المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

‌المرابحة للآمر بالشراء

إعداد

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية القانون – جامعة الخرطوم

عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

1-

بيع المرابحة:

البيع إما أن يكون عن طريق التفاوض بين البائع والمشتري من غير نظر إلى رأس المال الذي قامت به السلعة على البائع، ويسمى بيع المساومة، وإما أن يكون على أساس رأس المال، ويسمى بيع الأمانة، وفي بيع الأمانة قد يكون البيع برأس المال فقط، ويسمى تولية، إذا أخذ المشتري كل السلعة، أما إذا أخذ جزءا منها بما يقابله من الثمن، فيسمى إشراكا، وقد يكون بربح معلوم ويسمى مرابحة، وقد يكون بخسارة معلومة، ويسمى وضيعة ومواضعة ومحاطة ومخاسرة.

فبيع المرابحة نوع من البيع الجائز بلا خلاف، غير أن بيع المساومة أولى منه عند بعض الفقهاء، يقول ابن رشد: البيع على المكايسة والمماكسة أحب إلى أهل العلم وأحسن عندهم؛ وذلك لأن بيع المرابحة كما يقول الإمام أحمد: تعتريه أمانة واسترسال من المشتري، ويحتاج إلى تبيين الحال على وجهه، ولا يؤمن من هوى النفس في نوع تأويل أو غلط، فيكون على خطر وغرر، وتجنب ذلك أسلم وأولى. ويشترط في بيع المرابحة ما يشترط في البيع بصفة عامة، ويختص بشروط خاصة أهمها علم المتبايعين برأس المال والربح، كأن يقول البائع: رأس مالي مائة، أو: هو علي بمائة، بعتك بها وربح عشرة.

وإذا ظهرت خيانة البائع فيما ذكره من الثمن أو غيره مما يجب ذكره، فالبيع صحيح، ولكن يثبت للمشتري الخيار، فإن شاء أخذ بما بينه البائع على ما فيه من زيادة، وإن شاء ترك البيع، وقال بعض الفقهاء: ليس للمشتري الخيار، وإنما له الحق في إسقاط الزيادة (1) .

(1) انظر أحكام بيع المرابحة في: ابن عابدين 4: 211، والدسوقي على الشرح الكبير 3: 159 والمقدمات الممهدات 2: 276، ونهاية المحتاج 3: 163، والمغني 4: 179، والبحر الزخار 3: 277

ص: 736

2-

بيع المرابحة للآمر بالشراء:

حقيقته:

هذه صورة من صور التعامل وردت في الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، وتطبقها البنوك الإسلامية، وكيفيتها كما جاء في الموسوعة:

" أن يتقدم العميل إلى البنك طالبا منه شراء سلعة معينة بالمواصفات التي يحددها على أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة اللازمة له فعلا مرابحة بالنسبة التي يتفقان عليها، ويدفع الثمن مقسطا حسب إمكانياته".

ثم أوردت الموسوعة تبريرا لهذه المعاملة فقالت:

" فهذه المعاملة مركبة من وعد بالشراء، وبيع بالمرابحة، فهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن البنك لا يعرض أن يبيع شيئا، ولكنه يتلقى أمرا بالشراء، وهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب ويعرضها على المشتري الآمر ليرى إذا كان مطابقا لما وصف، كما أن هذه العملية لا تنطوي على ربح ما لم يضمن؛ لأن البنك قد اشترى فأصبح مالكا يتحمل تبعة الهلاك "(1) اهـ.

فهذه المعاملة تتم في مرحلتين:

المرحلة الأولى: عندما يتقدم العميل إلى البنك طالبا منه شراء سلعة معينة أو موصوفة ليست عند البنك، فيعده البنك بأنه سيشتري السلعة التي يطلبها العميل ويبيعها له، ويعد العميل البنك بأنه سيشتريها منه عندما يقدمها له، ويحددان في هذه المرحلة ثمن الشراء والربح، وطريقة الدفع، وهو مؤجل غالبا، وتطلب بعض البنوك دفع عربون في هذه المرحلة.

وقد يكون هذا الطلب شفويا، وقد يكون مكتوبا، ولكن جاء في الموسوعة:

" إنه لا ينبغي أن يكون الأمر بالشراء شفاهة وإنما يلزم أن يكون طلبا مكتوبا، وأن يتأكد البنك من جدية الطلب حتى تصبح المخاطرة محسوبة، وحتى يتلافى البنك نكول الآمر بالشراء بعد طلبه ذلك "(2) .

والسلعة المطلوبة قد تكون موجودة في السوق المحلي، وقد لا تكون موجودة فيستوردها البنك من الخارج.

المرحلة الثانية: المرحلة الأولى كانت مجرد مواعدة، أما هذه المرحلة الثانية فهي مرحلة إبرام العقد، وتبدأ بعد شراء البنك البضاعة وتسلمها وعرضها على العميل وقبوله، وعندئذ تتم كتابة عقد البيع وتوقيعه من الطرفين.

(1) الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 1/29، وهذا الذي ورد في الموسوعة مأخوذ عن الدكتور سامي حمود في رسالته: تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية 476 - 479

(2)

الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية

ص: 737

هل هذه معاملة مستحدثة؟

هذه المعاملة ليس مستحدثة، وإنما المستحدث هو التسمية فقط، أما حقيقة المعاملة فهي معروفة في الفقه الإسلامي، ونورد فيما يلي بعض النصوص الفقهية التي تذكر هذه المعاملة وتذكر حكمها:

1-

روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن رجلا قال لرجل: " ابتع لي هذه البعير بنقد، حتى أبتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه"(1) .

ذكر مالك هذه المسألة في باب: " بيعتان في بيعة " فكأنه يرى أن ابن عمر يعتبرها داخلة فيما نهى عنه من بيعتين في بيعة.

قال الباجي: " ولا يمتنع أن يوصف بذلك من وجهة أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن، فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمن بيعتين: إحداهما الأولى، وهي بالنقد، والثانية المؤجلة، وفيها مع ذلك بيع ما ليس عنده؛ لأن المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه، وفيها سلف وزيادة؛ لأنه يبتاع له البعير بعشرة على أن يبيعه منه بعشرين إلى أجل، يتضمن ذلك أنه سلفه عشرة في عشرين إلى أجل وهذه كلها معان تمنع جواز البيع، والعينة فيها أظهر من سائرها، والله أعلم"(2) .

وقد أورد فقهاء المالكية صورا متعددة لهذه المعاملة تحت عنوان بيع العينة، وبخاصة شراح متن خليل عند قوله:

" جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بنماء ولو بمؤجل بعضه"(3) .

(1) الموطأ مع المنتقى 57/ 38

(2)

المنتقى 5/38، 39

(3)

متن خليل مع حاشية الدسوقي، 3/ 88

ص: 738

2-

قال الإمام الشافعي: " وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز والذي قال: أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعا، وإن شاء تركه، وهكذا إن قال: اشتر لي متاعا، ووصفه له، أو متاعا أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء هذا ما وصفت إن كان قال: ابتاعه وأشتريه منك بنقد، أو بدَيْن، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنهما تبايعا قبل أن يملكه البائع، والثاني أنه على مخاطرة إنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا "(1) .

3-

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني: " قلت: أرأيت رجلًا أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟ قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ويقبضها ويجيء الآمر، ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: وهي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازما، ويكون استيجابا من المأمور للمشتري، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك"(2) اهـ.

هذه النصوص الفقهية لثلاثة من كبار أئمة الفقه تبين لنا بوضوح أن بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تمارسه البنوك الإسلامية ليس أمرا جديدا، كما يتوهمه بعض الباحثين، وتبين لنا من هذه النصوص أن السلعة التي يطلب الآمر شراءها قد تكون معينة، وقد تكون موصوفة، وقد لا تكون معينة ولا موصوفة كما في عبارة الشافعي:" أو متاعا أي متاع شئت "، كما تبين لنا أن الآمر بالشراء قد يشتري السلعة بنقد وقد يشتريها إلى أجل، وفي الحالين يكون الشراء بربح محدد.

(1) الأم للشافعي 3/33

(2)

كتاب الحيل رواية السرخسي 79

ص: 739

حكم هذه المعاملة عند هؤلاء الأئمة:

هذه المعاملة لا تجوز عند هؤلاء الأئمة الثلاثة إذا كانت ملزمة للطرفين، وهذا واضح من عبارة الشافعي، " وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ "، وواضح أيضا من عبارة الباجي التي شرح بها قول مالك وهي:" ولا يمتنع أن يوصف بذلك من وجهة أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن "، أما الإمام محمد فإن إرشاده المأمور إلى استعمال خيار الشرط يدل على أنه يرى أن إلزام الآمر بالشراء غير جائز؛ لأنه لو كان جائزا لم تكن هناك حاجة إلى الحيلة.

والتعليل الذي يؤخذ من أقوال هؤلاء الأئمة للحكم بعدم جواز الإلزام هو:

1-

أن البيع مع الإلزام يكون قد وقع قبل أن يملك البائع السلعة، كما يقول الشافعي، والباجي.

2-

أن الإلزام يجعل هذه المعاملة داخلة في " بيعتين في بيعة" المنهي عنها " كما يقرر الباجي.

3-

أن الإلزام يجعل في المعاملة مخاطرة: " إنك إن اشتريته بكذا أربحك فيه كذا"، كما يقول الشافعي.

4-

أن في هذه المعاملة سلف وزيادة، كما يقول الباجي.

وهذه كلها معان تمنع جواز البيع، والأظهر منها عندي هو المانع الأول، وهو أن الإلزام بالوعد يجعل هذه المعاملة من قبيل بيع الإنسان ما لا يملك.

ويفهم من أقوال هؤلاء الأئمة الثلاثة أن هذه المعاملة تجوز إذا جعل للطرفين الخيار، أو جعل الخيار لأحدهما، وقد صرح الإمام الشافعي بهذا، بل إن الشافعي جعل الخيار للمشتري من غير شرط، وحكم بأن اشتراط الإلزام مفسد لعقد البيع بين الآمر والمأمور.

ص: 740

الخلاف الحادث في الإلزام بالوعد في هذه المعاملة:

لا أعلم خلافا معتبرا بين الفقهاء المعاصرين في جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا جعل للطرفين أو لأحدهما الخيار وإنما الخلاف بينهم فيما إذا وقع هذا البيع على الإلزام من أول الأمر، بمعنى أن البنك ملزم بالبيع مرابحة للآمر بالشراء، والآمر بالشراء ملزم بتنفيذ وعده بالشراء، عندما يقدم له البنك السلعة المطلوبة.

وقد ظهر أول اختلاف بين الفقهاء المعاصرين عندما بحث هذا الموضوع في مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1399هـ، 1979م، وكان رأي الأكثرية جواز الإلزام بالوعد في هذه المعاملة، ولهذا جاءت توصية المؤتمر على النحو التالي:

يرى المؤتمر أن هذا التعامل يتضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع، بعد الشراء طبقا لذلك الشرط.

إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه.

تحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية، وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى إصدار قانون بذلك. (1) انتهت التوصية.

(1) مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1399هـ – 1979 م ص 14

ص: 741

وبحث هذا الموضوع مرة أخرى في مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت في جمادى الآخرة 1403هـ – مارس 1983م، وأصدر فيه المؤتمر التوصية التالية:

8-

يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء، بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق هو أمر جائز شرعا، طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.

وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزما للآمر أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعا، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه.

وكانت التوصية الخاصة بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء بالإجماع، أما التوصية الخاصة بجواز الإلزام بالوعد فكانت رأي الأكثرية.

وبحث هذا الموضوع مرة ثالثة في ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة بالمدينة المنورة في شهر رمضان 1403هـ – يونيو 1983م، وجاءت الفتوى على النحو التالي:

" وأما الصورة المرابحة للآمر بالشراء فإن اللجنة تؤكد ما ورد في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي المنعقد في الكويت مع ما تضمنت من تحفظات بالنسبة للإلزام".

وقد اختلف العمل في البنوك الإسلامية بالنسبة لإلزام الآمر بوعده وعدمه، تبعا لاختلاف فتاوى هيئات الرقابة الشرعية للبنوك، والعمل في كل البنوك الإسلامية في السودان على عدم الإلزام، ما عدا بنكا واحد، وتضمن بعض البنوك نصا صريحا في العقد يعطي الآمر الخيار في الشراء وعدمه، عندما يقدم له البنك السلعة المطلوبة.

والصواب عندي هو عدم إلزام الآمر بالشراء للأدلة التي ذكرها المتقدمون من الفقهاء، وأقواها أن بيع المرابحة للآمر بالشراء مع إلزام الأمر بوعده يؤدي إلى بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأنه لا فرق بين أن يقول شخص لآخر: بعتك سلعة كذا بمبلغ كذا، والسلعة ليست عنده، وبين أن يقول شخص لآخر: اشتر سلعة كذا، وأنا ملتزم بشرائها منك بمبلغ كذا وبيع الإنسان ما ليس عنده منهي عنه بحديث:" لا تبع ما ليس عندك"(1) ولا يغير من هذه الحقيقة كون البنك والآمر بالشراء سينشئان عقد بيع من جديد بعد شراء البنك السلعة وتقديمها للآمر، ما دام كل واحد منهما ملزما بإنشاء البيع على الصورة التي تضمنها الوعد.

(1) انظر الجامع الصحيح 3/536، ومنتقى الأخبار مع نيل الأوطار 5/252، والغرر وأثره في العقود للدكتور الصديق الضرير 318 وما بعدها

ص: 742

أدلة المجوزين للإلزام بالوعد في بيع المرابحة، ودفعها:

استدل المجوزون لإلزام كل من البنك والآمر بالشراء بوعده في بيع المرابحة للآمر بالشراء بدليلين:

الأول: أن الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء، وإذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه (1) .

الثاني: الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل (2) .

والدليلان غير مقبولين عندي:

أما الدليل الأول، فغير وارد في مسألتنا هذه؛ لأن الوعد الذي وقع الاختلاف فيه بين المالكية وغيرهم، فقال المالكية بالإلزام به ديانة وقضاء، وقال غيرهم بالإلزام به ديانة لا قضاء، هو الوعد بالمعروف من جانب واحد، كأن يعد شخص آخر بأن يدفع له مبلغا من المال، ومسألتنا هذه ليست من هذا القبيل؛ لأن الوعد فيها من أحد الطرفين يقابله وعد من الطرف الآخر، فهو أقرب إلى العقد منه إلى الوعد، وينبغي أن تطبق عليه أحكام العقد.

ثم إن الوعد الملزم الذي يجب الوفاء به ديانة وقضاء، أو ديانة فقط، هو الوعد الذي لا يترتب على الإلزام به محظور، والإلزام بالوعد في مسألتنا هذه يترتب عليه محظور، هو بيع الإنسان ما لا يملك.

وبناء على هذا فلا يصح القول بالإلزام بالوعد في هذه المعاملة اعتمادا على رأي المالكية أو غيرهم، ويؤيد هذا أن الإمام مالكا وفقهاء المالكية من بعده نصوا على منع هذه المعاملة إذا وقعت على الإلزام (3) .

(1) مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1399هـ- 1979م ص14

(2)

مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني بالكويت 1403هـ – 1983م

(3)

راجع ص 3 وراجع شراح متن خليل عند قوله: " جاز لمطلوب منه سلعة

"

ص: 743

ويزيد هذا الأمر وضوحا أن المالكية لا يسمون مثل هذه المعاملة وعدا، وإنما يسمونها " مواعدة "، ولهم في المواعدة قاعدة تنطبق تمام الانطباق على مسألتنا، وهذا هو نص القاعدة مع شرحها:

القاعدة الخامسة والستون:

" الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية "

ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة، وعلى بيع الطعام قبل قبضه ووقت نداء الجمعة، وعلى ما ليس عندك

" (1) .

وأما الدليل الثاني، وهو أن في الإلزام استقرار المعاملات ومصلحة الطرفين فهو غير مقبول أيضا، بعدما ثبت أن في الإلزام محظورا شرعيًّا؛ لأن المصلحة التي فيه تكون غير معتبرة شرعا، فهي كالمصلحة التي تعود على الطرفين في بيع الإنسان ما ليس عنده الذي نهى عنه الشارع.

هذا لو سلمنا بأن في الإلزام مصلحة الطرفين واستقرار المعاملات (2) .

صحيح أن البنك يصيبه ضرر كبير إذا كانت السلعة المأمور بشرائها لا تصلح إلا للآمر، ورفض شراءها من البنك بعدما تملكها.

لقد تنبه القائلون بعدم الإلزام لهذه الحالة، وأرشدنا الإمام محمد بن الحسن إلى أن المخرج الذي يجعل البنك في مأمن من الضرر، هو أن يشترط لنفسه خيار الشرط عندما يشتري السلعة المطلوبة، ثم يعرضها على الآمر في مدة الخيار، فإن قبلها تم البيع ولزمته، وإن رفضها ردها البنك إلى من اشتراها منه (3) .

(1) إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك تأليف أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي 278

(2)

انظر رأي الدكتور أحمد علي عبد الله في أن استقرار المعاملات والمصلحة في عدم الإلزام، لا في الإلزام، المرابحة: أصولها وأحكامها وتطبيقاتها في المصاريف 255-260 (رسالة دكتوراه على الآلة الكاتبة) .

(3)

انظر ص4

ص: 744

مسألة تحتاج إلى بحث:

يتبين لنا مما تقدم أنه لا خلاف بين الفقهاء، المتقدمين منهم والمعاصرين، في أنه يشترط لصحة بيع المرابحة للآمر بالشراء أن يتم عقد البيع بعد أن يتملك المأمور السلعة المطلوبة، عملا بالحديث الذي ينهى عن بيع الإنسان ما ليس عنده، كما يتبين لنا أن المتقدمين من الفقهاء اشترطوا لصحة بيع المرابحة للآمر بالشراء أن يكون للآمر الخيار في إنشاء العقد بعد أن يتملك المأمور السلعة، ولا يجوز إلزامه بإنشاء العقد؛ لأنه يؤدي إلى بيع المأمور السلعة قبل أن يتملكها، وقد أخذ بعض الفقهاء المعاصرين بهذا الرأي، وخالف بعض منهم، فجوز إلزام الآمر بإنشاء العقد، ولم ير فيه مخالفة للحديث؛ لأن البيع يتم بعد أن يتملك المأمور السلعة.

وظهر في أثناء النقاش في هذا الموضوع اتجاه ثالث يطالب ببحث ما يدل عليه حديث: " لا تبع ما ليس عندك"، هل يتناول النهي فيه كل ما ليس في ملك البائع عند العقد، سواء أكان شيئا معينا، أو موصوفا في الذمة، وسواء أكان مدخولا على تسليمه في الحال، أو بعد مدة من الزمان؟ أم يختص ببعض هذه الحالات؟

وقد كان لي رأي قديم في فهم هذا الحديث، كتبته قبل عشرين عاما، خلاصته أن النهي في الحديث يتناول بيع الإنسان ما لا يملك إذا كان مدخولا على تسليمه في الحال، ولا يتناول بيع الأشياء الموصوفة المتفق على تسليمها بعد مدة محددة من الزمان؛ لأن العلة في المنع هي الغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم، وهذا الغرر يزول، أو يقل، إذا كان التسليم بعد مدة يغلب فيها تمكن البائع من الحصول على المبيع وتسليمه للمشتري، وأخذت من هذا أن بيع الاستيراد المتعارف عليه في عصرنا الحاضر لا يشمله النهي الوارد في الحديث (1) ، ولكني توقفت عن الفتوى بهذا الرأي عندما عرضت علينا مسألة من هذه القبيل في هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني، التي أتشرف برئاستها، وأصدرت الهيئة فتوى متمشية مع ما عليه الفقهاء من الأخذ بظاهر الحديث، ومنع بيع كل من ليس في ملك البائع، إلا أن يكون بيع سلم، وأرسلت بمذكرة في هذا الشأن إلى الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية طلبت فيها بحث هذا الموضوع، ولكن لم يتيسر بحثه إلى اليوم.

وقد خصص الدكتور أحمد علي عبد الله فصلا لهذا الموضوع في رسالته عن المرابحة: أصولها، وأحكامها، وتطبيقاتها في المصارف الإسلامية (2) ثم قدم هذا الموضوع تحت عنوان " البيع على الصفة " في ندوة في الخرطوم شارك فيها بعض أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية بالخرطوم، ولكن لم يصلوا فيه إلى رأي موحد.

وأقترح أن يبحث المجمع هذا الموضوع في دورته القادمة.

ونسأل الله التوفيق والهداية

الصديق محمد الأمين الضرير

(1) انظر كتاب الغرر وأثره في العقود 320

(2)

رسالة دكتوراه أعدت في قسم الشريعة الإسلامية بكلية القانون بجامعة الخرطوم، الفصل الثالث (261- 303) وصاحب الرسالة يعمل مديرا لإدارة الفتوى والبحوث ببنك التضامن الإسلامي بالخرطوم

ص: 745