المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

‌تنظيم النسل وتحديده

إعداد

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو

الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. وبعد..

قد دعا الإسلام إلى زيادة الإنجاب والتكثير من النسل الطيب والذرية الصالحة، وجعل ذلك سببًا لتكثير الأمة وإعلاء كلمة التوحيد، وترجيح كفة الإيمان على الكفر والفسوق والعصيان، وتعزيز جانب الحق وإظهاره على الباطل، وتعمير الأرض بالعمل الصالح {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (1)

لأجل هذا ندب الإسلام أتباعه إلى الزواج لأنه السبب في بقاء هذا النوع الإنساني على أحسن وجه، وأكمل نظام، وفيه حفظ النوع البشري من الفناء والانقراض وفيه عمران الأرض وصلاحها، فها هو نبينا الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام، يلفت أنظار الشباب لهذا الركن الحيوي من أركان الحياة الاجتماعية، مخاطبًا إياهم بقوله:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"(2) .

وبخصوص زيادة النسل وتكثير عدد أفراد الأمة، فقد لفت الإسلام أنظارنا إلى اختيار المرأة الودود الولود. قال صلى الله عليه وسلم:"تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم " وفي رواية: " فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة"(3) .

والتكاثر المقصود، هو التكاثر الذي يستحق أن يباهي به الرسول صلى الله عليه وسلم، الأمم وهو التكاثر القائم على الصلاح والإيمان والقوة والحيوية والخير، أما التكاثر القائم على الفساد والعصيان فإنه أبعد ما يكون عن قصد النبي عليه الصلاة والسلام.

(1) سورة الأنبياء [105] .

(2)

الحديث متفق عليه. انظر سبل السلام – شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام لمحمد بن إسماعيل المعروف بالصنعاني 109/3

(3)

رواه أحمد وصححه ابن حبان وله شاهد عند أبي داود والنسائي. راجع المصدر السابق 111/ 3

ص: 124

التنظيم والتنسيق بمعنى واحد، يقال: خرز نسق بمعنى منظم. والنسق أيضًا ما جاء من الكلام على نظام واحد.

والإنظام معناه الاتساق (1) .

أما التحديد فله معنى آخر، فحد الشيء منتهاه، والحد بمعنى المنع. ومنه قيل للبواب حداداً وللسجان أيضا، لأنه يمنع عن الخروج، أو لأنه يعالج الحديد من القيود (2) .

ولا يختلف المعنى الاصطلاحي كثيرًا عن المعنى اللغوي للفظتي التنظيم والتحديد، إذ مقصودنا من هاتين اللفظتين في هذا البحث، هو ترتيب النسل وتنسيقه أو منعه بصورة مؤقتة.

الفرق بين تنظيم النسل ومنعه:

هناك فرق كبير بين تنظيم النسل المقصود بالبحث هنا، وبين منعه بصورة دائمة وذلك بإجراء بعض العمليات الجراحية، وبعض الطرق العلمية التي تحقق هذا الغرض، ومنع الإنجاب نهائيًا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج الذي من أهم أغراضه ومقاصده التناسل كما ظهر لنا ذلك من النصوص المتقدمة.

ثم إن قواعد الشريعة تدل على منع ذلك الأمر وتحريمه من غير ضرورة، فإن في الحرمان من النسل نهائيًا مضرة ظاهرة يأباها الشارع وتدخل فيما نهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " وواضح وجه المضرة في الحرمان من النسل، فإن الشريعة الإسلامية وما تعارفه الناس في أمر النكاح، يقتضي أن يكون هناك تناسل لعمارة الأرض وبقاء الإنسان، كما أنه هو الذي يتفق مع الطبيعة الإنسانية التي أوجدها الله في كل من الذكر والأنثى من حب الأبوة والأمومة، وأن يشعر كل منهما بتحقق هذا الوصف كما تحقق في أصله الذي يرى في حياته إمتدادًا لحياة أصله وتخليدًا له، وفي هذا الأمر تغيير لخلق الله في الإنسان، وتحويل له عن طبيعته، ومقتضى فطرته التناسلية، والدين يأبى ذلك، لأنه جاء مسايرًا للناس في نظرهم السليم، وداعيًا إلى مصالحهم، ومحرمًا لكل ما يترتب عليه ضرر في أشخاصهم ومجتمعاتهم (3) .

(1) انظر مادة نسق ونظم في مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي

(2)

انظر مادة حدد في المصدر السابق أيضًا

(3)

الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي للأستاذ محمد سلام مدكور ص313

ص: 125

وبناء على ذلك فقد وردت نصوص فقهية، في كتب الشافعية وغيرها تنص على تحريم التعقيم، فقد نقل البجيرمي أحد فقهاء الشافعية في حاشيته على الإقناع، عن فقهاء المذهب " أنه يحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله".

ويستوى في تحريم التعقيم، أن يكون قبل الإنجاب مطلقًا، أو بعد الإنجاب اكتفاء بما رزق به الزوجان أو أحدهما من أولاد، فإن ذلك أيضًا يشتمل على مضرة، تتنافى مع أغراض الشارع، فإن ما رزقهما الله به من أولاد، قد يفقدانه دفعة واحدة أو على التتالي، وقد فقدا أو أحدهما وسيلة الإنجاب، فيقعان في الحرمان، ولا يستطيعان على أن يتداركا ما فاتهما، وقد تتحرك فيهما أو فيمن فقد منهما الصلاحية للإنجاب. عاطفة الأمومة أو الأبوة فلا يجدان أو أحدهما مجالا لتحقيقها، والانتفاع بها، ويندمان أو أحدهما وقت لا ينفع الندم (1) .

الغرض من تنظيم النسل وتحديده:

تلجأ الأسر إلى عملية التنظيم هذه، بقصد عدم إرهاق الأم في أغلب الأحيان سيما إذا كانت الأم مشغولة بالأعمال الوظيفية، وليس لديها الوقت الكافي لإدارة شئون أسرتها فتلجأ إلى هذه الوسيلة لتتهيأ لها فرصة الإشراف على أعمالها المنزلية من خدمة زوجها أو تربية أولادها، وفي بعض الأحيان يكون سببه مرض المرأة مما يجعلها عاجزة عن مهامها البيتية كما قلنا، فتلجأ لذلك.

وقد يكون سببه حرص المرأة على المحافظة على جمالها وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفًا من خطر الولادة، وهناك عامل آخر قد تلجأ إليه بعض الأسر وهو الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء (2) ومهما كان القصد من تحديد النسل وتنظيمه، فإنه لا يعني منعه بصورة نهائية.

(1) الأستاذ مدكور في المصدر السابق أيضًا

(2)

انظر: إحياء علوم الدين – للإمام الغزالي 53/2

ص: 126

وسائله:

لتنظيم النسل وسائل متعددة، منها ما تتم قبل تكوين الجنين في رحم المرأة، وذلك بأن يمتنع الزوج من وطء زوجته في فترة معينة من طهرها، وغالبا ما يكون ذلك في العشرة الوسيطة من الطهر، عندما تكون بويضة المرأة مهيأة للتلقيح، أو في استعمال بعض العقاقير الطبية التي تقلل فرصة الحمل، وأحيانًا يلجأ الزوج إلى العزل وذلك بأن يقذف ماءه خارج رحم زوجته.

وهناك وسائل أخرى تلجأ إليها بعض الأسر بعد تكوين الجنين في رحم أمه، سواء كان في مراحل تكوينه الأولى أم الأخيرة، ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص.

حكم الحالة الأولى:

وهي ما إذا استعمل الزوجان الوسائل الكفيلة بمنع الحمل بصفة مؤقتة قبل تكوين الجنين.

ومنع الحمل بهذه الصفة أمر معروف لدى الأمم قبل الإسلام وبعده، ومنهم الفرس والرومان، وقد اتخذ العرب في الجاهلية العزل وسيلة لمنع الحمل أيضًا، ولما جاء الإسلام والناس على هذه الحال، وكان بعض من دخلوا في الإسلام يتبعون هذه الوسيلة، سأل بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم العزل باعتباره وسيلة للتحكم في الحمل طالما وجدت الرغبة في عدم حصوله، فأدلى الرسول عليه الصلاة والسلام بما يشعر بإباحته.

فما هو العزل؟ هو أن ينزع الرجل بعد الإيلاج ليقذف ماءه خارج الرحم.

ويلجأ إليه لأحد سببين، إما خوفًا على الرضيع من أن يلحق به ضرر إن وجد أو لئلا تحمل المرأة (1)

(1) انظر سبل السلام 145/3

ص: 127

رأي الفقهاء في العزل:

الأصل عند الجمهور هو جواز العزل إلا أنهم اختلفوا في اشتراط إذن الزوجة له أو عدم اشتراطه، وذلك على النحو التالي:

1-

نص الحنفية على إباحة العزل بعد إذن الزوجة، إذا كانت بالغة، إذ غير البالغة لا ولد لها، وكالبالغة المراهقة إذ يمكن بلوغها وحبلها. وقد نقل ابن عابدين عن بعض كتب المذهب، أن الزوج إذا خاف من الولد السوء، فله العزل بغير رضاها بسبب فساد الزمن (1) وهذه وجهة نظر الحنابلة أيضًا، قال ابن قدامة:" ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها"(2) معللا لذلك بأن للزوجة حقًا في الولد. وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها (3)

وهل الاستئذان واجب أو مستحب؟ قال القاضي الحنبلي: " ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحبًا لأن حقها في الوطء دون الإنزال "(4) .

وبإباحة العزل قال المالكية أيضًا. فقد ذكر الدردير أن للزوج العزل إذا أذنت له الزوجة بذلك (5) ونص الخرشي على مثل هذا بقوله: " يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته. لكن إن كانت أمة فلا بد من إذنها وإذن سيدها.. وإن كانت حرة فيكفي أذنها وإن لم يأذن وليها (6) .

وفي مذهب الشافعية ما يؤيد هذا الرأي أيضًا، فقد ذكر الفيروزآبادي الشافعي، أن الرجل إذا عزل عن زوجته الحرة، إن كان العزل بإذنها جاز، لأن الحق لهما، ولو لم تأذن الزوجة بالعزل ففيه وجهان:" أحدهما لا يحرم لأن حقها في الاستمتاع دون الإنزال، والثاني يحرم لأنه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه"(7) .

2-

ونص الغزالي الشافعي في الإحياء على إباحة العزل دون اشتراط أذن الزوجة، وقد نفى أن يكون ذلك مكروها كراهة تحريم أو تنزيه، معللًا لذلك بقوله:" لأن إثبات النهي إنما يكون بنص أو قياس على منصوص، ولا نص ولا أصل يقاس عليه، بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلا أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الإنزال بعد الإيلاج فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب منهي "(8)

(1) انظر حاشية رد المحتار على الدر المختار 175/3

(2)

انظر المغني 298/7

(3)

انظر ابن قدامة في المصدر السابق وكذا منتهى الإرادات للنجار 227/2

(4)

المصدر السابق أيضًا

(5)

انظر الشرح الكبير على سيدي خليل 266/2

(6)

الخرشي علي سيدي خليل وبهامشه حاشية الشيخ العدوي في 225 / 3

(7)

المهذب طبعة البابي الحلبي 66/2

(8)

إحياء علوم الدين 53/2

ص: 128

دليل الجمهور فيما ذهبوا إليه:

استدل الجمهور على إباحة العزل للزوج من زوجته سواء من اشترط منهم إذنها أو لم يشترط بالروايات الصحيحة الواردة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تشعر بجواز ذلك منها:

أ – ما جاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن "(1) .

والحديث فيه دليل على فعل الصحابة للعزل في زمن التشريع ولو كان حرامًا لما أقرهم الوحي عليه.

ب- واستدلوا كذلك بما رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وأن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى قال: كذبت اليهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه (2) .

وجه الإستدلال من هذا الرواية، أن الرسول صلى الله عليه وسلم فند مزاعم اليهود في تسميتهم العزل بالموءدة الصغرى: وقوله: " لو أراد الله أن يخلقه

الحديث" معناه أنه تعالى إذا قدر خلق نفس فلا بد من خلقها بأن يسبق الرجل ماؤه من غير شعوره فلا يقدر على دفعه فينفذ الله ما قدره، وفي هذا دليل على جواز العزل (3) .

وقد جزم ابن حزم الظاهري بتحريم العزل (4) . وقالت الزيدية بكراهيته (5) .

وقد استدل الظاهرية بما رواه مسلم عن جذامة بنت وهب قالت حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئًا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذلك الوأد الخفي " (6) والغيلة والغيال بكسر الغين، والمراد بها مجامعة الرجل امرأته وهي ترضع وقيل هي: أن ترضع المرأة وهي حامل، ويعتبر الأطباء ذلك داء، وكانت العرب تكرهه وتتقيه، وقد فند النبي عليه الصلاة والسلام هذه المزاعم لما ثبت عنده من فعل فارس والروم ذلك دون أن يلحق أولادهم ضرر من جرائه (7) .

(1) الحديث متفق عليه انظر سبل السلام 146/3إلا أن قوله " لو كان شيء ينهى عنه.. إلخ " لم ترد في صحيح البخاري وإنما رواه مسلم من كلام سفيان أحد رواته، وظاهره أنه قاله استنباطًا ذكر ذلك الصنعاني في المصدر السابق

(2)

انظر الصنعاني في المصدر السابق

(3)

المصدر السابق

(4)

المحلي 78/10 المسألة 1907

(5)

الروضة الندية شرح الدرر البهية لأبي الطيب القنوجي 42/2

(6)

جذامة بنت وهب أخت عكاشة بن محصن من أمه انظر الصنعاني 145/3

(7)

انظر الصنعاني في سبل السلام أيضًا 145/3

ص: 129

وجه الاستدلال في هذه الرواية كما يراها ابن حزم هو: أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتبر العزل بمثابة الوأد الخفي وذلك أمارة التحريم، وغيرها من الروايات مرجحة لأصل الإباحة ورواية جذامة تمنع، فمن يدعي إباحة العزل بعد منعه فعليه البيان (1) .

جواب الجمهور على ما استدل به ابن حزم:

أ – إن حديث جذامة معارض بما رويناه من أحاديث صحيحة، ويمكن الجمع بين رواية جذامة وغيرها، بحمل النهي الوارد في حديث جذامة على التنزيه.

ب- إن قوله صلى الله عليه وسلم " الوأد الخفي " في رواية جذامة بنت وهب لا يفهم منه التحريم صراحة، لأن التحريم يثبت للوأد المحقق الذي فيه قطع حياة محققة، والعزل وإن شبهه صلى الله عليه وسلم به فإنما هو قطع لما يؤدي إلى الحياة والمشبه دون المشبه به، وإنما سماه وأدًا لما تعلق به من قصد منع الحمل (2) وبهذا يرجح رأي الجمهور.

الحالة الثانية:

وهي ما إذا تعمدت المرأة إسقاط النطفة بعد تكوينها في رحمها وذلك باستعمال العقاقير الطبية أو إجراء عملية جراحية أو ما أشبه ذلك، وهو ما يعبر عنه بالإسقاط أو الإجهاض، وقبل أن أنقل رأي الفقهاء في الاعتداء على الجنين بما ذكرناه أود أن أبين هنا مراحل تكوين الجنين بقدر ما له صلة بموضوع بحثنا هذا.

(1) المصدر السابق أيضا

(2)

الصنعاني في المصدر السابق أيضًا

ص: 130

أطوار الجنين في الرحم:

لقد تناول القرآن الكريم أطوار الجنين في رحم أمه من وقت التلقيح الذي هو أصل التكوين الجنيني حتى مرحلة نفخ الروح فيه وتكوين العظام وإكسائها باللحم ثم جعله إنسانًا كامل الخلقة، وكل هذه الأطوار يتناولها قول الله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (1) يتعرض القرطبي في تفسيره للأطوار الثلاثة التي يمر بها الجنين منذ بدء تكوينه ويفسر كل طور من هذه الأطوار، ومن المفيد أن ننقل ما قاله رحمه الله بهذا الخصوص.

النطفة: " وهي المني، سمي نطفة لقلته، وهو القليل من الماء وقد يقع على الكثير منه ".

العلقة: وهو الدم الجامد، والعلق الدم العبيط، أي الطري، وقيل الشديد الحمرة.

المضغة: وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ومنه الحديث ألا وإن في الجسد مضغة" (2)

والأطوار المذكورة عدتها أربعة أشهر وحكي عن ابن عباس قوله: وفي العشر بعد الأشهر الأربعة ينفخ فيه الروح فذلك عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر. (3) ، وجاء الحديث الشريف مؤكدًا الأطوار المارة الذكر التي ذكرها القرآن الكريم، ففي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.. "(4)

ومما مضى تأكد بأن نفخ الروح في الجنين يكون بعد مائة وعشرين يوما، وذلك محل اتفاق بين جميع العلماء، وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف (5)

(1) سورة المؤمنون الآيات [12، 13،14]

(2)

انظر الجامع لأحكام القرآن 6/12وكذا روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للعلامة الآلوسي 14/18

(3)

انظر القرطبي في تفسيره السابق

(4)

المصدر السباق

(5)

المصدر السابق

ص: 131

رأي العلماء في الاعتداء على الجنين بالإجهاض:

بعد هذه العرض لتكوين الجنين في رحم أمه والأطوار التي يمر بها، أذكر ما قاله فقهاؤنا رحمهم الله بخصوص جواز إسقاطه أو عدم جوازه، وفي أي مرحلة من مراحله يجوز الإسقاط؟

اتفق الفقهاء: على القول بتحريم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين، أما قبل النفخ فقد اختلفت آراؤهم وذلك على النحو التالي:

أجاز الحنفية في كثير من كتبهم الإسقاط بعد الحمل، ما لم تنفخ فيه الروح ولن يتحقق ذلك إلا بعد مائة وعشرين يومًا كما قلنا، ولم يشترط أصحاب هذا الرأي من فقهائهم إذن الزوج في الإسقاط قبل المدة المذكورة، جاء في الدر المختار:" يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ولو بلا إذن الزوج".

وحكى ابن عابدين عن بعض كتب المذهب ما يفيد الكراهية، إن تم الإسقاط بدون عذر، فقد نقل عن الذخيرة ما نصه.. " لو أرادت الإلقاء قبل مضي زمن ينفخ فيه الروح هل يباح لها ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه وكان الفقيه علي بن موسى يقول أنه يكره، فإن الماء بعدما وقع في الرحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم، ونحوه في الظهيرية ".

ومن المفيد في ذلك ما نقل عن ابن وهبان، من أن وجود العذر يبيح الإجهاض قبل أربعة أشهر، وذلك كأن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه. وفي القول بإباحة الإسقاط هذا استنتج صاحب كتاب النهر، بأنه يجوز للمرأة سد فم رحمها، كما تفعله النساء دون اشتراط إذن الزوج، وقد خالف بذلك رأي صاحب البحر الذي اشترط لذلك إذنه، قياسًا على عزله بغير إذنها، فإنه لا يجوز له ذلك، كذلك الأمر هنا.

وفي حالة عدم رجوع الزوجة إلى أخذ رأي زوجها، فإنه يحرم عليها ما تفعله من سد فم رحمها (1) .

(1) انظر ابن عابدين في المصدر السابق أيضا

ص: 132

وقد تشدد المالكية في هذه المسألة، إذ منعوا إسقاط الجنين ولو قبل الأربعين يومًا على ما هو المعتمد في المذهب. جاء في الشرح الكبير للدردير " ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يومًا، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعًا "(1) . وجاء في الخرشي ما يؤيد ذلك أيضًا فقد نص على ما يلي: " لا يجوز للمرأة أن تفعل ما يسقط ما في بطنها من الجنين، وكذا لا يجوز للزوج فعل ذلك ولو قبل الأربعين، وقيل يكره قبل الأربعين للمرأة شرب ما يسقطه إن رضي الزوج بذلك"(2) . على أن الخرشي قد نقل عن أحد أئمة المذهب ما يفيد جواز الإسقاط قبل الأربعين (3)

وعلى هذا الرأي، يكون للمالكية رأيان في جواز إسقاط ما في الرحم قبل الأربعين يومًا، الجواز وعدمه، أما بعد الأربعين فلا يجوز إسقاطه قولًا واحدًا.

أما الشافعية فمذهبهم تصوره عبارة البجيرمي نقلًا عن ابن حجر إذ يقول: " اختلف الشافعية في سبب الإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه، والذي يتجه وفاقًا لابن عماد وغيره الحرمة" وفرق بين ذلك وبين العزل، فإن المني حال نزوله محض جماد ولم يتهيأ للحياة بوجه (4) بخلافه بعد استقراره في الرحم، وأخذه في مبادئ التخلق. ثم يمضي البجيرمي قائلًا: إن في بعض الكتب خلاف ذلك أخذا من قول ابن حجر والذي يتجه الحرمة.

ومقتضى ذلك أن بعض الشافعية يقول بعدم حرمة الإسقاط قبل نفخ الروح، واستنتج البجيرمي من قول ابن حجر- " وأخذه في مبادئ التخلق " أنه يفيد عدم الحرمة قبل ذلك (5)

وقد نص الشبراملسي أنهم اختلفوا في جواز التسبب في إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم، وأن أبا إسحق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة. ونقل عن الغزالي: أورد في بحث العزل، ما يدل على تحريمه وقال: إنه الأوجه لأنه بعد الاستقرار آيلة للتخلق (6) .

(1) انظر 266/2وكذا حاشية الدسوقي على الشرح المذكور بنفس الموضوع، وقد عقب على ذلك بقوله:" هذا هو المعتمد".

(2)

انظر 255/3

(3)

انظر المصدر السباق وقد جاء فيه ما نصه: " والذي ذكره الشيخ عن أبي الحسن أنه يجوز قبل الأربعين"

(4)

انظر 266/2

(5)

المصدر السابق أيضا

(6)

انظر نهاية المحتاج 179/6

ص: 133

وجاء في موضع آخر من نهاية المحتاج، اختلف في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قبل لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها، ويتجه أبو بكر بن أبي سعيد القرافي، إلى جواز الإسقاط في فترتي النطفة والعلقة، أي قبل التخلق في مرحلة المضغة، ونقل الشبراملسي عن الغزالي أيضًا ما حاصله: أن العزل ليس كالاستجهاض والوأد وأن مراتب الوجود، دفع نطفة الرجل في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشًا ثم قال الغزالي: ويبعد الحكم بعدم تحريمه، ثم عاد فتردد بقوله: قد يقال إن الإجهاض قبل نفخ الروح لا يقال إنه خلاف الأولى بل يحتمل التنزيه والتحريم ويقوي التحريم فيما قرب من زمن النفخ، ثم قال: نعم لو كانت النطفة من زنى فقد يتخيل الجواز فلو تركت حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم (1)

ويبدو من مسلك الغزالي هنا كما يقول الأستاذ مدكور، " أنه باحث متحفظ يريد أن يطرق الاحتمالات التي يمكن الذهاب إليها، وأنه لا ينقل عن أئمة الفقه الشافعي على طريقته في الورع الصوفي والنظر الفلسفي، غير أنه استطاع أن يجزم على طريق النظر الفقهي بما أشرنا إلى أنه مجمع عليه ، وهو أنه لا شك في تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، وإن كان لم يشر إلى حالة وجود الفرد اعتمادًا على القواعد الفقهية العامة، كما أنه جزم بحثًا فقهيًا لم يسنده إلى أحد بأن النطفة من الزنا إذا تركت حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم، وكأنه يرى أن ذلك يلتحق بالوأد المحرم ومعنى يشترك فيه ابن الزنا وابن الفراش (2)

وذكر الخطيب الشربيني، أن المرأة الحامل إذا دعتها الضرورة إلى شرب دواء فشربته ثم أجهضت فينبغي أن لا ضمان عليها في هذه الحالة، كما قال الزركشي بخلاف ما إذا صامت فأجهضت فإنه تضمن دية الجنين (3) .

ومن هنا يظهر لي بأن الإجهاض لعذر لا إثم فيه على رأي الشافعية بناء على قول الزركشي هذا، وبهذا يتضح أن الشافعية لا يختلفون عن غيرهم ممن قدمنا كثيرًا في مسألة العزل وإن كانوا يقتربون في مسلكهم الفقهي وذكر الخلافات من مسلك الحنفية على ما أوردناه.

(1) انظر نهاية المحتاج 416/8

(2)

انظر الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي ص304.

(3)

انظر مغني المحتاج 103/4 ونص العبارة كما يلي: " ولو دعتها ضرورة إلى شرب دواء فينبغي كما قال الزركشي أنها لا تضمن بسببه، وليس من الضرورة الصوم ولو في رمضان إذا خشيت منه الإجهاض، فإذا فعلته فأجهضت ضمنته كما قاله الماوردي ولا ترث منه لأنها قاتلة "

ص: 134

ويصور لنا ابن قدامة مذهب الحنابلة فيقول: تجب في الجنين إذا سقط من الضربة ميتًا وكان من حرة مسلمة الدية، وقيمتها خمس من الإبل، ولا فرق بين أن يخرج جميع أجزاء الجنين من الضربة أو بعضه، ولو أن رجلا ضرب حاملًا أو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخ فسكن الحركة وأذهبها لم يضمن الجنين، معللًا ذلك بقوله:" لأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت ولا يجب الضمان بالشك"(1) . فإن أسقطت المرأة من جراء الضربة ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه، لعدم التيقن من كونه جنينا، " وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدت أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان: أحدهما لا شيء فيه، لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة، ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك. والثاني فيه غرة لأنه مبتدأ خلق آدمي، أشبه ما لو تصور وهذا يبطل بالنطفة والعلقة "(2) .

ومن خلال ما قاله ابن قدامة هنا بعد إلزام الضارب بشيء فيما لو أسقط ما لم يتصور أو كان نطفة أو علقة، يظهر بأن الحنابلة لا يختلفون عن غيرهم من الفقهاء الآخرين، في القول: بجواز إسقاط الجنين ما دام في مراحل تكوينه الأولى من نطفة أو علقة، بخلاف ما لو تصور بمعنى بان خلقه، فلا يحل إسقاطه لاحتمال نفخ الروح فيه.

ويرى الظاهرية كما يصور مذهبهم ابن حزم بقوله: " صح أن من ضرب حاملًا فأسقطت جنينًا فإن كان قبل الأربعة أشهر، فلا كفارة في ذلك " وهذا العبارة لا تدل على وقوع الإثم فلا يكون حرامًا، وقد علل ذلك بقوله:" لأنه لم يقتل أحدًا فلا كفارة إذ هي إنما تكون في القتل الخطأ ولا يقتل إلا ذو روح". (3)

وإن كان الإجهاض قد حدث بعد الأربعة أشهر فإنه يوجب مع الغرة الكفارة التي هي كفارة القتل الخطأ لأن الجنين بعد مضي أربعة أشهر يكون قد نفخت في الروح الإنسانية.

(1) انظر المغنى 406/8

(2)

انظر المغنى 406/8

(3)

انظر المحلى 36/11

ص: 135

وفي مذهب الزيدية ما يؤيد اتجاه الفقهاء الآخرين، فيرون كما يحكي مذهبهم صاحب البحر الزخار " أنه يجوز القاء النطفة والعلقة والمضغة لأنه لا حرمة لهذه الأشياء" (1) . ونص في موضع آخر على أنه " لا شيء فيما لم يتبين فيه التخلق والتخطيط كالمضغة " ثم قال:" إنه لا كفارة في المستبين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالغرة ولم يذكر الكفارة".

خلاصة الآراء:

ومن كل ما عرضنا في هذا الموضوع يتبين أن الإتجاه، لا تختلف فيه وجهة النظر في أن الإجهاض بعد نفخ الروح عمدًا محرم شرعًا، وقد حكى اتفاق العلماء هذا ابن قدامة حيث قال:" وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنينًا فعليها غرة، لا ترث منها شيئًا وتعتق رقبة"(2) ويمضي قائلًا:" ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه"(3) .

وقد انفرد الزركشي من أئمة الشافعية، بجواز ذلك للأم عند الضرورة، كما حكاه الخطيب الشربيني والذي أشرنا إليه سابقًا.

أما قبل نفخ الروح في الجنين فقد اختلفت وجهات نظرهم على ما بينا.

والذي أرجحه في هذه المسالة: هو حرمة الاعتداء على الجنين بعد نفخ الروح فيه بأي وسيلة كانت، سواء بشرب دواء من الأم أو بإجراء عملية جراحية أو غير ذلك فيما لو تأكد لنا بث الروح فيه، لأن الإجهاض عليه إزهاق لروحه وهذا لا يجوز. وما ذهب إليه الزركشي من جواز ذلك عند الضرورة ينقصه الدليل.

أما قبل نفخ الروح في الجنين، فإن دعت الضرورة لإسقاطه كالخوف على هلاك الأم من مرض أو ما أشبهه، فلا أرى مانعًا من إسقاطه، أما إجهاضه لغرض تنظيم النسل بعد استقراره في رحم المرأة، فلا أرى جوازه؛ لأنه ليس بضرورة وبإمكان الزوجين الأخذ بالوسائل المشروعة لتنظيم النسل والذي فصلنا فيها القول عند كلامنا عن العزل.

(1) انظر البحر الزخار 457/5

(2)

المغني 418/8

(3)

المغني 418/8

ص: 136

الخاتمة:

في ختام بحثنا لموضوع تنظيم النسل وتحديده، أود أن أبين ما يلي:

1 – إن تنظيم النسل وتحديده بالوسائل المشروعة التي تطرقنا إليها خلال البحث وقبل تكوين الجنين في رحم المرأة، ينطبق عليه حكم العزل الذي فصل العلماء فيه القول، وقد أباحه جمهورهم على أن لا يتخذ ذلك ذريعة لمنع الحمل بصورة دائمة، لأنه يتنافى مع توجيهات الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى تكثير النسل.

2 – بعد استقرار في رحم المرأة، وأخذ دوره التكويني سواء كان في طوره الأول النطفة أو الثاني العلقة أو الثالث المضغة، وقبل نفخ الروح فيه، فلا يباح إسقاطه إلا إذا دعت الضرورة إليه، كما ذكرنا ذلك قبل قليل.

3 – وبعد بث الروح في الجنين، ويعرف ذلك عن طريق الأم، أو إخبار طبيب أو مولده، فلا أرى جواز إسقاطه لأي سبب من الأسباب، لما فيه من إزهاق الروح، وهو محرم شرعًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو

ص: 137

أهم مصادر البحث

بعد القرآن الكريم:

1 – الجامع لأحكام القرآن – أبو عبد الله محمد القرطبي، المتوفى 671هـ- مطبعة دار الكتاب العربي- الطبعة الثالثة 1967م

2 – روح المعاني – شهاب الدين السيد محمود الآلوسي – المتوفى 1270هـ- إدارة الطباعة المنيرية- دار إحياء التراث العربي – بيروت.

3 – سبل السلام- محمد بن إسماعيل الكحلاني ثم الصنعاني المتوفى 1182هـ شرح بلوغ المرام لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني- مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

4 – الروضة الندية شرح الدرر البهية – لأبي الطيب صديق بن حسن القنوجي البخاري- الطبعة الأولى 1404هـ- دار الندوة الجديدة.

5 – منتهى الإرادات – تقي الدين محمد بن أحمد الشهير بابن النجار– تحقيق الدكتور عبد الغني عبد الخالق – الناشر عالم الكتب.

6 – الشرح الكبير – لأبي البركات سيدي أحمد الدردير- طبع بدار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي الحلبي وشركاه.

7 – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – للعلامة محمد عرفة الدسوقي.

8 – الخرشي على مختصر سيدي خليل وبهامشه حاشية الشيخ علي العدوي – دار صادر بيروت.

ص: 138

9 – حاشية البجيرمي على المنهج، المساة التجريد بنفع العبيد على شرح منهج الطلاب لأبي يحيى زكريا الأنصاري – الطبعة الأخيرة مطبعة البابي الحلبي.

10-

حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار- لمحمد أمين الشهير بابن عابدين - الطبعة الثانية – مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

11-

إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي – مطبعة مصطفى البابي الحلبي – سنة الطبع 1385هـ - 1939م.

12-

المهذب في فقه الإمام الشافعي - للفيروز آبادي الشيرازي – مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر.

13-

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج- للخطيب الشربيني – مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1377هـ 1958م.

14-

المغني – لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر أبي القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي – مطابع سجل العرب 1389هـ- 1969م.

15-

مختار الصحاح – لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي- الناشر دار الكتاب العربي.

16-

الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي- للدكتور محمد سلام مدكور- الطبعة الأولى 1389هـ - دار النهضة العربية بالقاهرة.

ص: 139