الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنظيم النسل وتحديده
إعداد
الدكتور علي أحمد السالوس
أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة
جامعة قطر
بسم الله الرحمن الرحيم
تنظيم النسل وتحديده" تعقيب "
الحمد لله تعالى حمدًا كثيرًا، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
وبعد: فقد رأيت أن أشترك بثلاثة موضوعات في هذا المؤتمر المبارك إن شاء الله تعالى وهي: تغير قيمة العملة، وأعمال البورصة، وبيع المرابحة، ولكن بعد الاضطلاع على بعض الأبحاث المقدمة بدا لي أن أكتب كلمة موجزة في تنظيم النسل وتحديده، وأركز هنا على النقاط التالية:
1-
ما نسمعه من زيادة السكان أو الانفجار السكاني وقلة الغلة، هو قول غريب عن الإسلام وفد إلينا بعد أن تركنا الاقتصاد الإسلامي الرباني وأخذنا بالاقتصاد الوضعي البشري، فمالتس أحد أئمة الاقتصاد الرأسمالي – خرج على الناس بنظريته في السكان، حيث رأى أن الموارد تزيد بمتواليات عددية (1، 2، 3، 4، 5 وهكذا وأن السكان يزيدون بمتواليات هندسية (1، 2، 4، 8، 16
…
وهكذا) . وهذا يعني أن في خلق الأرض خللًا، فغلتها لا تكفي سكانها، وبالطبع فإن هذا يخالف الواقع الذي أخبرنا به خالق السكان، وخالق الأرض، التي بارك فيها وقدر فيها أقواتها، والقائل سبحانه وتعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (1)، ولو أن الناس عمروا الأرض كما أمر الله عز وجل:{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (2) أي طلب منكم عمارتها ولو أنهم طبقوا المنهج الإلهي، لما وجد جائع أو عريان.
وهذا الخلل المزعوم المتزايد في السكان والموارد، والذي لا وجود له إلا في أوهام المالتسيين، ما علاجه عند مالتس؟ يرى تأخير الزواج مع العفة، ويعارض بناء مساكن لذوي الدخل المحدود، وتقديم أي عون للمحتاجين، ما دام سيساعد على الزاوج، وقد يقال: إنه حرص على العفة لأنه قسيس، ولكن هذا فيه نظر، فمع غير العفة يزداد السكان.
(1) هود: 6
(2)
هود: 61
وكم من الملايين في عصرنا ولدوا من سفاح، والعجيب أن يعارض من ينسب نفسه للدين مساعدة المحتاجين، والذين أخذوا بنظرية مالتس شجعوا الإجهاض، وتعقيم الرجال والنساء.
2-
الإسلام يدعو إلى النكاح، وهذا مسلم به واضح بَيِّنٌ، ومقصد النكاح الأول هو النسل، ولذلك جاء في أكثر من رواية: " تزوجوا الودود الولود
…
" ومنع النسل ضد الفطرة، والإسلام دين الفطرة.
فإذا ذكرت أحاديث شريفة تبيح العزل، فيجب أن نبحث عن بقية الأحاديث المتصلة بالموضوع، وعلى الأخص إذا وجد ما يعارض أحاديث الإباحة، ثم نسلك بعد هذا المنهج العلمي في النظر في الأحاديث مجتمعة.
فمن الأحاديث الصحيحة الصريحة في المنع ما رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال:
ذلك الوأد الخفي {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} .
ومن حديث المنع، ومنهج الإسلام، يتبين أن الإباحة برخصة فردية على خلاف الأصل، ولا تكون هذه الرخصة عامة على نطاق دولة من الدول.
3-
ذكرت بعض الفتاوى المعاصرة الفردية، وأرى أن من أهم ما صدر – إن لم يكن أهمها على الإطلاق – قرار المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1385 هـ (1965 م) والذي صدر بإجماع العلماء الذين كانوا مندوبين عن خمسة وثلاثين دولة إسلامية، ومن بعده قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الثالثة سنة 1400 هـ وصدر أيضًا بإجماع الحاضرين.
وأذكر هنا نص كل من القرارين:-
أولًا: قرار مجمع البحوث الإسلامية:
1-
إن الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثيره لأن كثرة النسل تقوي الأمة الإسلامية اجتماعيا واقتصاديًا وحربيًا وتزيدها عزة ومنعة.
2-
إذا كانت هناك ضرورة شخصية تحتم تنظيم النسل فللزوجين أن يتصرفا طبقًا لما تقتضيه الضرورة، وتقديره هذه الضرورة متروك لضمير الفرد ودينه.
3-
لا يصح شرعًا وضع قوانين تجبر الناس على تحديد النسل بأي وجه من الوجوه.
4-
وأن الإجهاض بقصد تحديد النسل، أو استعمال الوسائل التي تؤدي إلى العقم لهذا الغرض، أمر لا تجوز ممارسته شرعًا للزوجين أو لغيرهما.
ويوصي المؤتمر بتوعية المواطنين وتقديم المعونة لهم في كل ما سبق تقريره بصدد تنظيم النسل.
ثانيًا: قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي
الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه: وبعد.
فقد نظر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في موضوع تحديد النسل أو ما يسمى تضليلًا بـ " تنظيم النسل ".
وبعد المناقشة وتبادل الآراء في ذلك قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
نظرًا إلى أن الشريعة الإسلامية تحض على تكثير نسل المسلمين وانتشاره، وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة مَنَّ الله بها على عباده، وقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلت على أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله تعالى لعباده، ونظرًا إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين لتقليل عددهم بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة والشعوب المستضعفة بصفة خاصة، حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعباد أهلها والتمتع بثروات البلاد الإسلامية، وحيث إن في الأخذ بذلك ضربًا من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافًا للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها.
لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع، أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقًا، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ، أو كان ذلك لأسباب أخرى غير معتبرة شرعًا، أما تعاطي أسباب منع الحمل أو تأخيره في حالات فردية لضرر محقق ككون المرأة لا تلد ولادة عادية، وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين فإنه لا مانع من ذلك شرعًا، وهكذا إذا كان تأخيره لأسباب أخرى شرعية أو صحية يقرها طبيب مسلم ثقة، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرر المحقق على أمه إذا كان يخشى على حياتها منه بتقرير من يوثق به من الأطباء المسلمين.
أما الدعوة إلى تحديد النسل أو منع الحمل بصفة عامة فلا تجوز شرعًا للأسباب المتقدم ذكرها، وأشد من ذلك في الإثم والمنع إلزام الشعوب بذلك وفرضه عليها في الوقت الذي تنفق فيه الأموال الضخمة على سباق التسلح العالمي للسيطرة والتدمير، بدلًا من إنفاقه في التنمية الاقتصادية والتعمير وحاجات الشعوب.
4-
بعد هذه الكلمة الموجزة أريد أن أسأل سؤالا له دلالته وهو:
ما الجهات التي تنفق على الدعوة لتحديد النسل وتنظيمه في البلاد الإسلامية ذات القلة غير المسلمة؟ وما أهدافها؟ وما نسبة هذه القلة قبيل بدء الدعوة وما نسبتها؟
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الزلل في القول والعمل
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الدكتور علي السالوس