الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعد
إعداد
الشيخ محمد علي التسخيري
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الدخول في مسألة مشروعية مثل هذا العقد نجد من الضروري ملاحظة طبيعة عقد الإجارة وامتلاك تصور عن قاعدة ((المؤمنون عند شروطهم)) وحكم الوعد الابتدائي تمهيدا للوصول إلى الرأي المختار في الموضوع.
حول عقد الإجارة:
عرف عقد الإجارة بأنه (تمليك عمل أو منفعة بعوض) أو (تمليك منفعة عمل أو عين بعوض) ، والإجارة لذلك شاملة لعقود كثيرة كعقود إجراء المشاريع (المقاولات) وعقود استخدام الموظفين، والخدمات الطبية والترفيهية والحمل والنقل وغيرها.
وربما جعلت الإجارة أحد الأركان للحياة الاقتصادية في النصوص الإسلامية، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام قوله:(إن معايش الخلق خمسة: الإمارة والعمارة والتجارة والإجارة والصدقات، ولو كان الرجل منا يضطر إلى أن يكون بنَّاءً لنفسه أو نجارًا أو صانعًا في شيء من جميع الصنائع لنفسه ويتولى جميع ما يحتاج إليه من إصلاح الثياب وما يحتاج إليه من الملك، فمن دونه فما استقامت أحوال العالم بتلك ولا اتسعوا له ولعجزوا عنه، ولكنه أتقن تدبيره لمخالفته بين هممهم وكلما يطلب مما تنصرف إليه همته مما يقوم به بعضهم لبعض)(1) .
وتمتاز الإجارة على البيع أنها تمليك منفعة وهو تمليك عيني، كما تمتاز على عقود المزارعة والمساقاة والمضاربة بعموميتها أولاً وهي عقود لها موارد خاصة وبأنها عقد تبادلي معلوم العوض دونها، كما تمتاز على الجعالة بعموميتها أيضًا في حين تختص الجعالة بالمنافع ولا تشمل الأدوات، وكذلك تفترقان في مسألة اللزوم لأن الإجارة عقد لازم دون الجعالة وهناك بحوث مفصلة عن أقسامها وشرائطها بالنسبة للمتعاقدين والعوضين وأحكام الإجارة وإمكان شرط الضمان فيها أو عدمه، والإجارات المحرمة ولكننا نكتفي بما أشرنا إليه.
(1) وسائل الشيعة، ج13، كتاب المزارعة، باب2، حديث 10
قاعدة ((المؤمنون عند شروطهم)) :
وهي قاعدة ثابتة بأدلة كثيرة:
فقد جاء في كتاب (دعائم الإسلام) عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ((المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله)) .
وفي كتاب غوالي اللآلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمنون عند شروطهم)) .
وفي صحيح البخاري وغيره من الصحاح: ((والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرَّمَ حلالًا)) .
وكذلك جاءت روايات عن أهل البيت بهذا المضمون.
منها ما روي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز وجل.
فالروايات بملاحظة كثرتها وعمل المسلمين بها في غاية الوثوق ودلالتهما أيضاً واضحة تماماً وهي – على سبيل الإجمال – تلزم كل مسلم بالثبوت عند التزاماته، والمراد من الثبوت ترتيب الأثر على الشرط.
ولما كان الشرط هو الإلزام والالتزام صح أن يطلق على الأحكام الإلزامية أنها شروط الله، ولذلك أطلق صلى الله عليه وسلم الشرط على كون الولاء للمعتق لا للبائع في قصة شراء السيدة عائشة لبريرة حين قال:((إن شرط الله أحق وأوثق)) ، ولكن المعني به في هذه القاعدة هو الالتزام والوفاء به.
والمراد من القاعدة حكم وضعي كمفاد قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، وهو ثبوت ما التزم به واستقراره عليه ولا يقتصر المفاد على الإلزام التكليفي فقط.
ثم إن هنا بحثاً عن شمول مفهوم القاعدة للشروط والوعود الابتدائية وعدمه نؤجله إلى موضعه من هذا المقال.
وننتقل إلى بيان شرائط صحة الشروط الواقعة ضمن العقود وهي أمور:
1-
أن يكون مقدوراً.
2-
أن يكون له غرض معتد عقلائي.
3-
أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة أي يحل حراماً أو يحرم حلالاً.
والضابط أن لا يكون نافيًّا لما أثبته الشارع أو مثبتًا لما نفاه، فلو شرط ارتكاب محرم أو ترك واجب خالف الكتاب والسنة قطعاً. بخلاف ما لو شرط عليه فعل مباح (بالمعنى الأعم) .
وفي موضوع الشرط الذي يحرم حلالاً وقع الاختلاف والبحث، فإن دائرة المباحات هي التي تشملها الشروط فتلزم بها، فأين إذن مجال (تحريم الحلال) ، وقد قيل في ذلك إنه إذا اشترط ترك نوع من المباح لا فرد مصداق من مصاديقه، وذلك بشكل دائم فهو يؤدي لشرط ترك الطبيعة المباحة من الحكم وهو مخالف للحكم المباح ويحوله إلى حكم محرم باعتبار أن الحرمة تتعلق بطبيعة العمل في جميع الأزمان.
وربما أمكن القول بأن هناك أموراً أصرَّ الشارع على إباحتها كالتمتع بالزوجات وأصل الزواج والطلاق والحرية نفسها، فلا يجوز إلغاؤها عبر شرط متضمن في عقد. وما ذكروه من مجال لتحريم الحلال يدخل كمصداق من مصاديق هذه القاعدة.
4-
أن لا يكون الشرط منافيًّا لمقتضى العقد فلا معنى لاشتراط عدم التملك من قبل البائع في عقد البيع لأنه خلاف مقتضى العقد.
بل أن لا يكون الشرط منافيًّا للأثر الرئيس للعقد كاشتراط عدم الاستمتاع بالزوجة، وربما كاشتراط عدم بيع السلعة مطلقاً مرة أخرى من قبل البائع الأول، وكذلك أن لا يتنافى مع الأثر الشرعي المجعول للعقد كاشتراط الضمان في عقد الإجارة رغم أن أثرها الشرعي هو عدم الضمان – كما يدعى-.
5-
أن لا يكون الشرط مجهولاً في معاملة تضر الجهالة بها، كالبيع دون الصلح وربما يقال بهذا الشرط في مطلق المعاملات بناء على تعميم النهي لكل المعاملات باعتباره أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن مطلق الضرر، وهذا أمر لم يثبت.
6-
أن لا يستلزم الشرط المحال كقوله: بعتك شريطة أن يكون مبيعًا مني بنحو شرط النتيجة.
7-
التنجيز- على قول.
وهناك شروط أخرى ربما اعتبرها البعض إلا أن العمدة هو ما ذكرناه، ثم إن الشروط على ثلاثة أقسام:
شرط الصفة، وشرط الغاية، وشرط الفعل.
فإذا كان الاشتراط يتعلق بصفة في المبيع مثلاً كان شرط صفة.
وإذا كان الاشتراط يتعلق بنتيجة العقود والإيقاعات كاشتراط الملكية أو اشتراط كون الزوجة مطلقة سمي هذا شرط نتيجة أو شرط غلبة.
وهنا يقع الكلام في إمكان وقوع هذا الشرط شرعًا وعدم ذلك.
وهذه الأمور قد تكون لها أسباب خاصة في نظر العرف، وقد أمضاها الشارع والكلام هنا في إمكان حصولها بالشرط، وقد تكون أسبابها مفتوحة في نظر العرف بشكل يسع الاشتراط، أي أن يكون الاشتراط سببًا لحصولها.
ولا ريب في أنها إذا كانت لا تحصل إلا بأسبابها الخاصة لم تقبل باشتراطها بالعقد بنحو شرط النتيجة، وإن كانت تقبل الانفتاح على مثل الاشتراط فلا مانع من كونها بهذا النحو.
والكلام في الموارد المشكوكة في دخولها في أي من القسمين، فهل يمكن التمسك بعموم ((المؤمنون عند شروطهم)) ، أو عموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} بناء على كون الشرط جزءًا للعقد
الظاهر أنه من التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية وهو باطل، وما قيل من أننا نحقق مصداقية هذه الموارد لتلك العمومات بعد إجراء استصحاب عدم كون الشرط مخالفاً لكتاب الله أمر غير صحيح لأن مثل هذا الاستصحاب إما لا يجري إذا كان بالمعنى النعتي لعدم الحالة السابقة، أو يجري ولكنه من الأصل المثبت وليس الاستصحاب حجة فيه.
وعلى أي حال، فإن قاعدة الاشتراط ((المؤمنون عند شروطهم)) ، لا تثبت لنا أن هذه النتيجة مشروعة الحصول بسبب الاشتراط، وإنما غاية ما تؤكده هو أن الشرط صالح لأن تنشأ به المضامين المشروعة في نفسها. وهناك محاولات جرت لحل هذا الإشكال.
أما شرط الفعل فالمراد به تعلق الشرط بفعل اختياري مقدور للمكلف جامع للشرائط السابقة، وقد اختلفوا حينئذٍ في وجوب إتيانه بالفعل أو قدرته على التخلف وثبوت الخيار للمشروط له تبعًا لذلك.
قيل هنا بأن معنى الثبوت عند الشرط هو وجوب العمل وِفق الالتزامات كما أن وجود فعل الأمر في بعض الروايات يؤكد ذلك من قبيل قول الإمام عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار (من شرط لامرأته شرطًا فليفِ لها به) والأمر ظاهر في الوجوب.
وقد عبر المرحوم المرزا النائيني عن ذلك بأن وجوب الوفاء بالشرط تكليفًا لم ينكره أحد، وإنما الخلاف والبحث في أمر آخر وهو أنه هل الشرط يوجب ويثبت حقًّا للمشروط له على المشروط عليه كي يكون وجوب الوفاء من آثار ذلك الحق أم لا يوجب ذلك، بل أثر الشرط وفائدته هو قلب العقد اللازم جائزًا وذلك لإناطة اللزوم بالوفاء بالشرط وإيجاد الفعل الملتزم به، فإن لم يفِ به فلا لزوم، وهذا ما ذهب إليه الشهيد (قد) .
وعلى أي حال فالظاهر هو لزوم الوفاء بهذا الشرط وإمكان الإجبار عليه من قِبل الدولة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينافي هذا إمكان الإسقاط من قبل من له الحق، فإن الإجبار هي الحالة الطبيعية، أما التنازل عن الحق فهو ينفي موضوع الإجبار.
وهناك أحكام أخرى للشرط لا نرى فعلاً ضرورة للتعرض لها.
حكم الوعد الابتدائي:
هناك حالات متصورة للوعد تتلخص بما يلي:
أولاً: الوعد العادي الذي يعد به المسلم المسلم الآخر.
ثانياً: الوعد الذي يعقده على نفسه ويلتزم به بقوة دون أن يترتب على نقضه أثر.
ثالثاً: هذا الوعد مع ترتب أثر من نوع ما على نقضه.
رابعاً: الوعد المعطى كشرط ضمن عقد من العقود.
فهل الوعد في كل هذه الحالات ملزم أو يختص الإلزام ببعضها دون الآخر؟
ما يمكن أن يطرح هنا من أدلة هو:
أولاً: أدلة الوفاء بالوعد وهي كثيرة واضحة ولا داعي لذكرها إلا أنه يقال في قبالها: إن اللزوم فيها أخلاقي محض وليس فيها إلزام تكليفي أو وضعي.
ثانيًا: قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} بناء على تفسير العقود بالعهود إلا أن الظاهر فيها أنها تركز على العهود العقدية أو العهود التي فيها التزامات قوية، فلا تشمل النوع الأول قطعًا كما تشمل النوع الرابع الممضى شرعًا وعرفًا قطعًا وفي شمولها للنوعين الوسطيين كلام.
وقد قيل إن العقد عهد موثق- كما حكي عن الكشاف- ورأى آخرون أن التوثيق ليس من جملة معناه فيكفي الربط بأي نحو كان. وفسروا العقد بالمعنى الاستعاري بأنه مطلق المعاملة بلحاظ الربط الاعتباري المتبادل.
وقد يشكل على عموم آية الوفاء بالعقود بأن المراد منها العقود المعهودة آنذاك وليس كل عقد أو عهد إلا أن الإشكال في غير محله لعموم اللفظ وليس هناك ما يصلح للقرينة الصارفة عن العموم ويتوضح العموم بملاحظة طبيعة الخطاب القرآني الشامل للبشرية.
الظاهر من الآية الشمول للنوعين الوسطيين وإن ادعي الإجماع على خروجهما من دائرة شمول الآية باعتبار عدم الإلزام الشرعي فيهما، ولما كان خروج هذه الأنواع الثلاثة يعني تخصيص الأكثر وهو مستهجن عرفًا، فإن ذلك يوضح أن الآية لم تشمل من الأول إلا النوع الرابع، ولكن قد يقال في قبال ذلك أننا لو سلمنا الإجماع المدعى لا نسلم بأن خروج الكثير من أفراد قاعدة ما مع بقاء كثير من الأفراد أمر مستهجن لغويًّا. ولذلك نبقى مع هذا الظهور. ومثل هذا الإجماع لم يثبت لدينا.
ثالثًا: قاعدة المؤمنون عند شروطهم.
وقد فسرت الشروط هنا بالوعود والعهود، ولما كانت الكلمة هنا مطلقة غير مقيدة أمكننا تعميمها لكل الأنواع ولا أقل من شمولها لما عدا الأول باعتبار أن الشرط أيضًا فيه صفة التوثيق.
وقد ادعي أن لفظ الشرط نفسه يستدعي اقترانه بعقد ومعاملة أو أمر آخر لأن المشارطة هي المقارنة، ولأنه لو شمل كل هذه الأنواع لاستلزم تخصيص الأكثر بعد الإجماع القائم على عدم وجوب الالتزام بالشروط غير الواردة ضمن العقود، وتخصيص الأكثر مستهجن.
ولكننا قلنا إن مثل هذا التخصيص-لو تم- مع بقاء كثير من الأفراد تحت العام ليس مستهجنًا على أننا يجب أن نحقق معقد الإجماع المدعى وهل هو النوع الأول أم يشمل كل وعد وشرط لا يقترن بعقد؟ ولا دليل على هذا الشمول ولا أقل من الشك والاقتصار على القدر المتيقن، هذا بالإضافة لعدم تأكدنا من تحقق هذا الإجماع خصوصًا إذا لاحظنا مخالفة للبعض له وخصوصًا بالنسبة للنوع الثالث.
ويشهد لعموم معنى الشرط ما رأيناه من استعماله في كل عهد حتى في عهد الله حيث سمي حكم الله بالشرط، وسمي الخيار شرطًا كما في قول الإمام (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام)(1)، وقوله في رواية منصور بن يونس:(فليفِ للمرأة بشرطها)(2) ، وأطلق الشرط على النذر أو العهد.
(1) وسائل الشيعة، كتاب التجارة، الباب الرابع من أبواب الخيار.
(2)
وسائل الشيعة، كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المهور
إلا أن الإنصاف أن معقد الإجماع يتناول النوع الثاني أيضًا فالعرف يعهده وعدًا ابتدائيًّا لا فرق بينه وبين أي وعد آخر إلا بشيء من التوثيق في حين يرى النوع الثالث عهدًا وشرطًا كاملًا، ومن هنا نقول بلزوم الوفاء به ولو على سبيل الاحتياط- إلا أن يكون شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا.
الإجارة بشرط التمليك:
يمكن تصوير العملية – على ضوء الواقع القائم- بصورتين:
الأولى: أن تقوم شركة أو بنك ببناء مساكن ثم تأجيرها للأفراد بشرط أن يملكوها بعد دفع مبالغ الإجارة في المدة المعينة.
الثانية: أن يقوم الأشخاص المحتاجون لإكمال بناء بيوتهم مثلاً ببيعها للبنك، ثم يقوم البنك بتأجيرها لهم إلى مدة معينة شريطة أن يملكوها بعد انتهاء مدة الإيجار.
والصورة الأولى مؤداها عقد واحد للإيجار متضمن لشرط التمليك في حين تؤدي الصورة الثانية إلى ما يلي:
1-
بيع الفرد بيته للبنك.
2-
وعد الفرد للبنك بأنه سيستأجر البيت طبق المبلغ والمدة المعينة بشرط التمليك.
3-
وعد البنك للفرد بأنه سيؤجر البيت طبق المبلغ والمدة المعينة بشرط التمليك.
4-
تأجير البنك للشخص إلى مدة معينة بمبلغ معين شريطة التمليك عند انتهاء المدة.
والصورة الأولى كما هو واضح أقل إشكالًا من الصورة الثانية- وهي المتداولة – وسوف نبحثها أولًا ثم نبحث الأخرى.
وهي لأول وهلة لا يبدو فيها إشكال إلا أن الكلام فيها في مجالين:
الأول: كيف يتم اشتراط التمليك وهل ذلك بنحو شرط لفعل (التمليك) أو هو بنحو شرط النتيجة (التملك) .
الثاني: هذه المعاملة هل تدخل تحت عنوان عقدين في صفقة أم لا؟ وما حكمها لو كانت كذلك؟
أما للبحث الأول فقد ذكرنا من قبل شرائط صحة الشرط ونحن نرى أنها متوفرة هنا جميعًا ولا مانع من اشتراط التمليك سواء كان ذلك بنحو شرط النتيجة أو شرط الفعل. فإذا كان الاشتراط بنحو شرط النتيجة من باب أن التمليك وإن كانت له أسباب خاصة في نظر الشارع إلا أنه من المتعارف بشكل واسع أن يحصل من خلال الاشتراط ضمن عقد، بل أن العرف يرى حصوله بالمعاطاة الخالية من أي صيغة، وهذا عرف ممضى من قبل الشارع وليس التمليك كالطلاق والعتق وأمثالهما مما يحتاج إلى صيغة خاصة.
أما لو شك أحد في قبول مسألة التمليك لمثل هذا التسبيب وعدمه، فلا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وتصحيح هذا الاشتراط وحينئذٍ فليس هنا إلا الرجوع لاشتراط الفعل، واشتراط الفعل أي قيام المالك بالتمليك مما لا إشكال فيه إلا ما مرَّ من الخلاف في كون هذا الاشتراط موجبًا للزوم الوفاء بالشرط أو أنه يؤدي فقط إلى حصول الخيار للمشروط له عند عدم وفاء الملتزم بالشرط به، وقد اخترنا وجوب الوفاء تبعًا لظاهر النصوص وحينئذٍ يضمن المشروط له قيام البنك بتمليكه عند انتهاء مدة الإيجار، ولو امتنع أجبره الحاكم الشرعي على ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما البحث الثاني، فنقول فيه:
أولًا: لم تثبت لدينا النصوص المانعة عن اجتماع عقدين في صفقة واحدة كما لم نتأكد من أن المراد منها ما هو؟
ثانيًا: أن المورد لا يدخل تحت العنوان الآنف باعتبار أنه عقد واحد لا غير وإلا كانت أغلب العقود المتضمنة لشروط ما من هذا القبيل باطلة.
هذا كله بالنسبة للصورة الأولى.
أما بالنسبة للصورة الثانية فإن فيها البحوث التالية:
أولًا: بحوث الصورة الأولى.
ثانيًا: بحث حول مسألة الإلزام بالوعد.
ثالثًا: بحث حول ما إذا كانت المسألة تدخل ملاكًا تحت عنوان إيجاب البيع قبل استيجابه.
رابعًا: بحث حول ما إذا كانت العملية كلها غطاء لعملية ربوية.
أما بحوث الصورة الأولى فقد ذكرناها والكلام واحد في الصورتين.
وأما مسألة الإلزام بالوعد، فإنه لا ريب في دخول المورد في النوع الثالث من الوعود أي في الوعد الموثق مع ترتب أثر ما على نقضه، كما يمكن دخوله في النوع الرابع وهو الوعد المعطى كشرط ضمن عقد من العقود.
فحتى لو كان مجرد وعد من قبل البنك مقارن لشراء البيت من الفرد، فإنه كما قررنا من قبل ملزم باعتبار شمول عمومات الوفاء له لأنه يترتب عليه أثر ولا إجماع متيقن يشمله ولو كان مشترطًا في البيع كان ملزمًا بلا ريب أيضًا إلا أنه يرد فيهما الإشكال الثالث الآنف وهو إيجاب البيع قبل استجابة ذلك أن البنك لم يملك البيت بعد وحينئذٍ فلا يمكنه أن يعد مطلقًا أو ضمن عقد وعدًا لازمًا بالإيجار بشرط التمليك، كما لا يمكن للفرد أيضاً أن يعد بالاستيجار بنفس الشرط وعداً ملزماً.
فقد روى محمد بن الحسن بإسناده إلى يحيي بن الحجاج قال: (سألت أبا عبد الله - يعني الصادق عليه السلام عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب وهذه الدابة وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا: قال لا بأس بذلك: اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها) ، وبمعنى الرواية روايات أخرى تؤكد على ضرورة عدم الإلزام لكي يصح البيع.
وهي تدل على ما ذكرناه شريطة أن نعمم موردها وهو البيع إلى العقود الأخرى وحينئذٍ فيجب حذف عنصر الإلزام في البين والاعتماد على ما هو المتعارف من جريان المعاملة بشكل طبيعي والتزام طرفيها بالاستمرار فيها إلى النهاية، أما البحث الرابع والأخير، فقد يقال فيه:
إن هذه العملية المطولة هي في الواقع غطاء لعملية ربوية لا غير.
أما بلحاظ الصغرى باعتبار أن المراد الجدي للمتعاملين بتحكيم الارتكاز العرفي هو القرض الربوي وليس هذا التطويل إلا تغييرًا للألفاظ رعاية للشرع.
أو بلحاظ الكبرى باعتبار أن العرف يوسع دائرة القرض- بلحاظ الارتكاز العرفي لتشمل هذه المعاملة المطولة.
والحقيقة أن المراد الجدي تارة يراد منه- كما يقول السيد الصدر- الغرض الشخصي للمتعاملين وهذا لا أثر له- وأخرى يراد منه المراد المنشأ بشكل جدي في المعاملة فهو أمر سهل المؤونة والاعتبار خصوصًا في هذه المعاملة.
وأما الكبرى (باعتبار أن العرف يرى القرض عملية تبديل للحال المثلي الخارجي بمثله في الذمة وأن ما جرى هنا لا يخرج عن هذا الإطار)، فنقول فيها أن الفهم العرفي بعد أن يلحظ:
أولاً: ما قلناه من عدم الإلزام بالوعد في هذه المعاملة لإخراجها من تحت إيجاب البيع قبل استيجابه.
ثانياً: أن أحكام الملكية وتلفها تترتب للبنك وعليه أثناء مدة الإيجار فلو تلف البيت تلف من مال البنك وأمثال ذلك.
نعم بعد أن يلحظ ذلك لا يشك في كون المعاملة غير داخلة تحت عنوان القرض حتى بعد توسيعه المدعى.
وعليه فلا يرد الإشكال الآنف (إشكال التغطية لمعاملة ربوية) والنتيجة التي نخرج بها تتلخص بما يلي:
إن الإيجار بشرط التمليك عملية جائزة شريطة أن لا يكون هناك إلزام بالربط بين المعاملتين وترتب أحكام كل حالة بشكل كامل.
والله أعلم.
الشيخ محمد علي التسخيري.