المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

‌تنظيم النسل وتحديده

إعداد

الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

القاضي بمحكمة التمييز بالمنطقة الغربية

المملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد: فهذه خلاصة ونبذة في حكم الشريعة الإسلامية الغراء عن موضوع (تنظيم النسل وتحديده) .

نستمد العون من الله تعالى في تحريرها وتطبيقها وفق الشريعة الإسلامية ثم نستمد ذلك من النصوص الكريمة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكلام علماء المسلمين رحمهم الله تعالى.

فقد عودتنا هذه الشريعة الكريمة المعطاءة من الحلول الكافية لجميع مشاكل الحياة وأمورها مما يستجد فيها من وقائع وقضايا، فإنها الشريعة الكفيلة بتقديم كل ما يحل المشكلة المعترضة أو الواقعة الجديدة بكل ما يكفل نجاح المهمة.

ذلك أنها شريعة الله الخالدة التي جعلت لصلاح البشرية عبر قرونها الطويلة وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وهذه الشريعة لا بد أن يكون فيها عوامل البقاء والدوام ومقومات الشمول والعموم لتصمد في عطائها الحلول الكافية للإنسانية في كل زمان ومكان.

وبهذا فإننا على ثقة تامة – بحول الله تعالى وعونه- من أننا سنقدم في هذه القضية وغيرها ما يكفل الصالح العام ويضمن سلامة العاقبة، لتطمئن بها النفوس وترضى بها القلوب وترتاح إليها العقول.

تحديد النسل لغة:

الحد هو طرف الشيء ومنتهى غايته.

النسل لغة: الولد والذرية يقال: تناسل القوم إذا كثر نسلهم.

تعريفه اصطلاحا:

هو وضع حد ينتهي إليه نسل الأولاد بتقدير من الأبوين أو من الدولة لغاية مرادة بوسائل يظن أنها تمنع الحمل.

تاريخه:

أقدم ما حفظه التاريخ لمنع الحمل لغرض الحد من النسل هو ما وجد في الآثار الفرعونية، فقد كشف تنقيب الآثار عن وجود كتابات تدل على هذه المحاولة ترجع إلى ما قبل عشرين قرنا قبل ميلاد المسيح عليه السلام، مما يدل على قدم هذه الأفكار.

ص: 140

الأمم التي عرفت بهذا:

تقدم أن هذه موجود عند قدماء المصريين منذ عهد الأسر الفرعونية.

وقد ذكر علماء الاجتماع أن هذه الظاهرة معروفة لدى الإغريق واليونان والصينيين.

وهي كذلك موجودة عند العرب في جاهليتهم بوسائل، منها قتل الأولاد التي نهى عنها القرآن الكريم بقوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (1) وبصورة وأد البنات كما قال تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (2) وقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (3) .

وجاء بصورة العزل وذلك بأن ينزع الرجل حينما يحس بقرب نزول شهوته.

وطرق محاولة تحديد النسل بمنع الحمل تختلف باختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة والثقافة.

أما تحديد النسل الذي وضحت لنا معالمه ومقاصده وأهدافه وعلمت دوافعه وعمل به كمبدأ اقتصادي وتنظيمي، فإن أول من علمنا به هو العالم الإنجليزي – مالتس روبرت – المولود- 1776- والمتوفي – 1834م. فقد قالت (الموسوعة العربية الميسرة) :

مالتس: اقتصادي إنجليزي اشتهر بنظريته في نمو السكان وتناقصهم وبين كيف يميلون إلى الزيادة بنسبة تجاوز كثيرا نسبة الزيادة في المواد الغذائية، وأن التوازن بين السكان والمواد الغذائية يتحقق بالكوارث كالحروب والمجاعات ولا يمكن الخلاص من هذه النتيجة إلا بالامتناع الاختياري عن الزواج أو تأخير ميعاده وتحديد النسل. اهـ.

وقد ضمن نظريته كتابه (بحث في مبادئ السكان) . وكان له أثر عميق في المعاصرين واللاحقين من رجال الاقتصاد والاجتماع والسياسة. اهـ.

وتلاه في نظريته كل من العالم الفرنسي – فرانسيس بلاس- والطبيب الأمريكي الشهير- تشارلس تون – ثم انتشرت في هذه السنين القريبة حينما وفرت الدول بالسكان العاطلين وحينما ناب الحديد والمعدات الثقيلة بالأعمال الشاقة عن الأيدي العاملة وضاق مجال العمل، وكثرت البطالة فصارت هذه الظاهرة الاجتماعية حجة لأصحاب هذا المبدأ السلبي ممن لا يواجهون مشاكل الحياة إلا بالتواري والانطواء.

(1) الإسراء: [31]

(2)

التكوير: [8، 9]

(3)

النحل: [58، 59]

ص: 141

طرق تحديد النسل:

إن هناك حضارات كانت على ضفاف النيل، وهناك الإغريق وقدماء اليونان من تلك الأمم التي لم يصل إلينا من حضارتهم وأساليب عيشهم وأحوالهم الاجتماعية إلا النزر اليسير الذي لا يعطي حكما يقينيا على طرقهم في ذلك، فمع عظمة ما خلد من آثارهم التي توحي بوجود علم واسع وحضارة عريقة، فإن معرفة تلك الطرق لا تعنينا في بحثنا هذا وإنما تعني رجال الآثار وعلماء التاريخ.

أما وجوده عند الأمة البدائية وهي العرب في جاهليتها فهو العزل حال الجماع، وذلك بإخراج العضو التناسلي ليريق ماءه خارج الفرج.

فهذا الذي قال بعض الصحابة عنه: كنا نعزل والقرآن ينزل.

وللعرب طرق في تقليل النسل وذلك بقتل الأولاد عامة من ذكر وأنثى كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (1) وكذلك يئدون البنات، والوأد هو دفنها حية حتى تموت، ولذا قال تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (2) وقال تعالى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (3)

فكان الوأد عند بعض القبائل العربية وليس عند جميعهم، بل بلغت الرأفة والرحمة ببعضهم أنه كان يفتديها ويشتريها من أهلها فيربيها أحسن تربية، كما قال الفرزدق التميمي يفخر بقومه:

ومنا الذي أحيا الوئيدة غالب

وعمرو ومنا حاجب والأقارع

ولقساتهم في الوأد طريقان:

قال في – بلوغ الأرب- للشيخ محمود شكري الألوسي: كيفية الوأد أن الرجل من العرب كان إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية.

وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها: انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر مع الأرض.

الطريق الثاني: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كانت الحامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فمخضت على رأس تلك الحفرة إذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة وإذا ولدت ولدا حبسته.

(1) الإسراء: [31]

(2)

التكوير: [8، 9]

(3)

النحل: [58، 59]

ص: 142

طرقه الحديثة:

بعد أن تقدم الطب وتقدمت وسائله وأجهزته صار لمنع الحمل عدة طرق:

قال الدكتور الطيب الفاضل محمد بن علي البار في كتابه (خلق الإنسان بين الطب والقرآن) : وطرق منع الحمل كثيرة جدا نوجزها فيما يلي:

1 – استعمال الرفال (جلد يغطي الإحليل) .

2 – استعمال الحواجز والقلنسوة لتغطية عنق الرحم.

3 – استعمال المراهم واللبوس (التحاميل) القاتلة للحيوانات المنوية.

4 – تنظيم الجماع بحيث يقع في أول الدورة الشهرية وآخرها. ويجتنب وسطها الذي تخرج فيه البييضة من المبيض.

5 – استعمال حبوب منع الحمل وهي أنواع كثيرة.

6 – استعمال أداة داخل الرحم (اللولب) وهو أنواع كثيرة تزيد على المائة.

7 – تعقيم الرجل أو المرأة فتعقيم الرجل – الآن – بربط الحبل المنوي وقطعه، وأما تعقيم المرأة فبإزالة المبيض والرحم أو إزالة الرحم وهذا في حالة مرض الرحم. وأما الطريقة الشائعة فتكون بقطع قناتي الرحم وربطهما وتسمى – ربط الأنابيب.

أغراض تحديد النسل:

مادمنا عرفنا أن هذه (العادة) أو هذا (التنظيم) معروف لدى الأمم الماضية والباقية فإن المقاصد منه والهدف من ممارسته تختلف اختلافا كبيرا متباينا لا يمكن حصره في غرض واحد من الأغراض ولكن سنحاول أن نذكر ما وصل إليه علمنا من هذه الأهداف.

أولا: علمنا أنه موجود عند قدماء المصريين واليونان وعند الإغريق والصينيين ولكننا نجهل – الآن – الدوافع التي تدعو إليه، ولعلها ترجع إلى قضايا اقتصادية أو اعتقادات دينية، فهذان الأمران هما موضع الاهتمام عند عموم البشرية ولم تقم الحروب وتشعل الفتن إلا لأجل هذين الأمرين.

ص: 143

ثانيًا: الذين وصلت إلينا أخبارهم هم العرب قبل الإسلام فكان قتل الأولاد عامة شائعا عند كثير من قبائل العرب، وكذلك وأد البنات كان موجودا عند بعض القبائل العربية. فكانوا يقتلون أولادهم من وجود الفقر كما قال تعالى في سورة الأنعام:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (1) بل يبلغ بهم الأمر إلى قتلهم خشية الفقر كما قال تعالى في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (2) .

وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك".

ومن أغراضه عند بعض العرب أنهم يئدون بناتهم خشية العار فكانت الحروب تقع بينهم، وكانت القبيلة المنتصرة تستولي – فيما تستولي عليه – على نساء القبيلة المغلوبة المقهورة وهذا من أشق الأمور عليهم أن تكون نساؤهم تحت أعدائهم فكانوا لا يستحيون منهن إلا ما دعت إليه ضرورتهم.

وتعظم الغيرة عليهن ويزيد الحقد عليهن حينما يخيرن بعد السبي فيخترن من سباهن على أهلن فكره ذلك عند ولادة البنت لتخلصوا منها بأبشع صورة.

وروي أن أول قبيلة وأدت من العرب ربيعة، وذلك أنهم أغير عليهم فنهبت بنت أمير لهم فاستردها بعد الصلح، فخيرت بين أبيها وبين من هي عنده فاختارت من هي عنده وآثرته على أبيها، فغضب وسن لقومه الوأد ففعلوه غيرة منهم ومخافة أن يقع لهم مثل ما وقع، وشاع ذلك في العرب وغيرهم والله أعلم.

وما زالت هذه العادة في العرب حتى جاء الإسلام فهذبهم وعلمهم وزكاهم بمثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (3) وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (4) .

(1) الانعام [151]

(2)

الإسراء [31]

(3)

الإسراء [31]

(4)

النساء [29]

ص: 144

ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ". حبب إليهم الأبناء بقوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (1) كما وعدهم الخير بتربية البنات والإحسان إليهن فقال صلى الله عليه وسلم: " من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار ". متفق عليه.

ورفع من قدر الزوجة فقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء خيرا".

وجاء في خطبته العظيمة يوم عرفة أنه قال صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، إلا أن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا".

وقال صلى الله عليه وسلم: " خياركم خياركم لنسائهم " رواه الترمذي بإسناد الصحيح.

فبهذه النصوص الكريمة وأمثالها هذب الإسلام طبائع العرب وأزال منها الوحشية والهمجية، حتى صار للنساء شأن كبير ومكان شريف في المجتمع الإسلامي، وأصبحن شقائق الرجال فيما لهن من الحقوق وما عليهن من الواجبات، وأصبحت المرأة إنسانا كامل الحرية مطلق التصرف، وهذا كله بفضل هذه الشريعة الكاملة العادلة التي أعطت كل ذي حق حقه.

المنادون به:

لم يصل إلينا علم عن القرون الماضية: هل نادت به واتخذته لها عقيدة دينية أو نظاما وضعيا أو مبدأ اقتصاديا أو غير ذلك من مقاصدها في رعاياها؟ وإنما الذي وصل إليه علمنا أنه كان موجودا لديها.

أما العرب قبل الإسلام فإنه كان موجودا لديهم ولكنه على مستوى الأفراد وليس نظاما قبليا تسير عليه القبيلة في ذريتها.

ولما جاء الإسلام قضى عليه في جملة ما قضى عليه من أعمالها الجاهلية المستنكرة وعاداتها القبيحة الممقوتة، ولذا فإنه لم يعرف كنظام تسير عليه الدولة إلا حينما نادى به أحد علماء الاقتصاد في بريطانيا وهو العالم – مالتس – وذلك في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

ثم تلاه على هذا المبدأ الاقتصادي العالم الفرنسي – بلاس- والطبيب الأمريكي- تشارلس – ثم شاع وانتشر كتنظيم سكاني ومبدأ اقتصادي، وقد تبنت هذه النظرية ودعمتها وعززتها منظمة – اليونسكو – التي تعمل لصالح أعداء الإسلام ممن تحركهم الصهيونية العالمية وقد قبل هذه الفكرة بعض المسلمين، إما لسوء نية أو حسن نية.

(1) الكهف [46]

(2)

النساء [19]

ص: 145

أهداف القائلين به:

أما أهداف القرون الأولى فهي مجهولة لدينا كجهلنا بكثير من أحوالهم ولكن بصفتها أمما ذات حضارة عريقة فلا بد أن لها في سياستها مبادئ خاصة ولها نظامها الاجتماعي وسياستها الخاصة التي ترى أنها تلائم أحوالها ووضعها.

وعليه فإننا نرجح أنها أخذت بمبدأ تحديد السكان إما لمبدأ سياسي أو حصانة أمنية أو مبدأ اقتصادي لدى مفكريها.

أما الذي وصلت إلينا أخبار أهدافهم ومقاصدهم فهم عرب الجزيرة العربية إبان الجاهلية فيهم والهمجية والوحشية المتفشية فيهم، والفقر المدقع الذي يرزحون تحت وطأته مع ما هم عليه من الغيرة الشديدة على محارمهم ونسائهم اللاتي لا يهون عليهم أن يَكُنَّ عند أعدائهم.

وهذه الأهداف في العرب قبل الإسلام سجلها القرآن الكريم عليهم فذكر أن بعض العرب يقتلون أولادهم من البنين والبنات إما لوقوع الفقر فيهم كما قال تعالى " {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (1) أو يقتلونهم خشية الفقر أن يحل بهم كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (2) .

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب قتل الولد خشية أن يطعم مع أبيه.

وأما قتل البنات وهو ما يسمى بالوأد وذلك بأن يدفنها وهي حية حتى تموت فهذا من أجل العار كما تقدم. فكانوا يستقلون من النساء ويتخففون منهن بقدر استطاعتهم فلا يستحيون منهن إلا ما تدعو إليه ضرورتهم.

على أن وأد البنات ليس عاما في قبائل العرب، وإنما هو موجود في بعض القبائل العربية، ومن القبائل التي لم تمارس الوأد قبيلة قريش، تلك القبيلة التي شرفها الله تعالى بمجاورة البيت الحرام كما شرفها ببعثه محمدا فيهم، فهذه القبيلة لها من الحصانة والأمان ما يستوجبا الإعظام في نفوس العرب والاحترام الاجتماعي في الجزيرة العربية، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (3)

ولذا غلط بعض المؤرخين الذين نسبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه واد إحدى بناته في الجاهلية، فهو خطأ واضح وغلط فادح فلم تكن هذه العادة في قريش أبدا.

(1) الأنعام [151]

(2)

الإسراء [31]

(3)

العنكبوت [67]

ص: 146

أما اتخاذ – تحديد النسل – مبدأ اقتصاديا تسير عليه الدولة كمحاولة لتحديد السكان بقدر ما يتوقع من وجود المواد الغذائية، فهذا لم يعرف إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، حينما ألف العالم الاقتصادي – مالتس- كتابه عام (1798م) في مشكلة السكان والذي جاء فيه العبارة التالية:

" إن العالم مقدم على تزايد هندسي في عدد السكان كل (25سنة) بينما تزايد المواد الغذائية يسير بنسبة حسابية متوالية".

ومعنى هذه النظرية: أن التزايد الهندسي يكون بالضعف دائما أبدا فإذا كان عدد السكان مثلا مليونا فإنه بعد (25سنة) يكون مليونين وبعد (25سنة) أخرى يكون أربعة ملايين وبعد (25سنة) أخرى يكون ثمانية ملايين وبعد (25سنة) رابعة يكون (ستة عشر مليونا) .

بينما لو كان الموجود من المواد الغذائية اليوم – طنا – وزاد في (25سنة) ثالثة يزيد طنا واحدا وفي (25سنة) رابعة يزيد طنا واحدا. ففي مائة سنة تكون نسبة زيادة السكان إلى زيادة المواد الغذائية بمعدل – أربعة أمثال – فنادى – مالتس – آنذاك بتحديد النسل تفاديا – في نظره – لهذا الخطر المتوقع.

ص: 147

موقف الإسلام من تحديد النسل:

نستعرض لهذا الموقف بفقرات نبين فيها موقف الإسلام من هذه النظرية التي شغلت أذهان كثير من الناس، وتناولتها بعض الأقلام ما بين رافضة لها ومؤيدة.

أولا: الزواج: هو الطريق الطبيعي والشرعي لحصول الأولاد وتكثير النسل وبقاء النوع البشري، حث عليه الإسلام ورغب فيه حتى في حالة الفقر فقال تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1)

وأباح تعدد الزوجات بشرط العدل بينهن فقال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (2) وذلك لفوائد النكاح العديدة التي منها مراعاة تكثير النسل ووفرة الذرية.

وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج " والنصوص في هذا كثيرة.

ثانيا: الزواج وطلب الأولاد وهو مسلك أفضل خلق الله من النبيين والمرسلين وعباد الله الصالحين، فقد قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (3) وقال تعالى عن زكريا عليه السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (4)

وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله".

فهذا دأب الصالحين المصلحين من عباد الله يستكثرون من الأولاد لما يرون في ذلك من المصالح الكبيرة والفوائد العظيمة والقدوة الحسنة في عبادته وطاعته وعمارته أرضه، فهؤلاء هم الذين جعلهم لنا قدوة وأسوة فقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (5) وليس القدوة هم دعاة الضلال وملاحدة الإفرنج.

(1) النور [32]

(2)

النساء [3]

(3)

الرعد [38]

(4)

آل عمران [38]

(5)

الأنعام [90]

ص: 148

ثالثا: نهى الإسلام عن التبتل والانقطاع عن النساء والذرية؛ لأنه طريق عقيم ومسلك وخيم لا يقبله إلا قليلو الإدراك وسطحيو النظر ممن يرون الدين رهبنة وطقوسا جوفاء ويظنون العبادة هي التقشف والبعد عن ملاذ الحياة الطيبة ونعيمها المباح، قال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1)

وجاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، من رغب عن سنتي فليس مني ".

فالحياة الزوجية وطلب الأولاد مما حبب إليه الإسلام وحث عليه قال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} (2) فالحرث من زرع الذرية وحصول الأولاد الذي هو أهم مطالب النكاح.

رابعا: جعل الله تعالى حصول الذرية منة منه على خلقه ونعمة أنعم بها عليهم فقد قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (3) وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} (4) وقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (5)

وقد جعل الله تعالى حصول الولد بشارة كبيرة ونعمة عظيمة فقال تعالى على لسان خليله إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (6) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (7) وذكر شعيب قومه بنعمة الله عليهم فقال الله عنه: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} (8) .

والنصوص التي جعلت من التناسل والتكاثر نعمة أنعم بها الله على خلقه كثيرة جدا، فحصول الولد نعمة من الله على الإنسان حتى بعد موته؛ ولذا جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. . . " من الثلاث " ولد صالح يدعو له".

(1) الأعراف [32]

(2)

البقرة [223]

(3)

النحل [72]

(4)

آل عمران [14]

(5)

الكهف [46]

(6)

الصافات [100، 101]

(7)

النساء [1]

(8)

الأعراف [86]

ص: 149

خامسًا: رغبت الشريعة الإسلامية في كثرة الولد وحثت عليه بعدة نصوص كريمة فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة".

ومنها ما رواه الإمام أحمد عن حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " انكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة".

فتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته لا يأتي إلا من كثرة نسلها مع اتباع هذا النسل سنته وتحققه بمتابعته، فتكثير سواد المسلمين وتعظيم شأنهم أمر كبير وهو مطلب من مطالب الشريعة ورغبة أكيدة من صاحب الرسالة المحمدية صلى الله عليه وسلم وإقلاله وتخفيفه مخالفة كبيرة لهذا الأمر العظيم.

سادسا: إن لبنات المجتمع لا تكون إلا من أفراده ففرده هو الذي يقوم عليه بناء المجتمع، فإذا قلت الولادة صار البناء صغيرا قليلًا لا يفي بمقصده ولا يحصل به المراد.

فتحديد النسل هو تنقيص لهذا المجتمع الإسلامي من أطرافه، وتخون له من جوانبه حتى ينتهي بالقضاء عليه، أما كثرة الولادة فهي لَبِنَات متعددات لقيام مجتمع إسلامي كبير وتكثير لسواد أمة إسلامية تبقى كثيرة العدد مرهوبة الجانب منيعة الذراء قوية البناء.

سابعا: إن الله تبارك لم يخلق هذه الخلق إلا لعبادته فقد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) فتكثير سواد المسلمين هو تكثير لعبادة الله تعالى التي خلق الخلق لأجلها، وتحديد النسل وتقليل المسلمين هو إبطال لهذه الإرادة الشرعية من الله تعالى، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه الإبقاء على المشركين المعاندين له رجاء أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله.

ثامنا: إن بث هذه الدعاية ونشرها بين المسلمين ما هو إلا مكيدة مدبرة ودسيسة مرتبة من أعداء الإسلام الذين يتمثلون في المستعمرين والشيوعيين والصهيونيين والمنصرين، هذه الجهات الأربع التي بذرت في بلاد الإسلام كل شر وزرعت فيه كل قبيح ووجدت من ضعاف النفوس وقليلي الإيمان ممن يدعون الإسلام أكبر عون لها على تنفيذ مخططاتها الماكرة ضد الإسلام والمسلمين بما تبثه من أفكار باطلة ومذاهب خبيثة ومبادئ هدامة تريد بذلك القضاء على الإسلام وإضعاف كيان المسلمين. ونحن – المسلمين – بين رجلين إلى ما شاء الله رجل قبل هذه الأشياء المروجة المغلفة عن حسن نية وسلامة صدر وطيب قلب. وإما آخر خان دينه وأمانته وأمته وبلاده فباع هذا كله بعرض من أعراض هذه الحياة الزائلة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

(1) الذاريات [56]

ص: 150

شُبَهٌ وأجوبتها:

الأولى: قال المنادون بتحديد النسل: إن الإسلام أباح العزل فقد صحت الأحاديث بجوازه وفعله من بعض الصحابه، وما المراد بالعزل إلا منع الحمل والولد؟ الجواب على هذا من وجهين:

الأول: إن الأحاديث الواردة في هذا الباب قد اختلفت فبعضها أباح العزل وبعضها منعه، فمن الأحاديث المبيحة ما في الصحيحين عن جابر قال:" كنا نعزل والقرآن ينزل "، ومنها ما جاء في صحيح مسلم عنه قال:" كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا " وغير ذلك من الأحاديث المفيدة بجواز العزل.

أما الأحاديث الناهية عن العزل فمنها ما رواه مسلم من حديث عائشة عن جذامة بنت وهب قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه عن العزل، فقال صلى الله عليه وسلم:" ذلك الوأد الخفي " وهو قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (1)

وبناء على تعارض الأحاديث فيه فقد اختلف العلماء في حكمه فذهب الأئمة الثلاثة إلى جوازه، وذهب الإمام أحمد إلى تحريمه إلا إذا أذنت الزوجة المشاركة للزوج في اللذة والولد، وذهب ابن حزم والظاهرية إلى تحريمه مطلقا.

وذهب إلى تحريم تحديد النسل غالب علماء عصرنا منهم مفتي الديار السعودية سابقا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومفتي الديار السعودية حاليا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وأخذ بالتحريم هيئة كبار العلماء بالمملكة ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، ولكل من هذين المجلسين الكبيرين قرارهما الآتي إن شاء الله.

أما تعارض الأحاديث في ذلك فأحسن ما يقال في ذلك إن حديث عائشة ناسخ لأخبار الإباحة، فإنه ناقل عن الأصل وأحاديث الإباحة على وفق البراءة الأصلية وأحكام الشرع ناقلة عن البراءة الأصلية. وهذه طريقة ابن حزم رحمه الله تعالى.

(1) التكوير [8، 9]

ص: 151

الوجه الثاني:

أنه على فرض بقاء أحاديث الإباحة على أصلها بدون ناسخ لها فإن هذه الأحاديث لا تدل على ما ذهب إليه هؤلاء المنادون بتحديد النسل، وإنما تدل – في نهاية أمرها- على جواز محاولة منع الحمل لعارض من العوارض وظرف خاص من الظروف في حالات فردية: إما أن تكون الموطوءة أَمَة ويكره أن يكون ولده من أَمَة، وإما أن تتوالى الولادات فيحتاج إلى تنظيم وفترة استراحة، وإما أن يكون هناك مبرر ومسوغ شرعي يجيز ذلك ويبيحه.

والشرع الحنيف لا يمنع من جواز ذلك في مثل هذه الحالات فمنع الحمل على مستوى الأفراد جائز في إحدى حالتين.

الأولى: أن يكون على الزوجة ضرر في الحمل والولادة ويخشى عليها من ذلك، فصحتها وبقاؤها مقدمان على حصول الولد بناء على القاعدة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وقاعدة:" إذا وجد مفسدتان ارتكب أخفهما ".

الثانية: إن توالى الحمل بلا فترة راحة للأم فلا بأس في تنظيم الحمل بأن يجعل بين حمل وحمل آخر فترة راحة واستجمام، فهذا جائز لأن هذا لا يعتبر تحديدا للنسل ولا منعا للحمل، وإنما يعتبر تنظيما له وترتيبا.

الشبهة الثانية:

قال دعاة تحديد النسل: إن مساحة الأرض محدودة والصالح منها للسكنى والاستثمار محدود، وإن وسائل إنتاج الأرزاق محدودة أيضا، أما تناسل الناس فهو غير محدود بل زيادته مستمرة وكلما كثر الناس تضاعفت الزيادة، فإذا استمرت الزيادة في السكان مع محدودية الأرزاق والأمكنة حصلت الضائقة والمجاعات وأصيب الناس بهبوط مستواهم الصحي والعلمي، وانتهى بهم الأمر إلى عيشة البؤس والشقاء.

والجواب عن هذا من وجهين:

الوجه الأول: إن الذي برأ النسمة وخلق الخلق وأوجد الأشياء هو الذي يقول في محكم كتابه العزيز: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (1) ويقول تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) .

(1) هود [6]

(2)

العنكبوت [60]

ص: 152

وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وعمله وشقي أو سعيد ".

والنصوص في هذا مستفيضة من الكتاب والسنة بأن الله تعالى هو المتكفل برزق خلقه وإنما عليهم الأسباب الظاهرة، وقال تعالى:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} (1) .

فيا عجبا: هل نؤمن بكلام أصحاب هذه الأفكار القاصرة والمعلومات المحدودة والأفهام المنحرفة؟ أم نؤمن بكلام خالق السماوات والأرض الذي بارك فيها وقدر فيها أقواتها وأرزاق أهلها بما بسط لهم من الأرض وأجرى من الأنهار والعيون وأخرج لهم من الثمار والغلات التي جاء تقديرها من لدن حكيم خبير؟

الوجه الثاني:

أما تزايد السكان في الأرض فليس موضع خيفة وخطر على سعادة البشرية وإنما زيادة السكان زيادة في ثروة عظيمة من زيادة العلوم النافعة والاختراع المفيد والأيدي العاملة والقيام بكل مرافق الحياة إذا نظمت هذه الطاقة البشرية ونسقت. والخالق جل وعلا لما أوجب على نفسه رزق خلقه بقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (2) أودع هذه الأرض التي يسكنها البشر كل حاجات هذه المخلوقات من عناصر الغذاء ومقومات الحياة وكنوز الأرض وجعل في هذه المخلوقات القدرة على الحصول على رزقها المودع فيها، وهذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله تعالى ورحمته في خلق الكون وأمرهم بالسعي وحثهم على كسب الرزق حيث قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (3) .

(1) فصلت [9، 10]

(2)

هود [6]

(3)

الملك [15]

ص: 153

هكذا تواجه الحياة وهكذا تستقبل الدنيا وهكذا يعد ويهيأ للأجيال القادمة من العمار والاستثمار، أما الوقوف في وجه الأجيال المقبلة ووضع السدود والمبيدات في طرق وفود السعادة وفيهم العلماء والمفكرون، وفيهم العاملون والمخترعون وفيهم قبل كل ذلك عباد الله الصالحون، فهذا ليس عملا صالحا وإنما هو سلبية وانهزامية وجبن، والمشاكل تواجه وتحل بالإيجابيات المفيدة لا بالتواري والسلبيات.

فلا تزال في الأرض قارات ومسافات شاسعة غير مسكونة، ولا تزال الأنهار العظام تصب في البحار لا تجد من يستفيد منها ويوجه مياهها الغزيرة الثمينة إلى الأرض البور لتخرج الأشجار والثمار.

ثم إن تحديد النسل مخافة الجوع والضيق إجرام كبير في جانب الله تعالى وسوء ظن بالله تعالى وبوعده الكريم وهي إعادة للجاهلية الأولى بأبشع صورة ممن قال الله عنهم {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (1) . وهو – في نفس الوقت – تدخل بين الله تعالى وبين خلقه الذي دبر معائشهم وقدر أرزاقهم وهو الرازق ذو القوة المتين.

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (2)

(1) الإسراء [31]

(2)

الحجر [20، 21] .

ص: 154

الشبهة الثالثة: قال المنادون بتحديد النسل: إن الطبيعة قضت بتحديد النسل ومنع التضخم السكاني وذلك بكتب الموت والفناء عليهم بعد الوجود، كما قدر ذلك بوجود اليأس من المرأة في آخر عمرها والعجز عن الوقاع من الرجل في آخر حياته، وكما يحصل بالعقم من بعض الأفراد رجالا ونساء.

كل هذا مراعاة للتحديد السكاني وعدم التكاثر البشري.

الجواب عن هذا من وجوه:

الأول: إن الطبيعة ليست شيئا معترفا به عند الشرعيين، وإنما المقر به والمعترف به هو الله العلي القدير المدبر المتصرف في ملكه بلا شريك ولا معين، وإنما هو المتفرد بالربوبية والخلق والرزق والإحياء والإماتة وغير ذلك من شئون ملكوته.

وطبائع الأشياء هي أسباب خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا منظمة محكمة حسب إرادته ومشيئته جل وعلا، وإذا أراد تبارك وتعالى أبطلها وأبطل مفعولها فليس في هذا الكون متصرف سواه سبحانه وتعالى.

الثاني: إن القول بأن وجود الموت والفناء والعقم والإياس من الولادة ونحو ذلك إنما جاءت لتكون حدا من تكاثر النسل ووفرة السكان هو جراءة على الله تعالى وقول في أمره وخلقه بلا علم، وإنما هي تخمينات وتخرصات تمليها الأفكار القاصرة والعقول الزائغة.

والله تعالى جعل القول عليه بلا علم مثل الإشراك به فقال تعالى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1) فالتحكم بمخلوقات الله تعالى تعالى تهجم وهو جهل معه غرور والله تعالى يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (2) ويقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (3) .

فمن أين لهؤلاء المفترين على الله الدليل على أن الله لم يوجد هذه الأسباب إلا ليحد من تضخم البشرية ويقلل من نسلها؟ .

إن طبيعة – الكائنات الحية – في الحيوان والنبات تخضع لنظام خاص بها جاء من طبيعة تركيبها وأصل عناصرها، تلك العناصر التي لها حد تنتهي إليه وليس هذا خاصا بالإنسان فلله تعالى في خلقه شئون وأحوال لا ندركها ولا نحيط بشيء منها، فالله لم يعطنا من العلم إلا قليلا ندرك به ما يسعدنا في دنيانا وأخرانا، أما الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا فهو الله تعالت قدرته.

(1) الأعراف [33]

(2)

البقرة [255]

(3)

الإسراء [85]

ص: 155

الثالث: إن الله تبارك وتعالى أودع في طبيعة الأحياء وفي غرائزهم الرغبة في التناسل وحصول الذرية، فهي جبلة وغريزة ملحة في الإنسان تدعوه إلى الرغبة في الزواج لحصول الولد تحقيقا لبقاء النوع وإرضاء لعاطفة الأبوة والأمومة، فالذي جعل هذه الغريزة وتلك الطبيعة هو الذي جعل الوفاة واليأس من الولادة والعقم عوائق عن مواصلة الولادة والتناسل.

فحكمة الله تعالى أجل وأسمى من أن ترد إرادتان متضادتان على مراد واحد ومقصد واحد.

وإذا أبحنا لأنفسنا تعليل شيء من مراد الله تعالى وتلمسنا حكمته في هذا فإننا نقول: إن فترة الإخصاب بين الرجل والمرأة كافية لحصول عدد كبير من الأولاد، وهي الفترة التي فيها- غالبا- وجود الأبوين قويين لتربية الأولاد وتعليمهم والقيام على شئونهم وما يصلحهم. أما في حالة الشيبة والكبر فهما أنفسهما في حاجة إلى الراحة، وليس لهما قدرة على الولادة والتربية والقيام بشئون الأطفال، فرحمة الله تعالى وحكمته في ضعف الأبوين ورحمته وحكمته بالأطفال المحتاجين للعناية والرعاية أن ينتهي الإخصاب والإنجاب في هذه الفترة، وفترة نشاط الأبوين في سن الشباب إلى سن الكهولة الذي هو وقت الإخصاب وزمن الغبطة بالأولاد والقوة على تربيتهم والقيام بشئونهم كأطفال محتاجين للعناية والرعاية، أما الوفاة والفناء فهذا مصير كل كائن حي حتى على الكائنات التي يعتبر وجودها وتكاثرها إثراء في المواد الغذائية ورغدا في وسائل المعيشة، أما العقم فهو من الندرة بمكان جدا.

على أن من فوائده بيان قدرة الله تعالى وكمال إرادته وشمولها كما قال الله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} (1) فهو تعالى يهب الإناث أو الذكور ويهب النوعين ويحرم من يشاء فيجعله عقيما، وكل هذه الأحوال خاضعة لمشيئة الله تعالى يقدرها ويجريها وفق علمه وحكمته.

والقصد أن المناطقة وذَوُو العقول يحيلون اجتماع الضدين قال تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (2) .

(1) الشورى [49، 50]

(2)

الأنبياء [22]

ص: 156

أقوال العلماء المحققين:

قال مفتي الديار السعودية – سابقا – الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: ما قيل في تحديد النسل فهو يناقض ويخالف ويتعارض مع مدلول الأحاديث المرغبة في التزويج بالودود الولود، مع مباهاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته الأمم يوم القيامة، أما مفتي الديار السعودية – الآن – الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فله مقالات ضافية في الرد على المنادين بها وتوهين حججهم ودحض أدلتهم، ونشر ما قال سماحته في الصحف وأذيع من المحطات الكبار كمحطة لندن وصار لها وقع كبير في الجمهور الثقافي.

وألف العلامة الشيخ أبو الأعلى المودودي رسالة سماها: " حركة تحديد النسل " بنى فيها رده على أقوال الأطباء وإحصائيات اقتصادية ونظريات علماء النفس ورد تلك المزاعم المبيحة لتنظيمه.

وألف الشيخ عطية محمد سالم أحد قضاة المدينة المنورة رسالة في هذا الموضوع سماها " تعدد الزوجات. وتحديد النسل " أجاد فيها وأفاد بموقف الإسلام المضاد لهذه النظرية الاستعمارية.

ص: 157

وللشيخ حسنين مخلوف – مفتي الديار المصرية سابقًا – عدة فتاوى في هذه المسألة كلها تحذير من خطورة تنفيذ هذه النظرية المستوردة وجاء في بعض فتاويه قوله: تحديد النسل مشروع خطير ولم يثره بادئ الأمر عندنا إلا الاستعماريون حين أفزعهم تزايد السكان وأقلقهم نمو الأمة ويقظة الشعور العام إلى أساليب الاستعمار، فنادوا في طول البلاد وعرضها بالخوف من المجاعة إذا لم يحدد النسل وزعموا أن الإسلام يبيح هذا التحديد بصفة عامة.

فبينا لهم في أكثر من مقال أن من أهم مقاصد الشريعة تكثير سواد الأمة حتى تواجه الخطوب وتستمر خيرات البلاد وتقف في وجوه الأعداء وقديمًا قالوا: إنما العزة في الكثرة.

هذا بعض ما قال علماء التحقيق.

أما الذين ساروا في ركاب الاستعمار فلا يخلو حالهم من أمرين: إما مخدوع وإما مأجور، فنسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين آمين.

ولقد سبق – مجمعكم – الموقر بدراسة هذه المسألة من مجمعين كريمين أحدهما - مجلس هيئة كبار العلماء – في المملكة العربية السعودية وهم يضم نخبة ممتازة من علماء هذه البلاد المقدسة ممن جمعوا الرواية والدراية فأصدروا فيها قرارًا بالمنع منه.

كما درست هذه المسألة – أيضًا من – مجلس المجمع الفقهي الإسلامي – بمكة المكرمة الذي يضم نخبة ممتازة من علماء المسلمين من أرجاء المعمورة، فأصدروا فيها قرارًا بالمنع منه أيضًا، فرأيت ضم هذين القرارين إلى بحثي وإلحاقهما معه ليكون من مجموعهما مع البحث تعزيز وتقوية.

وإلى حضراتكم أول القرارين صدورًا وهو قرار – هيئة كبار العلماء.

ص: 158

قرار رقم 42 وتاريخ 13 / 4 / 1396 هـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في النصف الأول من شهر ربيع الآخر 1396هـ، بحث المجلس موضوع منع الحمل وتحديد النسل، وتنظيمه بناء على ما تقرر في الدورة السابعة للمجلس المنعقدة في النصف الأول من شهر شعبان 1395هـ من إدراج موضوعها في جدول أعمال الدورة الثامنة. وقد اطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء وبعد تداول الرأي والمناقشة بين الأعضاء، والاستماع إلى وجهات النظر قرر المجلس ما يلي:

نظرًا إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة من الله بها على عباده، فقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله مما أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المعد للهيئة والمقدم لها، ونظرًا إلى أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده، ونظرًا إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة حتى تكون لديهم القدرة على استعمار البلاد واستعمار أهلها وحيث إن في الأخذ بذلك ضربًا من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى وإضعافًا للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها، لذلك كله فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقًا ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد منه خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرازق ذو القوة المتين {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ، وأما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره عملًا بما جاء في الأحاديث الصحيحة وما روي عن جميع الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل، وتمشيًا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء، لإلقاء النطفة قبل الأربعين، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة، وقد توقف فضيلة الشيخ عبد الله بن عذبان في حكم الاستثناء، وصلى الله على محمد.

هيئة كبار العلماء

ص: 159

وإلى حضراتكم قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وبعد:

فقد نظر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في موضوع تحديد النسل أو ما يسمى تضليلًا بـ (تنظيم النسل) .

وبعد المناقشة وتبادل الآراء في ذلك قرر المجلس بالإجماع ما يلي:

نظرًا إلى أن الشريعة الإسلامية تحض على تكثير نسل المسلمين وانتشاره وتعتبر النسل نعمة ومنة عظيمة مَنَّ الله بها على عباده، وقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودلت على أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله تعالى لعباده، ونظرًا إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين لتقليل عددهم بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة والشعوب المستضعفة بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعباد أهلها والتمتع بثروات البلاد الإسلامية، وحيث إن في الأخذ بذلك ضربًا من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافًا للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها.

لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقًا ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرازق ذو القوة المتين {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} أو كان ذلك لأسباب أخرى غير معتبرة شرعًا، أما تعاطي أسباب منع الحمل أو تأخيره في حالات فردية لضرر محقق ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين فإنه لا مانع من ذلك شرعًا وهكذا إذا كان تأخيره لأسباب أخرى شرعية أو صحية يقرها طبيب مسلم ثقة، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرر المحقق على أمة إذا كان يخشى على حياتها منه بتقرير من يوثق به من الأطباء المسلمين.

ص: 160

أما الدعوة إلى تحديد النسل أو منع الحمل بصفة عامة فلا تجوز شرعًا للأسباب المتقدم ذكرها، وأشد من ذلك في الإثم إلزام الشعوب بذلك وفرضه عليها في الوقت الذي تنفق فيه الأموال الضخمة على سباق التسلح العالمي للسيطرة والتدمير بدلًا من إنفاقه في التنمية الاقتصادية والتعمير وحاجات الشعوب.

وكاتب هذا البحث بعد أن استعرض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وبعد أن اطلع على كلام العلماء، والقرارين الصادرين في هذه المسألة المدعمين بالأدلة الصحيحة الصريحة، وبعد أن ظهر له وخاصة القول بتحديد النسل وما يجره على الأمة الإسلامية من قلة وذلة، وما يقصد به أعداء الإسلام بهذه المكيدة من إضعاف للمسلمين وتقليل لعددهم لا يسعه إلا أن يقرر بحزم وحتم تحريم القول والعمل بتحديد النسل بصورة جماعية وبنظام متبع عام.

أما استعماله بصورة فردية لظرف ملح خاص أو لضرورة داعية فلا مانع من ذلك.

وكذلك تنظيم النسل حينمًا يتوالى الحمل والولادة على المرأة فيريد الزوجان أن يجعلًا بين كل مولود وآخر فترة راحة للأم وعلوق للطفل الأول فلا مانع أيضًا.

وكاتب البحث يقترح على هذا – المجمع الفقهي الإسلامي – الموقر أن يحذو حذو زميليه – مجلس هيئة كبار العلماء والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة – بالمنع من ذلك إلا ما استثني.

والحمد لله رب العالمين وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبد الله بن عبد الرحمن البسام

ص: 161