المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنوية

إعداد

الدكتور عبد السلام داود العبادي

ممثل المملكة الأردنية الهاشمية في المجمع

ونائب رئيس المجمع

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اقتدى به إلى يوم الدين

أما بعد.

فإن الحقوق المالية المعنوية من القضايا المستجدة التي برزت بشكل واضح نتيجة تطور الحياة المدنية والاقتصادية والثقافية والعلمية

فكثرت الأمور المعنوية ذات القيمة المالية التي بات موضوع اختصاص أصحابها ومدى سلطاتهم عليها محل بحث ومناقشة

وقد انتهت كثير من القوانين الوضعية على اختلاف بينها إلى تقرير هذا الاختصاص وتحديد سلطان أصحابها عليها .... وقد أوجب ذلك ضرورات تشجيع النشاط الإنساني المبدع بكل صوره وحماية مكتسباته، ومنع صور التلاعب والتحايل والاستغلال لجهود الآخرين وأي إثراء غير مشروع على حسابهم.

وقد درس فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثون هذا الموضوع، وبينوا استيعاب قواعد الفقه الإسلامي له، وأوضحوا حرص الشريعة على حماية هذه الحقوق وتنظيم أوضاعها بما يكفل تحقيق المصالح المشروعة وصيانة قواعد العدالة وحماية مسيرة التقدم الإنساني من كل مظاهر الاستغلال والتلاعب.

وأعرض فيما يلي للمقصود بالحقوق المعنوية، ثم أبين موقف القوانين الوضعية منها

وبعد ذلك أعرض لموقف الفقه الإسلامي منها مبينا القواعد الشرعية التي تحميها وتصونها وتنظم أمورها.

ص: 2011

أولا: المقصود بالحقوق المعنوية:

يستعمل القانونيون اصطلاحات متعددة في وصف الاختصاصات التي تقوم للأشخاص على الأشياء المعنوية ذات القيمة المالية بحيث يخولهم ذلك سلطات معينة عليها .....وبعض الاصطلاحات شامل لكل أنواعها أو لكثير منها، وبعضها يطلق على نوع منها دون غيره، ومن هذه الاصطلاحات: الحقوق المعنوية، الحقوق الذهنية، الحقوق الأدبية، الحقوق الفكرية، حقوق الابتكار، الملكية الأدبية والفنية والصناعية، الاسم التجاري، حق الاختراع، حقوق التأليف.

وقد عرف القانونيون الحق المعنوي بأنه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية وحق الفنان في مبتكراته الفنية وحق المخترع في مخترعاته وحق التاجر في الاسم التجاري والعلامة التجارية وثقة العملاء (1) .

والحق المعنوي نوع من أنواع الحق المالي، وهو الحق الذي يمكن تقويمه بالمال فهو يخول صاحبه قيمة مادية تقدر بالمال أو النقود والحق في نظر فقهاء الشريعة: اختصاص ثابت في الشرع يقتضي سلطة أو تكليفا لله على عباده أو لشخص على غيره (2) .

ويطلق فقهاء الشريعة لفظ الحقوق المالية على كل حق هو مال، أو المقصود منه المال، مثل حق الملك، وحق التملك وحق الانتفاع (3) . لذا فإن قواعد الفقه الإسلامي تغطي هذا النوع من الحقوق كما سنرى تفصيلا فيما بعد.

ويتجه الأستاذ مصطفى الزرقا في كتابه المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي إلى ترجيح تسمية هذا النوع من الحقوق بحقوق الابتكار، لأن اسم الحقوق الأدبية – أحد التسميات المشهورة لهذا النوع من الحقوق كما بين – ضيق لا يتلاءم مع كثير من أفراد هذا النوع كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية والأدوات الصناعية المبتكرة، وعناوين المحال التجارية مما لا صلة له بالأدب والنتاج الفكري (أما اسم حق الابتكار فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، والفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة كما يشمل الحقوق الصناعية والتجارية مما يسمونه اليوم بالملكية الصناعية كحق مخترع الآلة ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة، ومبتكر العنوان التجاري)(4) .

(1) الملكية في قوانين البلاد العربية، د. عبد النعم فرج الصدة: 1/9

(2)

انظر: مباحث هذا التعريف وشرحه في: الملكية في الشريعة الإسلامية، د. عبد السلام عبادي: 1/93 وما بعدها

(3)

انظر: الملكية في الشريعة الإسلامية، د. العبادي: 1/107-111

(4)

نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي: ص 26

ص: 2012

ثانيا – موقف القوانين الوضعية من هذه الحقوق:

اتفق القانونيون على اعتبار الحقوق المعنوية من الحقوق المالية التي يقسمونها إلى حقوق عينية وحقوق شخصية ولكنهم مختلفون بعد ذلك

هل تعتبر هذه الحقوق من الحقوق المالية العينية أم أنها حقوق مالية مستقلة بالإضافة إلى الحقوق العينية والشخصية، فذهب بعض القانونيين إلى أن الحقوق المالية تقسم إلى: حقوق عينية، وحقوق شخصية، وحقوق معنوية، فالحق المعنوي قسم للحق العيني والحق الشخصي. وكان ذلك نتيجة أن معنى الحق العيني عندهم عبارة عن سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شيء معين. وهذا الشيء المعين لا بد أن يكون شيئا ماديا متعينا بذاته في الوجود الخارجي، فتنصب سلطة صاحب الحق عليه مباشرة.

ولما ظهرت الحقوق المعنوية، نتيجة لتطور الحياة، وأقرتها القوانين العصرية اعتبرها هؤلاء القانونيون نوعا مستقلا من أنواع الحقوق المالية لما تتصف به من خصائص تميزها عن الحقوق العينية والشخصية نتجت من كون محلها غير مادي (1) .

وذهب قانونيون آخرون إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعا من أنواع الحق المالي بالإضافة إلى الحق العيني والحق الشخصي إنما هو حق من الحقوق العينية، وإن الشيء الذي تنصب عليه السلطة في الحق العيني أعم من أن يكون ماديا أو معنويا.

ثم إن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم حول طبيعة هذا الحق المعنوي، بعد أن قرروا أنه عبارة عن حق عيني.

فمنهم من اعتبر الحق المعنوي حق ملكية أو نوعا خاصا من الملكية (2)، لذلك فهم يطلقون على هذا الحق تسمية: الملكية الأدبية والفنية والصناعية.

ومنهم من اعتبره حقا عينيا أصليا مستقلا عن حق الملكية بمقوماته الخاصة (3) .

وقد احتج المانعون أن يكون الحق المعنوي حق ملكية، بأن حق الملكية ينصب على شيء ويخول صاحبه سلطة استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه، والاستعمال لا يتصور بالنسبة للحق المعنوي، لأن الاستفادة منه لا تكون إلا باستغلاله والتصرف فيه، فلا يمكن أن يستفاد منه إذا قصر صاحبه استعماله على نفسه، فعنصر الاستعمال الذي هو أقوى عناصر الملكية غير موجود في هذا الحق، لذلك يسميه بعض القانونيين بأنه حق احتكار الاستغلال، وليس حق ملكية.

كما أن حق الملكية بطبيعته حق مؤبد، في حين أن هذا الحق بطبيعته حق مؤقت (4) .

وقد أجاب الآخرون عن هذه الحجج بأنها لا تمنع من أن يكون الحق المعنوي نوعا خاصا من الملكية، وذلك أن الحق المعنوي يتفق مع الملكية العادية في نواح، ويختلف عنها في أخرى، فهو عبارة عن سلطة تنصب على الشيء المعنوي مباشرة دون وساطة وتخول صاحبه حق الاستغلال والتصرف، في حين أنه، بحكم طبيعته، وهو كونه يقع على شيء غير مادي، لا يقبل الاستئثار، ولا يصح أن يكون مؤبدا (5) .

وقد كان القانون المدني المصري القديم الصادر سنة 1883م يتضمن في المادة (12) منه: أن الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته وحقوق الصانع في ملكية مصنوعاته يكون حسب القانون الخاص بذلك .... مما يدل على أن القانون القديم يذهب إلى اعتبار هذه الحقوق ملكية، ولكن لم يصدر القانون الخاص الموعود حتى صدور القانون الجديد سنة 1948م، الذي أشار في المادة (86) منه إلى أن تنظيم هذه الحقوق متروك لقانون خاص يصدر به. ولكنه لم يسم هذه الحقوق بالملكية، كما فعل القانون السابق، بل سماها الحقوق التي ترد على شيء غير مادي مما يدل على أن القانون المصري لم يرد الخوض في الخلاف حول طبيعة هذه الحقوق، وحسمه بشكل ما (6) .

يقول الأستاذ عطا الله إسماعيل: (ويتضح مما ذكر عن مختلف النظريات في شأن هذا الحق أن جوهره ما زال موضع التقصي والبحث ....)، ثم يقول:(وحسنا فعل المشرع المصري إذ لم يتقيد بنظرية بعينها فيما وضع من حلول لمختلف الفروض والمسائل التي عرض لها في تقنينه لحقوق التأليف)(7) .

(1) انظر: نظرية الحق، د. محمد سامي مذكور: ص 31-32

(2)

محاضرات في النظرية العامة للحق، د. إسماعيل غانم: ص 74، وحق الملكية، د. الصدة ص 281 - 282

(3)

الوسيط، للسنهوري: 8/280 – 281، وانظر: هناك عرضا تفصيليا لهذه الآراء، ومن قال بها من الشراح المصريين والأجانب.

(4)

محاضرات في النظرية العامة للحق، د. إسماعيل غانم: ص 82، فهذه الحقوق وإن ظلت لصحابها طول حياته، لكنها لا تبقى لورثته إلا لوقت محدد يتفاوت تحديده في القوانين المختلفة، وهي في القانون المصري خمسون سنة من وفاة المؤلف، بعد مضيها يصير الإنتاج الذهني نهبا لكل من يريد الاستفادة منه وكما يريد. انظر نظرية الحق، د. الشرقاوي: ص 58

(5)

الملكية في القوانين العربية، د. الصدة: 1/9، وحق الملكية، د. الصدة: ص 280-282

(6)

انظر نظرية الحق، د. الشرقاوي: ص 59-61

(7)

القانون والعلوم السياسية، الحلقة الدراسية الأولى: ص 72

ص: 2013

ثالثا: موقف الفقه الإسلامي من الحقوق المعنوية:

أما الأمر في الفقه الإسلامي فيختلف، ذلك أن دائرة الملك في الشريعة أوسع منها في القانون، فلا تشترط الشريعة أن يكون محل الملك شيئا ماديا معينا بذاته في الوجود الخارجي، إنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع على الراجح من أقوال الفقهاء، والذي معياره أن يكون له قيمة بين الناس، ويباح الانتفاع به شرعا وهو ما تقرر وفق اصطلاح جمهور الفقهاء كما سنرى.

وعلى ذلك

فمحل الحق المعنوي والذي سماه القانون بالشيء غير المادي، داخل في مسمى المال في الشريعة، ذلك أن له قيمة بين الناس، ويباح الانتفاع به شرعا

بحسب طبيعته، فإذا قام الاختصاص به تكون حقيقة الملك قد وجدت (1) .

كما أن الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي، ليس معناه احتواء الشيء من قبل المالك، إنما معناه أن يختص به دون غيره

فلا يعترضه في التصرف فيه أحد. والتصرف يكون في الأِشياء حسب طبيعتها، لذلك يختلف مدى التصرف في أنواع الملك في الشريعة من نوع إلى أخر.

والشريعة، أيضا، لا تشترط التأبيد لتحقق معنى الملك

بل إن طبيعة ملك المنفعة مثلا، تقتضي أن يكون مؤقتا

كما في ملك منفعة العين المستأجرة، وملك منفعة العين الموصى بمنفعتها دون رقبتها (2) .

فإذا كان لا بد أن يتأقت الحق المعنوي بمدة معينة بحجة أن صاحب الحق المعنوي قد استفاد من جهد غيره، فهو ليس جهدا خالصا له، كما أن جهده ضروري لتقدم البشرية ورقيها، ومقتضى ذلك ألا يكون حقه حقا مؤبدا (3) .... فإن هذا التأقيت لا يخرجه عن دائرة الملك في الشريعة.

ويبدو أن هذه الحقوق لم تقم في المجتمع الإسلامي رغم نشاط حركة التأليف – مثلا – فيه من القديم، لأن الإسلام يدعو إلى كل ما فيه نفع للأمة، بل إن ما لا تستغني عنه الأمة يعتبر من فروض الكفاية التي تأثم الأمة جميعا بتركها، كما أن العلم، وخاصة العلم الشرعي، لا يحل كتمه ....فالتأليف مثلا كان عبارة عن شعور بالواجب ورغبة في الثواب والأجر، بل كان المؤلف يحرص على نشره بكافة الطرق، لأن في ذلك مزيدا من الأجر والثواب. وعليه لم تبرز فكرة استحقاق الشخص لما ينتجه من أشياء غير مادية. وإن كانوا حريصين على نسبة الآراء إلى أصحابها.

ولكن إذا تصرف الناس عن إنتاج ما هو نافع من الأشياء غير المادية، وأخذ بعض الناس يستغلون ما ينتجه غيرهم من هذه الأمور .... ما يؤدي إلى الإضرار بهم، ومن ثم امتناعهم عن إنتاج ونشر مثل هذه الأمور، فإنه يمكن أن توضع القواعد التي تكفل تنظيم هذا الأمر بالشكل الذي تتحقق به مصلحة الأمة.

ولما كانت الأشياء غير المادية تدخل في مسمى المال في الشريعة، لأن لها قيمة بين الناس ومباح الانتفاع بها شرعا، وقد قام الاختصاص بها، فعلى هذا الأساس يمكن أن تنظم باعتبارها نوعا من أنواع الملك.

وقد اهتم بعض القانونيين بالحقوق المعنوية في الشريعة، وحاولوا تلمس أسس حمايتها وتنظيمها فيها .... يقول الدكتور محمد صادق فهمي: " ونعتقد أن الروح التي تهيمن على التشريع الإسلامي تأبى إلا أن تعترف بحقوق المؤلفين، لأن التشريع يأبى على الشخص أن يضر بغيره، كما أن اغتيال مؤلف إن هو إلا سلوك إجرامي تأباه الشريعة الإسلامية، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا ضرر ولا ضرار)) ما يكفي لحماية حقوق المؤلفين (4) .

وواضح أن فيما عرضناه بيانا شافيا للأسس التي يمكن أن نعتمد عليها بسهولة لحماية هذه الحقوق وتنظيمها.

ولنزيد هذا الأمر إيضاحا لا بد من التعرف بإيجاز بحقيقة كل من المال والملك في الفقه الإسلامي.

(1) وهذا يدل على أن مسمى المال في الشريعة الإسلامية يسع الأشياء غير المادية التي ينتفع بها انتفاعا مشروعا، ذلك أن محل الملك في الحق المعنوي عند التدقيق ليس المنفعة، إنما هو شيء غير مادي تحصل منه منافع لصاحبه

(2)

إلا أنه قد يكون لملك المنفعة، في بعض أنواع الملك، شكل التأبيد، كما يظهر في حقوق الإرتفاق، فإن المنفعة تملك لمالك العقار المرتفق ما دام مالكا له

(3)

انظر الوسيط: 8/279-280

(4)

القانون والعلوم السياسية، الحلقة الدراسية الأولى: ص 12

ص: 2014

1-

حقيقة المال في الفقه الإسلامي:

الذي يؤخذ من المعاجم والقواميس اللغوية، أن المال في اللغة العربية يطلق على كل ما تملكه الإنسان وحازه بالفعل، من كل شيء، سواء أكان عينا أم منفعة

أما ما لم يتملكه الإنسان ولم يدخل في حيازته بالفعل، فلا يعد مالا في اللغة كالطير في الهواء والسمك في الماء، والأشجار في الغابات.

ففي القاموس المحيط: " المال ما ملكته من كل شيء "(1) وفي لسان العرب: " المال – معروف – ما ملكته من جميع الأشياء "(2) .

والمال في الإصطلاح لم يرد له تعريف عن الشارع يحدد معناه تحديدا دقيقا، بل ترك لما يتعارف الناس عليه منه.. فالعربي الذي نزل القرآن بلغته حينما يسمع لفظة المال يفهم المراد منها، كما يفهم ما يراد بلفظ السماء والأرض (3) ..... ولذلك نجد بعض أصحاب المعاجم اللغوية يقولون:" المال معروف "(4) ، فالكتاب الكريم، والسنة الشريفة جاءت فيهما كلمة المال مرات كثيرة (5) .، وترك للناس فهمها بما يعرفون ويألفون

ولم يحدد الشارع له حقيقة اصطلاحية بحيث إذا أطلق تبادرت إلى الأذهان، كما هو الحال في الصلاة والصيام

فإذا قرأ العربي أو سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)) ، فهم المراد من المال بالطريقة التي يفهم بها كلمة العرض، وكلمة النفس، من غير رجوع إلى اصطلاح خاص (6) .

وعندما قامت المذاهب الفقهية، واستعمل لفظ المال مرادا به معان اصطلاحية، انشغل الفقهاء بوضع تعاريف له

وقد اختلفت تعريفاتهم على ضوء اختلافهم في المعاني الاصطلاحية المرادة منه، وقد قام بهذا الصدد اصطلاحان رئيسان هما: اصطلاح الحنفية، واصطلاح الجمهور.

(1) القاموس المحيط:4/52

(2)

لسان العرب: 11/632

(3)

يقول ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/373، المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق عند العرب على الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم

(4)

انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: 2/288

(5)

ورد ذكر المال في القرآن الكريم في أكثر من تسعين أية، وفي أحاديث نبوية أكثر من أن تحصى

(6)

انظر: الملكية ونظرية العقد، أبو زهرة: ص 44، والأموال، محمد يوسف موسى: ص 161والحديث أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجة وغيرهم ومختصر صحيح مسلم، المنذزي 2/233 سنن ابن ماجة 2/1298هـ والفتح الكبير 3/316

ص: 2015

(أ) اصطلاح الحنفية:

عرف فقهاء المذهب الحنفي المال بتعريفات كثيرة، مختلفة في ألفاظها، متقاربة في مفهومها ومعناها، والاختلاف بينها ليس ناشئا عن اختلاف في فهم حقيقة المال في المذهب الحنفي، بل هو اختلاف في العبارات، ومدى دقتها في بيان اصطلاح الحنفية في معنى المال (1) .

وفقهاء الحنفية يوجبون لتحقيق مالية الشيء اجتماع أمرين:

أولهما: أن يكون شيئا ماديا يمكن إحرازه وحيازته، فيخرجون عن معنى المالية كل ما لا يتحقق فيه هذا الشرط كالمنافع والديون والحقوق المحضة مثل حق التعلي، وحق الأخذ بالشفعة، وحق الشرب والمسيل (2) ، كما يخرجون منه أمثال حرارة الشمس وضوء القمر، وكل الأمور المعنوية كالشرف والصحة.

ومن هنا يظهر أن فقهاء الحنفية لا يشترطون أن يكون الشيء مملوكا بالفعل ليعتبر مالا، كما هو مقرر في اللغة، إنما يكتفون بإمكان تملكه، فالصيد في الفلاة، وكذلك الطير في السماء يعتبر عندهم مالا، لإمكان إحرازه وتملكه.

ثانيهما: أن يكون الشيء منتفعا به انتفاعا معتادا، فلحم الميتة والطعام الفاسد ليسا بمال لأنهما لا ينتفع بهما أصلا، وحبة القمح وقطرة الماء ليستا بمال، لأنهما لا ينتفع بهما انتفاعا معتادا .... فهذه الأمور لا تعد مالا، وإن أمكن حيازتها، وذلك لعدم تحقق العنصر الثاني من عناصر المالية.

والمراد بالانتفاع، الانتفاع المشروع في حال السعة والاختيار دون حال الضرورة، فجواز الانتفاع بلحم الميتة في حال الضرورة لا يجعل منه مالا، فيقتصر على جواز الانتفاع ولا حاجة للقول بالمالية، لأن الضرورة تقدر بقدرها.

وليس المقصود بالانتفاع هنا، انتفاع الناس كافة، بل يكفي فيه انتفاع بعضهم فلا تزول مالية الشيء إلا إذا ترك الناس كلهم تموله، لم تكن له منفعة أصلا، أما إذا ترك بعض الناس تموله وبقي منتفعا به عند بعضهم، فلا تزول ماليته، كالملابس القديمة التي يستعملها بعض الناس دون بعضهم الآخر (3) .

وواضح أن هذين العنصرين قد نص عليهما بوضوح في تعريف من عرف المال من فقهاء الحنفية، بأنه: ما يمكن حيازته، وإحرازه، والانتفاع به انتفاعا معتادا (4) .

وقد عرف بعض الفقهاء المال باصطلاح الحنفية بأنه: كل عين ذات قيمة مادية بين الناس، فصاحبه نظر فيه إلى أن اعتياد تمول عين، وصيانتها، والانتفاع بها يستلزم القيمة إذ لا يعتاد الناس هذا في الشيء .... بحيث يحمى تارة ويبذل أخرى إلا لمنفعة مادية أو معنوية يقدرونها فيه، فتتجه إلية الرغبات. والرغبات يبذل في سبيل تحقيقها والحصول عليها أعواض مادية

لذلك استغنى عن النص في التعريف على الانتفاع المعتاد، ووضع بدله أن تكون العين ذات قيمة مادية بين الناس، مشيرا إلى أن هذه القيمة هي القيمة بالمعنى الاقتصادي العام، والتي خرج بها ما لا قيمة له من الأعيان بين الناس إما لحرمته على جميع الناس كالميتة، أو لتفاهته كحبة القمح (5) .

(1) انظر في استعراض هذه التعاريف ومناقشتها، الملكية في الشريعة الإسلامية، د. عبد السلام العبادي: 1/172، وما بعدها

(2)

انظر التفصيل: الملكية، د. العبادي 1/186-189، وفي حاشية ابن عابدين: 5/52، حق التعلي ليس بمال، لأن المال عين يمكن إحرازها وإمساكها

(3)

المدخل – عيسوي: ص 304، والمدخل – شلبي: ص 286

(4)

ذكر الشيخ الخفيف إنه إذا وسعنا معنى الحيازة والإحراز، فجعلناه أعم من أن يكون مباشرة أو بالواسطة، كان التعريف شاملا للمنافع، لأنها ممكنة الحيازة بإحراز أصلها، وكذلك ينتفع بها، أحكام المعاملات: ص 27

(5)

المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، الأستاذ مصطفى الزرقاء: ص 135-136

ص: 2016

(ب) اصطلاح الجمهور:

أصطلح جمهور الفقهاء على معنى معين للمال هو أوسع من اصطلاح الحنفية (1) . والناظر في تعاريف الجمهور ونصوصهم الفقهية، بهذا الصدد، يستطيع أن يستخلص أن أساس المالية في نظرهم هو:

1-

أن يكون الشيء له قيمة بين الناس.

2-

أن تكون هذه القيمة ناتجة من أنه ينتفع به انتفاعا مشروعا، فلا قيمة في نظر الشريعة لأية منفعة اعتبرتها غير مشروعة.

وعلى هذا الأساس يمكننا تعريف المال في اصطلاح الجمهور بأنه: " ما كان له قيمة مادية بين الناس، وجاز شرعا الانتفاع به في حال السعة والاختيار ".

وفيما يلي شرح لألفاظ هذا التعريف:

ما: جنس يشمل أي شيء سواء أكان عينا أم منفعة، وسواء أكان شيئا ماديا أم معنويا، له قيمة مادية بين الناس: قيد لإخراج الأعيان والمنافع التي لا قيمة لها بين الناس لتفاهتها كحبة قمح أو قطرة ماء، وكمنفعة شم تفاحة ....

وجاز الانتفاع به شرعا: قيد لإخراج الأعيان والمنافع التي لها قيمة بين الناس، ولكن الشريعة أهدرت قيمتها، ومنعت الانتفاع بها، كالخمر والخنزير ولحم الميتة، ومنفعة آلات اللهو المحرمة.

في حال السعة والاختيار: قيد جيء به لبيان أن المراد بالانتفاع الانتفاع المشروع في حال السعة والاختيار، دون حال الضرورة فجواز الانتفاع بلحم الميتة، أو الخمر أو غيرها من الأعيان المحرمة، لا يجعلها مالا في نظر الشريعة، فيقتصر الأمر على جواز الانتفاع، فلا تصبح هذه الأعيان أموالا، لأن الضرورة تقدر بقدرها.

والواقع أن مسلك الجمهور أولى بالأخذ والاعتبار .... ذلك أن عدم اعتبار المنافع أموالا محل نقد شديد، وهو ما بيناه تفصيلا في كتاب الملكية

كما أن هذا المسلك في بنائه مالية الشيء على كونه منتفعا به انتفاعا مشروعا، وله قيمة بين الناس يسمح بتوسيع دائرة الأموال في هذا العنصر لتشمل أشياء لم تكن معروفة فيما سبق ما دام قد تحقق فيها أساس المالية، وذلك مثل الأشياء المعنوية فيما يعرف بالحقوق الذهنية وحقوق الابتكار، ويمكن أن يقال مثل هذا الكلام في الدم البشري الذي يؤخذ من الإنسان ليحتفظ به – في بنوك الدم – من أجل الانتفاع به انتفاعا مشروعا في العمليات الجراحية، ويكون له قيمة بين الناس. وكذلك الجراثيم التي يتم تصنيعها في معامل الأدوية إلى أمصال لمقاومة الأمراض

وغيرها.

(1) انظر: في تعاريف مختارة للجمهور، والملكية في الشريعة الإسلامية، د. عبد السلام العبادي ص 176 وما بعدها

ص: 2017

2-

حقيقة الملك في الفقه الإسلامي:

ذكرت قواميس اللغة أن معنى الملك: احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به والتصرف بانفراد (1) .

أما في الاصطلاح فقد تعددت تعاريف العلماء له، أذكر منها:

1-

تعريف صدر الشريعة عبيد الله بن سعود بأنه: (اتصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقا لتصرفه فيه وحاجزا عن تصرف الغير)(2) .

2-

تعريف القرافي بأنه: (إباحة شرعية في عين أو منفعة تقتضي تمكن صاحبها من الانتفاع بتلك العين أو المنفعة أو أخذ العوض منها من حيث هي كذلك)(3) .

3-

تعريف القاضي حسين بأنه: (اختصاص يقتضي إطلاق الانتفاع والتصرف)(4) .

4-

تعريف ابن تيمية بأنه: (القدرة الشرعية على التصرف في الرقبة)(5) .

وقد كنت قدمت دراسة مستقضية عن حقيقة الملك في الشريعة الإسلامية استعرضت فيها هذه التعاريف وغيرها وناقشتها، وانتهيت إلى أن تعريف الملك حتى يكون جامعا مانعا لا بد أن تبرز فيها الأمور التالية:

1-

أن الملك اختصاص أو علاقة يختص بها الإنسان بشيء.

2-

أن موضوع هذا الاختصاص القدرة على الانتفاع والتصرف بهذا الشيء.

3-

أن هذا الانتفاع والتصرف قد يمنع منهما كما في المحجورين للصغر أو الجنون.

4-

أن هذا الانتفاع والتصرف قد يتم أصالة أو وكالة، ويهمنا هنا ما يتم أصالة.

5-

وكل هذا مقررة أحكامه في الشرع جملة وتفصيلا.

وعلى ذلك فقد عرفت الملك بأنه: (اختصاص إنسان بشيء يخوله شرعا الانتفاع والتصرف فيه وحدة ابتداء إلا لمانع)(6) .

(1) القاموس المحيط: 3/320-321، والمصباح المنير: 2/279

(2)

شرح الوقاية في مسائل الهداية: 2/196

(3)

الفروق: 3/216

(4)

طريقة الخلاف، القاضي حسين مخطوط: ص 134

(5)

القواعد النورانية الفقهية، ابن تيمية: ص 218

(6)

انظر: الملكية في الشريعة الإسلامية، العبادي: 1/128- 152

ص: 2018

الخلاصة

ويعد هذا البيان الموجز لحقيقة كل من المال والملك في الفقه الإسلامي يظهر لنا جليا انطباق حقيقة كل منهما على هذا النوع من الحقوق. المال وفق ما استقر من اصطلاح لجمهور الفقهاء، والملك وفق ما اتفق عليه الفقهاء

وإن هذا التخريج الفقهي مضطرد لا إشكال عليه ولا مانع منه .... بل إن قواعد الشريعة ومبادئها العامة تؤكد هذا وتؤيده

ذلك أن محور هذه الحقوق أمران:

الأول: الحق في الاحتفاظ بنسبة محل هذا الحق لصاحبه

وهو جانب معنوي بحت ....فإن الأمانة والصدق يقتضيان نسبة كل لصاحبه، والشريعة تبني على تقرير هذه النسبة أشياء كثيرة منها الحساب والأجر والثواب، والتحري والدقة والتثبت وبخاصة في المجالات العلمية بخصوص تفسير القرآن الكريم ونقل الحديث النبوي وشرحه وفي الشهادة وإثبات الحقوق وغيرها.

الثاني: الحق في الاختصاص بالمنفعة المالية التي تعود على صاحبه من استغلاله أو نشره ضمن ما هو مقرر شرعا وقانونا.

والشريعة وإن كانت تدعو إلى تعميم المنفعة ونشر ما فيه مصالح الناس وخيرهم لكن ذلك في نظرها لا يبرر الاعتداء على حقوقهم فيما هو نافع ومفيد

بل إن تعميم المنفعة بما يبتكره الأفراد له قواعده وأصوله ومن أهم هذه القواعد التي تحقق المصلحة وتمنع الضرر الاعتراف بهذه الحقوق وتنظيم نشرها والاستفادة منها بأحكام تنسجم مع طبيعتها وظروف التعامل معها، وقد استقرت الأعراف الإنسانية في كثير من الدول على ذلك، والمالية يقررها العرف، ما دام الأمر غير ممنوع في الشرع

وإن تطور الحياة الإنسانية يملى بذلك حماية لهذا التصور ودفعا لمزيد من العطاء والبذل.

وقد يقال إن من أبرز الحقوق المعنوية حقوق التأليف، وقد وجد التأليف في وقت مبكر في التاريخ الإسلامي، فلمإذا لم يقل فقهاؤنا السابقون بمالية هذه الحقوق وجواز بيعها؟.والجواب على هذا يعود بالإضافة لما سبقت الإشارة إليه إلى أن جهود النساخ للكتب قبل اختراع الطباعة كان يقضي على جهد المؤلفين وبخاصة مع حرص المؤلفين على نشر العلم وكسب الأجر.

وهكذا يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية تعترف بالحقوق المعنوية وتدعو إلى تنظيم كل ما يتعلق بها وبخاصة في مجال استغلالها والتصرف بأحكام تفصيلية تحقق المصالح المشروعة لأصحابها وللمجتمع، وهو ما قد يختلف من حق إلى آخر ومما يترك للدراسات الخاصة بكل حق على حدة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور عبد السلام داود العبادي

ص: 2019