المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

‌مسألة تحديد النسل

إعداد

الدكتور محمد القري بن عيد

باحث بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي

جامعة الملك عبد العزيز

جدة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

تعد قضية السكان واحدة من أهم المشاكل التي تواجه الدول النامية بما فيها أكثر بلدان المسلمين، والثابت ضمن المعرفة الاقتصادية المتاحة أن المجتمع النامي يواجه خيارا صعبا بين تحسين مستوى معيشة أفراده وبين إطلاق العنان للتزايد في عدد سكانه؛ لأن أحدهما لابد أن يأتي على حساب الآخر.

ولذلك تضطر البلدان التي يحقق سكانها معدلات نمو عالية ويعجز اقتصادها عن تحقيق متوسطات نمو كافية لتحسين مستوى معيشة الجميع إلى محاولة الحد من التزايد السكاني.

ولكن ذلك يواجه من جهة أخرى برفض شعبي سببه الاعتقاد الجازم عند أفراد المجتمع الإسلامي أن سياسة تحديد النسل غير جائزة في الشريعة الإسلامية.

إن مجتمعات الإسلام اليوم تختلف عنها بالأمس، فالمصالح صارت متشابكة والحياة معقدة، وكل قرار فردي له آثار اجتماعية مباشرة وغير مباشرة، والحكومة وهي الجهاز الضخم الذي تمس قراراته وسياساته حياة كل الأفراد في يومهم وفي غدهم، أصبحت واقعا يحتاج من جميع الأفراد إلى التنازل عن جزء من حرياتهم لكي يعاد تسخيرها لمصلحة المجموع لتحقيق ما يسمى في القاموس السياسي (المصلحة العامة) .

المشكلة التي تواجهها مجتمعات الإسلام اليوم هي إعادة فهم الأحكام الفقهية لكي تأخذ باعتبارها هذا الواقع الجديد، وكل ما تحتويه كتب الفقه حول تحديد النسل إنما يتعلق بالفرد والأسرة، أما السياسة العامة التي تستهدف السيطرة على زيادة عدد السكان فهي أمر مستجد ليس له أصل يقاس عليه، فمرده والحال هذه الأصول العامة للشريعة.

وقرار الفرد والأسرة بتحديد النسل أمر له طبيعة مختلفة عن السياسة العامة، فالأول يتخذ الوسائل البيولوجية طريقا إلى منع النسل، أما الثاني فقد يتبنى أساليب كثيرة منها سياسية واقتصادية وإعلامية بالإضافة إلى الطرق المباشرة لمنع التناسل والأهداف التي يسعى الفرد للوصول إليها من تحديد نسله أهداف شخصية مباشرة.

أما الأهداف العامة فقد تتعلق بأمور بالغة الأهمية والخطورة تمس حياة المجتمع بمؤسساته ومعتقداته وأجياله الحالية والمستقبلية.

لذلك صار لزاما علينا اليوم أن ننظر إلى هذه المشكلة من أبعادها المستجدة.

ونسأل الله العلي القدير أن يهدينا إلى الصواب

ص: 223

استعراض سريع للكتابات في هذا الموضوع:

تعالج أكثر الكتابات الإسلامية في موضوع السكان هذه القضية من زاوية واحدة هي ما يسمى بتحديد النسل، ويكاد يتفق أكثر من كتب في هذا الموضوع من منطلق فقهي على عدم جواز تبني الدولة الإسلامية سياسة عامة يمنع بموجبها الأفراد من إنجاب أكثر من عدد من الأطفال تحدده الحكومة، أو تكره فيها النساء - بقوة القانون - على تناول حبوب منع الحمل، أو تلقي الحقن أو إجراء العمليات الجراحية المؤدية لقطع النسل بصورة مؤقتة أو دائمة، ولكنهم يختلفون فيما دون ذلك، فيميل أكثرهم إلى إباحة التحديد إذا كان ضمن نطاق الأسرة وكان معتمدًا على حاجة حقيقية ورضا مشترك من الزوجين، والأدلة التي يعتمد عليها من كتب في هذا الموضوع كثيرة بعضها عقلي وبعضها نقلي، ومن النوع الأول القول بأن لأي برنامج لتحديد النسل آثارا إجتماعية واقتصادية سيئة، مثل قلة السكان وتدهور الأخلاق وانتشار الفواحش بالإضافة إلى الأضرار الصحية التي يتركها تناول المركبات الكيماوية المتضمنة في وسائل منع الحمل على جسد المرأة، وإلى مخالفة منع الحمل للفطرة الإنسانية السليمة. وسنعرض أدناه لأفكار ما أطلعنا عليه من فقهاء ومفكري الإسلام المعاصرين الذين كتبوا في هذا المجال.

يقدم المودودي في كتابه (حركة تحديد النسل) . (1) استعراضا مستفيضا للحركة المذكورة، تاريخها وأهدافها وتجارب الأمم المختلفة معها ونتائجها المحتملة على الفرد وعلى المجتمع. ثم يقوم بتفنيد أدلة القائلين بها، ويقدم أخيرا اقتراحه لحل مشكلة السكان المتمثل في دعوته إلى (أن يُبْذَلَ مَزِيدٌ من الجهود الفعالة الجديدة لزيادة وسائل المعيشة واكتشاف الموارد الجديدة للرزق)(2)

ويرى الشيخ أبو زهرة في كتابه (تنظيم الأسرة وتنظيم النسل)(3) أن حركة تحديد النسل هي (دعاية أمريكية إنجليزية صهيونية)(4) وأن (الأرض العربية بكر تحتاج إلى يد عاملة)(5) وكما أن (النسل في ذاته ثروة، وأن أعلى مصادر الثروة هو القوى البشرية. (6)

ويضيف آخرون أن الفكرة (أمريكية صهيونية استعمارية شيوعية إلحادية دخيلة علينا كمسلمين)(7)

وهكذا.

إن ما يهمنا في هذا الاستعراض هي الأدلة الفقهية والأصول الشرعية للموقف المذكور من قضية السكان؛ لأن هذا هو المعيار الصحيح للحكم على الآراء المطروحة.

(1) المودودي، أبو الأعلى، حركة تحديد النسل، بيروت، مؤسسة الرسالة 1402

(2)

المرجع السابق ص 154

(3)

أبو زهرة، الشيخ محمد تنظيم الأسرة وتنظيم النسل

(4)

أبو زهرة، الشيخ محمد تنظيم الأسرة وتنظيم النسل ص 105

(5)

أبو زهرة، الشيخ محمد تنظيم الأسرة وتنظيم النسل ص 104

(6)

أبو زهرة، الشيخ محمد تنظيم الأسرة وتنظيم النسل ص 101

(7)

علي موسى محمد تحديد النسل على ضوء الكتاب والسنة، بيروت، عالم الكتب 1405، ص 117

ص: 224

1 -

موقف الفقهاء المعاصرين من سياسة تحديد النسل والأصول الشرعية التي يستمد منها:

رغم أن أكثر الكتاب الذين عالجوا قضية السكان من منظور شرعي لم يقدم تعريفا محددا لما يسمى بتحديد النسل، لكن الذي يفهم من تلك الكتابات أنها تنظر إلى تحديد النسل بأنه سياسة تتبناها الحكومة يتم ضمنها منع الناس من الإنجاب أو منعهم من ذلك إلا بإذن الحكومة، أو تحديد حد أعلى لعدد الأطفال بهدف تقليل النسل (1) ، أو وقف النسل الإنساني عن النمو والزيادة بقوة القانون أو بالتأثير الإعلامي (2) . ويدخل في ذلك إقدام الأفراد بأنفسهم على الامتناع عن الإنجاب لأسباب اقتصادية كالخوف من الفقر

إلخ.

والاتجاه العام لدى من تناولوا هذا الموضوع أنه لا يجوز تبني مثل تلك السياسة، واعتمدوا في ذلك على أدلة متعددة، منها عام يتعلق بالمقاصد الكلية للشريعة، ومنها خاص. وسوف نحاول أدناه معرفة ما إذا كان يستفاد من هذه الأدلة حكم شرعي على سبيل القطع في مسألة السكان.

أولًا: أدلة عامة:

استدل بعض من قال بعدم جواز تبني تلك السياسة بأدلة كلية وبديهيات معروفة وذلك لاستنتاج تناقض تلك السياسة مع المبادئ العامة للدين الإسلامي، من ذلك أن الإسلام دين الفطرة ولذلك فكل قوانينه موافقة للفطرة الإنسانية والتوالد والتناسل من مقتضيات الفطرة الإنسانية (3) . وأن قوانين الإسلام للحياة الاجتماعية والاقتصادية مع تعاليمه الخلقية وتربيته الروحانية قد محت كل سبب أو داعية من تلك الأسباب والدواعي التي لأجلها نشأت حركة تحديد النسل (4) . ومنها أن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية إيجاد النسل وبقاء النوع الإنساني وحفظه. وقد روي عن الإمام أحمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل (5) ، وأن (هذه هي النظرة العامة للشريعة بالنسبة للنسل وهي تدعو إلى الإكثار فالأحاديث النبوية تحث عليه والقرآن دستور الأمة يشير إليه وهو الفطرة وتحديده يناقضها)(6) . وأن الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثير؛ لأن كثرة النسل تقوي الأمة الإسلامية اجتماعيا واقتصاديا وحربيا وتزيده عزة ومنعة (7) .

(1) انظر الخطيب، أم كلثوم يحيى مصطفى، قضية تحديد النسل في الشريعة الإسلامية، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1404هـ ص 53

(2)

المودودي، مرجع سابق ص 3. وكذلك الطريقي، عبد الله بن عبد المحسن: تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه، الرياض، بدون ناشر، 1983 ص 288

(3)

المودودي مرجع سابق ص 67

(4)

المودودي مرجع سابق ص 69

(5)

علي، موسى محمد، مرجع سابق ص 66، وهو ينقل هنا عن الشيخ حسن مأمون

(6)

أبو زهرة، محمد مرجع سابق ص 96

(7)

فتوى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في مايو 1965 عن مجلة منبر الإسلام عدد شعبان 1398 هـ يوليو 1978 م

ص: 225

وكذلك (إن القرآن الكريم قد جاء في أحد مواضعه كقاعدة كلية أن ليس الإقدام على تغيير خلق الله إلا عمل من أعمال الشيطان {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] ، والمراد بتغيير خلق الله في هذه الآية أن يستعمل شيء لغير الغرض الذي خلقه الله لأجله)(1) فالغرض الأصلى من الزواج هو الاستبقاء على النوع البشري وإقامة الحياة المدنية (2)، وأن الإسلام يدعو إلى القوة كما في قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الآية، والقوة أول ما تكون بالعدد والقاعدة الأصولية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (3) ، وأن (من نظر وينظر إلى ما نزل بنا من الحروب وسفك للدماء وطحن للعدة والعتاد، واستشهاد الكثير من الرجال والأبناء يعلم يقينا أننا في حاجة ضرورية لكثرة النسل والإنجاب)(4) .

أدلة خاصة:

سوف نورد أدناه أهم النصوص من الكتاب والسنة التي يستمد منها بعض الفقهاء ما يطلقونه من أحكام حول موضوع السكان.

أولًا: أدلة الكتاب:

قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151]، وقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31] .

وقد استدل عدد من الكتاب بهاتين الآيتين الكريمتين على عدم جواز تحديد النسل؛ لأنهم قاسوا طرق منع الحمل ومنها العزل والإجهاض على قتل الأولاد (5) وأن كليهما يشترك في الباعث وهو الخوف من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة.

(1) المودودي، أبو الأعلى مرجع سابق ص 70

(2)

المودودي مرجع سابق ص 71

(3)

البنا، الإمام حسن تحديد النسل، جدة، مكتبة المنهل 1405، ص 29

(4)

علي موسى محمد مرجع سابق ص 108

(5)

انظر مثلًا: الخطيب، أم كلثوم مرجع سابق ص 97 – 104 علي، موسى محمد مرجع سابق 98 أبو زهرة، محمد مرجع سابق ص 96، المودودي، أبي الأعلى مرجع سابق ص 170

ص: 226

ثانيا: الأدلة من السنة المطهرة:

أ - أحاديث التكاثر:

يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث تفيد الحث على التكاثر أصحها (1) : ((عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنى أحببت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال له ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم..)) )) رواه أبو داود والنسائي والحاكم. وأخرج الإمام أحمد في المسند عن أنس رضي الله عنه ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) .

ب - أحاديث النهي عن العزل:

وردت عدة أحاديث بحرمة العزل وبأنه الموءودة الصغرى وأخرى بإباحته، وقد أخذ بها فريق من العلماء حكموا بحرمته مطلقا، وقال بعضهم غير ذلك. من هذا: عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم سألوا عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ذلك الوأد الخفي)) ، وعن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها. أخرجه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري.

أخرج البيهقي في السنن الكبرى في كتاب النكاح باب العزل

أنهم أصابوا سبايا، فأرادوا أن يستمتعوا بهن ولا يحملن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال ((ما عليكم، فإن الله كتب من هو خالق إلى يوم القيامة)) وبزيادة ((ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها)) (2) .

وعن جابر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لى جارية وهي خادمتنا وسانيتنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، قال:((اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)) أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده.

وعن جابر رضي الله عنه ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) وهو حديث متفق عليه، وفى رواية مسلم زيادة ((فبلغه فلم ينهنا عنه)) (3) .

ولذلك فقد اعتد بعضهم بالحديث الأول وغيره بنفس معناه فقال بعدم جواز العزل وقاس عليه منع الحمل وتحديد النسل (4)

(1) ومنها ضعيف مثل " انكحوا فإني مكاثر بكم " متفق على تضعيفه، " انكحوا أمهات الأولاد، فإني أباهي بكم يوم القيامة " فيه ضعف وكذلك " سوداء ولود خير من حسناء لا تلد، وإني مكاثر بكم الأمم

" ضعيف انظر تعليق الشيخ محمد عفيفي على كتاب تحديد النسل للإمام حسن البنا، مرجع سابق، ص 30 – 32

(2)

وعن أبي سعيد الخدري قال: أوقفت جارية لي أبيعها في سوق بني قينقاع فجاءني رجل من اليهود فقال: يا أبا سعيد ما هذه الجارية؟ فقلت: جارية لي أبيعها قال: فعلك أن تبيعها وفي بطنها سخلة، قلت: إني كنت أعزل عنها قال: فإن تلك الموءودة الصغرى، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال:" كذبت يهود ولا عليكم أن تفعلوا " وفي رواية: " لو أراد الله خلقه لم يستطع رده " أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده

(3)

أبو زهرة، محمد مرجع سابق ص 97

(4)

انظر مثلا: علي، موسى محمد مرجع سابق ص 104

ص: 227

ونفي القياس عن الحديثين الأخيرين؛ لأنه يستعمل اليوم من الوسائل ما يمنع الحمل مطلقا مثل التعقيم واستئصال الرحم (1) ولأنه ليس لموضوع العزل صلة بتحديد النسل (2) ومنهم من اكتفى بالقول بالكراهة وأنه عبث لأن الله عز وجل خالق ما يشاء (3) . ومنهم من قال بجوازه كاستثناء في حدود الضرورة كرخصة خاصة وأن القاعدة العامة هي حرمة العزل (4) . وأن الرخصة خاصة بصاحب الضرر، ولا يباح كقاعدة عامة، ومنهم من حاول التوفيق بين الأحاديث بالقول بنسخ بعضها أو وجود قوة في إسناد بعضها وضعف في أخرى، وهذا تفصيل كثير ليس هذا مجال تقصيه. إلا أن منهم أيضا من قال بإباحة العزل مطلقا وجواز أن يقاس عليه موانع الحمل المعروفة اليوم وأن تكون أساسا لسياسة عامة لتحديد النسل (5) .

جـ - الحث على الزواج:

الزواج سنة، حث رسولنا الكريم عليه ورغب فيه وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) . وعن عبد الله بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح)) أخرجه البيهقي. ونهى عليه الصلاة والسلام عن التبتل، وأن يخصى أحد من ابن آدم (6) . وحث عليه السلام على اختيار المرأة الولود.

وقد عد أكثر الكتاب ذلك دليلا على ضرورة تكثير عدد السكان بزيادة النسل؛ لأن (منع النسل أو تحديده من الأعمال التي تنافي مقاصد النكاح)(7) . (والإنسان مطالب بأن يتزوج وينجب ذرية؛ لأن الإسلام (يرغب) في تكاثر الأعداد البشرية عن طريق الزواج) (8)

إلخ. وفى ما قيل عن الزواج تفصيل يكفي قليله عن كثيره.

(1) أحمد، عبد الرحمن يسري، ص 194

(2)

من كلام الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر سابقًا انظر، الخطيب، أم كلثوم، مرجع سابق ص 19

(3)

مثل المودودي، أبو الأعلى، مرجع سابق ص 142

(4)

أبو زهرة، محمد، مرجع سابق ص 98، ص 100

(5)

الخولي، البهي 241 – 244. الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة، بيروت، دار القرآن الكريم والاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية 1980

(6)

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب

الحديث.

(7)

الشيخ حسن مأمون، انظر علي، موسى محمد، مرجع سابق ص 66

(8)

أحمد، عبد الرحمن يسري، مرجع سابق ص 143

ص: 228

2 -

تحديد النسل والحد من الزيادة في عدد السكان:

يمكن النظر إلى موضوع تحديد النسل على مستويين، الأول فردي محدود بالأسرة والثاني اجتماعي وهو المتعلق بالسياسة العامة للدولة تجاه قضية السكان ومحاولة السيطرة على معدل تزايده، والمسألة الشائكة التي تحتاج إلى نظر وإلى تحرير هي المتعلقة بالمستوى الثاني؛ لأنها مشكلة تمس في زمننا الحاضر مجتمعات كثيرة في بلاد الإسلام وتواجه حكومات متعددة. وسوف نحاول أدناه استجماع الآراء المتعددة في موضوع تحديد النسل وخلافه للوصول إلى موقف محدد في المسألة السكانية بشكل عام.

أ - الأرجح أنه لا يجوز إصدار القوانين التي تحدد عدد الأطفال بالنسبة لكل أسرة، كأن يقال مثلا: إنه لا يجوز للزوجين إنجاب أكثر من ثلاثة أطفال، أو نحو ذلك، كما لا يجوز إرغام النساء بقوة القانون على تناول المواد الكيماوية أو خلافها التي تمنع القدرة على الإنجاب بصفة دائمة أو مؤقتة، ولا استئصال الرحم أو تعقيم الرجال بالقوة، ولا الدعوة إعلاميا إلى قطع النسل؛ لأن ذلك كله يتنافى مع مبدأ الحرية الذي قرره الإسلام للفرد في مجتمعه المسلم وتتناقض مع الفطرة فهي إذن تتناقض مع الإسلام؛ لأنه دين الفطرة.. والأدلة على ذلك كثيرة.

ب - لا يجوز تحريم الزواج، ولا وضع العراقيل القانونية أو الإدارية التي تحول بين الشباب والزواج ما دام أنه يتم ضمن القواعد المعتبرة شرعا؛ لأن الزواج مباح في الإسلام وهذه من الأمور المعروفة من الدين بالضرورة؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على الزواج ورغب فيه ووصفه عليه الصلاة والسلام بأنه من سنته ومن رغب عن سنته فليس منه.

كما لا يجوز منع تعدد الزوجات؛ لأن هذا أمر مباح بنص الكتاب، وكل أمر خالف نصا قطعيا في الشريعة فهو مردود على صاحبه، فلا يجوز عصيانه فقط بل يجب محاربته؛ لأنه يكون مشرعا في الدين ما لم يأذن به الله، والتعدد مسموح به ضمن شروط أهما العدل والاقتدار على النفقة.

ص: 229

جـ - يجوز للزوجين باختيارهما استعمال موانع الحمل لأي سبب، كأن تكون الزوجة مريضة أو ضعيفة أو موصولة الحمل. أو أن يكون الرجل فقيرًا (بل إن بعض العلماء يرون أن التحديد في هذه الحالات لا يكون مباحا فقط بل مندوبا إليه)(1) ، وكذلك الخوف من كثرة الحرج بسبب تعدد الأولاد؛ لأن قلة الحرج معين على الدين (2) ، وقد ذكر بعض العلماء أن العزل لمجرد الرغبة في استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع بها، ليس منهيا عنه (3)

وقد اعتقد بعض العلماء أن جواز استخدام وسائل منع الحمل (ومنها العزل) لا يجوز إذا كان ذلك خشية الفقر أو خوفا من زيادة تكاليف العيش؛ لأنه يخالف - في رأيهم - نص الآية الكريمة {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] . (4) والحق أن ذلك قياس مع الفارق فالآية الكريمة تشير إلى قتل الأولاد، واستخدام موانع الحمل ليس فيه قتل لولد؛ لأنه تترتب على القتل أحكام كثيرة لم يقل أحد بأنها تترتب على العزل، ولو كان في العزل قتل لكان كل بالغ غير متزوج قاتلا لأولاده لأن شهوته قد تذهب بغير إنجاب (5) وهذا ما لم يقل به أحد وهو مخالف للمنطق السليم، وقد ذكر الغزالي أن القتل جناية على موجود حاصل، أما العزل فهو غير ذلك (6) ولا نرجح أن يكون الإذن بالعزل رخصة؛ لأن الرخصة لا تكون إلا من عزيمة والعزيمة لا تكون إلا بنص.

د - ولكن المهم في الأمر أنه لا يوجد دليل قطعي يقول بضرورة العمل على زيادة عدد السكان، ولذلك لا يوجد سند مقبول للقول أن العمل على زيادة عدد السكان أمر مطلوب شرعا بشكل مطلق، أو أن ذلك أحد مقاصد الشريعة فعلى المستوى الفردي لا يوجد نص قطعي يلزم المسلم بضرورة استخدام كل قدراته التناسلية لإنجاب الأطفال، صحيح أن الإسلام ينهى عن التبتل وعن قطع النسل ويحث على الزواج ولكن هذه كلها غير كافية لاستنتاج أن الإسلام يدعو إلى ضرورة أن يحاول كل مسلم إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال بل الدليل على عكس ذلك، للأسباب التالية:

(1) عيد، مصطفى محمد سعيد، الإعلام الإسلامي ودوره في إبطال الدعاية لتحديد النسل رسالة لنيل درجة الماجستير (غير منشورة) من المعهد العالي للدعوة الإسلامية، جامعة الإمام محمد بن سعود الرياض 1402، ص 104 وهو ينقل رأيًا للشيخ سيد سابق

(2)

عيد، مصطفى محمد سعيد، الإعلام الإسلامي ودوره في إبطال الدعاية لتحديد النسل رسالة لنيل درجة الماجستير (غير منشورة) من المعهد العالي للدعوة الإسلامية، جامعة الإمام محمد بن سعود الرياض 1402، ص 25

(3)

أبو عبيد، العيد خليل " منع الحمل بالتعقيم بالوسائل المؤقتة في الفقه الإسلامي " وهو ينقل هنا عن أبي حامد الغزالي، مجلة دراسات مجلد 14 عدد 7 ذو القعدة 1407 ص 199

(4)

انظر على سبيل المثال علي، موسى محمد، مرجع سابق ص 98

(5)

وليس المقصود هنا بالطرق غير المشروعة بل بردود الفعل الجسدية الطبيعية والمعروفة لتراكم الشهوة في الجسد

(6)

الغزالي، أبو حامد، إحياء، علوم الدين، بيروت، ج 2 ص 65

ص: 230

1 -

إن الإنجاب لا يتأتى في مجتمع الإسلام إلا عن طريق النكاح الشرعي، والنكاح تسري عليه الأحكام الخمسة، الوجوب والحرمة، والكراهة، والندب والإباحة، والشروط التي يكون فيها الزواج فرضا تجعل هذه الحالة هي الشذوذ لا القاعدة العامة، فلا يكون الزواج كذلك عند الحنفية إلا أن يتيقن الشخص الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج (ولا يكفي مجرد الخوف من الوقوع في الزنا) ، وأن لا تكون له قدرة على الصيام الذي يكفه عن الوقوع في الزنا، وألا يكون قادرا على اتخاذ أمة يستغني بها وأن يكون قادرا على المهر والإنفاق من كسب حلال لا جور فيه، فإن لم يكن قادرا لا يفرض عليه الزواج حتى لا يدفع محرما بمحرم. والمذاهب الثلاثة الأخرى قريبة من ذلك (1)، بل إن الشافعية قد قالوا:(إذا كان قادرا على مؤونة النكاح وليست به علة تمنعه من قربان الزوجة - فإن كان متعبدا - كان الأفضل له أن لا يتزوج كيلا يقطعه النكاح عن العبادة التي اعتادها (2)

والمقصود الأصلي من الزواج ليس الإنجاب وإنما أن تكون المرأة سكنا للرجل ويكون الرجل سكنا لها، كما قال تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .

ولذلك فقد أفتى بعض العلماء بأنه لا يجوز إجراء الكشف قبل الزواج للاطمئنان على قدرة الزوجين على الإنجاب (3) ؛ لأن ذلك مخالف للغرض الإسلامي من الزواج وهو أن يسكن الرجل إلى المرأة وتسكن إليه ويكون بينهما مودة ورحمة.

2 -

لا يكون التحريم إلا بنص أو قياس على منصوص، والقول بتحريم الحد من زيادة السكان ليس منصوصا عليه وليس له أصل واحد يقاس عليه، بل الأصل الذي يمكن أن يقاس عليه هو النكاح، والقياس على هذا الأصل يقول بالإباحة لا بالتحريم. فإذا جاز ترك النكاح وهو الأصل ألا يجوز ترك الإنجاب وهو النتيجة؟ وكما لا يجوز تحريم الزواج بتشريع لا يجوز تحريم الإنجاب بتشريع.

3 -

لم يبح الإسلام الزواج إلا لمن كان قادرا على نفقاته والقيام بواجباته من رعاية للزوجة والإنفاق عليها.. إلخ. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن (استطاعة النكاح هي القدرة على المؤونة وليس القدرة على الوطء فإن الحديث إنما هو خطاب للقادر على فعل الوطء ولهذا أمر من لم يستطع الباءة بالصوم فإنه له وجاء)(4) . فالقدرة الاقتصادية لازمة التوفر حتى تكون مؤسسة الزواج ذات جدوى وثمرة مفيدة للفرد والمجتمع.

(1) انظر الجزيري، عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 4 – 11

(2)

الجزيري مرجع سابق ج 4 ص 7

(3)

من فتوى للشيخ إسماعيل الدفتار الأستاذ بجامعة الأزهر منشورة في العدد 147 من مجلة المسلمون بتاريخ 6 / 4 / 1408 الموافق 27 / 11 / 1987 ص 4

(4)

ابن تيمية، أحمد، مختصر الفتاوى المصرية، القاهرة، مطبعة المدني، سنة 1400 ص 415

ص: 231

يقول عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية [النور: 33] فالقدرة إذن شرط في النكاح. وإذا لم يكن الفرد قادرا على الكسب بما يسد تلك النفقة إلا من حرام فإن الزواج يكون حراما عليه (1) ، وإذا أعسر الزوج بعد الزواج، وفقد القدرة على الإنفاق جاز للزوجة أن تتقدم للقاضي بطلب الطلاق (2) .

والزواج مندوب لمن كان قادرا على مؤنته حتى لو لم يخش على نفسه الزنا ولم يكن له أمل في النسل (3) وهذا يعطينا صورة عن أهمية القدرة الاقتصادية في الزواج فالقدرة على الإنفاق أرجح من الأمل في النسل؛ لأن غير القادر على الإنفاق لا يتزوج حتى لو قدر على الوطء والإنجاب، والقادر على الإنفاق يتزوج حتى لو لم يكن له أمل في النسل.

ولا تقتصر المسئولية الملقاة على الأب تجاه أطفاله على رعايتهم وتحري ما فيه خيرهم ورغدهم في حياته بل تتعدى ذلك إلى ضرورة الحرص على أن يترك لهم ما يغنيهم بعد وفاته فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم

الحديث)) .

4 -

إن تعدد الزوجات مباح فقط، (أي ليس مندوبا إليه مثلا)، وحتى تلك الإباحة مقيدة بشرط القدرة على العدل بين النساء كما قال تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} الآية [النساء: 3] ولو كان تكثير السكان هدفا إسلاميا عامًّا يكتسب أولوية لقامت الشريعة على ندب التعدد، وربما يكون تحديد الزوجات بأربع وجعل ذلك التعدد مباحا فقط مؤشرا على أن الإسلام لا يهدف إلى التكاثر لمجرد العدد، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث في قوم كانوا يبيحون التعدد حتى عشرين زوجة وكانوا يبيحون تعدد الأزواج، فجاء بتحديد الزوجات بأربع واشترط العدل بينهن وهو إجراء يؤدي إلى تقليل النسل مقارنة بالوضع السابق.

(1) الجزيري، مرجع سابق ج 4 ص 6

(2)

العيلي، د. عبد الحميد حسن، الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام، القاهرة دار الفكر العربي 1983 ص 307

(3)

الجزيري، مرجع سابق ج 4 ص 5 وهذا رأي المالكية

ص: 232

هـ - لقد أمر الله عز وجل النساء بإرضاع أطفالهن حولين كاملين كما قال تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} الآية [لقمان: 14] . ومن المعروف أن احتمال الحمل بالنسبة للمرأة المرضعة هو أقل ما يكون أثناء الإرضاع ولذلك فإن استمرار إدرارها للحليب لطفلها هو أحد موانع الحمل الطبيعية، فالإرضاع لمدة سنتين ليس فيه مصلحة للطفل فقط بل وللأم كذلك؛ لأن فيه تنظيما لعملية الحمل بالمباعدة بين حمل وآخر (Spacing) . وهذا مؤشر لمعدل الخصوبة في المجتمع الإسلامى، وقد استعملت المجتمعات القديمة طريقة تمديد فترة الإرضاع كوسيلة لخفض معدل الحمل (1) ، فلو كان تكثير النسل يكتسب تلك الأولوية التي يدعيها البعض لقصرت فترة الإرضاع لزيادة معدل الخصوبة.

و كما رأينا سابقا فإن النصوص التي يمكن أن يقاس عليها حكمنا على موضوع الحد من تزايد السكان هي الأحاديث المتعلقة بالعزل، والأحاديث التي تحث على التكاثر.

أما الأولى فقد رأينا أن في روايتها بعض التناقض، وأن الراجح لدى جمهور العلماء، والله أعلم، هو الإباحة، ومن قال بذلك كثير، منهم عشرة من كبار الصحابة (هم علي وسعد وأبو أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب وأبو سعيد الخدري وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين)(2) ، وكثير من التابعين ومنهم العلماء في كل عصر. لذلك فلا يمكن القول أنها تصلح حجة أو دليلا على ضرورة تكثير عدد السكان.

ونريد الآن أن نناقش حديث، أو أحاديث التكاثر، يرى البعض أنه يمكن أن يستفاد من تلك الأحاديث حكم شرعي يقول بضرورة زيادة عدد السكان أو - على الأقل - إطلاق حجم السكان وتركه يتزايد بشكل غير مقيد، ونحن نرى غير ذلك. فالراجح - والله أعلم - أن تلك الأحاديث لا يستفاد منها حكم شرعي على سبيل القطع يقول بضرورة ما ألمحنا إليه أعلاه.

وللحديث رواية صحيحة مشهورة هي ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنى أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد أفأتزوجها قال: " لا "، ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ")) أخرجه النسائي في المجتبى والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى، وأخرجه ابن حبان من حديث أنس ((فإني مكاثر بكم يوم القيامة)) ، وأخرجه ابن ماجه بلفظ ((انكحوا فإني مكاثر بكم)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1) تومسون، وارين س، وداند ت. لويس: مشكلات السكان، ترجمة راشد البرادي، القاهرة، مؤسسة فرانكلين 1969 ص 818

(2)

ابن القيم، زاد المعاد ج 4 ص 31

ص: 233

وفى رأينا - والله أعلم - أن الدليل المتضمن في هذا الحديث يتعلق بالنهي عن قطع النسل وليس فيه دعوة إلى العمل على زيادة عدد السكان لمجرد التزايد، والقرائن التالية تدل - إن شاء الله - على صحة ما نرمي إليه:

1 -

يروى الحديث كرد من الرسول صلى الله عليه وسلم على من سأله عن رغبته في زواج الجميلة التي لا تلد، وهذا مهم لفهمنا للمعنى المتضمن في هذا الحديث، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهاه عن قطع نسله بالزواج من العقيم، وهذا هو المعنى الذي فهمه أكثر رواة الحديث ولذلك نجد أن النسائي رحمه الله قد أدرجه في باب ((كراهية تزويج العقيم)) ، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه في باب ((النهي في تزويج من لم تلد من النساء)) ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده في باب ((صفة المرأة التي يستحب خطبتها)) ، فالواضح أن المعنى في الحديث لا ينصرف للدعوة إلى تكثير السكان، وإنما إلى النهي عن قطع النسل.

2 -

والراجح أن هذا كان فهم الصحابة رضوان الله عليهم للحديث. إذ لو أنهم فهموا منه الدعوة إلى تكثير السكان لمجرد العدد وأن على ولي الأمر مسئولية فعل ذلك، لكان الخلفاء منهم رضي الله عنهم قد اتخذوا خطوات عملية بهذا الصدد مثل الحث على زيادة الأولاد أو دفع المكافآت لهذا العمل أو الدعوة إلى تعدد الزوجات

إلخ. ولكننا لا نعرف في السياسات التي اتبعها الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم في عهود التابعين ما يدل على أن على ولي الأمر أن يعمل على زيادة عدد السكان بالتوالد.

3 -

إن كلمة (الولود) معناها الوالدة، كما قال الأعرابى للجاحظ في القصة المشهورة (كل أذون ولود وكل صموخ بيوض) فجعل الولود أي التي لا تبيض وإنما تحمل وتلد (1) . والولود تعني أيضا كثيرة الولد.

والذين يدعون إلى ضرورة زيادة عدد السكان لمجرد التكاثر يصرفون معنى الولود في الحديث إلى كثيرة الولد، والأرجح أن المعنى إنما ينصرف إلى عكس العقيم، أي المرأة التي تحمل وتلد لأن سؤال الصحابي كان عن العقيم، ومن ثم لا يكون معنى الحديث الطلب إلى المسلم أن يستغل كل طاقاته التناسلية في إنجاب الأطفال بل مجرد النهي عن قطع النسل.

(1) انظر في ذلك معجم محيط المحيط لبطرس البستاني، بيروت، مكتبة لبنان 1983 ص 984 مادة ولد، ومعاجم اللغة جميعها تورد لكلمة ولد معنيين، الأول الوالدة والثاني كثيرة الولد

ص: 234

4 -

وكلمة التكاثر الواردة في الحديث الشريف تحتاج إلى وقفة. فالتكاثر بمعنى التزايد يحصل بمجرد عدم قطع النسل، فالزوجان إذا أنجبا طفلا واحدا فقد تكاثرا، ولا يعني ضرورة إنجاب أكبر قدر ممكن من الأطفال، فالمقصود يتحقق بإنجاب ولد واحد.

ويعني التكاثر أيضا (التفاخر) ، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم علل دعوته أمته إلى التوالد برغبته صلى الله عليه وسلم بأن يكاثر بها (أي يفاخر) الأمم يوم القيامة، ولكن لا يتصور أن يكون التفاخر بمجرد العدد؛ وذلك لأن الإسلام عقيدة ودين وليس دعوة عصبية، الانتساب إليها مرجعه اتصال الدم والنسب البيولوجي، ولذلك فإن مصدر الفخر للأمة الإسلامية هو المسلم القوي العامل المتعلم الذي اعتنى أبواه بتنشئته وتربيته ووفر له مجتمعه التعليم والثقافة العالية، وقوة الأمة الإسلامية - لو استعرضنا تاريخنا الإسلامي منذ البعثة - لم يكن مصدرها المعدل العالي للولادات، ولكنه بلا شك دخول أكثر أمم الأرض إلى الإسلام في عهد الفتوحات الإسلامية، والدعوة إلى دين الإسلام سوف تظل المصدر الأول للقوة الإسلامية، فالحديث الشريف رغم أنه قطعي في إسناده لكنه ظني الدلالة إلى المعنى المذكور وهو ضرورة زيادة عدد السكان.

5 -

وقد يبدو اليوم مستغربا أن يكون الحث على عدم قطع النسل بهذه الأهمية، ولكن الاستغراب سرعان ما يتبدد عندما نعرف أمرين مهمين، الأول: أن قطع النسل كان أمرا معروفا في المجتمعات القديمة حيث كانت تنتشر بعض النحل والملل والمذاهب التي تدعو إلى التبتل وعدم الزواج بل وقطع الشهوة بالاختصاء للرجال، ولذلك جاء دين الإسلام ناهيا عن هذه الأمور، والثاني: أن المجتمع الإسلامي في تلك الفترة كان يمر بالمرحلة الأولى من مراحل التحول الديموغرافي حيث يحقق معدلا عاليا من الوفيات ومن المواليد. وقد قرر علماء السكان أن التوازن كان دقيقا بين المعدلين بحيث أن زيادة معدل الوفيات على المواليد يؤدي إلى اندثار المجتمع برمته. ولهذا كان على مجتمع الإسلام أن يتأكد من عدم حدوث ذلك بالتوالد، ولا ندعي بأن ذلك كان سبب حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التكاثر، لكننا نرجح أن مجتمع الإسلام في عصر النبوة يواجه مشكلة محددة هي ضرورة تحقيق التوازن بين الوفيات والمواليد وعدم السماح للأولى بتخطي الثانية.

ص: 235

من هذا كله نخلص إلى النتائج التالية:

أولًا: لا يوجد في الكتاب الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة نص يتضمن حكما قطعيا في موضوع السكان، ولذلك لا يمكن لنا أن نقول مطلقا: إن على الدولة الإسلامية أن تعمل على زيادة عدد سكانها، أو أنه لا يجوز لها أن تعمل على الحد من التزايد بالطرق الشرعية المباحة، ولقد ذكر الفقهاء بأن الأمور التي لا يوجد فيها نص من كتاب أو سنة ولا تسعف مصادر التشريع الأخرى في الوصول إلى ذلك الحكم فإن مرجعها إلى أصل الشريعة وهو تحقيق المصلحة.

ثانيًا: أن الأمر، والحال هذه، راجع إلى المصلحة، فإذا كان للمجتمع الإسلامي مصلحة راجحة في زيادة السكان أضحى على ولي الأمر أن يعمل على تحقيق ذلك، وإذا كان لذلك المجتمع مصلحة راجحة في الحد من الزيادة، صار لزاما عليه أن يتبع من السياسات المباحة شرعا ما يؤدي الهدف المقصود.

قال ابن تيمية رحمه الله:

(إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء هل هو على الإباحة أو التحريم، فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته فإن كان مشتملا على مفسدة راجحة ظاهرة فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته بل يقطع أن الشرع يحرمه لا سيما إذا كان مفضيا إلى ما يبغضه الله ورسوله)(1) .

ولذلك فإن السياسة السكانية المناسبة للدولة الإسلامية هي تلك التي تستمد أصولها من نظرية المصلحة العامة في الفقه الإسلامى.

ثالثًا: إن التزايد السكاني في أي قطر معتمد على متغيرات كثيرة معقدة ومتشابكة، وفى كثير من الأحيان تؤدي السياسات الحكومية الخاصة بتوزيع الدخل وتقديم الخدمات العامة إلى إحداث تسارع في معدل الزيادة السكانية بدون أن تكون تلك الزيادة هدفا مقصودا لهاتيك السياسات، وبما أن من الثابت (ضمن المعرفة الاقتصادية) ارتباط معدل الزيادة في عدد السكان بمتغيرات إقتصادية قابلة للتأثر بالسياسات المذكورة، صار يمكن للحكومة الإسلامية أن تتبنى سياسة تستهدف الحد من تزايد السكان بدون أن تلجأ (بالضرورة) إلى تحديد النسل، ومن المهم إذا الإتفاق على أنه لا يوجد في أصول الشريعة ما يلزم الحكومة بالضرورة بزيادة عدد السكان، ومن ثم يمكن لها أن تجعل آثار السياسات المختلفة على معدل النمو السكاني أحد الاعتبارات المهمة التي يعول عليها في اختيار السياسة المناسبة.

محمد القري بن عيد

(1) ذكره حسين حامد حسان في كتاب " المصلحة "، ص 472

ص: 236