المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

‌النقود وتقلب قيمة العملة

إعداد

د. محمد سليمان الأشقر

بسم الله الرحمن الرحيم

النقود هي ما اتخذه الناس وسيطا للتبادل، ومخزنا للقيم، ومقياسا للأسعار. وكان الذهب والفضة رأس النقود منذ حقب متطاولة في التاريخ لما تميز به هذان المعدنان من ثبات القيمة وعدم التعرض للتآكل وعدم التأثر بالمؤثرات الجوية ونحوها.

وقد خصهما النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر المعادن بأحكام منهما:

1 – أنه حرم استعمالهما كآنية للشرب أو الطعام، وفي ذلك توفير لهما لاستخدامهما أثمانا.

2 – أنه حرم استعمال الذهب كحلى للتزين، وفي ذلك توفير لثمنيته كذلك. واستثنى النساء لحاجة المرأة للتزين.

3 – أنه أوجب الزكاة في أعيانهما إذا بلغا نصابا. واعتبر الشرع من لم يخرج الزكاة منهما كانزا يستحق العذاب بهما يوم القيامة. وفي إيجاب الزكاة فيهما تحريك لثمنيتهما، حتى يتداولا في الاستعمال تحصيلا للربح، وإلا أكلتهما الزكاة مع السنين.

4 – وأنه حرم المراباة فيهما تبعا للنص القرآني، والربا فيهما هو بيع الذهب نسيئة في العوضين أو في أحدهما، أو بزيادة أحد العوضين ولو مع الحلول، وكذلك الفضة بالفضة، وحرم بيع الذهب بالفضة نسيئة كذلك. وحرم الإقراض بزيادة على الأصل في الذهب والفضة (وسائر الأموال) .

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نص صريح خاص يدل على إيجاب الزكاة في (الفلوس) ، وهي ما اتخذ ثمنا من سائر المعادن، ولا نص كذلك يمنع التفاضل أو النساء في بيعها، ولا أوجب فيها الزكاة، مع أن في السنة النبوية والسيرة النبوية مواضع تدل على أن الفلوس كانت مستعملة في عهده صلى الله عليه وسلم.

من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال ليس ذلك المفلس، بل المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) .

ومن ذلك قوله أيضًا ((أيما رجل وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه)) .

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تذكر الإفلاس.

ولفظ الإفلاس بالاتفاق مشتق من (الفلس) ، وذلك لأن الرجل إذا كثر دينه رجع ماله إلى الفلوس بعد أن كان يتعامل بالدرهم والدنانير.

وفي حديث أبي ذر عن الإمام أحمد (5/156، 158)، أنه أمر جارية أن تشتري له " فلوسا ". ويأتي النقل عن مجاهد والنخعى في الفلوس. وقال السيوطى في الحاوى (1/104) : التعامل بالفلوس قديم. ثم استدل على وجودها عند العرب بآثار.

ص: 1260

النقود الورقية:

تعامل الناس في العصور المتأخرة بالنقود الورقية، وقد مرت النقود الورقية بأطوار:

الطور الأول: كان يكتب في العملة الورقية من الدولة المصدرة لها تعهد بأنها تدفع لحامل الورقة مقدار ما يذكر فيها من العملة الذهبية. وكان التعهد قائما، فكانت قيمتها مرتبطة بالذهب ارتباطا كاملا. ولذلك حافظت على قيمتها من الذهب. وكان الجنيه الإنكليزي الورقي، أو الجنيه المصري، أو العراقي، أو الفلسطيني، يساوى جنيها ذهبيا، بل ربما زادت قيمة الجنيه الورقي على قيمة الجنيه الذهبي، ولعل مرجع ذلك سهولة التعامل بالورق.

ومثل ذلك النقود الورقية التي ظهرت تحمل تعهدا بدفع عملة فضية، كإيصالات الحجاج التي أصدرت الحكومة السعودية عام 1370 هـ تقريبا أو بعدها بقليل.

الطور الثاني: وكان مبدأ ذلك في تقديرى منذ الحرب العظمى الثانية 1938 م حينما أخذت بعض الدول تصدر عملة ورقية ليس لها غطاء ذهبى، وكان ذلك بسبب ضرورات الحرب واعتبر ذلك أولا كدين على الحكومات لشعوبها ولحملة الأوراق النقدية.

وفي هذا الدور استمرت الدول في كتابة التعهد على أوراقها النقدية، ولكنها لم تلتزم بأداء ما في الورقة من العملة الذهبية أو الفضية، فبدأ سعر الورقة النقدية في الهبوط بالنسبة لما كتب فيها.

الطور الثالث: اعتبرت فيه الورقة النقدية عملة قائمة بذاتها.

وصدرت الأوراق النقدية خالية من التعهد بشيء، وبذلك أصبحت لا ضابط لها من حيث القيمة.

ولمّا لم تكن لها قيمة ذاتية لأنها مجرد أوراق لا قيمة لها في ذاتها لكثرة الورق، ولأن الحكومات، وخاصة في أزماتها الاقتصادية، أو تبعًا لسياسات اقتصادية معينة، بدأت تصدر الأوراق النقدية، وتغرق بها الأسواق، لذا فإن قيمة الورق النقدي بالنسبة إلى الذهب والفضة، وبالنسبة لسائر السلع، بدأت في التدهور والسقوط.

ص: 1261

ولست أقول: (تقلب سعر العملة الورقية) ، كما هو العنوان المقترح من قبل المجمع، لهذا البحث، بل حقيقة ما يحصل هو التدهور والسقوط المستمر، وليس (التقلب) ، لأن (التقلب) أن ينقص ثم يزيد ينقص وهكذا. أما حقيقة ما يقع في سعر النقد الورقي فهو النزول المستمر إلى الأسفل، وما يشاهد من ازدياد قيمة العملة بالنسبة للسلع، وذلك عند رخص الأسعار في بعض الفترات، فهو ازدياد محدود بنسب تافهة في فترات قليلة. لكن الاتجاه العام هو الهبوط المستمر إلى أسفل

ويرجع ذلك غالبا إلى إصدار الحكومات المعنية لأوراق جديدة لسداد ما عليها من الالتزامات لشعوبها، وذلك الإصدار في الأصل ينبغي من جهة اقتصادية أن يكون بالقدر الكافي لبقاء مستوى الأسعار ثابتا، ولكن إذا وقعت الحكومة في أزمات اقتصادية فإنها تصدر الأوراق النقدية، ويكون ذلك عبارة عن ضرائب غير مباشرة يضار بسببها حاملو الأوراق النقدية عينا، أو الذين لهم ديون أو ودائع نقدية ولا يضار بسببها من كانت أمواله أصولا من عقارات أو غيرها، أو عروضا، بل ترتفع قيم تلك الأصول ارتفاعا مقابلا لانخفاض قيمة العملة الورقية.

وربما كان لبعض الدول سياسات معينة ترى بموجبها أن من مصلحتها خفض قيمة العملة مؤقتا أو باستمرار (1) .

(1) انظر كلاما لابن تميمة في وجوب محافظة الدولة على مستوى أسعار البضائع بالفلوس بأن لا تضرب فلوسا جديدة أو تكسر الفلوس الموجودة إلا بمقدار (كشاف القناع: 2 / 232؛ ومجموع الفتاوى الكبرى: 29 / 251) .

ص: 1262

الثبات النسبي للقوة الشرائية للذهب:

هذه الظاهرة في النقود الورقية، وهي الهبوط المستمر لقوتها الشرائية، تختلف بها عن النقود الذهبية والفضية، فإن النقود الذهبية والفضية ذات ثبات نسبى من حيث قوتها الشرائية على مدار التاريخ. ونحن نجد في السنة النبوية المأثورة مواضع تعرف منها القوة الشرائية للنقد الذهبي في ذلك العهد، ونقارنه بالقوة الشرائية للذهب في عصرنا الحاضر، فلا نكاد نجد فرقا يذكر، ومن ذلك على سبيل التمثيل:

1 – حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، وفيه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه جملا " بأوقية " وفي رواية أخرى " بأوقية ذهب)) وهناك روايات بتقديرات أخرى، (انظر جامع الأصول: 1 / 507، كتاب البيوع / فصل في الشرط والاستثناء) .

ورجح بعضهم رواية " بأوقية ذهب " على غيرها، والأوقية كما في القاموس ولسان العرب: سبعة مثاقيل. ولما كان المثقال 25ر4 غراما فإن ثمن ذلك الجمل كان يساوى ما زنته (30) ثلاثون غراما من الذهب وسعر الذهب اليوم (27/3/1987 م) = 3.600 دينارا كويتيا للغرام فذلك (108) دينار كويتى، وهذا المبلغ الآن يكاد يساوى قيمة جمل.

2 – وأيضًا في السنة في باب الديات، أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الإبل الدية مائة ناقة، أو ألف مثقال من الذهب. مما يقرب أن معدل قيمة الناقة كانت عشرة مثاقيل من الذهب، أي 42.5 غرام من الذهب وتساوى الآن 153 دينارا كويتيا تقريبا وهي تشترى ناقة أو تكاد. (ويلاحظ أن العرب كانت ولا تزال تفضل الناقة على الجمل في الثمن، لما تأمله من نتاجها) .

3 – وفي السنة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة البارقي دينارا (ذهبيا) ليشتري به شاة، فذهب فاشترى به شاتين، فباع واحدة منهما بدينار وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه.

فهذا يدل على يدل أن معدل قيمة الشاة أيام النبوة كان ما بين نصف دينار، والدينار، (4.25 غرام من الذهب) ، يساوى الآن (15.3) دينارا كويتيا تقريبا وهي تكاد تشتري شاة من شياه الحجاز، وهي أصغر من شياه الشام والعراق التي تساوى عندنا بالكويت اليوم ما قيمته 30 دينارا كويتيا تقريبا.

4 – وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه -في الزكاة، أن من وجبت عليه بنت لبون، فلم يجدها، ووجد بنت مخاض، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.

وهذا يدل على أن معدل قيمة الشاة الواحدة كانت في زمن النبوة عشرة دراهم، والدراهم العشرة كانت تساوى دينارا ذهبيا. فهذا يؤيد ما استفيد من حديث عروة البارقى المتقدم.

من هذا نستطيع أن نقول: إن القوة الشرائية للذهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تساوى 100 % أو 120 % مما هي عليه الآن لا أكثر.

ص: 1263

الثبات النسبي للقوة الشرائية للفضة:

لم تكن الفضة فيما يظهر ثابتة كثبات الذهب من حيث القوة الشرائية. فقد تقدم أن حديث عروة البارقي، وحديث أبي بكر، يدلان على أن قيمة الشاة في زمن النبوة كانت عشرة دراهم. فإذا كان الدرهم الفضي يزن 3 غرامات تقريبا فإن قيمة الشاة كانت ثلاثين غراما من الفضة، وهذا المبلغ يساوى اليوم فقط دينارين كويتيين، حيث أن سعر الفضة 673 دينارا للكيلو غرام مما يدل على أن القوة الشرائية للفضة كانت في زمن النبوة أكبر بالنسبة إلى ما هي عليه الآن.

مدى سقوط القوة الشرائية للورق:

نبادر هنا لبيان مدى هبوط القوة الشرائية للعملات الورقية لتتم المقارنة مع ثبات القوة الشرائية للذهب والفضة.

فالمعروف أن العملات الورقية دخلت البلاد العربية والخلافة العثمانية في تركيا كعملات رسمية لها بعد الحرب العظمى الأولى بقليل، أي منذ ستين عاما تقريبا، وكان كل من الجنيه الفلسطيني والجنيه المصري والليرة التركية الورقية ـ كأمثلة للموضوع ـ يساوى كل منهما جنيها ذهبيا (7 غرامات ذهبية صافية تقريبا) .

فلننظر إلى ما آل إليه الأمر الآن:

1 – الجنيه الذهبي يساوى الآن 33 دينارا أردنيا (وهو الذي حل محل الجنيه الفلسطيني وكان يساويه في القيمة) .

2 – الجنيه الذهبي يساوى الآن 190 جنيها مصريا.

3 – الجنيه الذهبي يساوى الآن 45000 ليرة تركية ورقية.

ومعنى ذلك أن القوة الشرائية هبطت في مدى ستين عاما فقط للعملات الورقية الثلاث كما يلي:

ص: 1264

هبطت قيمة العملة الورقية الأردنية إلى جزء واحد من 33 جزءا من قيمتها الأصلية، أي هبوط بمعدل نسبة 5 % سنويا تقريبا.

وهبطت قيمة العملة الورقية المصرية إلى جزء واحد من 190 جزءا من قيمتها الأصلية، أي بمعدل نسبة 8.4 % سنويا تقريبا.

وهبطت قيمة العملة الورقية التركية إلى جزء واحد من 45000 جزءا من قيمتها الأصلية أي بمعدل نسبة 16.4 % سنويا (1) . .

فقارن هذا بمدى استقرار سعر الذهب من عصر النبوة إلى الآن (أي في مدى 1400 سنة) ، تجد أنه لم ينخفض أصلا، أو انخفض بنسبة ضئيلة جدا بمعدل لا يكاد يذكر. وهبطت الفضة إلى جزء واحد من سبعة أجزاء من قيمتها في المدة نفسها.

ولعل هذا ما دعا بعض فقهائنا إلى أن يقرر أن الذهب والفضة أثمان خلقة، أي أن لهما قيمة ذاتية، فقد خلقا ليكونا أثمانا، أي مقاييس متميزين بالثبات.

على أننا ندرك أن القوة الشرائية للذهب والفضة تهتز نسبيا في أزمات الكساد، أو حالات كثرة العرض أو قلته بالنسبة للسلع، أو كثرة العرض أو قلته بالنسبة للذهب والفضة أيضًا، وأنه لو لم يستعمل الورق كعملة في هذه العصور الأخيرة لضاق الذهب والفضة عن أن يتسعا للمعاملات، ولربما كانت قوتهما الشرائية زادت أضعافا مضاعفة.

وفي السنة النبوية ما يشير إلى أنه سيأتي في آخر الزمان وقت " يكثر فيه استخراج الذهب والفضة، حتى تهبط قيمته هبوطا حادا سريعا، بل قد يفقد قيمته نهائيا. وذلك ما رواه مسلم نشر عبد الباقي (2 /18 كتاب الزكاة، ح 62)، والترمزي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان (أي الأعمدة) من الذهب والفضة، فيجئ القاتل فيقول: في هذا قتلت. ويجئ القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي. ويجئ السارق فيقول: في هذا قطعت يدي. ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا))

(1) هذا التقدير على أساس معدل نسبة انخفاض مركبة لستين عاما

ص: 1265

أحكام النقود الورقية

نتعرض لذلك في فصلين أحدهما خاص بالربا فيها، والثاني خاص بالزكاة.

الفصل الأول

الربوية في النقود الورقية

إن فكرة استعمال النقود من غير الذهب والفضة فكرة قديمة لا يبعد أن تكون قارنت استخدام الذهب والفضة لذلك، وربما تقدمت عليهما. فقد استعملت الفلوس من النحاس وغيره، واستعمل الودع والخرز لذلك.

أما فكرة استخدام الورق فلم تخرج إلى حيز التنفيذ فيما نعلم في تراثنا الإسلامي، ولكنها طرأت على بال فقهاء المسلمين، وأثبتت في كتبهم قديما، من ذلك قول الإمام مالك رضي الله عنه، كما في المدونة في باب الصرف (1) .:(لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين، لكرهتها أن تباع بالذهب والورق (أي الفضة) نظرة) .

لكن لم يتوسع العلماء في بحث أحكام النقود الورقية إلا بعد دخولها في حيز التداول الفعلي.

وقد اختلف العلماء في تكييف الأوراق النقدية، وتطبيق الأحكام الشرعية عليها، على أقوال:

فقيل:

1 – هي ديون على الجهة المصدرة لها.

2 – وقيل هي عملات مستقلة ذاتيا، تعامل كالعملات الذهبية والفضية، إلا أنها أجناس مستقلة من النقود، وتكون العلاقة بين كل جنس وجنس منها كعلاقة الذهب بالفضة.

3 – وقيل هي عروض تكون للتجارة إن قصدت لها، كما هي عند الصيارفة، وقد تكون للتجارة، كمن يقتنيها ويدخرها لينفق على نفسه وأهله.

ونحن نبحث كلا من هذه الأقوال بتوسع.

(1) رسالة إمتاع الأحداق والنفوس بمطالعة أحكام الفلوس، للشيخ ألفا هاشم الفوتى: ص 26

ص: 1266

القول الأول (أنها دين) :

ووجهه أنها في الأصل نائبة عن العين، بتعهد من الجهة المصدرة لها بدفع قيمتها، أو هي مستند بذلك الدين.

وقد كان هذا القول قويا، والقائلون به مطمئنين إليه، عندما كان التعهد بدفع قيمتها قائما. ووجهه أنها لا قيمة لها في ذاتها، لكن لما كان يقابلها مقدار محدد من الذهب أو الفضة مودع في خزانة الدولة المصدرة لها، فإن المتعامل بها إذا أخرجها من يده إلى يد أخرى يعتبر قد أحال بذلك الدين الذي له على الدولة شخصا آخر، فهي حوالة، سواء كان مشتريا منه أو مستأجرا أو مستوهبا، أو أخرجها من يده كصداق امرأة أو بأي صورة من الصور المشروعة.

وبناء على هذا القول أوجبوا الزكاة فيها كزكاة الدين.

لكن الذين قالوا بهذا القول اصطدموا بعقبات مهمة، وذلك بسبب القيود الشرعية على تداول الدين. فمن المعلوم أنه لا يجوز شرعا بيع الدين بالدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.

ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن بيع الكالئ بالكالئ)) .

فلذلك لا يجوز ـ على هذا القول ـ جعل النقود الورقية رأسمال سلم، أو ثمنا لعين موصوفة في الذمة، لو سلمت الثمن الورقي نقدا.

وأيضًا ـ بناء على هذا القول ـ لا تصلح المشاركة بالنقود الورقية، لأن الدين لا يكون رأسمال شركة.

وأيضًا يمنع ذلك صحة الصرف إذا صرفت ورقا نقديا بورق نقدي من جنس آخر.

وأيضًا يمنع اعتبارهما دينا من شراء الذهب والفضة بهما، لأن ثمن شرائهما لا يكون دينا، إذ لا بد من التقابض.

وأيضًا القائلون بعدم وجوب الزكاة على الدائن وجدوا في هذا القول مخرجا، بناء على القول بأن زكاة الدين هي على المدين، أو القول الآخر بأن الدين لا زكاة فيه على الدائن ولا على المدين.

إلا أنه مع ذلك كان لهذا القول وجه عندما كان لدى الحكومات استعداد لدفع القيمة الاسمية لتلك الأوراق بالذهب. أما الآن فلا وجه له، إذ ليس هناك استعداد لذلك مطلقا.

ص: 1267

القول الثاني (أنها عروض غير ربوية) :

فيجوز بيع بعضها ببعض متساوية أو متفاضلة، حالة أو مؤجلة، لا ضير في ذلك، بشرط قبض أحد العوضين في المجلس، وإذا كانت للتجارة فتجب فيها الزكاة، وإلا فلا. ولا تنطبق أحكام الصرف عند بيع ورق نقدي منها بورق نقدي آخر وعند بيعها بذهب أو فضة.

وقد استدلوا لهذا القول بأمور:

1 – أنها ليست بذهب ولا فضة، فلا تنطبق عليها النصوص الواردة بمنع المراباة في الذهب والفضة بل هي باقية من هذه الجهة على حكم الإباحة الأصلية وعلى هذا يجري مذهب الظاهرية.

وأيضًا بتتبع العلل الربوية التي ذهب إليها العلماء في تعليل حرمة الربا علم أنها غير موجودة في الورق النقدي، فيمتنع الإلحاق.

فإن الحنفية عللوا حرمة الربا في الذهب والفضة بكونهما (أثمانا خلقة) وهذا غير موجود في الورق النقدي لأن ثمنيته اصطلاحية، ولأن ثمنية الذهب والفضة لا تبطل بحال، بينما ثمنية الورق تبطل بالإبطال ممن يملكه.

والشافعية قالوا: العلة في الذهب والفضة جوهرية الثمن غالبا، فيختص بالذهب والفضة.

وعن أحمد روايتان: إحداهما: أن علة ربويتهما الوزن، والأخرى جوهرية الثمن، كقول الشافعي.

فعلى جميع هذه التعليلات لا يقاس الورق على الذهب والفضة، لأن الورق ليس بثمن خلقة بل بالاصطلاح، ولأنه لا يباع بالوزن.

2 – قياس النقود الورقية على الفلوس المعدنية: فإن النقود الورقية ليست أقرب إلى الذهب والفضة من قربها إلى الفلوس. وقد كانت الفلوس موجودة على عهد النبوة كما تقدم، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل فيها ربا كما جعل في الأصناف الستة المعروفة. وكانت الفلوس موجودة طيلة العهود الإسلامية وكان قول كثير من علماء المسلمين فيها أنها لا يدخلها الربا، وذلك موجود في كتب فقهاء الإسلام، منتشر فيها بكثرة لا تخفى على المطلعين.

ص: 1268

ـ على أن هذا لا يعنى اتفاقهم على ذلك، فقد ذهب البعض إلى أنها ربوية.

فمما جاء في كلامهم أنها ليست ربوية:

(أ) ما نقله السيوطي في الحاوي (1/104)، عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا بأس بالسلف في الفلوس، وقال: أخرجه الشافعي في الأم والبيهقي دليلا على أنه لا ربا في الفلوس. وعن مجاهد: لا بأس بالفلس بالفلسين يدا بيد، وعن حماد مثله.

(ب) وفي فقه الحنفية:

ـ جاء في كنز الدقائق: يصح بيع الفلس بعينه بالفلسين بأعيانهما. وفي شرحه البحر الرائق لابن نجيم: إن ذلك صحيح عند أبي حنيفة وأبى يوسف. وقال محمد: لا يجوز.

وقالوا في فلسين بغير أعيانهما بفلس بعينه: إنه غير جائز (1) . وهذا يعنى أنها ربوية.

- ولكن في الفتاوى الهندية: إذا اشترى الرجل فلوسا بدراهم ونقد الثمن ولم تكن الفلوس عند البائع فالبيع جائز.

- وفي المبسوط: إن اشترى خاتم فضة أو ذهب بكذا فلسًا وليست عنده فهو جائز.

(ج) في فقه المالكية:

- جاء في المدونة في كتاب الزكاة ما نصه: (قال ابن القاسم: سألت مالكًا عن الفلوس تباع بالدراهم والدنانير نظرة) أي تأخيرًا (أو يباع الفلس بالفلسين. فقال مالك: إني أكره ذلك وما أراه مثل الذهب والورق) أي الفضة (في الكراهية) .

وفي باب الصرف من المدونة ما نصه: قال ابن القاسم في الفلوس: (إنها ليست عند مالك بمنزلة الدنانير والدراهم، وإنه قال في شرائها بالدنانير والدراهم: أكرهه ولا أراه حراما كتحريم الدراهم) . (انظر المدونة4/115)، (أقول: ولعله إنما كرهه لما فيها من شبهة الثمنية، ولم يحرمه لأن التحريم يعتمد الدليل الصحيح، ولا دليل) .

- وفي حاشية العدوى على شرح الخرشي: المشهور في الفلوس أنها لا يدخلها الربا.

(1) ابن عابدين: 4/184، ومثله في المبسوط 12/184

ص: 1269

(د) وفي فقه الشافعية:

- جاء في منهاج الطالبين للإمام النووي وشرحه للمحلى 2/170: (النقد بالنقد أي الذهب والفضة مضروبًا كان أو غير مضروب، كطعام بطعام، فإن بيع بجنسه اشترط المماثلة والحلول والتقابض قبل التفرق. ولا ربا في الفلوس الرائجة في الأصح، فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا وإلى أجل) . ـ وفي روضة الطالبين للنووي (12/387)(الصحيح أنه لا ربا في الفلوس ولو راجعت لانتفاء الثمنية الغلبة) .

ـ وفي شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري (4/45، 46)(إنما يحرم الربا في نقدين ذهب وفضة، ولو غير مضروبين، كحلي وتبر ، بخلاف العروض، كفلوس وإن راجت) .

(هـ) في فقه الحنابلة:

ـ جاء في شرح منتهى الإرادات ما نصه (لا ربا في فلوس يتعامل بها عددا، ولو كانت نافقة، لخروجها عن الكيل والوزن وعدم النهي والإجماع) .

ـ جاء في شرح الإقناع (يجوز بيع فلس بفلسين عددا، ولو نافقة، لأنها ليست بمكيل ولا موزون، أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد قال: لا بأس بالفلس بالفلسين يدا بيد. ثم ذكر عن نص أحمد رواية أخرى: أنه لا يباع فلس بفلسين، ولا سكين بسكينين) .

ـ وفي نيل المآرب بشرح دليل الطالب (لا يجري الربا فيما أخرجته الصناعة عن الوزن، كالثياب والسلاح والفلوس والأواني، غير الذهب والفضة) .

ـ وفي المغنى لابن قدامة (4/7، ط 3)(إن الراجح جواز بيع الفلس بالفلسين، وهو قول الثوري وأبى حنيفة وأكثر أهل العلم، لأنه ليس بموزون ولا مكيل، إذ لا معنى لثبوت الحكم مع انتفاء العلة وعدم النص والإجماع) .

هذا وقد نص الإمام مالك على أنه لا يرى التحريم في بيع الأوراق النقدية بالذهب والفضة مع التأجيل كما تقدم نقله، وإنما مذهبه فيها كراهة ذلك. والكراهة داخلة في في حيز الجواز دون حيز التحريم.

ونص من أتباعه على الجواز الشيخ عليش في فتاواه، على أن (الكاغد الذي فيه ختم السلطان ويتعامل له كالدراهم والدنانير لا زكاة في عينه إن كانت عند من احتكرها. لكن إن كانت عند من يريدها فيحمل محمل العروض) وواضح وجه ذلك عند المالكية كما تقدم إيضاحه.

ومقصوده بمن يديرها أي من يتجر بها، فيشتريها ويبيعها، وهم الصيارفة ومن يعمل مثل عملهم.

ص: 1270

القول الثالث (أنها عملة نقدية قائمة بذاتها) :

تعامل معاملة الذهب والفضة إلا أنها شيء آخر، ليست هي الذهب، وليست هي الفضة، وليست هي قائمة مقام الذهب ولا الفضة، بل هي أجناس أخرى بحسب الدول المصدرة لها، فالدنانير الكويتية جنس، والدنانير العراقية جنس ثان، والدولارات الأمريكية جنس ثالث وهكذا.

ودليل هذا القول دليل واحد وهو القياس على الذهب والفضة بجامع الثمنية.

وهذا القول هو السائد الآن في الأوساط الإسلامية الملتزمة بالشريعة، على ما فيه من الأضرار والأخطار، كما سيتبين في بقية هذا البحث. وقد درج عليه غالبية المسلمين الملتزمين في التعامل، فإنهم في الحقيقة لم يتعاملوا بالنقود الورقية كمستندات ديون، ولم يتحرجوا من إسلافها في السلع، ولا من صرف بعضها ببعض، ولكنهم تحرجوا من بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض مؤجلا أو متفاضلا، واعتبروا ذلك – إذا وقع – وتحرجوا من شراء الذهب أو الفضة أو بيعهما بالورق النقدي دون تقابض. وصدرت الفتاوى من كثير من المفتين بهذا القول، وصدرت قرارات من بعض المجامع الفقهية بموجبه.

ص: 1271

من أين نشأ القول بأن الأوراق النقدية أجناس ربوية:

الذي نراه أنه عندما كانت النقود الورقية مرتبطة بالذهب ارتباطا صحيحا، وكان التعهد قائما بصرف قيمتها لحاملها طبقا لما هو مكتوب فيها، قياما حقيقيا، وكانت تباع وتشترى طبقا لما فيها (أي: جنيه واحد ورقى بجنيه واحد ذهبي) فإن حكمها الشرعي في تلك الحال هو أن تعامل معاملة الذهب، ويجرى بينه وبينها الربا، ولا إشكال في ذلك. وعلى هذا درج التعامل أول ما صدرت النقود الورقية، واعتبرت بمثابة الذهب من كل وجه، فكان الإفتاء بذلك إفتاءً صحيحًا، والحكم بذلك العصر واقعا في محله.

ولكن الذي طرأ أن انفك الارتباط بين الورق وبين الذهب منذ أوائل الحرب العظمى الثانية أو قبل ذلك، وقد سار ذلك الانفكاك تدريجيا، وعلى مراحل كما بينته سابقا، إلى أن أصبح الانفكاك تاما ومعترفا به رسميا من جميع دول العالم، فصار الورق عملات مستقلة استقلالا كاملا عن الذهب وليس لها به أي ارتباط. ومع هذا الانفكاك الذي بيَّنْتُه استمر عامة المسلمين الملتزمين واستمر غالب الفقهاء، واستمرت المجامع الفقهية، على الطريقة السابقة من اعتبار الورق ربويًّا قياسًا على الذهب، على ما في ذلك من الخطورة العظيمة على اقتصاديات المسلمين كما سنبينه.

إن الأوضاع التي جدت على الورق النقدي في السنين الأخيرة تستدعي من علماء العصر وقفة مستبصرة حاسمة، لإعادة النظر في ذلك القياس الذي جرى عليه غالب الناس. فإن ذلك القياس منشؤه في نظري ذلك الارتباط الذي كان أولا، والذي بسببه قام الورق النقدي مقام الذهب فعلا، وكفل له ذلك الثبات، الذي هو شأن الأثمان الحقيقة. فلما تبدل الحال، وانفك الارتباط، كان على علماء الملة أن يعيدوا النظر في ذلك القياس منذ أمد. وها أنتم تجتمعون لتنظروا في ذلك، نسأل الله لكم السداد في النظر والقول والعمل.

ص: 1272

خطورة بقاء الوضع الراهن:

ليس في بقاء الوضع الراهن خطورة من حيث التعامل الفوري بالأوراق، كالبيع النقدي بها، وكصرف بعضها ببعض فورًا.

ولكن في حالة النسيئة وتأجيل الدفع، سواء أكان بيعا أم قرضا، أم إجارة أم شركة أم صداقا، يجيء الخطر، وهو في الحقيقة خطر على البائع والمقرض، وهو أشد في حال القرض عن حال البيع، فإن البائع قد ينظر إلى التأخير ونقص قيمة العملة، فيضيف على الثمن الآجل ما يرى أنه يغطى النقص، ولكن المقرض لا سبيل له إلى ذلك في ظل القول بربوية الورق النقدي. وتكون النتيجة، وخصوصا في ظل القروض الطويلة الأمد، أن لا يحصل المقرض إلا على جزء يسير مما أقرضه. ولنفرض أن دولة إسلامية أقرضت دولة أخرى إسلامية أو كافرة، مبلغ 100 مليون دينار ورقى، وأن الدولة المقرضة ملتزمة بالأحكام الشرعية، فإذا قدرنا نقص القوة الشرائية للعملة بمعدل 6 % سنويًّا، فإن المقرض يخسر 6 ملايين دينار في السنة الأولى، وبنسبة 6 % من الباقي في السنة الثانية وهكذا

، وتكون هذه الخسارة في الغالب من أموال المتمسكين بالإسلام يستفيد منها غير المتمسكين به.

ص: 1273

إن الشريعة الإسلامية إذ نصت على تحريم الربا فإنما كان الهدف منع الظلم، وهو أكل المقرض مال المقترض بغير حق، قال الله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (سورة البقرة: الآية 279) .

ولم يكن الهدف إطعام مال المقرض للمقترض، فإن ذلك ظلم آخر، تتنزه عنه الشريعة كما تنزهت عن الظلم الأول. وستكون النتيجة: إما امتناع المسلمين عن الإقراض بالكلية، وإما الرضا بالخسائر المحققة، وإما التجاسر على أخذ الفوائد مع اعتقاد أنها محرمة، وإما الالتفاف على الأحكام الشرعية والتحايل عليها، وما أكثر حيل المرابين.

وفي الشركة أيضًا، وخاصة شركات المضاربة، يضر نقص القوة الشرائية بصاحب رأس المال، لأنه في الحقيقة لا يسترجع إلا جزءا من حقه عندما يسترجع رأس ماله من الأوراق النقدية بالعدد، وبهذه الطريقة حصل المضاربون على أجزاء كبيرة من أموال أصحاب رأس المال.

وفي الإجارة إذ جمدت كثير من الحكومات أجور العقارات، كانت نتيجة انهيار العملات أن أصبحت الأجور بعد المدة الطويلة أجورا لا قيمة لها، حتى إن الدار الكبيرة التي أُجِّرَ مثلها الآن ألف جنيه مثلا في العام لا يأخذ مالكها من مستأجرها إلا خمسين جنيها كما كان الحال عند مبتدأ عقد الإجارة قبل ثلاثين عاما. وبذلك أُطْعِم حق مالك الدار للمستأجر (فعاد المستأجر مالكا والمالك خارجا) . وكان لذلك أثره الكبير على تعطيل الحركة العمرانية والآفات الاقتصادية اللاحقة في بلدان كثيرة من العالم الإسلامي بسبب هذا الظلم الفادح، وتخوف المستثمرين من انهيار قوة العملات الورقية، وبالتالي انهيار الأجور المجمدة وما يتبع ذلك من الخسائر.

ولو أن أصحاب العقارات التي جمدت أجورها التي كان قد جرى التعاقد عليها أتيح لهم أن يحصلوا على ما يوازيها من حيث القوة الشرائية ـ على ما سيأتي بيانه ـ لكان في ذلك العدل والإنصاف ولما أدى الأمر إلى الأزمات التي نشاهدها في كثير من البلدان الإسلامية.

إن إلزام المسلمين أفرادا وجماعات وشعوبا بالامتناع عن الحصول على مقابل نقدي لنقص قيمة أموالهم تبعا لنقص القوة الشرائية للعملات النقدية لهو خسارة عظيمة تحيق بأموال المسلمين، وليس له مستند إلا التمسك بهذا القياس المهترئ للورق النقدي على الذهب والفضة.

ص: 1274

هذا القياس على إطلاقه هو في رأينا قياس باطل:

في رأيي أن قياس الورق النقدي على الذهب في إثبات حكم الربا فيهما قياس باطل. وبيان وجه البطلان يتبين واضحا إذا علمنا ما يبينه الاقتصاديون من أن الذهب فيه ثلاث خصائص تجعله ـ كما قال علماء الحنفية ثمنا خلقة ـ ويخالفه فيها الورق النقدي في اثنين منهما:

الأول: أنه مقياس للقيم فهو ثابت القيمة على مدار التاريخ، كما سبق بيانه، وأما الورق النقدي فلا يصلح مقياسا إلا في المبايعات الفورية.

الثاني: أن الذهب مخزن للقيم، لثبات قوته على مدار التاريخ، أما الورق فهو مخزن للقيم ولكنه مخزن مهترئ مخروق القاع، يتسرب مخزونه باستمرار.

الثالث: أنه أداة للتبادل.

من أجل ذلك فإننا نرى أن الاستمساك بهذا القياس على علاته، استمساك لا معنى له لأن علة القياس بكمالها غير متوفرة.

ص: 1275

الحلول المقترحة:

المطروحة لحل هذه المشاكل الخطيرة حلان:

الحل الأول:

أن ينظر المؤتمر في ترك العمل بالقول الثالث المتقدم أول هذا البحث (وهو أن الأوراق النقدية أجناس ربوية قياسا على الذهب والفضة) لانتفاء علة القياس فيها، ويصار إلى القول الثاني، وهو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة والمالكية في الفلوس: أنها سلع تجارية لا مانع من التفاضل في تبادل المال منها بجنسه نقدا أو نساء، ولا مانع من تأجيره بنقد من جنسه أو من غير جنسه، أو بالذهب أو الفضة، ولا مانع من شراء الذهب بشيء منها نقدا أو نسيئة.

وهذا الحل لا يحل مشكلة القروض لأن القاعدة (أن كل قرض جر نفعا فهو ربا) إلا أنه يمكن التحول بدل القروض إلى البيع المؤجل، فبدل أن يستقرض نقودا ورقية إلى سنة يشتريها بما يشاء من العرض أو النقد. ولو بجنسه كما لو اشترى ألف دينار أردني إلى سنة بألف ومائتي دينار أردني.

والحل الثاني:

أن يبقى حكم ربويتها لما فيها من معنى الثمنية الذي به تشبه الذهب والفضة، ولكن لتصحيح علة القياس ينبغي أن يعدَّل نقص القوة الشرائية في المعاملات المؤجلة منها، بإضافة نسبة مئوية إلى الثمن الذي تأخر دفعه، أو إلى القرض، ليستكمل البائع، أو المقرض، أو المودع في المعاملات المصرفية، مقابل ما نقص من حقه.

وهذه النسبة تحدد بمعرفة أهل الاختصاص، وهي التي تسمى (نسبة التضخم) ويمكن أن تتولى الحكومات تحديدها، ويلتزم أصحاب الديون بالحساب على أساس ذلك التحديد.

أما الحل الأول فهو مقتضى ما ذهب إليه جمهور علماء المسلمين في الفلوس كما تقدم، والورق النقدي أقرب حكما إلى الفلوس منه إلى الذهب، بجامع أن كلا من الورق والفلوس قيمته اصطلاحية وليست ذاتية، وأن كلا منهما عرضة لتغير القيمة ونقصها،أو للكساد النهائي في حال إلغاء بعض الحكومات له.

ص: 1276

وقد تقدم بيان ذلك. وهذا الحل يقضى على جميع الإشكالات القائمة، ولا حرج فيه شرعا إذ قد تبين فساد العلة في قياس الورق على الذهب.

وأما الحل الثاني فهو أقرب إلى قبول الناس، وخاصة أنهم درجوا على اعتبار النقود الورقية أموالا ربوية، فإذا أقر مؤتمركم هذا الحل فإنه يجعل من السائغ للمقرضين والمتعاملين ببيوع النسيئة ونحوها من الدفوع المؤجلة أن يحصلوا على فروق تمثل نقص قيمة أموالهم.

هذا وإن الاقتصاديين الرأسماليين ينظرون إلى الفوائد على الديون المتأخر سدادها أنها تنحل إلى أربعة أجزاء:

الجزء الأول: تغطية نقص قيمة العملة.

والجزء الثاني: مصاريف تسجيل الدين ومتابعته.

والجزء الثالث: ربح على المال يمثل الربح الحقيقي للمقرض.

والجزء الرابع: مخاطر عدم السداد في بعض العمليات.

فأما الجزء الأول فهو الذي نقترح أن يصدر هذا المؤتمر قرارا بمشروعيته عملا بالعدل، ورفعا للظلم، وتصحيحا للأوضاع، ومحافظة على قيمة الأموال الإسلامية في حال المبادلات المؤجلة.

وأما الجزء الثاني فهو عدل أيضًا لأنه لتغطية تكلفة فعلية.

وأما الجزء الثالث والرابع فيبقيان على حكم الربا (على هذا الحل الثاني) .

ص: 1277

هذا الحل الثاني ليس جديدا:

قد تعرض فقهاؤنا لتغير قيمة العملة من خلال تغير قيمة الفلوس في أحوال الدفوع المؤجلة وكان اختلافهم فيها على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

منع صور من المداينة بها، ومن جملة ذلك أن المالكية منعوا المضاربة بالعروض قالوا ومنها الفلوس. قال الدسوقي: لأنها مظنة الكساد (1) وكذلك الشافعية على القول المقدم عندهم منعوا القراض (المضاربة) على الفلوس، قالوا لأنها عروض (2) . .

وعند الحنابلة (لا تصح الشركة ولا المضاربة إلا بالذهب أو الفضة المضروبين، فلا تصح بالفلوس ولو نافقة، قالوا: لأن الفلوس كالعروض بل هي عروض)(3) . .

القول الثاني:

جواز فسخ عقد البيع أو عقد القرض بتغير قيمة الفلوس، وهذا مذهب أبي حنيفة كما يأتي في القول الثالث، لأنها نقود اصطلاحية، ونقص قيمتها قبل القبض تعيَّب للثمن يقتضي جواز الفسخ.

(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/517، 519، ولكن قال الدسوقي في: 3/519، (إن انفرد التعامل بالفلوس جاز اتفاقا القرض بها)، وقال الزرقاني: 6/215، (لا يجوز القراض بها ولعله ما لم تنفرد بالتعامل) .

(2)

المحلى على شرح المنهاج: 3/52

(3)

شرح منتهى الإرادات: 2/322

ص: 1278

القول الثالث:

أن آخذ الفلوس قرضا، أو المشتري بها، إذا تغيرت قيمتها أو كسدت قبل قبضها، يرد قيمتها يوم القبض بالذهب أو الفضة. فلو أخذ المقترض عشرة آلاف فلس، ثم أراد ردها، ينظر قيمتها بالذهب عند قبضها، فإن كانت تساوى عشرين دينارا ذهبيا يوم قبض القرض، فإنه يرد عشرين دينارا ذهبيا، وإن كانت العشرون دينارا تساوى15 ألف فلس يوم السداد جاز أن يرد 15 ألف فلس عند من لا يقول بأن الفلوس ربوية.

وهذا قول عند الشافعية (1) . . وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وعليه الفتوى عند الحنفية على ما ذكره ابن عابدين في حاشيته (2) . . وألف ابن عابدين في هذا أيضًا رسالة سماها (تنبيه الرقود على مسائل النقود) نقل فيها أقوال الحنفية من الكتب المعتمدة عندهم وأثبت فيها أن هذا هو الراجح عندهم المفتى به رفقا بالناس (3) . ومن جملة كلامه في ذلك، قال ما نصه:

(في جواهر الفتاوى قال الزاهدي: باع شيئا بنقد معلوم ثم كسد النقد في يد المشترى: يجب رده عليه، ثم يجب رد المبيع إن كان قائما، فإن كان خرج من ملكه أو استهلك يرد القيمة. ولو كان مكان البيع إجارة فإنه تبطل الإجارة ويجب على المستأجر أجر المثل. هذا كله قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يجب عليه قيمة النقد الذي وقع عليه العقد من النقد الآخر يوم التعامل. وقال محمد: يجب آخر ما انقطع من أيدي الناس. قال القاضي: الفتوى في المهر والقرض على قول أبي يوسف. وفيما سوى ذلك على قول أبي حنيفة)(4) .

(1) المحلى على المنهاج، وحاشية القليوبي: 2/259

(2)

حاشية ابن عابدين: 4/24

(3)

رسالة تنبيه الرقود، ضمن مجموع رسائل ابن عابدين ص 56

(4)

رسالة تنبيه الرقود، ضمن مجموع رسائل ابن عابدين ص 56.

ص: 1279

وقال ابن عابدين: (نقلا عن الغزي: في المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض رخصت قال أبو يوسف: قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء: ليس له غيرها. ثم رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع، ويوم وقع القبض. قال ابن عابدين: قوله (يوم البيع) ، أي في صورة البيع، وقوله (يوم القبض)، أي في صورة القرض. قال: وفي البزازية معزيا إلى المنتقى: غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام أبي حنيفة، وأبى يوسف أولا: ليس عليه غيرها، وقال أبو يوسف ثانيا: عليه قيمتها من الدراهم (أي الفضة) يوم البيع ويوم القبض. وعليه الفتوى. وهكذا في الذخيرة والخلاصة بالعزو إلى المنتقى وقد نقله شيخنا في البحر وأقره. فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من (الكتب) المعتبرات فيجب أن يعول عليه إفتاءً وقضاءً لأن المفتي والقاضي عليهما الميل إلى الراجح) (1) . .

ثم قال ابن عابدين نقلا عن الغزي: وقد تتبعت كثيرا من المعتبرات من كتب مشايخنا المعتمدة فلم أر من جعل الفتوى على قول أبي حنيفة، بل قالوا: به كان يفتى القاضي الإمام. وأما قول القاضي أبي يوسف فقد جعلوا عليه الفتوى في كثير من المعتبرات فليكن المعول عليه. اهـ. كلام الغزي وابن عابدين (2) .

(1) تنبيه الرقود: ص 58

(2)

تنبيه الرقود: ص 59

ص: 1280

والخلاف المذكور عندهم جار أيضًا في الدراهم التي يغلب عليها الغش.

وهذا بخلاف الدراهم الفضية الخالصة، أو التي فيها غش مغلوب، فقال ابن عابدين:(فينبغي أنه لا خلاف في أنه لا يبطل البيع بكسادها ويجب على المشترى مثلها في الكساد والانقطاع والرخص والغلاء، لأنها ثمن خلقة. فترك المعاملة بها لا يبطل ثمنيتها،ولا يبطل تقومها)(1) .

ومثله في أحد قولي الحنابلة كما في نص الفروع 4/203 (إن رخصت الفلوس فللمقرض القيمة، كاختلاف المكان) وفي نظم المفردات أن ابن تيمية يرى أنه في حال رخص الفلوس فإن المقترض يرد القيمة. قال ومثله الديون، كالصداق وعوض الخلع وعوض الإعتاق والغصب والصلح عن القصاص. ونص النظم:

قال وجا في الدين نص مطلق

حرره الأثرم إذ يحقق

قال شارح المفردات: يعنى قال ابن تيمية إن الأصحاب ذكروا النص عن أحمد في القرض. قال وكذلك المنصوص عن أحمد في جميع الديون، قال الأثرم (سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل له على رجل دراهم مكسرة أو فلوس، قال: يكون له عليه بقيمتها من الذهب)(2) . .

ونقل صاحب الإنصاف (5/128) ما نقله صاحب المفردات ثم لم يعترض عليها. فالقول الثالث المفتى به عند الحنفية والذي روى عن أحمد وأفتى به ابن تيمية هو ما قلناه من تعويض المقرضين والبائعين بالأجل، أو من تأخر استردادهم لحقوقهم المقدرة بالنقود الورقية عن محله.

القول الرابع:

أن المقرض أو المشتري لا يدفع إلا المثل عددا إن رخصت الفلوس أو غلت وكذا لو كسدت. وهو قول المالكية (3) . .

(1) حاشية ابن عابدين 4/24

(2)

المنح الشافيات بشرح المفردات: ص 390

(3)

الدسوقي: 3/45، 46

ص: 1281

الفصل الثاني

الزكاة في النقود الورقية

على القول بأن النقود الورقية ديون على الحكومات المصدرة لها واضح أن حكمها حكم الدين. والراجح في الدين أن فيه الزكاة، والزكاة على الدائن، أي مالك الورقة النقدية.

أما إن قلنا بأنها عروض، فمن المعلوم أن العروض لا زكاة فيها إلا إن كانت للتجارة، لما ورد في السنة من قول جابر ((أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع)) .

وقد اختلف الفقهاء في الفلوس:

فمذهب الحنفية أن الفلوس إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة ففيها الزكاة. كذا في الشرنبلالية (ابن عابدين 2/32) . وفي الفتاوى الهندية: الفلوس إن كانت للتجارة وبلغت مائتين (أي بلغت قيمتها مائتي درهم) ففيها الزكاة. وفي الهندية أيضًا: ولو اشترى فلوسا للنفقة فلا زكاة فيها.

أما من عدا الحنفية فقد قال المالكية: كما في الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل (1/455)(أنه لا زكاة في الفلوس النحاس) قال (وهو المذهب) وفي الدسوقي (1/499) يكون فيها الزكاة إن كانت للتجارة ومثله في البناني على الزرقاني (2/140) وفي الدسوقي (1/455) أنها إن كانت للتجارة ثم أقامت عند مالكها سنين ثم باعها بذهب أو فضة فليس فيها إلا زكاة سنة واحدة، كسائر عروض التجارة المحتكرة عند مالك.

ومذهب الشافعية كذلك أن الفلوس لا زكاة في قيمتها لكن تزكي إن كانت للتجارة (1) .

(1) إمتاع الأحداق والنفوس

ص: 1282

ومذهب الحنابلة كذلك. ففي شرح المنتهي (1/401)(الفلوس ولو رائجة عروض) والعروض تجب الزكاة في قيمتها إذا بلغت نصابا إذا ملكت بنية التجارة مع الاستصحاب إلى تمام الحول. أما لو ملكها لا بنية التجارة ثم نواها لها فلا تصير لها.

ـ وفي كشاف القناع ما نصه: (الفلوس كعروض التجارة فيها زكاة القيمة كباقي العروض. ولا يجزئ إخراج زكاتها منها. قال المجد: وإن كانت الفلوس للنفقة فلا زكاة فيها كعروض القنية)(1) . .

فالأكثر عند جمهور الفقهاء أن الفلوس لا زكاة فيها لعينها وهو مذهب من عدا الحنفية، لكن إن اشتراها ناويا أنها للتجارة (أي للتقليب بالبيع والشراء بغرض الربح كما يفعل الصيرفي) ففيها الزكاة بالشروط التي بينت في باب زكاة عروض التجارة، من أنها لا بد أن تكون اشتريت بتلك النية، وحال عليها الحول دون أن يغير من نيته في بقائها للتجارة. بخلاف ما لو اشترى الفلوس للقنية أو النفقة.

فالمتبادر أنه يلزم من اعتبار النقود الورقية عروضا كالفلوس أنه لا زكاة فيها عند الأكثريين إلا إن كانت للتجارة كالأوراق التي يتجر بها الصيرفي، فأما إن كانت للاقتناء، أو كانت مدخرة للصرف منها وقت الحاجة كما يفعل أغلب الناس فلا زكاة فيها.

(1) كشاف القناع. الرياض، مكتبة النصر: 2/235، ومثله في مطالب أولى النهى: 2/89

ص: 1283

ونحن نميل إلى الأخذ بمذهب الحنفية في إخراج زكاة الفلوس إن كانت أثمانا رائجة فنرى وجوب إخراج الزكاة من الأوراق النقدية على الرغم من القول بأنها ليست ربوية، وأنها ما دامت أثمانا رائجة ففيها الزكاة، فإن النقود الورقية أصبحت هي مخزن القيم في العصر الحاضر وعامة الناس يستعملونها كذلك فهي رءوس أموالهم وغالبها.

وأيضًا فإن الله تعالى يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: الآية 103] .

ويقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [سورة المعارج: الآية (24،25) ] .

وفي السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((أخبرهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) فتؤخذ الزكاة منها وإن لم تكن ربوية. ولا تلازم بين كونها غير ربوية وبين عدم أخذ الزكاة منها، فهي ـ كالإبل مثلا ـ ليست ربوية ومع هذا يؤخذ منها الزكاة. والله أعلم.

تنبيه:

الآراء التي تذكر في هذا البحث هي للطرح على مؤتمر المجمع للمناقشة والنظر. وليست للإفتاء بموجبها ولا للعمل بذلك ما لم يقرها المجمع.

الدكتور محمد سليمان الأشقر

ص: 1284