المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

‌العرف بين الفقه والتطبيق

إعداد

محمود شمام

الرئيس الشرفي لمحكمة التعقيب

الأستاذ المحاضر بالجامعة الزيتونية

عضو المجلس الإسلامي الأعلى

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} .

مقدمة

يسعدني ويشرفني أن أشارك في هَذه الدورة المباركة، للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة بهذا البلد الإِسلامي العربي الكريم المضياف.

واخترت الحديث عن الموضوع اقترحه على المجمع، له أهمية قصوى في حياة الناس ومعاشهم، وله صلة وثيقة ومتينة بما يسن من تقنين يضبط تلكم الحياة ويحدد معالمها، ويحمي المعاملات بين الأفراد والمجموعات.

فالعرف يفزع إليه القاضي كلما فقد النص أو احتاج إلى شرح غموض بنص بين يديه في موضوع معين إذ العادة محكمة لإثبات حكم شرعي وشرح مقاصد الأطراف وتفسير العقود والاتفاقات وإزاحة الغموض عنها وإنارة السبيل أمام القاضي والمتقاضي.

والعادة تعتبر من الأدلة الشرعية، فقد وضعت قواعد شرعية تشير إلى استعمالها بصفة أدلة لإِثبات المسائل الفقهية ضرورة، أن العادة طبيعة ثانية وهي محكمة بين الناس أي أن العادة عامة كانت أو خاصة تجعل حكمًا لإِثبات حكم شرعي وإقرار على ما يحدث وينزل من قضايا، وهي حكم لإِزالة لبس وغموض غشي اتفاق بعض الأفراد.

والعادة لها تأثير على النفس، إذ متى رسخت العادة وتكررت ألفتها النفوس وخضعت لتقاليدها وأحكامها وليس من الميسور نزع الناس عن عاداتهم وما ألفوه في حياتهم.

فالعادة والعرف لهما أهمية كبرى في مد نطاق الأحكام الشرعية والتوسع فيها بجعلها تطابق الأزمنة المختلفة على حساب احتياجات العصر ومتطلباته ومخترعاته ومحدثاته، وما يجد كل يوم من جديد.

ومن مبادئ الشريعة الإِسلامية السمحة ومن مقاصدها أن الأمر إذا ضاق اتسع لأن المشقة تجلب التيسير.

ص: 2773

ولذا فإنه باختلاف الأزمان والمدن والشعوب يمكن أن تتبدل المسائل التي تبنى على العرف، والفقه الإِسلامي كان له القدح المعلى في هذا الميدان بما خطه من أحكام وقره من قواعد ظهرت نتائجها عند التطبيق والعمل والتنفيذ.

والعرف في الشرع له اعتبار

لذا عليه الحكم قد يدار

العرف لغة:

العرف له عدة مفاهيم لغوية. جاء في المصباح: أمرت بالعرف أي المعروف وهو الخير والرفق والإِحسان.

وجاء في لسان العرب، لابن منظور: العرف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإِحسان إلى الناس.

العرف اصطلاحًا:

هو ما اعتاده الناس وألفوه من قول أو فعل، إذا تكرر من بعد أخرى حتى تمكن أثره في نفوسهم واطمأنت إليه قلوبهم وطباعهم وتلقوه بالقبول.

قال في المستصفى (1) : العرف هو ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السلمية بالقبول.

(1) ذكر المرحوم أبو زهرة في كتابه: مالك: ص 555 في التعليق أسفل الصفحة: قال الغزالي في المستصفى العرف والعادة ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطابع السليمة بالقبول. كما ذكر ذلك الأستاذ مصطفى الزرقاء في كتابه المدخل الفقهي العام: 2 /841 طبعة عاشرة في الهامش: قال الغزالي في المستصفى إلخ

أما ابن عابدين في رسالة نشر العرف المنشورة ضمن رسائله: 2 /114، فإنه ذكر التعريف ناسبًا إيَّاه إلى المستصفى دون ذكر الغزالي، فظن من نقل عنه ممن ذكرنا وغيرهم أنه كتاب المستصفى للغزالي مع أنه لا وجود لهذا التعريف به. وابن عابدين يقصد المستصفى شرح الفقه النافع في الفروع، لأبي البركات عبد الله النسفي صاحب العقائد والتفسير المسميين باسمه والمتوفى سنة 710 /1310، ترجمته في كتاب الفتح المبين في طبقات الأصوليين، للشيخ المراغي: 2 /108. وقد لفت الانتباه إلى ذلك د. محمد بن إبراهيم في أطروحته عن الاجتهاد – لا زالت مخطوطة -.

ص: 2774

وجاء في رسالة نشر العرف، لابن عابدين الحنفي ضمن رسائله: 2 /11، وما بعدها:

والعادة مأخوذة من المعاودة، فهي بمعاودتها صارت معروفة مستقرة في النفوس. فالعادة والعرف معنى واحد من حيث المصداق وإن اختلفا من حيث المفهوم. ومن هذا يتبين أن عادة الجماعة وعرفها بمعنى واحد في نظر فقهاء الشريعة أو على الأقل مؤداهما واحد وإن اختلفا من حيث مفهوم اللفظ.

وجاء في كتاب التعريفات تعريف، لأبي الحسن على بن محمد بن على الجرجاني الحنفي المتوفى سنة 816 هـ، قوله:

" هو ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطباع بالقبول". يقول عز الدين بن عبد السلام الشافعي الفقيه الملقب بسلطان العلماء في كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام:

" أما مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع وهي الكتاب والسنة والإِجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح ".

وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها، فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته ومن أراد أن يعرف المناسبات والمصالح والمفاسد راجحها ومرجوحها، فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به، ثم يبني عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحته ومفسدته.

حجية العرف:

لا خلاف تقريبًا بين الفقهاء في اعتماد العرف لاستمداد بعض الأحكام وترتيب القضاء عليه، وإن اختلفوا في التفاصيل والجزئيات والفروع وحتى الأمثلة أحيانًا.

ودليل الأخذ بذلك من القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [سورة الأعراف: الآية 199] .

والعرف هو المعروف الجميل المستحسن من الأقوال والأفعال. وقوله سبحانه وتعالى

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [سورة الحجرة: الآية 77] .

وذلك لأن الاعتماد على العرف طريق من طرق التوسم والتثبت والتفكير لاستنباط الأحكام لما يحدث من قضايا لا تشملها النصوص.

ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة النساء: الآية 6] . ففيه إحالة على ما جرى به العرف وسار الناس عليه في شأن أجرة الولي في مال اليتيم.

ص: 2775

وقد عقد الإِمام البخاري بابًا في صحيحه تحت عنوان: باب في من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيع والإِجارة والكيل والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة.

ونقل عن شريح القاضي أنه كان يقول: سنتكم بينكم. وفي قضاء الرسول لامرأة جاءته تشتكي شُحَّ زوجها في النفقة عليها وعلى أولادها، وهو ثري لكنه بخيل، فقال لها عليه الصلاة والسلام:

((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) . أي أنه أحالها على ما جرى به العرف في هذا الشأن. وقد اعتمد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم كثيرًا من أعراف الجاهلية الحسنة واتبعه أصحابه في ذلك والتابعون، واستمر العمل بذلك عند فقهاء الأمصار.

فالحنفية: يقولون التعيين بالعرف كالتعيين بالشرط والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا واستعمال الناس حجة يجب العمل بها ولا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان (1) .

يقول سهل بن مزاج في بيان الأصول التي بنى عليها أبو حنيفة استنباطه: " كلام أبي حنيفة أخذ بالثقة وفرار من القبح والنظر في معاملات الناس، وما استقاموا عليه وصلحت عليه أمورهم يمضي الأمور على القياس فإذا قبح القياس يمضيها على الاستحسان ما دام يمضي له فإذا لم يمضِ له رجع إلى ما يتعامل به الناس وهو العرف".

وأما المالكية: فهم يعتبرون العرف لاستنباط الأحكام عليه. يقول مالك. رضي الله عنه: "وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أثر معمول به فيه"(2) .قاله في تعليقه على حديث خيار المجلس وتخريجه له في الموطَّأ لأن العمل في المدينة جرى على خلافه، وهو يوضح موقف أنه لو وجد حدًّا متعارفًا بين أهل المدينة في ذلك لقال به.

ويروي عنه أيضًا أنه يخصص العام بالعرف في تفسير قوله سبحانه وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [سورة البقرة: الآية 233] .

فيقول هو خاص بغير ذوات الأقدار والشرف ولا يجب على الشريفة إرضاع ولدها لأن العادة جرت بذلك. وهو يستند هنا إلى العرف مع عدم وجود الإِنكار.

قال ابن السُّبكي في جمع الجوامع: " والأصح أن العادة بترك بعض الأمور تخصيص إن أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم أو الإِجماع ومن هذا القبيل اكتفاؤهم في صحة البيع بالمعاطاة دون صيغة للإِيجاب والقبول "(3) .

(1) انظر الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ومثلها للسيوطي.

(2)

تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، للسيوطي: 2 /79، ط. دار الفكر.

(3)

كتاب الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، للشيخ الخضر بن الحسين: ص 38؛ وكتاب أصول النظام الاجتماعي، لشيخنا محمد الطاهر ابن عاشور.

ص: 2776

والحنابلة: لم يأخذوا بالعرف نظريًّا لتمسُّكهم بالنَّص واعتمد بعضهم العرف في حالات خاصة.

يقول الإِمام ابن تيمية في شأن الأسماء:

"ومنها ما يرجع حده إلى الناس وعرفهم، فيتنوع بحسب العادة والعرف كاسم البيع والنكاح والقبض والدراهم والدينار، ونحو ذلك من الأسماء التي لم يحدها الشارع بحد ولا لها حد واحد يشترك فيه جميع أهل اللغة بل يختلف قدره وصفته باختلاف عادات الناس"(1) .

ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين:

" لا يجوز للمفتي أن يفتي في الإِقرار والأيمان والنذور والوصايا، وغيرها مما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه وإن كان مخالفًا لحقائقها الأصلية فلفظ الدينار اسم لثمانية دراهم وعند طائفة أخرى اسم لاثني عشر درهمًا وكذلك في ألفاظ الطلاق"(2) .

الشافعية: يعتمد فقهاء الشافعية العرف ويعملون به رغم عدم أخذ الشافعي به.

والإمام عز الدين بن عبد السلام يقرر في كتاب قواعد الأحكام: 2 /186:

إن كل ما يثبت في العرف إذا صرح المتعاقدان بخلافه بما يوافق مقصود العقد صح، فلو شرط المستأجر على الأجير أن يستوعب النهار بالعمل من غير أكل ولا شرب لزمه ذلك ولو شرط عليه أن لا يصلي الرواتب أي النوافل وأن يقتصر في الفرائض على الأركان وجب الوفاء بذلك لأن تلك الأوقات إنما خرجت عن الاستحقاق بالعرف القائم مقام الشرط، فإذا صرح بخلاف ذلك مما يجوزه الشرع ويمكن الوفاء به جاز.

يقول المرحوم محمد أبو زهرة في كتابه: مالك (3) .

"ويظهر أن الشافعية أيضًا يحترمون العرف إذا لم يكن نص، فإن العرف يغلب في حكمه لأن الناس خاضعون له فعلًا بحكم الألف والاعتياد وليس لأحد أن يمنعهم في الأخذ به إلا بنص محرم فحيث لا محرم فلا بد من الأخذ به".

(1) الفتاوي: 19 /236.

(2)

إعلام الموقعين: 4 /289. تحقيق عبد الرحمن الوكيل وشمس الدين محمد

(3)

ص 353. توفي أبو زهرة رحمه الله في 19 ربيع الأول سنة 1394 هـ الملاقي 12 أبريل 1974م.

ص: 2777

ولقد وجدنا ابن حجر – وهو شافعي – يقرر أن العرف يعمل به إذا لم يكن في العمل به مخالفة لنص.

وذلك لأن القرطبي قال في قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) : في هذا الحديث اعتبار العرف في الشرعيات خلافًا للشافعية فرد الحافظ ابن حجر هذا الاستدلال بأن الشافعية إنما منعوا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي ولم يرشد إليه فكان لهذا يومئ من جهة أن الشافعية يأخذون بالعرف أحيانًا.

الشيعة الإِمامية: العرف تأكيد لحكم العقل أو أنه من أدلة الإِجماع، يقول الشيخ محمد جواد مغنية (1)، وهو فقيه شافعي:

يصح بيع المعاطاة ويحتج له قائلًا: إن المأخوذ بالمعاطاة يطلق عليه اسم بيع عرفًا ولغة وإذا صدق اسم البيع على المعاطاة شملها جميع ما دل على الصحة من الآيات والروايات مثل قوله سبحانه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} و {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} و {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون عند شروطهم)) .

والخلاصة: هو اتفاق كلمة الأئمة على اعتبار العرف والنظر إليه عند حدوث القضايا ونزول المشاكل وطرحها من أصحابها للحلول. وعلى هذا كانت الفتوى من الأئمة الفقهاء.

فالقرافي يقرر في كتابه الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 231، تحقيق الشيخ أبي غدة:

"إن استمرار الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإِجماع وجهالة في الدين بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة الجديدة وليس هذا تجديدًا للاجتهاد من المقلِّدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد.

وابن القيم في أعلام الموقعين (2)، يقول في شأن العرف:"هذا فصل عظيم النفع جدًّا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف مالا سبيل إليه ما نعلم أن الشريعة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها".

(1) كتاب فقه الإِمام جعفر الصادق: 3 /28. دار العلم للملايين. بيروت.

(2)

3 /5. طبع دار الكتب الحديثة مصر 1389 هـ/1969م. تحقيق الوكيل

ص: 2778

ويقول شيخنا الأستاذ الإِمام محمد الطاهر ابن عاشور برد الله ثراه وجعل الجنة مأواه (1) :

ومن معنى حمل القبيلة على عوائدها في التشريع إذا روعي في تلك العوائد شيء يقتضي الإِيجاب والتحريم، يتضح لنا حيرة وإشكال عظيم يعرض للعلماء في فهم كثير من نهي الشريعة عن أشياء لا نجد فيها وجه مفسدة بحال مثل تحريم وصل الشعر للمرأة وتفليج الأسنان والوشم في حديث ابن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلات والمستوصلات والواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.

فإن الفهم يكاد يضل في هذا إذ يرى ذلك صنفًا من أصناف التزيين المأذون في جنسه للمرأة فيتعجب من النهي الغليظ عنه.

ووجه عندي الذي لم أرني اهتدي إليه أن تلك الأحوال كانت في العرب أمارات رقة حصانة المرأة، فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك العرض بسببها، فهذا شرع روعيت فيه عادة العرب اهـ.

أي أن الشارع نهى عن أشياء واعتبرها مفسدة نظرًا لما جرى عليه عرف العرب فيها لا بالنظر لها في ذاتها إذ لا قبح فيها ذاتيًّا فقبحها حف بها من العرف وهو يتغير ولو تغير لتغير الحكم تبعًا لذلك.

وهذا شيخنا علامة عصره مفتي الديار التونسية المرحوم محمد الهادي بن القاضي يقول في دراسة له (2) :

" ما من شك أن النصوص التشريعية في جميع الشرائع الدينية والوضعية غير محيطة بمختلف الحوادث والقضايا التي تحدث في المجتمعات البشرية المتجددة والمتحركة دومًا بحسب تجديد الحاجيات نتيجة حتمية لتغير ظروف الحياة العامة بسبب ما يجد من مخترعات حديثة وأساليب متنوعة في مختلف نواحي علاقات التعايش سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الأمم.

والنصوص التشريعية مرنة تكتسي صبغة العموم والإِجمال في الأغلب الأعم وهي قابلة للتفسير والتأويل بأوجه متعددة حتى كانت مثار اختلاف الفقهاء المجتهدين والشراح والمفسرين وكانوا محتاجين دومًا في تفسيرها للرجوع إلى عناصر أخرى يستعينون بها على فهم المراد وتحديده كالرجوع إلى عمل الصحابة وعلى الأخص المضطلعين بالحكم والإِفتاء منهم وعلى الخصوص أهل المدينة.

(1) مقاصد الشريعة الإِسلامية: ص 95.

(2)

نشرت بمجلة القضاء والتشريع عدد 1 ص 22 جمادى الآخر جانفي 1378 هـ / 1959 م

ص: 2779

حتى يقول:

وقد ذهب أكثر الأئمة من فقهاء المذاهب الإِسلامية إلى اعتبار العرف وبناء الأحكام عليه.

مبدأ اعتبار العرف: فيما يتعلق بالحقوق والمعاملات لا بما يعود للأخلاق والآداب أو السلوك الاجتماعي.

المبدأ العام يقول: "إن للعادة تأثيرًا على التشريع".

ولتكريس هذا المبدأ للتطبيق نصت بعض القوانين فيما سنته أو أرشدت إليه على اعتبار العرف فيما يوضع من أحكام بطريق الاجتهاد والاستنباط والقياس والتفسير لبعض النصوص وإزاحة ما علق بها من غموض.

فالعرف له علاقة وطيدة ومتينة بالاجتهاد وليس معنى ذلك أن الاجتهاد مع وجود النص أو في مواجهته بادعاء تغير العادات والأعراف وحدوث القضايا ونزولها تبعًا لذلك، فهذا لم يقل به أحد ولم يأتِ به أي مذهب من المذاهب.

وقد اعتبر كل الفقهاء تقريبًا العرف بقيوده وشروطه، وذلك لأن الشارع الحكيم أقر بعض الأمور التي تعارفها العرب في جاهليتهم بعد أن هذبها ونظمها كالبيع والرهن والإجارة والقسامة وبعض الأمور في الزواج كالكفاءة وكفرض الدية على العاقلة.

ولقد لعبت الأعراف دورًا كبيرًا وأقرتها الشعوب واحتكموا إليها قبل تدوين القوانين لأن العرف يعبر تعبيرًا صحيحًا عن إرادة الأمة والمجتمع وإذا استقر التعامل به وجبت مراعاته حفظًا لاستقرار المعاملات شريطة عدم مصادمته للنص خاصة وإن القضاء يسهل أمره إذا كانت أحكامه مطابقة لما عرفه وألفه الناس وتعودوا عليه.

وقد قال بعضهم قديمًا: إن الشريعة غير المدونة هي التي تستحسنها العادة وتقرها.

وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن"(1) .أي ما رآه واستحسنه المسلمون في العادات والأعراف الحسنة فهو مقبول عند الله يعمل به وتصدر الأحكام طبق ما جرى به.

شروط العرف:

متى توفر للعادة عنصراها المادي والمعنوي النفسي الشعوري ومتى اطرد العمل بها واستحسنها الناس وألفوها حتى صارت تنظم شؤون حياتهم ومتى أصبح كل مخالف لها خارجًا عن الجماعة تحولت العادة عندئذٍ إلى عرف متبع تطبقه الجماعة ويرضخ له القانون ويقرأ حسابه ولا يقع التهاون بشأنه، لكن كل ذلك تحت قيود وشروط.

1-

أن يكون العرف عامًّا في قطر أو بلد أو جهة من الجهات.

وهذا أمر موضوعي يخضع – الآن – لفحص وإثبات محكمة الموضوع ولا يخضع لرقابة محكمة التعقيب أي النقض والإِبرام. وعمومه هذا يدل بصفة واضحة على أنه مقبول عند الناس ويستحسنونه لأن العادة إذا عمت كان ذلك دليلًا على تماشيها غالبًا مع الذوق الحسن والطبع السليم.

2-

أن يكون العرف هذا قديمًا قد تكرر العمل به وألفه الناس وتعودوا عليه وعلموا به واستساغوه وحملوا بذلك القضاء على اعتباره.

يقول ابن نجيم في الأشباه والنظائر:

" يجب أن تكون العادة من الأمور المتكررة الشائعة". وتقول المادة 41 والمادة 42 من مجلة الأحكام العدلية:

" إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت ".

" العبرة للغالب الشائع لا للنادر ".

3-

لا عبرة إلَاّ بالعرف السابق عن تاريخ المعاملة أو المقارن لها دون المتأخر عنها (2) .

4-

أن يكون العرف ملزمًا، وهذا شرط مهم يميز العرف من العادة أي أن يقوم في ذهن الناس وجوب اتباع ذلك وأن مخالفته يترتب عنها الجزاء باعتبار أنه يمكن المطالبة طبقه.

5-

العرف لا يقف في وجه النص. جاء في كتاب المنافع شرح المجامع، ص 324:

" إن العرف إنما يكون حجة إذا لم يخالف نص الفقهاء".

(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسند موقوفًا على ابن مسعود، ولم يرو مرفوعًا في كتب الحديث. رسالة نشر العرف لابن عابدين ضمن رسائله: 2 /115. وذكر الآمدي في الأحكام: 1 /112 أنه حديث. وجاء في شرح الحموي على الأشباه: 1 /127. وفي شرح المجامع: ص 308 أنه قول عبد الله بن مسعود حسبما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة والعلائي وغيرهما. والموقوف معتبر عند الفقهاء لأن الصحابي لا يقول برأيه

(2)

الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص 40؛ والأشباه والنظائر، للسيوطي: ص 68.

ص: 2780

ويستثني الإِمام أبو يوسف النص المبني على العرف العام. والقانون يشترط أن يكون العرف مخالفًا للقانون أو للآداب أو النظام العام.

فالعرف المعتبر حينئذٍ هو الموافق لمقاصد الشريعة وللأدلة الأصولية المعتبرة، أما ما جاء على خلاف ذلك وابتعد عن روح الشريعة وحكمتها ونصوصها فهو مردود لا يقبل ولا يطبق ولا يقضى به.

يقول علامة تونس وفقيهها ومفتيها الشيخ إبراهيم الرياحي:

والعرف المعتبر هو ما يخصص العام ويقيد المطلق، وأما عرف يبطل الواجب أو يبيح الحرام فلا يقول به أحد من أهل الإسلام (1) .

أنواع العرف:

هناك عرف نهى عنه الشارع وألغاه، وهناك عرف أقره وأذن فيه. وهناك قسم ثالث لم يلغه الشارع ولم يعتبره بدليل خاص وهذا محط الاجتهاد ومرجع فقه القضاء ومناط البحث والدرس.

وهو عام وخاص:

فالعام هو ما تعارفه أهل البلاد عامتهم وخاصتهم في زمن من الأزمنة.

والخاص هو ما تعارفه أهل مدينة دون أخرى. ومن المعروف أن الحكم الشامل لا يثبت بالعرف الخاص.

ثم إن العرف لفظي وفعلي؛ فالعادة اللفظية أن ينقل اللفظ ويصبح استعماله في معنى آخر هو الغالب والمتبادر منه عند الإِطلاق وهي الحقيقة العرفية المقدمة على الحقيقة اللغوية مراعاة للعرف العام، وهذا هو مفهوم قولة الفقهاء:"إن العرف يقدم على اللغة عند التعارض".

وقد عرف ابن عابدين في رسالة نشر العرف هذا النوع بقوله: "تعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه غيره"(2) .

وأما العادة الفعلية فهي أن يتعارف الناس التعامل على وجه من الأوجه لغرض معين أو لمصلحة بذاتها وهو مباح إذ لا نهي عنه. ومنه ما ذكروه في جواز انتفاع المستأجر بمصعد وضعه المالك لمنزل ذي شقق عديدة ولم يكن منصوصًّا عليه في عقد الإِجارة فجريان العرف به كاف في ثبوت حق المستأجر.

(1) أصول النظام الاجتماعي، للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.

(2)

رسائل ابن عابدين: 2 /114، رسالة نشر العرف في بناء الأحكام على العرف.

ص: 2781

الفرق بين العادة والعرف:

ما نشأ عن تصرف شخصي أو عن عوامل طبيعية أو غير ذلك من العوامل هو عادة.

فإذا استأنس الفرد ثم الجماعة بذلك ومالوا إليه وكرروه وألفوه وارتضوه تكون عندئذٍ العرف فهو عادة الجماعة وعنوان الرضا عن تصرف معروف. ورجال القانون يفرقون بين العادة والعرف، بأن الأولى غير ملزمة بذاتها إلَاّ إذا وقع الاتفاق عليها وهي مرجع لتفسير إرادة الطرفين وتعرية نيتهما الغامضة. بخلاف العرف فهو ملزم ذاتيًّا والمحكمة تقضي به بخلاف مجرد العادة فلا بد من التمسك بهما وإثباتها ثم إن محكمة التعقيب – النقض والإِبرام- تراقب قاضي الموضوع في شأن العرف وحسن تطبيقه بخلاف العادة إذا استأنس بها قاضي الموضوع فهي تدخل تحت سبر الوقائع وفحصها ويرجع ذلك لاجتهاد قاضي الموضوع الذي لا يدخل تحت رقابة محكمة النقض.

ولذا فمن واجب القاضي فحص الأمر لتحقيق الفرق الدقيق بين مجرد العادة والعرف ليكون قضاؤه سليمًا لا يناله النقد ولا النقض.

أمثلة العرف:

عقد القرافي في كتابه الفروق فصلًا قيمًا في بيان أثر العرف في العقود التي تتأثر به.

فعقد الشركة إن كان مطلقًا انصرف إلى المناصفة، والعقد على الأرض يدخل فيه الشجر والبناء، والعقد على البناء تدخل في الأرض، والعقد على الدار يشمل الأبواب والسلالم والرفوف، وعقد المرابحة يدخل في أصل الثمن أجرة الخياطة والتطريز وكل تحسين.. والعقد على الشجرة كما يشمل الأرض يشمل الثمرة التي تؤبر (1) .

والقرافي يذكر في كتابه الإِحكام في تمييز الفتوى من الأحكام في الجواب عن السؤال التاسع والثلاثين ما ملخصه:

"إن كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد في تمييز الفتوى من الأحكام في الجواب عن السؤال التاسع والثلاثين ما ملخصه:

"إن كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة، ثم ذكر على سبيل المثال أحكامًا نص على أن المدرك فيها العادة وأنه يتعين تغير الحكم على ما تقتضيه العادة المتجددة ومنها ما سبيله اللفظ ومنها ما سبيله في الفعل.

فأما الأول وهي العادة اللفظية فهو أن ينقل اللفظ ويصير استعماله في معنى آخر هو الغالب والمتبادر منه عند الإِطلاق وهي الحقيقة العرفية فيقدم على الحقيقة اللغوية مراعاة للعرف العام وهي معنى قول الفقهاء: إن العرف يقدم على اللغة عند التعارض. وأما الثاني وهي العادة الفعلية فهي أن يتعارف الناس التعامل على وجه من الأوجه لغرض ومصلحة فيكون سبيله الإِباحة حيث لا نهي".

(1) الفروق، للقرافي: 3 /287؛ مالك، لأبي زهرة: ص 355.

ص: 2782

ثم ذكر أمثلة توضح هذا المبدأ فمن ذلك أن الوكيل يتصرف في الأمر الذي وكل عليه لفائدة موكله، فإذا أوكله على أن يشتري له ثوبًا فاشترى له ثوبًا لم يعتد لبسه كان تصرفه مردودًا عليه.

ذكر شيخنا العلامة المرحوم محمد الهادي ابن القاضي أن الغيبة وإن كانت من الكبائر فإنها لا تقدح في الشهادة لأنها غلبت على الناس، فالشرع يأذن بإلغائها في إسقاط الشهادة خشية ضياع الحقوق.

ويقول رحمه الله في محاضرة له ألقاها على منبر ودادية القضاة:

"وأذكر هنا قصة لطيفة كنت سمعتها من المنعم المبرور العلامة النظار الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر سابقًا أنه لما كان قاضيًا بمدينة بنزرت جاءته رسالة من المحكمة الشرعية العليا بتونس بأن يقبل التجريح في شهود وثيقة تجرح بعضهم بأنه يؤخر الصلاة عن وقتها. قال رحمه الله: فالتقيت بأستاذنا الشيخ محمد النجار المفتي وعضو المحكمة العليا فقال لي: إن تأخير الصلاة عن وقتها كالغيبة لا يجرح به في الشهود لأنه صادر غالبًا في الناس". اهـ.

ومن الأمثلة التي اعتبرت مثالًا للعرف المنظور إليه موضوع خلو الحوانيت، فإن المالك لا يملك إخراج المستأجر منها ولا إجارتها لغيره بدون مقابل (1) .

ومن هذه الأمثلة ما تحدثنا عنه في دراستنا حول الأصل التجاري في بعض الأنظمة وقيام هذا الحق على العرف.

والأمثلة كثيرة يصعب حصرها خاصة في نطاق دراسة أريد لها أن تكون مختصرة موجزة.

ففي الأيمان والنذور يقع الرجوع إلى العرف، وكذلك في الوقف الذي يلعب فيه العرف دورًا مهمًّا.

(1) شرح الحموي على الأشباه والنظائر، لابن نجيم، وفتاوى محمد بن بلال الحنفي والشيخ المفتي أبو السعود وناصر الدين اللقاني. وهذا ما أقره المجمع في دورته السابقة.

ص: 2783

وفي شؤون الأسرة "الحالة الشخصية" للعرف دور مميز ففي القيروان مثلًا جرى العرف أن تشترط الزوجة على زوجها أن لا يتزوج عليها وأن يجعل لها حق طلاقها إن خالف هذا الشرط – انظر رسالة التمليك لعظوم بمكتبه الجامعة الزيتونية.

وفي النفقة والمهر والسكنى واللباس للعرف دور كذلك. قال خليل: "يجب للزوجة قوت وأدام وكسوة ومسكن بالعادة بقدر وسعه وحالها والبلد والسعر".

وقال ابن عاصم:

وكل ما يرجع للافتراض

موكول إلى اجتهاد القاضي

بحسب القوت والأعيان

والسعر والزمان والمكان

ونجد العرف له دور كذلك في المعاملات المالية من بيع وشراء وكراء وإجارة.

ومن ذلك بيع المعاطاة الذي يقول من يجيزه إن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف، ولم ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإِيجاب والقبول، ولو استعملوا ذلك في بيوعاتهم لنقل لنا ذلك نقلًا شائعًا لأن البيع مما تعم به البلوى، فلو اشترط له الإِيجاب والقبول لبينه صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا ولم يخف حكمه. والعرف له دخل كبير في الخصومة والقضاء.

وقال ابن عاصم:

فالمدعي في قوله مجرد

من أصل أو عرف بصدق يشهد

والمدعى عليه من قد عضدا

مقاله عرف أو أصل شهدا

العرف في الاصطلاح القانوني وفي التطبيق:

كانت للعادات أهمية كبرى، ثم تناقصت حتى حل محلها التقنين لكن القانون المبني عليها لم يتلاشَ حتى الآن.

فالقانون المبني على العادات والأعراف يسمى قانون العرف، وأما القانون المبني على التشريع والذي مصدره السلطة البشرية فيسمى القانون المكتوب أو القانون المدون.

والعرف عبارة عن عادة أو سنة معينة، فإن صاحبها الاعتقاد باللزوم فهي عرف تام وهو حينئذٍ عبارة عن قاعدة قانونية غير مكتوبة ولا مدونة.

ويستمد هذا العرف إلزامه من تلقاء نفسه باعتباره مصدرًا من مصادر القاعدة القانونية ولذا فهو يلزم الأفراد لذاته دون أن يتوقف هذا اللزوم على إرادتهم وقبولهم بشرط أن يكون عامًّا.

ص: 2784

أما إذا لم يكن مع العادة ركن الاعتقاد باللزوم فهي حينئذ العادة الاتفاقية وقد تكون خاصة بمجموعة ما. وهي قواعد تعارف الناس على اتباعها في معاملاتهم فأصبحت صالحة لتفسير نية المتعاقدين عند الخلاف دون أن تكون بذاتها ملزمة إلَاّ إذا اتفق عليها الطرفان.

والفرق بين العادة الاتفاقية والعرف زيادة عما ذكر هو أن العرف وهو قاعدة قانونية يمكن أن يكون آمرًا ومقررًا أي مكملًا ومفسرًا بخلاف العادة الاتفاقية التي يمكن الرجوع إليها عند تفسير الاتفاقات وشرحها من طرف المحاكم وهي واجبة التطبيق إذا نص القانون على ذلك.

ثم إن العرف باعتباره قاعدة قانونية لا يعذر أحدٌ بجهله والحاكم يطبقه من تلقاء نفسه ولو لم يتمسك به أحد الطرفين، بخلاف العادة الاتفاقية فإن إثباتها على من يدعيها وعليه إثبات شمولها وعمومها ودوام استعمالها.

والعرف الذي يكون القاعدة والمعتبر كمصدر من مصادر القانون لا بد أن يكون قديمًا مضى على تواتر استعماله أمد طويل حتى استقر العمل به وأن يكون ثابتًا وقع استعماله باطراد، وللحاكم أمر تقدير القدم والثبوت، والاستمرار في الاستعمال.

ثم إن العرف يشترط فيه أن لا يتعارض مع القانون المكتوب، فإن خالف نصًّا صريحًا من القانون فهو ملغى لا يقضى به.

ولا بد أن يكون العرف عامًّا ملزمًا، أما إذا كان خاصًّا بجهة دون أخرى أو كان مبنيًّا على التسامح والتساهل فهو خارج عن موضوع العرف المكون للقاعدة القانونية.

ونحن نعلم أنه توجد في بعض الجهات دون الأخرى أعراف ملزمة تعتمدها المحاكم كهدايا الختان والأعراس والمآتم.

وهي وإن كانت خاصة بجهة دون أخرى إلَاّ أنها عمت جهتها واستقرت بين الناس وتقادم عهدها ووصفت باللزوم، ولذا فقد توفرت فيها الشروط، والمحاكم وحدها مؤهلة لفحص ذلك والتطبيق.

* * *

ص: 2785

مظاهر تطبيق أحكام العرف

في القانون

جاءت غالب القوانين الوضعية المدنية والتجارية ناصة على اتباع العادات والأعراف.

فالقانون المصري جاءت مادته الأولى قائلة:

"تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في ألفاظها أو في فحواها".

فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف. فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإِسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

وجاء في المذكرة التمهيدية للمشروع:

"العرف هو المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالًا مباشرًا بالجماعة، ويعتبر وسيلتها الفطرية لتنظيم تفاصيل المعاملات ومقومات المعايير التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استعصائها على النص. ولذلك ظل المصدر وسيظل إلى جانب التشريع مصدرًا تكميليًّا خصبًا لا يقف إنتاجه عند حدود المعاملات التجارية بل يتناول المعاملات التي تسري في شأنها قواعد القانون المدني وسائر فروع القانون الخاص والعام على السواء.

والقانون المصري يقول في مادته 164:

" العادة محكمة عامة كانت أو خاصة " كما يقول في المادة (165) :

" إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت والعبرة للغالب الشائع لا للنادر ".

وجاءت عدة مواد في القانون المدني المصري تشير إلى العرف وتنبه القاضي إلى اتباعه.

فالمادة (150) تقول: إذا كان هناك محل لتفسير العقد وجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقًا للعرف الجاري في المعاملات.

ص: 2786

والمادة (148) تقول: لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه ولكن يتناول أيضًا ما هو من مستلزماته وفقًا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام.

والمادة (433) تقول: إذا عين في العقد مقدار البيع كان البائع مسؤولًا عن نقص هذا المقدار بحسب ما يقضي به العرف.

والمادة (448) تقول: لا يضمن البائع عيبًا جرى العرف على التسامح فيه.

أما القانون السوري: فقد جاءت مادته الأولى هو الآخر قائلة:

تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.

فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإِسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى العرف، وإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

وتلاحظون التشابه بين القانون السوري والمصري في هذه المادة غير أن السوري أحسن لمّا قدم مبادئ الشريعة الإِسلامية على العرف.

والقانون السوري يتضمن في مواد الإِشارة إلى العرف وإلى الأخذ به لترجيح كفة الخلاف في حالات معينة.

والقانون العراقي: جاءت مادته الأولى قائلة:

" تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.

فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإِسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين، فإذا لم توجد فبمقتضى قواعد العدالة. وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق، ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية".

وقد تضمنت بعض مواده الأخرى التركيز على العادة والعرف. فالمادة (164) تقول: " العادة محكمة عامة كانت أو خاصة. واستعمال الناس حجة يجب العمل بها ".

والمادة (165) تقول: " إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت والعبرة للغالب الشائع لا للنادر ".

والمادة (163) تقول: " المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص والمعروف بين التجار كالمشروط بينهم ".

ص: 2787

النظام الإنجليزي: بدأت الشريعة الإنجليزية كالرومانية عادات متأصلة في القبائل الأنجلو سكسونية، وهي القبائل التي كانت تسكن الجزيرة من قديم، ثم اقترنت في القرن الحادي عشر بعادات القبائل النورماندية التي فتحت الجزيرة الإنجليزية في ذلك الحين، ولما تطورت المدنية الإنجليزية وتقدمت، وأصبح المجتمع في حاجة إلى مصدر رسمي للقانون قام قضاء المحاكم وأصبحت الأحكام القضائية تقر قواعد العرف وتطبقها تطبيقًا مستفيضًا وتتكرر الأحكام فتتأكد المبادئ القانونية بتكررها إلى أن صار القضاء هو المصدر الرسمي للقانون في الشريعة الإنجليزية وقام مقام العرف (1) .

والقانون الفرنسي: شمل التقنين المدني الفرنسي 36 قانونًا كان العمل جاريًا بها إذ بدأ هذا القانون عرفًا ينظم الروابط الاجتماعية، وامتزج القانون الروماني بالعادات، ثم وجد القانون الكنسي وكان القسم الشمالي يطبق العرف والقسم الجنوبي يطبق القانون الروماني.

وقد جمعت الملوكية بفرنسا قواعد العرف واعتبرت مصدرًا رسميًّا للقانون حتى جاءت مجموعة نابليون وسميت المجموعة المدنية.

وقد نص القانون المدني على العرف في المادة (590) وما بعدها.

(1) المدخل لدراسة القانون، للسنهوري وأبي شنب: ص 44.

ص: 2788

مظاهر تطبيق أحكام العرف

في القانون التونسي

علمنا بأن أحكام العرف معتمدة في القوانين المدنية الوضعية المعمول بها وأردنا هنا أن نبرز مظاهر تطبيق ذلك حتى تتجلى الصورة ويتضح الحال.

ونقتصر على إبراز مظاهر تطبيق تلك الأحكام بصورة جلية في المدونة المدنية التونسية الموضوعة منذ قرن ونيف بإشراف لجنة من الفقهاء العلماء الزيتونيين وكذلك على الإِشارة إلى ما جاءت به المجلة التجارية التونسية، وفي ذكر ذلك تقريب لما جاءت به بقية القوانين العربية الأخرى المضارعة والمماثلة والنابعة من معين واحد والصابة في مصب واحد.

1-

تأثير العرف على نتائج العقود وآثارها:

جاءت المادة (243) من المدونة المدنية قائلة:

"يجب الوفاء بالالتزامات مع تمام الأمانة ولا يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب على الالتزام من حيث القانون أو العرف أو الإِنصاف حسب طبيعته".

والمادة (246) تقول: ليس لأحد أن يقوم بحق ناتج من الالتزام ما لم يثبت أنه قد وفى من جهته أو عرض أن يوفي بما أوجبه عليه ذلك الالتزام بمقتضى شروطه أو بمقتضى القانون والعرف.

وجاءت المادة (247) ناصة: إذا كان الالتزام من الطرفين فلأحدهما أن يمتنع من إتمام ما عليه حتى يتمم الآخر ما يقابل ذلك من العقد إلا إذا اقتضى العقد أو العرف تعجيل أحد الطرفين بما عليه.

2-

تأثير العرف على الوفاء بالعقود:

المادة (254) : لا تبرأ ذمة المدين إلا بتسليمه ما التزم به في العقد قدرًا وصفة ولا يسوغ له أن يلزم الدائن بقبول شيء آخر عوضًا عنه ولا بكيفية غير الكيفية المقررة في العقد أو التي جرى بها العرف.

ص: 2789

3-

تفسير العقود بالعرف:

المادة (516) : "المعمول به عادة بمحل الكتب كالمشروط نصًّا وكذلك ما هو من طبيعة الأمر المقصود".

المادة (526) : "ما ذكر على وجه التقريب من عد أو كيل أو وزن أو غيرهما، من المقادير كنحو كذا أو زهاء كذا، عبارة عن القدر المتسامح فيه عرفًا أو عادة بالمكان".

والقانون بعد أن سمح بالمادة (514) بتأويل العقد المبرم بين الطرفين، جاء مبينًا الأسس التي يعتمدها القاضي عند التأويل والتفسير فقال:

المادة (532) : "نص القانون لا يحتمل إلا المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب وضع اللغة وعرف الاستعمال ومراد وضع القانون".

4-

شروط الأخذ بالعرف:

"العادة والعرف لا يخالفان النص الصريح". وهذا تطبيق للقاعدة القانونية العامة في عدم السماح بمعارضة العادة والعرف للنص القانوني المكتوب لكن وفي نفس الوقت إقرار للعمل بالعادة والعرف عند فقد النص مع توفير الشروط طبعًا.

المادة (544) : "من استند على عرف كان عليه إثباته ولا يحتاج به إلا إذا كان عامًا أو غالبًا غير مناف للنظام العمومي والأخلاق الحميدة".

وبصرف النظر عن حمل عبء الإِثبات على المتمسك بالعرف فإن هذه المادة جاءت جامعة وبينت القاعدة الأساسية في القانون المدني لاعتماد العرف وبيان شروطه.

5-

تأثير العرف في أحكام البيع:

بين القانون أحكام التسليم في البيع وجعل ذلك يحصل بكيفيات مختلفة في العقار بالتخلي عنه وفي الربع بإخلائه وبين أنه في المنقولات حسب المادة (593) :

"في المنقولات بالمناولة من يدٍ إلى يد أو بتسليم مفتاح المحل أو الصندوق الموضوعة فيه أو بأي وجه جرت به العادة والعرف في التسليم" ثم بين بالمادة (597) : أجل التسليم عند عدم الاتفاق عليه وأنه يتبع العرف فقال: "التسليم يكون أثر العقد مع المهلة التي يقتضيها نوع المبيع أو العرف".

وأشار في المادة (603) إلى المصاريف فقال: "جميع مصاريف تسليم المبيع كأجرة كيله ووزنه وعده وقيسه على البائع وإذا كان المبيع حقًّا مجردًا كان على البائع أيضًا مصاريف الرسوم اللازمة لإِثبات ذلك الحق أو إحالته كل ذلك ما لم يكن هناك اتفاق أو عرف يخالفه".

ص: 2790

وانتقل بعد ذلك يبين على من تحمل أجرة الوسيط السمسار في عقود البيع فقال:

المادة (604) : إذا تم البيع بواسطة السمسار فإن أجرته تكون على البائع إلا إذا كان في عرف البلاد أو في اتفاق الفريقين ما يخالف ذلك.

وشرح المقنن أن مصاريف العقد من نقل وأجرة عدول وغيرها تعتمد هي الأخرى عرف البلاد فقال:

المادة (605) : على المشتري مصاريف نقل المبيع من محل تسليمه ومصاريف قبوله وأداء ثمنه مع الصرف وأجر العدول عن كتب رسم الشراء والتأجير والتسجيل ولف البضائع ووسقها ونقلها وتشمل مصاريف القبول معاليم القمرق والمكس والمراكز المتوسطة أثناء النقل وعند وصلها للمكان المقصود كل ذلك ما لم يكن في العقد أو العرف ما يخالفه.

ص: 2791

ثم يتعرض المقنن إلى شرح التوابع للمبيع وتسليمها فيقول:

المادة (610) : "لزوم تسليم المبيع يتضمن تسليم توابعه والتبعية إما بحسب العرف أو بمقتضى اشتراط المتعاقدين. وإذا لم يكن في ذلك شرط أو عرف فالعمل على مقتضى القواعد التالية".

ثم يشرح قضية أخرى هي حصول زيادة أو نقص في المبيع فيقول:

المادة (620) : إذا كان المبيع جزافًا أو عينًا معينة وبين في العقد قدره كيلًا أو عدًّا أو وزنًا فليس للبائع أن يطلب الزيادة في الثمن إذا ظهر أن المبيع زائد في قدره عن القدر المسمى في العقد ولا للمشتري أن يطلب التنقيص في الثمن إذا ظهر أن المبيع بعكس ذلك إلا إذا كان الفرق زيادة أو نقصًا مما يبلغ نصف العشر، وهذا الشرط يعمل به أن لم يكن منافيًا للعرف ولم يحصل تراضٍ بين البائع والمشتري على خلافه.

ثم يفصل النزاع في شأن وزن الظرف الحاوي للبضاعة اعتمادًا على العرف فيقول:

المادة (628) : "وفي جميع الأحوال المقررة سابقًا يلزم اعتبار وزن الظرف فارغًا مع مراعاة ما يغتفر فيه العرف التجاري إلا إذا وجد بين المتعاقدين شرط يقضي بخلاف ذلك".

وفي باب ضمان عيوب المبيع وواجبات البائع تقول:

المادة (647) : البائع يضمن للمشتري سلامة المبيع من العيوب التي تنقص من قيمته نقصًا محسوسًا أو نصيره غير صالح لاستعماله فيما أعد له بحسب نوعه أو بمقتضى العقد. والعيوب التي لا تنقص قيمته أو الانتفاع به إلا ما لا بال له لا ضمان فيها على البائع وكذلك العيوب المغتفرة بحسب العادة والعرف.

ثم يتعرض المقنن إلى العيب الخفي وهل يضمنه البائع حسب العرف فيقول:

المادة (648) : "لكن إذا كان المبيع مما لا يمكن الاطلاع على حقيقة حاله إلا بتغيير في ذاته كالثمار في قشرها فإن البائع لا يضمن العيب الخفي إلا إذا التزم بذلك في العقد أو كان ضمانه واجبًا بمقتضى عرف المحل.

وفي الرد من أجل العيب يلعب العرف دوره ويؤثر فالمادة (655) تقول: إذا وجب الرد لثبوت العيب أو لفوات الوصف كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن فإن اختار عدم رد المبيع فلا حق له في تنقيص الثمن، وإنما يكون له الحق في طلب تعويض الخسارة في الصور الآتية:

أولها: إذا كان البائع عالمًا بعيوب المبيع أو بعدم وجود الوصف الموعود به ولم يشترط البراءة منه والبائع محمول على العلم بذلك إن كان تاجرًا أو صانعًا وباع شيئًا من متعلقات تجارته أو صناعته.

ثانيها: إذا صرح بعدم وجود العيب في المبيع إلا إذا كان ذلك العيب لم يظهر إلا بعد البيع أو كان البائع معتقدًا سلامته.

ثالثها: إذا كان المبيع خاليًا عن الوصف الذي اشترط فيه صراحة أو الذي يوجب عرف التجارة وجوده فيه.

وأوجب القانون اتباع العرف في أداء الثمن فقال:

المادة (677) : إذا جرى العرف في محل بأداء الثمن مؤجلًا أو منجمًا حمل المتعاقدان على اتباع العرف ما لم يصرحا بخلافه في العقد.

وفي شأن تاريخ ومكان تسليم المبيع يتداخل العرف، فالمادة (679) تقول:

على المشتري أن يتسلم المبيع في التاريخ والمكان المتفق عليهما في العقد فإن كان العقد عاريًا عن شرط في ذلك ولم تكن فيه عادة فعلى المشتري أن يتسلم المبيع في الحال مع مراعاة ما يغتفر في ذلك طبيعة. وهو في باب بيع السلم الواقع إبطاله الآن يقول بالمادة (714) : إذا لم يعين المتعاقدان أجلًا لتسليم المبيع حملًا على أنهما اعتمدا عرف البلد.

والعرف يتداخل لفسخ عقدة البيع إذا ماطل المشتري في دفع الثمن وتأخر عن تسليمه وهو هنا يقوم مقام الاتفاق بين الطرفين على ذلك وهذا ما جاء به القانون.

المادة (680) : إذا اشترط فسخ العقد بمجرد عدم أداء الثمن أو كان العرف كذلك فالعقد مفسوخ بمجرد عدم دفع الثمن في الأجل المعين.

ص: 2792

وقد أبرز حكم قضائي صادر عن أعلى المحاكم أهمية دور العرف في هذه الناحية.

فقد جاء القرار التعقيبي عدد (12) المؤرخ في (23) جويلية 1929، المنشور بمجلة القضاء والتشريع عدد (9 – 10) ، لعام 1960، (ص 27) قائلًا:

اقتضى الفصل (680) من المجلة المدنية أن العقد لا يفسخ قانونًا بمجرد عدم دفع الثمن في الأجل المتفق عليه إلا إذا نص على الفسخ المذكور بالعقد أو أن ذلك يتضح جليًّا من عادة المكان وأن العرف بتونس يقتضي أن البيوعات المتعلقة بالحبوب لا تفسخ عادة لعدم أداء المشتري الثمن وذلك بقطع النظر عما إذا اشترط أن الثمن المذكور يدفع معجلًا أو مؤجلًا أو أنه وقع دفع عربون أم لا وأن البائع لا يتفصى من التزامه ولا تعتبر العقدة مفسوخة إلا إذا وجه للمشتري مكتوبًا مضمون الوصول يقتضي إلزامه بالتنفيذ مع التنصيص بأنه حاضر من طرفه لتنفيذ ما التزم به. انتهى.

فالعرف هنا يعطل محاولة البائع التفصي من التزامه ويمنع إقدامه على المطالبة بالفسخ لمجرد التأخر.

وفي شأن بيع الأشجار فإنه يشمل الأرض الثابتة وما فيها من ثمرة لم تعقد فإن عقدت فهي للبائع إلا أن يشترطها المبتاع؛ المادة (618) من المدونة المدنية.

فهذه المادة تنص على أن الثمرة الناضجة هي للبائع المالك إلا إذا اشترطها المشتري منه لنفسه أي المالك الجديد.

ولم تنص هذه المادة على أنه (أو كان عرف يقتضي خلاف ذلك) .

وقد حدث خلاف ين شخصين احتج المشتري بأن العرف بجهته يقتضي أن الثمرة الناضجة تكون للمشتري أي أن الثمرة مطلقًا عقدت أم لا هي للمشتري خلاف القانون حسب النص في المادة (618) السابق ذكرها.

فقالت محكمة التعقيب – النقض والإِبرام – في قراراها (1365) المؤرخ في 17 ديسمبر 1931م إن العادة والعرف لا يخالفان النص الصريح طبق أحكام الفصل 543، ولذا لا حق للمشتري في التمسك بالعرف لأنه مخالف لأحكام الفصل (618) الذي ينص على أن الثمرة الناضجة للبائع إلا إذا اشترطها المشتري وهذا لم يحصل الفصل (618) لم يستثن العرف حتى يمكن الاحتجاج (1) .

ولم تقدر محكمة التعقيب أن العرف يخصص العام وتمسكت بحرفية النص.

وفي شأن بيع الخيار سوغت المادة (700) ذلك لأجل يتفق عليه وهي بيع موقوف لكن إذا لم يصرح الطرفان بأجل الخيار، فالعرف يعينه حسب التصريح التالي:

المادة 702: إذا لم يكن في العقد أجل للخيار حمل ذلك على الأجل المعتبر قانونًا أو عرفًا.

6-

تأثير العرف في أحكام الكراء – كراء اِلأشياء – مصاريف التسليم:

المادة (741) : "مصاريف التسليم على المكري ومصاريف رسم الكراء على الفريقين كل يؤدي أجر نسخته، ونقل المأجور وتسلمه على المكتري كل ذلك ما لم يكن في العقد أو العرف ما ينافيه".

(1) نشر هذا القرار بمجلة القضاء والتشريع عدد 9 – 10 لسنة 1960م.

ص: 2793

وفي شأن إصلاح المكري تقول المادة (742) : "

وفي كراء الربع تكون مصاريف الإِصلاحات الجزئية على المكتري حسب عرف المكان".

وتقول المادة (743) : بعدها: "إن الإِصلاحات الجزئية تلزم المكتري إذا جرى بها العرف".

وفي شأن جهر الآبار وتنظيفها وكذلك مجارى المياه والموازيب جاءت المادة (745) قائلة:

المادة (745) : تنظيف الآبار والمراحيض والموازيب ومجاري المياه على المكري ما لم يكن ذلك مخالفا للعرف.

والمادة (784) : تنص على أن مصاريف إرجاع المأجور تلزم المستأجر ما لم يوجد في العقد أو العرف ما يخالف ذلك.

وفي شأن الضرائب والأداءات جاءت المادة (746) بحملها على المؤجر ما لم يكن ذلك مخالفًا للعرف.

وفي ضمان العيوب جاءت المادة 758 ناصة بأنه لا ضمان على المكري للعيوب التي يتسامح فيها عرفًا.

وفي تاريخ الأداء إذا لم يعين فالمادة (768) تقول:

"على المكتري أداء الكراء في الأجل المعين في العقد وإلَاّ فالمعتبر عرف المكان".

وفي التمكين من المكري تنص المادة (771) على الظروف التي يقتضيها العرف.

وتنص المادة (775) على أن المكتري الثاني مطلوب للمكري بقدر ما عليه للمكتري الأول وقت إنذاره بأن لا يدفع للأول ولا يقام له ما دفعه معجلًا إلَاّ كان التعجيل عرف المكان.

ص: 2794

وفي شأن تعيين مدة الكراء إذا لم يتفق عليها الطرفان تقول المادة (792) :

"إذا لم تعين مدة الكراء حملت على أنها هي التي وقع عليها التسعير إلَاّ إذا كان في العرف ما يخالف ذلك".

وهو في المادة (793) يجعل العرف هو الذي يعين المدة المناسبة لإِخلاء المكري عند فسخ الكراء.

وأخيرًا في شأن المكري إذا لم يكن في الكراء كتب ثابت التاريخ جاء للممالك الجديد أن يخرج المكتري من المحل بعد أن يضرب له أجلًا حسب العرف. المادة (799) .

كراء الأراضي الفلاحية:

جاءت المادة (812) ناصة على أن جميع الأشغال اللازمة للانتفاع بالبناءات بالأراضي الفلاحية لا تكون على المكتري إلَاّ بشرط أو عرف، وجاءت المادة (823) قائلة:

ليس للمكتري – الخارج – أن يتصرف في الأرض بما يكون منقصًا أو مؤخرًا لانتفاع من يستغلها بعده فلا يجوز له حرثها مدة شهرين قبل انقضاء مدته وعليه أن يبيح لمن سيستغلها بعده الشروع في الخدمات الابتدائية في وقتها بعد اجتناء المتحصل كل ذلك إذا كان غير مخالف لعرف المكان. والقانون يحدد علاقة المكتري الجديد بالقديم في شأن الأرض الفلاحية وتوابعها طبق عرف المحل فيقول:

المادة (824) : على المكتري الخارج أن يتخلى للذي يخلفه قبل دخوله بمدة مناسبة عن ما يلزمه من مساكن وغيرها مما يساعده على خدمة الفلاحة في العام القابل، وكذلك يجب على المكتري الجديد أن يتخلى للمكتري الخارج عن قدر ما يحتاجه من مساكن وغيرها لوضع نتائج الفلاحة وفي كلا الحالتين يتبع عرف المحل.

وفي المادة (825) يحدد واجب المكتري الخارج فيقول:

المادة (825) : من اكترى أرضًا وكان بها تبن وعلف وسماد لزمه أن يترك فيها عند انقضاء كرائه مثل القدر الذي تسلمه وليس له أن يعتذر بطروء أمر سماوي كما للمكري أن يحجز من الأصناف المذكورة ما يكون كافيًا له بسعر الوقت ولو لم يدخل عليها المكتري كل ذلك ما لم يخالفه عرف المكان.

ومراجعة بسيطة لكل هذه النصوص في شأن كراء الأراضي الفلاحية وعلاقة الأطراف بها توضح مدى امتداد كل هذه الأحكام ومعانيها في أعماق الفقه الإِسلامي.

ص: 2795

7-

العرف والإِجارة على الخدمات أو الصنع:

حدد القانون شروط إجارة الآدمي لنفسه بما يحفظ كرامته ويصون إنسانيته وجعل العرف حكمًا في ذلك.

المادة (832) : "ليس لأحد أن يؤجر نفسه من غيره إلَاّ لمدة معلومة وعلى عمل معلوم أو خدمة معينة شرطًا أو عرفًا وإلَاّ فالعقد باطل".

وإذا لم يحصل الاتفاق مقدمًا على أصل الأجر فالقانون يوجب ذلك إذا كان العمل مما لم تجر العادة بإتمامه مجانًا. المادة (837) .

فالعرف هنا هو الفيصل بين الأطراف والقاضي مقيد به في قضائه عند حدوث النزاع ورفع الخصومة إليه وهو يعتمد في تقدير الأجرة حسب العرف الجاري بالبلد ورأي أهل الخبرة. المادة (838) .

ومن يؤدي أجر الأجير يعتمد القاضي في ذلك على الاتفاق إن وجد وإلَاّ التجأ إلى العرف. المادة (839) .

وإذا لم تعين مدة الإِجارة أو نوعها، فالإِجارة تفسخ بطلب من هذا أو ذاك طبق العرف أي الأجل الذي تعارفه الناس وساروا عليه. المادة (861) .

والقانون يحفظ للطرفين حقهما بوضعه علامة تنير الطريق حسب عرف المكان فيقول:

المادة (862) : إجراء الخدمة وخدام المساكن وخدم المحلات العمومية والصناع والمباشرون لخدمة التجارة بالحوانيت والمخازن تكون خدمتهم في الخمسة عشر يومًا الأولى على وجه التجربة والاختبار بحيث يجوز لكل من المتعاقدين فسخ الاتفاق في أثنائها بدون غرم وإنما يلزم أجر الأجير عما خدمه، والإِعلام قبل الخروج كل ذلك ما لم يخالف اتفاق الطرفين أو عرف المكان.

ولا ينسى القانون الاهتمام بحصول خلل في الوفاء وحدوث خسارة فيقول في:

المادة (865) :

وعلى الحاكم أن ينظر في وجود الخسارة وأهمية الضرر بحسب نوع الخدمة وظروف الحال وعرف المكان.

وإذا استأجر أحدهم شخصًا لصنع شيء فهل عليه إحضار الآلات اللازمة لذلك؟ القانون يجعل العادة محكمة فيقول في المادة:

المادة (868) : على أجير الصنع الآلات والأدوات اللازمة للصنع الذي استؤجر عليه ما لم يكن ذلك مخالفًا للعرف.

ص: 2796

8-

العرف في نقل الأشياء:

جاءت المادة (901) قائلة: نقل الأشياء في المدة التي عينها المتعاقدان أو عرف التجارة.

9-

العرف والوديعة:

الوديعة شيء منقول يتسلمه شخص من آخر بمقتضى عقد ليحفظه ويرده بعينه. المادة (995) .

فهل يستحق المستودع أجرًا عن هذا العمل والحفظ.

تقول المادة (1002) : "في شأن الوديعة أن لا يؤدى عليها أجر إلَاّ إذا اشترطه المستودع أو العرف".

فالعرف محكم هنا والاعتماد عليه واجب من طرف المحاكم، وهذا ما أيدته المادة (1028) في نفس المدونة. وكذلك المادة (1037) .

10-

العارية والعرف:

استعارة الشيء تارة تكون لاستعماله وتارة تكون لاستهلاكه فالأولى العارية والثانية القرض.

فإذا استعار أحدهم شيئًا على وجه العارية فمتى يرده؟

تجيب عن ذلك المادة (1066) قائلة: إذا لم يعين أجل لرد العارية كان للمستعير أن لا يردها إلَاّ بعد انتفاعه بها حسب الاتفاق أو العرف.

فإذا استعار أحدهم مثردًا آنية كبيرة يوضع بها الطعام عند اجتماع بمناسبة موت، فإنه يرده بمجرد انتهاء مراسم الاحتفال بالموت.

وإذا استعار أحد مائدة لضيوف الزفاف فلا يمكن أن يطالب بإرجاعها قبل انتهاء المأدبة.

11-

آثار العرف في أحكام الوكالة:

الوكيل يستحق أجرة بالاتفاق فإذا لم يوجد اتفاق فيستحق الأجرة "إذا جرت العادة بالمكان بإعطاء أجرة في مثل ما وكل فيه الوكيل". المادة (1114) من المدونة المدنية.

وما هو موضوع التوكيل الخاص وما هي مشمولاته؟ تجيب عن ذلك المادة (1117) : التوكيل الخاص هو الذي يتعلق بنازلة أو نوازل مخصوصة أو الذي يقتصر على مأمورية مخصوصة، فلا يباشر الوكيل في ذلك إلَاّ النوازل أو الأعمال المعينة له مع ما يتعلق بها تعلقًا ضروريًّا بحسب العادة.

ص: 2797

ثم ما هو التوكيل العام وما هي حدوده التي يقف عندها وهل للعرف دخل في ذلك؟

تقول المادة (1119) : "التوكيل العام هو إطلاق يد الوكيل في جميع أمور موكله أو التفويض له في أمر خاص. وله بمقتضى هذا التوكيل أن يفعل ما كان في مصلحة الموكل بحسب نوع النازلة وعرف التجارة".

والقانون يجعل العرف حكمًا في أجل قيام الوكيل بواجب إعلام موكله تقول المادة (1135) :

"إذا أتم الوكيل ما وكل عليه لزمه المبادرة بإعلام موكله بما فعله تفصيلًا حتى يمكن للموكل الاطلاع التام على فعله. وإذا تأخر الموكل عن الجواب بعدم بلوغ الخبر إليه تأخرًا زائدًا عما يقتضيه حال النازلة أو العرف فهو محمول على الموافقة ولو تجاوز الوكيل حدود وكالته".

أما فيما يتعلق بواجب الموكل نحو وكيله فالعرف له دخل أيضًا. تقول المادة (1141) :

"على الموكل أن يمد موكله بالدراهم وغيرها مما يحتاج إليه لإتمام وكالته إلَاّ إذا اقتضى الاتفاق أو العادة خلافه".

وفي شأن أجر الوكيل يتداخل العرف أيضًا حسب المادة (1143)"لا يستحق الوكيل الأجر إذا لم يتحقق ما وكل عليه إلَاّ إذا اقتضى خلاف هذه الصورة عرف التجارة أو عادة المكان".

وإذا لم يقع الاتفاق على أجرة الوكيل عينه العرف.

تقول المادة (1144) :

"إذا لم يعين الأجر كان تعيينه بمقتضى عادة المكان الذي باشر فيه الوكيل وكالته".

وإذا تجاوز الوكيل حدود وكالته، فذلك لا يلزم موكله إلَاّ إذا كان مما يتسامح فيه في التجارة أو في عرف المكان مكان العقد. المادة (1155) .

وإذا تنازع الوكيل مع موكله وفسخ أحدهما الوكالة وحصلت خسارة، فالقانون يحكم عرف المكان. المادة (1171) .

ص: 2798

12-

وللعرف داخل في أحكام الشركات:

كشركة القراض الفصول: (1200) وما بعدها والشركة بوجه عام الفصل (1293) ، وشركة الخماس المادة (1381) وهي مواد لها مساس بالقانون التجاري.

13-

العرف في أحكام المساقاة:

عرفت المادة (1395) المساقاة بقولها:

" المساقاة عقد تكليف شخص لآخر بتعاطي ما يلزم لخدمة شجر قد بلغ الإِطعام أو زرع قد ظهر إلى وقت اقتطاف الغلة أو جمع الصابة بجزء معين من ثمره – أي من نتاجه – والمباشر للخدمة يسمى العامل".

فما هو هذا الجزء الراجع للعامل؟ للعرف دخل في تعيينه وتحديده حسب المادة (1400) ونصها:

"إذا خلا العقد من بيان حصة العامل حمل المتعاقدان على ما جرى به عرف المكان

المغارسة والعرف:

جاءت المادة (1416) بتعريف المغارسة قائلة:

"إذا كان موضوع الشركة أشجارًا مثمرة أو نحوها من ذوات الدخل وتكلف الشريك العامل بغرسها في أرض شريكه على أن يكون له مناب شائع في الأرض والأشجار عند بلوغها إلى حد ملعوم أو حد الأثمار سمي العقد عقد مغارسة.

فإذا أطعم الشجر وجاء إبان القسمة واتضح أن الطرفين غفلا عن تحديد مناب العامل فالعرف هو الحكم وعليه يجري العمل المادة (1421) .

وهكذا وبعد هذه البسطة حول المواد القانونية المدنية التي أبرزت دور العرف – تطبيقيًّا – في حياة الناس الاجتماعية والتنظيمية وتعاملهم في حياتهم اليومية أبرزت دور العرف كمادة قانونية أقرها المقننون وخططوا لها ونظموا سيرها وهذَّبوا من أمرها.

وهي مواد تعم أوجه الحياة العملية المدنية العاملة وتغطي الساحة الاجتماعية للتعامل بين الناس.

بعد ذلك يمكن لنا أن نلاحظ امتداد جذور تلك المواد في حضارتنا الإِسلامية وتقاليدنا العربية وأنها مقتبسة في الغالب من الفقه الإِسلامي الذي كان المصدر الأول لما سنن وقنن في هذا الصدد.

ويمكن أن يلاحظ الدارس المقارن وجه الشبه وعاملات الاقتباس في أجلى صورها.

ولولا خشية الطول والملل لأبرزنا صورًا منها نضربها مثلًا تؤيد ذلك. ولربما فعلنا في وقت آجر إحقاقًا للحق وإظهارً للصدق.

ص: 2799

المجلة التجارية:

نجد أن العادة والعرف لها أهمية كبرى في المسائل التجارية ضرورة أن مرد القانون التجاري إلى العادة والعرف.

وقد أشارت المجلة التجارية التونسية بالرجوع إلى العرف التجاري في كثير من موادها.

منها المادة (597) ونصها: "جميع العقود التجارية خاضعة لأحكام هذا القانون، وإذا لم يوجد به نص فتكون خاضعة لمجلة الالتزامات والعقود وإلَاّ كانت متماشية مع أصول العرف التجارية".

والمادة (620) تقول: "إذا لم يكن هناك اتفاق أو عرف كانت أجرة السمسار على من كلفه".

والمادة (621) جاءت ناصة: "إذا لم يتعين مقدار أجرة السمسار اتفاقًا أو عرفًا عين المجلس حسبما يراه أهل الخبرة

" إلخ.

أما في ميدان الأسرة فمجلة الأحوال الشخصية زاخرة بالمواد المشيرة إلى العرف وتطبيقه.

وإتمامًا للفائدة نذكر كلمة حول الفرع الثاني للعرف وهو:

فقه القضاء وأحكام المحاكم

فالقضاء هو مجموع أحكام المحاكم القضائية الصادرة فيما يعرض عليها من خلافات ومنازعات.

والفرق بين أحكام المحاكم وأراء الفقهاء هو أن مهمة الفقهاء وشراح القانون تفسير القانون ذاته والنص الموجود. وإذا طرأت حالة لم يكن لها نص فالفقهاء يجتهدون في استنباط حكمها قياسًا على القواعد القانونية الموضوعة لأمثالها.

وأما أحكام المحاكم فهي تفحص الوقائع المعروضة عليها وتسير النصوص وتبحث خلالها عن المنطبق على ما بين يديها من أقضية ليكون القضاء والحكم يعتمد أساسًا صحيحًا من القانون المكتوب.

فإذا لم يكن هناك نص ولم تجد المحكمة قانونًا واضحًا ينطبق على القضية المطروحة عليها فلها حينئذ حرية الاستنباط للقاعدة التي يمكن تطبيقها في نطاق روح القانون العامة واعتمادًا على الأسس القانونية والمبادئ والقواعد المعتمدة من المقنن.

فالقضاء قد لا يعتبر مصدرًا رسميًّا للقاعدة القانونية إذا ما اقتصر دوره على تفسير القاعدة القانونية بإزالة الغموض عنها وإزاحة اللبس عن الاتفاق في حدود أحكام الفصل (513) وما بعده من المدونة المدنية التونسية في تفسير النص.

ص: 2800

فإذا لجأ إلى التفسير بمفهومه الواسع، فإنه يكون الحل ويبتدعه ويكون بذلك قاعدة قانونية قابلة للتطبيق والاتباع.

ومن هنا فإنه يمكن أن يكون لفقه القضاء دور هام يجعله في منزلة مصادر القانون لكن في زاوية ضيقة جدًّا (1) .

وإذا تواردت الأحكام القضائية وتكررت مع تعدد المحاكم في مادة معينة وموضوع بذاته، فإنها تسمو إلى مرتبة القواعد القانونية.

ويحدث كثيرًا أن يضغط القضاء باتجاهاته المتعددة المتكررة في فقد مادة ما كانت مضادة لما يحدث بصفة عامة من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية فيضطر المقنن تحت وطأة وفرة هذه الأحكام وتكاثفها وتعدد مصادرها إلى تناول النص بالتغيير والتنقيح والشرح.

ولا يفهم من وضوح قوة الأحكام ونفاذ مفعولها أنها بالغة قوة القانون نفسه.

ومحكمة التعقيب – النقض والإبرام – خول لها القانون قوة إلزامية في فصل قضية معينة لكن لا على معنى إبدال أو تغيير النص القانوني أو الانحراف به عن معناه الواضح الصريح فهي تحاول توحيد الآراء والمفاهيم بين دوائرها طبق أحكام الفصل 192 منها.

هذا ما أمكن اختصاره في هذا الموضوع ولا أحسب أني أطلت ومعذرة إن أنا فعلت وصفحًا وعفوًا إن أخطأت أو قصرت، ونرجو من الله التوفيق والغفران وحسن العاقبة والسلام.

محمد شمام

عفي عنه.

(1) انظر شرح القانون المدني: د. محمد كامل مرسي:

ص: 2801