بيان الأوصاف التي يحددها العميل للآمر بالشراء.
جـ- التكلفة الكلية التقديرية.
د- نسبة الربح من التكلفة الكلية.
هـ- بيان شروط ومكان التسليم.
و أي شروط أخرى.
ز – الاسم – العنوان – رقم صندوق البريد- رقم التليفون – رقم التلكس – رقم الحساب الجاري (إن كان) ورقم حساب الاستثمار (إن كان) – أي بيانات أخرى..
ح – التوقيع والتاريخ
2-
2-3- خطوات التنفيذ في المرابحات المحلية:
2 -
2-3-1- اختيار العملاء والاستعلام عنهم:
إذا كان عمل البنك على هدي أحكام الشريعة الإسلامية الغراء قد أتاح له رصيدا ضخما متزايدا من العملاء أصحاب حسابات الاستثمار على النحو الذي جعل مواردة تقفز بطفرات كبيرة فإن ذلك يضع على عاتق البنك وفروعه باعتباره مفوضا في استثمار تلك الأموال وفق شريعة الله سبحانه وتعالى ضرورة اختيار عملاء المرابحات وغيرهم من العملاء وفق أسس تضمن سلامة التوظيف وحصول البنك على أمواله وعوائدها وفيما يلي الأسس التي يجب مراعاتها عند اختيار عملاء البنك:
1-
أن تكون سمعة العميل حسنة محافظا على الوفاء بتعهداته والتزاماته قبل المتعاملين معه سواء البنوك أو الموردين أو غيرهم.
2 – الاستعلام الجيد عن العميل من البنوك التي سبق له التعامل معها، كما يتم الاستعلام عنه لدى الموردين وغيرهم من التجار، وكذلك الاستعلام عن العميل لدى المجتمع الذي يعيش فيه وتصرفاته المالية والأخلاقية.
3 – أن يكون للعميل خبرة في مجال عمله ونشاطه التجاري والصناعي وغيره.
4 – ألا يكون سبق له التوقف عن دفع ديونه أو أجرى ضده بروتستو وذلك بالرجوع لنشرة الأحكام التجارية والحصول على شهادة من المحكمة التابع لها لمطابقتها على النشرة.
5 – ألا يكون قد سبق إشهار إفلاسه.
6 – ألا يكون في نشاطه التعامل على سلع يحرمها الإسلام.
7 – التأكد من سلامة مركزه المالي من ميزانيات العميل والتقارير التي تظهرها الزيادة الميدانية لموقع نشاطه وذلك بمؤشرات حقيقية وواقعية.
8 – أن يقدم العميل ما يوضح موقفه الضريبي وسلامته بشهادة من مراقبة الضرائب أو من محاسب قانوني.
9 – التأكد من سلامة اقتصاديات نشاط العميل مقارنا بالأنشطة المماثلة.
10 – الاستعلام عن المراكز الائتمانية للعميل سواء أكان شركة أو بصفته الشخصية وذلك من إدارة مراكز الائتمان بالبنك المركزي المصري وتحليل هذه المراكز للتأكد من سلامتها.
11-
في حالة شركات الأشخاص (تضامن – توصية – بسيطة) يجب الاستعلام عن كل شريك على حدة بخلاف الاستعلام عن موقف الشركة وأن يشمل ملف العملية الحصول على بيان بالمركز الائتماني المجمع لكل منهم على حده من البنك المركزي المصري ودراسة هذه المراكز للتأكد من سلامتها.
12-
الحصول على بيان بممتلكات الأشخاص الطبيعين أو الشركاء في شركات الأشخاص والإطلاع على عقود الملكية والشهادات العقارية والسلبية التي تثبت خلو الممتلكات من الرهن أو الاختصاص.
كما يطلب من العميل تقديم صور من المستندات الآتية: السجل التجاري - عقد الشركة وملخص العقد- البطاقة الضريبية – البطاقة الاستيرادية – الميزانيات وحسابات الأرباح والخسائر عن الثلاث سنوات الأخيرة وتقارير مراقبي الحسابات ورقم الحساب ببنك فيصل الإسلامي المصري (إن كان) إلى غير ذلك من المستندات اللازمة.
دراسة عملية بيع المرابحة – العناصر والأسس والقواعد السليمة لدرجة المخاطرة المقبولة:
أولا: الظروف التجارية والاقتصادية وظروف السوق داخليا وخارجيا:
الظروف التجارية والاقتصادية التي لا يتحكم فيها الفرد ربما تغير مقدرته على مواجهة التزاماته فالتقلبات الاقتصادية في الأعمال التجارية سواء كانت طويلة الأجل أو قصيرة الأجل لا بد أن تؤخذ في الاعتبار عند الدراسة:
1 – قد تكون هذه التقلبات خاصة بصناعة أو منطقة صناعية معينة أو بسلعة معينة.
2 – أو منطقة جغرافية (المناطق الحرة مثلا)
3 – أو الدولة بأكملها.
4 – أحوال المنافسة في السوق.
5 – تقلبات أسعار النقد في السوق ومدى توفير العملات.
ثانيا: طبيعة السلعة، أو الخمات أو مستلزمات الإنتاج، أو الأصول موضوع المرابحة:
والسلعة أو الأصول أو مستلزمات الإنتاج المحلي والعالمي موضوع العملية المقدمة يجب دراسة طبيعتها بحيث تتوفر فيها العناصر التالية:
1 – قابلية السلعة إلى التصريف: ومدى تحويلها إلى أرصدة نقدية خلال دور البضاعة (المخزون) أي مدى الطلب على السلعة.
2 – طبيعة السلعة والخامات ومستلزمات الإنتاج ومدى قابليتها للتلف السريع، ،أو الشروط الخاصة بالتخزين في درجات حرارية معينة مثلا
…
3 – المواصفات الفنية المطلوبة في الأصول كالآلات – والماكينات – والأجهزة – وقطع الغيار – والصيانة.
4 – أنسب مصادر للشراء من حيث شروط التوريد والالتزام بالمواعيد المحددة والأسعار والسداد والضمانات.
ثالثا: سمعة العميل:
وهي العنصر الأول الهام في اتخاذ القرار، وتعتمد على مؤشرات أهمها:
أ – بالنسبة للأفراد وشركات الأشخاص:
1 – التمتع بسمعة ائتمانية وأخلاقية طيبة.
2 – الانتظام في سداد العميل لديونه.
ب- بالنسبة لشركات الأموال (الشركات ذات المسئولية المحدودة والمساهمة) :
- فلا يستدل على سمعتها بدرجة كبيرة من سمعة القائمين على إدارتها فحسب، بل تعتمد بصفة أساسية على سلامة اقتصادياتها وأساليبها والسياسات التي تتبعها ومدى دقة نظام العمل، ونظامها المحاسبي. وتقارير مراقبي الحسابات.
- إن الشكل القانوني للشركة قد يعني رغبة الشركاء في تحديد مسئولياتهم إزاء التزامات الشركة. وهذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند تقدير المخاطر.
جـ- المستندات التي تبين سمعة العملاء ومدى احترامهم لتعهداتهم والوفاء بها في استحقاقاتها كما يلي:
1 – الاستعلام ويتضمن:
أ – الاستعلام من البنوك الأخرى التي يتعامل معها العميل.
ب- الاستعلام من الموردين الذين يتعاملون معه، ومكان عمله، ومكانته في الهيئة الاجتماعية وخبرته في مجال عمله.
جـ- شهادة من المحكمة المختصة التي يقع في دائرتها نشاط العميل تثبت عدم توقيع بروتستات عليه خلال العام.
د – نشرة الغرفة التجارية التي تصدرها شهريا متضمنة أسماء التجار الذين أجريت عليهم بورتستات أو توقفوا عن الدفع.
2 – البيان الائتماني المجمع:
- دفتر القضايا بالإدارة المركزية لتجميع مخاطر الائتمان بالبنك المركزي المصري.
3 – مركز العمليات السابقة مع العميل:
- مركز العمليات السابقة للعميل مع البنك ورأي قسم التنفيذ والمتابعة في مدى انتظامه في السداد.
رابعا: القدرة على الدفع:
1 – إن دخل التجارة يستمد أساسا من حجم المبيعات، وأي عامل يؤثر على المبيعات يؤثر إلى درجة ما على القدرة على الدفع.
2 – وكذلك نسبة المصروفات العمومية والإدارية فكلما زادت هذه المصروفات قلت القدرة على مجابهة الالتزامات المستحقة.
ولذا وجب التركيز على حجم المبيعات وأي إيرادات أخرى وصافي الربح وتطوراتها خلال عامين على الأقل.
خامسا: المركز المالي:
يلزم للتعرف على مدى سلامة المركز المالي للعميل أن تستوفي العناصر الآتية:
1 – تحليل الميزانيات وحسابات النتيجة " الأرباح والخسائر " حساب التوزيع لأقرب عامين على الأقل والأفضل ثلاثة أعوام.
2 – الحصول على بيان بممتلكات الأشخاص الطبيعيين أو الشركاء في شركات الأشخاص، والإطلاع على عقود الملكية والشهادات العقارية أو السلبية التي تثبت خلو الممتلكات من الرهن والاختصاص.
3-
الإطلاع على المركز الضريبي للعميل سواء بشهادة من مراقبة الضرائب أو من محاسب قانوني موثوق فيه.
4 – التأكد من سداد العميل للتأمينات الاجتماعية على عماله.
5 – الاستفسار من العميل عن التزاماته المالية قبل مورديه، وكذا معاملاته لدى البنوك الأخرى للتأكد على ما ورد بالاستعلام.
6 – الإطلاع على البيان المجمع من الإدارة المركزية لتجميع إحصائيات الائتمان المصرفي بالبنك المركزي وتحليله.
سادسا: الربحية:
1 – ملاءمة الربحية لذات السلعة أو النشاط في ضوء أسعار السوق أو العمليات السابقة.
2 – مدى الالتزام بالقرارات الخاصة بنسب تحديد نسب الربح. وقوانين الاستيراد واللوائح التنفيذية.
سابعا: تقويم درجة المخاطرة:
1-
وفي إطار هذه العناصر والأسس والقواعد تعتبر المخاطرة مقبولة ومحسوبة على أساس سليم.
2 – أما في حالة غياب أي عنصر واحد من هذه العناصر أو ضعفه (فيما عدا السمعة) فإن المخاطرة تعتبر مقبولة. ولكن بشرط مقابلتها بضمان إضافي.
3 – أما في حالة غياب عنصرين من هذه العناصر (فيما عدا السمعة) فإن المخاطرة تعتبر متوسطة وتحتاج إلى ضمانات كافية.
4 – بخلاف ما تقدم تكون المخاطرة غير مقبولة على الإطلاق.
- إضافات لخطوط التنفيذ في المرابحة الاستيرادية:
1-
تقدم فاتورة مبدئية من المورد محدد بها مواصفات السلعة وعددها وسعرها وشروط التسليم.
2 – يتم تحديد سعر السلعة على أساس التكلفة الكلية المشتملة على ثمن الشراء والرسوم الجمركية وتكاليف الشحن والتأمين ومصاريف التخليص الجمركي وكافة المصاريف الأخرى. بالإضافة إلى ربح البنك ويكون هذا الربح بالإضافة إلى التكلفة الكلية ويجوز أن يكون نسبة من قيمة التكلفة النهائية.
3 – في حالة قبول التوريد من المورد المحدد من قبل البنك يجب أن تتضمن شروط التوريد تقديم المورد خطاب ضمان توريد في المواعيد المحددة مع تقديم شهادة بمطابقة البضاعة الموردة للمواصفات المطلوبة وعلى أن ينص على ذلك الاعتماد المستندى.
4 – دراسة مستوى الأسعار للعرض المقدم من المورد في الخارج للتأكد من سلامة هذه الأسعار والاستعلام عن المورد ومركزه الصناعي أو التجاري والمالي عن طريق مراسلي البنك في الخارج.
5 – يقوم البنك بعد إنهاء إجراءات التعاقد باتخاذ اللازم نحو فتح الاعتماد المستندي الخاص بتنفيذ العملية.
6 – يجب أن يخطر المورد بأن تصدر المستندات الخاصة بالعملية (الفواتير – بوالص الشحن
…
إلخ) باسم البنك.
7 – عند ورود المستندات يجوز تظهيرها لصالح العميل وتسليمها له لاتخاذ اللازم نحو إنهاء إجراءات استلامها مقابل توقيعه على الشيكات الخاصة باستلام مستحقات البنك وتوقيع الضمانات اللازمة والتي تم الاتفاق عليها عند دراسة العملية، أما في حالة التسليم للبضاعة في مخازن العميل فيقوم البنك باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحمل تكاليف النقل والتخليص الجمركي للبضائع حتى مخازن العميل.
8 – إذا تم وصول البضاعة قبل وصول المستندات وإصدار البنك خطاب ضمان ملاحي للإفراج عن البضاعة فإنه يتعين قبل تسليم خطاب الضمان للعميل الحصول على إقرار منه على قبول أية تحفظات ترد على المستندات فيما بعد.
بالإضافة إلى الحصول على توقيعه على الشيكات والضمانات الخاصة بالعملية مع تعهده برد أصل خطاب الضمان بمجرد وصول المستندات وتسليمها إليه.
9 – في حالة رفض العميل استلام مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة رغم مطابقتها للمواصفات والمواعيد وشروط المرابحة يقوم البنك أو الفرع باتخاذ اللازم نحو البضاعة بالسعر السائد في السوق لحساب عميل المرابحة استيفاء لحقه وفقا لما هو وارد في البند الخامس من عقد بيع المرابحة (استيراد) .
10-
عند وصول البضاعة ومعاينة عميل المرابحة لها يتم الحصول منه على تعهد بأن البضاعة الواردة مطابقة للمواصفات والشروط الواردة في التعاقد ويتم بعد الحصول على التعهد برد أصل خطاب الضمان السابق إصداره إلى المورد، ويجوز أن تتم المعاينة في ميناء الشحن في الحالات التي تستدعي ذلك ووفقا لرغبة العميل في القيام بنفسه بهذه المهمة وعلى نفقته الخاصة.
ثامنا: الضمانات:
يجب على الفرع عند إتمام عملية المرابحة الحصول على ضمانات عينية أو شخصية. ومن هذه الضمانات ما يلي:
1 – التأمين على مخازن العميل والبضاعة موضوع المرابحة ضد كافة الأخطار (حريق- سطو – خيانة – أمانة) لصالح البنك مع التزامه بتقديم الوثائق الدالة على ذلك وتجديد الوثائق دوريا حتى تمام سداد مستحقات البنك.
2 – يلتزم العميل بالاحتفاظ بحساباته الجارية بالنقد المحلي والأجنبي وكذا كافة الإيرادات الخاصة بالبيع موضوع المرابحة سواء كانت نقدا أو شيكات بحسابه الجاري طرف البنك.
3 – إجراء رهن تجاري مشمول بالصيغة التنفيذية.
4 – الحصول على عقود بيع ابتدائية على أملاك العميل أو بعضها بقيمة تغطي مديونية العميل قبل البنك على أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لشهر عقود البيع الابتدائية لهذه الممتلكات.
5 – تقديم العميل لأوراق تجارية برسم الضمان تستخدم حصيلتها لسداد مديونيته.
تاسعا: متابعة تحصيل مستحقات البنك والتعويض عن التأخير في سدادها
يقوم البنك وفروعه بمتابعة تحصيل الأقساط المستحقة عن العمليات التي عقدها في مواعيدها، وعند التأخير في السداد يطبق ما جاء بالفتوى الشرعية الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية بالبنك والخاصة بالتعويض عن التأخير في سداد مستحقات البنك. كما يجب الالتزام باتخاذ الإجراءات القانونية المختلفة قبل العميل بالتنفيذ على الضمانات التي بحوزته - بعد استيفاء كافة الوسائل في إمكان الوصول إلى تسوية ودية - وحتى في حالة السير في الإجراءات القانونية فهذا لا يمنع من الاستمرار في الاتصالات مع العملاء لمحاولة الحصول على مستحقات البنك.
وغني عن البيان أن التعويض عن التأخير في سداد مستحقات البنك في مواعيدها هو تعويض عما أصاب البنك من ضرر فعلي بسبب ما أدى إليه التأخير في السداد من تعطيل دورة تقليب المال، وهي دورة الحياة في نشاط التجارة بمفهومه الواسع الذي يستهدف تحقيق الربح من منظور إسلامي كما سبقت الإشارة إليه.
وينص عقد البيع بالمرابحة في بنك فيصل الإسلامي المصري في البند الرابع عشر على أن " القاعدة الشرعية وهي أساس المعاملات تقرر أنه لا ضرر ولا ضرار وذلك على النحو الذي انتهت إليه هيئات الرقابة الشرعية الثلاث في مؤتمرها الثلاثي لدار المال الإسلامي، وبنك فيصل الإسلامي المصري وبنك فيصل الإسلامي السوداني، لذلك فقد اتفق الطرفان على أنه في حالة تأخير الطرف الثاني- المشتري – عن سداد أي قسط عن موعد استحقاقه فإنه يحق للبنك بلا أي منازعة تعويضا عما أصابه من ضرر فعلي بسبب التأخير، وتحتسب قيمة هذا الضرر على أساس متوسط نسبة إجمالي أرباح البنك المحققة عن ذات الفترة، فضلا عن أية تعويضات أخرى فعلية، وأن أي منازعة في استحقاق التعويض أو قيمته تعرض على هيئة الرقابة الشرعية لحسمها نهائيا ورأيها فيه باتا".
القسم الثالث
مشكلات وقضايا، وآفاق جديدة في عقد المرابحة وحلول مقترحة:
3-
1- قياس التكلفة في عقد المرابحة بين مبدأ التحميل الشامل، ومبدأ التحميل الجزئي الذي نادى به فقه المالكية (1)
3-
1-1- الرأي الأول: مبدأ التحميل الشامل في بيع المرابحة:
يرى جمهور الفقهاء – عدا المالكية – قياس التكلفة التي يحتسب عليها نسبة الربح أو يضاف إليها مبلغ الربح، وصولا إلى تحديد ثمن بيع السلعة بأسلوب بيع المرابحة على أساس مبدأ التحميل الشامل للسلعة بنصيبها من كل عناصر التكاليف- أي التكلفة الكلية – ويعبر الفقهاء عن ذلك بقولهم " بل يجعل على السلعة كل ما نابه عليها" وهذا هو المعمول به في بنوك فيصل الإسلامية أي أنه بلغة العصر يضاف إلى تكلفة الشراء جميع بنود وعناصر التكاليف الصناعية والتسويقية والإدارية وصولا إلى تحديد التكلفة الكلية.
3-
1-2- الرأي الثاني: مبدأ التحميل الجزئي في بيع المرابحة في الفقه الإسلامي عند المالكية:
ويحدثنا ابن رشد الحفيد المتوفي سنة 495هـ – 1176م (2) فيقول: " بيع المرابحة هو أن يذكر البائع الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط فيه ربحا، وحاصل مذهب مالك فيما يعد في الثمن- أي الكلفة – مما لا يعد أن ما ينوب البائع على السلعة زائدا على الثمن من الكلف والمؤن – أي من عناصر وبنود التكاليف ينقسم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يعد في أصل الثمن ويكون له حظ من الربح:
أو بلغة العصر " تكلفة الشراء أو تكلفة الإنتاج " أي التكلفة الصناعية التي يعبر عنها ابن رشد الحفيد بقوله: " ما كان مؤثرا في عين السلعة وله عين قائمة مثل الخياطة، والفتل، والصبغ، فإنه بمنزلة الثمن الأول ويحسب له ربح ".
القسم الثاني: ما يعد في أصل الثمن ولا يكون له حظ من الربح:
ويعبر عنه ابن رشد الحفيد بقوله " وهو ما لا يؤثر في عين السلعة مما لا يمكن للبائع أن يتولاه بنفسه، وتحمل المباع من بلد إلى بلد، وكراء البيوت- أي المخازن – التي توضع فيها، فإنه يحسب في أصل الثمن – أي التكلفة – ولا يحسب له ربح "
وعلى هذا فإنه على المذهب المالكي لا يحتسب ربح وصولا لتحديد ثمن البيع بالمرابحة على تكاليف التسويق، وتكاليف الإدارة وإن كانت تدخل ضمن عناصر التكلفة. وفي ذلك يقول ابن عابدين: لأنها ليست هي الغرض الأساسي.
القسم الثالث: ما لا يعد في أصل الثمن – أي التكلفة – ولا يكون له حظ من الربح:
ويعبر عنه ابن رشد الحفيد بقوله " وهو ما لا تأثير له في عين السلعة مما يمكن أن يتولاه التاجر صاحب السلعة بنفسه كالسمسرة والطي والشد، وكل ما يتولاه بنفسه مما يختص بالمتاع – أي بالسلعة – لا يحسب في التكلفة "
أي أنه بلغة العصر لا تتضمن بنود التكلفة أي مقابل لعمل صاحب المنشأة في منشأته، وبالتالي فإن الفكر الإسلامي المحاسبي يرى عدم احتساب أي نفقات أو بنود افتراضية ضمن عناصر التكاليف.
(1) د. شوقي إسماعيل – "نظرية المحاسبة المالية من منظور إسلامي" – 1407هـ – 1987م الزهراء للإعلام العربي – القاهرة – "البنوك الإسلامية" – 1397هـ – 1977م. دار الشروق – جدة.
(2)
"بداية المجتهد ونهاية المقصد"
مثال: التحميل الشامل، والتحميل الجزئي وتحديد ثمن البيع بالمرابحة من منظور إسلامي.
الرأي الأول (التحميل الشامل) الرأي الثاني (التحميل الجزئي)
وهكذا نادى فقه المالكية منذ أربعة عشر قرنًا بالأخذ بمبدأ التحميل الجزئي وصولًا لتحديد ثمن البيع بالمرابحة، ويشهد عالمنا المعاصر جدلًا وحوارًا بين محاسبي التكاليف حول الأخذ بمبدأ التحميل الشامل أو بمبدأ التحميل الجزئي وإلى أي مدى، ويسوق كل فريق من الحجج والمزايا والانتقادات للرأي الآخر ما يبرر به رأيه.
ونعرض على بساط البحث والمناقشة في هذه الندوة رأي المالكية الذي ينادي بمبدأ التحميل الجزئي كأسلوب آخر يشكل إثراءً ومرونة ويفتح آفاقًا جديدة لتحديد ثمن البيع بالمرابحة في إطار العلاقة بين التكاليف والأسعار.
3-
2- التوازن في هيكل الودائع ونوعيتها، واستثمار وتوظيف مصادر الأموال الداخلية والخارجية في الأصول التمويلية، والأصول الإيرادية، والأصول الرأسمالية،، ودور المرابحات التجارية والإنتاجية وفعاليتها في المرحلة الحالية وصعوبات المرحلة الحالية:
تلفت المؤشرات التي قدمناها في القسم الأول من البحث عن مصادر الأموال واستخداماتها وأهمية أسلوب المرابحات التجارية والإنتاجية وفعاليتها في المرحلة الحالية إلى أنه يتعين العمل على تحريك مؤشرات مصادر الأموال ونوعيتها والاستثمار والتوظيف. والعائد على خمسة أبعاد رئيسة هي:
1-
تعديل هيكل الودائع ونوعيتها وتحقيق التوازن بين الحسابات الجارية وحسابات الاستثمار والمحافظة على السيولة النقدية المناسبة دون زيادة أو نقص.
2-
المخاطرة المحسوبة بنوعيها في إطار تخطيط التسويق – من مخاطر النشاط والأعمال، والمخاطر النقدية وتغير مستويات أسعار الصرف للعملات الأجنبية.
3-
تقليب ودوران رأس المال العامل ومدى دوراته أو بلغة العصر التوظيف قصير أو متوسط أو طويل الأجل.
4-
التوازن النسبي في العائد بين المساهمين، وأصحاب الودائع والمستثمرين،
5-
الخطة القومية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للفرد والمجتمع.
وأن تعمل البنوك الإسلامية على التغلب على الصعوبات التي تواجهها من حيث ضيق سوق المال وصعوبة انتقال رؤوس الأموال، وتنويع وترويج الصكوك الإسلامية، وتهيئة مناخ الاستثمار والتوظيف في أسواق العقود الآجلة للسلع والأصول بما يكفل معالجة أنواع البيوع بثمن مؤجل ومن أهمها عقد المرابحة في المرحلة الحالية كما رأينا، وتخطيط الربحية والتسويق وفقًا لظروف العرض والطلب في أسواق العقود وحوالة الأسواق مع عدم استخدام سعر الفائدة لتحديد الثمن الآجل، وبعبارة أخرى إقامة سوق إسلامية للعقود الآجلة للسلع والأصول المختلفة.
ومن جهة أخرى على البنوك الإسلامية أن تعمل جاهدة على إقناع البنوك المركزية أو بعضها بألا تطبق عليها ما تطبقه على البنوك الربوية من ذات المعايير، وسقوف الائتمان، ونسبة الاحتياطي النقدي من الودائع بالعملة المحلية التي تودع لديها، ومن تقييد نشاطاتها بقيود مختلفة ومتعددة في مجالات الاستثمار والتجارة والتوظيف بما لا يتفق مع طبيعتها وأساليبها التي تختلف اختلافًا جذريًا عن البنوك الربوية.
ومن ذلك ألا يزيد إجمال التوظيف عن 65 % من مجموع الودائع بالعملة المحلية، وألا يزيد نشاط قطاع التجارة من مشاركات ومضاربات ومرابحات وغيرها عن 1 % شهريًا – أي 12 % سنويًا – من رصيد يونيو 1984م وأن يمتنع عليها المتاجرة في العقارات وألا تتملكها لغير استخدامات البنك.
كما أنه في مجال الاستثمار وتأسيس الشركات المساهمة أو المساهمة في الشركات القائمة والتوسعات والإحلال والتجديد لا يطبق على البنك الإسلامي ما يطبق على البنوك الربوية من عدم تجاوز إجمالي مساهمات البنك في الشركات لإجمالي رأس مال البنك واحتياطاته، كما لا يسهم البنك في رأس مال أي شركة إلا في حدود 25 % من رأسمالها وتشترط موافقة مسبقة من وزير الاقتصاد لتجاوزها.
والبنوك الإسلامية إذا ترحب كل الترحيب برقابة البنوك المركزية بل وتتمسك بها إلا أنها تناشد البنوك المركزية أو بعضها أن يتمشى مع ما تضعه من معايير، وضوابط، وسقوف للائتمان في مجال التجارة أو قيود في مجال الاستثمار على مساهماتها في الشركات المساهمة مع طبيعة وأساليب التوظيف وصبغة العمل المصرفي الإسلامي بعيدًا عن سعر الفائدة الربوية، أو البيوع الفاسدة، وأهدافه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك في إطار ما توضحه وتؤكده المؤشرات التي أوردناها.
3-
3- البنوك الإسلامية ومشكلات تغير أسعار صرف العملات الأجنبية:
وفي ظل المتغيرات الاقتصادية وهي كثيرة ودائمة الحركة تتغير أسعار صرف العملات الأجنبية تغيرات هامة ومستمرة بعيدة الأثر ولا تخفى أهميتها في البنوك الإسلامية التي تجمع بين كونها بنوك تجارية وبنوك استثمارية تتكامل وظائفها في شتى مجالات النشاطات المالية، والنقدية، والتجارية، والاستثمارية، والخدمية في مختلف القطاعات من صناعة، وتجارة، وزراعة، وإسكان إلى غير ذلك ومن خلال تمويل وائتمان قصير ومتوسط وطويل الأجل.
ومن ثم ينعكس أثر تغيرات أسعار الصرف للعملات الأجنبية لا على أرصدة الأصول والخصوم النقدية المدينة والدائنة بالعملات الأجنبية في القوائم المالية فحسب، بل تتعدى آثاره كأحد المعوقات والصعوبات لمسيرة المشروعات الإنتاجية والاستثمارية في مراحلها المختلفة سواء في دراسات الجدوى الاقتصادية، والتشييد، والتشغيل، والتمويل، والنمو والتوسعات، وتكوين مخصصات الأهلاك للأصول الثابتة على أساس القيمة الاستبدالية للمحافظة على رأس المال الاقتصادي الحقيقي والطاقة الإنتاجية وليس على أساس التكلفة التاريخية.
لذلك ناديت أكثر من مرة بضرورة تكوين احتياطي لمخاطر تقلبات أسعار الصرف على الأقل للأصول والخصوم النقدية بالعملات الأجنبية، ودعمه، ومتابعته حتى يكون كافيًا لمقابلة تلك المخاطر عميقة وبعيدة الأثر مع ضرورة إظهاره كمفردة مستقلة بذاتها ضمن احتياطيات البنك الإسلامي.
كما ناديت دعمًا للتعاون والتكامل بين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وشركاتها الإسلامية في مسيرة حركة التمويل والصحوة الإسلامية المباركة المبادرة إلى تكوين صندوق مشترك لمخاطر تغيرات أسعار الصرف للعملات الأجنبية تسهم فيه البنوك والمؤسسات المالية والشركات الإسلامية وحبذا لو تبنى هذا الاقتراح البنك الإسلامي للتنمية بجدة.
3-
4- "محاسبة البنوك" التقليدية والحاجة لتطويرها من منظور إسلامي:
تأثرت البنوك الإسلامية في مرحلة نشأتها بنظام "محاسبة البنوك" التقليدية المعمول به في البنوك الربوية الأمر الذي قد آن الأوان لتعديله وتطويره بما يلائم متغيرات العمل المصرفي الإسلامي.
وفي إطار النظرة إلى علم المحاسبة في طوره الحالي كنظام للمعلومات فإن مدخلات ومخرجات النظام المحاسبي في البنوك الربوية لا تمثل في رأيي المدخلات والمخرجات الملائمة والكافية والشاملة للبنوك الإسلامية ويتعين إعداد حسابات للتشغيل، والإنتاج، والمتاجرة بالإضافة إلى القوائم المالية بما يكفل معالجة الحجوم، وأرقام الأعمال، والنتائج على مستوى النشاطات والقطاعات مبوبة ومجزأة وقياسها محاسبيًا وليس إحصائيًا ولا يتم ذلك إلا بممارسة محاسبة التكاليف، والمحاسبة الإدارية.
ولا تخفى الأهمية البالغة في مجال المرابحات وخصوصًا بثمن مؤجل للتخطيط النقدي، وتخطيط التسويق، وقياس التكلفة، وتحديد الأسعار، وتخطيط الربحية. فضلًا عن قياس التعويض الذي لحق بالبنك من عدم الوفاء بمستحقاته في مواعيدها المحددة على أساس الضرر الفعلي من منظور إسلامي.
والله الموفق والمستعان.
25 من رجب 1407هـ
25 من مارس 1987م
د. شوقي إسماعيل شحاتة