الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرف
إعداد
الدكتور أبو بكر دوكوري
بسم الله الرحمن الرحيم
مباحث العرف:
تشتمل هذه المباحث على الموضوعات التالية:
1-
تعريف العرف – الفرق بين العرف والعادة – الفرق بين العرف والإجماع.
2-
تقسيمات العرف.
3-
حجية العرف ومذاهب العلماء في اعتباره.
4-
شروط اعتبار العرف وتحكيمه.
العرف في الفقه: من عرف الشيء إذا علمه فهو عارف به وعريف وتدور مادة عرف على معان كثيرة جدًّا.
أما العرف بضم العين فراء ساكنة فيطلق في اللغة على عدة معان كذلك منها: الجود واسم ما تبذله وتعطيه. وكذلك يطلق على موج البحر وعلى ما تعرفه النفس وتطمئن إليه، قال في اللسان " والعرف والعارفة والمعروف ضد المنكر وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتبسأ به وتطمئن إليه". (1) ، ولعل هذا المعنى للعرف هو الذي يتناسب مع معناه الاصلاحي.
أما العرف في اصطلاح الفقهاء فقد عرفوه بتعريفات متقاربة فقال بعضهم: "هو ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول. وهذا التعريف اختاره الجرجاني. (2) ،
أما أبو زهرة فقد عرف العرف بأنه: ما اعتاده الناس من معاملات واستقامت عليه أمورهم. (3) . وعرفه الشيخ خلاف، فقال: هو ما تعارف عليه الناس وصار عندهم شائعًا سواء كان في جميع البلدان أو بعضها قولًا كان أو فعلًا. (4) .
(1) راجع القاموس المحيط: 3/ 183؛ ولسان العرب المحيط: 2 /747.
(2)
راجع التعريفات: ص130.
(3)
أصول الفقه، لأبي زهرة: ص216.
(4)
مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه: ص145.
الفرق بين العرف والعادة:
من العلماء من لم يفرق بين العرف والعادة، بل اعتبرهما مترادفين، قال ابن عابدين:"العادة والعرف بمعنى واحد". وقال خلاف: "والعرف والعادة في لسان الشرعيين لفظان مترادفان معناهما واحد".
كما ورد من عطف أحدهما على الآخر كقول بعض الفقهاء هذا الحكم ثابت بدلالة العرف والعادة، إنما هو من باب تعاطف المترادفات لإفادة التأكيد إذ لا تفيد كلمة العادة معنى غير معنى العرف وممن ذهب إلى هذا الجرجاني. (1) .
ومن العلماء من خص العرف بالقول، والعادة بالفعل نسبه بعضهم إلى البخاري في كشف الأسرار. (2) .
ومن العلماء من يرى أن الصلة بين العرف والعادة هي العموم والخصوص المطلق بمعنى أن العادة أعم مطلقًا من العرف إذ كل عرف عادة وليس كل عادة عرفًا. (3) .
الفرق بين العرف والإجماع:
هناك شبه بين الإجماع والعرف وخاصة العرف العام، لذلك دأب بعض العلماء على ذكر فوارق بينهما من ذلك:
أولًا: إن العرف يكفي في إثباته توافق غالب الناس على قول أو فعل بما فيهم العامة والخاصة. والإجماع لا يكون إلا من مجتهدي الأمة.
ثانيًا: إن العرف لا يقدح فيه مخالفة البعض إذا اتفق عليه غالب الناس، أما الإجماع فإنه لا يتحقق إلا باتفاق جميع المجتهدين.
ثالثًا: إن الحكم الثابت بالإجماع كالحكم الثابت بالنص، بل أقوى منه فلا مجال لتغييره، أما المستند إلى العرف فيتغير بتغير العرف.
رابعًا: إن العرف قد يكون فاسدًا وذلك إذا خالف نصًّا شرعيًّا أو غير ذلك مما يجعله غير معتبر بخلاف الإجماع، فإنه لا يكون فاسدًا بأي حال من الأحوال لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة. (4) .
(1) انظر: التعريفات: ص 130؛ ومصادر التشريع: ص145؛ وأصول مذهب الإمام أحمد: ص522.
(2)
أصول مذهب الإمام أحمد: ص522 نقلًا عن كشف الأسرار.
(3)
راجع رسالة العرف والعادة للأستاذ أبو سنة: ص13؛ والمدخل الفقهي العام، للأستاذ مصطفى الزرقاء:2 /241.
(4)
مصادر التشريع فيما لا نص فيه: ص146؛ وأصول مذهب الإمام أحمد: ص524.
تقسيمات العرف:
للعرف أقسام باعتبارات مختلفة:
ينقسم العرف – قسمة أولى – إلى عرف قولي وعرف عملي، فالعرف القولي هو أن يتفق أهل العرف على أن يراد من اللفظ غير معناه الأصلي الذي وضع له اللفظ في اللغة بحيث يتبادر إلى الذهن ذلك المعنى عند سماعه، مثال ذلك: تعارف الناس على إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع أنه لغة يشمل الاثنين بشهادة الآية القرآنية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} . (1) .
وكتعارفهم على إطلاق لفظ اللحم على غير السمك مع أنه موضوع لما يشمل السمك أيضًا، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} . (2) .
والعرف العملي: هو ما جرى عليه الناس وتعارفوه في معاملاتهم وتصرفاتهم كتعارف الناس على البيع بالتعاطي دون صيغة لفظية لعقد البيع وتعارفهم على أن ما يدفعه الرجل لخطيبته يعتبر هدية لا يدخل في نطاق المهر.
وينقسم العرف بنوعيه القولي والفعلي – قسمةً ثانية – إلى عرف عام وعرف خاص.
فالعرف العام: هو ما تعارف عليه أهل البلاد جميعًا كتعارفهم على الاستصناع واستعمال لفظ الطلاق في إنهاء رابطة الزوجية. وهذا النوع من العرف يترك به القياس عند الحنفية ويخص به العام.
والعرف الخاص: هو ما تعارف عليه أهل بلد معين أو طائفة معينة من الناس كتعارف التجار على إثبات الديون في دفاتر خاصة من غير إشهاد عليها واعتبار هذا حجة فيما بينهم، وهذا النوع من العرف ليس له قوة النوع الأول.
وينقسم العرف باعتبار أنواعه المتقدمة – قسمة ثالثة – إلى عرف فاسد وعرف صحيح. فالعرف الفاسد ما كان مخالفًا لأدلة الشرع وأحكامه الثابتة التي لا تتغير كتعارف الناس على شرب الخمور والتعامل بالربا ولعب القمار وخروج المرأة إلى الأماكن العامة بدون حجاب وغير ذلك من الأمور التي حرمتها الشريعة لما يترتب عليها من المفاسد الدينية والاجتماعية. فمثل هذا العرف لا يعتد به ولا تبنى على مثله الأحكام لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة واتباع للهوى وإبطال للشرائع ما جاءت لتقرير المفاسد، وإن تكاثر الآخذين بها يدعو إلى مقاوتها لا إلى الإقرار بها.
(1) سورة النساء: الآية 11.
(2)
سورة النحل: الآية 14.
وأما العرف الصحيح فهو مالم يعارض نصوص الشرع أو ما يشهد له الشرع بالاعتبار في الجملة، فمثل هذا العرف يعتبر ويعتد به في الاستنباط وتشريع الأحكام إذ عدم اعتباره وعدم الاعتداد به يوقع الناس في الضيق والحرج ويجعل الشريعة في روحها مجافية للغرض الذي جاءت به من أجله. (1) .
حجية العرف ومذاهب العلماء في اعتباره:
اشتهر المذهبان الحنفي والمالكي في القول باعتباره حجة، وأنه أصل من الأصول التي يستند إليها في الأحكام، قال أبو زهرة: هذا أصل أخذ به الحنفية والمالكية في غير موضع النص. (2) . ولكن عند التحقيق يتبين أن جميع الفقهاء يعملون بالعرف في هذه الحالة وفي ذلك يقول القرافي: "أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها". (3) .
ومما يؤيد كلام القرافي هذا ما ذكره في شرح مقدمة المجموع: أن سبب تغير مذهب الإمام الشافعي بعد انتقاله إلى مصر يرجع إلى اختلاف الأعراف بين العراق ومصر فخالف بعض آرائه في العراق المبنية على العرف حين وجد عرف أهل مصر يخالف عرف أهل العراق. (4) . فهذا تصريح من علماء الشافعية على أن الإمام قد حكم بالعرف في بعض المسائل الفقهية.
وفيما يتعلق بالمذهب الحنبلي: فننقل ما قاله الدكتور عبد الله التركي في كتابه القيم "أصول مذهب الإمام أحمد "" الحنابلة كغيرهم من أصحاب المذاهب يلاحظون العرف في كثير من فتاواهم وأحكامهم وخاصة في باب المعاملات لأنهم يتوسعون فيها ويعتبرون المعاني والمقاصد ولا يقطعون عند الألفاظ فقط، وفي صيغ العقود ينظرون كثيرًا إلى ما تعارف عليه الناس، وفي الشروط في المعاملات والأنكحة يعتبرون المشروط عرفًا كالمشروط شرعًا لذلك يجرون العرف مجرى النطق". (5) .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين: " وقد أجرى العرف مجرى النطق في أكثر من مائة موضع" وذكر عدة أمثلة على ذلك. (6) .
(1) راجع الأشياء والنظائر، للسيوطي: ص93؛ والموافقات، للشاطبي: 2 /283 ومابعدها.
(2)
راجع أصول الفقه، لأبي زهرة: ص216
(3)
راجع الفروق: 1/ 76.
(4)
راجع مقدمة شرح المجموع، للنووي: ص67.
(5)
راجع أصول مذهب الإمام أحمد: ص533.
(6)
راجع إعلام الموقعين: 2 /392 - 394.
ومما تقدم يتبين أن الفقهاء قديمًا وحديثًا باختلاف مذاهبهم قد أخذوا بالعرف واعتبروه دليلًا يبنى عليه كثير من الأحكام ومرجعًا في تفسير النصوص وبيان ما ترمي إليه.
يقول ابن العربي عند تفسير قول الله تعالى: ٍ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . (1) : العادة دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام وربط به الحلال والحرام. (2) .
ومن تتبع كتب القواعد الفقهية يجد كثيرًا من الشواهد على مراعاة عرف الناس وعاداتهم في الأحكام الشرعية حتى أصبح من القواعد المقررة: " المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا " و" العادة محكمة " و " الثابت بالعرف كالثابت بالنص ".
فهذه العبارات وأمثالها لا تدع مجالًا للشك في أن العرف يرجع إليه حيث لا نص، بل ويرجع إليه في تطبيق النص وفهمه.
ومن تتبع كتب الفروع يجد الكثير من الأحكام والفتاوى مبنيًّا على العرف والعادة.
أدلة اعتبار العرف:
الفقهاء في اعتبارهم للعرف استدلوا على أمرين:
الأول: التأسي بالشارع الحكيم إذا أقر الكثير من أعراف العرب وعاداتهم قبل الإسلام بعد أن نظمها لهم كما هو الحال بالنسبة إلى بعض العقود كالبيع والإجارة والمضاربة وفرض الدية على العاقلة ولم يلغِ من ذلك إلا الفاسد الضار الذي لا يصلح للبقاء كالربا والميسر والتبني وحرمان النساء من الميراث ووأد البنات.
الثاني: بعض النصوص من الكتاب والسنة رأى فيها بعض العلماء دلالة على حجية العرف، من ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود من أنه صلى الله عليه وسلم قال:((ما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن)) . (3) ، فقد استدل بهذا الحديث كل من الإمام السرخسي والكساني وابن همام من الأحناف، وكذلك السيوطي من الشافعية وغيرهم على حجية العرف فإن هذا الأثر يدل بعبارته ومرماه على أن الأمر الذي يجري عرف المسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة يكون عند الله أمرًا حسنًا لأن مخالفة العرف الذي يعده الناس حسنًا يكون فيه حرج وضيق ولقد قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . (4) .
(1) سورة الطلاق: الآية7.
(2)
راجع أحكام القرآن: 4 /183.
(3)
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده والراجح وقفه على ابن مسعود، كما صرح بذلك كل من الأئمة السخاوي والعلائي والزيلعي، راجع نصب الراية: 4 /133، 134؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص99.
(4)
سورة الحج: الآية 78.
وذكر ابن عابدين أن بعض العلماء استدل على اعتبار العرف بقول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} . (1)، فقال: كل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر هذه الآية. (2) .
وبعد أن تقرر اعتبار العرف في الشريعة الإسلامية وأنه دليل يرجع إليه الفقيه إذا أعوزه دليل آخر أرجح منه بقي أن نعلم أن لهذا العرف الذي يقول به الفقهاء شروطًا لا بد من توفرها:
أولًا: أن يكون العرف غالبًا مطردًا وفي هذا يقول ابن نجيم: "إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت"، ولذا قال الفقهاء في البيع لو باع بدراهم أو دنانير وكانا في بلد اختلفت فيه النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الأغلب لأنه المتعارف فينصرف المطلق إليه.
قال السيوطي: "إنما تعتبر العادة إذا اطردت، فإن اضطربت فلا ومن هنا جاءت القاعدة الفقهية: "العبرة بالغالب الشائع لا بالنادر". (3) .
ثانيًا: ألا يخالف العرف نصًّا من نصوص الشرع أو قاعدة من قواعده المقررة وفي هذا يقول الإمام السرخسي: "وكل عرف ورد النص بخلافه فهو غير معتبر". (4) . والمخالفة القادحة في العرف هي ما إذا كان في العمل به إبطال للنص من كل وجه وبالكلية. أما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان النص عامًّا وكان هناك عرف يخالفه في بعض أفراده إنه يعمل بهما معًا ويكون العرف في هذه الحالة مخصصًا للنص لا مبطلًا له ولذلك جوز الفقهاء الاستصناع لتعارف الناس عليه وتعاملهم به مع أن النص ورد بالنهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده وهو صادق على الاستصناع فعمل بمقتضى النص في غير الاستصناع وعمل بالعرف في الاستصناع.
ثالثًا: ألا يكون هناك اتفاق بين المتعاقدين على استبعاد العرف:
إذا صرح المتعاقدان أو اتفقا على استبعاد ما يتعارف عليه الناس في بعض المعاملات نفذ الاتفاق وأهمل العرف. فمثلًا لو كان هناك عرف على أن تكون مصاريف تسجيل العقد أو نفقات شحن البضاعة على المشتري واتفق العاقدان على أن يكون ذلك على البائع عمل بهذا الاتفاق بالإجماع ولا عبرة بالعرف.
(1) سورة الأعراف: الآية 199.
(2)
راجع أصول الأحكام: ص141.
(3)
الأشباه والنظائر، للسيوطى: ص92.
(4)
راجع المبسوط: 12 /196.
يقول العز بن عبد السلام: "كل ما يثبت في العرف إذا صرح المتعاقدان بخلافه بما يوافق مقصود العقد صح". (1) .
رابعًا: أن يكون العرف الذي تحمل عليه الصيغ والنصوص والتصرفات موجودًا وقت ورودها فلا عبرة بالعرف المتأخر الطارئ على التصرف أو النص.
يقول السيوطي: "العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن أو السابق دون المتأخر". (2) .
ويقول الشاطبي في الموافقات: "إن العوائد تختلف باختلاف الأعصار والأمصار لا يصح، أن يقضى بها على قوم حتى يعرف أنها عادتهم ويثبت ذلك، فلا يقضى على من مضى بعادة ثبتت متأخرة". (3) .
خامسًا: أن يكون العرف عامًّا لا خاصًّا، وهذا الشرط محل اختلاف بين الفقهاء.
قال السيوطي: "العادة المطردة في ناحية هل تنزل عادتهم منزلة الشرط فيه صور منها: لو جرت عادة قوم بقطع الحصرم قبل النضج فهل تنزل عادتهم منزلة الشرط حتى يصح بيعه من غير شرط القطع؟ وجهان أصحهما: لا، وقال القفال: نعم". (4) .
واشتراط العموم في العرف هو مذهب جمهور الحنفية والشافعية به صرح القرافي من المالكية وابن حجر الهيثمي. (5) .
سادسًا: أن يكون العرف ملزمًا. أي يتحتم العمل بمقتضاه في نظر الناس وهذا الشرط زاده بعضهم فاعتبر أن العرف المعتبر يختص بالعرف المثبت لحق من الحقوق لقيامه مقام الشرط أو العقد ومثلوا له بالهدايا في الأعياد والأعراس والمناسبات المختلفة إذا كان هناك عرف واعتياد في المكافأة عليها لزم ذلك في الفتيا والقضاء. (6) .
سابعًا: هناك شرط آخر ذكره ابن عابدين في رسالة العرف وهذا الشرط يتعلق بمن يحكم بالعرف أو يفتي به، وفي ذلك يقول:"وكذلك المفتي الذي يفتي بالعرف لا بد له من معرفة الزمان وأحوال أهله ومعرفة أن هذا العرف خاص أو عام وأنه مخالف للنص أولًا ولا بد له من التخرج على أستاذ ماهر ولا يكفيه مجرد حفظ المسائل والدلائل". (7) .
(1) راجع قواعد الأحكام: 2 /158.
(2)
راجع الأشباه والنظائر: ص106.
(3)
راجع الموافقات: 2 /220.
(4)
راجع الأشباه والنظائر: ص103.
(5)
راجع المصدرالسابق والفتاوى الكبرى: 4 /57.
(6)
راجع أصول الأحكام: ص139.
(7)
راجع أصول الفقه، لأبي زهرة: ص219 نقلًا عن ابن عابدين.
وبعد أن عرفنا العرف وآراء العلماء في اعتباره بقي أن نعرف أن الحكم المبني على العرف يتغير تبعًا لتغير الأصل الذي بني عليه.
وفي هذا يقول القرافي: " الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت وتبطل معها إذا بطلت كالنقود في المعاملات والعيوب في الأعراض في البياعات ونحو ذلك. فلو تغيرت العادة في النقد والسكة إلى سكة أخرى لحمل الثمن في البيع عند الإطلاق على السكة التي تجددت العادة بها دون ما قبلها إلى أن يقول: " وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المركبة على العوائد وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه ". (1) .
وتبعًا لذلك، فالمجتهد يغير رأيه في المسألة الواحدة لتغير العرف الذي بني عليه الحكم، كما حدث للإمام الشافعي رحمه الله تعالى بعد انتقاله من العراق إلى مصر.
وقد يخالف فقهاء المذهب الواحد صاحب المذهب في أحكام بنيت على العرف بعد أن اختلف وتغير كما حدث بالنسبة للإمام أبي حنيفة وصاحبيه محمد بن الحسن وأبي يوسف، فقد خالفاه في كثير من الأحكام نتيجة لهذه القاعدة.
ومن أمثلة ذلك اختلف الإمام وصاحباه فيما لو غصب شخص ثوبًا وصبغه بلون أسود، فقد اعتبره أبو حنيفة نقصانًا في قيمته، وقال الصاحبان: إنه زيادة. ومرجع هذا الاختلاف العرف. حيث كان فتوى الإمام أبو حنيفة في زمن الأمويين وكانوا يكرهون لبس السواد فكان مذمومًا وكانت فتوى الصاحبين على عهد العباسيين وكان شعارهم السواد فكان ممدوحًا. (2) .
ومن أمثلة مخالفة المتأخرين للمتقدمين في بعض الأحكام الفقهية نتيجة لتغير العرف أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، فقد كان القدامى يحرمونه لأنه طاعة وعبادة، وهذا الحكم كان مناسبًا للزمان الذي صدر فيه هذا الحكم إذ كان لمعلمي القرآن الكريم رواتب من بيت مال المسلمين ولكن بعد أن تغير هذا العرف وانقطع ما كان مخصصا لهم في بيت المال أفتوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والإمامة والأذان.
وقد عقد ابن القيم – رحمه الله – فصلًا في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد وبين في مطلع هذا الفصل أن الشريعة مبنية على مصالح العباد، فما كان من مصلحة فهي محصلة له وما كان من مفسدة فهي نافية له وأنها كلها عدل ورحمة. ثم ضرب أمثلة كثيرة على تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد وأفاض في ذلك كثيرًا.
الدكتور أبو بكر دوكوري.
(1) راجع الفروق: 1/176.
(2)
راجع أصول الأحكام: ص 143 نقلًا عن مجمع الضمانات.