الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع الاسم التجاري
إعداد
الدكتور عجيل جاسم النشمي
جامعة الكويت – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن بيع الاسم التجاري من القضايا التي استجد التعامل بها والتعارف عليها. مما استلزم تنظيمها ووضع الضوابط لها منعًا للنزاع أو تقليلًا له.
ولما كانت هذه المسألة قد نشأت ضمن تعامل المجتمعات المعاصرة، فقد كانت مسئولية تنظيمها راجعة إلى نظم وقوانين البلاد التي نشأت فيها. فنظمها القانون التجاري في البلاد الأوروبية منذ مطلع القرن التاسع عشر. ثم انتقل التعامل بالاسم التجاري والرخصة التجارية إلى بعض البلاد الإسلامية في أوائل القرن العشرين على شكل عرف تجاري استلزم التنظيم ووضع الضوابط، وفي غيبة الشريعة الإسلامية استوردت هذه الدول القوانين الغربية لتنظيم ما يتعلق بهذا الموضوع من أحوال وأحكام.
(1)[سورة آل عمران: الآية 102] .
(2)
[سورة النساء: الآية 1] .
(3)
[سورة الأحزاب: الآية 70] .
ولما عم عرف التعامل بذلك وشاع في كثير من البلاد الإسلامية، وكانت الشريعة الإسلامية قد نحيت من حياة المجتمع الإسلامي جملة، ولم يجد الناس منظمًا سوى القوانين الوضعية استوردوا ضمن ما استوردوه تنظيم مسألة الاسم التجاري، والعلامات التجارية وما إلى ذلك.
ثم وقع مؤخرًا السؤال عن حكم الشريعة الإسلامية في هذه المسألة، فكان لا بد والحال هذه أن يبين الفقهاء المسلمون حكم هذا لمسألة حتى يطمئن المتعاملون إلى سلامة تصرفاتهم وشرعيتها، ولكي تجد الدول الإسلامية التشريع البديل لهذه المسألة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ولا يخفى أن الشريعة الإسلامية لا يند عن أصولها وقواعدها أمر يتعلق بأفعال المكلفين ينشأ من تعاملهم داخل المجتمع الإسلامي، فكل حادث لا بد له من حكم شرعي من الوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة.
وإن الكشف عن الحكم الشرعي في هذه المسألة يستدعي الوقوف على حقيقة موضوعه من جوانبه المختلفة، حتى يمكن تصوره، ثم معرفته، ثم ترتيب الوصف أو الحكم الشرعي له.
ولما كان موضوع "الاسم التجاري" موضوعًا قد نظمته القوانين الوضعية، وجرى تعامل الناس فيه على وفق هذه القوانين، فإنه من اللازم الوقوف على نظر القانون الوضعي في هذا الموضوع وما إليه مما هو من بابه وحكمه. حتى نستوضح الواقعة المسئول عنها والمطلوب الحكم فيها، من جوانبها كلها سواء في تكييف المسألة أو الأحكام المقررة فيها من وجهة نظر القانون.
ثم نعرض ذلك كله على الفقه الإسلامي ليقرر حكمه في أصل الموضوع وآثاره وأحكامه وهذا يستلزم أن نعرض للمواضيع الرئيسية التالية
الفصل الأول: نتناول فيه الكلام على "المحل التجاري" باعتبار أن الاسم التجاري عنصر من عناصره. ثم نعرف الاسم التجاري ونستقصي ما يتعلق به من أحكام في القانون.
الفصل الثاني: نتكلم فيه عن الحق في القانون من حيث تعريفه وأقسامه.
الفصل الثالث: نتكلم فيه عن الملكية الصناعية والتجارية وحق المنفعة والفرق بين الشيء والمال.
الفصل الرابع: ونعقده للكلام على الحق في الفقه الإسلامي من حيث تعريفه وأقسامه، ثم نختتم الفصل بالكلام على الحقوق المعنوية.
الفصل الخامس: ونتكلم فيه عن المال ومعنى المالية والتقوم.
الفصل السادس: نتكلم فيه عن المنفعة فنعرفها ونبين الفرق بينها وبين الانتفاع، ثم أدلة الجمهور على أن المنفعة مال، وكذا أدلة المخالفين ثم نتكلم على غصب المنفعة والمذاهب فيها. ثم نقارن بين المال والمنفعة وأسباب ملك المنفعة، وتوريث المنفعة، ونختم هذا الفصل بالكلام على حقوق الارتفاق.
الفصل السابع: ونتناول الكلام فيه عن البيع من حيث تعريفه وشروطه.
الفصل الثامن: ونتكلم فيه عن الملك فنعرفه ونبين الفرق بينه وبين المنفعة والاختصاص والإباحة.
الفصل التاسع: ونختم فيه البحث بالكلام على التكييف الشرعي للاسم التجاري وهو ثمرة البحث.
الفصل الأول
المحل التجاري
مبحث
تعريف المحل التجاري وعناصره
تمهيد:
كان حق الملكية في القوانين الوضعية قاصرًا عل الحقوق المادية أي الحقوق التي تردد على أشياء مادية (1) ولم تكن هذه القوانين تعترف بغير الحق المادي، وبعد فترة من تطورها عرفت ما يسمي بحق الملكية غير المادية، أو بمعنى أدق الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية، كحق الملكية الأدبية، ويقصد به الإنتاج الذهني للإنسان، وحق الملكية الفنية، ويقصد به الإنتاج الإبداعي الفني، وحق الملكية الصناعية ويقصد به الإنتاج الصناعي المبتكر، وحق الملكية التجارية، ويقصد به الإنتاج التجاري وما يلحق به من حقوق راجعة إليه وهو موضوع بحثنا.
والاسم التجاري مصطلح يدخل ضمن ما يسمى عند القانونيين بـ"المحل التجاري"(2) . ويراد منه: مجموع ما يخصص لعمل تجاري من أموال مادية ومعنوية.
وحق التاجر الذي يرد على المحل التجاري بذاته أو ما نتج عنه وارتبط به يسمى "الملكية التجارية". ويشمل ذلك سمعة المحل، واشتهاره، وجودة سلعته.
والاسم التجاري أحد أهم عناصر المحل التجاري، فالكشف عن حقيقته – في هذه الحال – يستلزم الوقوف على معنى المحل التجاري، وطبيعته، مع شرح معاني العناصر الأخرى المكونة للمحل التجاري بغرض أن يعرف معنى وموقع الاسم التجاري من هذه العناصر.
(1) يقول الأستاذ السنهوري مخطئًا القول بتعبير الحقوق المادية أو غير المادية: "يقال في بعض الأحيان إن الحق إما مادي أو غير مادي، وهذا القول لا أساس له، ذلك لأن الحق يكون دائمًا غير مادي، والمادي هو الشيء محل الحق. أما الحق فهو معنوي"، وينسب الخلط بين الحق ومحله إلى القانون الروماني. وهذا قول صحيح، ولا يخفي أن الفقه الإسلامي يفرق بين الحق ومحله. ينظر قول السنهوري في كتابه الوسيط شرح القانون المدني، للدكتور عبد الرزاق السنهوري 8/274 الطبعة الثانية، دار النهضة العربية 1964بمصر.
(2)
فكرة"المحل التجاري" بمفهومها الحالي لم تظهر إلى حيز الوجود إلا في أواخر القرن التاسع عشر. انظر: القانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس ص 442، طبع دار الحيامي بمصر.
تعريف المحل التجاري:
هو منقول معنوي قوامه الاتصال بالعملاء الذين اعتادوا التردد على المتجر نتيجة اتحاد عناصر الاستغلال التجاري (1) . أو هو "مجموع أموال مادية ومعنوية تخصص لمزاولة مهنة تجارية "(2) ..
فالعناصر المعنوية للمحل هي: الاتصال بالعملاء، والسمعة والشهرة التجارية، والعلامات التجارية، والسمة، والاسم التجاري، والعنوان التجاري، والحق في إجارة المكان، وبراءات الاختراع، والرسوم والنماذج الصناعية، والرخص والإجازات.
وأما العناصر المادية فهي الآلات والبضائع.
ولا شك أن قيمة المحل التجاري إنما هي بتوافر العناصر المعنوية فيثبت المحل التجاري ويستمر نتيجة تردد العملاء عليه، وتزداد أهميته أو تقل من هذه الناحية فلا وجود للمحل التجاري دون وجود العملاء:"فالاتصال بالعملاء هو المصدر المنشئ لملكية المحل التجاري، ومتى وجد العملاء نشأت للتاجر ملكية معنوية يطلق عليها المحل التجاري"(3) .
(1) التشريع الصناعي، للدكتور محمد حسني عباس ص293، دار النهضة العربية 1967م بمصر.
(2)
مبادئ القانون التجاري، للدكتور مصطفى كمال طه 1/403، الطبعة الأولى دار المعارف 1962 بمصر.
(3)
التشريع الصناعى، ص 304.
الطبيعة القانونية للمحال التجارية:
اختلفت آراء رجال القانون حول طبيعة المحل التجاري.
فذهب البعض: إلى أن المحل التجاري هو مجموع قانوني أو ذمة مالية مخصصة.
وذهب البعض منهم: إلى القول بنظرية المجموع الواقعي ويعني بها: وجود رابطة فعلية أو واقعية بين مختلف عناصر المحل التجاري، وبهذا المجموع يكون المحل التجاري محلًا للتصرفات القانونية من بيع وغيره. فالتصرف فيه يرد على مجموع هذه العناصر.
وذهب آخرون: إلى القول بنظرية "الملكية المعنوية" وهو أن التاجر له حق ملكية معنوية أي ترد على أشياء غير مادية، وهي التي يطلق عليها "الملكية التجارية"(1) .
عناصر المحل التجاري:
ذكرنا آنفًا أن المحل التجاري يتكون من عناصر معنوية وعناصر مادية، والعناصر الأهم هي العناصر المعنوية فقد يتصور المحل التجاري دون العناصر المادية في الجملة كمكتب سمسرة مثلًا، لكن لا يوجد المحل التجاري بمفهومه الذي ذكرنا دون توافر العناصر المعنوية.
والذي يخص موضوعنا ها هنا هو بيان العناصر المعنوية، وصولًا إلى مرادنا من تحرير معنى الاسم التجاري وما يدخل في دائرته ومعناه من مصطلحات أخرى فتتناول أهم هذه العناصر فيما يلي:
الاسم التجاري والسمعة التجارية:
الاسم التجاري: هو تسمية يستخدمها التاجر علامة تميز منشأته التجارية عن نظائرها. وليعرف المتعاملون معه نوعًا خاصًا من السلع وحسن المعاملة والخدمة.
السمعة التجارية: هي الشهرة والذكر الحسن الذي اكتسبه المحل من خلال قدرة التاجر على اجتذاب العملاء.
ولهذا، فإن هناك ارتباطًا بين الاسم التجاري والسمعة التجارية، فمتى اكتسب المحل سمعة تجارية، فإن السمعة التجارية تلازم الاسم التجاري للمتجر، فيختلط بأذهان العملاء الاسم التجاري بذات المحل التجاري، كما يختلط تمامًا اسم الشخص بذات الشخص لدى الناس، وتبعًا لهذه الصلة الوثيقة بين المحل التجاري والاسم التجاري، تزداد قيمة الاسم التجاري كلما ازدادت السمعة التجارية للمتجر، كما أن المصادر والأسباب التي تنشأ عنها السمعة التجارية مثل: موقع المحل، وجودة المنتجات أو الخدمات وحسن المعاملة هي نفس الأسباب التي تنشأ وتزداد بها قيمة الاسم التجاري (2) .
(1) مبادئ القانون التجاري ص 411 وما بعدها، والتشريع الصناعي ص 306 وما بعدها. وانظر استيفاء الموضوع في: القانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس ص 479 وما بعدها.
(2)
التشريع الصناعي ص 165، ومبادئ القانون التجاري، للدكتور مصطفى طه 1/469؛ والقانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس ص 453.
وظائف الاسم التجاري:
1-
قد يستعمل الاسم التجاري لتمييز المنشأة التجارية بوضعه على لافتة المحل التجاري واستعمال الاسم التجاري في هذه الحال هو "العنوان التجاري" فيكون حينئذ للاسم التجاري هذه الوظيفة.
2-
ويستعمل الاسم التجاري للدلالة على المنشأة التجارية بوضعه على الأوراق، والأدوات الخاصة بالمتجر.
3-
وقد يستعمل التاجر الاسم التجاري علامة تجارية أو صناعية لتمييز منتجات المتجر أو المصنع، وبذلك تستعمل نفس العبارة التي يتكون منها الاسم التجاري استعمالًا مزدوجًا.
4-
وقد يستعمل الاسم التجاري للتوقيع على التعهدات التجارية (1) .
الاسم التجاري والعلامة التجارية:
تجب التفرقة بين الاسم التجاري والعلامة التجارية، فالعلامة التجارية: هي كل شارة مميزة تستخدم لتمييز البضائع للدلالة على مصدرها، أو نوعها، أو مرتبتها، أو ضمانها، أو طريقة تحضيرها، أما الاسم التجاري فهو الاسم الذي يستخدمه التاجر الفرد، أو الشركة التجارية لتمييز المنشأة التجارية التي يباشر استغلالها.
فالعلامة التجارية تستخدم لتمييز المنتجات، أما الاسم التجاري فإنه اسم يميز المنشأة التجارية ذاتها عن نظائرها.
وقد يستخدم التاجر الاسم التجاري للمنشأة في تكوين العلامة التجارية التي يضعها على المنتجات، وبذلك يقوم الاسم التجاري بوظيفة في تكوين العلامة التجارية (2) .
الاسم التجاري والاسم المدني واسم الشركة:
يختلف الاسم المدني عن الاسم التجاري من حيث إن الاسم المدني هو خصيصة مميزة لشخصية الفرد، فهو حق غير مادي، ولذا لا يعد من الأموال غير قابل حينئذ للتعامل.
وقد يتخذ التاجر من اسمه اسمًا تجاريًا، وينبغي ها هنا التفرقة بين اسم التاجر بصفته دالًا عليه، واسمه بصفته دالًا على الاسم التجاري، وبالتالي التفرقة بين حق التاجر في الحالين. فإذا بيع المحل التجاري انتقل حق الاستئثار باستعمال الاسم التجاري. وهذا لا يعني انتقال الاسم المدني من حيث التوقيع به وما إليه من خصوصيات التاجر البائع مثلًا.
ومن هنا يتضح الفارق بين الاسم التجاري واسم الشركة، فاسم الشركة إحدى خصائص الشخصية الاعتبارية للشركة.
"ويقع الخلط عادة بين الاسم التجاري الذي يميز به الشركة محلاتها التجارية، وبين اسم الشركة، لأن نفس العبارة التي يتكون منها اسم الشركة تستعمل عادة اسمًا تجاريًا، لذلك يتعين الفصل بين الاسم التجاري فهو مال قابل للتعامل، وبين اسم الشركة فهو اسم شخص وغير قابل للتعامل"(3) .
التصرف في الاسم التجاري:
اتجه القانون إلى منع التصرف في الاسم التجاري تصرفًا مستقلًا عن التصرف في المحل التجاري المخصص له (4) .
ويهدف القانون من ذلك إلى حماية الجمهور من التضلل، لئلا يظن عند البيع أن المحل الجديد هو ذات المحل الأول.
الطبيعة القانونية للاسم التجاري:
يعتبر الاسم التجاري حقًّا للتاجر من حيث إنه يعطي التاجر حق الاستعمال والاستئثار لتمييز منشأته، ويمنع الآخرين من تقليده، أو تزييفه، أو الاعتداء عليه بأية صورة كانت، تمامًا كالحق العيني غاية ما هنالك أنه لا يرد على شيء مادي.
والاسم التجاري في ذات الوقت يعتبر من المنقولات المعنوية وأحد أهم عناصر المحل التجاري.
وأما عن كيفية قياس قيمة الاسم التجاري: فإنه يقاس "بمقدار ما يحققه التاجر من أرباح نتيجة استغلال المحل التجاري، ذلك أن الاسم التجاري هو العلامة المميزة للمحل ووسيلة اتصال العملاء بالمتجر"(5) . وقد يكون الاسم التجاري واجبًا إذا كان القانون يلزم به.
(1) انظر للتفصيل: التشريع الصناعى 166 وما بعدها
(2)
التشريع الصناعي، ص 168؛ ومبادئ القانون التجاري 1/470.
(3)
التشريع الصناعي، ص 171.
(4)
مبادئ القانون التجاري 1/475، ولا يخفي هنا أن التصرف في الاسم التجاري في البيع مثلًا غير التصرف في المحل باعتبار قيمة موقعه وهو المسمى بالخلو وهو: المبلغ المدفوع ثمنًا لموقع عقار مباع أو مؤجر. لكنهما يجتمعان في أن كلا منهما بيع منفعة.
(5)
التشريع الصناعي، ص 172.
مستند الاسم التجاري:
يستند الاسم التجاري من حيث نشأته إلى العرف التجاري.
والعرف عامة: هو القواعد التي تنشأ من درج الناس عليها، يتوارثونها جيلًا عن جيل. والتي لها جزاء قانوني كالقانون المسنون سواء بسواء (1) .
والعرف في القانون هو المصدر الثاني بعد النص القانوني يرجع إليه القاضي عند عدم النص في الواقعة.
والقانون التجاري بصفة خاصة مبني في أغلب مسائله على العرف، حيث يبدأ أولًا في مرحلة ما يسمى بـ "العادة الاتفاقية" وهي الشروط التي إذا تكررت بين الأفراد، وتواتر استعمالها في العقود أصبحت معروفة ضمنًا دون حاجة إلى ذكرها. ثم تتحول هذه العادة الاتفاقية إلى عرف ملزم ما دام الناس يتوارثون ذلك، فترتقي العادة إلى أن تصبح عرفًا مستندًا إلى إرادة الجماعة فتصبح قاعدة قانونية عرفية. ثم تتحول القواعد العرفية إلى نصوص قانونية.
فالعرف التجاري: "عبارة عن مجموع ما تعارف عليه التجار فيما بينهم على وفق طريقة معينة، وبشروط معينة قد تكتب أحيانًا، وتصبح مع مرور الأيام مفترضة ضمن التعامل، وفي العقود بينهم دون حاجة إلى النص عليها، وتتواتر الأحكام القضائية على افتراض وجودها، وعندئذ يقال: إنها قد أصبحت عرفًا"(2) . ثم يأتي القانون التجاري فيقنن هذه الأعراف بشروطها وينظمها، وتصبح بعد ذلك ملزمة كالنص القانوني.
وإذا اجتمع العرف الخاص والعام، يقدم العرف الخاص، ويقصد بالعرف الخاص ما تعارف عليه التجار في جهة معينة من البلد، وأما العرف العام فيقصد به ما تعارف عليه التجار في البلاد بأجمعها (3) .
(1) القانون التجاري، للدكتور محمد حسني عباس ص 53، دار النهضة العربية 1966م بمصر
(2)
الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي، للدكتور عزيز العكيلي – الطبعة الأولى 1398 هـ = 1978م الكويت – عن كتاب الموجز في القانون التجاري، للدكتور محسن شفيق ص 21.
(3)
الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي ص 20.
العلامة التجارية والصناعية:
هي رمز يتخذه التاجر أو الصانع شعارًا لمنتجاته، أو بضائعه تمييزًا لها عن غيرها، ويقصد تيسير التعرف على مصدرها، وهي من أهم الوسائل التي يتبعها التاجر أو الصانع لتعريف العميل بسلعته وخدماته. وهذا يدفعه إلى تحسين منتجاته ليضمن إقبالًا جيدًا.
ولقد ترتب على انتشار المنتجات الكثيرة وشدة التنافس الاهتمام بالعلامة التجارية للحفاظ على التميز المطلوب، حتى غدا لها قيمة ذاتية.
أشكال العلامات التجارية والصناعية:
قد تأخذ العلامة التجارية والصناعية أشكالًا متعددة مختلفة كالأسماء المتخذة شكلًا مميزًا، والكلمات والإمضاءات والحروف والأرقام والرسوم والرموز، وعنوانات المحال والدمغات والأختام والتصاوير، والنقوش البارزة، وأي علامات أخرى أو أي مجموع منها يستخدم أو يراد به أن يستخدم إما في تمييز منتجات عمل صناعي، أو أية بضاعة، أو للدلالة على مصدر المنتجات أو البضائع أو نوعها، أو مرتبتها أو ضمانها، أو للدلالة على تأدية خدمة من الخدمات (1) .
ويتضح من تعريف العلامات التجارية والصناعية وأشكاله، وظيفة هذه العلامات فهي وسيلة لتيسير تعرف المستهلك على البضائع، وهي في ذات الوقت وسيلة دعائية لضمان العملاء وجودة المنتجات.
العلامة التجارية والاسم التجاري:
تختلف العلامة التجارية عن الاسم التجاري من حيث إن "العلامة التجارية شارة مميزة للمنتجات، بينما الاسم التجاري تسمية للمنشأة التجارية، وقد تشتق العلامة التجارية من الاسم التجاري، أو من العنوان التجاري، ويحميها القانون بوصفها علامة تجارية متى اتخذت علامة مميزة للمنتجات"(2) .
ولكن ينبغي القول هنا أنه رغم وجود الفوارق بين العلامة التجارية، والاسم التجاري، والعنوان التجاري، إلا أن بينها تشابهًا من حيث طبيعة كل باعتبار أنها علامات مميزة لها ارتباط وثيق بالمحل التجاري. ولذلك أوجبت القوانين "عدم التصرف في العلامة التجارية أو الاسم التجاري تصرفًا مستقلا عن المتجر بقصد تنظيم المنافسة بين المنتجين وحماية المستهلك"(3) .
وبالنظر إلى هذا التداخل بين الاسم التجاري وهو الأصل، وبين العلامة التجارية، والعنوان التجاري، وكذلك السمة التجارية، فإننا سنستخدم الاسم التجاري بالمعنى الأعم الشامل لغيره فيما هو من طبيعته، فما يجري عليه يجري على غيره جملة.
التصرف بالعلامة التجارية:
لا تعتبر العلامة التجارية مالًا مستقلًا بذاته، بل هي تابعة لملكية المحل، فلا تنتقل ملكية العلامة مستقلة في أي تصرف كرهن وبيع وما إليه.
ذلك أن العلامة التجارية قد يكون لها اعتبار هام إذا كانت العلامة هي التي تجذب عملاء المحل، وتميزه عن غيره. فتكون – والحال هذه – من مستلزمات المحل التجاري. وعلى ذلك فالأصل أن العلامة التجارية تابعة للمحل التجاري فيما يجري عليه من تصرفات، لكن "يجوز لأطراف العقد الاتفاق على خلاف هذا المبدأ، فيجوز الاتفاق في عقد بيع المتجر على أن البيع لا يشتمل العلامات التجارية"(4) .
وهذا لا يعني أنه يجوز التصرف بالعلامة التجارية منفردة، لكن يجوز أن تستخدم هذه العلامة لمنشأة جديدة أخرى.
ومبدأ منع التصرف في العلامة التجارية مستقلة عن المحل، مختلف فيه عند القانونيين، ومختلف في تطبيقه بين الدول.
ويرى بعض المانعين من التصرف في العلامة التجارية مستقلة عن المحل أن هذا المبدأ يسري "على رهن العلامة والحجز عليها، ولكن يجوز تقرير حق انتفاع على العلامة مستقلة عن المتجر"(5) ، وهذا يعني أن المراد بالمنع القانوني هو منع التصرفات الناقلة للملكية. أما غير الناقلة لها فيجوز.
(1) مبادئ القانون التجاري، للدكتور مصطفى كمال طه 1/456.
(2)
التشريع الصناعي، ص 199.
(3)
التشريع الصناعي، ص 200.
(4)
التشريع الصناعي، ص 233.
(5)
التشريع الصناعي ص 238؛ ومبادئ القانون التجاري، للدكتور مصطفى طه 1/462.
رخصة المحل:
وهي التي تجيز استغلال المحل فيما خصص له. وهي عنصر أساسي قد تكون له قيمة كبيرة تبعًا لأهمية المحل من حيث نوع تجارته، وموقعه، وما إلى ذلك، وتعتبر عنصرًا من عناصر المحل التجاري. إلا إذا استبعدها الطرفان أو إذا كانت الرخصة ذات صبغة شخصية إذا روعي في منحها صفات معينة (1) .
العنوان التجاري:
هو تسمية مبتكرة أو رمز يختاره التاجر كشعار خارجي لتمييز محله التجاري عن نظائره، واجتذاب العملاء (2) .
السمعة التجارية:
وهي تسمية مبتكرة تدخل عادة في الاسم التجاري قصد الدعاية، ولفت أنظار المستهلكين. والشركات المساهمة عادة تتخذ لها سمة تجارية، لأن ذكر غرض الشركة صناعيًا، أو زراعيًا، أو غير ذلك لا يكفي لتمييزها عن غيرها من الشركات المماثلة، فيقال مثلًا: "شركة صناعة الأنابيب (المتانة) .
الاتصال بالعملاء:
وهم الأشخاص الذين اعتادوا على الشراء من المحل، ولذا كان هذا من عناصر المحل الجوهرية.
وقد يختلط هذا العنصر بعنصر السمعة التجارية إلى حد كبير.
ويعتبر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية من أهم العناصر التي يتكون منها المحل التجاري "حتى إن من الفقهاء من يعتبر هذا العنصر كافيًا بذاته لوجود المحل التجاري بصرف النظر عن وجود عناصر أخرى"(3) .
ويلحظ بعد هذا: أن العقار ليس داخلًا في عناصر المحل التجاري على الراجح، "لأن المحل مال منقول فلا يسوغ إدخال العقار عنصرًا فيه إلا إذا تقرر أن العقار يتحول إلى مال منقول أو يصبح منقولًا بالتخصيص (4) .
(1) القانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس ص 461؛ ومبادئ القانون التجاري 1/408.
(2)
مبادئ القانون التجاري، للدكتور مصطفى طه 1/408، 476
(3)
القانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس ص 451.
(4)
القانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس ص 466
الفصل الثاني
الحق في القانون
المبحث الأول
تعريف الحق
تمهيد:
سبقت الإشارة إلى أن القانون يعتبر الاسم التجاري من جملة الحقوق، وأن هذه هي طبيعته، ولذا رتب القانون عليه ما يترتب على سائر الحقوق في الجملة وأعطى التاجر حق الملك والاستئثار به، ومنع الغير من الاعتداء على هذه الملكية بأي صورة من صور الاعتداء.
ولما كان ذلك كذلك، لزم أن نعرف الحق وأقسامه وشيئًا من متعلقاته، ولنعرف موقع الاسم التجاري من هذه الحقوق، كيما تصح المناظرة بعد ذلك عند عرض الاسم التجاري على أصول وقواعد الفقه الإسلامي، ووزنه بميزانه.
تعريف الحق: تباينت تعاريف القانونيين للحق تبعًا لمدارسهم التاريخية والموضوعية.
فعرفه بعضهم بأنه: قدرة أو سلطة إرادية، يخولها القانون شخص معين (1) .
وعرفه بعضهم بأنه: "ثبوت قيمة معينة لشخص بمقتضى القانون"، فيكون لهذا الشخص أن يمارس سلطات معينة يكفلها له القانون، بغية تحقيق مصلحة جديرة بالرعاية (2) . وعرفه السنهوري بخصوص المعاملات بأنه:"مصلحة ذات قيمة مالية يقرها القانون للفرد"(3) . وعرفه مطلقًا فقال بأنه: "مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون "، فلا يدخل إذن لا الحقوق العامة ولا الحقوق المتعلقة بالأحوال الشخصية؛ لأنها وإن كانت حقوقًا، فليست ذات قيمة مالية. وعلى ذلك فالتعريف يشمل الحقوق الشخصية والعينية (4) .
ومراد الذين عرَّفوا الحق بأنه مصلحة – وهو تعريف بالموضوع – يقتضي أن كل منفعة حق؛ لأن المصلحة هي المنفعة التي تتوجه إرادة صاحبها إلى تحقيقها بحماية وإقرار القانون، سواء أكانت منفعة مادية أم معنوية.
وعرَّفه آخرون بأنه: "استئثار شخص بمزية يقررها القانون له، ويخوله بموجبها أن يتصرف في قيمة معينة باعتبارها مملوكة أو مستحقة له"(5) .
(1) الملكية في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد السلام العبادي: 1/103، طبع وزارة الأوقاف عمان الطبعة الأولى 1394 هـ - 1974م. الأردن. عن محاضرات في النظرية العامة للحق الشيخ أحمد أبو سنة، ونظرية الحق، للدكتور جميل الشرقاوي: ص 12-27، وغيرهما.
(2)
حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص4، الطبعة الثالثة، مطبعة مصطفى الحلبي 1967م بمصر.
(3)
الوسيط، للدكتور عبد الرزاق السنهوري: 1/103، وانظر اختلافهم في تعاريف الحق في كتاب الحق، ومدى سلطان الدولة، للدكتور فتحي الدريني: ص 61؛ والملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص 103.
(4)
مصادر الحق في الفقه الإسلامي، للدكتور عبد الرزاق السنهوري: 1/5، مطبعة دار المعارف 1967م بمصر.
(5)
الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: 1/105، عن نظرية الحق، للدكتور جميل الشرقاوي: ص 26.
المبحث الثاني
أقسام الحق
يقسم رجال القانون الحقوق إلى عدة أقسام:
- حقوق سياسية ومدنية:
فالحقوق السياسية: هي الحقوق المتقررة للأفراد باعتبار دورهم في النظام السياسي في الدولة. كحق الانتخاب والترشيح.
والحقوق المدنية: هي المصالح المتقررة للأفراد بصفة مباشرة.
- وهذه الحقوق تنقسم بدورها إلى: حقوق عامة وحقوق خاصة.
- والحقوق العامة: هي المتعلقة بكرامة الإنسان وسلامة جسده وحرمة مسكنه وحقه في التملك والتنقل وما إلى غير ذلك.
وأما الحقوق الخاصة: فهي التي تنشأ نتيجة العلاقات والروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
- وهذه تنقسم إلى: حقوق الأسرة وهذه تنظمها قوانين الأحوال الشخصية.
- والحقوق المالية: وهي التي يمكن تقويم محل الحق فيها بالنقود. وقد قسمت هذه الحقوق إلى: حقوق عينية، وحقوق شخصية، وحقوق معنوية أو ذهنية.
- والحق العيني: هو سلطة لشخص تنصب مباشرة على شيء مادي معين، كحق الملكية، ومن ثم يستطيع صاحبه أن يباشره دون واسطة شخص آخر. فهذا الحق ينطوي على عنصرين: صاحب الحق ومحل الحق.
والحق الشخصي أو الالتزام: فهو حق يتمثل في رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يقوم أحدهما وهو المدين قبل الآخر وهو الدائن بأداء مالي معين. كحق مشتري العقار قبل الذي يلتزم بنقل الملكية، وحق المستأجر قبل المؤجر الذي يلتزم بالتمكين من الانتفاع بالعين المؤجرة (1) .
وهذه التفرقة بين الحق العيني والحق الشخصي تفرقة أساسية في القانون المدني. والحق والحق المعنوي: سلطة لشخص على شيء غير مادي، كالأفكار والمخترعات فهي سلطة على شيء معنوي غير مادي يكون ثمرة فكر صاحب الحق أو نشاطه.
- وتقسيم الحقوق العينية إلى: حقوق عينية أصلية، وحقوق عينية تبعية.
فالحقوق العينية الأصلية: هي التي تقوم بذاتها مستقلة بحيث لا تستند في جودها إلى حق آخر تتبعه، وهي تشمل: حق الملكية، والحقوق المتفرعة عن الملكية، وحق الانتفاع، وحق الاستعمال، وحق السكنى، وحق الحكر، وحقوق الارتفاق.
أما الحقوق العينية التبعية فهي: التي لا توجد مستقلة، وإنما تكون تابعة لحق شخصي تضمن الوفاء به، وهي تشمل الرهن الرسمي، والرهن الحيازي، وحق الاختصاص، وحق الامتياز (2) .
ويعنينا ههنا التركيز على الحق المعنوي لصلة موضوع الاسم التجاري به، فيناسبه مزيد بيان وتوضيح.
(1) انظر: نقد هذا التعريف في مصادر الالتزام في قانون التجارة الكويتي مقارنًا بالفقه الإسلامي، وأحكام المجلة، للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي: 1/4 وما بعدها. وانظر تقسيم الحقوق أيضًا في الوسيط للسنهوري: 8/8.
(2)
حق الملكية، للدكتور عبد المعنم الصده: ص 4 وما بعدها.
الفصل الثالث
الحقوق المعنوية
المبحث الأول
تعريف الحقوق المعنوية وطبيعتها
تعريف الحق المعنوي - كما سبق القول – حق يرد على شيء غير مادي، سواء أكان نتاجًا ذهنيًا كحق المؤلف في المصنفات العملية أو الأجنبية، أم في المخترعات الصناعية. أم كان ثمرة لنشاط يجلب له العملاء، أي أن الحق يرد ها هنا على قيمة من القيم، كحق التاجر في الاسم التجاري، والعلامة التجارية، ويترتب على هذا حق احتكار واستغلال هذه الثمرة أو هذا النشاط أو النتاج.
ويقول الدكتور السنهوري: "إن أكثر الحقوق المعنوية حقوق ذهنية، والحقوق الذهنية حق المؤلف وهو ما اصطلح على تسميته بالملكية الأدبية والفنيّة، والحقوق المتعلقة بالرسالة وهي ما اصطلح على تسميتها بملكية الرسائل، وحق المخترع وهو ما اصطلح على تسميته بالملكية الصناعية.
والحقوق التي ترد على ما يتكون منه المتجر والتي اصطلح على تسميتها هي وسندات التداول التجارية بالملكية التجارية. ويجمع ما بين هذه الحقوق جميعًا أنها حقوق ذهنية (1) .
(1) الوسيط، للسنهوري: 8/276
طبيعة الحقوق المعنوية:
اختلف رجال القانون في تكييف الحقوق المعنوية، وتوزعت أقوالهم في ذلك إلى مذاهب متعددة.
فذهب بعضهم إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعًا من أنواع الحقوق بالإضافة إلى الحقين الآخرين وهما: الحق العيني، والحق الشخصي، بل هو حق داخل ضمن الحقوق العينية ذلك أن الحق العيني يشمل الشيء ماديًا كان أو معنويًا. ثم اختلفوا حول طبيعة هذا الحق المعنوي، هل هو حق ملكية أم لا؟
وأطلق على هذه الحقوق عدة تسميات: فأطلق عليها اسم "الملكية الأدبية والفنية والصناعية" باعتبار أن حق الشخص على إنتاجه الذهني حق الملكية.
وقد نوقش هذا الرأي من ناحية أن الحقوق المعنوية، يرد الحق فيها على شيء غير مادي. أي لا يدخل في عالم الحسيات، ولا يدرك إلا بالفكر المجرد، فهو حتمًا يختلف عن الشيء المادي الذي يدرك بالحس. ومن جانب آخر فإن "المادة تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها، والاستئثار بها أما الفكر فعلى النقيض من ذلك، يؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار. فطبيعة الملكية تتنافى مع طبيعة الفكر من ناحيتين: الأولى: أن الفكر لصيق بالشخصية. والثانية: أن الفكر حياته في انتشاره لا في الاستئثار به، ونخلص من ذلك إلى أن حق المؤلف أو المخترع ليس حق ملكية، بل هو حق عيني أصلي، يستقل عن حق الملكية بمقوماته الخاصة، وترجع هذه المقومات إلى أنه يقع على شيء غير مادي"(1) .
ومن ناحية أخرى: فإن حق الملكية حق مؤبد، في حين أن الحق المعنوي حق مؤقت بطبيعته وذهب آخرون إلى إطلاق عنوان " الحقوق الذهنية " على هذه الحقوق تحاشيًا للملاحظات التي أبديت لمفارقة حق الملكية عن الملكية المعنوية.
وقد ورد هذا بأن "هناك إلى جانب الأشياء المادية التي ترد عليها الملكية العادية أشياء غير مادية للتملك بحيث إن الحقوق التي ترد عليها لا تعدو أن تكون صورًا خاصة للملكية يمكن أن يقال عنها أنها ملكية غير عادية"(2) .
وذهب آخرون إلى إطلاق عنوان "الحقوق التي ترد على أموال غير مادية". وقد رد هذا: "بأنه لم يعن ببيان الخصائص الأساسية لهذه الحقوق في المجال المالي لإظهار الفارق بينها وبين الحقوق العينية والشخصية، إذ أن تلك الحقوق كما هو الشأن في الأموال المادية، يمكن الانتفاع بها والتصرف فيها بمقتضى عقد"(3) .
وذهب آخرون إلى إطلاق عبارة"الحقوق المتعلقة بالعملاء"، وذلك نظرًا إلى موضوع هذه الحقوق وهو الأشياء التي من إبداع الذهن أو القيمة التجارية، وأن هذين الأمرين تتحدد قيمتهما جميعًا بحسب ما يجتذب إليها من العملاء.
وقد أخذ على هذا الإطلاق، أنه قد يصدق على الحقوق التي ترد على قيم تجارية، كالاسم التجاري مثلًا، لكنه لا يصدق على حقوق المؤلفين بذات الدرجة، لأنها قد تكون إنتاجًا ذهنيًا مستقلًا كحق المؤلف الأدبي المتميز عن الحق المالي.
ورجح آخرون أن طبيعة الحق المعنوي أنه "صورة خاصة من الملكية" باعتبار أن عناصر الملكية موجودة في هذا النوع من الحقوق، "فلا مفر من التسليم بأننا بصدد حق ملكية، وكل ما هنالك أن الملكية هنا تعتبر صورة خاصة للملكية، حيث إنها ترد على شيء غير مادي. ومقتضى هذا الفارق أن تختص الملكية المعنوية بأحكام تختلف عن أحكام الملكية العادية، ولا يقدح في هذا النظر أن يقال: إن الحق المعنوي في أغلب صوره ليس مؤبدًا، لأن التأييد ليس خاصة جوهرية لحق الملكية"(4) .
(1) الوسيط، للسنهوري: 8/279.
(2)
حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 295.
(3)
حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 295.
(4)
حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 297؛ والوسيط: 8/281.
المبحث الثاني
حقوق الملكية الصناعية (الابتكار والاسم التجاري)
تعريف حقوق الملكية الصناعية: هي حقوق استئثار صناعي، أي هي حقوق تخول صاحبها أن يستأثر قبل الكافة باستغلال ابتكار جديد أو استغلال علامة مميزة.
وتهدف حقوق الملكية الصناعية إلى الاتصال بالعملاء عن طريق استئثار المنتج باستغلال ابتكار جديد، أو تمييز منتجٍ له، أو متجره بعلامات مميزة.
وعلى هذا "فتشمل حقوق الملكية الصناعية براءات الاختراع والعلامات التجارية المميزة والرسوم والنماذج الصناعية"(1) .
فحقوق الملكية الصناعية نوعان رئيسيان:
حقوق الاختراع والابتكار؛ وحقوق العلامات التجارية والرسوم.
أولا – حق الاختراع والابتكار:
وهو الحق فيما يسمي "براءة الاختراع وهي من أقدم إسناد الملكية الصناعية"(2) . وهي جهد ذهني أدى إلى إيجاد شيء أو نظرية لم يكن معروفًا. واصطلح على تسمية ذلك حقوق الملكية الفنية والأدبية، وهذه الحقوق تنشأ في البيئة العلمية والأدبية والفنية. وقد يمتد استغلال تلك الحقوق إلى البيئة التجارية.
وحقوق الملكية الصناعية التي تقوم على ابتكارات جديدة قد تتعلق بابتكار من حيث موضوع المنتجات. وهي براءة الاختراع، وقد تتعلق بابتكار جديد من حيث شكل المنتجات، وتلك هي الرسوم والنماذج الصناعية.
وعلى هذا فموضوع الحق في براءة الاختراع غير موضوع الحق في حق الرسوم، والنماذج الصناعية. فالحق في الأول: ينصب على ابتكار جديد من حيث الموضوع، فيستأثر صاحبه برخصة صناعية جديدة فيحتكر إنتاجًا صناعيًا جديدًا.
وأما في الثاني: فعنصر الابتكار يرد على الشكل الذي تصب فيه المنتجات كرقم أولون مبتكر في ثوب، أو زخرفة أو نماذج جديدة لتصميم سيارة وما إلى ذلك من المظاهر الخارجية.
(1) القانون التجاري، علي حسن يونس: ص 457.
(2)
الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، للدكتور صلاح الدين الناهي: ص 60، الطبعة الأولى دار الفرقان 1403 هـ - 1983م الأردن.
ثانيًا – العلامات التجارية والرسوم:
حق الملكية الصناعية والتجارية يتضمن حق المنتج في احتكار استعمال علامة تميز منتجاته، أو تميز متجره أو تميز بلد الإنتاج. فحق المنتج في احتكار علامة تميز منتجاته عن مثيلاتها هو الحق في العلامات التجارية والصناعية، وحق المنتج في احتكار علامة تميز المصنع أو المتجر هو الحق في الاسم التجاري.
أما الرسوم والنماذج الصناعية: فيقصد بها تلك اللمسات الفنية، والرسوم والألوان والشكل المنتج، والتي من شأنها أن تستجلب نظر واهتمام العملاء، وحرصهم بعد ذلك على هذا النوع من البضاعة.
وهي بهذه الصفة تجمع بين أمرين: النموذج الصناعي: وهي هذه الرسوم والنماذج أو القوالب الصناعية التي تتميز بها هذه البضاعة، والنموذج الفني وهي الناحية الجمالية والذوقية التي تحملها وتمثلها هذه الرسوم والأرقام وما إلى ذلك.
والرسوم والنماذج الصناعية ترتبط بمظهر المنتج الخارجي، ولا علاقة لها بموضوع المنتج. ومن هنا يتضح الفرق بين الابتكار والرسوم أو النماذج الصناعية. فالابتكار هو اكتشاف منتج جديد على غير سابق مثيل، بينما إخراج هذا المنتج بشكل وطابع وتصميم فني وجمالي هو النموذج الصناعي.
ولهذا فقد يكون الارتباط بين الابتكار أو الاختراع، وبين الرسوم والنماذج الصناعية وثيقًا لا يمكن فك الارتباط بينهما فيكون الحق في الرسوم والنماذج تابعًا لحق الاختراع لأنه الأصل.
وقد لا يكون بينهما مثل هذا الترابط، فيكون لكل منهما صفته وما يتبعها من حقوق (1) .
(1) التشريع الصناعي: ص 136 وما بعدها؛ والوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، للدكتور صلاح الدين الناهي: ص 211 بتصرف.
التكييف القانوني لحقوق الملكية الصناعية:
جرى الفقه القانوني على تقسيم الحقوق المالية – كما سبقت الإشارة – إلى حقوق عينية وحقوق شخصية، والحق العيني أرادوا منه: سلطة مباشرة لشخص معين ، والحق الشخصي: هو رابطة قانونية بين شخصين. أحدهما دائن والآخر مدين، ولقد اتجه الفقه بادئ الأمر إلى إدخال هذه الحقوق في دائرة الحقوق العينية، لما لمسوه من تشابه بين حق الملكية وحق الملكية الصناعية من حيث إن كلًّا منهما يعطي صاحبه سلطة احتكار واستغلال الشيء موضوع الحق (1) .
لكنهم رأوا فيما بعد ذلك أن هذا التشابه لا يكفي في إلحاق الحقوق الصناعية بالحق العيني، ذلك أن الحق العيني سلطة لصاحب الحق على شيء معين بذاته، أما حقوق الملكية الصناعية كبراءة الاختراع فيرد على شيء غير مادي له قيمة اقتصادية، أما ملكيته للآلة فهي حق ملكية على شيء مادي.
وهذا فارق جوهري بين طبيعة كل من الحقين، ومتى اختلف الموضوع بين أمرين لم يعد من اللائق الجمع بينهما في طبيعة واحدة. ومن جانب آخر ذهب فقهاء القانون إلى أن حقوق الملكية الصناعية تختلف عن الحقوق الشخصية: باعتبارها تمثل علاقة أو رابطة قانونية بين دائن ومدين بينما حقوق الملكية الصناعية تمثل سلطة استئثار باستغلال ابتكار جديد أو علامة مميزة.
ونظرًا لهذا الاختلاف بين حق الملكية الصناعية من حيث طبيعتها وبين الحقوق العينية والحقوق الشخصية ناسب إضافة قسم ثالث يمكن أن يندرج تحته حق الملكية الصناعية وحق الملكية الأدبية والفنية واصطلح على تسميته "حقوق الملكية المعنوية" – كما سبقت الإشارة-.
ولكن وجد أنه حتى هذه التسمية فيها قصور عن التعبير عن طبيعة هذه الحقوق من حيث إن حق الملكية يتضمن عناصر ثلاثة: هي الاستعمال والاستغلال والتصرف. وهذه لا تتوافر جميعها في حقوق الملكية الصناعية، فالحق في براءة الاختراع لا يتضمن عنصر الاستعمال لأنه غير مادي حتى يمكن استعماله لخاصة نفسه.
ومن ناحية ثانية وجد أن الحق في براءة الاختراع، والحق في الرسوم والنماذج الصناعية وحقوق الملكية الأدبية والفنية كلها حقوق مؤقتة.
ولذا رأى بعض القانونيين وضع اصطلاح آخر لهذ الحقوق سمي "الحقوق الخاصة بالإنتاج الذهني" باعتبار أن جوهر وموضوع هذه الحقوق هو الابتكار الذهني.
وقد رد هذا الرأي أيضًا لأنه لا يطابق الواقع في كل الحالات، فإن الابتكار ليس هو العنصر الجوهري في العلامات المميزة التي تكون محلًا للحق في العلامة التجارية أو الصناعية أو الاسم التجاري، بل إن جوهر الحق هنا إنما يدور حول مجرد "العلامة المميزة" للمتجر أو المنتجات.
ورأى آخرون أن حقوق الملكية الصناعية ما دامت استئثار صاحب الحق باستغلال حقه قبل العملاء والاتصال بهم، فهذا موضوع هذه الحقوق، ولذا أطلقوا على هذه الحقوق "حقوق الاتصال بالعملاء".
وقد رد هذا الرأي أيضًا في تكييف هذه الحقوق بأن "حقوق الاتصال بالعملاء" هو عنصر من عناصر المتجر، وأن هذا الاصطلاح يقتصر على حقوق الملكية الصناعية دون حقوق الملكية الأدبية والفنية فهو اصطلاح قاصر (2) .
ويرى البعض أن التكييف القانوني الصحيح لهذه الحقوق هي: " أنها من قبيل: الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية "(3) . وقد أخذ على هذا الاتجاه أنه لم يعن ببيان الخصائص الأساسية لهذه الحقوق في المجال المالي لإظهار الفارق بينها وبين الحقوق العينية والشخصية.
وعلى هذا فالحقوق المعنوية مهما اختلف في طبيعتها إلا أن عناصرها التي لا خلاف في وجودها في هذه الحقوق ثلاثة يشير مجموعها إلى أن هذه الحقوق هي حقوق ملكية خاصة لأنها ترد على شيء غير مادي.
وهذه العناصر الثلاثة هي:
الأول: أنها ترد على شيء معنوي أو غير مادي.
والثاني: أن هذا الشيء يكون ثمرة لعمل صاحب الحق الذهني أو لنشاطه، فهو إما أن يكون نتاجًا ذهنيًا أو قيمة من القيم التجارية، والثالث: أنها تخول صاحبها احتكار واستغلال ذلك النتاج أو هذه القيمة سواء بالانتفاع أو بالتصرف (4) .
(1) التشريع الصناعي، للدكتور محمد حسني عباس: ص 13 وما بعدها؛ وحق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 294؛ والوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، للدكتور صلاح الدين الناهي: ص 17.
(2)
التشريع الصناعي: ص 17 وما بعدها؛ والملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 295. بتصرف.
(3)
الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 296؛ والتشريع الصناعي: ص 22.
(4)
الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص 297.
المبحث الثالث
حق المنفعة
يعتبر موضوع "المنفعة" موضوعًا وثيق الصلة بموضوع الاسم التجاري وما في حكمه، بل هو صلب الموضوع، ذلك أنه إذا ثبت أن الاسم التجاري منفعة، فسينطبق عليه أحكام "حق المنفعة" ومن هنا لزم معرفة المنفعة بتحرير معناها كحق وبيان أحوالها وأحكامها.
تعريف حق المنفعة:
حق المنفعة هو حق استغلال أشياء يملكها شخص آخر، كما يستغلها المالك نفسه، لكن بشرط المحافظة على كيانها، ويعرف أيضًا بأنه: الحق العيني في الانتفاع بشيء مملوك للغير، بشرط الاحتفاظ بذات الشيء لرده إلى صاحبه عند نهاية حق الانتفاع، الذي يجب أن ينتهي حتمًا بموت المنتفع (1) .
ويترتب على حق المنفعة أمور:
أولًا: أنه حق عيني، ولذلك عالجه القانون ضمن الحقوق المتفرعة عن حق الملكية، ويترتب على اعتباره حقًا عينيًا جواز الاحتجاج به على الناس كافة (2) .
وثانيًا: أنه حق ينتهي بموت المنتفع، فإذا مات المنتفع يرجع حق الانتفاع إلى مالك الرقبة، فإن حدد حق المنفعة بأجل، انتهى حق المنفعة بانتهاء الأجل. فإن مات المنتفع قبل انقضاء الأجل فإن حق المنفعة ينتهي بالرغم من عدم انقضاء الأجل.
وثالثًا: أنه حق يقع على شيء غير قابل للاستهلاك؛ لأن الشيء محل الانتفاع يجب رده إلى المالك عند انتهاء حق الانتفاع.
(1) الوسيط للسنهوري: ص 9/1201.
(2)
ورغم أن حق المنفعة كحق الإيجار حق في الانتفاع إلا أنه بينهما الفروق التالية: أولًا: أن المنتفع له حق عيني يقع مباشرة على الشيء المنتفع به ولا يتوسط بينهما مالك الشيء، ويترتب على ذلك أن المالك ليس ملزمًا قبل المنتفع بتمكينه من الانتفاع، بل إن كل ما عليه هو ألا يتعرض للمنتفع في مباشرته لحقه. أما حق المستأجر فإنه حق ينصب في ذمة المؤجر، ولهذا يتوجب على الأخير (أي المؤجر)، أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة. ثانيًا: لما كان حق المنفعة عينيًا لذلك فهو يعتبر حجة على الناس كافة. في حين أن حق المستأجر لا يكون حجة إلا على المؤجر وخلفه العام لأنه حق شخصي. ثالثًا: أن حق المنفعة قد يكون عقاريًا أو منقولًا بحسب العين التي ينصب عليها هذا الحق. وإذا كان عقاريًا جاز للمنتفع رهنه تأمينًا. في حين أن حق المستأجر لا يجوز رهنه رهنًا تأمينًا، ولو كانت العين المؤجرة عقارًا؛ لأن هذا الحق شخصي ولا يعتبر مالًا عقاريًا بل مالًا منقولًا. انظر محاضرات في الحقوق العينية الأصلية، للدكتور سعيد عبد الكريم مبارك: ص 270، طبع دار الطباعة الحديثة 1969م-1970م البصرة.
أسباب كسب حق المنفعة:
يكسب حق المنفعة بالعقد والوصية والتقادم. فالعقد يعتبر سببًا لكسب حق المنفعة. ويلزم تجديد مدة حق المنفعة في العقد، فإن لم تجدد عد مقررًا مدى حياة المنتفع، وهو ينتهي على كل حال بموت المنتفع حتى قبل انقضاء المدة المحددة له.
والوصية: ويكون كسب حق المنفعة بطريق الوصية، بأن يوصي مالك العين بالرقبة لشخص معين، فيبقى حق الانتفاع للورثة.
وأما التقادم: فيصلح أن يكون سببًا لكسب حق المنفعة لأنه في حكم الحيازة الواردة على حق المنفعة دون العين، فإذا كانت الحيازة منصبة على العين فإنها تكون في هذه الحالة سببًا لكسب ملكية العين بما فيها حق المنفعة (1)
حقوق المنتفع:
تتلخص حقوق المنتفع في الآتي:
1-
حق الاستعمال: ويشمل حينئذ الشيء المنتفع به وتوابعه. كالأرض المنتفع بها مع حقوق الارتفاق.
2-
حق الاستغلال: وهو الحصول على ثمار الشيء وغلته مدة انتفاعه به.
3-
حق التصرف: فللمنتفع أن يتصرف في حقه بمقابل أو بدون مقابل، فله أن ينقل حقه إلى الغير بالبيع أو التنازل، وله أن يؤجر العين محل الانتفاع (2)
(1) ورغم أن حق المنفعة كحق الإيجار حق في الانتفاع إلا أنه بينهما الفروق التالية: أولًا: أن المنتفع له حق عيني يقع مباشرة على الشيء المنتفع به ولا يتوسط بينهما مالك الشيء، ويترتب على ذلك أن المالك ليس ملزمًا قبل المنتفع بتمكينه من الانتفاع، بل إن كل ما عليه هو ألا يتعرض للمنتفع في مباشرته لحقه. أما حق المستأجر فإنه حق ينصب في ذمة المؤجر، ولهذا يتوجب على الأخير (أي المؤجر)، أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة. ثانيًا: لما كان حق المنفعة عينيًا لذلك فهو يعتبر حجة على الناس كافة. في حين أن حق المستأجر لا يكون حجة إلا على المؤجر وخلفه العام لأنه حق شخصي. ثالثًا: أن حق المنفعة قد يكون عقاريًا أو منقولًا بحسب العين التي ينصب عليها هذا الحق. وإذا كان عقاريًا جاز للمنتفع رهنه تأمينًا. في حين أن حق المستأجر لا يجوز رهنه رهنًا تأمينًا، ولو كانت العين المؤجرة عقارًا؛ لأن هذا الحق شخصي ولا يعتبر مالًا عقاريًا بل مالًا منقولًا. انظر محاضرات في الحقوق العينية الأصلية، للدكتور سعيد عبد الكريم مبارك: ص 270، طبع دار الطباعة الحديثة 1969م-1970م البصرة. ص 270 -274 وحق الملكية للدكتور عبد المنعم الصده:ص796 بتصرف
(2)
محاضرات في الحقوق العينية الأصلية، للدكتور سعيد عبد الكريم مبارك: ص 275 بتصرف
المبحث الرابع
المال والشيء
المال: هو الحق ذو القيمة سواء أكان عينيًا، أم شخصيًا، أم حقًا من حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية.
والشيء هو محل الحق سواء أكان ماديًا، أم غير مادي (1) .
فالشيء محل الحق – والحال هذه – متنوع كالحقوق العينية الأصلية والتبعية، والحقوق الشخصية وحقوق الملكية الأدبية والفنية، والصناعية والتجارية.
وقد قسم القانونيون الأشياء إلى: أشياء قابلة للتعامل، وأشياء غير قابلة للتعامل. وهذا القسم الأخير، وإن سمي شيئًا إلا أنه لا تترتب عليه حقوق مالية. ويتنوع الشيء غير القابل للتعامل إلى نوعين:
الأول: الأشياء الخارجية عن التعامل بطبيعتها، وهي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، فيمكن أن ينتفع بها كل الناس، من غير أن يحول انتفاع بعضهم دون انتفاع بعضهم الآخر، كالهواء وماء البحر.
والثاني: الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون، وذلك إما لأغراض صحية، أو اجتماعية كالمنع من التعامل بالمحظور من الحشيش والأفيون، وإما لتعلق المنافع المشتركة لجميع الناس ببعض الأشياء، كالمنع من التعامل بالأموال العامة، كالطرق والحدائق (2) .
(1) الوسيط، للسنهوري: 8/8.
(2)
الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: 1/194، عن الأعمال التحضيرية، للدكتور عبد الرزاق السنهوري: 1/460.
الفصل الرابع
الحق في الفقه الإسلامي
تمهيد:
هذا هو القسم الثاني في الموضوع، وهو الجانب الشرعي منه بعد أن اتضح موضوع الاسم التجاري وما في حكمه من جميع جوانبه القانونية حتى أصبح تكييفه ووزنه بميزان الشرع أمرًا صحيحًا علميًا لابتنائه على تصور قانوني شامل لموضوعه ما دام المطلوب بيان الحكم الشرعي لما عليه الاسم التجاري في القانون الوضعي.
المبحث الأول
تعريف الحق
تعريف الحق لغة: ذكر اللغويون للحق معاني كثيرة أخصها أنه: خلاف للباطل، والموجود الثابت، يقال: حققت الأمر أحقه إذا أوجبته أو جعلته ثابتًا أو تيقنته (1) .
وفي الاصطلاح: عرفه عبد العزيز البخاري بما لا يخرج عن المعنى اللغوي، فقال:"الموجود من كل وجه الذي لا ريب فيه في وجوده، ومنه السحر حق والعين حق أي موجود بأثره"، ثم قال:"وحق العبد ما يتعلق به مصلحة خاصة"(2) .
وقال الدسوقي: "الحق جنس يتناول المال وغيره"(3) .
وعرفه القاضي حسين بقوله: "الحق: اختصاص مظهر فيما يقصد له شرعًا"(4) .
وعرفه الشيخ علي الخفيف بأنه: "ما ثبت لإنسان بمقتضى الشرع من أجل صالحه"(5) .
وعرفه الشيخ مصطفى الزرقا بأنه: "اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفًا"(6) . وهذه التعاريف تلتقي في بيان حقيقة الحق، غاية ما هنالك أن بعضها راعى موضوع الحق وأنه مصلحة، وبعضها راعى صاحب المصلحة من حيث اختصاصه وتصرفه بموضوع الحق.
والذي نراه في تعريفه أنه: "مصلحة شرعية تُخَوِّل صاحبها الاختصاص أو ترتيب التكليف". والرضى بهذا التعريف لما تضمنه لموضوع الحق وهو المصلحة، وما يترتب على ذلك من علاقة أو اختصاص لصاحب المصلحة فردًا كان أو جماعة تخوله سلطة ومنعًا للغير من الاعتداء على هذا الحق سواء أكان سلطة أو ولاية على شخص أو على شيء أو هي تكليف من الله على عباده أو فيما بين العباد أنفسهم.
(1) لسان العرب، لابن المنظور؛ والمصباح المنير، مادة: حق
(2)
كشف الأسرار عن أصول البرزدوي للإمام عبد العزيز البخاري: 4/134، طبعة 1394 هـ - 1974م بمصر – والبحر الرائق، شرح كنز الدقائق، للإمام زين الدين بن نجيم: 6/148، الطبعة الثانية بمصر.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/457.
(4)
الملكية في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص 96، عن كتاب طريقة الخلاف بين الشافعية والحنفية، للقاضي أبي علي الحسين بن محمد المروزي، مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 1523. وقال الدكتور عبد السلام عن هذا التعريف: إن له وزنه وقيمته العلمية من عدة نواح: الأولى: أنه عرف الحق بأنه اختصاص، وهو تعريف يبرز ماهية الحق بشكل يميزه عن غيره، الثانية: أن تعريف الحق بأنه اختصاص يتفق مع آخر ما وصل إليه البحث القانوني. الثالثة: أن وصف هذا الاختصاص بأنه "مظهر
…
" يبين أن طبيعة هذا الاختصاص تقوم على وجود آثار وثمار يختص بها صاحب الحق دون غيره في الأشياء التي شرع الحق فيها، وهي قد تكون مادية أو معنوية. الرابعة: أنه تعريف أحد فقهاء القرن الخامس الهجري مما يدل على أن فقهاء الشريعة القدامى عرفوا الحق تعريفًا صحيحًا.
(5)
أحكام المعاملات الشرعية، للدكتور علي الخفيف: ص 28. الطبعة الثانية 1363هـ- 1944م بمصر.
(6)
المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، للشيخ مصطفى الزرقا:2/11، الطبعة الثالثة مطبعة الجامعة 1377 هـ - 1958م دمشق.
المبحث الثاني
أقسام الحقوق عند الأصوليين والفقهاء
قسم الأصوليون الحقوق بالنظر إلى مستحقها إلى أقسام:
أولها: حق الله، وهو:"ما يتعلق به النفع العام لجميع العالم، فلا يختص به واحد دون واحد"، وإضافته إلى الله تعالى لتعظيم خطره وشمول نفعه لا للملك والاختصاص لاستواء العالم فيه، ولا للنفع والضرر لتعاليه.
ثانيها: حق العبد: "ما يتعلق به مصلحة خاصة" كحرمة مال الغير، ولهذا ويباح ماله بإباحة المالك، ولا يباح الزنا بإباحة المرأة.
ثالثها: اجتماع الحقين، فقد يجتمع الحقان، وحق الله غالب، وقد يجتمعان وحق العبد هو الغالب (1) .
ويرى الإمام القرافي وغيره – وهو الصواب – أن حق العبد متضمن في حق الله، لأن الحقوق جميعًا مرجعها إلى الله تبارك وتعالى، فيقول:"ما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى". فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد، ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله (2) . أي فبينهما عموم وخصوص مطلق. ثم بيَّن علامة التفريق بين الحقين، بقوله: "وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط، فكل ما للعبد إسقاطه فهو الذي نعني به حق العبد (3) .
وقال الشاطبي: "إنَّ كل حكم شرعي ليس بخال عن حق الله تعالى وهو جهة التعبد
…
فإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردًا، فليس كذلك بإطلاق، بل جاء على تغليب حق العبد في الأحكام الدنيوية" (4) .
(1) شرح المنار وحواشيه من علم الأصول، للإمام عبد العزيز بن ملك على متن المنار، للإمام عبد الله حافظ الدين النسفي وعليه حاشيتا الإمامين: عزمي زاده وابن الحلبي: ص 886، طبع دار سعادة 1315هـ استانبول. والبحر الرائق؛ شرح كنز الدقائق للإمام زين الدين بن نجيم: 6 / 148، الطبعة الثانية:0 وكشف الأسرار، للبرزدوي: 4 / 134. وحقوق الله تعالى ثمانية أنواع: عبادات خالصة كالإيمان وفروعه، وعقوبات كاملة كالحدود، وعقوبات قاصرة مثل حرمان الميراث، وحقوق دائرة بين العبادة والعقوبة كالكفارات، وعبادة فيها معنى المؤنة كصدقة الفطر، ومؤنة فيها معنى العبادة كالعشر، ومؤنة فيها معنى العقوبة كالخراج، وحق قائم بنفسه كخمس الغنائم والمعادن. انظر: المرجع ذاته.
(2)
الفروق، للإمام شهاب الدين القرافي: 1/141، مطبعة دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى 1346 هـ بمصر.
(3)
الفروق، للإمام شهاب الدين القرافي: 1/141، مطبعة دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى 1346 هـ بمصر.
(4)
الموافقات في أصول الأحكام، للإمام أبي إسحاق إبراهيم اللخمي الشاطبي: 2/333، مطبعة المدني بمصر.
وعلى هذا ينقسم الحق بالنظر إلى التكاليف الشرعية أقسامًا:
أولهما: ما كان حق الله تعالى فيه خالصًا كالإيمان.
وثانيهما: ما كان حق العبد فيه خالصًا كالديون.
وثالثها: ما اجتمع فيه الحقان، وحق الله غالب كحد القذف.
ورابعها: ما اجتمع فيه الحقان، وحق العبد غالب كالقصاص (1) .
ويقسم الفقهاء الحقوق باعتبار مضمونها: إلى حقوق مالية، وحقوق غير مالية. فالحقوق المالية: هي المتعلقة بالأموال ومنافعها، وهذه تشمل الحقوق الواردة على الأعيان والمنافع والديون.
والحق قد يكون حقًا ماليًا شخصيًا إذا كان حقًا شرعيًا لشخص على آخر، كحق المشتري في تسلم المبيع، وحق البائع في تسلم الثمن.
وقد يكون الحق ماليًا عينيًا إذا كان حقًا شرعيًا لشخص على شيء، "فإذا اغتصب شخص شيئًا من آخر، فإن حق المغصوب منه المتعلق بهذا الشيء حق عيني، أما حق المغصوب منه قِبَلَ الغاصب في أن يرد الشيء المغصوب، فهو حق شخصي"(2) .
(1) المنار وشروحه: 886، والفروق: 1/140، و141 مع مراعاة أن الفقهاء مختلفون في تغليب أي الحقين في بعض الفروع. كما في حد القذف.
(2)
الشريعة الإسلامية تاريخها ونظرية الملكية والعقود، للدكتور بدران أبو العينين بدران: ص 301 نشر مؤسسة شباب الجامعة بمصر
والحقوق غير المالية: هي التي لا تعلق لها بالمال كحق ولي المقتول في القصاص والعفو. وهذا التقسيم مأخوذ من جملة تقسيمات الفقهاء للحقوق. وقد قسم ابن رجب: الحقوق إلى خمسة أنواع:
أحدها: حق ملك، كحق السيد في مال المكاتب.
والثاني: حق تملك، كحق الأب في مال والده.
والثالث: حق الانتفاع، كوضع الجار خشبه على جدار جاره إذا لم يضره به.
والرابع: حق الاختصاص: وهو عبارة عما يختص بالانتفاع به، كمرافق الأسواق المتسعة التي يجوز البيع والشراء فيها، كالدكاكين المباحة ونحوها، فالسابق إليها أحق بها.
والخامس: حق التعلق لاستيفاء الحق، كتعلق حق المرتهن بالرهن، وتعلق حق الغرماء بالتركة (1) .
وقال ابن قدامة: "الحقوق على ضربين: أحدهما: ما هو حق لآدمي، والثاني: ما هو حق لله تعالى.
فحق الآدمي ينقسم قسمين:
أحدهما: ما هو مال أو المقصود منه المال.
الثاني: ما ليس بمال ولا المقصود منه المال، وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين، كالقصاص وحد القذف والنكاح والطلاق
…
والضرب الثاني: حقوق الله تعالى، وهي نوعان:
أحدهما: الحدود.
الثاني: الحقوق كدعوى الساعي الزكاة على رب المال، وأن الحول قد تم وكمل النصاب (2) .
(1) القواعد في الفقه الإسلامي، للإمام عبد الرحمن بن رجب الحنبلي: ص 1200، القاعدة الخامسة والثمانون بتصرف الطبعة الأولى 1392 هـ - 1973م بمصر.
(2)
المغني: 10/213، و214.
ويقسم الفقهاء الحقوق إلى حق مجرد وحق غير مجرد أو متقرر، فالحق المجرد: ما كان غير متقرر في محله أي لم يقم بمحل ولم يتقرر في ذات، كحق الشفعة، فإنه نوع من الولاية أعطيت للشفيع في أن يتملك العقار بعد أن يتملكه المشتري، ومثله حق المرور بالنسبة للطريق
…
وغير المجرد: هو مالَهُ تعلق بمحله تعلق استقرار، بمعنى أن لتعلقه أثرًا أو حكمًا قائمًا يزول بالتنازل عنه، وذلك كحق القصاص، فإنه يتعلق برقبة القاتل ودمه، ومع قيامه يكون غير معصوم بالنسبة لولي القصاص، ولكن بالتنازل عنه يصير معصوم الدم (1) .
والحقوق المجردة عند الحنفية لا يجوز الاعتياض عنها، ولذا قالوا: لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة عن الملك كحق الشفعة، وقال في البدائع الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك. ولا يجوز الصلح عنها، وأضاف ابن عابدين قوله، وكذا لا تضمن بالإتلاف. قال في شرح الزيادات للسرخسي: وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان، وعلل لذلك بأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل إلا إذا فوت حقًا مؤكدًا. فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان. وهذا القيد يقرب مذهب الحنفية هنا إلى رأي من قال بجواز الاعتياض دون تفصيل بين الحقوق.
وألحق الزيلعي وابن نجيم بعدم جواز الاعتياض عن حق الشفعة، الاعتياض عن الوظائف في الأوقاف واستثنى من قاعدة عدم جواز الاعتياض عن الحقوق المجردة حق القصاص، وملك النكاح، وحق الرق، فإنه يجوز الاعتياض عنها.
وتنازع الحنفية في عدم قبول الاعتياض عن الوظائف، نظرًا لاعتبار كثير منهم للعرف الخاص، وهذا منه، وعليه أفتوا بجواز النزول عن الوظائف بمال (2) .
وهذا يشير إلى أن ما كان عرفًا عامًا، أو كان عرفًا خاصًا يتضمن منفعة مشروعة فإنه يجوز الاعتياض عنه بالمال. ومن جنس ما استثنى حقوق الارتفاق كحق العلو والشرب والمسيل – كما سيأتي بيانه -.
(1) أحكام المعاملات، للشيخ علي الخفيف: ص 29 بتصرف. وقد قسم الشيخ مصطفى الزرقا الحقوق العينية في الفقه الإسلامي وما أسماه بالحقوق شبه العينية بناء على التمييز بين الحق العيني والشخصي – كما سيأتي الإشارة إليه – إلى أنواع: حق الملكية وحق الانتفاع، وحقوق الارتفاق، وحق الارتهان، وحق الاحتباس، وحق الرقبة، وحقوق القرار على الأوقاف. انظر: مصادر الالتزام: 2/38 وما بعدها.
(2)
حاشية رد المحتار على الدر المختار، وشرح تنوير الأبصار، للعلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين: 4/518، و519 بتصرف – الطبعة الثانية مصطفى الحلبي: 1386هـ - 1966م بمصر.
المبحث الثالث
الحق الشخصي والعيني في الفقه الإسلامي
تقسيم الفقهاء:
لم يقسم الفقهاء المسلمون الحقوق قسمة القانون الروماني والقوانين الغربية إلى حق شخصي وحق عيني، واستعاضوا عن ذلك بتقسيم آخر. ولذلك لا تظهر التفرقة بين الحق الشخصي والعيني في الفقه الإسلامي.
يقول الدكتور السنهوري: "إن التفرقة بينهما لا تظهر في الفقه الإسلامي، وإنما يتكلم الفقهاء عن التمييز بين الدَّين والعين، وهو غير التمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، فالدَّين ليس كل الحق الشخصي، بل هو صورة من صوره والعين تستغرق الحق العيني وبعضًا من الحق الشخصي هو الالتزام بالعين، ومن ثم فالدين أضيق من الحق الشخصي، والعين أوسع من الحق العيني.
ثم قال: ولا حاجة إطلاقًا للقول بأن الفقه الإسلامي يعرف التمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، بل يجب على النقيض من ذلك إبراز أن التمييز بين الدين والعين وهو التمييز الذي يعرفه الفقه الإسلامي هو غير التمييز بين الحق الشخصي والحق العيني في الفقه الغربي المشتق من القانون الروماني فلكل فقه صناعته التي يتميز بها (1) .
ويقول الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي: "إن الفقه الإسلامي لا يعرف تقسيم الحقوق المالية إلى حقوق عينية، وحقوق شخصية أو التزامات، أو هو على الأقل لا يعرف هذا التقسيم بالمفهوم والأبعاد التي يتضمنها هذا التقسيم عند المعاصرين من رجال القانون، وغني عن البيان أنه لا يوجد في ذلك أي تقليل من شأن الفقه الإسلامي، أو تفضيل للفقه الغربي عليه، فلكل نظام فنه وأساليب صناعته، وطرق صياغته"(2) .
(1) مصادر الحق، للسنهوري: 1/18-19، وبعد عبارته تلك قال:"وفي هذا دليل واضح على أن الفقه الإسلامي لا تربطه بالقانون الروماني صلة".
(2)
مصادر الالتزام، للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي: 1/18.
وقال الأستاذ الزرقا: إن الفقهاء المسلمين لم يصوغوا نظرية ممهدة مستقلة للتمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، وهذا راجع إلى اختلاف مبني الترتيب والصياغة بين الفقه الإسلامي، والفقه الأجنبي (1) .
ثم قال: "والواقع أنه فقهاءنا قد ميزوا بين الحقين في جميع المسائل التي يقتضي هذا التمييز فيها اختلاف الأحكام
…
" (2) .
وقال الشيخ علي الخفيف بعد تقسيم الحق عند القانونيين: "إن الفقه الإسلامي لا يتنكر لهذه القسمة، وإن لم يولِها عناية أوجبت الإشارة إليها منه
…
وإذا كان الفقه الإسلامي لم يُشِرْ إلى هذه الأنواع ولم يعرض لهذه القسمة فإنه عرف هذه الأنواع بأسماء أخرى" (3) .
ويقول الشيخ أبو سنة بعد ذكر أقسام الحقوق في القانون: "والشريعة لا تعارض في هذا الاصطلاح، لأنه مجرد تنظيم ما دام يفصل في كل حق بحكم الله. غير أن الأقسام التي ذكرها علماء الشريعة مبنية على اختلاف الخصائص والأحكام الشرعية لكل قسم، وهي وافية بالأغراض القضائية والديانية"(4) .
وذكر الشيخ أبو سنة أن الفقه الإسلامي حين قسم الحقوق إلى حقوق متعلقة بالعين وحقوق ثابتة في الذمة اعتبرها حقوقًا مالية أحيانًا وغير مالية أحيانًا أخرى.
فالحق قد يكون ماليًا أو غير مالي، كحق الأب في الولاية على أولاده، وحق الأم في حضانة طفلها، فهما حقان غير ماليين وما متعلقان بالعين، وحق الله تعالى في وجوب الصلاة على المكلف حق غير مالي وهو ثابت في الذمة (5) .
وعلى هذا يمكن القول: إن الفقه الإسلامي لم يجد حاجة إلى تقسيم الحقوق إلى حق شخصي وحق عيني، واستعاض عن هذا التقسيم بتقسيم الحقوق إلى حق متعلق بالعين، وهو المسمى الحق العيني، وحق متعلق بالذمة وهو المسمى بالدين، وإن كلام الفقهاء في العين والدين يختلف عن كلام القانونيين في الحق الشخصي والحق العيني. وإن مرادهم بالعين ما هو أوسع من مراد القانون من الحق العيني، "فهي تشمل الحق العيني وبعضًا من الحقوق الشخصية، وهي الالتزام بالعين، مثل الالتزام بتسليم عين معينة وحفظها، وهذا راجع إلى أن العين محلها كل حق ذات محددة، سواء أكان ذلك لتمليكها، أم تمليك منفعتها، أم تسليمها أم حفظها.
وأما الدين: فهو كل حق محله مبلغ من النقود أو جملة من الأشياء المثلية، فهو أضيق من مفهوم الحق الشخصي الذي هو رابطة بين شخصين تُخَوِّلُ أحدهما مطالبة الآخر بالقيام بعمل، أو الامتناع عن عمل، أو إعطاء شيء مثليًا كان أم غير مثلي، فالدين في الفقه الإسلامي صورة من صور الحق الشخصي (6) .
(1) المدخل إلى نظرية الالتزام، للشيخ مصطفى الزرقا: 2/34-35.
(2)
المدخل إلى نظرية الالتزام، للشيخ مصطفى الزرقا: 2/34-35.
(3)
الملكية في الشريعة الإسلامية: 1/13-14.
(4)
الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص 117، عن النظريات العامة، للشيخ أحمد أبو سنة: ص 77.
(5)
الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص 117، عن النظريات العامة، للشيخ أحمد أبو سنة: ص 73.
(6)
بين الشريعة والقانون الروماني، د. صوفي أبو طالب: ص 163 وما بعدها. طبع مكتبة نهضة مصر.
المبحث الرابع
الحقوق المعنوية
لم يكن القانون الوضعي يعرف الحقوق المعنوية – كما سبق البيان – وإنما هي حقوق من نتاج التطور الحضاري خصوصًا في المجال الثقافي والصناعي.
وقد رأينا كيف أن القانونيين قد اختلفوا في تحديد طبيعة الحقوق المعنوية. فقد اعتبرها البعض من الحقوق العينية اعتبار أن الحقوق العينية تشمل ما كان ماديًا أو معنويًا، واختلفوا بعد ذلك في اعتبار هذا الحق من حقوق الملكية فيسري عليه ما يسري على حق الملكية أم أن طبيعته تجعله حق ملكية خاصا.
وذهب بعضهم إلى أن الحقوق المعنوية حق عيني أصلي مستقل عن حق الملكية لما له من مواصفات وطبيعة تختلف عن طبيعة حق الملكية.
والفقه الإسلامي لم يعرف هذا النوع من الحقوق المسماة بـ"الحقوق المعنوية" و"الحقوق الأدبية والصناعية والتجارية"(1) .
إذا لم يكن له وقائع أحوال تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي في مسائله، أو أصل موضوعه. ولكن الفقه الإسلامي بأصوله وقواعده ومقاصده يستوعب هذا النوع من الحقوق.
وجهة استيعاب الفقه لهذه الحقوق المعنوية راجع إلى نظرة الفقه الإسلامي إلى معنى المال والحق والملك. فقد تبين أن المال شمل معظم الحقوق، وأن كل ما يجري فيه الملك فهو مال، والحقوق مما يجري فيها الملك فهي أموال باستثناء ما لا يقبل التبعيض، فهذه الحقوق المعنوية سواء أكانت حقوقًا أدبيةً أو فنيةً أو حقوقًا صناعيةً أو تجارية فإنها مال في مفهوم الفقهاء وخاصة المالكية الذين يرون أن المال:"كل ما يقع عليه الملك ويستبد به المالك"، كما يرون أن الحقوق كلها أموال إذ الحق "جنس يتناول المال وغيره كالخيار والفقه والقصاص والولاء والولاية
…
(2) . فيشمل المال حينئذ الأعيان والمنافع والحقوق.
وليس في الفقه الإسلامي ما يمنع من اعتبار هذه الحقوق من الحقوق العينية، لأن "الحق العيني في الفقه الإسلامي لا يشترط فيه أن يكون محله عينًا مادية، بل يجوز أن يكون منفعة أو معنى، إذ المنظور في الحق العيني هو العلاقة المباشرة التي يقرها الشرع بين صاحب الحق ومحله، خلافًا لما استقر عليه الفقه الوضعي: من اشتراط كون محل الحق ماديًّا حتى يعتبر عينيًا، وبذلك يشمل الحق العيني في الشريعة الحقوق المالية وغير المالية"(3) ، وجمهور الفقهاء يرون – كما سيأتي البيان – أن الملك علاقة اختصاص مقرة من الشارع تنشأ بين المالك ومحل الملك. ومحل الملك أعم من أن يكون ماديًا أو غير مادي، فيصح – والحال هذه – أن نعتبر الحقوق المعنوية مالًا، فيكون الحق المعنوي من مشتملات المال، فيصح أن يكون محلًا مادامت علاقة الاختصاص قائمة وهو منتفع به شرعًا إذ الانتفاع من كل شيء حسب طبيعته، والناس يعتبرون فيه القيمة. فقد تكاملت له عناصر الملك.
(1) يرجح الشيخ مصطفى الزرقا، تسميتها "حقوق الابتكار" لأن اسم "الحقوق الأدبية" ضيق لا يتلاءم مع كثير من أفراد هذا النوع، كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية، والأدوات الصناعية المبتكرة، وعناوين المحال التجارية، مما لا صلة له بالأدب، والنتاج الفكرى، أما اسم "حق الابتكار" فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، والفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة، كما يشمل الحقوق الصناعية والتجارية مما يسمونه اليوم "الملكية الصناعية" كحق مخترع الآلة، ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة، ومبتكر العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة. انظر: المدخل إلى نظرية الالتزام: 2/26. وقد يقال في هذا الرأي: بأنه أخص من الدعوى فإن عبارة "حق الابتكار" توحي بتخصيص هذه الحقوق فيما هو ابتكار وإبداع فحسب في حين أن الحق ههنا قد يترتب ولا ابتكار فيه يذكر. سواء أكان في الأدبيات أو الأسماء التجارية، أو العملات التجارية أو الصناعية.
(2)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير: 4/457.
(3)
حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، للدكتور فتحي الدريني: ص 79.
ومن ناحية أخرى فإن "الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي، ليس معناه احتواء الشيء من قبل المالك، إنما معناه أن يختص به دون غيره، فلا يعترضه في التصرف فيه أحد
…
والشريعة أيضًا لا تشترط التأبيد لتحقيق معنى الملك، بل إن طبيعة ملك المنفعة مثلًا تقتضي أن يكون مؤقتًا، كما في ملك منفعة العين المستأجرة" (1) .
وعدم اشتراط الشريعة التأبيد لتحقيق الملك، يجعل دخول الحقوق المعنوية وقبولها في إطار الشريعة وقواعدها ومقاصدها دخولًا طبيعيًا لا حرج فيه، بخلاف الحرج الواقع في القانون (2) .
(1) الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص 198.
(2)
يقول الدكتور السنهوري مبينًا منافاة الحقوق المعنوية لحق الملكية من حيث طبيعة كل: في معرض كلامه عن حق المؤلف باعتباره حقًا معنويًا: "تتنافى طبيعة الملكية مع طبيعة الفكر من ناحيتين: "(الناحية الأولى) : أن الفكر لصيق بالشخصية بل هو جزء منها، ومن ثم فقد وجب تقييد نتاج الفكر بهذا الاعتبار الأساسي، فيوجد إلى جانب الحق المالي للمؤلف الحق الأدبي. وهذا الحق من شأنه أن يمكن المؤلف، - حتى بعد أن يبيع حقه المالي للناشر – أن يعيد النظر في فكره. وقد يبدو له أن يسترد من التداول ما سبق نشره، بل وله أن يتلفه بعد أن يعوض الناشر – وبذلك يستطيع أن يرجع بإرادته وحده فيما سبق له إجراؤه من التصرف. أما من يتصرف في شيء مادي تصرفًا باتًا، فليس له بإرادته وحده أن يرجع هذا التصرف، ولوفي مقابل تعويض. (والناحية الثانية) أن الفكر حياته في انتشاره لا في الاستئثار به، وإذا كان صاحب الفكر هو الذي ابتدع نتاج فكره، فالإنسانية شريكة له من وجهين. وجه تقتضي به المصلحة العامة، إذ لا تتقدم الإنسانية إلا بفضل انتشار الفكر. ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر مدين على نحو ما للإنسانية، ففكره ليس إلا حلقة في سلسلة، تسبقها حلقات وتتلوها حلقات. فهو إذا كان قد أعان من لحقه، فقد استعان بمن سبقه. ومقتضى ذلك ألا يكون حق المؤلف أو المخترع حقًا مؤبدًا كما هو شأن الملكية المادية. وإذا كانت الملكية المادية لا تستعصي على التأبيد بل هي تقتضيه، فإن الحق في نتاج الفكر لا يجوز أن يكون مؤبدًا بل لا بد فيه من التوقيت". من أجل ذلك يجب أن ننفي عن حق المؤلف أو المخترع صفة الملكية، فالملكية حق استئثار مؤبد، في حين أن حق المؤلف أو المخترع حق استغلال مؤقت. ثم يبدي رأيه في طبيعة هذه الحقوق، فيقول: ويخلص من ذلك أن حق المؤلف أو المخترع ليس حق ملكية، بل هو حق عيني أصلي يستقل عن حق الملكية بمقوماته الخاصة، وترجع هذه المقومات إلى أنه يقع على شيء غير مادي. انظر: الوسيط: 8/279-281.
الفصل الخامس
المال
إن الوقوف على معرفة المال وكذا المنفعة من وجهة الفقه الإسلامي يعتبر مدخلًا طبيعيًا وتمهيدًا علميًا سليمًا لترتيب الحكم الشرعي للاسم التجاري. فالمال والمنفعة لهما مفهوم وحقيقة شرعية وللفقهاء فيهما دراسات ومباحث استقر رأيهم فيها واتضح. لذا يرِدُ ههنا مدى انطباق معنى المال والمنفعة على الاسم التجاري. حتى يمكن إلحاق الحكم والآثار منهما إليه، أو لا يمكن. وقد عرفنا طبيعة المال والمنفعة في القانون، والمطلوب هنا الوقوف على معناهما في الفقه الإسلامي؛ لنتوصل به إلى معرفة مدى قرب أو بعد الاسم التجاري منهما تمهيدًا لإلحاق الوصف أو الحكم الشرعي به وهو مطلوب البحث.
مبحث
تعريف المال
اتفق الفقهاء على أن الأعيان أموال متى أمكن حيازتها، وتملكها، والانتفاع بها على وجه ما، كما اتفقوا على أن الحقوق المجردة وهي التي لا تدرج بالحس، ولا تعلق لها بالمال، كحق الحضانة والولايات والوظيفة ليست مالًا.
واختلفوا في الحقوق المتعلقة بالمال والمنافع.
تعريف المال لغة: هو "كل ما ملكته من جميع الأشياء"(1) . وهذا الإطلاق في اللغة يشمل كل ما يتملكه الإنسان، سواء أكان شيئًا ماديًا أم منفعة وينبغي أن يمل أيضًا الحق، وإن كان أمرًا معنويًا إلا أنه يملك سواءً أطلق على عين أو منفعة أو مباح.
تعريف المال اصطلاحًا: اتفق جمهور الفقهاء على مفهوم المال من حيث الجملة وإن اختلفت عباراتهم في تعريف وبيان حقيقته.
فاعتبروا "كل ما فيه نفع مالًا"، وما لا نفع فيه فليس بمال، فلا تجوز المعاوضة به" (2) .
وعرفه المالكية كما قال الشاطبي بأنه: "ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه ((3) ، ولذا اشترط المالكية في المبيع النفع وعبروا عنه "بالانتفاع" (4) فاعتبروا من شروط المبيع "النفع".
وعرفه الشافعية – بما نسبة السيوطي للشافعي – في قوله: (لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه)(5) .
(1) لسان العرب مادة: "مول".
(2)
حاشيتي الإمامين شهاب الدين القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين، للإمام محيي الدين النووي بشرح العلامة جلال الدين المحلي: 1/157 طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
(3)
الموافقات، للإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي: 2/17، الطبعة الثانية 1395 هـ = 1975م.)
(4)
حاشية العلامة محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير، للإمام أحمد الدردير: 3/10، طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر
(5)
الأشباه والنظائر في قواعد فروع فقه الشافعية، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي: ص 237، الطبعة الأخيرة مطبعة مصطفى الحلبي 1378 هـ = 1959م بمصر.
وعرفه الحنابلة في معرض كلامهم عن شروط المبيع فقالوا: (هو ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة)(1) . وعرفوه أيضًا بأنه: (ما يباح نفعه مطلقًا، أي في كل الأحوال، أو يباح اقتناؤه بلا حاجة)(2) .
وعلى تعريفهم هذا يخرج ما لا نفع فيه أصلًا كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر، وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة مباحة للضرورة كالميتة (3) .
أما الحنفية فوقع الخلاف في تعريف المال بينهم وبين الجمهور من جهة، وفيما بين المتقدمين منهم والمتأخرين من جهة ثانية، فعرف المتقدمون المال بما يفيد أنه (كل ما يمكن حيازته وإحرازه والانتفاع به في العادة)(4) . فمدار كون الشيء مالًا إمكان حيازته والانتفاع به في حكم العادة، وإن لم يكن محرزًا ومنتفعًا به فعلًا. وما لا يمكن حيازته كالعفة والشجاعة والذكاء فلا يعد مالًا، وكذا ما لا ينتفع به في حكم العرف والعادة، كقطرة من ماء وحبة شعير، فإنه لا يعد مالًا وإن أحرز.
ومراد الحنفية بالانتفاع في العادة، أن الشارع يجيز الانتفاع في حال الاختيار، أما إذا كان الانتفاع بالشيء في حال الاضطرار فلا يدخل حينئذٍ في حكم المنتفع به في العادة.
فالخمر كانت حرامًا إلا أنها مال لجواز أن ينتفع بها بوجه ما حال الاختيار، فالخمر وكذا الخنزير مال متقوم في حق الذميين – على خلاف وتفصيل عند الفقهاء – لكن الميتة والدم المسفوح ليسا بمال، لأن الشارع لم يجوز الانتفاع بهما بحال حال الاختيار (5) .
ويقول السرخسي: (المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز)(6) .
ويقول صاحب الدرر: (والمال ما يميل إليه الطبع ويجري فيه البذل والمنع) أو (هو موجود يميل إليه الطبع
…
) (7) .
وقال ابن عابدين: (المال عين يمكن إحرازها وإمساكها)(8) . وفي مجمع الأنهر: المال (عين يجري فيه التنافس والابتذال)(9) .أي بذل العوض.
وعرفه سعد الدين التفتازاني بأنه: (ما يميل إليه الطبع ويدخر لوقت الحاجة، أو ما خلق لصالح الآدمي ويجري فيه الشح والضنة)(10) .
وقال الشيخ أبو زهرة: (أحسن تعريف في نظري ما نقله صاحب البحر عن الحاوي وهو أن المال اسم لغير الآدمي خلق لصالح الآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار)(11) .
وأما متأخروا الحنفية فقد عرفوا المال فقالوا: (يطلق المال على القيمة، وهي ما يدخل تحت تقويم مقوم من الدراهم والدنانير)(12) .
فشمل هذا التعريف الأعيان والمنافع والحقوق، فمناط المالية عندهم هو القيمة التي تقدر بالنقد، فكل ما له قيمة هو مال؛ لأن كل ما فيه قيمة هو منفعة، والناس لا يتعارفون على تقويم ما ليس فيه منفعة، إذ لا يجري التعامل فيها أصلًا.
(1) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للإمام شرف الدين المقدسي: 2/59 المطبعة المصرية بالأزهر.
(2)
شرح منتهى الإرادات، للإمام منصور بن يونس البهوتي: 2/142 نشر عالم الفكر بيروت.
(3)
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للإمام شرف الدين المقدسي: 2/59 المطبعة المصرية بالأزهر. شرح منتهى الإرادات، للإمام منصور بن يونس البهوتي: 2/142 نشر عالم الفكر بيروت.
(4)
أحكام المعاملات للشيخ على الخفيف ص 26؛ الأموال ونظرية العقد للدكتور محمد موسى، الطبعة الأولى 1372 هـ = 1952م.
(5)
وعند الفقهاء خلاف في جواز الانتفاع ببعض أعضاء الميتة كالعظم والصوف قالوا في الجواز: لإمكان تطهرها. وذهب آخرون إلى أن الميتة نجسة لا يطهر شيء منها.
(6)
المبسوط، للإمام شمس الدين السرخسي: 11/79، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة بمصر.
(7)
حاشية ابن عابدين: 5/10-51.
(8)
حاشية ابن عابدين: 5/52.
(9)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر:2/3، الطبعة الأميرة بمصر.
(10)
التلويح على التوضيح شرح التنقيح لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود، والشرح لسعد الدين التفتازاني: 2/230.
(11)
الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، للشيخ محمد أبو زهرة: ص 52، دار الفكر العربي بمصر.
(12)
حاشية ابن عابدين: 1/11.
المالية والتقوُّم:
وقد بين ابن عابدين معنى المالية والتقوم، فقال: والمالية تثبت بتمويل الناس كافة أو بعضهم. والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعًا، فما يباح بلا تمول لا يكون مالًا، كحبة حنطة، وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقومًا كالخمر، وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما، كالدم، ثم قال:(وحاصله أن المال أعم من المتقوم؛ لأن المال ما يمكن ادخاره ولو غير مباح كالخمر، والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنًا، وإنما لم ينعقد أصلًا بجعلها مبيعًا، لأن الثمن غير مقصود، بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن. فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع)(1) . وعرف سعد الدين التفتازاني التقوم فقال: (المتقوم ما يجب إبقاؤه بعينه أو بمثله أو بقيمته، ثم قال عن الخمر: والخمر واجب اجتنابها بالنص لعدم تقومها، لكنها تصلح للثمن، لأنها مال)(2) . وهذا متسق مع تعريفه للمال السابق.
ونقل السيوطي أن للمتمول ضابطين:
أحدهما: أن كل ما يقدر له أثر في النفع فهو متمول، وكل ما لا يظهر له أثر في الانتفاع فهو لقلته خارج عما يتمول.
الثاني: أن المتمول هو الذي يعرض له قيمة عند غلاء الأسعار، والخارج عن التمول: هو الذي لا يعرض فيه ذلك
تعليق: الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص 326. ويقسم الفقهاء المال إلى أقسام عدة أهمها: أولًا: ينقسم بحسب الضمان وعدمه إلى: مال متقوم، ومال غير متقوم. فالمتقوم: ما يباح الانتفاع به في حال السعة والاختيار، وهو الذي له قيمة في نظر الشارع، ويشترط فيه أن يكون قد حيز بالفعل، كالدور والنقود المملوكة. وغير المتقوم: ما لا يباح الانتفاع به في حالة الاختيار، ولم يحز بالفعل، أو حيز ولكن حرم الشارع الانتفاع به. وهو بهذا يشمل مثل المعادن والسمك قبل حيازته كما يشمل ما حيز فعلًا وحرم الانتفاع به في حالة السعة والاختيار، كالخمر بالنسبة للمسلم، فإنه لا يجوز الانتفاع به إلا في حال الضرورة. أما بالنسبة لغير المسلم، فإنه يعتبر مالًا متقومًا عند الحنفية خلافًا للجمهور. ويترتب على هذا التقسيم أمور أهمها:
(1) حاشية ابن عابدين: 5/51.
(2)
التلويح على التوضيح: 2/230.
1-
أن المال المتقوم يضمن متلفه عند تعديه عليه. وغير المتقوم لا ضمان على متلفه، ولذا لو أتلف مسلم خمرًا لمسلم لم يضمن شيئًا؛ لأنه غير متقوم في حق المسلم. ولو أنه أتلفه لذمي ضمن له قيمته عند الحنفية، لأنه مال متقوم في حقه.
2-
المال المتقوم يصلح أن يكون محلًا لمعاوضة مالية كالبيع، والهبة وما إلى ذلك من التصرفات وغير المتقوم لا يصلح أن يكون مبيعًا، وإذا بيع كان العقد باطلًا، كما لا يصح أن يكون ثمنًا، وإذا جعل ثمنًا كان العقد فاسدًا عند الحنفية، وعلى ذلك لا يصح بيع الخمر من مسلم، ويصح من ذمي لمثله، ولا يصح بيع الأموال المباحة ولا هبتها ولا الوصية بها لعدم توقيمها.
ثانيًا: ينقسم المال باعتبار الثابت وعدمه إلى عقار ومنقول: فالعقار: هو كل ما لا يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر، وهو خاص بالأرض عند الحنفية سواء كانت الأرض مبنية أو مجردة عن البناء. وقال الإمام مالك: العقار هو ما لا يمكن نقله بدون أن تتغير صورته، فيدخل فيه عنده البناء والأشجار، وكلُّ ما وضع على الأرض على سبيل القرار كالآلات الرافعة المثبتة. والمنقول: هو ما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر سواء تغيرت صورته بالنقل أو لا، وسواءً انتقل بنفسه أو بوساطة غيره، فيدخل فيه البناء والشجر لإمكان نقله بدون أن تتغير صورته.
ثالثًا: ينقسم المال من حيث التماثل وعدمه إلى مثلي وقيمي، وهو تقسيم للمنقول. فالمثلي: هو ما لا تتفاوت آحاده تفاوتًا يعتد به، وله نظير في المحال التجارية. ويشمل الأنواع التالية: المكيلات كالبر، والموزونات المتحدة في النوع، والعدديات التي تتقارب آحادها كالبيض والجوز
…
والقيمي: هو ما تتفاوت آحاده تفاوتًا يعتد به، أو لا تتفاوت ولكن لا نظير له في المحال التجارية. ويشمل الأنواع الستة الآتية: وهي الحيوانات ولو كانت متحدة الجنس، والبناء، والأِشجار، وعروض التجارة المختلفة الجنس، والعدديات المتفاوتة تفاوتًا يعتد به كالبطيخ والمثليات التي لا نظير لها في المحال التجارية بأن انقطعت من الأسواق وتعذر الحصول عليها. يراجع تفصيل ذلك في أحكام المعاملات، للشيخ علي الخفيف: ص 32؛ والمعاملات الشرعية، للشيخ أحمد إبراهيم: ص 4 وما بعدها. الطبعة الثانية – لجنة التأليف والترجمة 1363 هـ = 1944م بمصر؛ والمعاملات في الشريعة الإسلامية، للشيخ أحمد أبو الفتوح: 1/27؛ والشريعة الإسلامية، للدكتور بدران أبو العينين: ص 287، نشر مؤسسة شباب الجامعة بمصر.
وفي مجلة الأحكام العدلية: المال المتقوم يستعمل في معنيين: الأول بمعنى ما يباح الانتفاع به، والثاني بمعنى المال المحرز، فالسمك في البحر غير متقوم، وإذا اصطيد صار متقومًا بالأحراز (1) .
ويفهم من كلام الفقهاء في المالية والتقوم، أنهما مترابطان ترابطًا قد ينفك من جهة بإطلاق. فكل ما هو متقوم فيه مالية، لكن ليس كل ما فيه مالية متقومًا، وذلك إذا لم يكن المال محترمًا شرعًا، فما لا يحترمه الشارع ويعتبره فلا قيمة له.
(1) مجلة الأحكام العدلية: مادة 127، الطبعة الخامسة 1388 هـ = 1986م.
المال والاسم التجاري:
وإذا علم هذا فإن الاسم التجاري عند التحقيق هو مال على مفهوم الجمهور ومتأخري الحنفية. فمن حيث اشتراط النفع في المال، فإن الاسم التجاري يتضمن نفعًا ومصلحته خاصة لمالكه – ومصلحة عامة لأفراد المجتمع. وهو وإن كان حقًا معنويًّا إلا أن فائدته الخاصة مادية، وكذا العامة أيضًا.
ومن جانب آخر فإن المالك يمكنه التصرف فيه ما دام مالًا ونفعًا، والحيازة لا يشترط لتحققها أن يكون محلها ماديًا. والاسم التجاري وإن لم يمكن استيفاؤه بذاته لأنه لا يدرك بالحس إلا أن أثره ومنفعته وقيمته يمكن إدراكها وإنما تستوفى المنافع بملك الأعيان.
ومن حيث اشتراط القيمة، فإن الاسم التجاري قد تعارف الناس على أنه له قيمة يعتاض عنها بما يقابلها من نقد، فيمكن تقويمه كما تقوم الأعيان. ولو اعتدى عليه أجنبي بالتزييف والتقليد فإنه يعرض نفسه للمساءلة والضمان.
ومن جانب آخر إذا اعتبرنا الحقوق أموالًا – كما رأينا تصريح المالكية في ذلك – سواء أكانت مالية أم غير مالية فلا تردد في اعتبار الاسم التجاري مالًا، لأنه حق مالي متقرر كما سبق البيان، فيجري فيه الملك، وكل ما يجري فيه الملك هو مال ما لم يكن من الحقوق التي لا تقبل التجزيء كولاية النكاح والوظيفة وحق الحضانة وحق التطليق (1) .وسيأتي لذلك مزيد بيان عند الكلام على التكييف الشرعي للاسم التجاري.
(1) حاشية الدسوقي: 4/407.
الفصل السادس
المنفعة
المبحث الأول
تعريف وأدلة اعتبارها مالًا أو عدم اعتبارها
تعريف المنفعة:
هي في اللغة اسم ما انتفع به، يقال: نفعه بكذا فانتفع به (1) .
وفي الاصطلاح: كل ما يقوم بالأعيان من أعراض، وما ينتج عنها من غلة كسكن الدار وأجرتها وثمرة البستان ولبن الدابة (2) .
وملك المنفعة قد يكون بملك العين، وقد يكون ملك المنفعة دون العين، كالإجارة والإعارة والوصية بالمنفعة والوقف، وقد يكون الملك للانتفاع لا للمنفعة – على ما سيأتي بيانه عند الكلام على "الملك" ولقد انبنى على خلاف الفقهاء في معنى المال وتعريفه الخلاف في المنفعة من حيث: حقيقتها وما إذا كانت تندرج تحت مسمى المال، فتملك كما يملك المال، ويجري عليها ما يجري عليه من التصرفات. وإن الوقوف على حقيقة المنفعة والخلاف فيها بين الفقهاء، يخدم موضوع الاسم التجاري، بل هو صلب موضوعه، كما سيتبين:
ملك المنفعة وحق الانتفاع:
قد يظن أن ملك المنفعة وحق الانتفاع شيء واحد، وهما مختلفان. فجمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة يفرقون بينهما: قال القرافي: تمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل، فيباشر بنفسه، ويُمكََّنُ غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالعارية.
ومثَّل لملك الانتفاع بسكن المدارس والرباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ونحو ذلك، فله أن ينتفع بنفسه فقط، ولو حاول أن يؤاجر بيت المدرسة أو يسكن غيره، أو يعارض عليه بطريق من طرق المعاوضات امتنع ذلك.
ومثَّل لملك المنفعة بمن استأجر دارًا أو استعارها، فله أن يؤاجرها من غيره أو يسكنه بغير عوض، ويتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم على جَرْي العادة على الوجه الذي ملكه، فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما تناوله عقد الإجارة، أو شهدت به العادة في العارية. ثم قال:"ويكون تمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب"(3)، وبمثل هذه التفرقة قال العدوي المالكي:
"مالك الانتفاع ينتفع بنفسه، ولا يؤجَّر ولا يهب ولا يعير، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه"(4) .
(1) لسان العرب، لابن منظور، مادة: نفع.
(2)
الميراث والوصية، للشيخ محمد زكريا البرديسي: ص 117، طبع الدار القومية للطباعة والنشر 1383 هـ - 1964م بمصر.
(3)
الفروق، للإمام شهاب الدين القرافي: 1/232، الطبعة الأولى دار إحياء الكتب العربية 1346 هـ بمصر، والأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص 143.
(4)
حاشية العدوي على الخرشي: 7/79، وللفرق بينهما إشارة في حاشية عميرة: 3/18، 92.
ويفهم من كلام الفقهاء هذا التفرقة بين المنفعة والانتفاع من حيث المنشأ والمفهوم والآثار، وخلاصة ما قيل في الفرق بينهما وجهان:
الأول: أن سبب حق الانتفاع أعم من سبب ملك المنفعة، لأنه كما يثبت ببعض العقود كالإجارة والإعارة مثلًا، كذلك يثبت بالإباحة الأصلية كالانتفاع من الطرف العاقد والمساجد ومواقع النسك، ويثبت أيضًا بالإذن من مالك خاص، كما لو أباح شخص لآخر أكل طعام مملوك له، أو استعمال بعض ما يملك.
أما المنفعة فلا تملك إلا بأسباب خاصة، هي: الإجارة والإعارة والوصية بالمنفعة والوقف. وعلى ذلك، فكل من يملك المنفعة يسوغ له الانتفاع، ولا عكس، فليس كل من له الانتفاع يملك المنفعة، كما في الإباحة مثلًا.
الثاني: أن الانتفاع المحض حق ضعيف بالنسبة لملك المنفعة، لأن صاحب المنفعة يملكها ويتصرف فيها تصرف الملاك في الحدود الشرعية، بخلاف حق الانتفاع المجرد، لأن رخصته لا يتجاوز شخص المنتفع (1) .
وعلى هذا فإن ملك المنفعة أعم وأقوى من حق الانتفاع، فمن ملك شيئًا تصرف فيه لخاصته نفسه، أو تصرف فيه لغيره بأي صورة من صور التصرف، ومن له حق الانتفاع لا يحق له التصرف فيه لغيره.
أما الحنفية فلا تظهر لهم تفرقة بين المنفعة وحق الانتفاع.
(1) الموسوعة الفقهية: 6/299، مصطلح "انتفاع" مطبعة الموسوعة الفقهية 1405 هـ - 1985م دولة الكويت.
أدلة الجمهور في اعتبار المنفعة مالًا:
استدل الجمهور على مذهبهم في اعتبار المنفعة مالًا بأدلة:
الأول – أن المنافع كالأعيان:
قاس الجمهور المنافع على الأعيان بجامع أن كُلًّا منهما مال، فيجب الضمان كما في الغصب والإتلاف.
وبيان ذلك: "أن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به مما هو عندنا، والمنافع منا أو من غيرنا بهذه الصفة، وإنما تعرف مالية الشيء بالتمول، والناس يعتادون تمول المنفعة بالتجارة فيها، فإن أعظم الناس تجارة الباعة، ورأس مالهم المنفعة، ومنه يتبين أن المنافع في المالية مثل الأعيان"(1) .
وقال المالكية: "المنافع متمولة يعاوض عليها"(2) ، " والقياس أن تجري المنافع والأعيان مجرى واحدًا"(3) .
ومن جانب آخر فإن المنفعة تصلح أن تكون صداقًا، وهذا دليل اعتبارها مالًا؛ لأن صحة الصداق أن يكون المسمى مالًا. ويجوز أخذ العوض عنها في الإجارة، وكذا منافع الحر مال يضمن بالإتلاف إلا أنه إذا حبس حرًا مجرد الحبس لا يضمن منافعه، لأنه لم يوجد من الحابس إتلاف منافعه، ولا إثبات يده عليه، بل منافع المحبوس في يده (4) .
ويتبين أيضًا مثلية المنافع للأعيان بجامع المالية في كل في العقد الفاسد لأن الضمان بالعقد الفاسد يتقدر بالمثل شرعًا كما بالإتلاف، وهذا بخلاف رائحة المسك، فإن من اشتم مسك غيره لا يضمن شيئًا؛ لأن الرائحة ليست بمنفعة، ولكنها بخار يفوح من العين كدخان الحطب، ولهذا لا يملك بعقد الإجارة، حتى لو استأجر مسكًا ليشمه لا يجوز، ولا يضمن بالعقد أيضًا صحيحًا كان أو فاسدًا (5) .
(1) نهاية المحتاج: 5/169؛ والمبسوط: 11/78؛ والبدائع: 7/146، وقد استدل السرخسي لمذهب الشافعية وهو مذهب الجمهور بأدلة وتفصيل لم نعثر على مثله في كتب الشافعية.
(2)
حاشية الدسوقي: 3/442.
(3)
بداية المجتهد، للإمام محمد بن أحمد رشد القرطبي: 2/322، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى الحلبي 1370 هـ - 1950م بمصر.
(4)
نهاية المحتاج: 5/169؛ والمبسوط: 11/78؛ والبدائع: 7/146.
(5)
المبسوط: 11/79، وقد رد السرخسي على هذا بتفصيل في الموضوع المذكور فليراجع.
الثانى – أن المنفعة متقومة:
قال الجمهور: إن المنفعة متقومة، وكل متقوم فهو مضمون بقيمته، بل إن المنفعة تقوَّم بها الأعيان، "فيستحيل أن لا تكون متقومة بنفسها، ولأنها تملك بالعقد، ويضمن به صحيحًا كان العقد أو فاسدًا، وإنما يملك بالعقد ما هو متقوم، فيضمن بالإتلاف وإن لم يكن مالًا كالنفوس والأبضاع "(1) .
الثالث: أن الطبع يمثل إليها، ويسعى في ابتغائها وطلبها، وتنفق في سبيلها الأموال، ويقدم في سبيلها نفيس الأشياء ورخيصها.
وأن المصلحة في التحقيق تقوم بمنافع الأشياء لا بذواتها، فالذوات لا تصير أموالًا إلا بمنافعها، فلا تقدم إلا بمقدار ما فيها من منفعة، إذ كل شيء لا منفعة فيه لا يكون مالًا.
الرابع: أن العرف العام في الأسواق والمعاملات المالية يجعل المنافع غرضًا ماليًا ومتجرًا يتجر فيه.
الخامس: أن الشارع اعتبر المنافع أموالًا، لأنه أجاز أن تكون مهرًا في الزواج، ولا يكون مهرًا في الزواج إلا المال، قال تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} .
السادس: أن العقد قد ورد على المنافع فتكون مضمونة به حينئذ سواء أكان العقد صحيحًا أم فاسدًا، وضمانها دليل على أنها تكون مالًا بالعقد عليها. ولو لم تكن أموالًا في ذاتها ما قبلها العقد مالًا، لأن العقود لا تقلب حقائق الأشياء، بل تقرر خواصها (2) .
(1) المبسوط: 11/78.
(2)
الأدلة من الثالث حتى السادس مختصرة من الملكية، ونظرية العقد، للشيخ محمد أبو زهرة: ص 57.
أدلة الحنفية:
وقد استدل الحنفية لمذهبهم بأدلة عديدة، سنذكر أهمها مع مناقشتنا لما يمكن أن يتوجه للدليل من إيراد:
أولًا – أن المنفعة ليست مالًا متقومًا:
قال الحنفية: إن المنفعة ليست بمال متقوم، لذا لا تضمن بالإتلاف كالخمر والميتة، وبيان ذلك: أن صفة المالية للشيء إنما تثبت بالتمول والتمول صيانة الشيء وادِّخاره لوقت الحاجة، والمنافع لا تبقى وقتين، ولكنها أعراض كما تخرج من حيز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى، فلا يتصور فيها التمول، وعلل لذلك، بأن المتقوم لا يسبق الوجود فإن المعدوم لا يوصف بأنه متقوم، إذ المعدوم ليس بشيء.
وبعد الوجود التقوم لا يسبق الإحراز، والإحراز بعد الوجود لا يتحقق فيما لا يبقى وقتين، فكيف يكون متقومًا. وعلى هذا قالوا:"الإتلاف لا يتصور في المنفعة"(1) .
وقال صدر الشريعة: " لا تضمن المنافع بالمال المتقوم، لأنها غير متقومة، إذ لا تقوم بلا إحراز، ولا إحراز بلا بقاء، ولا بقاء للأعراض"(2) .
وقد يرد على كلام السرخسي وصدر الشريعة: بأن المنفعة متمول، ودليل تمولها اعتياد الناس واعتبارهم لها في تجاراتهم ومعايشهم.
والمنفعة باقية ما بقيت العين، وتجددها مستمر لبقاء العين، وأيضًا فإن الإتلاف متصور في المنافع، وقد أقر بذلك الحنفية أنفسهم في قولهم:"إن إتلاف المنافع لا يضمن ما لم يكن بعقد أو شبهة عقد"(3) . وعدم ضمانها عندهم لا لعدم تصورها وإنما لإهمالها، وكلامهم في فروع المسألة دليل على اعتبار وجودها.
(1) المبسوط: 11/79؛ والبدائع: 7/146.
(2)
التنقيح وشروحه: 2/98.
(3)
المبسوط: 11/79؛ والبدائع: 7/146.
ثانيًا – أن المنفعة لا تماثل العين:
قال السرخسي: "لئن سلمنا أن المنفعة مال متقوم، فهو دون الأعيان في المالية، وضمان العدوان مقدر بالمثل بالنص. ألا ترى أن المال لا يضمن بالنسبة والدين لا يضمن بالعين؛ لأنه فوقه فكذلك المنفعة لا تضمن بالعين؟
ثم فصل دليله فقال: إن المنفعة عرض يقوم بالعين، والعين جوهر يقوم به العرض، ولا يخفى على أحد التفاوت بينهما، والمنافع لا تبقى وقتين والعين تبقى أوقاتًا وبين ما يبقى وما لا يبقى تفاوت عظيم، والعين لا تضمن بالمنفعة قط، ومن ضرورة كون الشيء مثلًا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلًا له أيضًا، والمنفعة لا تضمن بالمنفعة عند الإتلاف، والمماثلة بين المنفعة والمنفعة أظهر من المماثلة بين العين والمنفعة. وبهذا فارق ضمان العقد فإنه غير مبنى على المماثلة باعتبار الأصل. بل على المراضاة وكيف ينبني على المماثلة والمقصود بالعقد طلب الربح (1) .
وقد يرد على السرخسي بأنه لا يلزم من كون المنفعة دون الأعيان وأنها ليست مثلًا لها، وأنها عرض من أن تكون مالًا ومتقومة، ثم إنَّ محل النزاع ليس في مماثلتها للأعيان أو عدمه، وإنما هو في ماليتها وتقومها.
وأيضًا لا يسلم للسرخسي أن المنافع دون الأعيان مطلقًا، إذ الأعيان تقوّم بالمنفعة، وإنما يتوصل بالأعيان إلى المنافع، فالمقصود منافع الأعيان لا ذاتها.
ثم أراد أن يرتب الظلم عند عدم إسقاط التفاوت بين العين والمنفعة.
ففال السرخسي في معرض الكلام على الغصب: "ضمان العقد مشروع وفي المشروع يعتبر الوسع والإمكان، ولهذا يجب الضمان باعتبار التراضي فاسدًا كان العقد أو جائزًا فيسقط اعتبار التفاوت الذي ليس فيوسعنا الاحتزار عنه في ضمان العقد. فأما الإتلاف فمحظور غير مشروع وضمانه مقدر بالمثل بالنص فلا يجوز إيجاب الزيادة على قدر المتلف بسبب الإتلاف (2) .
ويتبادر إلى الذهن اعتراض على كلام السرخسي هذا، وقد ذكر السرخسي نفسه. فإن قيل يسقط اعتبار هذا التفاوت لدفع الظلم والزجر عن إتلاف منافع أموال الناس ولأن المتلف عليه مظلوم يسقط حقه إذا اعتبر هذا التفاوت، ومراعاة جانب المظلوم أولى من مراعاة جانب الظالم. مع أن هذا التفاوت بزيادة وصف لو لم نعتبره سقط به حق المتلف عن الصفة ولو اعتبرناه أسقطنا حق المتلف عليه عن أصل المالية وإذا لم يكن بد من إهدار أحدهما فإهدار الصفة أولى من إهدار الأصل (3) .
(1) المبسوط: 11/8.
(2)
المبسوط: 11/78.
(3)
المبسوط: 11/78.
ثم رد السرخسي على هذا الإيراد – ولم يوفق في رأينا في هذا الرد – حين قال: قد أوجبنا للزجر التعزيز والحبس، فأما وجوب الضمان للجبران فيتقدر بالمثل على وجه لا يجوز الزيادة عليه. والظالم لا يظلم بل ينتصف منه مع قيام حرمة مال، ولو أوجبنا عليه زيادة على ما أتلف كان ذلك ظلمًا مضافًا إلى الشرع، لأن الموجب هو الشرع وذلك لا يجوز، وإذا لم يوجب الضمان لتعذُّر إيجاب المثل كان ذلك لضرورة ثابتة في حقنا وهو أنا لا نقدر على القضاء بالمثل وذلك مستقيم مع أن حق المظلوم لا يهدر بل يتأخر إلى الآخرة. ولو أوجبنا الزيادة صارت تلك الزيادة هدرًا في حق المتلف فيبطل حقه عنه أصلًا فكان ما قلناه من اعتبار المماثلة والكف عن القضاء بالضمان بدون اعتبار المماثلة أعدل من هذا الوجه (1) .
وقد يرد على كلام السرخسي: بأنه لا يكفي في تحقيق العدل الزجر والعزيز مادام الغاصب قد استفاد يقينًا بغير وجه حق من منفعة مملوكة للغير ويمكن تقديرها بمال، فيؤخذ منه بقدر ما أخذ، ثم إنَّ ما يؤخذ منه ليس انتهاكًا لحرمة ماله، إذ لم يؤخذ منه زيادة على ما أخذ، وليس في هذا ظلم على الغاصب، بل خلافه هو ظلم على المالك لا ينبغي نسبته إلى الشرع، وما دام القضاء بأجر المثل أو غيره، مقدورًا غير معسور فإنه لا يسقط حفظًا للحقوق.
(1) المبسوط: 11/78.
ثالثًا – أن المنفعة قبل كسبها معدومة والمعدوم ليس مالًا:
قال السرخسي: "إن الإتلاف لا يحل المعدوم، وبعد الوجود لا يبقى لحله فعل الإتلاف"، فكأنه يرى أن المنفعة معدومة غير موجودة فلا يمكن أن يوجد السبب، ولذا قال:"وإثبات الحكم بدون تحقيق السبب لا يجوز"(1) .
ولما كان الحنفية قد اشترطوا لجواز المنفعة أن تكون بعقد، وهذا في حد ذاته استشكال وجيه على رأيهم. قال السرخسي محاولًا رفع هذا الإشكال:"بالعقد يثبت للمنفعة حكم الإحراز والتقوم شرعًا، بخلاف القياس، وكان ذلك باعتبار إقامة العين المنتفع به مقام المنفعة لأجل الضرورة والحاجة، ولا تتحقق مثل هذه الحاجة في العدوان فتبقى الحقيقة معتبرة، وباعتبارها ينعدم التقوم والإتلاف "(2) .
وقد يقال للحنفية أنكم قلتم بخلاف ذلك في الصداق واستئجار الولي، فاعتبرتموه ولا عدوان فيه.
وقد رد السرخسي هذا بقوله: "في الصداق واستئجار الولي إما يظهر حكم الإحراز والتقوم بالعقد للحاجة، والمال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز "(3) .
وقد يقال له: إننا لا نسلم أن المال معتبر بالتمويل والإحراز فحسب بل هو أعم ليشمل ما يمكن إحرازه كالمنفعة.
(1) المبسوط: 11/78.
(2)
المبسوط: 11/78.
(3)
المبسوط: 11/78.
المبحث الثاني
غصب المنفعة
مذهب الجمهور:
ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة – تبعًا لرأيهم في اعتبار المنفعة مالًا – إلى أن غصب المنافع يوجب الضمان على الغاصب سواء استعمل المغصوب، أو منع استعماله، أو أتلفه أو أتلف المنفعة على تفصيل يظهر من استعراض مذاهبهم:
* ذهب المالكية: إلى أن الغاصب يضمن الشيء المغصوب بمجرد الاستيلاء.
قال عبد السميع الآبي: (وضمن الغاصب الشيء بمجرد الاستيلاء عليه وحوزه، ولو تلف بسماوي، أو جناية غيره)(1) .
وبناءً على هذا الضمان فإن منافع المغصوب المستعمل تكون ملكًا للمالك.
قال في الجواهر: " (وللمالك غلة مغصوب مستعمل من رقيق ودابة ودار وغيرها، سواء استعمله الغاصب أو أكراه على المشهور)(2) .
فإن كان المستفيد من المنفعة غير الغاصب، فإن المالك مخير بأخذ قيمة المنفعة من أيهما شاء، قال في المواهب:(من غصب منفعة دار أو استأجر منه رجل تلك المنفعة، فلربها أخذ المنفعة من الغاصب أو من المستأجر، عالمًا كان أو جاهلًا، كما لو غصب طعامًا وباعه واستهلكه المشتري، فلرب الطعام أن يضمن من شاء منهما) .
لكن عند المالكية لو قصد الغاصب باستيلائه على الشيء استيفاء المنفعة لا تمَلُّكَ الذات، فتلف الذات المستوفى منها منفعتها فلا يضمن المعتدي وعلى ذلك "فمن سكن دارًا غاصبًا للسكن فانهدمت من غير فعله فلا يضمن إلا قيمة السكن، إلا أن تنهدم من فعله"(3) .
* ومذهب الشافعية: ضمان منفعة الدار والعبد ونحوههما من كل منفعة يستأجر عليها بالتفويت بالاستعمال، والتفويت عندهم يكون بضياع المنفعة من غير انتفاع، كإغلاق الدار في يد عادية. لمن كان من أهل الضمان.
قالوا: إن غصب منفعة تستباح بالإجارة، فأقام في يده مدة لمثلها أجر ضمن الأجرة.
أما غصب منفعة البضع فإنها لا تضمن عندهم إلا بتفويت الوطء لا فواته.
فيضمن حينئذ بمهر المثل – على تفصيل في ذلك – وعلة عدم الضمان بالفوات هو انتفاء ثبوت اليد على البضع. ومثل هذا في الأصح من مذهبهم: منفعة بدن الحر فإنها لا تضمن إلا بالتفويت دون الفوات، تبعًا لقاعدة: أن الحر لا يدخل تحت اليد (4) .
(1) جواهر الإكليل، شرح مختصر خليل، للإمام صالح عبد السميع الآبي: 2/148، الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي 1366 هـ - 1947م بمصر.
(2)
جواهر الإكليل، شرح مختصر خليل، للإمام صالح عبد السميع الآبي: 2/148، الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي 1366 هـ - 1947م بمصر. ومواهب الجليل: 5/274. وقد ذهب ابن القاسم إلى التفريق بين ضمان منافع الدور والأرضين وبين منافع الحيوان. مع اتفاق المالكية جميعًا على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة. انظر: مواهب الجليل: 5/285.
(3)
جواهر الإكليل: 2/151
(4)
نهاية المحتاج: 5/169؛ والمجموع شرح المهذب، للإمام أبي زكريا النووي: 14/59. بتصرف يسير – مطبعة الإمام بمصر.
* ومذهب الحنابلة: الغاصب أجرة المغصوب مدة بقائه بيده إذا كانت للشيء المغصوب منفعة تصح إجارتها، ويوجبون حينئذ أجرة المثل مدة مقامة في يده، سواء استوفى المنافع أو ترك
+ها تذهب.
فإن تلف المغصوب ضمنه الغاصب، أو من تلف بيده المثلي بمثله، فإن أعوز المثل فقيمة مثله يوم إعوازه (1) . "وما ليس بمال لا يغصب كغصب الحر، فلا يضمن بالغصب، وإنما يضمن بالإتلاف. فإن استعمل حرًا مكرهًا لزمه أجر مثله، وإن حبسه مدة لمثلها أجر ففي وجوب أجرها قولان، ولو منعه العمل من غير حبس لم يضمن منافعه"(2) .
وقال المرداوي: "وإن كان للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامة في يده، يعني إذا كانت تصح إجارته، ثم قال: منافع المقبوض بالعقد الفاسد كمنافع المغصوب تضمن بالفوات والتفويت"(3) .
وأما عند الحنفية، فقالوا في ضمان منافع المغصوب:"ومنافع الغصب غير مضمونة استوفاها أو عطلها، أو استغل" وعللوا لذلك – بما سبقت الإشارة – بعدم ورود الغصب عليها، ولأن لا مماثلة بينها وبين الأعيان، وهي لا تبقى زمانين، ولأنها غير متقومة (4) .
والمتأخرون فرقوا بين المعد للاستغلال ومال اليتيم والوقف وبين غيرها فأوجبوا الضمان فيها دون سواها.
وفيما يلي تفصيل رأيهم: قال السرخسي: لو غصب عبدًا أو دابة فآجره وأصاب من غلته، فالغلة للغاصب، لأن وجوبها بعقده؛ ولأن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد، والعاقد هو الغاصب، فإذا هو الذي جعل منافع العبد بعقده مالًا فكان بدله له.
وقد يقال هنا: ولم لا يكون لصاحب العبد؟ فيجاب بأنه كان في ضمان غيره.
قال السرخسي: وفي هذا إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ((الخراج بالضمان)) (5) .
فحين كان في ضمان الغاصب فهو الذي التزم تسليمه بالعقد دون المالك فكان الأجر له دون المالك، ويؤمر أن يتصدق بها لأنها حصلت له بكسب خبيث (6) .
(1) نيل المآرب: 1/446.
(2)
المغني: 5/448.
(3)
الإنصاف في الراجح من الخلاف: 6/201.
(4)
الاختيار لتعليل المختار، للعلامة عبد الله بن محمود الموصلي: 2/3، الطبعة الثالثة 1395 هـ - 1975م بمصر.
(5)
الخراج: ما يحصل من غلة العين المبتاعة. والحديث أدرجه أبو داود، انظر: عون المعبود، شرح سنن أبي داود، للحافظ ابن قيم الجوزية: 9/415، باب رقم 38، الطبعة الثانية 1388 هـ - 1969 م المدينة المنورة. وأخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وابن القطان، وضعفه البخاري وأبو داود. انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامعة الترمذي، للحافظ محمد المباركفوري: 4/507. الطبعة الثانية دار الاتحاد العربي للطباعة 1385 هـ - 1965 م بمصر، وانظر أيضًا: النسائي، كتاب البيوع، باب رقم 53، وابن ماجه كتاب التجارات، رقم 43؛ ومسند أحمد: 6/49، 208، 237.
(6)
المبسوط: 11/77.
وينبني على عدم اعتبار المنافع أموالًا عند الحنفية أنه ليس على الغاصب في سكنى الدار وركوب الدابة أجر. وعللوا لذلك:
بأن الغاصب كان ضامنًا، ومعنى هذا أن ضمان العين باعتبار صفة المالية والتقوم، والمالية والتقوم في العين باعتبار منافعه، ولهذا تختلف قيمة العين باختلاف منفعته، فإذا اعتبرت المنفعة لإيجاب ضمان العين لا يمكن اعتبارها لإيجاب ضمانها مقصودًا. وقد قاس الحنفية ههنا المنفعة على الكسب، وينطبق على الكسب عندهم حكم حديث ((الخراج بالضمان)) فكذلك المنفعة.
لكن هذا مما لا يقول به أبو حنفية وأبو يوسف، "فإن الساكن غير ضامن للدار عندهما"(1) .
ولا يخفى أن صدر الاحتجاج والتعليل الذي ذكره السرخسي يمكن أن يكون حجة على مسلك الحنفية في المنفعة لا لهم، ولعل ذلك دعا السرخسي للقول:" والأصح بناء هذه المسألة على الأصل المتقدم ويعني به قوله: إن المنافع زوائد تحدث في العين شيئًا فشيئًا، وزوائد المغصوب لا يكون مضمونًا على الغاصب، فكذلك المنفعة"(2) .
وأما اعتبار العلة في الخراج، هي الضمان وهو فهم الإمام أبي حنيفة من الحديث لذا قال:"إن الغاصب لا يضمن منافع المغصوب".
فقد ناقش السيوطي هذا الاحتجاج: فقال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بذلك في ضمان الملك، وجعل الخراج لمن هو مالكه إذا تلف تلف على ملكه، وهو المشتري، والغاصب لا يملك المغصوب)) (3) .
وقال السيوطي أيضًا: "بأن الخراج، هو المنافع، جعلها لمن عليه الضمان، ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المغصوب. بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه، فلا يتناول موضوع الخلاف"(4) .
وعلل الكاساني لعدم الضمان في غصب العبد أو الدابة بأنه "لم يوجد تفويت يد المالك عن المنافع؛ لأنها أعراض تحدث شيئًا فشيئًا على حسب حدوث الزمان، فالمنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في يد المالك فلم يوجد تفويت يد المالك عنها، فلم يوجد الغصب "(5) .
ولكن يشكل على رأي الحنفية هذا ما ينبغي أن يتخرج على أصلهم، فيما إذا غصب دارًا أو عقارًا فانهدم شيء من البناء، فإنه لا ضمان عليه؛ لأن الغصب لا يتم إلا بالنقل والتحويل، فإن كان مما لا ينقل كالدور والعقار لم يصح غصبه، ولم يضمن، استدلالًا: بأن غير المنقول مختص بالمنع دون التصرف، فصار كحبس الإنسان عن ملكه، لا يكون موجبًا لغصب ماله، ولأن المسروق لا يكون مسروقًا إلا بالنقل عن الحرز فكذا المغصوب (6) . جاء في الدُّرِ وشرحه قوله:"والغصب إنما يتحقق فيما ينتقل، فلو أخذ عقارًا وهلك في يده بآفة سماوية لم يضمن"(7) .
(1) المبسوط: 11/78.
(2)
المبسوط: 11/78.
(3)
الأشباه والنظائر: ص 136.
(4)
الأشباه والنظائر: ص 136
(5)
البدائع: 7/145.
(6)
المجموع: 14/64.
(7)
الدر المختار، شرح تنوير الأبصار على هامش حاشية ابن عابدين: 5/118.
وقد اختلف رأي الحنفية في ذلك، قال السرخسي: لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة، وأبى يوسف الآخر، وعند محمد وفي قول أبي يوسف الأول يضمن، وهو قول الشافعي، أما الشافعي فقد سار على أصله في تحديد الغصب بأنه إثبات اليد على مال الغير بغير إذن مالكه، وهذا يوجد في العقار كما يوجد في المنقول، وأما محمد فقد سار على أصله في حد الغصب: أنه إزالة يد المالك عن ماله، والفعل في المال ليس بشرط، وقد وجد تفويت يد المالك عن العقار، لأن ذلك عبارة عن إخراج المال من أن يكون منتفعًا به في حق المالك، أو إعجاز المالك عن الانتفاع به، وهذا كما يوجد في المنقول يوجد في العقار، فيتحقق الغصب
…
وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فسارا على أصلهما: أن الغصب إزالة يد المالك عن ماله بفعل في المال، ولو يوجد في العقار.
والدليل على أن هذا شرط تحقيق الغصب الاستدلال بضمان الغصب، فإن أَخْذَ الضمان من الغاصب تفويت يده عنه بفعل في الضمان، فيستدعي وجود مثله منه في المغصوب، ليكون اعتداء بالمثل وعلى أنهما إن سلَّما تحقق الغصب في العقار، فالأصل في الغصب أن لا يكون سببًا لوجوب الضمان، لأن أخذ الضمان من الغاصب ماله عليه (1) .
لكن العقار يضمن عندهم في الأصح في حالات ثلاث في البيع والتسليم والحجور. قال في الدر المختار وشرحه: "والأصح أن العقار يضمن بالبيع والتسليم وكذلك بالحجور إذا كان العقار وديعة"(2) .
واستثنى الحنفية من قاعدتهم في الغصب ثلاثة أمور؛ فقالوا بوجوب الضمان فيها ويكون بأجر المثل، وهذا اختيار المتأخرين منهم وهذه الثلاثة هي:
أولًا: إذا كان المغصوب وقفًا للسكن أو للاستغلال أو لغيرهما كالمسجد.
ثانيًا: إذا كان المغصوب مال يتيم.
قال في البزازية: "والفتوى في غصب دور الوقف وعقاره على الضمان كما في منافعه، وكذا اليتيم، والإمام ظهير الدين أفتى بأجر المثل في الوقف لا في اليتيم، ومن المشايخ من قال: إذا كان ضمانُ النقصان خيرًا لليتيم من أجر المثل يلزم على الغاصب، وإلا أجرَ المثل"(3) .
وقال ابن عابدين في شأن اليتيم: "لا تردد في مال اليتيم، لأن منافعه تضمن بالغصب"(4) .
ثالثًا: "إذا كان البناء معدًا للاستغلال بأن بناه صاحبه لذلك أو اشتراه لذلك. ويشترط عندهم علم المستعمل بكونه معدًا حتى يجب الأجر، وأن لا يكون المستعمل مشهورًا بالغصب "(5) .
(1) انظر تفصيله في البدائع: 7/146، 147.
(2)
الدار المختار وشرحه: 5/119.
(3)
الفتاوى البزازية، للإمام محمد بن محمد البزاز بهامش كتاب الفتاوى الهندية: 5/403، الطبعة الثانية الأميرية 1310 هـ بمصر، وحاشية ابن عابدين: 6/206.
(4)
حاشية ابن عابدين: 5/118.
(5)
حاشية ابن عابدين: 5/118.131، 132، بتصرف.1
مبنى الخلاف بين الجمهور والحنفية:
إن مبنى الخلاف في غصب المنفعة يرجع عند التحقيق إلى الخلاف في مفهوم المنفعة. وفي مفهوم الغصب، والثاني هو الذي يعنينا بيانه ههنا.
* فالجمهور يرون أن الغصب هو: "الاستيلاء على حق الغير عدوانًا"، وكما قال الماوردي: هو منع الإنسان من ملكه والتصرف فيه بغير استحقاق فيكمل الغصب بالمنع والتصرف، فإن منع ولم يتصرف كان تعديًّا، وتعلق به ضمان، لأنه تعدٍّ على المالك دون الملك، وإن تصرف ولم يمنع كان تعديًّا، وتعلق به ضمان، لأنه تعد على الملك دون المالك، فإذا جمع بين المنع والتصرف تم الغصب، ولزم الضمان سواء نقل المغصوب عن محله أم لا (1) .
* وعند الحنفية هو: "أخذ مال متقوم محتوم من يد مالكه بلا إذنه لا خفية"(2) . فلا يتم الغصب عند أبي حنيفة إلا بالنقل والتحويل – كما سبقت الإشارة – فإن كان مما لا ينتقل كالدور والعقار لم يصح غصبه، ولم يضمن، وكذا المنفعة ليست مالًا متقومًا حتى يمكن نقلها.
ويفهم من قيد الحنفية في تعريف الغصب في قولهم: "من يد مالكه بلا إذنه". "أن إزالة يد المالك معتبرة في الغصب، وتبعًا لتعريف الشافعية إزالة يد العدوان".
"وعلى هذا فإن ثمرة الخلاف تظهر في زوائد المغصوب كولد المغصوبة وثمرة البستان فإنها ليست بمضمونة عند الحنفية لعدم إزالة اليد، وعند الشافعية مضمونة لإثبات اليد، فالمعتبر في الغصب عند الحنفية إزالة اليد المحقة وإثبات اليد المبطلة، وعند الشافعية المعتبر إثبات اليد المبطلة"(3) .
وعلى هذا فإن مفهوم الغصب أعم وأشمل عند الجمهور عنه عند الحنفية، ومقتضى تعريف الجمهور شموله"سائر الحقوق والاختصاصات"(4) ، والمنفعة عند الجمهور مال لا يجوز الاعتداء عليه فبغصبها يتقرر الضمان.
(1) نهاية المحتاج: 5/142؛ وحاشية الدسوقي: 3/442؛ وجواهر الإكليل: 2/148؛ ومواهب الجليل: 5/274؛ والمغني: 5/374.
(2)
درر الحكام في شرح غرر الأحكام، للإمام محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو: 2/262، طبع نور عثمانية 1970م استانبول.
(3)
درر الحكام: 2/262.
(4)
نهاية المحتاج: 5/142.
المبحث الثالث
المال والمنفعة
الجمهور والحنفية: يعلم من تعاريف الجمهور السابقة للمال أنه يشمل الأعيان والمنافع والحقوق، والمالكية اعتبروا كل ما يمكن أن يجري فيه الملك مالًا يستوي في ذلك الأعيان والمنافع والحقوق التي تقبل التجزيء – كما سبق الإشارة -.
والشافعية والحنابلة يوافقون في هذا الشمول، ويوافقونهم جملة فيما ينبني عليه من فروع.
وإنما اعتبر الجمهور المنافع أعيانًا، لأنهم لم يشترطوا في المال أن يكون محازًا بذاته بل يكفي إمكان حيازته، وحيازة المنافع إنما يكون بحيازة أصولها، إذ الأعيان مقصودة لمنافعها.
وأما الحنفية فيعلم من تعاريفهم للمال أن المنفعة ليست مالًا؛ لأنهم اشترطوا في المال أن يكون موجودًا ممكن الادخار، فتخرج المنفعة حينئذ من مسمى المال فهي ملك لا مال كما صرح ابن عابدين نقلًا عن صاحب التلويح، قال:"والتحقيق أن المنفعة ملك لا مال؛ لأن الملك ما من شأنه أن يُتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال ما من شأنه أن يُدخر للانتفاع وقت الحاجة"(1) .
(1) حاشية ابن عابدين: ص 51، 205.
المبحث الرابع
أسباب ملك والمنفعة
يستفاد ملك المنفعة بأسباب أربعة: الوصية والإجارة والإعارة والوقف.
أولًا – الوصية:
اتفق الفقهاء الأربعة على جواز الوصية بالمنافع، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة والظاهرية ببطلان الوصية بالمنافع.
قال ابن رشد: "اختلفوا في المنافع، فقال جمهور فقهاء الأمصار: ذلك جائز ". وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأهل الظاهر: الوصية بالمنافع باطلة، ثم ذكر مبنى الخلاف في أن عمدة الجمهور: أن المنافع في معنى الأمول، وإن لم تكن مالًا عند الحنفية إلا أنه يجوز تمليك المنفعة في حال الحياة بطريق الإجارة والإعارة فيكون جائزًا الوصية بها.
وعمدة الطائفة الثانية: أن المنافع منتقلة إلى ملك الوارث؛ لأن الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره، فالمنافع معدومة ولا تصح الوصية بمعدوم، وإلى هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد البر " (1) .
مذاهب الفقهاء:
ذهب الحنفية إلى جواز الوصية بالمنفعة، وتنتهي بموت الموصى له، ثم تنتقل إلى ورثة الموصي، وقد بنى الحنفية رأيهم في المنفعة ههنا على أصلهم من أن ملك المنفعة ثبت مؤقتًا لا مطلقًا، وعليه فصلوا: فإن كانت الوصية مؤقتة إلى مدة تنتهي بانتهاء المدة، ويعود ملك المنفعة إلى الموصى له بالرقبة إن كان قد أوصى بالرقبة إلى إنسان آخر، وإن لم يكن قد أوصى بالرقبة إلى آخر يعود إلى ورثة الموصى.
وإن كانت مطلقة تثبت إلى وقت موت الموصى له بالمنفعة، ثم ينتقل إلى الموصى له بالرقبة إن كان هنا موصى له بالرقبة، وإن لم يكن ينتقل إلى ورثة الموصي.
جاء في الدر وحاشيته: "صحت الوصية بخدمة عبده وسكنى داره مدة معلومة وأبدًا، ويكون محبوسًا على ملك الميت في حق المنفعة. كما في الوقف حيث يستوفى منافع الوقف على حكم ملك الواقف، فإن خرجت رقبة العبد والدار في الوصية بالخدمة والسكنى، سلمت إلى الموصى له، وإلا تقسم الدار أثلاثًا (2) .
ثم قال: "وبموت الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية، وبعد موته يعود خدمة العبد وسكنى الدار إلى ورثة الموصي بحكم الملك، ولا يعود إلى ورثة الموصى له"(3) .
(1) بداية المجتهد: 2/333؛ والمغني، والشرح الكبير: 6/127.
(2)
حاشية ابن عابدين: 5/443، بتصرف؛ والبدائع: 10/4961، مطبعة الإمام.
(3)
حاشية ابن عابدين: 5/442، بتصرف؛ والبدائع: 10/4961، مطبعة الإمام. أما بالنسبة لتصرف الموصى له فيقول ابن عابدين: "وليس للموصى له الخدمة والسكن أن يؤجر العبد أو الدار، لأن المنفعة ليست بمال، إنما صح للمالك أن يؤجر ببدل لأنه ملكها تبعًا لملك العين، والمستأجر إنما ملك أن يؤجر مع أنه لا يملك إلا المنفعة، لأنه لما ملكها بعقد معاوضة كانت مالًا بخلاف ملكها بعقد تبرع. فعلى أصل الحنفية إذا ملكها بعوض كان مملكًا أكثر مما ملكه وهو لا يجوز. انظر حاشية ابن عابدين: 5/443.
* وذهب المالكية: إلى جواز الوصية بالمنفعة، فإذا أوصى لشخص معين بمنفعة شيء معين مدة معينة، كأن يوصي بخدمة عبده فلان، أو سكن داره المعينة بالإشارة أو الوصف، أو بركوب دابته الفلانية لزيد مدة سنة مثلًا، وحمل الثلث قيمة ذلك تعين تسليم الموصى به (1) . وقالوا أيضًا: إذا أوصى بخدمة عبد من عبيده لفلان ولم يحددها بزمن، بل حددها بحياة العبد أو أطلق، فإنه يخدمه طول حياته، وإن مات الموصى له فإن ورثته يرثونها بعده؛ لأن الموصي لما لم يحددها علم أنه أراد خدمته حياة العبد (2) .
* وقال صالح الآبي: وإن أوصى لشخص بمنافع عبد معين، ولم يقيد بحياة الموصى له، فلوارثه خدمة العبد ما بقي حيًا، وإن حدد الموصي المنافع الموصي بها بزمن كشهر أو سنة، فالموصى له كالمستأجر في ملك المنفعة في تلك المدة، وجواز إجارته فيها لغيره، وانتقالها لوارثه إن مات قبل تمامها. فإن قتل العبد الموصى بخدمته عمدًا عدوانًا من عبد أو ذمي فللوارث للموصي القصاص أو القيمة (3) .
(1) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير: 4/445.
(2)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير: 4/448.
(3)
جواهر الإكليل: 2/324.
* وقال الشافعية: بصحة الوصية بمنافع نحو عبد ودار وغلة، ويملك الموصى له بالمنفعة، وكذا بالغلة إن قامت قرينة على أن المراد بها مطلق المنفعة، أو أطرد العرف بذلك فيما يظهر، وتوجيههم لهذا القول راجع إلى أن الوصية ليست إباحة عندهم ولا عارية للزومها بالقبول، ومن ثم جاز له أن يسافر بها عند الأمن، ويد يد أمانة (1) .
* وقال الحنابلة: إن أوصى بخدمة عبد صح، سواء وصى بذلك لمدة معلومة أو للأبد ويعتبر خروج المنفعة من ثلث المال، فإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث. فإن أريد تقويمها، فإن كانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة، ثم يقوَّم بمنفعته في تلك المدة فينظر كم قيمتها.
وإن كانت الوصية مطلقة في الزمان كله فقد قيل: تقوَّم الرقبة بمنفعته جميعًا، ويعتبر خروجهما من الثلث، لأنه عبدًا لا منفعة له لا قيمة له غالبًا، وقيل: تقوَّم الرقبة على الورثة، والمنفعة على الموصى له (2) . ويفهم من كلام الفقهاء في الوصية بالمنافع أنها على صور أو أنواع متعددة.
فإما أن تكون الوصية مقيدة بمدة محدَّدة، وإما أن تكون مؤبدة، وإما أن تكون مطلقة عن التقيد بمدة، ولكل حكمه مع اختلاف بين الفقهاء في هذه الصور، ينظر تفصيله في أبواب الوصية من كتب الفقه.
(1) نهاية المحتاج: 6/83؛ وحاشية قليوبي وعميرة: 3/84.
(2)
المغني، والشرح الكبير: 6/478.
ثانيًا – الإجارة:
عقد الإجارة هو عقد على منفعة كما يعرفه الفقهاء "عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض"(1) .
والمنفعة من أركان عقد الإجارة عند الجمهور، وهي محل الإجارة عند الحنفية والحنابلة (2) . وعند المالكية والشافعية محل الإجارة منافع أعيان، أو منافع مضمونة في ذمة المؤجر (3) .
واشترط الفقهاء لانعقاد الإجارة على المنفعة شروطًا:
أولًا: أن تقع الإجارة على المنفعة لا على العين.
ثانيًا: أن تكون المنفعة متقومة ومعلومة علمًا ينفي الجهالة.
ثالثًا: أن تكون المنفعة مباحة لا معصية ولا طاعة مطلوب أداؤها.
رابعًا: أن تكون المنفعة مقدورًا على استيفائها.
وأما تحديد المنفعة: فقد اعتبر جمهور الفقهاء العرف في تعيين ما تقع عليه الإجارة من منفعة وقد تتعين بتحديد مدة الإجارة أو تحديد العمل ذاته أو العمل والمدة معًا (4) .
وتنفسخ الإجارة عند الفقهاء بانتهاء مدة الإجارة أو بهلاك العين المؤجرة أو بالإقالة. واختلفوا في انقضائها بموت أحد العاقدين، فذهب الجمهور إلى أن الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين؛ لأنها عقد لازم (5) .
وذهب الحنفية إلى أن الإجارة تنفسخ "بموت أحد العاقدين لو عقدها لنفسه كما تنفسخ بموت أحد المستأجرين أو المؤجرين في حصته فقط (6) .
وعند الشافعية: تنفسخ بموت المؤجر في إجارة الوقف، جاء في شرح المحلى على المنهاج:"ولا تنفسخ الإجارة بموت العاقدين أو أحدهما، ويخلف المستأجر وارثه في استيفاء المنفعة، ولا تنفسخ بموت مُتَوَلِّي الوقف إلا في صورة ما إذا آجر البطن الأول من الموقوف عليهم الوقف مدة، ومات قبل تمامها فالأصح انفساخها"(7) .
(1) المبسوط: 15/74؛ والمغني: ص 316؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/2؛ وحاشية قليوبي وعميرة: 3/67.
(2)
البدائع: 5/2557؛ والمغني: 6/3.
(3)
حاشية الدسوقي والشرح الكبير: 4/33؛ وحاشية قليوبي وعميرة: 3/68.
(4)
الفتاوى الهندية: 4/411؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/12، 23؛ والمغني: 5/324؛ والمهذب: 1/396.
(5)
حاشية الدسوقي والشرح الكبير: 4/32؛ وحاشية قليوبي وعميرة: 3/84؛ ونهاية المحتاج: 5/314؛ والمغني: 5/431.
(6)
البدائع: 4/200؛ وشرح الدرر: 2/299.
(7)
المحلى على المنهاج بشرح قليوبي وعميرة: 3/84.
ثالثًا – العارية:
إذا كانت المنفعة بسبب العارية فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن العارية – إضافة إلى أنها لا تورث – لا يجوز للمستعير أن يؤجر المستعار للغير خلافًا للمالكية.
قال في الاختيار: "وللمستعير أن يعيرها إن لم يختلف باختلاف المستعملين، وليس له إجارتها، فإن آجرها فهلكت ضمن "(1) .
وقال السيوطي: لا يجوز للمستعير أن يؤجر للغير، بل يستوفي المنفعة بنفسه أو وكيله، فإن أعاره فللمالك أن يرجع عليه بأجر المثل (2) . ثم قال:"كل من مالك المنفعة فله الإجارة والإعارة. ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعًا، ولا الإعارة في الأصح "(3) .
وعلق ابن نجيم على عبارة السيوطي، فقال: وهذا يتخرج على قول الكرخي من أن الإعارة إباحة المنافع لا تملكيها، ثم قال: والمذهب عندنا أنها تمليك المنافع بغير عوض، فهي كالإجارة تمليك المنافع. وإنما لا يملك المستعير الإجارة لأنه ملك المنفعة بغير عوض فلا يملك أن يملكه ما بعوض، ولأنه لو ملك الإجارة لملك أكثر مما ملك
…
(4) .
وقال ابن رجب: "المستعير لا يملك نقل حقه من الانتفاع "(5) .
وعللوا لذلك بأن العارية إباحة انتفاع فلا تنتقل إلى الغير، وهي عقد غير لازم ينفسخ بموت أحد المتعاقدين، أو جنونه، أو إغمائه (6) .
وقال المالكية: "يصح ويندب إعارة شخص رشيد مالك للمنفعة وإن كان مستعيرًا"(7) .
وقال أيضًا: "يصح أن يعير مالك المنفعة (المستعير) عينًا لأجل استيفاء منفعتها، ومحل الصحة ما لم يمنعه المالك"(8) .
رابعًا – الوقف:
إذا وقف شخص عينًا فإن الذي يُمَلَّكُ هو المنفعة ويكون ذلك بالاستغلال أو الاستعمال. وإن نص في الوقف على أحد الأمرين، فلا ينتفع إلا بما نص عليه نظرًا لشرط الواقف لأنه كنص الشارع.
والفقهاء مختلفون في ملك المنفعة والانتفاع.
فالمالكية قالوا في الوقف إذا كان على سكنى الدار: "وإذا وقف وقفًا على أن يُسْكَنَ أو على السكنى، ولم يزد على ذلك، فظاهر اللفظ يقتضي أن الواقف إنما يُمَلِّكُ الموقوف عليه الانتفاع بالسكن دون المنفعة، فليس له أن يؤجره غيره، ولا يُسِكنَه"(9) .
وإن كانت الصيغة محتملة لتمليك الانتفاع أو تمليك المنفعة بأن قال: "ينتفع بالعين الموقوفة بجميع أنواع الانتفاع، فهذا تصريح بتمليك المنفعة، أو يحصل من القرائن ما يقوم مقام هذا التصريح
…
فإنا نقضي بمقتضى تلك القرائن
…
" (10) .
وذهب الشافعي وأحمد إلى أن المنتفع يملك في الوقف – كما في الوصية – المنفعة لا حق الانتفاع إلا إذا نص على أن المراد حق الانتفاع، أو دلت القرائن على ذلك" (11) .
(1) الاختيار لتعليل المختار: 3/56.
(2)
نهاية المحتاج: 5/118.
(3)
الأشباه والنظائر: ص 326.
(4)
الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص 353.
(5)
القواعد، لابن رجب: ص 211.
(6)
القواعد، لابن رجب: 5/130؛ والمغني: 6/361؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص 143.
(7)
جواهر الإكليل: 2/145.
(8)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/433، 434.
(9)
الفروق، للقرافي الفرق الثلاثون.
(10)
الفروق، للقرافي الفرق الثلاثون.
(11)
مغني المحتاج، للإمام محمد الخطيب الشربيني على متن منهاج الطالبين، للإمام يحيى بن شرف النووي: 2/389، مطبعة الاستقامة 1374 هـ - 1955م بمصر.
المبحث الخامس
توريث المنفعة
مذهب الفقهاء:
تكلم الفقهاء عن حكم توريث المنفعة، يجوز أن تنتقل منفعة العين إلى ورثة المستفيد واتفق رأي جمهورهم في بعض الصور واختلف في بعضها الآخر، تبعًا لموضوعها، فإن المنفعة قد تكون عن إجارة أو وصية أو عارية وهذه أهم صورها.
فإن كانت المنفعة بعقد إجارة أو وصية: فقد ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز توريثها قياسًا على الأعيان؛ ولأن الإجارة لا تنفسخ "بموت العاقدين أو أحدهما للزومها كالبيع، فتبقى العين بعد موت المكرى عند المكتري أو وارثه ليستوفي منها المنفعة "(1) . فيحل الوارث محل المورث إلى أن تنتهي المدة المحددة. أو أن تنفسخ الإجارة لسبب آخر، والوصية بالمنفعة كذلك لا تنتهي بموت الموصى له، لأنها تمليك، فتنتقل إلى ورثة الموصي المدة الباقية (2) .
أما الحنفية فعلى أصلهم في أن المنفعة ليست مالًا فإن المنفعة أو حق الانتفاع لا يورث لأنه لا بقاء للمنفعة عندهم، ونقلها من شخص إلى آخر يستلزم بقاءها، والمعدوم لا ينتقل فلا يملك. فتنتهي المنفعة بموت مالكها.
واستثنوا من توريث المنفعة حقوق الارتفاق لحق المرور والشرب والمسيل والتعلي. فإنها تورث عندهم. وعللوا ذلك: بأن حقوق الارتفاق حقوق مالية فيجري فيها الإرث كسائر الأموال (3) .
(1) نهاية المحتاج: 5/314؛ والمغني: 6/42.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/445؛ ونهاية المحتاج: 6/83؛ والمغني: 6/478.
(3)
مجمع الأنهر: 3/567.
المبحث السادس
حقوق الارتفاق
حق الارتفاق: هو "حق مقرر على عقار لمنفعة عقار لشخص آخر"(1) ، "مالكه غير مالك العقار الأول"(2) .
أو هو "حق الانتفاع العيني الثابت لعقار على عقار آخر بقطع النظر عن شخص المالك"(3) . وذلك كحق المرور إلى أرض من طريق هو جزء من أرض مملوكة للغير، وكذا حق الشرب والمجرى والمسيل وحق التعلي. فهذه الحقوق تعتبر عند الجمهور مالًا، فيجوز بيعها، وهبتها، وتورث. وذلك على أصلهم في معنى الأموال.
وذهب الحنفية إلى أن هذه الحقوق ليست أموالًا فلا يجوز بيعها أو هبتها مستقلة عما هي تابعة له من أرض أو غيرها.
قال ابن عابدين: "حق التعلي ليس بمال؛ لأن المال عين يمكن إحرازها وإمساكها، ولا هو حق متعلق بالمال، بل هو حق متعلق بالهواء، وليس الهواء مالًا يباع، والمبيع لا بد أن يكون أحدهما"(4) ، ومع أن الحنفية منعوا بيعها مستقلة إلا أنهم أجازوا بيعها تبعًا لما تتعلق به من أموال، كبيع الأرض مع ما عليها من حقوق مسيل أو شرب أو مرور.
قال الكاساني: "ولو باع الأرض مع الشرب جاز تبعًا للأرض، ويجوز أن يجعل الشيء تبعًا لغيره، وإن كان لا يجعله مقصودًا بنفسه"(5) .
وقد اعتبر الحنفية هذه الحقوق مالية، وإن كانت ليست أموالًا في ذاتها، قال الكاساني:"الشرب ليس بعين مال بل هو حق مالي"(6) . وعلى هذا فكل حق تعلق بمال يجوز بيعه أو هبته تبعًا لهذا المال.
(1) مرشد الحيران: مادة 37.
(2)
الملكية ونظرية العقد، للشيخ محمد أبو زهرة: ص 86.
(3)
الأموال ونظرية العقد: ص 171. وعرفه المالكية بأنه: إعطاء منافع تتعلق بالعقار. انظر البهجة في شرح التحفة، للإمام أبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي وهامشه، للإمام محمد التاودي: 2/251، الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي 1370 هـ - 1951م بمصر.
(4)
شرح فتح القدير للإمام كمال الدين بن الهام على الهداية، للمرغنانى: 5/204، المطبعة التجارية بمصر.
(5)
البدائع: 6/89؛ للإمام علاء الدين بن مسعود الكاساني، مطبعة الجمالية بمصر 1328 هـ - 1910م.
(6)
البدائع: 6/190؛ للإمام علاء الدين بن مسعود الكاساني، مطبعة الجمالية بمصر 1328 هـ - 1910م.
الفصل السابع
البيع
مبحث
في تعريف البيع وشروطه
تعريف البيع لغة:
مبادلة مال بمال، أو مطلق المبادلة، أي سواء كان في مال أو غيره (1) .
تعريف البيع اصطلاحًا:
عرفه الحنفية: بأنه مبادلة مال بمال، بالتراضي (2)، وعرفه منلا خسرو من الحنفية بأنه: مبادلة مال بمال بطريق الاكتساب أي التجارة، فخرج به المبادلة بطريق التبرع أو الهبة بشرط العوض، ولم يقل على سبيل التراضي، ليتناول بيع المكره، فإنه بيع منعقد وإن لم يلزم (3) . وعرفه الموصلي بتعريف أجمع وأحق فقال: هو مبادلة المال المتقوم بالمال المتقوم تمليكًا وتملكًا، ثم قال: فإن وجد تمليك المال بالمنافع فهو إجارة أو نكاح (4) .
وعرف المالكية بأنه: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة، ذو مكايسة أحد عوضية غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه (5) . فقوله:(على غير) ، أي على ذوات غير منافع. و (غير تمتع) ، أي انتفاع بلذة، فتخرج الإجارة والكراء والنكاح و (ذو مكايسة) وهي المغالبة وخرج بها هبة الثواب، وقوله:(أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة) خرج به الصرف والمراطلة فإنه ليس أحد العوضين فيهما غير ذهب ولا فضة بل العوضان ذهب أو فضة في المراطلة، أو أحدهما ذهب والآخر فضة في الصرف. وقوله:(معين غير العين فيه) خرج السلم، فإن غير العين فيه ليس معينًا، بل في الذمة، والمراد بالعين ما ليس في الذمة فيشمل الغائب، فبيع الغائب ليس سلمًا (6) .
وعرفه الشافعية بما عرفه القيلوبي وهو أفضل تعاريفهم: "عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة". فخرج بقوله: (عقد) المعاطاة، وبـ (المعاوضة) نحو الهدية، وبـ (المالية) نحو النكاح، وبـ (إفادة ملك عين) الإجارة، و (بغير وجه القربة القرض) . والمراد بالمنفعة في هذا التعريف بيع نحو حق الممر، وأما التقييد بالتأبيد فلإخراج الإجارة (7) .
وعرفه الحنابلة بأنه: "مبادلة عين مالية أو منفعة مباحة مطلقًا بأحدهما. أو بمال في الذمة للتملك على التأبيد غير ربا وقرض"(8) .
فقولهم: (مبادلة عين مالية) مرادهم كل جسم أبيح نفعه واقتناؤه مطلقًا فخرج الخنزير والخمر والميتة النجسة
…
وقولهم: (منفعة مباحة مطلقًا) ، أي لا تختص إباحتها بحال دون آخر، كممر دار أو بقعة تحفر بئرًا. وقولهم:(بأحدهما) أي عين مالية أو منفعة مباحة مطلقًا، نحو بيع كتاب بكتاب أو بممر في دار أو العكس.
وقولهم: (أو بمال في الذمة)، أي مبادلة عين مالية أو منفعة مباحة مطلقًا بمال في الذمة من نقد وغيره. وقولهم:(للتملك) احتراز عن الإعارة. وقولهم (على التأبيد) أي بأن لم تقيد مبادلة المنفعة بمدة أو عمل فتخرج الإجارة (9) .
(1) لسان العرب مادة: بيع، والاختيار لتعليل المختار: 2/3.
(2)
فتح القدير: 5/455.
(3)
درر الحكام في شرح غرر الأحكام: 2/142.
(4)
الاختيار: 2/3.
(5)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/2 والفواكه الدواني للشيخ أحمد غنيم النفراوي شرح رسالة أبي محمد القيرواني: 2/109 – الطبعة الثالثة – مطبعة مصطفى الحلبي 1374 هـ - 1955م بمصر.
(6)
حاشية الدسوقي في الشرح الكبير: 3/3 و4.
(7)
حاشية قليوبي: 2/152.
(8)
شرح منتهى الإرادات: 2/140.
(9)
شرح منتهى الإرادات: 2/140.
شروط البيع:
اشترط الفقهاء لصحة البيع شروطًا منها ما يتعلق بالصيغة، ومنها ما يتعلق بالمتعاقدين، ومنها ما يتعلق بالمعقود عليه ثمنًا كان أو مثمنًا. وهذا الأخير هو محل اهتمامنا ههنا.
فقد اتفق الفقهاء وفي الجملة على اعتبار الشروط التالية في المعقود عليه سواء كان ثمنًا أو مثمنًا: فاشترطوا:
1-
أن يكون المبيع طاهرًا، فلا يصح بيع نجس لا يمكن تطهيره سواء كان مبيعًا أو ثمنًا ونص على ذلك المالكية والشافعية.
2-
وأن يكون المبيع مالًا منتفعًا به انتفاعًا شرعيًا. وما لا نفع فيه فليس بمال فلا يصح. فلا يصح بيع الحشرات التي لا نفع فيها، كما لا يصح بيع ما فيه منفعة محرمة كالخمر. واشترطوا في المبيع أن يكون مالًا متقومًا شرعًا، فلا ينعقد بيع الخمر ونحوه كما لا ينعقد بيع اليسير من المال، كحبة من حنطة؛ لأنها ليست مالًا متقومًا، وهذا الشرط متفق عليه.
3-
وأن يكون مملوكًا للبائع ملكًا تامًا وقت البيع، وهو شرط انعقاد عند الحنفية، ونص على هذا الشرط الحنفية والشافعية والحنابلة. واستثني من ذلك السلم.
4-
وأن يكون مقدورًا على تسليمه، وهو شرط انعقاد عند الحنفية، فلا يصح بيع السمك في الماء أو الطير في الهواء، كما لا ينعقد بيع المغصوب لعدم القدرة على تسليمه وهذا الشرط متفق عليه.
5-
وأن يكون المبيع معلومًا لكل من العاقدين علمًا يمنع المنازعة والخلاف وهو شرط صحة عند الحنفية، فلا يصح بيع مجهول جهالة تفضي إلى منازعة كبيع شاة من قطيع. وهذا الشرط متفق عليه.
وقد اشترط الحنفية شرطًا آخر وهو أن يكون المبيع مما يتعلق به الملك فلا ينعقد بيع العشب المباح ولو نبت في أرض مملوكة.
وفي هذه الشروط تفصيل ينظر في مظانه (1) .
(1) انظر التفصيل: فتح القدير: 1/50؛ وحاشية ابن عابدين: 4/6 والاختيار: 2/5 وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/10 و15 و157 وجواهر الإكليل: 2/4؛ والمجموع: 9/157؛ وحاشية قليوبي وعميرة: 2/57 و157 و160 و180 وشرح منتهى الإرادات: 2/142 و145 والمغني: 4/276 والموسوعة الفقهية مصطلح بيع فقرة 27، طبع الكويت؛ والفقه على المذاهب الأربعة: 2/163.
الفصل الثامن
المُلك
المبحث الأول
تعريف الملك
تعريف الملك في اللغة:
قال ابن سيدة: المَلْك والمُلْك والمِلْك احتواءُ الشيء والقدرة على الاستبداد به (1) والمالكية هي العلاقة بين المال والإنسان، بالنظر إلى الإنسان، والمملوكية هي العلاقة بينهما لكن بالنظر إلى المال.
تعريف الملك اصطلاحًا:
تعدد تعاريف الفقهاء له (2) .
فعرفه ابن السبكي بقوله: هو حكم شرعي يقدر في عين أو منفعة، يقتضي تمكن من ينسب إليه من انتفاعه، والعوض عنه من حيث هو كذلك (3) .
وعرفه القرافي بقوله: هو حكم شرعي يقدر في العين أو المنفعة، يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك، والعوض عنه من حيث هو كذلك (4)
وعرفه قاسم بن عبد الله بن الشاط بقوله: هو تمكن الإنسان شرعًا بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة، ومن أخذ العوض، وتمكنه من الانتفاع خاصة (5) .
وعرفه صدر الشريعة بأنه: (اتصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقًا لتصرفه فيه وحاجزًا عن تصرف الغير)(6) .
وقال الغزي من الحنفية: (الملك عبارة عن المطلق الحاجز)(7) .
وعرفه الكمال بن الهمام بقوله: (هو قدرة يثبتها الشرع ابتداءً على التصرف)(8) .
وعرفه أكمل الدين البابرتي بأنه (القدرة على التصرف في المحل شرعًا)(9) .
قال ابن نجيم: وينبغي أن يقال: إلا لمانع، وهذا القيد لازم، لأنه قد يكون الشخص مالكًا ولا قدرة له على التصرف، كالمحجور عليه. والمبيع المنقول مملوك للمشتري ولا قدرة له على بيعه قبل قبضه. وعرفه الحاوي القدسي بأنه: الاختصاص الحاجز، وأنه حكم الاستيلاء؛ لأنه به يثبت لا غير، إذ المملوك لا يملك كالمكسور لا ينكسر؛ لأن اجتماع الملكية في محل واحد محال فلا بد أن يكون المحل الذي ثبت الملك فيه خاليًا عن الملك، والخالي عن الملك هو المباح، والمثبت للملك في المال المباح الاستيلاء لا غير (10) .
وعرفه الزركشي بقوله: (هو القدرة على التصرفات التي لا تتعلق بها تبعة ولا غرامة دينار ولا آخرة. وقيل هو معنى مقدر في المحل يعتمد المكنة من التصرف على وجه ينفي التبعة والغرامة)(11) .
وعرفه سعد الدين التفتازاني بقوله: (الملك: ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص) . (12) .
(1) لسان العرب مادة: ملك.
(2)
المبسوط: 13/122 و 4/116؛ الأشباه والنظائر لابن السبكي: ص 141؛ التلويح والتوضيح: 2/94، و98.
(3)
الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 316.
(4)
الفروق: 3/208 وقد اعترض على هذا التعريف ابن نجيم فليراجع في الموضوع المذكور.
(5)
الفروق: 3/209 وقد اعترض على هذا التعريف ابن نجيم فليراجع في الموضوع المذكور.
(6)
شرح الوقاية في مسائل الهداية: 2/196.
(7)
حاشية الغزي على التلويح شرح التوضيح: 1/210.
(8)
فتح القدير: 5/74.
(9)
هامش فتح القدير: 5/73.
(10)
الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص 346.
(11)
المنثور في القواعد، للإمام بدر الدين بن بهار الزركشي: 3/223، تحقيق د. تيسير فائق – الطبعة الأولى مطبعة الفليج 1402هـ - 1982م الكويت.
(12)
التلويح: 2/98؛ وحاشية ابن عابدين: 4/502 – الطبعة الثانية – مطبعة مصطفى الحلبي.
وعرفه ابن تيمية بأنه (القدرة الشرعية على التصرف في الرقبة بمنزلة القدرة الحسية)(1) .
وقد جمع الأستاذ مصطفى الزرقا بين هذه التعارف بتعريف جامع مانع وهو المختار بقوله: الملك: هو اختصاص حاجز شرعًا يسوغ صاحبه التصرف إلا لمانع (2) . وعرفه الشيخ محمد أبو زهرة بأنه: (اختصاص بالأشياء، الحاجز للغير عنها شرعًا الذي تكون القدرة على التصرف في الأشياء ابتداءً إلا لمانع يتعلق بأهلية الشخص)(3) .
ومن تعاريف الفقهاء السابقة يتضح الفرق بين الملك والمال، فالملك أعم من المال بشموله للمال والمنفعة (4) . حتى على تعريف الحنفية للملك، ولكن لا يلزم عندهم من كون المنفعة قسيمة للمال أن تكون مالًا. فقالوا:(إن المنفعة ملك لا مال) . وذلك راجع إلى كون المنفعة يمكن التصرف فيها بوصف الاختصاص فساغ أن تكون مملوكة، لكن لما لم يكن ادخارها لحين الحاجة فارقت المال، لأن من شأنه عندهم أن يدخر للانتفاع به وقت الحاجة.
أما الجمهور فلم يفرقوا هذه التفرقة، بل صرحوا كما في تعريف ابن السبكي والقرافي، بأن الملك يتناول العين والمنفعة. والتعريف المختار حينئذٍ يتناول الأعيان والمنافع والديون. فيكون الملك والحال هذه ليس أمرًا ماديًا له وجود في الخارج، بل هو حق يرد على الأعيان والمنافع والديون، أو هو علاقة تنشأ بين المالك والشيء المملوك فتكون العلاقة المالكية. ويترتب على هذه العلاقة أن يكتسب صاحب الملك حق التصرف ما لم يمنعه مانع من كونه ناقص الأهلية. أو كان المال مشتركًا أو مرهونًا أو غير ذلك، فالمنع هنا عن التصرف فحسب، وهذا لا ينافي الملكية لأنه منع عارض.
ويلاحظ عند التدقيق أن اختلاف تعاريف الفقهاء للملك يرجع إلى اختلافهم في جهة النظر إلى الملك باعتبارات مختلفة، فمنهم من ينظر إلى كون الملك أمرًا شرعيًا اعتبره الشارع ومنع من الاعتداء عليه. ومنهم من نظر إلى تعريف الملك باعتبار العلاقة والرابطة بين صاحب الملك والشيء أو المال المملوك.
ولعل أقرب هذه التعاريف إلى بيان حقيقة الملك وعناصره تعريف الإمام صدر الشريعة، لولا طوله فنختار عليه تعريف الأستاذ مصطفى الزرقا وهو أن الملك:(اختصاص حاجز شرعًا يسوغ صاحبه التصرف إلا لمانع)(5) .
وتَوَصُّلًا إلى ما يساعد على تحديد ملكية الاسم التجاري ومعرفة طبيعته يحتاج إلى معرفة علاقة الملك بغيره فنتناول المفردات التالية:
الملك والمنفعة، والملك والاختصاص، والملك والإباحة.
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: 29/178، الطبعة الأولى 1383هـ، مطابع الرياض. وقد فرق القرافي بين الملك والتصرف فقال: إن الملك عام يترتب على أسباب مختلفة: البيع، والهبة، والصدقة، والإرث، وغير ذلك فهو غيرها، ولا يمكن أن يقال: هو التصرف؛ لأن المحجور عليه يملك ولا يتصرف، فهو حينئذٍ غير التصرف، فالتصرف والملك كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجه، فقد يوجد التصرف بدون الملك، كالوصي، والوكيل، والحاكم، وغيرهم يتصرفون ولا ملك لهم، ويوجد الملك بدون التصرف. كالصبيان، والمجانين، وغيرهم، يملكون ولا يتصرفون. ويجتمع الملك والتصرف في حق البالغين الراشدين النافذين للكلمة الكاملين الأوصاف، وهذا هو حقيقة الأعم من وجه والأخص من وجه أن يجتمعا في صورة وينفرد كل واحد منهما بنفسه في صورة كالحيوان والأبيض. انظر الفروق: 3/208.
(2)
المدخل الفقهي العام، للشيخ مصطفى الزرقا: 1/257.
(3)
الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، للشيخ محمد أبو زهرة: ص 61.
(4)
حاشية قليوبي وعميرة: 3/247.
(5)
والملك في القانون كما عرفه السنهوري: (أن حق ملكية الشيء هو حق الاستئثار باستعماله وباستغلاله وبالتصرف فيه على وجه دائم وكل ذلك في حدود القانون) . الوسيط: 8/493.
المبحث الثاني
الملك والمنفعة والاختصاص والإباحة
(أ) الملك والمنفعة:
العلاقة بين الملك والمنفعة علاقة من حيث المحل، وقد اصطلح الفقهاء على تقسيم الملكية من حيث المحل إلى ملكية تامة، وملكية ناقصة (1) .
والملكية التامة: هي ملكية العين والمنفعة، فيتمتع المالك حينئذٍ بجميع الحقوق والتصرفات التي يمكنه الشارع منها، فيتصرف في العين والمنفعة.
وفي مرشد الحيران: (الملك التام من شأنه أن يتصرف به المالك تصرفًا مطلقًا فيما يملكه، عينًا ومنفعة واستغلالًا، فينتفع بالعين المملوكة وبغلَّتها وثمارها ونتاجها، ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة)(2) .
والملكية الناقصة: هي ملكية المنفعة دون العين. أو العين دون المنفعة. وعلى هذا فالملكية التامة نوع واحد هو ملكية العين والمنفعة.
وأما الملكية الناقصة فهي على أنواع: ملكية العين فقط، أو المنفعة فقط، أو الدين. على البيان التالي:
أما ملك العين والمنفعة: فهذا هو الأصل في الممتلكات على جهة العموم فيما يملك بسببه كالبيع والهبة. قال ابن رجب في هذا النوع: هو (عامة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها)(3) .
وأما ملك العين: ويتحقق عند تملك الرقبة دون المنفعة، فتكون الرقبة مملوكة لشخص والعين لآخر. فلا يحق حينئذٍ لمالك العين أن يتصرف في المنفعة أو ينتفع بها، كما لا يجوز أن يتسبب في الإضرار بمالك المنفعة بتصرف في العين تصرفًا ضارًّا. ومثل له ابن رجب والسيوطي وغيرهما:(بالعبد الموصي بمنفعة أبدًا رقبته ملك للوارث)(4) ، (أو بالوصية بالمنافع لواحد وبالرقبة لآخر)(5) .
وأما ملك المنفعة: ويتحقق عند تملك الإنسان حق الانتفاع كاستئجار دار للسكنى، قال ابن رجب:(ملك المنفعة بدون عين له ضربان: أحدهما ملك مؤبد ويندرج تحته صور عدة، منها: الوصية بالمنافع كما سبق، وهذه الصور تشمل جميع أنواعها إلا منفعة البضع ففيه خلاف، ومنها الوقف) . والضرب الثاني ملك غير مؤبد ومن هذا النوع الإجارة ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة، ومنه ما هو غير موقت لكنه غير لازم كالعارية على وجه، وإقطاع الاستغلال.
(1) حاشية قليوبي وعميرة: 3/247.
(2)
مرشد الحيران مادة: 11.
(3)
القواعد، لابن رجب ص 208، القاعدة السادسة والثمانون؛ والأشباه والنظائر، للسيوطي: ص 326.
(4)
الأشباه والنظائر، للسيوطي:326.
(5)
القواعد، لابن رجب: ص 209؛ ومرشد الحيران مادة 18.
وأما ملك الانتفاع المجرد: فهو أن يملك الانتفاع دون المنفعة، وله صور منها: ملك المستعير، فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة: ومنها المنتفع يملك جاره من وضع خشبة وممر في دار ونحو
…
(1) .
وقال السيوطي: (كل من ملك المنفعة فله الإجارة والإعارة، ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعًا، ولا الإعارة في الأصح)(2) .
وأما ملك الدين: بأن يكون لشخص دين في ذمة آخر بسبب ما (كثمن مبيع على مشتريه، وبدل قرض على مقترضه، وقيمة مال متلف على من أتلفه ونحو ذلك، ولا يسمى دينًا إلا إذا كان المبلغ التزامًا في الذمة)(3) ، وعلى هذا فالوديعة إذا كانت نقودًا مثلًا هي من قبيل ملك العين لأنها أمانة، ولو تصرف بها عُدَّ غاصبًا فيضمن؛ لأن مبلغ الوديعة أصبح دينًا في ذمته.
والجمهور على رأيهم في مضمون المال فيعتبرون الديون أموالًا لعدم اشتراطهم كون المال عينًا يمكن إحرازها – كما سبقت الإشارة – والحنفية كما هو أصل مذهبهم في مضمون المال لم يعتبروا الديون أموالًا حقيقة بحيث يتصور قبضها فقالوا: (الدين مال حكمًا لا حقيقةً، ولذا كانت البراءة منه تصح بلا قبول لعدم المالية الحقيقية)(4) ، (فهم يعتبرون الدين مالًا حكمًا لا حقيقةً، لكونه معدومًا، وإنما جعل مالًا لحاجة الناس إليه في المعاملات، فهو ليس بشيء حقيقة، ولكنه وصف حكمي يلحق بالأموال باعتبار أنه يصير مالًا بالقبض)(5) .
لكن الراجح عند جمهورهم كما هو اتفاق الفقهاء: على أن الديون محل للملك وخالف في ذلك بعض الحنفية، وقالوا: إنها لا تملك، لأنها وصف شرعي. وفي حاشية ابن عابدين:(والحق ما ذكروا من ملكه) . وكذلك في فتح القدير (6) .
(1) القواعد، لابن رجب: ص 209؛ والأشباه والنظائر للسيوطي: ص326
(2)
الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص326.
(3)
المدخل الفقهي العام، للأستاذ مصطفى الزرقا: 1/275.
(4)
فتح القدير: 5/250.
(5)
الملكية في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد السلام العبادي: 1/186.
(6)
حاشية ابن عابدين 4/299؛ وفتح القدير: 5/3، أفاد ذلك الدكتور عبد السلام العبادي في كتابه الملكية: 1/186.
أسباب الملك الناقص:
يثبت ملك المنفعة دون العين بأسباب متعددة:
1-
الإجارة: فيملك المستأجر منفعة العين خلال مدة الإجارة، وله استيفاء المنفعة المقررة بنفسه. كما أن له أن ينقلها إلى غيره كأن يملكها لآخر بعوض أو بغير عوض بشرط ألا تختلف المنفعة باختلاف المستفيدين، فإن اختلفت احتاج إلى إذن المؤجر.
2-
الإعارة: مذهب الحنفية – عدا الكرخي – ومذهب المالكية – وهو وجه للحنابلة – أن الإعارة تفيد تمليك المنفعة؛ لأن المعير سلط المستعير على تحصيل المنافع، وصرفها إلى نفسه على وجه زالت يده عنها، والتسليط على هذا الوجه يكون تمليكًا لا إباحة، كما في الأعيان. وعرفت بأنها: تمليك المنفعة بلا عوض (1) . ومذهب الشافعية والحنابلة والكرخي من الحنفية: أنها تفيد إباحة المنفعة؛ وذلك لجواز العقد من غير أجل، ولو كان تمليك المنفعة لما جاز من غير أجل بالإجارة. والإعارة تصح بلفظ الإباحة أيضًا. والتمليك لا ينعقد بلفظ الإباحة وعرفت بأنها: إباحة الانتفاع بملك الغير (2) .
3-
الوصية: تملك منافع الأعيان بالوصية، ويجوز للموصى له أن يستوفي المنفعة بنفسه، أو يملكها غيره إذا لم تكن الوصية مفيدة.
4-
الوقف: وتملك منافع الأعيان بالوقف لشخص أو مجموعة من الأشخاص، وتستوفي المنفعة بالنفس أو بالغير حسب شروط الواقف.
(1) الموسوعة الفقهية مصطلح (إعارة) : 5/188، مطبعة الموسوعة الفقهية 1405 هـ - 1984م الكويت. وانظر: مجمع الأنهر: 3/452؛ والأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 353؛ وحاشية الدسوقي والشرح الكبير: 3/433؛ والفروق للقرافي: 1/193؛ والمغني: 5/227.
(2)
الموسوعة الفقهية: 5/188، وانظر حاشية قليوبي وعميرة: 3/17؛ وكشاف القناع: 2/334؛ والاختيار: 3/55.
(ب) الملك والاختصاص:
ينبغي التفرقة بين الملك والاختصاص كما فرق جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة.
* فالاختصاص عند الجمهور: هو حق التصرف الناقص، ويكون للمنافع. فالمالكية حصروا الاختصاص بالمنافع، كإقطاع الإمام أرضًا من موات والسبق إلى المباحات، ومقاعد الأسواق والمساجد وما إلى ذلك (1) .
* وقال الشافعية: (إن الملك يتعلق بالأعيان والمنافع، والاختصاص إنما يكون في المنافع، وقالوا: إن الاختصاص أوسع، ولهذا شواهد منها: أنه يثبت فيها لا يملك من النجاسات كالكلب، والزيت النجس، وجلد الميتة، ونحوه، ومنها: من قعد بنحو مسجد أو شارع، فإنه لا يزعج عنه)(2)
* وذكر العز بن عبد السلام: أن (الاختصاص بالمنافع على أنواع وعد منها: الاختصاص بإحياء الموات بالتحجر والإقطاع، والاختصاص بالسبق إلى المباحات والاختصاص بالسبق إلى مقاعد الأسواق، والمساجد، والربط، والمدارس، ومواقع النسك)(3) .
* قال الحنابلة: إن حق الاختصاص هو عبارة عما يختص مستحقه بالانتفاع به، ولا يملك أحد مزاحمته فيه، وهو غير قابل للشمول – أي شمول كل صور الانتفاع – والمعاوضات، ويدخل تحت ذلك صور – عدّوا منها: الكلب المباح اقتناؤه كالمعلم لمن يصطاد فيه، ومنها: الأدهان المتنجسة المنتفع بها بالإيقاد، وغيره على القول بالجواز، فأما نجسة العين كدهن الميتة، فالمنصوص أنه لا يجوز الانتفاع به، ومنها مرافق الأملاك كالطريق والأفنية، ومسيل الماء ونحوها، هل هي مملوكة، أو ثبت فيها حق الاختصاص؟ وفي المسألة وجهان:
أحدهما: ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك.
والثاني: الملك، ومنها الإقطاع وهو ضربان، إقطاع إرفاق كإقطاع مقاعد السوق ورحاب المساجد، فهذه يجوز للإمام إقطاعها ولا يملكها المقطع، وإقطاع موات من الأرض لمن يحييها، ولا يملكه بل يصير أحق به (4) .
(1) حاشية الدسوقي: 4/68.
(2)
قواعد الزركشي: 3/234، وحاشية قليوبي وعميرة: 3/160؛ ونهاية المحتاج: 5/145 وراجع كلام الشافعية في بيع الاختصاص في حاشية قليوبي وعميرة: 3/92 و3/180 وعدم جريان الهبة فيه 3/110.
(3)
قواعد الأحكام: 2/86.
(4)
القواعد، لابن رجب ص 204 بتصرف يسير؛ والمغني: 6/166؛ وشرح منتهى الإرادات 2/327.
* وأما الحنفية: فإنهم يعبرون عن (الاختصاص) بـ (الحق) أو (الاستحقاق) لكن مفهومه واحد عندهم كما هو عند الجمهور، والاختلاف في الفروع. ولا مشاحة في الاصطلاح. يقول الكاساني:(لو حجر الأرض لا يملكها بالإجماع، لأن الموات يملك بالإحياء، ولكن صار أحق بها من غيره حتى لم يكن لغيره أن يزعجه. لأنه سبقت يده إليه، وإذا نزل بأرض مباحة أو رباط، صار أحق بها، ولم يكن لمن يجيء بعده أن يزعجه عنها)(1) .
وعلى هذا فيختلف الملك عن الاختصاص من حيث الموضوع ومن حيث ما يترتب على كل منهما من آثار.
فالملك موضوعه ومحله كل ما أجاز الشارع الانتفاع به، ويترتب عليه حق الملك التام وحرية التصرف الكاملة.
وأما الاختصاص فموضوعه ومحله المنافع أو المرافق العامة كالأسواق والطرق والأراضي الموات التي يقوم الشخص بتحديدها ووضع العلامات عليها، ومحله أيضًا ما حرمه الشارع ابتداء، وأجاز الانتفاع به في ظروف وحدود معينة كالانتفاع بجلد الميتة وكلب الصيد والحراسة – على خلاف بين الفقهاء في هذه الفروع.
5-
الملك والإباحة: عرف الجرجاني الإباحة بأنها: الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل في حدود الإذن (2) .
وعرفها الزركشي بأنها: تسليط من المالك على استهلاك عين أو منفعة ولا تمليك فيها (3) . وعرفها الشيخ علي الخفيف بأنها: حق يُثْْبِتُ للإنسان أثرًا لإذنه بأن ينتفع (4) .
والإباحة قد تكون خاصة بأن يأذن المالك بالانتفاع من العين سواء كان مالكًا للعين أو المنفعة. إما باستهلاكها، كأن يأذن له أن يأكل طعامه أو أن يأذن له بمنفعة العين، كأن يأذن له أن يستخدم دابته.
ويترتب على الإباحة جواز التصرف بالعين أو المنفعة في حدود الإذن، دون أن يتعدى الجواز إلى التصرف بالانتفاع إلى العين تصرفًا مشعرًا بالملكية كأن يبيع أو يهب أو يؤجر. ولا يجوز الانتفاع لغير المأذون له، كما لا يجوز له أن يَكِلَ أو ينيب آخر، بل ينتفع بنفسه.
وقد تكون الإباحة عامة وتكون حينئذٍ من الشارع إما للانتفاع كما في استخدام الطرق العامة والمصالح العامة. وإما للتمليك كإباحة الصيد وإحياء الموات.
وعلى هذا فإن الأثر المترتب على الإباحة يختلف فيما إذا كان الإذن من الشارع أو من العباد، فإذن الشارع يفيد الملك أو الاختصاص.
وإذن العباد فيه الخلاف بين الفقهاء، هل تناول المباح على ملك المبيح أو على ملك المباح له، وهل يرتفع الضمان مطلقًا. وخلافهم أيضًا في حكم المباح المستهلك، وفي المال المنثور على وجه الإباحة.
والذي نميل إليه أن الإباحة لا تفيد في ذاتها تمليكًا، وإنما هي طريق إليه، والذي يملك تمليك المباح صاحبه مالك العين أو المنفعة ومجرد الإذن له ليس تمليكًا. (ولكنه بانتفاعه واستيفائه ما أذن فيه يتملك ما استوفاه، فالضيف يتملك الطعام بوضعه في فيه، ومن نثرت عليهم النقود في الأفراح والمحافل – حسبما جرت العادة – يملكونها بالتقاطها)(5) .
(1) البدائع: 6/195، كما استخدم الكاساني لفظ:(الاختصاص) في استدلاله على اعتبار الكلب مالًا، فقال:(والدليل على أنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعًا)، والدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعًا على الإطلاق أن الانتفاع به بجهة الحراسة والاصطياد مطلق شرعًا.. لأن شرعه يقع سببًا ووسيلة للاختصاص القاطع للمنازعة (البدائع: 6/3006، طبع مطبعة الإمام) .
(2)
التعريفات 2، بتصرف للإمام الشريف على بن محمد الجرجاني، الطبعة الأولى 1403 هـ 1983م بيروت.
(3)
قواعد الزركشي: 1/73.
(4)
أحكام المعاملات، للشيخ علي الخفيف: ص 42.
(5)
أحكام المعاملات، للشيخ علي الخفيف: ص 44، وتراجع المسألة وتفصيل خلاف الفقهاء في كتاب:"الإباحة عند الأصوليين والفقهاء" للدكتور محمد سلام مدكور ص 253 وما بعدها، الطبعة الثانية المطبعة العالمية 1965م بمصر.
الفصل التاسع
التكييف الشرعي للاسم التجاري
إن معرفة طبيعة الاسم التجاري هي أساس الحكم الشرعي ومبناه ومبرره وكلما تحددت صفة وطبيعة الموضوع أمكن إلحاق الحكم الشرعي المناسب له.
ولقد عرفت مفاصل الاسم التجاري – وما في حكمه – على وجه التفصيل، وجرى بحث الموضوع في الأطر التي تحكمه، أو التي يدخل هو مفرد في موضوعها، سواء في ذلك الجانب القانوني باعتباره المنظم للواقعة، أو الفقه الإسلامي باعتباره الجهة المطلوب منها الحكم الشرعي ليكون البديل المشروع في الواقعة محل البحث.
وسوف نوضح طبيعة الاسم التجاري في أمرين يئول إليهما غيرهما، وينبني الحكم الشرعي على وفقهما:
الأول: هو إثبات أن الاسم التجاري في مفهوم الفقه الإسلامي يعتبر حقًا.
والثاني: أنه يعتبر منفعة.
الأول: الاسم التجاري حق:
يفهم من تعريف الاسم التجاري – السابق – من أنه "الاسم الذي ارتضى التاجر التعامل بوساطته ليميز منشأته عن نظائرها"، أنه في حقيقته عبارة عن علاقة تنشأ بين هذا الاسم التجاري المتضمن لسلع معينة وبين الجمهور، جسد هذه العلاقة جهد التاجر واجتهاده في تمييز سلعته وتجويدها بحيث اكتسب الاسم التجاري سمعة وشهرة جعل الإقبال عليه كبيرًا وتعارف جمهور الناس أو جمهور منه على صلاحيته، وجودة ما يشير إليه هذا الاسم دون غيره.
ولا ريب أن صاحب الاسم التجاري لم يكتف بإطلاق اسم مجرد لسلعته أو بضائعه، وإنما ضمن هذا الاسم صفات ميزته عن غيره من الأسماء والسلع، ولا يتحقق ذلك إلا بنوع إتقان يعرف به، ويتفرد عما سواه، أو ينافس به غيره من الأسماء الجيدة السمعة، ولولا ذلك الإتقان ما كان لهذا الاسم مزية على غيره، ولكان اسمًا مجردًا لا قيمة له، فلا سمعة وشهرة حقيقية يخشى عليها حتى تطلب حمايتها. بل إن الاسم التجاري رديء السمعة يهبط بسعر السلعة عند إرادة بيعه وقد يكون ذلك سببًا في خسارة كبيرة. ولذلك يعمد راغب الشراء في اتخاذ اسم تجاري جديد، وفي هذا إشارة إلى أن الاسم التجاري طيب السمعة له قيمة ذاتية.
ومن جانب آخر فإن التاجر الذي نجح في إيجاد اسم تجاري له سمعة وشهرة قد بذل جهدًا ذهنيًا وأموالًا ووقتًا ليس بالقليل حتى بنى هذا الاسم، وأنزله منزلة مقبولة لدى الكافة أو جمهور الناس.
ولا شك أن جهده هذا قد ساعده فيه استشاريون ومختصون ليضمن أحسن المواصفات لسلعه، وأفضل طرق ترويج هذه السلع وتسويقها، وهذا لا ريب كلفه أموالًا طائلة أخصها وأهمها ما بذله من دعاية لازمة لترويج الاسم التجاري.
وقد أصبحت الدعاية اليوم من مستلزمات العمل الناجح لتزاحم الأصناف المتماثلة والمتشابهة إلى حد كبير يكاد يصل حد التطابق في المواصفات.
فما لم يصاحب الاسم التجاري بيان وترغيب بأساليب متعددة، فإن السلع الجيدة تبور وتضيع قيمتها في غمرة الدعايات المؤازرة لأسماء تجارية أخرى مشابهة، أو قد تقل عنها جودة.
فالدعاية للاسم التجاري ضرورية لإيجاد السمعة والشهرة، ولحماية هذه السمعة بعد تحققها، ولذا فإن التاجر محتاج إلى الاستمرار في الدعاية والإعلان بين الفينة والأخرى كي يأمن استمرار اسمه التجاري في الأذهان حيًا ومرغوبًا، بعيدًا عن المنافسة التي قد تستبدل به غيره.
ولا ريب أن هذا بذل مادي ضخم، موضوعه وسببه الاسم التجاري، أو بمعنى أصح موضوعه السمعة والشهرة التي يمثل الاسم التجاري وعاءها وعنوانها.
ولا يخفى أن الدعاية والإعلان لا تعني بالضرورة واقعًا حقيقيًا يمثل الاسم التجاري بالمواصفات التي تحملها عنه هذه الدعاية، فقد تكون دعاوى ليس لها في الواقع وجود، وهذا غش وتدليس لا ينفي المصلحة ولا يرفعها، ولكنه يشوب هذه المصلحة بنوع غش وخداع ينبغي كشفه، وحماية أصحاب المصالح المشروعة الجادين في أسمائهم التجارية منه، وحماية جمهور الناس من مثل هذه الدعايات الموهمة غير الواقع.
وعلى كل الأحوال فإن العرف الجاري والتجربة المتكررة بين الناس تجعل للاسم التجاري الذي يعبر عن واقع وحقيقة إذا صحبته دعاية كافية رجحانًا على الاسم التجاري الذي يعبر عن زيف وخداع، وإن ضخمت دعايته فالبقاء للأصلح في أسواق الناس.
فالاسم التجاري – والحال هذه – له واقع ملموس، كما أن له قيمة ذاتية مستقلة عن السلع التي يمثلها ويحتويها.
وإلى جانب ذلك فإن للاسم التجاري أيضًا أهدافًا وأغراضًا يحققها، أخصها وأهمها أنه يحفظ السلع من التقليد والتزييف، ويوجد ارتباطًا وصلة وانطباعًا معينًا بينه وبين الجمهور، هذا الارتباط الذي ينتج ما نسميه السمعة والشهرة التجارية.
ولا شك البتة أن هذه السمعة في حقيقتها وواقعها مصلحة فعلية بالنسبة للتاجر من جانب، ولعامة الناس المتعاملين من جانب آخر.
فأما مصلحة التاجر: فإنه قد بذل من جهده وفكره وأمواله الشيء الكثير في سبيل هذا الاسم ليضمن لبضائعه رواجًا وسمعة ونجاحًا، فمن مصلحته الخاصة أن يتحقق له ذلك، وبالتالي فمن مصلحته أو من حقه أن يحمي جهده وفكره وأمواله، أو بمعنى آخر أن تحفظ قيمة اسمه التجاري، فلا يتعرض للتقليد أو التزييف، كما تحفظ سمعته من التشويه.
والمصلحة ههنا هي عنوان الحق والدالة عليه، أو هي في الحقيقة الحق ذاته.
وأما مصلحة العامة: فإن من مصلحة أفراد المجتمع عامة ومن حقهم أن يحصلوا على البضائع التي تحمل مواصفات جيدة يحتاجونها ويرغبون فيها. فمن حقهم – والحال هذه – أن يُحمى هذا الاسم التجاري المرغوب دفعًا للغش والتزييف، وهذا كله مرجعه عند التحقيق إلى مصلحة المجتمع ذاته، إذ من المصلحة الاجتماعية أن تخلو أسواق الناس من السلع الرديئة والمغشوشة، وتسوده السلع الجيدة، ويُمَكَّن أفراده من الحصول على البضائع ذات السمعة والشهرة التي تعبر حقيقة عن الجودة والصلاحية.
ومن هذه الناحية يجب على الدولة أن تقر هذا الواقع وتحميه، فهو يمثل مصلحة اجتماعية عامة، ولا يكون لها ذلك إلا بحماية مصلحة التاجر صاحب الاسم التجاري المقبول، فهو السبب الفعلي في وجود هذه المصلحة، وهو بالتالي المُمَكَّن شرعًا من التصرف، فهو في كل ذلك صاحب حق ولا شك.
فإذا كان هذا كله من شأن الاسم التجاري. فإنه لا ريب يعتبر في قواعد الشرع ومقاصده حقًا شرعيًا تجب حمايته، ومنع الاعتداء عليه، وترتيب الآثار الشرعية لصاحبه كاملة شأنه شأن الأعيان المملوكة.
وقد أثبتنا سابقًا أن الحقوق أموال وهي من هذا الجانب يجري فيها الملك والاختصاص ما دام محلها مالًا أو له تعلق بالمال وكان قابلًا للتجزيء.
فالاسم التجاري من هذا الوجه مال يجري فيه الاختصاص والملك.
الثاني – الاسم التجاري منفعة:
تبين من تفصيل الموضوع سابقًا بما لا مجال للتردد فيه أن للاسم التجاري منفعة يشكل الاسم التجاري عنوانها ووعاءها، وتنسب المنافع حينئذ للاسم التجاري، وهذه المنافع أشبه بمنافع الأعيان ولكنها منافع إيجابية نامية، وقد تستمر في نموها وتوسيع رصيد عملائها، وقد يضمر ذلك تبعًا لعوامل خارجية وذاتية: من قوة الدعاية لها، وتطوير سلعتها، وإجادة تصنيعها وإتقانها، وتحسين الخدمات المقدمة، وما إلى ذلك.
فنمو منافع الاسم التجاري يعتمد على مدى الجهد الذهني المبتكر، والجهد المالي، والنشاط العملي المبذول. وكلما كانت الجهود المبذولة مركزة وفعالة كلما كان ثبات الاسم التجاري ورسوخه ونماؤه وانتشاره كبيرًا. ولذا فإن مجال التنافس فيه كبير في سبيل تقديم الأفضل في جانبي الإبداع الفكري والحضاري.
وهذا يشير إلى حقيقة أن الاسم التجاري إنما هو منفعة في مفهوم الفقه الإسلامي فيسري عليه ما يسري على منافع الأعيان سواء بسواء.
لكن مع ملاحظة أن منافع الأعيان محدودة ثابتة مرتبطة بأعيانها لا تستوفي دونها. في حين أن منافع الاسم التجاري منفصلة عن مصدرها وهو صاحب إنتاجها وإبداعها بدلالة تصور إمكان بيع الاسم التجاري منفردًا عما يمثله من بضائع، وقد يستخدم لترويج نوع آخر من السلع وينفصل عن صاحبه ومبدعه لينتقل إلى آخر ويرتبط به.
ومن جانب آخر: فإن الاسم التجاري بما له من شهرة وسمعة لا يمثل في حقيقته المادة المصنعة أي لا يمثل محل الاتجار وعينه، فهذه المادة المصنعة هي بمثابة مصدر هذه الشهرة ومنبعها، ولا يبعد القول بأن الشهر والسمعة ثمرة هذه العين، وهي ثمرة غير محسوسة، أو بمعنى أصح منفعة غير محسوسة. وتأخذ هذه الثمرة قيمتها باعتبار مواصفات متميزة ومميزة لهذه العين عن غيرها.
وعلى هذا فإن الاسم التجاري صفة معنوية مستقلة نتجت عن عين هي مادة تجارية بذل التاجر في سبيل إتقانها وتسويقها جهده فكريًا وماديًا، فهي والحال هذه ثمرة منفصلة ومستقلة عن مصدرها استقلالًا ماديًا، وهي وإن كانت ثمرة ومنفعة، إلا أنها تختلف عن منافع الأعيان التابعة والمرتبطة بمثل العقارات والمنقولات، من حيث إنّ مصدر منافع الأعيان، هي ذات الأعيان فحسب، في حين أن مصدر منافع الاسم التجاري الجهد الذهني والمادي المبذول في هذه الأعيان.
ولما كان الاسم التجاري مصدره الجهد الذهني والمادي المنسوب لصاحبه، كان وجوده نسبيًا في السلع من النوع الواحد، وكان ذلك أدعى للتنافس والإبداع، مما يكسب الاسم التجاري المتميز شهرة وسمعة حقيقية. وهذا مما يحقق مقاصد الشارع في توفير الأصلح لمعايش الناس، وهذه مصلحة معتبرة شرعًا، فإذا تعارف الناس وتوافقوا على تفضيل اسم تجاري على آخر، كان هذا بمثابة مصلحة مستندها العرف.
ولما كانت المصلحة منفعة – كما قررنا سابقًا – والمنفعة مال متقوم على رأي جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومتأخري الحنفية، وهي كذلك أموال متقومة على رأي متقدمي الحنفية إذا ورد العقد عليها تحقيقًا لمصلحة الناس، فإذا كان ذلك كذلك فيمكن القول إن الاسم التجاري يعتبر مالًا في الفقه الإسلامي لا ريب.
وإذا كان الاسم التجاري منفعة ومالًا متقومًا صلح أن يكون محلًا للملك. لأن الناس تعارفوا على تموله وتقويمه واعتباره حتى جرى العرف بالاعتياض عنه بمقياس مدى ما فيه من منفعة متحصلة من استخدام مصدره.
فعين الاسم التجاري ليس مقصودًا لذاته بقدر ما هو مقصود من تحصيل منافعه كما قال العز بن عبد السلام: "إن المنافع هي المقصود الأظهر من جميع الأموال"(1) ، إذ لا يمكن أن تحاز المنافع إلا بطريق حيازة أعيانها، وما دام العرف قد جرى بين الناس بالاعتياض عن الاسم التجاري فهو – والحال هذه – يمثل قيمة مادية، لأن الناس لا يعتاضون ما لا قيمة له، وما له قيمة هو مال؛ لأنه كما قال الشافعي – وسبقت الإشارة إليه -:"لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه، وإن قلت، وما لا يطرحه الناس"(2) ، فما يتموله الناس ولا يطرحونه فهذا منهم دليل على ماليته ومنفعته، ولذا رأينا قولهم:"إن مالا منفعة فيه ليس بمال فلا يقابل به"(3) . فكل ما فيه منفعة فيه قيمة، وبقدر المنفعة تكون القيمة أي المالية، فالمنفعة مناط القيمة، سواء في ذلك الأعيان أو المنافع أو الأمور المعنوية.
(1) قواعد الأحكام: 2/17.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 327.
(3)
حاشية قليوبي وعميرة: 1/157.
ومن جانب آخر فإن الجمهور كما رأينا يرى أن الملك علاقة معتبرة شرعًا بين المالك والمملوك وهذه العلاقة علاقة اختصاص، أو هو صفة شرعية يمنحها الشارع من يستحقها. والمال وصف شرعي كما قال الشاطبي:"المال ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه"(1) .
فالمال هاهنا وصف شرعي، أو اعتبار من الشارع بوجود هذه العلاقة، وما تستتبعه من حق التصرف ومنع الغير من الاعتداء عليه.
ويترتب على ذلك أن هذا الاعتبار الشرعي له دور في مالية الشيء، بل لولاه ما اعتبر الشيء مالًا، فكل ما يعتبره الشارع من هذا الوجه هو مال سواء أكان عينًا أم منفعة أم حقًا (2) .
فمدار المالية على المنفعة عند فقهائنا لا على كون الشيء من الأعيان، قال البهوتي:"إن المال ما فيه منفعة مباحة "(3) .
فقد يكون عينًا لا منفعة فيه فليس هو بمال حينئذ، وقد يكون غير عين تصحبه منفعة فيعتبر مالًا، إذا كانت المنفعة محترمة شرعًا، ومتقومة عرفًا، ويمكن إحرازها، ولا يحتم الفقهاء في تحقق ملك المنفعة ملك العين، وإنما يعتبرون إمكان الحيازة كافيًا في تحقق الملك.
فإذا جرى الملك في الأعيان أو المنافع اعتبر المحل مالًا: "فإن جريان الملك في الأعيان يستلزم ماليتها ما دام الانتفاع به مباحًا شرعًا. وجريان الملك في المنافع يستلزم ماليتها شرعًا أيضًا على الراجح في الفقه الإسلامي المقارن والمعاوضة أساسها الملك "(4) ، وهي جارية عرفًا في الاسم التجاري وما في حكمه كالابتكار الذهني، وقد بين الشيخ علي الخفيف صفة المالية ومناطها، فقال:"ومن الفقهاء من صرح بأن (المالية) ليست إلا صفة للأشياء، بناء على تمول الناس، واتخاذهم إياها مالًا، ومحلًا لتعاملهم، ولذلك لا يكون إلا إذا دعتهم حاجتهم إلى ذلك، فمالت إليه طباعهم، وكان في الإمكان التسلط عليه، والاستئثار به، ومنعه من الناس، وليس يلزم لذلك أن يكون مادة مدخرة لوقت الحاجة، بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسورًا عند الحاجة إليها غير متعذر، وذلك متحقق في المنافع، فإذا ما تحقق ذلك فيها، عدت من الأموال، بناء على عرف الناس وتعاملهم"(5) ، "فالمنفعة تعتبر أساسًا للقيمة والمالية، ولو كانت ترفيهية يسيرة الشأن، كما في تغريد بلبل أو تصويت ببغاء"(6) .
وعلى هذا كله يمكن القول مع الاطمئنان: أن الاسم التجاري منفعة ومال من جانب وهو حق في ذات الوقت من جانب آخر، ولما كانت الحقوق أموالًا يجري فيها الاختصاص والملك ما دام محلها مالًا، أو له تعلق بالمال، ويقبل التجزيء، فإن الاسم التجاري من هذا الوجه مال ومنفعة وحق.
(1) الموافقات: 2/17.
(2)
الحقوق أموال عند المالكية، انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/457، وسيأتي لذلك ذكر لاحقًا.
(3)
الإقناع: 2/59.
(4)
حق الابتكار، الدكتور فتحي الدريني: ص 30.
(5)
الملكية: 1/13.
(6)
حق الابتكار، الدكتور فتحي الدريني: ص 33
التصرف بالاسم التجاري:
إن التصرف بالاسم التجاري – وما في حكمه – ينبني على الكلام في التكييف الفقهي الشرعي له، وقد استقر الرأي واطمأنت النفس تمامًا إلى القول بأن: الاسم التجاري حق ومنفعة ومال يجري فيه الملك
…
وما دام ذلك كذلك فإن الأصل أن تسري فيه، وتجري عليه جميع التصرفات الجارية في الأعيان.
لكن لما كان موضوع الاسم التجاري والحكم الشرعي فيه مستجدًا، احتاج توثيق الحكم فيه إلى أمرين: تأصيله وتكييفه أو بيان طبيعته من جهة، وإثبات إمكان تطبيق هذا التأصيل على فروع المسألة من جهة أخرى، فإذا التقيا وتضافرا تأكد الاطمئنان في سلامة الحكم في أصل المسألة. ومن هنا كانت الحاجة إلى بيان مدى قبول الاسم التجاري لإجراء التصرفات عليه. بعد أن عرفنا تكييفه أمرًا ملحًا.
فبناء على التكييف السابق نستطيع القول: إن جمهور الفقهاء على جواز بيع الاسم التجاري، وإجراء التصرفات عليه بمثل ما تجري على الأعيان سواء بسواء مع ملاحظة أمرين:
الأول: اختلاف طبيعة الأعيان عن المنافع والحقوق.
الثاني: أن يكون الاسم التجاري يعبر عن واقع حقيقي لا صوري، خاليًا عن الكذب والتزييف.
وبيان ذلك يتضح في جانبين أساسين يجمعان شتات الموضوع ويسوغان القول بجواز إجراء التصرفات على الاسم التجاري.
وهذا الجانبان هما: كون الاسم التجاري حقًا، وكونه مالًا.
الجانب الأول - الاسم التجاري حق:
فقد أثبتنا فيما سبق أن الاسم التجاري في حقيقته مصلحة وحق، وقد رأينا اتجاه جمهور الفقهاء إلى اعتبار العلاقة الاختصاصية المباشرة بين التاجر والاسم التجاري بحيث يكون مسئولًا مسئولية كاملة عن هذا الاسم التجاري تجاه الآخرين، وفي ذات الوقت يمتنع على الآخرين الاعتداء على هذا الاسم، حتى يكون الاعتداء عليه اعتداء على حق مالي متقرر ما دام الاسم التجاري يمثل منفعة ذات قيمة في عرف الناس، والعلاقة إذا كانت على هذا الوجه تكون في فقه الشرع علاقة حق عيني، فيكون الاسم التجاري حقًا عينيًا وماليًا إذ الحقوق أموال كما نص عليه المالكية سواء أكانت مالية أو غير مالية (1) مع استثناء الحقوق التي لا تقبل التجزيء – كما سبق التنويه -.
الجانب الثاني - الاسم التجاري مال:
إن الاسم التجاري مال لما فيه من منفعة كبرى، هي أهم منافع المتجر، بل إن المتجر دون هذا الاسم والشهرة والسمعة التي تجلب الجمهور لا معنى له، ولا قيمة تجارية حقيقية فيه.
ولقد ثبتت هذه المنفعة وتأكدت من تعارف الناس والتجار منهم على سبيل الخصوص على اعتبار القيمة والمنفعة في هذا الاسم التجاري، فقبلوا التعارض فيه. والمعاوضة أساس الملك، والملك مال عند المالكية، ونظرًا لما فيه من قيمة فهو مال عند الشافعية والحنابلة – كما سبق بيانه -.
وبالنظر إلى كل من هذين الجانبين سواء كانا مجتمعين أو منفردين تصلح كلها أن تكون محلًا للملك فيجري فيها – في خصوص الاسم التجاري – جريانه في غيرها من الأعيان، فالملك يتحقق دون نظر إلى كون محله عينًا أو منفعة أو أمرًا معنويًا ما دام بالإمكان حيازته واستيفاؤه أو الاختصاص به إذ الاختصاص يقوم مقام الحيازة فيما لا تقبل طبيعته الحيازة المادية كالديون. وإذا كان ذلك كذلك فإن الاسم التجاري يجري فيه الملك والاختصاص فيجوز التصرف فيه بالبيع والهبة والوصية وما إلى ذلك. كما يجري فيه الإرث ويلزم، كما يلزم ضمانه عند التلف، وفي الجملة يجزي فيه ما يجزي في الأعيان، إذ حاله من حالها فحكمه حكمها. مع مراعاة طبيعة كل منهما.
هذا هو الحكم في أصل الموضوع، أما فروعه وتطبيقاته فينبغي أن يراعى فيها ما يشترط لصحة التصرف فيها من شروط.
فيراعى في بيع الاسم التجاري أن لا يترتب على هذا البيع غرر من شأنه إبطال العقد وإفساده فبيع الاسم التجاري يلزمه بيع مضمونه فيما يدل عليه من جودة وإتقان ومواصفات للسلع المشمولة في وعائه. فإن انفصلت الجودة والإتقان عن ذات الاسم التجاري كان ذلك تدليسًا وغشًا لا يوقعه من توهم الجودة، ولما يوقعه من تغرير وتدليس للناس في إقبالهم على ذات السلع بناء على معهودهم في هذا الاسم التجاري الذي يستوعبها. فإن البيع في هذه الحال عقد باطل لما فيه من غرر في المثمن وهو الاسم التجاري.
أما إذا انتقل الاسم التجاري مع ما يدل عليه من جودة بضائعه وثبات صفاته المعهودة لدى المتعاملين معه، فإن تغير صاحب الاسم التجاري لا يغير من الأمر شيئًا فقد انفصل الاسم بمزاياه وشهرته إلى غيره، فلا يترتب على هذا تدليس أو تغرير. يستوي في ذلك أن يكون محل البيع الاسم التجاري وما يستوعبه من سلع وملحقاتها، أو بيع الاسم التجاري منفردًا مع اشتراط أن ينشئ المشتري مضمونًا جديدًا من السلع لهذا الاسم بذات المواصفات والجودة المعهودة من ذي قبل. فإن لم يكن ذلك فيجب أن يعلن التاجر أو الجهة المسئولة للناس كافة: أن الاسم التجاري المعهود لم يعد يمثل ما كان داخلًا في مشتملاته ووعائه، وأن المشتملات قد تغيرت من حيث المواصفات والأنواع. فإن فعل ذلك ارتفع اللبس والغرر.
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/457.
شبهة وردها:
قد يقال: إنه ما دام الاسم التجاري كما تقرر هو حق عيني مالي متقرر، فينبغي ليصح أن يُمَكَّن صاحبه من سلطات الملك الثلاث وهي: الاستعمال والاستغلال والتصرف.
ولا شك أن الاسم التجاري لا يمكن لصاحبه من أن يستعمله استعمالًا شخصيًا، فإذا تخلف عنصر من عناصر سلطة الملك، فلا يصح اعتباره محلًا للملك.
فيرد على هذا: بأن "الملك في جوهره علاقة اختصاصية، أو حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة كما يقول الإمام القرافي في فروقه، والإمام السيوطي في نظائره، ذلك هو مناط الملك، وأما السلطات فآثار الملك لا عينه، والشأن في الملك أن تكون له هذه الآثار، لكن ثبوت هذه الآثار جميعها ليس مناطًا لثبوت الملك نفسه، فالملك يثبت بإحداها ما دام قد تحقق مناطه وهو الاختصاص. ألا ترى إلى حق المرور، هو حق متقرر لمنفعة عقار على عقار آخر، يثبت لصاحبه سلطة الاستعمال فقط دون الاستغلال؟ والموقوف عليهم للسكنى يثبت لهم حق الاستعمال كذلك دون الاستغلال؟ وهذا لا ينفي أن يكون لهم حق في ملك المنفعة على هذا الوجه "(1) .
"فلا أثر إذن لتخلف ثمرة من ثمرات الملك على ثبوت معنى الملك نفسه، فإذا كان الشأن في الملك أن تثبت سلطاته الثلاث جميعًا، لكن ذلك ليس من مستلزماته"(2) ، وعلى هذا فلا ريب أن الاسم التجاري يثبت فيه حق الملك فيما له من سمعة وشهرة وقيمة وإن تخلف أحد سلطات الملك فيه ما دام تخلفها راجعًا إلى طبيعتها، وهذا لا يهدم الملك ولا ينقصه.
الدكتور عجيل جاسم النشمي
(1) حق الابتكار، للدكتور فتحي الدريني: ص 48، وقد ساق ذلك في معرض كلامه على "حق الابتكار"، وحق الابتكار قسيم الاسم التجاري في مقسم الحقوق المعنوية، فما يجري على حق الابتكار من حيث الجملة يجري على الاسم التجاري من حيث طبيعة كل منهما. وقد أفدت منه في هذا الجانب، فلينظر المرجع المذكور: ص 41-48.
(2)
الملكية، للشيخ علي الخفيف: 1/99، عن المرجع السابق ذكره.
المراجع
مُرتبة على حروف المعجم
1-
الإباحة عند الأصوليين والفقهاء، للدكتور محمد سلام مدكور – الطبعة الثانية – المطبعة العالمية – 1965م بمصر.
2-
الاختيار لتعليل المختار، للإمام عبد الله الموصلي – الطبعة الثالثة – 1395 هـ - 1975م بمصر.
3-
أحكام المعاملات الشرعية، للشيخ علي الخفيف – الطبعة الثانية 1363 هـ - 1944م بمصر.
4-
الأشباه والنظائر في قواعد فروع الشافعية، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي – الطبعة الأخيرة – مطبعة مصطفى الحلبي 1378 هـ - 1959م بمصر.
5-
الأشباه والنظائر لابن نجيم
6-
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للإمام شرف الدين المقدسي – المطبعة المصرية بالأزهر.
7-
الأموال ونظرية العقد، للدكتور محمد موسى – الطبعة الأولى 1372 هـ - 1990م.
8-
الإنصاف في الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للعلامة علاء الدين علي بن سليمان المرداوي – الطبعة الأولى – مطبعة السنة المحمدية 1376 هـ - 1956م.
9-
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للإمام زين الدين بن نجيم – الطبعة الثانية بمصر.
10-
بدائع الصنائع، للإمام علاء الدين زين الدين بن مسعود الكاساني – مطبعة الجمالية 1328 هـ 1910م بمصر.
11-
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للإمام محمد بن أحمد بن رشد القرطبي – الطبعة الثانية – مطبعة مصطفى الحلبي 1370 هـ - 1951م بمصر.
12-
البهجة شرح التحفة، للإمام أبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي – الطبعة الثانية – مطبعة مصطفى الحلبي 1370 هـ - 1951م بمصر.
13-
بين الشريعة والقانون الروماني، للدكتور صوفي أبو طالب – طبع مكتبة نهضة مصر.
14-
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للحافظ المباركفوري – الطبعة الثانية، دار الاتحاد العربي للطباعة 1385 هـ - 1965م بمصر.
15-
تحفة المحتاج بشرح المنهاج، للإمام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي بحاشية الشيخ عبد الحميد الشرواني والشيخ أحمد بن قاسم العبادي – طبع بولاق بمصر.
16-
التشريع الصناعي، للدكتور محمد حسني عباس – دار النهضة العربية 1967 م بمصر.
17-
التعريفات، للإمام الشريف علي بن محمد محمد الجرحاني – الطبعة الأولى 1403 هـ - 1983م بيروت.
18-
التلويح على التوضيح شرح التنقيح، للإمام صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود، والشرح للإمام سعد الدين التفتازاني.
19-
جواهر الإكليل شرح مختصر الإمام خليل، للشيخ صالح عبد السميع الآبي – الطبعة الثانية – مصطفى الحلبي 1366 هـ -1947م بمصر.
20-
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، للعلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين – الطبعة الخامسة – مصطفى الحلبي 1386 هـ -1966م بمصر.
21-
حاشية العلامة محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير، للإمام أحمد الدردير – طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
22-
حاشية العدوي على شرح عبد الباقي الزرقاني لمتن خليل – الطبعة الأولى – المطبعة الأميرية بولاق 1306 بمصر.
23-
حاشية الإمامين شهاب الدين القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين، للإمام محيي الدين النووي بشرح العلامة جلال الدين المحَلَّي – طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
24-
حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، للدكتور فتحي الدريني، طبع مؤسسة الرسالة – الطبعة الثالثة 1404 هـ - 1984 م بيروت.
25-
حق الملكية، للدكتور عبد المنعم فرج الصده – الطبعة الثالثة – مطبعة مصطفى الحلبي 1967م بمصر.
26-
درر الحكام شرح غرر الأحكام، للعلامة منلا خسرو وبهامشه حاشية العلامة الشرنبلالي.
27-
رد المحتار على الدر المختار، للعلامة محمد أمين المعروف بابن عابدين طبع الأميرية 1323 هـ بمصر.
28-
شرح فتح القدير، للإمام كمال الدين بن الهمام على الهداية، للمرغناني – المطبعة التجارية بمصر.
29-
شرح المنار وحواشيه من علم الأصول، للإمام عبد العزيز بن ملك على متن المنار، للإمام عبد الله حافظ الدين النسفي وعليه حاشيتا الإمامين عزمي زاده وابن الحلبي – طبع دار سعادة 1315 هـ استانبول.
30-
شرح منتهى الإرادات، للإمام منصور بن يونس البهوتي – نشر عالم الفكر.
31-
الشريعة الإسلامية تاريخها ونظرية الملكية والعقود، للدكتور بدران أبو العينين بدران – نشر مؤسسة شباب الجامعة بمصر.
32-
عون المعبود شرح سنن أبي داود، للحافظ ابن قيم الجوزية – الطبعة الثانية 1388 هـ - 1969 م المدينة المنورة.
33-
الفتاوى البزازية، للإمام محمد بن محمد البزاز بهامش الفتاوى الهندية – الطبعة الثانية الأميرية 1310 هـ بمصر.
34-
فتاوى شيخ الإمام أحمد بن تيمية – الطبعة الأولى – مطابع الرياض 1383 هـ الرياض.
35-
الفروق، للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي – مطبعة إحياء الكتب العربية – الطبعة الأولى 1346 هـ بمصر.
36-
الفقه على المذاهب الأربعة، للشيخ عبد الرحمن الجزيري – الطبعة السادس بمصر.
37-
الفواكه الدواني، للشيخ أحمد غنيم النفراوي شرح رسالة أبي محمد القيرواني – الطبعة الثالثة – مصطفى الحلبي 1374 هـ - 1955 م بمصر.
38-
القانون التجاري، للدكتور علي حسن يونس.
39-
القانون التجاري، للدكتور محمد حسني عباس – دار النهضة العربية 1966م مصر.
40-
قواعد الأحكام، للإمام العز بن عبد السلام.
41-
القواعد في الفقه الإسلامي، للإمام عبد الرحمن بن رجب الحنبلي – الطبعة الأولى 1392 هـ 1973م بمصر.
42-
كشف الأسرار عن أصول البزدوي، للإمام عبد العزيز البخاري.
43-
لسان العرب، لابن منظور.
44-
مبادئ القانون التجاري، للدكتور مصطفى كمال طه – الطبعة الأولى – دار المعارف 1962م بمصر.
45-
المبسوط للإمام شمس الدين السرخسي – الطبعة الأولى – مطبعة السعادة بمصر.
46-
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر – الطبعة الأميرية بمصر.
47-
المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا النووي – مطبعة الإمام بمصر.
48-
مجلة الأحكام العدلية – الطبعة الخامسة 1388 هـ - 1968 م.
49-
محاضرات في الحقوق العينية الأصلية، للدكتور سعيد عبد الكريم مبارك – دار الطباعة الحديثة 1970م البصرة.
50-
المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي، للشيخ مصطفى أحمد الزرقا – الطبعة الثالثة – مطبعة الجامعة 1377 هـ - 1958م دمشق.
51-
مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان، للعلامة محمد قدري باشا – الطبعة الأولى 1338 هـ بمصر.
52-
مصادر الالتزام في قانون التجارة الكويتي مقارنًا بالفقه الإسلامي والمجلة، للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي.
53-
مصادر الحق في الفقه الإسلامي، للدكتور عبد الرزاق السنهوري – مطبعة دار المعارف 1967م بمصر.
54-
المصباح المنير، للعلامة الرافعي.
55-
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، للعلامة مصطفى السيوطي الرحيباني – منشورات المكتب الإسلامي – بيروت.
56-
المعاملات الشرعية، للشيخ أحمد أبو الفتوح.
57-
المعاملات الشرعية، للشيخ أحمد إبراهيم – الطبعة الثانية – لجنة التأليف والترجمة 1363 هـ - 1944 بمصر.
58-
مغني المحتاج، للإمام الخطيب الشربيني على متن منهاج الطالبين، للإمام محيي الدين حيي بن شرف النووي – مطبعة الاستقامة 1374 هـ - 1955 م بمصر.
59-
المغني، لابن قدامة المقدسي – طبع سجل العرب 1389 هـ - 1969م وطبع المنار 1347 هـ بمصر.
60-
الملكية في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد السلام داود العبادي – طبع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الطبعة الأولى 1394 هـ - 1974م الأردن.
61-
الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، للشيخ محمد أبو زهرة – دار الفكر العربي بمصر.
62-
المنثور في القواعد، للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي – تحقيق د. تيسير فائق- الطبعة الأولى – مطبعة الفليج 1402 هـ 1982م الكويت.
63-
الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي، للدكتور عبد العزيز العكيلي – الطبعة الأولى 1398 هـ -1978 م الكويت.
64-
الموافقات في أصول الأحكام، للإمام أبي إسحاق إبراهيم اللخمي الشاطبي – مطبعة المدني – الطبعة الثانية 1395 هـ - 1975م بمصر.
65-
الموسوعة الفقهية – مطبعة الموسوعة الفقهية – دولة الكويت.
66-
الميراث والوصية، للشيخ محمد زكريا البرديسي – طبع الدار القومية للطباعة والنشر 1383 هـ - 1964 م بمصر.
67-
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للإمام محمد بن أبي العباس الرملي – نشر المكتب الإسلامية بمصر.
68-
نيل المآرب بشرح دليل الطالب، للشيخ عبد القادر بن عمر الشيباني، تحقيق الدكتور محمد الأشقر – الطبعة الأولى نشر مكتبة الفلاح 1403 هـ - 1983 م الكويت.
69-
الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، للدكتور صلاح الدين الناهي – الطبعة الأولى – دار الفرقان 1409 هـ - 1984م الأردن.
70-
الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري – الطبعة الثانية دار النهضة العربية 1964م بمصر.