المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

‌تنظيم النسل وتحديده

إعداد

الأستاذ تجاني صابون محمد

أستاذ بمعهد المعلمين العالي بأنجامينا

وعضو مجمع الفقه الإسلامي عن تشاد

بسم الله الرحمن الرحيم

- وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم:

الموضوع: بحث حول تنظيم النسل وتحديده:

إن المعنى المقصود من تنظيم النسل أو تحديده، هو إيقاف الإنجاب الإنساني عن النمو والزيادة، وقد تستعمل وسائل كثيرة للوصول إلى هذا الغرض، منها: الإجهاض - وتعطيل الرحم بعمليات جراحية - وتعقيم الرجال - واستعمال الحبوب المانعة للحمل - والعزل وقتل الأولاد – (وكبت النفس بالعزوبة) والإبعاد عن الاتصال الجنسي، كل هذه العمليات تسمى بتنظيم النسل تارة، وبتحديد النسل تارة أخرى، أو بتنظيم الأسرة أحيانًا، والوسائل الأكثر شيوعًا في هذا العصر، هي استعمال العقاقير الطبية المانعة للحمل، والعمليات الجراحية لتعطيل الرحم عن الإنجاب.

ما هي الأسباب الداعية إلى تحديد النسل؟

قبل التحدث عن رأي الإسلام حول هذه العملية، يجدر بنا أن نتناول الأسباب الداعية إلى القيام بهذه العملية، إن الإنسان بتسليمه إلى القواعد الهندسية والحسابية التي اخترعها، يزعم بأن زيادة السكان في الكرة الأرضية، تتم بنسبة متوالية هندسية (PROGRESSION GEOMETRIQUE) 2، 4، 8، 16، 32، 64، 128، 356

- على حين لا تزيد ولا يمكن أن تزيد وسائل رزقهم مهما اخترعوا لزيادتها من الطرق المؤثرة، إلا بنسبة متواليه حسابية PROGRESSION ARITHMETIQUE 1، 2، 3، 4،5،6، 7، 8، 9.. إلخ

فعلى هذا يزعم الخبراء المعنيون بهذا الأمر، بأنه إذا ظل عدد السكان يتضاعف بدون ما حاجز، في وجهه، فلابد أن يصل إلى ضعفيه بعد كل خمس وعشرين سنة، بينما لا تزيد وسائل رزقهم خلال هذه المدة إلا إلى 9. فبالحساب على هذه القاعدة يقول الذين يتفكرون على مستوى منطقي عن منطقة خاصة من مناطق الأرض: إن عدد السكان في الكرة الأرضية، أو في منطقة ما منها إذا بقي في الزيادة على حاله، فمهما بذلنا من المحاولات العلمية الجديدة لتنمية موارد الرزق ووسائل المعيشة، فإنه من المحال أن تتوفر فيها الوسائل الكافية لقضاء الحياة، فضلا عن أن يحظى فيها النسل الإنساني بشيء من النهوض والتقدم، إلى أن يأتي وقت لا يبقى على سطح الكرة الأرضية، موضع يضع فيه الإنسان قدميه.

ص: 306

وانطلاقا من هذه المعطيات المفزعة الخاطئة، قام المؤيدون لهذه الفكرة والباحثون حول هذا الموضوع بإطلاق صفارة الإنذار على جميع سكان الأرض، فأقاموا الدول وأقعدوها، ثم فكروا بأنفسهم في كيفية تفادي هذه الكارثة على حد زعمهم، فاقترحوا فكرة تحديد النسل، فقامت بعض الدول، بإباحة الإجهاض والعمليات الجراحية داخل الرحم لمنع الإنجاب، واستعمال حبوب منع الحمل، كما قامت دول بتعقيم الرجال والنساء معا، ولجأت أخرى إلى العزل وكبت النفس بالعزوبه والابتعاد عن الاتصال الجنسي وغيرها من العمليات المحددة أو المنظمة للنسل.

- بطلان دعوى مؤيدي حركة تحديد النسل:

إن الحجج التي يحتج بها مؤيدو تحديد النسل، ما هي إلا انتقاد لذات الخالق سبحانه وتعالى، واعتراض على حكمته البالغة، ونظامه المحكم في السماوات والأرض، يظنون بالله أنه لا يعلم كثيرا مما يعلمونه أو يتوصلون إليه بقواعدهم الحسابية {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} .

لا يعرف هؤلاء أن الله عز وجل ما خلق شيئا في السماوات والأرض إلا على كمية محدودة {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1) . وأنه لا يصدر شيئا من خزائنه إلا بقدر معلوم {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (2) ، فمهما يكن من ظن هؤلاء القوم بالله وبأنفسهم فإن من الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الذي خلق هذا العالم وأبدع نظامه المحكم ليس بجاهل عنه {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} (3) وأنه لو نظروا في آياته، وأسرار حكمته في الآفاق وفي أنفسهم بعين البصيرة والعقل، لتبين لهم أنه الأكمل في تقديراته وحسابه، فقد خلق على هذه المساحة من سطح أرضه أنواعا لا عداد لها من خلائقه، وأودع كل واحد منها قدرة عاتية على التوالد، والتناسل، بحيث لو أرخى العنان في وجه نسل زوجين منه فقط لينمو على هواه لاكتظ به وحده وجه الأرض، من أقصاه إلى أقصاه. إن الماء الذي يفرزه كل رجل في كل اتصال من اتصالاته الجنسية، يمكن أن تحمل به ما بين 300 و 400 مليون امرأة في آن واحد، فلو أن القدرة التناسلية لرجل واحد فقط وجدت في وجهها مجالا كاملا للاتساع والنمو، لاكتظت الأرض اكتظاظا كليا بأفراد نسله وحده في سنوان قلائل، ولكن من الذي أقام الحاجز أمام هذه القوة التناسلية العاتية منذ مئات الآلاف من السنين، بحيث لم يدع نوعا من أنواع الخلائق يتعدى الحدود المعينة لزيادة نسله وتكاثر أفراده.

(1) سورة القمر الآية 49

(2)

سورة الحجر الآية 21

(3)

سورة المؤمنون الآية 17

ص: 307

فبالرغم من الإنذار بالخطر الذي وجهه هؤلاء الخبراء فإننا لم نر زيادة مذهلة للنسل البشري في مرحلة من مراحل تاريخه، بتلك النسبة المتوالية الهندسية، التي يتخوفون منها ولم يأت على الإنسانية زمن كانت فيه النسبة بين عدد السكان وموارد الرزق مثل التي يدعونها، وإن الأمر لو كان هكذا لكان النسل الإنساني قد انقرض عن وجه الأرض منذ زمن بعيد.

- النتائج السلبية لعملية تحديد النسل:

لقد ثبت علميا بأنه من الممكن باستخدام الوسائل المانعة للحمل، أن ينشأ الاضطراب والاختلال في نظام الرجل الجسماني، كما أنه من الممكن أن ينشأ به الضعف في قوته التناسلية، أو تنعدم فيه هذه القوة كليا، ومما يجوز القول به - على وجه عام - أن هذه الوسائل وإن كانت تحدث في صحة الرجل مؤثرات سيئة جدا إلا أن الذي يخشى دائما أن الرجل عندما لا تشبع غريزته الجنسية بعلاقته الزوجية، يعتريه التبرم والانقباض شيئا فشيئا في حياته العائلية، ولابد أن يحاول إشباع غريزته الجنسية بوسائل أخرى، تفسد عليه صحته، بل وقد تعرضه للأمراض الخبيثة، كما أن اتخاذ الوسائل الصناعية لدى المرأة لمنع الحمل، قد ينشئ التوتر في نظام المرأة الجسماني، ويلازمها شيئًا فشيئًا القلق والاضطراب والتبرم والضجر؛ لأنها عندما لا تشبع غريزتها الجنسية، فإن علاقتها بزوجها يعتريها الشذوذ والانزعاج. وقد شوهدت هذه النتائج بصفة خاصة في الذين يختارون طريق العزل.

ص: 308

كما ثبت علميا، بأن وسائل تحديد النسل، سواء أكانت هي اللولبيات المعدنية، أو الأقراص والعقاقير القاتلة للحيوانات المنوية، أو حواجز المطاط وغيرها، وإن كانت المرأة لا تتعرض باستخدامها لضرر فوري ظاهري، ولكنها إذا ظلت تستخدمها لمدة من الزمان، فلابد أن يصيبها الانهيار العصبي، قبل أن تبلغ سن الكهولة، كما قد قيل: إنها تسبب سقوط الرحم، والمراق وخفقان القلب والجنون، وعللا خطيرة أخرى، ومن أقدم وأهم طرق تحديد النسل الإجهاض أو (إسقاط الحمل)(AVORTEMENT) إنه لا يزال الطريق المستعمل لمنع الحمل في كثير من البلاد، وقد ثبت أن للإجهاض مؤثرات مهلكة على صحة المرأة وعلى نظامها العصبي، كما يذهب عدد غير يسير من الأمهات ضحية الموت أثناء عملية الإجهاض، كما يمكن أن تسبب عملية الإجهاض أضرارا بالرحم مما يتلفها أو يعقمها تماما، أما حبوب منع الحمل فلا يمكننا أن نجهل تأثيرها المؤكد على صحة المرأة وفي تعطيل كثير من قواها العقلية والتناسلية.

ويقول أحد الأطباء: إنه من الخيانة الشنيعة القول بأنها غير ضارة بصحة المرأة، وأردف يقول: بأن المرأة عندما تتناول هذه الحبوب لمنع حملها فإنها لا تتعرض للصداع والآلام العصبية فحسب، بل لا تأمن على نفسها أن يصيبها مرض عضال كالسرطان.

واستنتج بعض الأطباء أنه من غير القطعي، حتى بعد استعمال كل هذه الوسائل، ومكابدة أخطارها، أن تكون إحداها وسيلة ناجحة لمنع الحمل؛ لأن الطرق المستعملة في يومنا هذا غير قطعية، حيث إن كثيرًا من النساء قد حملن وذلك بالرغم من اتخاذهن تدابير لمنع الحمل.

ص: 309

الإسلام أمام فكرة تحديد النسل:

لا توجد في القرآن الكريم آية واحدة، بل كلمة واحدة تبيح عملية تحديد النسل، ولكن الذين يؤيدون عملية تحديد النسل عند المسلمين يستدلون بالأحاديث التي وردت في شأن العزل، ولكن هناك ثلاثة أمور أساسية لا بد من رعايتها في استخراج مسألة فقهية من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

1 -

الاستقصاء التام لكل ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في المسألة التي هي تحت البحث.

2 -

بذل الجهود الممكنة لمعرفة السياق والموقف الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حديثًا من أحاديثه.

3 -

بذل الجهود الممكنة كذلك للاطلاع على الظروف والملابسات السائدة في بلاد العرب في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فمع رعاية هذه الأمور الأساسية نريد الآن أن نلقي نظرة على الروايات التي يستدل بها هؤلاء القوم للدفاع عن فكرتهم، ومما لا يخفى على أحد أن قتل الأولاد كان هو الطريق الجاري في بلاد العرب لتحديد النسل، إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لسببين:

أولهما: تدهور الوضع الاقتصادي، فكان الآباء لأجله يقتلون أولادهم خشية أن يشاركوهم في رزقهم.

ثانيهما: عاطفة الغيرة المجاوزة لحدودها العادلة، فكان الآباء يحرصون، على وأد بناتهم خشية عار المصاهرة.

فلما جاء الإسلام ندد بهذه الجريمة، ونهى العرب عن اقترافها، وقلب عقليتهم في شأنها قلبا كليا، ثم اتجهت فكرة المسلمين إلى العزل، أي الإنزال بعيدًا عن المرأة، ولكن من المعلوم أن العزل ما كان عامًّا شائعًا بين المسلمين جميعًا، ولا كانت قد قامت فيهم حركة لتحديد النسل ومنع الحمل، ولا كان المقصود، أن يتخذ من العزل سياسة قومية، ولا كانت من الأسباب المحرضة عليه، تلك الأفكار التي كانت تحرض الناس على اقتراف جريمتي قتل الأولاد ووأد البنات، أيام الجاهلية، وإنما كانت هناك ثلاثة أسباب، هي التي حملت على العزل نفرًا من المسلمين، ولنا أن نعرفها بتتبع الروايات الواردة في كتب الحديث، في باب العزل.

ص: 310

1 -

خشية أن تحمل الأمة.

2 -

خشية أن تستحق الأمة إقامة دائمة إذا صارت أم لولد.

3 -

خشية أن يتعرض الرضيع لنوع من الضرر إذا حدث الحمل أيام الرضاعة.

فهذه هي الأسباب التي لأجلها أحس نفر من الصحابة - منهم عبد الله بن عباس وسعد بن أبي وقاص، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم بحاجة إلى العزل في ظروف مخصوصة وعملوه بحجة أنهم ما وجدوا في نصوص القرآن والسنة شيئا ينهى عنه صراحة.

يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول في رواية أخرى: كنا نعزل والقرآن ينزل، ويقول في رواية ثالثة:(كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) رواه البخاري ومسلم.

فواضح من هذه الروايات أن جابرًا ومن كان على رأيه من الصحابة في إباحة العزل لم يجدوا في نصوص القرآن والسنة شيئًا ينهى عنه صراحة، ويقول جابر رضي الله عنه في رواية أخرى أخرجها عنه الإمام مسلم: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه ذلك فلم ينهنا، فلا تصرح هذه الرواية فيما إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم العزل أم لم يسأل، وأنه إذا سئل فماذا كان جوابه؟

أما الروايات الأخرى فقد جاء في بعضها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد سئل في هذه القضية، فعن أبي سعيد الخدري أنه قال:((أصبنا سبيًا فكنا نعزل فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوإنكم لتفعلون؟ - قالها ثلاثًا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)) . أخرجه البخاري ومسلم.

ص: 311

وقد جاءت هذه الرواية في الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه وفيها يقول أبو سعيد الخدري: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء - يعني أن لا يولد لهم مولود - فأردنا أن نعزل فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟ فسألناه عن ذلك فقال: " ما عليكم أن لا تفعلوا - يعنى أي شيء يحدث إذا لم تفعلوا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة ". وفى رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولِمَ يفعل ذلك أحدكم؟ " وفى رواية أخرى ((أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لى جارية هي خادمتنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال: " اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها ")) رواه مسلم.

على أن هناك جماعة من الصحابة وغيرهم قد صح عنهم النهي عن العزل. يقول الإمام الترمذي في سننه: وقد كره العزل قوم من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ويروي مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر، أنه كان لا يعزل وكان يكره العزل.

فالذي نعلم من تتبع الأحاديث والروايات من كلا النوعين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أذن في العزل، بل كان يكرهه جماعة من أصحاب العلم من أصحابه رضي الله عنهم، ولكن لما لم تكن هناك حركة عامة لمنع الحمل وتحديد النسل قائمة بين المسلمين، ولا كانت الجهود تبذل لجعل العزل خطة قومية وتعاملًا عامًّا في المجتمع، وإنما كان نفر من المسلمين يعملونه لحاجاتهم وضروراتهم بصفتهم الشخصية، فما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمته، ولا نهى عنه نهيا مؤكدًا على أنه لو كان في زمانه حركة عامة تدعو الناس إلى منع الحمل وتحديد النسل على نطاق قومي واسع، لنهى عنه نهيا مؤكدًا.

ص: 312

ونحن إذا قسنا على العزل ما ظهر في زماننا من الطرق الأخرى لمنع الحمل وتحديد النسل. جاز لنا القول: بأن الشرع إذا لم يكن قد نهى عنه فإنما ذلك لأن الإنسان قد يحتاج إليه حاجة حقيقية في بعض ظروفه.. فمن باب الحيطة أن يسمح له باستخدامه وذلك مثل أن تتعرض المرأة لخطر الموت، أو تخاف على نفسها أو على طفلها الرضيع، ضررًا غير عادي إذا وقع الحمل، ففي هذه الظروف وأشباهها فقط يمكن استخدام إحدى طرق منع الحمل بعد مشورة الطبيب، ولا بأس بذلك في نظر الشريعة.

وأما تبني سياسة تحديد النسل عامة في الدول، فقد جاء القرآن صريحا في تحريمها، حيث قال تعالى:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} (1) فالنتيجة التي ورد ذكرها في هذه الآية الكريمة لتحريم نعمة التناسل بقتل الأولاد، هي الخسران، والوجوه التي تظهر عليها نتيجة الخسران هذه، تكون في الجسد والروح، وفي الحياة المدنية والاجتماعية، وفي الأخلاق وفي النسل والحياة القومية، وفي إضاعة المصالح القومية في سبيل المصالح الشخصية وفي الانتحار القومي، وفي الخسائر الاقتصادية. وذكر بعض المفسرين في قوله تعالى:{وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} (2) فقال: إنهم يحرمون على أنفسهم ما قد أحل الله لهم من المأكولات والسبب في ذلك أنه لم تكن قديما حركة لتحديد النسل ولكن الله الذي يحيط بعلمه كل ما كان وما سيكون، ما استعمل إلا كلمات عامة لا تشمل تحريم المباحات من المأكولات فحسب وإنما تشمل أيضًا تحريم كل نعمة أنعمها على عباده وكلمة " الرزق " لا تستعمل في معاجم اللغة وفي كلام العرب لمجرد المأكولات والمشروبات، وإنما تستعمل لكل نعمة بما فيها نعمة الذرية، ولما قد جاء هنا ذكر تحريم " الرزق " عقب قتل الأولاد، فمعناه الواضح أنه كما قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم، كذلك قد خسر الذين حرموا على أنفسهم، نعمة التناسل والإنجاب والأولاد.

(1) سورة الأنعام الآية 140

(2)

سورة الأنعام الآية 140

ص: 313

الخلاصة:

نستخلص من هذا كله أن اتخاذ طرق لتحديد النسل، من عزل وغيره، من أسباب منع الحمل كخطة قومية وتعامل عام في المجتمع، أمر مصادم للشرع، ومتناف مع أحكامه، ولكن إذا تعرضت المرأة لظروف يمكن أن تؤدي إلى هلاكها، أو هلاك رضيعها، نتيجة حمل، فإنه يمكن في هذه الحالة، أن يسمح لها باستعمال إحدى الطرق المذكورة، لإنقاذها وذلك بعد مشورة الطبيب كما ذكرنا آنفا، والله أعلم.

تجاني صابون محمد

ص: 314