المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

‌تحديد النسل

إعداد

الشيخ محمد علي عبد الله

مستشار محكمة استئناف نيامي

وعضو مجمع الفقه الإسلامي عن

جمهورية النيجر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين وعليه نتوكل ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. هو الأول والآخر والظاهر والباطن والهادي إلى الصراط المستقيم، من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له.

عزة ونعمة شهادتنا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله ناصر الحق بالحق والهادي إلى الصراط المستقيم، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

أما بعد:

مقدمة

فإن موضوع تحديد النسل يعتبر اليوم من أهم المواضيع الاجتماعية المدروسة في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وفي الحقيقة يمكن القول بأنه فرض نفسه عند طرقه باب الأسر الصغيرة قبل التعدي إلى ساحة المجتمعات الدولية حتى يتم عرضه في قاعات الاجتماعات والحلقات العلمية.

ففي هذا يمكن القول بأن الاعتقاد كما ذهب إليه بعض الناس بأن زيادة عدد سكان العالم قد يزيد في الرفاهية والازدهار الاقتصادي. وقد يعتبره بعض علماء علم الاجتماع من المجازفة ما دامت مسألة الطاقة الحيوية والمواد الغذائية نادرة، رغم أن بعض علماء الديموغرافية يأخذون بفكرة ازدياد عدد النسل في العالم يقابله في السلم زيادة حجم الأعمال وازدهار مواردها الصناعية، وهذا يؤدي إلى زيادة الدخل الفردي للمجتمع الصناعي، وبالتالي حتى إن كانت دول العالم الثالث تكافح مسألة زيادة النسل فلابد من إقناعها في ترك كل ما من شأنه أن يعود بالضرر على الأسرة حتى تؤول إلى التخفيض من النسل إذ يعود كما ترون بالفائدة على المجتمع الصناعي، لا مجتمع العالم الثالث الذي يعتبرونه سوق بضاعتهم نشتري منهم الكثير ولا نبيع إلا القليل والنادر في بعض الأحيان، على أنه من الضروري الإشارة هنا بأن هنالك فريقًا من العلماء في علم الاقتصاد من يرى العكس بأن في زيادة النسل وانتشاره في العالم لا يعد ضمانًا للازدهار والرفاهية، إذ إن كانت هذه الزيادة تحل بعض المشاكل الوقتية أو الحالية إلا أنها تعقدها وتشعبها بصفة خطيرة من الناحية الثانية، وعلى سبيل المثال كثرة النسل يؤدي بلا شك إلى كثرة الاستهلاك مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي يتحول بدوره مع مرور الزمن إلى تخفيض الدخل الفردي الذي يؤدي حتمًا إلى انخفاض المستوى المعيشي للأفراد.

والسؤال الذي يتطرق إلى الذهن حاليًا هو هل يجوز أم لا القول بتحديد النسل؟ وما موقف الدين الحنيف من هذه القضية؟.

وسأتعرض خلال هذا البحث إلى موضوع تحديد النسل كما هو معمول به في الدول النامية ودول العالم الثالث مع تحديد نظريتها قبل التعرض إلى موقف الدين الحنيف من هذه المسألة.

وبالله التوفيق.

ص: 351

الوضع العالمي الديموغرافي لدول العالم

وموقفها إزاء قضية تحديد النسل

لقد لوحظ خلال السنوات الأخيرة أن عدد سكان العالم يزداد بسرعة مهولة فقد كان عدد سكان العالم خلال سنة 1850 مليار نسمة فقط وأصبح خلال سنة 1930 مليارين ثم تجاوز ثلاثة مليارات خلال سنة 1970 حتى تجاوز حدود خمسة مليارات خلال السنوات الأخيرة.

والإحصائيات اليوم تعطي معدل ما يقارب 6: 7 مليارات نسمة. ويعتبر هذا العدد من خوارق العصر الحالي، ويعتبر بعض العلماء الوضع الديموغرافى المتزايد كنتيجة حتمية لانخفاض عدد الوفيات في العالم. نظرًا للتقدم العلمي الذي مكن من إنقاذ كثير من الأرواح وساعد النسل على النمو بدون مشقة.

إلا أنه يجدر بنا الملاحظة هنا بأن معدل النمو المدهش لعدد سكان العالم كان بطريقة غير عادلة من حيث التقسيم الجغرافي للعالم، وبالتالي فإننا في أوروبا واليابان مثلا نجد عدد النمو للسكان يقل عن 15 في الألف فهذه النسبة مثلا تعني أن فرنسا وبعض الدول الأوربية والنامية لا تبلغ نسبة مائة مليون بعد خمسين أو مائة سنة.

أما في أمريكا الشمالية وروسيا تبلغ من 15 إلى 20 في الألف.

أما في آسيا وأفريقيا فهذه تصل إلى 25 في الألف وربما أكثر من ذلك مما قد يؤدي إلى تضاعف نسبة السكان في هذه المناطق حوالي كل ثلاثين سنة، وهذا النمو الهائل ينجم عنه نتائج خطيرة، فقد يحدث أن ينشأ من جراء زيادة النسل في بعض أقطار العالم قلة الموارد الغذائية.

ص: 352

وأمام الوضع الراهن السائد في أغلب مدن العالم وزيادة النسل فيها فقد بدأت التساؤلات حول مسألة إجازة تخفيض أو عدم تخفيض عدد سكان العالم الحالي، مثلا بأن الدول غير النامية قد تجد نفسها عرضة لزيادة سكانها، ويبدو بلا محال أن بعض هذه الدول غير مستعدة لاستقبال زيادة عدد سكانها في السنوات القادمة. ونظرا لعدم استطاعتها وضع إمكانيات مالية ولازمة للمعاش، كان من الضروري عليهم مراقبة النسل وبسبب ذلك قامت هذه الدول بوضع قانون يهدف إلى مراقبة الولادات، وسلكت سياسة ديموغرافية غايتها التخفيض بصفة نسبية من عدد الولادات.

فتقوم هذه الدول بوضع قوانين تهدف إلى مراقبة الولادات وذلك بتشجيع الزوجين على عدم كثرة النسل، وتحديد عدد الأطفال بثلاثة ولأجل ذلك تقوم حاليا بحملات دعائية عن طريق الأشرطة والإعلانات ووضع صور للأسرة المثالية التي لا يتعدى عددها الزوج والزوجة وثلاثة أولاد وزيادة على هذا فهنالك مكافآت لكل زوج أو زوجة يعرض نفسه لعمليات جراحية غايتها الحرمان من إنجاب الأطفال، ولكن رغم كل هذه المحاولات والمجهودات المبذولة لتحديد النسل في الدول النامية والعالم الثالث، فإن النتيجة لم تأت بثمارها المرجوة وإذ تعرضت مسألة تحديد النسل إلى عقبة صعبة الاجتياز، ألا وهي الاعتقادات الدينية، وبالتالي فرغم وجود التصور لزيادة النمو الذي يشير بانفجار العالم لكثرة سكانه في السنوات القادمة، فهذا لا يعني أنه يجب علينا حتما تخفيض عدد سكان العالم إذ في الحقيقة العالم الحالي يتمتع بطاقة معروفة أو غير مستغلة لتحديد زيادة النسل خلال السنوات القادمة، رغم أنه ليس هنالك أحد يستطع أن يحدد لنا كيفية موقفه ومدى الذي سيصل إليه تعمير العالم، على أنه يبدو أن مثل هذا النمو لا يبقى ثابتًا بلا نهاية بدون مخاطر. وبالتالي فلما كان التخفيض من عدد سكان العالم محالا، فإن الجهود الآن تسعى جاهدة إلى تنظيم النسل والتوفيق بين سكان الجيل القادم والموارد الإنسانية المقدرة.

ص: 353

مفهوم تحديد النسل وتخطيط الأسرة:

منذ سنوات عديدة ومسألة تخطيط الأسرة تعتبر من الموضوعات اليومية في سائر أنحاء العالم، بين من يرى في تخطيط الأسرة عنصر تحرير المرأة ومن يشجع تحديد النسل خشية نمو النسل في العالم الثالث. فهنالك آراء كثيرة، إلا أن الذي يجذب الانتباه ويعبر بتمام عن الغموض في فهم هذا الموضوع يكمن في الكلمات المستعملة لتعيين هذا الموضوع.

فالبعض يعتبر أن لفظة تخطيط النسل وتنظيمه تعني عدم تقارب الولادات عند المرأة، وعند الآخرين يعتبر تحديد النسل وبعض عبارات أخرى مستعملة تزيد في غموض المسألة كتنظيم الولادات، والأمومة الاختيارية، وفي زائير مثلا بأفريقيا يقولون بالولادة المرغوبة أو الإرادية فتحديد النسل: هو عباره عن فعل أو عمل يقصد به منع الحمل سواء كان عن طريق آلي أو عن طريق كيماوي (حبوب منع الحمل) أو العادي كالامتناع عن مجامعة الزوجة لمدى معين من الزمن، وهنالك أيضا طريقة الحساب، وطريقة تنظيم الولادات التقليدية: يعتبر مجموعة من عمليات تطبيقية قد تشمل الانقطاع الإرادي عن مجامعة الزوجة، أو الافتراق بين الزوجين الذي يمكن من أبعاد زمن الولادات والتقليل منه لغاية الحفاظ على حياة المرأة وابنها.

وهذه الطريقة في الحقيقة كانت منتشرة منذ القدم بأفريقيا، والهدف من تقليل مدة الحمل وإبعاده لم يكن التقليل من عدد الأولاد المنجبين، بالعكس كانت غاية هذه العملية ضمان الحياة لعدد كثير منهم.

تحديد النسل المعاصر:

يعتمد على استعمال المواد المانعة للحمل دون اللجوء إلى الحساب فيما يخص عدد المواليد المرغوب فيه من الأولاد ويجب تميزه عن تخطيط الأسرة.

تخطيط الأسرة:

يقصد به التنسيق بين تهذيب أو تربية الأسرة وإمدادها بطريقة منع الحمل مع الأدوية اللازمة لتلك الغاية، لكي يسمح للزوجين من إنجاب ما تيسر لهم من عدد الأولاد اللازم لهم، وتخطيط الأسرة أيضا يعتمد على الحساب الدقيق للعدد الضروري للأولاد، والأسرة معنية اعتبارًا لمقتضياتها المالية والدبية والدينية.

وتحديد النسل: يقصد منه نشر فكرة منع الحمل على نطاق عام، عن طريق الدولة حتى يعم كافة الأسر ويشمل هذا النوع أيضا الإجهاض بغاية نقص نسبة الولادة لبلد معين لأسباب اقتصادية، وهذا النوع من تحديد النسل يعتمد عليه في آسيا بصفة عامة، أما في أفريقيا مثلا فهو مشجع في تونس ومصر، أما في المغرب وكينيا وغانا فبنسبة أقل.

ص: 354

موقف الشريعة من قضية تحديد النسل

قال تعالى في محكم كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (1) .

ولقد كان أهل الجاهلية يقتلون أبناءهم مخافة الفقر فنزل قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (2) .

وطالعتنا الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ببحوث تطول وتقصر، في تأييد الرأي والدعوة إليه، إلا أنه يلزم قبل الخوض في البحث تحديد المقصود من الموضوع، أو تحريم محل النزاع، فقد تبادر للناس أن المقصود منه هو إصدار قانون عام يلزم الأمة كلها أن تقف بالنسل عند حد معين. لا فرق في ذلك بين سيدة يسرع إليها الحمل، فترضع ولدها السابق لبن الحمل، وأخرى يبطئ حملها وتمضي مدة الرضاع أو أكثر في تربية السابق دون حمل، كما ذكره محمود شلتوت في كتابه الفتاوى، دراسة لمشكلة المسلم المعاصر، ولا سيما القوي والسليم من الأمراض يلد أقوياء أصحاء والضعيف المريض يلد ضعفاء مرضى، ولا بين من في سعة من الرزق يستطيع تربية أبنائه مهما بلغ عددهم، وبين فقير في ضيق لا يستطيع القيام بتربية أبنائه الكثيرين فيضعف احتماله وتخور أعصابه وتفسد حياته.

وتحديد النسل بهذا المعنى العام، لا يمكن أن يقصده أحد ما فضلا عن أمة تريد لنفسها البقاء، وتعمل جاهدة وبخطوات سريعة في المشروعات الإنتاجية التي بها تنافس الأمم الأخرى، وترد عنها أطماع المستعمرين، عن طريق الإنتاج والاقتصاد، وهو بعد هذا تفكير تأباه طبيعة الكون المستمرة في النمو، وتأباه حكمة الحكيم الذي خلق في الإنسان والحيوان مادة التوالد والتناسل، وخلق مقابل ذلك في الأرض وسائر ما خلق قوة الإنتاج الدائم المضاعف، والمائدة التي أعدها الله عز وجل لعباده في ظاهر الأرض وباطنها لا يمكن أن تضيق عن حاجتهم وحاجة نسلهم مهما كثروا ومهما عاشوا بإذن الله.

أما النظرة الداعية إلى تحديد النسل وتنظيمه بالنسبة للسيدات اللاتى يسرع إليهن الحمل، وبالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسئوليات الكثيرة، ولا يجدون ما يقويهم على احتمال هذه المسئوليات، فمثل هذا التنظيم فردي أسري لا يتعدى مجاله وهو شأن خاص تدفع به أضرار محققه ويكون به النسل القوي الصالح.

(1) سورة النحل الآية 72

(2)

سورة الإسراء الآية 31

ص: 355

ومن هنا حثت الشريعة على مبادئ القوة واتساع العمران وكثرة الأيدي العاملة، وعلى تهيئة ما تعمل فيه تلك الأيدي، وحثت على الزواج وامتن الله على الناس بنعمة البنين والحفدة كأثر من آثار الزواج وطمأن النفوس على الرزق كما ورد في قوله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (1) .

وكما جاء أيضًا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) .

فالله عز وجل كرم النبي آدم عليه السلام أولا بالسماح له بدخول الجنة ولما أقدم على مخالفة ما نهاه عنه أسكنه الأرض وسخر له ما فيها من حيوان ونبات وكل شيء أليس هذا بتكريم فالبارئ الخالق يقول في كتابه الكريم: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (2) .

قال عز وجل {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (3) . وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (4) . فظلموا أنفسهم وإن الله عز وجل قد قدر مقادير كل شيء من خير وشر وحياة وموت. وهداية وضلال، قبل أن يخلق السماوات والأرض، وقال جل جلاله أيضا {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (5) . وقوله أيضا {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (6) . فهذه الآيات دليل قاطع بأن العزيز الغفار ما خلق الإنسان باطلا، فهو عالم بالأشياء قبل كونها، وكتابته للأشياء قبل برئها، وبالتالي هل يجوز للإنسان المؤمن بقدرة الله الذي لا ينام والذي يمسك السماوات بلا عمد أن يتكلم بتحديد النسل؟ ويشكو بأن الله ليس قادرًا على أن يطعم أبناءه؟ في حين أنه قد قدر له هو الأب قوت يومه فهل يجوز أن نشكو بأن الذي جعل من الماء كل شيء حي وأنزل من السماء ماء ليس قادرا على أن يغذي ذرة من سكان العالم؟ سبحانه الذي قال:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} (7) . وقال أيضا في كتابه الكريم: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} (8) . صدق الله العظيم، والله عز وجل يسقي العالم بأسره بعد أن خلقه بلا شك، فإنه القدير البديع القادر على أن يطعمه، قال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} (9) . صدق الله العظيم.

(1) سورة النحل الآية 72

(2)

سورة الكهف الآية 51

(3)

سورة الزخرف الآية 19

(4)

سورة القمر الآية 49

(5)

سورة الفرقان الآية 2

(6)

سورة الأعلى الآية 1، 2، 3

(7)

سورة الواقعة الآية 68، 69

(8)

سورة المرسلات الآية 27

(9)

سورة الملك الآية 30

ص: 356

فبعد هذه الآيات هل يجوز الكلام بتحديد النسل أنه حرام أم حلال؟ بل زيادة على ذلك فالله عز وجل بَيَّنَ في محكم كتابه المقدس، كيفية تكوين الإنسان وخلقه، بطريقة دقيقة ورائعه، حيرت علماء العالم، ووحدانية الخالق سبحانه وتعالى تقتضي رعاية مصالح عباده، فهو ربهم وخالقهم إذ هو رب العالمين جميعا، إذ خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله. وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى كما يشاء، وجعل بقدرته هذا العالم المنتشر في أقطار المعمورة من ذلك الماء المهين، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (1) . وهذا الإنسان الذي خلقه الله وأمره بأن ينظر إلى حقيقة خلقه بأن قال عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} (2) .

ولقد جاء أيضًا في وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((سوداء ولود خير من حسناء عقيم)) وقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: ((من ترك الزواج مخافة العيل فليس منا)) .

وكثيرا ما تعرض علماؤنا على اختلاف مسئولياتهم واختصاصاتهم من شرع وعلم اجتماع وطب واقتصاد لمسألة تحديد النسل.

فالإنسان مطالب بأن يتفكر وأن يتأمل حياتنا، ويعلم كمخلوق بأنه مطالب بعبادة الله الخالق، لأنه قادر على إعادته مرة أخرى بعد موته لمحاسبته على ما عمل في هذه الدنيا من خير وشر، فإن القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى، فلا يجوز إذًا قتل الأولاد خشية إملاق؛ لأن الله عز وجل قادر على أن يرزقنا جميعا. فقد نهانا عن ذلك عز وجل في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (3) . وقال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (4) . رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (5) . وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (6) . وقد قال تعالى أيضًا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (7) . وقوله أيضًا {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (8) .

وقوله أيضًا {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} (9) . وقال جل وعلا {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} (10) .

فإن الله تبارك وتعالى قد جعل رحلة خلق الإنسان آية لنا فتنقل خلقه من حال إلى حال، من نطفة بعد أن خلقه في بطن أمه خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث: ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشية، دليل واضح على أنه قادر على أن يرزقه إلى وفاته قبل انبعاثه مرة ثانية للحساب.

(1) سورة الفرقان الآية 54

(2)

سورة الطارق الآية 5، 6، 7، 8

(3)

سورة الأنعام الآية 151

(4)

سورة آل عمران الآية 26، 27

(5)

سورة النساء الآية 1

(6)

سورة لقمان الآية 10

(7)

سورة المؤمنون الآية 12

(8)

سورة عبس الآية 18

(9)

سورة الإنسان الآية 1، 2

(10)

سورة القيامة الآية 37

ص: 357

وعن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ((إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله عز وجل إليه ملكا بأربع كلمات فيقول: اكتب أجله ورزقه وشقي أو سعيد)) صدق رسول الله الكريم فالإنسان اليوم يسأل نفسه عن مآل أبنائه وأحفاده وإخوانه في المستقبل وهو حائر في ميسرهم ومعاشهم، ويحاول جاهدًا لإيجاد الحل لتحديد النسل، لعل وعسى أن يكون ذلك حلًّا ناجعًا لحماية سلالته من مصاعب الدنيا، وقد أغفل عليه قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (1) . صدق الله العظيم فمن كان قادرا على أن يحيي العظام وهي رميم أليس بحق الله أن يكون قادرًا على أن يضمن معيشة خلقه بقدر ما قدر لكل فرد مسلم {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2) . والله صادق فله الخيار في إمداد رزقه لمن يريد من الناس فقد قال تعالى أيضًا {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} (3) . فإن الله هيأ الأرزاق، ويسر أقوات جميع الخلق من إنسان وطيور وحيوان.

ولا ننسى أيضًا أنه عز وجل قال {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) .فكل بيت يولد فيه مسلم ينطق لا إله إلا الله محمد رسول الله بركة لكافة الدنيا لا للمسلمين فقط، إذ هي كلمة الدنيا والآخرة للفرد ولأسرته فالاعتماد حسب رأيي على كل عمل من شأنه التقليل من الإنجاب، يعني حرمان الإسلام من صوت ينشد بوجود الله وبركات رسول الله، فإن كان الفرد في ضيق فقد أمده الخالق بصلاح يعضد به نفسه ويرتكز عليه عند الشدائد ألا وهو الدعاء، فقد قال عز وجل {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (5) .

والله عز وجل لا يخلف الميعاد فالدعاء عضد الإيمان والله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فهو أقرب من حبل الوريد، فكيف إذن نؤمن بأنه إذا تعطل علينا المطر يقوم الجميع بصلاة الاستسقاء وينزل المطر. ونخاف اليوم بأن ندعوه عز وجل ليبعد عنا الفاقة والجوع والتشرد؟ وبالتالي فإنه لا يجوز للمسلم المؤمن أن يوافق فكرة تحديد النسل بمعناه حرمان أحد الزوجين (الزوج والزوجة) من الإنجاب، أي القيام بعمليات لقطع الحمل قطعا عن طريق الجراحة أو عقاقير خاصة لتلك الغاية، أما إن كان تحديد النسل لغاية التنظيم أي تنظيم النسل فقد يتقبله المؤمن إذ يعتبر علاجًا تدفع به أضرار محققة ويكون به النسل القوي الصالح، ومثل هذا التنظيم لا يجافي الطبيعة ولا يأباه الوعي القومي ولا تمنعه الشريعة وحسب رأيي يجب الأخذ به بشروط عملا بالقياس، إذ القرآن حدد مدة إرضاع الطفل بحولين كاملين فقد قال عز وجل {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (6) .

(1) سورة يس الآية 77، 78، 79

(2)

سورة البقرة الآية 212

(3)

سورة الملك الآية 19

(4)

سورة الذاريات الآية 56

(5)

سورة غافر الآية 60

(6)

سورة البقرة الآية 233

ص: 358

وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرضع الطفل من لبن الحامل، وعملا بالقياس فإن كانت علة منع رضاعة الطفل للبن الحامل هو الضرر الذي قد يصيبه من جراء الرضاعة فإن ذلك قياسا يقضي إباحة العمل على وقف الحمل مدة الرضاع بغية دفع الضرر الذي قد يلحق بالطفل وبالتالي فإنه يمكن القول: بإباحة منع الحمل مؤقتا بين الزوجين في حالة حماية أو الحفاظ على صحة المرأة إن كانت المرأة لا تلد ولادة عادية تضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين، فإن كان تأخير الحمل بالأدوية أو غير ذلك لأسباب شرعية يقرها طبيب مسلم فقيه وكذلك إن ثبت الضرر للمرأة عند الحمل كأن يكون الزوج يخشى على حياة زوجته بعد فحص طبيب وبتقرير من طبيب مسلم. وفي الختام أؤكد لكم أن الدعوة لتحديد النسل أو منع الحمل بصفة عامة لا يجوز شرعا؛ نظرًا لأن المسلمين قلة في عالمنا هذا في حين أن الكفار والمشركين يفوقوننا عددا ولنا زيادة على ذلك أن الشريعة الإسلامية تحض على تكثير نسل المسلمين وانتشاره، إذ يعتبر المال والبنون زينة الحياة الدنيا، وبالتالي فإن النسل يعتبر نعمة من رب العالمين، فعلينا أن نسعى جاهدين في زيادة النسل، حتى يزداد أصوات القائلين بلا إله إلا الله محمد رسول الله، حتى تعم الرحمة برحاب عالمنا هذا، ويقل فيه الفساد إذ لا يخفى عليكم بأن حث أبنائنا وبناتنا على أخذ العقاقير لمنع الحمل في كل وقت وكيف ما كان يؤدي حتما إلى مفاسد الأخلاق وإياكم وغضب الله ولعنته فعلينا أن نحتاط من كيد الداعين لمنع الحمل، الراغبين بكل الطرق على وضع أيديهم على أموال المسلمين كيدا لنا ومقتا، فالحروب الصليبية ليست ببعيدة في أذهاننا، فلا يرتاح بالهم إلا إذا انقضوا على ثروات المسلمين اليوم، فقد حاربونا الأمس لقوتنا وتمسكنا بحبل الله والعمل بسنة رسول الله، ولم يقدروا علينا، فما بالك اليوم وفينا الأغنياء والأثرياء؟ فكيف لا يرغبون في زرع مثل هذه الأفكار البغيضة المعادية للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها ولشريعتنا الحميدة؟ فعلينا أن لا نخالف الشرع وأن لا ننسى أبدا قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (1) . وقوله أيضًا عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) . وعلى هذا نكون قد اختتمنا بحثنا ونسأله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل الصالح وأن يتم لنا بعمل يدخلنا الجنة إنه ولي ذلك والقادر عليه فنعم المولى ونعم النصير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد علي عبد الله

(1) سورة الإسراء الآية 31

(2)

سورة الأنعام الآية 151

ص: 359