الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرابحة للآمر بالشراء
نظرات في التطبيق العملي
إعداد
الدكتور علي أحمد السالوس
أستاذ الفقه والأصول – كلية الشريعة
جامعة قطر
بسم الله الرحمن الرحيم
" إياك نعبد وإياك نستعين "
تقديم
الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد: فعندما قامت المصارف الإسلامية جعلت شعارها قول الحق تبارك وتعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: (275) ] . ورأت في بيع المرابحة للآمر بالشراء بديلا عن الإقراض الربوي الذي تقوم به البنوك الربوية. وثار الجدل ولا يزال حول مشروعية هذا البيع كما تجريه المصارف الإسلامية.
فذهب فريق من فقهاء العصر إلى أن هذا البيع لا يختلف في جوهره عن بيع المرابحة المعروف في الفقه الإسلامي كنوع من بيوع الأمانة.
وذهب آخرون إلى أن منهج البنوك الإسلامية في هذا المسمى بالبيع لا يختلف عن منهج البنوك الربوية في الإقراض الربوي.
واستدل كل فريق بأدلة كثيرة رأيناها في الأبحاث المقدمة للمؤتمرات، وفي الصحف والمجلات، كما نشر أكثر من كتاب يبحث هذا الموضوع.
فتوى المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي:
ومن الفتاوى الجماعية المبكرة في هذا الموضوع ما صدر عن المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي الذي عقد بدبي سنة 1399هـ (1979 م) – أي بعد أربع سنوات من ظهور أول بنك إسلامي. ونص الفتوى ما يلي:
الوعد بالشراء مرابحة:
" يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة، يحدد جميع أوصافها، ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به العميل بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما، وهذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقا لذات الشروط. ومثل هذا الوعد ملزم للطرفين طبقا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه.
وتحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية، وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى إصدار قانون بذلك " اهـ.
ولعل المؤتمر لم يأخذ حظه من الإعداد الكافي، والفتوى ينقصها الدقة، فبيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية لا يجيزه المذهب المالكي، فضلًا عن أن يلزم به، وعارض الفتوى كثير ممن حضورا المؤتمر ممن لم يشاركوا فيه.
ومع هذا فالمؤتمر يعد خطوة أسهمت في مناقشة الموضوع من جوانبه المختلفة ومهدت لعقد مؤتمرات أخرى للمصارف الإسلامية ولغيرها.
المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي:
وبعد أربع سنوات، أي سنة 1403 هـ (1983م) عقد المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، بعد إعداد جيد، وكتابة قدر كاف من الأبحاث، ودعوة عدد كبير من فقهاء العصر ورجال الاقتصاد، وكان لبيع المرابحة النصيب الأوفى من البحث والمناقشة.
وأصدر المؤتمر فتوى من جزأين: الجزء الأول صدر بالإجماع، والجزء الثاني اشتد حوله الخلاف، ولم يمكن الجمع بين الآراء المتعارضة، فصدر تبعا لرأي الفريق الأكثر عددا.
الجزء الأول من الفتوى:
" يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء: بعد تملك السلعة المشتراة للآمر، وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق، هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي ".
الجزء الثاني من الفتوى:
" وأما بالنسيبة للوعد، وكونه ملزما للآمر أو للمصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا، وكل مصرف مخير في أخذ ما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه " اهـ.
والجزء الأول من الفتوى كان له أثره الكبير في مسيرة المصارف الإسلامية، وفي قرارات هيئات الرقابة الشرعية المختلفة، وفي صياغة العقود لكثير من المصارف.
أما الجزء الثاني فلا يزال الخلاف حوله قائما، ولذلك فقد أحسن مجمعكم الموقر إذ جعل لموضوع " الوفاء بالوعد " بحثا مستقلًّا.
والجزء الأول وإن صدر بإجماع المشاركين غير أنا وجدنا من غيرهم من يعارضه، وفي انتظار قرار المجمع في دورته الحالية حيث لم يتمكن من إصدار قرار بشأن هذا البيع في دورته السابقة.
في التطبيق العملي للمصارف الإسلامية:
لعل الضوابط الشرعية التي ذكرت في هذا الجزء من الفتوى تعتبر الحد الأدنى اللازم ليكون البيع مقبولا شرعًا، إلا أنني وجدت بعض المصارف الإسلامية لم تلتزم بهذه الضوابط في التطبيق العملي مع موافقتها على الفتوى، ووجدت في التطبيق العملي أيضا أمورا أخرى رأيت أن أعرضها على مجمعكم الموقر ليقول فيها رأيه إسهاما في تصحيح مسار المصارف الإسلامية.
وأبدأ بتقديم نموذجين لعقود الوعد بالشراء وبيع المرابحة، وكل نموذج تم التعامل به في مصرف إسلامي أو أكثر.
النموذج الأول " الوعد "
عقد وعد بالشراء
إنه في يوم: الموافق:
تم الاتفاق بين كل من:
أولا: ويمثله السيد/ طرف أول
ثانيا: السيد / السادة / طرف ثان
المقدمة
حيث إن الطرف الثاني يرغب في شراء / استيراد البضاعة المحددة المواصفات والكمية والمصدر على النحو المبين بطلب الشراء المؤرخ / / والمرقم الملحق بهذا العقد والمتمم له ونظرا لرغبة الطرف الثاني في الحصول على تمويل البضاعة من قبل الطرف الأول، لذا سيقوم الطرف الأول بشرائها ومن ثم بيعها للطرف الثاني إيفاء بوعد الشراء هذا ووفقا للشروط الآتية:
المادة الأولى: تعتبر المقدمة بأعلاه جزءًا لا يتجزأ من هذا العقد ومتممة له.
المادة الثانية: وعد الطرف الثاني الطرف الأول بشراء البضاعة المبنية آنفا وأبرم عقد البيع والشراء بمجرد استلام وكيل الطرفين (المتعاقدين) البضاعة من المستفيد.
المادة الثالثة: يعتبر الناقلون بصفتهم وكلاء عاملون للنقل، وكلاء للطرفين باستلام البضاعة اعتبارا من وقت استلامها وحتى ميعاد الوصول لشروط الاعتماد المستندي.
المادة الرابعة: يكون البيع والشراء محل هذا الوعد على أساس المرابحة وبقيمة تكلفة البضاعة الكلية المشتملة على ثمنها وتكاليف شحنها وتأمينها وكافة المصاريف الأخرى بالإضافة إلى ربح الطرف الأول من مجموع التكلفة المذكورة وقدره --------------------------------- ويتحمل الطرف الثاني كامل الكلف الإضافية الطارئة إن وجدت ونتائج أية طوارئ قد تتعرض لها البضاعة عند استلامها من المستفيد كما ورد بالمادة الثانية.
المادة الخامسة: وافق الطرف الثاني على دفع نسبة % من قيمة البضاعة عند توقيع هذا الوعد كتأمين لضمان تنفيذ التزاماته قبل الطرف الأول وتسديد ما تبقى من قيمة البضاعة الكلية وأرباح الطرف الأول الواردة في المادة الرابعة أعلاه على النحو التالي: -
ــ
ــ
ــ
ــ
المادة السادسة: يلتزم الطرفان بإبرام عقد المرابحة النهائي المتعلق بهذا الوعد بمجرد إبلاغ المستفيد أحد الطرفين بتسليم البضاعة.
المادة السابعة: إذا امتنع أحد الطرفين عن تنفيذ هذا الوعد فيتحمل الطرف الممتنع أية أضرارا تلحق الطرف الآخر نتيجة لذلك ووفقا لما تحكم به هيئة التحكيم الواردة الذكر في المادة التاسعة من هذا العقد.
المادة الثامنة: إذا امتنع المصدر الذي عينه الطرف الثاني عن تنفيذ الصفقة أو أخرها عن موعد التسليم المتفق عليه لا يكون الطرف الأول مسئولا عن أي ضرر يعود على الطرف الثاني الذي عليه أن يدفع كافة المصاريف التي تحملها الطرف الأول من جراء عدم تنفيذ المصدر، وفي هذه الحالة لا يعتبر الطرف الأول مخلا بالوعد.
المادة التاسعة: في حالة نشوء أي نزاع بين الطرفين بشأن تنفيذ هذا العقد فإن هذا النزاع يعرض على هيئة تحكيم من ثلاثة محكمين ويختار كل طرف محكما ويختار المحكمان حكما ثالثا مرجحا، فإذا لم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث تتولى اختياره ------------------ خلال أسبوع من تاريخ نشوء النزاع بناء على أي طلب من الطرفين يتم الفصل في النزاع على أساس الشريعة الإسلامية ويكون حكم المحكمين سواء صدر بالإجماع أو بالأغلبية ملزما للطرفين غير قابل للطعن بالمعارضة ولا الاستئناف.
المادة العاشرة: كل ما لم يرد ذكره في بنود هذا العقد يخضع للقوانين النافذة بدولة -------- بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وعقد التأسيس للطرف الأول ومن اختصاص محاكم دولة --------
المادة الحادية عشرة: حرر هذا العقد من نسختين استلم كل طرف نسخة منه.
الطرف الأول الطرف الثاني
النموذج الأول " عقد البيع "
عقد بيع مرابحة
إنه في يوم الموافق حرر هذا العقد
بين كل من:
أولا: ويمثله السيد / طرف أول / بائع
ثانيا: السيد / السادة طرف ثان / مشتري
وذلك وفقا لما يلي:
1-
يقر الطرف الثاني بأهليته الكاملة للتصرفات المالية عن نفسه أو بصفته
ــ
وأنه اطلع على النظام الأساسي................. (الطرف الأول) لا يلتزم في تعامله معه وفقا لهذا النظام.
2-
باع الطرف الأول للطرف الثاني القابل لتلك البضاعة المبينة أوصافها وكميتها بطلب الشراء المرفق بهذا العقد رقم بتاريخ / /
3-
حدد الثمن الإجمالي للبضاعة بمبلغ ــ
متضمنا الثمن الأساسي والمصاريف المدفوعة من الطرف الأول والربح المتفق عليه ويتعهد الطرف الثاني بسداده على النحو التالي
ــ
ــ
ــ
ــ
4-
تم التوقيع على هذا العقد من قبل الطرفين بعد تسليم البضاعة من قبل المستفيد إلى وكيل الطرفين (الناقلين) ويكون العقد نافذا من تاريخه وتصبح البضاعة ملكا للطرف الثاني وتحت مسئوليته.
5-
حيث أن الطرف الثاني هو الذي اختار المصدر وحدد مواصفات البضاعة فإن الطرف الأول ليس مسئولا عن أي نقص في البضاعة أو اختلاف في مواصفاتها وأن مسئولية ذلك تقع على عاتق الطرف الثاني طبقا لما هو متعارف عليه دوليا.
6-
الرسوم الجمركية ومصاريف نقل البضاعة من ميناء الوصول إلى مخازن المشتري والتخليص عليها لا تدخل ضمن الثمن المتفق عليه بهذا العقد ويتحملها الطرف الثاني (المشتري) .
7-
يتعهد الطرف الأول (البائع) بإخطار الطرف الثاني (المشتري) بوصول المستندات الخاصة بالبضاعة وتسليمه هذه المستندات بمجرد وصولها بعد إجراء اللازم في البند رقم (3) .
8-
في حالة امتناع الطرف الثاني عن استلام المستندات الوارد ذكرها في البند السابق أو استلام البضاعة فمن حق الطرف الأول بيعها بالسعر السائد في حينه في بلد الوصول أو أي مكان آخر حسبما يراه الطرف الأول ولحساب الطرف الثاني وقبض الثمن لاستيفاء حقوقه وإعادة ما يزيد على ذلك للطرف الثاني وإن قل الثمن عن مستحقات الطرف الأول، كان له أن يرجع على الطرف الثاني بما بقي له في ذمته.
9-
في حالة نشوء أي نزاع بين الطرفين بشأن تنفيذ هذا العقد فإن هذا النزاع يعرض على هيئة تحكيم من ثلاثة محكمين ويختار كل طرف محكما ويختار المحكمان محكما ثالثا مرجحا. فإذا لم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث تتولى اختياره ----------- خلال أسبوع من تاريخ نشوء النزاع بناء على أي طلب من الطرفين. يتم الفصل في النزاع على أساس الشريعة الإسلامية، ويكون حكم المحكمين سواء صدر بالإجماع أو بالأغلبية ملزما للطرفين غير قابل للطعن بالمعارضة ولا الاستئناف.
10-
كل ما لم يرد ذكره في بنود هذا العقد يخضع للقوانين النافذة بدولة ــ بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وعقد التأسيس للطرف الأول ومن اختصاص محاكم ــ
11-
حرر هذا العقد من نسختين استلم كل طرف نسخة منه.
الطرف الأول " بائع " الطرف الثاني " مشترى "
تعقيب:
عندما يرغب أحد في استيراد سلعة عن طريق الاقتراض من بنك ربوي فإنه يتفق مع البنك على القرض وفائدته، أي الربا الذي يلتزم به تبعا للزمن المتفق عليه، ويقوم البنك بفتح اعتماد مستندي للمقترض، ويستورد السلعة لحسابه، أي أنها تكون ملكا للمقترض، غير أن المستندات تأتي للبنك ويسلمها للعميل بعد اتخاذ ما يراه من إجراءات، ويمكن أن تظل البضاعة رهنا إلى أن تتم هذه الإجراءات.
والبنك هنا يتعامل في مستندات تطابق شروط فتح الاعتماد، والتزامه يقف عند هذه المستندات ولا يتعداها إلى السلعة ذاتها.
وعندما قامت المصارف الإسلامية رأت أن البديل الإسلامي كما سبق ذكره أن تقوم باستيراد السلعة لحسابها، ثم بيعها للعميل بالأجل عن طريق بيع المرابحة.
وتبعا للجزء الأول من فتوى المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي – سواء أكان الوعد ملزما أو غير ملزم – فإن البنك لا يقوم بالبيع إلا بعد التملك والحيازة، ويقع عليه هو تبعة الهلاك قبل التسليم، والرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي بعد التسليم.
وإذا نظرنا في النموذج السابق وجدناه يبعد كثيرا عما أفتى به المؤتمر، ويحكم العرف الدولي الذي ينظم الاعتمادات المستندية للبنوك الربوية لا الإسلامية.
وتبعا لهذا النموذج فإن السلعة تنتقل ملكيتها – وما يتبع ذلك من ضمان – من المستفيد، أي المصدر، إلى العميل المستورد مباشرة دون أن تدخل في ملكية المصرف وضمانه.
وما ذكر من أن الشركة الناقلة وكيلة عن الطرفين، فهي تتسلم السلعة كوكيل عن المصرف، ويعتبر عقد البيع قد أبرم بمجرد هذا التسليم، وبالتالي تتسلم السلعة كوكيل عن العميل، هذا القول ممجوج مرفوض، فالشركة لا شأن لها بالبيع ولا بالشراء، ولم توكل لهذا أصلا، وإنما هي مختصة بالنقل، فالمصرف لم يوكلها لتبيع، والعميل لم يوكلها لتشتري، بل إن الأصل أن العميل ليس بينه وبين الشركة الناقلة أي نوع من العلاقة، فعلاقته بالمصرف، ولا يشتري إلا بعد أن تدخل السلعة في ملك المصرف وحيازته، ويتحمل مسئولية الهلاك قبل وصول السلعة وتسليمها، ولكن المصرف – كما يبدو من النموذج – اعتبر العميل قد اشترى بمجرد الشحن سواء أوافق أو عارض، فلم يشترط موافقة العميل لإتمام العقد.
ولم يكتف المصرف بكل هذه المخالفات الشرعية، وإنما جاء إلى الضابط الشرعي الأخير بعد التسليم ومحاه محوا تاما، ثم أضاف مخالفة جديدة أبعد من هذا وأكثر شططا، حيث اعتبر العميل هو المسئول عن أي نقص في البضاعة أو اختلاف في مواصفاتها لما هو متعارف عليه دوليا.
والمتعارف عليه دوليا إعطاء هذا الحق للبنك الربوي، حيث يتعامل في مستندات فقط لا في سلع، فهو لا يشتري لنفسه ولا يبيع، وإنما هو واسطة بين المستورد المشتري، والمصدر البائع، ومهمته مراجعة المستندات طبقا للاعتماد المستندي، وتسليمها للمستورد، وتسليم الثمن للمصدر.
وإذا لم يتم هذا المسمى بالبيع بكل ما يحمله من مخالفات شرعية بعد فتح الاعتماد المستندي فإن العميل هو الذي يتحمل كافة المصاريف التي تحملها المصرف.
وبهذا لا نرى أي فرق بين فتح الاعتماد المستندي – غير المغطى أو المغطى جزئيا لا كليا- في بنك ربوي وفي مصرف إسلامي يأخذ بمثل هذا العقد.
النموذج الثاني " الوعد "
وعد بالشراء
أنه في يوم / / 14 هـ الموافق / / 19 م
قد تم الاتفاق بين كل من:
1-
مصرف قطر الإسلامي طرف أول
2-
طرف ثان
على ما يلي: -
المقدمة
حيث إن الطرف الثاني يرغب في شراء البضاعة المحددة على النحو المبين بطلب الشراء بالمرابحة والمؤرخ / / والمرقم:
فقد طلب الطرف الثاني من الطرف الأول القيام بشرائها ثم بيعها إيفاء بهذا الوعد منه بالشراء وفقا للشروط التالية:
1-
يقر الطرف الثاني بأهليته للتصرفات المالية وأنه قد اطلع على القانون والنظام الأساسي لمصرف قطر الإسلامي (الطرف الأول) ويلتزم في تعامله معه وفقا لهذا النظام.
2-
وعد الطرف الثاني الطرف الأول بشراء البضاعة المبينة آنفا وإبرام عقد البيع والشراء بمجرد إعلام الطرف الأول للطرف الثاني بأن البضاعة جاهزة للتسليم أو وصلت إلى ميناء ---------------------- ووردت مستنداتها.
3-
شروط ومكان التسليم: ------------------------
4-
يكون البيع والشراء محل هذا العقد على أساس المرابحة وبقيمة التكلفة الكلية للبضاعة بالإضافة إلى ربح الطرف الأول بنسبة ----------- % من التكلفة الكلية.
5-
وافق الطرف الثاني على دفع نسبة % من قيمة البضاعة عند التوقيع على هذا الوعد كعربون لضمان الجدية وتنفيذ التزاماته تجاه الطرف الأول والقيام بتسديد باقي القيمة البيعية للطرف الأول الواردة على النحو التالي:
ــ
ــ
6-
في حالة امتناع الطرف الثاني عن تسلم البضاعة أو المستندات المتعلقة بها فإنه يعتبر ناقضًا لوعده وحينئذ فإنه من حق الطرف الأول بيعها واستيفاء حقوقه من الثمن وإن قل الثمن عن مستحقات الطرف الأول كان له أن يرجع على الطرف الثاني (المشتري) بمقدار ما تحمله من خسائر فعلية تترتب على ذلك وإن زاد ثمن البضاعة عن مستحقات الطرف الأول كانت هذه الزيادة خالصة له باعتباره مالكها.
7-
إذا امتنع أحد الطرفين عن تنفيذ هذا الوعد أو قدم بيانات أو معلومات ومستندات غير صحيحة فيتحمل أية أضرار تلحق للطرف الآخر نتيجة لذلك.
8-
في حالة ما إذا قام الطرف الثاني بتحديد المصدر فإنه يقر بعدم مسئولية المصرف في حالة عدم تنفيذ وعد الشراء لأسباب ترجع إلى المصدر ما دام المصرف قد وفى بالتزامه بفتح الاعتماد المستندي الضروري لاستيراد البضاعة في المدة المتفق عليها بطلب الشراء، كما يقر الطرف الثاني بعدم مسؤولية المصرف عن أية أضرار قد يتحملها نتيجة تأخر وصول البضاعة إذا تم شحنها خلال المدة المحددة في الاعتماد ويتعهد بشرائها وإبرام عقد البيع فور وصولها تنفيذا لهذا الوعد.
9-
أي نزاع ينشأ حول تنفيذ هذا الوعد يكون من اختصاص محاكم دولة قطر.
10-
حرر هذا الوعد من نسختين بيد كل طرف نسخة للعمل بموجبه.
الطرف الأول الطرف الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
النموذج الثاني " عقد البيع "
مصرف قطر الإسلامي
شركة مساهمة قطرية
عقد بيع بالمرابحة (نهائي)
في يوم / / 14 هـ الموافق / / 19 م بمدينة الدوحة – قطر – حرر هذا العقد بين كل من:
أولا مصرف قطر الإسلامي ويمثله في هذا العقد السيد /
طرف أول: بصفته بائعًا
ثانيا: السيد / السادة
ومقره طرف ثان / بصفته مشتريًا
وأقر الطرفان بصفتهما وأهليتهما القانونية للتعاقد واتفق على ما يلي:
…
البند الأول
…
تنفيذًا – لطلب الشراء رقم () بتاريخ / /
ووعد الشراء المؤرخ في / /
والذي يعتبر هو وطلب الشراء جزءًا لا يتجزأ من هذا العقد، باع الطرف الأول للطرف الثاني القابل لذلك البضاعة المبينة أوصافها وكمياتها أدناه:
وصف البضاعة: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الكمية: --------------------------------------------
بوليصة الشحن رقم: --------------- وتاريخها: / /
رقم الحاوية: -------------------------
. البند الثاني..
حدد ثمن البضاعة بمبلغ ------------------------
متضمنا المصاريف وأرباح المصرف، ويتعهد الطرف الثاني بسداد الثمن الإجمالي المشار إليه أعلاه على النحو التالي:---------------------------------------------------------------------------
.. البند الثالث..
تم التوقيع على هذا العقد من قبل الطرفين المنوه عنهما بالبندين أولا وثانيًا بعد التأكد من حيازة الطرف الأول لهذه البضاعة.
.. البند الرابع..
اتفق الطرفان على أن يكون التسليم هو ميناء الوصول، ومن ثم فإن أجور التفريغ والرسوم الجمركية ومصاريف نقل البضاعة من الميناء إلى مخازن المشتري والتخليص عليها لا تدخل ضمن الثمن الإجمالي للبضاعة المشار إليها بالبند الثاني من هذا العقد ويتحملها الطرف الثاني (المشتري وحده) ولا يحسب لها نسبة أو مقدار في الربح.
.. البند الخامس..
وافق الطرف الثاني على تسلم المستندات المتعلقة بالبضاعة المبينة في هذا العقد بعد تظهيرها لصالحه من قبل الطرف الأول ويتعهد بتسلم البضاعة والتخليص عليها بمعرفته وذلك بمجرد تفريغها بجهة الوصول ويتحمل الطرف الثاني مصاريف الأرضيات وأجور التخزين في الميناء الناشئة عن التأخير في التخليص عن البضاعة محل هذا العقد.
.. البند السادس..
تنتهي مسئولية الطرف الأول عن أية عيوب خفية أو ظاهرة بعد ثلاثة أيام من توقيع العقد بالمرابحة وتقع مسئولية تخزين البضائع وفقا للأصول الفنية على عاتق الطرف الثاني وحده ولا يحق له الرجوع على الطرف الأول بالنتائج التي قد تترتب على مخالفته ذلك.
وإذا سبق أن وقع عقد بيع ابتدائي لنفس هذه البضاعة فإن مسؤولية الطرف الأول عن أية عيوب تعتبر منتهية بعد ثلاثة أيام من تاريخ توقيع ذلك العقد.
. البند السابع..
كل ما لم يرده ذكره في هذا العقد يخضع القوانين والأعراف التجارية النافذة بدولة قطر وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وعقد تأسيس الطرف الأول ومن اختصاص المحاكم القطرية.
.. البند الثامن..
لا يحق للطرف الثاني (المشتري) أن يتأخر في دفع الثمن بالكيفية الموضحة في هذا العقد كما لا يحق له أن يتأخر في دفع الأقساط المقررة عليه، وفي حالة تأخره عن دفع قسطين متتاليين أو في حالة مماطلته أو امتناعه عن الدفع تحل باقي الأقساط فورا دون تنبيه أو إنذار ويحق الطرف الأول في هذه الحالة أن يرجع على الطرف الثاني لاستيفاء كافة حقوقه الناتجة عن هذا العقد.
.. البند التاسع..
أي خلاف ينشأ حول تطبيق أحكام هذا العقد أو عن أي شيء متفرع عنه أو له علاقة به يعرض الخلاف على لجنة تحكيم تشكل من ثلاثة أعضاء على الوجه التالي:
- حكم يختاره الفريق الأول
- حكم يختاره الفريق الثاني
- حكم يختاره المحكمان الأولان
ويتم الفصل في النزاع على أساس الشريعة الإسلامية، ويكون حكمهم، سواء صدر بالإجماع أو بالأغلبية، ملزما للفريقين، وغير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن الجائزة قانونا.
وفي حالة عدم توفر الأغلبية يحال الخلاف موضوع التحكيم إلى المحاكم القطرية.
وتكون محاكم دولة قطر هي المختصة دون سواها، بالفصل في أي طلبات و / أو قضايا تنشأ بمقتضى التحكيم و / أو ناشئة و / أو متعلقة به و / أو بهذا العقد.
.. البند العاشر..
حرر هذا العقد من نسختين بيد كل طرف نسخة للعمل بموجبه.
الطرف الأول بصفته الطرف الثاني بصفته
البائع المشتري
تعقيب
قبل افتتاح مصرف قطر الإسلامي استعان المسئولون بمن سبقهم في هذه التجربة، وأخذوا نماذج من العقود التي وجدوها عندهم، وعرضوها علي للنظر فيها قبل بدء العمل.
واختاروا للمرابحة النموذج الأول، فطلبت منهم إحراقه لما رأيته من مخالفات شرعية، وأعطيتهم نموذجا آخر يسيرون عليه حتى تنتهي هيئة الرقابة الشرعية للمصرف من صياغة العقود المختلفة، وكان هذا النموذج الثاني هو ما انتهت إليها الهيئة.
ويلاحظ أن هذا النموذج التزم بالجزء الأول الذي صدر بإجامع المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، وراعى الضوابط الشرعية من التملك والحيازة، ومسئولية الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد بعد التسليم.
ولذلك فهو يقوم بفتح الاعتماد المستندي لنفسه، وتصدر مستندات البيع من المصدر باسمه كمشتر، وباسمه أيضا تكون (بوليصة) الشحن والتأمين، ويتحمل مخاطر الطريق وعلى الأخص ما لا يدخل في ضمان شركات التأمين، كما يتحمل نقص البضاعة ومخالفتها للمواصفات، والعيوب الظاهرة والخفية. وتبعا لهذا أصيب المصرف بخسائر في بعض العمليات، ولكنها – بحمد الله تعالى – لم تكن كثيرة، وأثبتت بطريقة عملية الفرق بين بيع المرابحة والقرض الربوي.
ويبقى الجزء الثاني الذي ثار حوله الجدل في المؤتمر المذكور:
وشاركت في المؤتمر مع فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، وكان مع القائلين بالإلزام بالوعد في بيع المرابحة، وكنت مع المعارضين، ثم أصبحنا معا في هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي، وكان معنا عضو ثالث أيد رأي الشيخ القرضاوي، ودار النقاش، ثم انتهينا إلى هذه الصيغة المعروضة التي توفق بين الرأيين إلى حد ما، وإن كانت أقرب إلى رأي غيري.
والفرق بين النموذجين في آثار الالتزام بالوعد: أن النموذج الأول يجعل الموافقة على الوعد إلزاما بعقد البيع حتى وإن امتنع العميل بعد هذا عن تسلم المستندات وإتمام عقد البيع، وإذا باع المصرف السلعة حسبما يراه فإنه يبيعها باعتبارها ملكا للعميل الذي رفض التوقيع على العقد، ثم يأخذ التكاليف والربح، ويعطي العميل ما زاد عنها، ويعود عليه بما يقل عن التكاليف والربح معًا.
أما النموذج الثاني فعقد البيع فيه لا يتم إلا بالتراضي، وعند امتناع العميل فإن المصرف يبيع السلعة باعتبارها لا تزال في ملكه، وإن ربح قليلًا أو كثيرًا فالربح له، وإن لم يربح ولم يخسر فلا يعود بشيء على العميل.
ويبقى ما يعد شرطا يلتزم به الطرفان لتحمل الضرر نتيجة للوعد:
فإن خسر المصرف عاد بمقدار الخسارة على العميل، وإن وقع ضرر على العميل يتحمله المصرف ما دام لم يلتزم بوعده، كأن يكون العميل دخل في مناقصة وترتب على عدم تنفيذه أن غرم مالًا، أو وعده المصرف ببيع آلات لمصنع أو مستشفى واستأجر العميل المكان وأنفق مالًا لإعداده، فهنا يلتزم المصرف بما غرمه العميل.
فعقد البيع إذن لا يتم إلا بضوابطه الشرعية، ولكن هذا الشرط الذي وضع لمنع الضرر الذي يسببه أي طرف للآخر نتيجة للوعد أيقبل شرعًا أم لا؟
لعل مجمعكم الموقر يقول: كلمته:
فإن أقر هذا اعتبرناه توفيقا بين الرأيين، وقدمناه للمصارف الإسلامية، وإن لم يقره أرحنا من الخلاف، والله عز وجل هو المستعان، وهو الأعلم.
مسائل أخرى في التطبيق العملي لبيع المرابحة:
المسألة الأولى:
في المرابحات الخارجية وجدت بعض المصارف تفتح الاعتماد المستندي باسم العميل، وتأتي المستندات باسمه، ومعنى هذا صراحة أن السلعة لا تدخل في ملك المصرف.
وفي المرابحات المحلية قد يتفق العميل مع البائع، ثم يأتي للمصرف ليأخذ المبلغ الذي يريده، ويكتب عقد بيع المرابحة، ثم يقوم العميل بعد هذا بالشراء مباشرة من البائع.
فالمصرف باع قبل أن يملك ويحوز، بل لم تدخل السلعة في ملكه وحيازته بعد هذا.
المسألة الثانية:
بيع المرابحة عن طريق تظهير (بوليصة) الشحن، وهذا يعني أنه لا حيازة، ولا ضمان، ولا تسليم ولا تسلم، ولا رؤية.
وأحيانا يكون الشراء عن طريق التظهير، ثم يتم البيع مرابحة بالتظهير مرة أخرى.
المسألة الثالثة:
يوكل المصرف أحدا بالشراء، وبعد أن يتم الشراء، وتصبح السلعة أمانة في يد الوكيل، يطلب المصرف منه بيعها مرابحة بشروط معينة، إذا رغب الوكيل في الشراء لنفسه بهذه الشروط جاز بموافقة المصرف، وإذا لم يرغب، ولم يتمكن من بيعها بهذه الشروط، ظلت أمانة عنده.
أجاز المجمع هذه الصورة.
وجدت مصرفا يوكل غيره بالشراء، ويشترط على الوكيل أن يشتري لنفسه بمجرد شرائه للمصرف بشروط محددة للمرابحة.
فتسلم الوكيل للسلعة المشتراة للمصرف يعتبر في الوقت نفسه تسلما للسلعة المبيعة من المصرف، أفيجوز هذا؟ علما بأن المصرف يحتج هنا بفتوى المجمع.
المسألة الرابعة:
ما دامت السلعة في ملك البائع ولم يتم البيع، فلا يجوز جعل الضمان على طالب الشراء.
غير أننا وجدنا – في بضع الحالات – أن طالب الشراء هو الذي يقوم بالتأمين على السلعة التي تشتريها المصرف عند الشحن وقبل أن يتم بيع المرابحة.
وأحيانا يقوم المصرف بالتأمين ولكن (بوليصة) التأمين تصدر باسم طالب الشراء بدلا من إصدارها باسم المصرف مالك السلعة.
المسألة الخامسة:
من المشكلات التي تؤثر في مسيرة المصارف الإسلامية عدم التزام كثير من المدينين بدفع أقساط الديون في مواعيدها المتفق عليها، وقليل من هؤلاء ذو عسرة وأكثرهم يماطلون مع القدرة على الأداء نظرًا لأن المصارف الإسلامية لا تأخذ فوائد التأخير التي يلتزم بها هؤلاء مع البنوك الربوية.
وكثير من المصارف لم تجد علاجا لهذه المشكلة، ووجدت حلا جزئيا في اللجوء إلى المزيد من الضمانات، غير أن بعض المصارف لجأت إلى حلول أخرى نرجو أن يقول المجمع فيها رأيه. ونذكر منها ما يأتي:
أ- عند عجز المدين (المشتري) عن الدفع، وعلم المصرف بهذا، رأى – تقديرا لظروفه ورأفة به- أن يدخل مع هذا المدين في شركة بقيمة الدين وربما كان هذا التصرف يتعارض مع قول الحق تبارك وتعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة (280) ] .
ب- ومن المصارف من لجأ إلى إعادة الاتفاق على نسبة الربح، بحيث تزيد هذه النسبة لصالح المصرف تبعا للزمن الذي يتأجل إليه الدفع.
ولعل هذا مثل إعادة جدولة الديون الربوية، وربما كان فيه شبه من المبدأ الجاهلي " إما تقضي وإما أن تُرْبِي ".
جـ- وبعض المصارف الإسلامية – وهي ليست قليلة – استحدثت إلزام المدين المماطل دفع تعويض عن الضرر الذي ألحقه بالمصرف نتيجة مماطلته، وحجز المال عن الاستثمار وتحقيق الربح.
ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة، نبين فيها وجهة نظر القائلين بهذا الرأي المدافعين عنه، وأثر هذا في التطبيق العملي.
هل للمصرف أخذ تعويض من المدين المماطل؟
رأي المجيزون أن الغني المماطل أوقع الضرر بالمصرف، فلولا مماطلته لضم هذا المال لباقي الأموال المستثمرة، ويمكن أن يقدر بمقدار الربح الذي حققه المصرف فعلا في مدة المماطلة.
ولذلك أجازوا للمصرف أخذ تعويض بمقدار نسبة الربح التي كان يمكن أن يحققها دين المماطل لو استثمره المصرف، فمتى تبين المصرف الإسلامي أن المدين المماطل مليء غني أضاف إلى دينه نسبة تعادل التي حققها خلال مدة بقاء الدين في ذمته.
وقد ناقشت بعض هؤلاء المجيزين، ووجدتهم يستدلون بثلاثة أحاديث شريفة، وبالمصلحة المرسلة التي يرون أنها تتفق مع مقاصد التشريع الإسلامي.
والأحاديث الثلاثة هي:
1) ((مطل الغني ظلم))
2) ((لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته)) .
3) ((لا ضرر ولا ضرار)) .
والحديث الأول متفق عليه.
قال ابن حجر في الفتح (4/446- الباب الأول من كتاب الحوالة) :
" في الحديث الزجر عن المطل، واختلفت هل يعد فعله عمدا كبيرة أم لا؟
فالجمهور على أن فاعلها يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمطله مرة واحدة أم لا؟ قال النووي: مقتضى مذهبنا اشتراط التكرار، ورده السبكي في شرح المنهاج بأن مقتضى مذهبنا عدمه، واستدل بأن منع الحق بعد طلبه، وابتغاء العذر عن أدائه، كالغصب، والغصب كبيرة
…
وتسميته ظلما يشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرار، نعم لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره ".
والحديث الثاني " لَيُّ الواجد
…
" ذكره السيوطي وأشار إلى رواته وهم: أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم. ورمز للحديث بالصحة.
وقال المناوي في فيض القدير (5/400) :
" عرضه: بأن يقول له المدين (ولعل الصحيح بأن يقول للمدين) : أنت ظالم، أنت مماطل، ونحوه ما ليس بقذف ولا فحش.
وعقوبته: بأن يعزره القاضي على الأداء بنحو ضرب أو حبس حتى يؤدي ثم قال: " قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، ولم يضعفه أبو داود ".
والحديث ذكره البخاري تعليقا، قال في " باب: لصاحب الحق مقال " من كتاب الاستقرار في صحيحه: ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَيُّ الواجد يحل عقوبته وعرضه)) قال سفيان: يقول مطلتني، وعقوبته: الحبس.
وفي تغليق التعليق لابن حجر (3/318-320) ذكر طرقه المختلفة الموصولة، وقال كما قال في الفتح: إسناده حسن.
والحديث الثالث: ((لا ضرر ولا ضرار))
ذكر السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 468) أن الحديث أخرجه مالك والشافعي مرسلا، وأحمد وعبد الرزاق وابن ماجه والطبراني، وفيه جابر الجعفي، وابن أبي شيبة من وجه آخر أقوى عنه، والدارقطني من وجه ثالث.
وقال المناوي في فيض القدير (6/432) : الحديث حنسه النووي وقال: له طرق يقوى بعضها بعضا.
وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به.
والحديثان الأول والثاني ظاهران في ظلم الغني المماطل، واستحقاقه للعقاب، وهما مما يحتج به.
والعقوبة هنا تعزيرية، وذهب الجمهور إلى أن العقوبة هنا هي الحبس، وإن جاز في التعزير غيره كالضرب والتوبيخ، وما دام الهدف من العقوبة التعزيرية الردع والزجر وأداء الحقوق، وليس في العقوبة هنا حد مقرر، فالأمر إذن فيه متسع أمام القاضي أو ولي الأمر، فقد يرى في التوبيخ الكفاية، وقد يرى ضرورة الضرب مع الحبس، والأمر لا يستدعي كبير خلاف ما دام الحكم يصدر من عادل غير محكم للهوى والتشهي.
والحديث الثالث: ينهى عن الضرر، ومن القواعد الشرعية المعروفة أن الضرر يزال، والمصرف لحقه ضرر فيجب أن يزال.
ومن المعروف أن الدائن ليس له إلا دينه، سواء أخذه وقت استحقاقه، أم بعد مدة المطل، وما أجاز أحد من الفقهاء، أن يدفع المدين قدرا زائدا عن الدين لعقوبة تعزيرية، ولو قيل: يدفع مقابل الزمن، فهذا هو عين الربا.
قال المجيزون: " إن المصلحة تقتضي منع المماطل من استغلال أموال المسلمين ظلما وعدوانا "، وإذا كانت الفائدة الربوية تمنع المطل مع البنوك الربوية، فإن الإسلام لا يعجز عن أن يوجد حلا لمشكلة المطل التي تعاني منها المصارف الإسلامية، وإذا كان الفقهاء السابقون رأوا أن تكون العقوبة الحبس، وهذا غير مطبق الآن، فعلى فقهاء العصر أن يجتهدوا لإيجاد الحل.
ثم أضافوا: " والقدر الذي نرى أن يتحمله المماطل هو ما يقابل الربح الفعلي للمصرف، فهذا ليس من باب الربا، ولكنه من باب منع الضرر الذي يلحق بالمصرف ".
وربما كان من الصعب التفرقة بين ما ذهب إليه هؤلاء وبين الربا.
ويبقى هنا كذلك أن نسأل:
ما الهدف من العقوبة التعزيرية؟
ومن الذي يحدد هذه العقوبة؟
ومن الذي يأمر بإيقاعها؟ أو يقوم بتنفيذها؟
أفيمكن أن يكون شيء من هذا للمصرف؟
لو جاز أن يكون للمصرف استحداث عقوبة تعزيرية يوقعها بالعميل، وهي تشتبه بالربا، إن لم تكن هي الربا بعينه، فمن باب أولى أن يكون له الحق في العقوبة التعزيرية المقررة كالحبس أو الضرب؟
ونأتي إلى الجانب التطبيقي لنرى هل تحقق الهدف من هذه العقوبة؟
بعض المصارف رأت أن المتعاملين معها الذين لا يؤدون الأقساط في مواعيدها بلغوا من الكثرة حدا يصعب معه النظر في كل حالة، والتفرقة بين مطل الغني وعجز الفقير، كما توجد عوامل أخرى تزيد الأمر صعوبة، ولذلك عند تأخر أي مدين عن الأداء يضاف على دينه ما يقابل الربح الذي يعلنه المصرف في حينه، ولا يستطيع أي أحد أن يفرق بين هذا وبين الربا المحرم.
وقد يقال: إن هذا خطأ في التطبيق لا في الفتوى، ولكن على المفتي أن ينظر إلى ما يمكن تطبيقه.
وبعض المصارف الأخرى تمسكت بنص الفتوى، فكانت ترسل للعميل أولا حتى تتأكد من المطل قبل إنزال العقوبة.
ويلاحظ هنا أن الأرباح التي تحققها المصارف الإٍسلامية أقل من الفوائد الربوية في أوقات كثيرة فالذين يستحلون هذه الفوائد استمروا في مطلهم غير عابئين بما يضيفه المصرف الإسلامي.
وبذلك تحولت العقوبة التعزيرية إلى زيادة ترتبط بربح المصرف والزمن، ورضي بهذا الطرفان، فهل تحقق الهدف من العقوبة التعزيرية؟ أم تحولت العقوبة إلى نوع جديد من الربا؟ ويبقى هنا أيضا أن نسأل:
إذا لم يكن هذا التصرف مشروعا- وأظنه غير مشروع – فهل نجد عند مجمعكم الموقر حلا لمشكلة الأموال الضخمة التي يستحلها الأغنياء القادرون المماطلون؟
نرجو أن يتسع وقت المجمع لبحث هذا الموضوع
الخاتمة
بعد هذه الدراسة لبعض الجوانب التطبيقية لبيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية، أرجو ألا يكتفي المجمع بالفتوى من الناحية النظرية، وأن يبين ما يجوز وما لا يجوز مما ذكرته في هذه الدراسة، حتى نساعد المصارف الإسلامية لتصحح مسيرتها، وتبتعد عن الأخطاء في مجال التطبيق العملي.
والله عز وجل هو المستعان، نعم المولى ونعم النصير، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
" سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين "
الدكتور / علي أحمد السالوس