المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

‌تنظيم النسل

وثيقة من المجلس الإسلامي الأعلى

بالجمهورية الجزائرية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن المجتمع الذي ترمي إلى إقامته تعاليم الإسلام الأساسية، مجتمع ميزته الصحة والقوة ومؤسس على العدالة الاجتماعية والأخلاق الفاضلة.

وهذا مما جعل الإسلام ـ المفهوم بهذه المعاني السامية المنبع الذي ننهل منه

باستمرار لاستكمال الثورة الاجتماعية القائمة اليوم في بلادنا.

ففي قضية تنظيم الأسرة مثلا نجد الإسلام الذي هو دين الدولة الجزائرية وموجهها التشريعي يهدي إلى مبادئ يتم صلاح البشرية جمعاء بتطبيقها.

فالآيات الكريمة الصريحة والأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في الموضوع وكذا الآثار المروية عن الصحابة رضوان الله عليهم وآراء كبار الفقهاء وشروحهم تضفي على هذه المسألة الضوء الكافي لاستبانة توجيهات الإسلام الهامة في هذا الميدان، ونذكر من بينها:

أولا: احترام الحياة والحفاظ عليها:

فلقد كرم الله الإنسان ونفخ فيه من روحه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا إذ يقول في كتابه الحكيم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الاسراء:70] ويقول: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] ، فقيمة الحياة عند الله عظيمة إلى حد أن قتل النفس بغير موجب شرعي يعتبر قتلا للناس جميعا، كما أن إحياءها بمثابة إحياء الناس جميعا، {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ؛ لذلك كله نجد القرآن الكريم يحرم الوأد الذي يلجأ إليه العربي في الجاهلية لسببين أساسيين، أحدهما أخلاقي: خشية العار والهون الذي يلحقه بزعمه من الأنثى، وثانيهما اقتصادي: خشية الإملاق.

ص: 463

وقد دحض القرآن هاتين الحجتين الجاهليتين الواهيتين بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) } [لنحل 58-59] كما قرر: أن مكانة المرأة عند الله مثل مكانة الرجل يقول عز وجل {لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]

إن الله هو الرزاق لكل مخلوقاته: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] على أن يتخذ الإنسان الأسباب فيؤدي الجهد والعمل اللازم لتحصيل قوته: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] وعلى أن يسود العدل في توزيع الأقوات على العباد {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] إن الطفل يجب أن يحظى بالاحترام والعناية المطلقة من النطفة إلى الولادة إلى البلوغ ولو كانت ولادته من غير زواج شرعي ومعلوم أن الشرع قد فرض الكفالة على المجتمع للأولاد المشردين ولهذا الاعتبار خاصة نجد الفقهاء يبيحون العزل إذا دعت إليه الضرورة، رغم ضرره النفسي على الزوج والزوجة فالعزل الظرفي بالقياس إلى وسائل منع الحمل الحديثة مباح لكونه لا يلحق أذى بحياة موجودة ولا يمس أيضا بمبدأ حفظ النسل وقد بين الإمام علي كرم الله وجهه وأقره على ذلك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن العزل ليس الموءودة الصغرى ولا تكون كذلك حتى تمر عليها الأطوار السبعة (1) وذلك بخلاف الإجهاض فإنه محرم تحريما قطعيًّا إلا لضرورة الحفاظ على صحة المرأة أو الولد؛ لأنه تَعَدٍّ واضح على حياة موجودة كما أنه خلاف التعقيم بكل الوسائل المؤدية إليه؛ لأنه تعطيل نهائي لوظيفة التناسل فهو ممنوع شرعا.

(1) انظر كتاب الحلال والحرام للدكتور يوسف القرضاوي صفحة 192

ص: 464

ثانيا: مسؤولية الوالدين عن أولادهما:

إن القدرة على تحمل أعباء الزواج ومنها النفقة على الزوجة شرط يعتبره الفقهاء.

بدرجات متفاوتة في حِلِّيَّةِ الزواج والمذهب المالكي يجعل النكاح حراما على من كان عاجزا عن الإنفاق على المرأة من كسب حلال ولم يخش الزنا إلا أن ترضى الزوجة بذلك فلا يحرم.

كما أن القيام بنفقات الأولاد وتربيتهم إلى أن يبلغوا فرض على الوالدين ويتحملان إثما كبيرا إذا أهملاهم فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)) رواه أبو داود ويقول أيضا في الحديث المشهور: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها " رواه أحمد في مسنده.

وتتجلى في هذا الحديث النبوي الشريف خطورة المسئولية الملقاة على كاهل كل إنسان في شتى ميادين الحياة ومنها إنجاب الأولاد فإنجابهم وإهمالهم والرمي بهم إلى الشارع عمل يكرهه الإسلام ويحذر منه.

ثالثا: وجوب تحلي الأمة الإسلامية بالعزة والقوة.

إن الإسلام يحث المسلمين على أن يكونوا أقوياء في جميع الميادين: الجسمي الخلقي العسكري العلمي الاقتصادي. . . إلخ، فالله تعالى يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول ((: المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)) .

إلى غيرهما من الآيات والأحاديث الدالة على أن المسلم يجب أن تتمثل فيه صفات العزة والرفعة لا الذلة والمهانة، حقًّا إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا المسلمين إلى التناسل والتكاثر، ولكن الكثرة المنشودة هي الكثرة التي تصلح للمباهاة لا الكثرة السلبية التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها كغثاء السيل أي لا قيمة لها ولا وزن سواء عند الله أو عند العباد، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن. قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: " الوهن حب الدنيا وكراهية الموت ")) رواه أبو داود والبيهقي. وبهذا يتضح أن المعتبر في الإسلام هو النوعية قبل الكمية.

ص: 465

رابعا: مراعاة صحة الزوجة والأولاد:

إن الأحاديث الداعية إلى العناية الكاملة بالصحة عموما وبصحة الزوجة والأولاد

خصوصا لا تكاد تحصى، وهدفها الواضح هو بناء الأسرة المسلمة سليمة قوية.

ونكتفي بذكر حديث واحد لأهميته، إذ يقرر بوضوح في نظرنا شرعية مبدأ

المباعدة بين الولادات إن لم نقل: يحث عليه ويستحبه.

هذا الحديث هو حديث الغيل وهو الاتصال بالزوجة المرضعة لتحمل من جديد قبل

أن يستكمل الرضيع الأول الفترة الشرعية المحددة، (1) وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم غيلا؛ لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد،

وإنما سماه غيلا لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرا (2)

ولفظ الحديث هو: ((لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس قيد عثرة))

رواه أبو داود، و:((لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ثم رأيت فارس والروم يصنعون ولا يضر أولادهم شيئا)) رواه مسلم.

ويستخلص ابن القيم أن المقصود من الحديث الإرشاد والاحتياط للولد، وأن لا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه كما يستخلص الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، بعد تحليل هذا الحديث ما يلي:

(وقد استحدث في عصرنا من الوسائل التي تمنع الحمل ما يحقق المصلحة التي هدف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حماية الرضيع من الضرر مع تجنب المفسدة الأخرى وهي الامتناع عن النساء مدة الرضاع وما في ذلك من مشقة وعلى ذلك نستطيع أن نقرر أن المدة المثلى في نظر الإسلام بين كل وليدين هي ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون شهرا، لمن أراد أن يتم الرضاعة) و (24 شهرا + 9 أشهر = 33 شهرا)(3)

(1) انظر زاد المعاد / ج 4 ص18، الطبعة الثانية (1950)

(2)

(د. يوسف القرضاوي ـ الحلال والحرام ص (165)

(3)

راجع د / يوسف القرضاوي ـ الحلال والحرام ص166 الطبعة 11 (1977)

ص: 466

خامسا: احترام إرادة الزوجين وحرية اختيارهما:

إن الإمام مالكا رضي الله عنه ومعظم الفقهاء قرروا أن رضى الزوجة ضروري في الامتناع عن الحمل وأثبتوا للزوجة الحق في الولد وهذا منذ 14 قرنا

سادسا: التشريع الإسلامي يعتبر المصلحة العامة:

إن المصلحة العامة معتبرة شرعا وقد صنفت في باب المصالح المرسلة التي يرى جمهور علماء المسلمين والمالكية منهم خاصة أنها حجة شرعية يبنى عليها تشريع الأحكام إذا ثبت أنها مصلحة حقيقية، وأنها مصلحة عامة لا مصلحة شخصية ولا تعارض نصا أو حكما شرعيا صريحا.

سابعا: احترام الأخلاق الإسلامية:

لقد شرع الله الزواج وحرم الزنا تحريما قطعيا؛ فلذلك ينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى لا تصبح وسائل منع الحمل المعدة أساسا للزواج لتنظيم أسرة، تيسيرا أو تشجيعا للإباحية الاخلاقية، إذ أن المصلحة المرجوة منها قد تنقلب إلى مفسدة وقاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية تمنع ذلك وتقضي بإغلاق الباب الذي يؤدي إلى المضرة والفساد.

نص فتوى المجلس الإسلامي الأعلى

بدعوة من السيد عبد الرحمن شيبان وزير الشئون الدينية اجتمعت لجنة الفتوى والدعوة والإرشاد للمجلس الإسلامي الأعلى بمقر الوزارة تحت رئاسة الشيخ أحمد حسين النائب الأول لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى وبحضور الأمين العام لوزارة الشئون الدينية نيابة عن السيد الوزير والأستاذ أحمد درار مستشار بالوزارة.

وبعد أن قدم السيد الأمين العام للوزارة موضوع الاجتماع وهو: النظر في توسيع المدة الفاصلة بين الولادتين، نوقشت المسألة من طرف الأعضاء الحاضرين واتفقوا على ما يلي:

ص: 467

أولا: التأكيد على المبادئ التي أقرها المجلس في جلسات سابقة حول تنظيم النسل وخاصة خلاصة الفتاوى التي قدمت في شهر محرم 1400هـ الموافق لشهر ديسمبر 1979م، وهذا نصها:

وإن اختلف علماء الإسلام ماضيا وحاضرا في إباحة العزل ومنعه أو تقييده بشروط معينة وقياس بعض الأدوية والطرق المانعة للحمل بصفة مؤقته عليه، فهم مجمعون على تقييده بالاختيار الفردي لاستعماله أو عدم استعماله حسب الظروف والمبررات وعدم اللجوء إلى التقنين الشامل الذي يدفع الناس مكرهين إلى تحديد النسل أو تنظيمه، أو إجبارهم عليه أو على استعمال الوسائل المستحدثة بدلا عنه، وإنما يترك الأمر إلى الأفراد ومبادرة كل واحد حسب قناعته والدوافع الشخصية التي تحمله على ذلك من غير أن يخشى الوقوع في الحرام. ويكون بث الوعي هو وحده الطريقة المثلى لمعالجة هذا الموضوع الشديد الحساسية.

ثانيا: ترى اللجنة أن مسالة توسيع المدة الفاصلة بين الولادتين موكولة لاتفاق الزوجين وتراضيهما وحكمهما يخضع لظروفهما النفسية والمادية والاجتماعية.

والله الموفق..

حرر بالجزائر في 21 محرم 1403هـ

الموافق 7 نوفمبر 1982 م

عن اللجنة.

الشيخ / أحمد حسين

الشيخ / محمد الصالح بن عتيق

الشيخ / حمزة بكوشة الشيخ /علي المغربي

الأستاذ / بلحاح شريفي

ص: 468

مناقشة البحوث

بسم الله الرحمن الرحيم

الرئيس:

نرجو من الأستاذ حسان حتحوت أن يتفضل بالعرض عن موضوعنا اليوم وهو منع تحديد النسل وأرجو أن يكون العرض في ظرف عشرين دقيقة.

الدكتور حسان حتحوت:

بسم الله الرحمن الرحيم:

أسهبت أقلام فاضلة ومؤتمرات سابقة في هذا الموضوع فلا أجد محلا لتكرار ما تعرفون وإنما أجمل فأقول: إن أغلبية الفقهاء اتجهت إلى أن منع الحمل في ذاته ليس حراما شرعا وإن كان للقلة رأي آخر ولكل من الرأيين حجته وأسانيده، واستندت الغالبية إلى روايات عن الصحابة بأنهم كانوا يمارسون العزل بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يحرمه، وبأن الغزالي أجازه على مدى واسع من المبيحات الطبية أو الاجتماعية أو الشخصية، وإنما قيدت الإباحة بشروط شرعية معروفة، فليس من الجائز تعطيل المقصدين الشرعيين للزواج في الإسلام وهما الجنس والإنجاب أحدهما أو كليهما في حال القدرة عليهما، وليس من الجائز انفراد الزوج بقرار منع الحمل فلابد أن يكون ذلك بإذن الزوجة؛ لأن الأمر شركة بينهما، ومن الواجب أن تكون وسيلة منع الحمل خالية من المضار ولا يجوز أن تكون الوسيلة مهدرة لحياة تكونت ولو في أدوارها الأولى.

وهنا أود أن أشير في موضوع اللولب إلى أن منظمة الصحة العالمية في أكتوبر سنة 1987 م أصدرت تصريحا بأن اللولب يعمل مانعا للحمل وليس مجهضا كما كان يظن في السابق ولا يجوز أن تنطوي الوسيلة على مصادرة نهائية لوظيفة الإنجاب إلا تحت الظروف الاستثنائية التي تبيحها الشريعة، ومع ذلك فهناك اعتبارات هامة لابد منها من باب العلم أولا ثم من باب ضبط خطانا إزاء خُطَى الآخرين حتى لا يظن بنا النية الواحدة إن اتفقنا في مرحلة من المراحل، وأود في البداية أن أشير إلى أن الإباحة الشرعية ليست هي المصفاة الوحيدة التي يستعملها المسلم وهو يقرر ما يأخذ أو يدع، فالحرام بطبيعة الحال حرام، أما الحلال فرقعته واسعة بحكم أن الأصل في الأشياء الإباحة. والمسلم فردا أو مجتمعا كل منهما مطالب بأن ينظر في المباحات العديدة فيختار أنسبها وأصلحها وأوفاها.

ولا غرابة في ذلك فما ألبسه في بيتي قد لا يصلح أن ألبسه في عملي وكلاهما حلال. وسنجد لذلك تطبيقاته في موضوع منع النسل وتنظيمه.

ص: 469

خلال عملي أجريت كل طرائق تحديد النسل وطالما أطنبت وبشرت بين مريضاتي أو طلابي عن المخاطر الصحية التي تتعرض لها النساء غزيرات الإنجاب وقناعتي أن منع الحمل في ذاته ليس حراما، ولكن هل معنى ذلك أن أكتفي بإجابة مبسطة عن سؤال بسيط هو حلال أو حرام، أو أن أكتفي بأن الاعتبار الطبي هو المرجع الوحيد فيما ينبغي للناس أن يأخذوا أو يدعوا؟ لا، لأن شواهد العصر ترينا بوضوح أن بين الحروب المستعرة في عالمنا هذا حربا تسمى الحرب الديموغرافية، تلك التي تهدف إلى تغيير الأنماط السكانية لتجعل الأغلبيات أقليات والأقليات أغلبيات وهي تستعين على ذلك بأسباب، منها التبشير بمنع الحمل ولعل من الأمثلة البليغة على ذلك شعب فلسطين، فإن الصداع الأكبر في الدماغ الإسرائيلي ليس الدولة العربية وليس الجيوش العربية وإنما التفاوت الكبير في معدل الإنجاب بين السكان العرب واليهود فإن استمر أفضى إلى أن يجد اليهود أنفسهم بعد بضعة أجيال أقلية مغلوبة، أفيعقل أن نقيم حملة بين نساء العرب لتهويل مخاطر الإنجاب وتزيين مزايا التحديد معتمدين على أن الحكم الشرعي أن منع الحمل حلال؟ إن الأمة التي فقدت كل شيء إلا عدد أفرادها، لا يجوز لها شرعا أن تفرط في هذه الميزة الباقية وليست فلسطين هي المثال الوحيد للحرب الديموغرافية، بل أعلم بالاطلاع الشخصي أن هذه الحرب الديموغرافية دائرة الرحى منذ زمن في أكثر من بلد من بلاد الشرق الأوسط دونما تسمية حتى لا يظن بنا إشعال فتنة طائفية.

أذكر في مطالع حياتي الجامعية أن العلاقات ساءت بيننا وبين دولة غربية كبرى وانقطعت الصلات حتى نبه علينا بأن لا ندخل المكتبة التابعة لهم، إلا بإذن من مجلس الوزراء وكانت هي المكتبة الوحيدة التي تتيح لنا الاطلاع على ما أقفرت منه مكتباتنا؛ نظرا لقيود العملة وطالت القطيعة كل شيء إلا شيئا واحدا هو تمويل أبحاث تحديد النسل في بلادنا من قبل تلك الدولة العظمى ظاهرة في الواقع توحي بسوء الظن حتى بت أعتقد أن مشكلة الانفجار السكاني وقصور موارد الأرض إزاء تفاقم سكانها إنما تمثل جانبا من الحقيقة لا الحقيقة كلها، وإلا فكيف نفسر أن بعض الدول الكبرى لا تتورع عن إحراق الفائض من حاصلاتها الغذائية أو إلقائه في اليم حتى لا تهبط أسعاره وفي عالمنا الذي أصابته المجاعات نرى فائض المحاصيل سلعة استراتيجية للضغط السياسي ولا يستخدم منه في وجوه البر إلا نزر يسير عن طريق هيئات خيرية أو تبشيرية لها هي الأخرى أهداف ومقاصد، ومعلوم أن موارد ضخمة للغذاء في البر والبحر جاهزة لكشف النقاب عنها.

ص: 470

وأن التقنيات العلمية على استعداد لمضاعفة تلك الموارد وأن جزءا من مائة من ميزانيات التسلح لو وجه هذه الوجهة لكان بليغ الأثر في سد هذه الهوة، أما العالم الثالث الفقير الذي انهمرت دموع العالم الأول أسفا عليه فأحسب أن الذي يقصم ظهر اقتصاده حقيقة ليس النمو السكاني بقدر ما هو الربا الباهظ الذي يستأديه منه العالم الأول عن ديونه حتى بات الاقتصاد القومي عاجزا عن الوفاء بفوائد الديون فضلا عن الديون نفسها على أنني لا أريد أن أطوي بعض الحقيقة، وإذا بدا حديثي وكأنه ضد تحديد النسل فعلي أن أسائل نفسي ماذا يستطيع بلد من البلاد كمصر أن يفعل إذا كان مقدار التنمية أقل من أن يشبع عدد الأفواه الجديدة التي تولد في كل عام؟ وكيف ألوم أسرة بذاتها إن طحنتها أعباء الحياة فلجأت إلى التحديد؟ ولقد هبت على ذلك عاصفة من الانتقادات بعضها يرتكز على حجج سليمة ولكن بعضها يستشهد بقول الله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء 31] وقوله:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام 151] الاستشهاد هنا في غير موضعه فليس في منع الحمل قتل ولد، لا بعد أن يولد ولا قبل أن يولد وهو ما فرق فيه الغزالي بين منع الحمل والإجهاض، فقال: (وليس ذلك كذلك، فإن الإجهاض عدوان على موجود حاصل

إلخ ما قال) وعلى الرغم من أنني أبصر وجه الضرورة التي تلجئ مصر وأمثالها إلى الأخذ بسياسة تحديد النسل فإن هذه السياسة في اعتقادي لا تمثل العلاج الإسلامي لهذه المشكلة، كما أنها مرفوضة إن كانت قهرية والجفوة بينها وبين الحل الإسلامي ليست مسئولية مصر وحدها ومن لف لفها وإنما أصل الخلل أن العالم الإسلامي لا يتصرف على أنه عالم إسلامي ما زال القطر من أقطاره ينظر إلى غيره على أنه الآخر وليس الأنا ما زال هناك الذي ينوء بالغنى والذي ينوء بالفقر الأرض الخصبة في مكان والسواعد الدربة في مكان والمال الوافر في مكان ثالث، ولكنها لا تلتقي، ولو كانت كلها للإسلام لالتقت، ويقول الله:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون 52] فنسمع ولا نلبي ولسنا هنا ندعو لمظهرية وحدة، ولكن الحقيقة الوحدة تراحما وتلاحما وتنسيقا إذن لوجدنا الحل لا لمسألة تنظيم النسل ولكن لكافة العقبات التي تحول بين العالم وبين الاهتداء بنور الله الذي جائنا وكلفنا بنشره.

ص: 471

إن موضوع تحديد النسل في العالم حديث نسبيا ولعله بدأ بصورة مسموعة عندما تبنت بعض الحكومات سياسة التحديد من باب الضرورة الاقتصادية فدعت الفقهاء إلى أن يبينوا للناس أنه ليس حراما شرعا وكانت من ذلك كتابات وأحاديث وإسهامات فقهية في مؤتمرات قومية وإقليمية وعالمية ولا نشكك في إخلاص فقهائنا الذين اضطلعوا بذلك، ولا نقدح فيما وصلوا إليه من رأي الإباحة ورغم اشتراكهم في هذا الرأي مع الهيئات الدولية الداعية إليه فإننا نود أن نؤكد أن هؤلاء وأولئك لم يكونوا جيادا تجري في عنان واحد وبنية واحدة، فحركة تحديد النسل العالمية نبعت من آراء داروين ثم مالثيوس اللذين تحدثا من جانب عن تكاثر الناس أكثر من تكاثر الموارد ولكن من الجانب الآخر عن أن الأجناس المتخلفة تشكل عبئا على الأسرة الإنسانية وتلويثا لنقائها فينبغي أن لا يسمح لها بالتكاثر غير المقنن ثم كان امتدادهما في حمل لواء الحركة على الأخص سيدتين هما ميري ستوبس في بريطانيا ومارجريت سنجر في أمريكا تحت شعار حركة الدفاع عن المرأة الذي خلط صالحا وسيئا، فكان فيه الفوائد الصحية لتحديد النسل ولكن كان فيه كذلك ضرورة مساواة المرأة بالرجل في الحريات ومنها حرية الجنس مشروعا أو غير مشروع غير مهددة بحدوث حمل غير مرغوب وبأموال مرجريت سنجر مولت الأبحاث التي أنتجت حبة منع الحمل الأولى، وبنفوذها تأسس الاتحاد العالمي لتنظيم الوالدية وله صلاته ونشاطه في كثير من بلادنا.

ولقد رأيت له في مؤتمرنا هذا ورقة لي عليها بعض الاحتراز واستقر للحركة النصر فيما يختص بمنع الحمل فإذا هو الأن حق أكيد للمتزوجات وغير المتزوجات والقاصرات وتلميذات المدارس بصحبة تغيير شامل في القيم والمفاهيم أفضى إلى أن ما نسميه نحن زنا ونعترض عليه أصبح نشاطا إنسانيا عاديا لا غبار عليه وهو حق لمن أراده كانت المعركة التالية معركة إباحة الإجهاض وجعله حقا لكل من تطلبه وكانت الآثار الأخلاقية لذلك بالغة المدى فأغلبية المجهضات على مستوى العالم غير متزوجات وفيما طالعت من مؤتمرات فقهية سابقة من تناول لموضوع الإجهاض واختلاف عليه فإن الصاحي لمجريات الأمور في عالمنا الحاضر يدرك بوضوح أنه لو لم يكن هناك من داع لمنع الإجهاض إلا باب سد الذرائع لكفى وزاد، ونحسب أن موضوع الإجهاض قد حسم الآن في أكثر من مؤتمر إسلامي باعتبار حياة الإنسان محترمة في كافة أدوارها فلا يجوز إهدارها إلا لإنقاذ حياة الأم وبينما ظن الفقهاء السابقون منذ قرون أن بدء الحياة قرين نفخ الروح الذي أورده حديث الأربعينات أو إحساس الأم بحركة الجنين في بطنها وكلاهما يكون في نهاية الشهر الرابع للحمل تنبئنا المعطيات العلمية الحديثة أن حياة الفرد منا قد بدأت قبل ذلك بكثير بدأت في الواقع منذ بدايتها بالتحام الحيوان المنوي والبويضة وكل منهما نصف خلية ليكونا الخلية الكاملة ذات الحصيلة الإرثية التي تميز الجنس الآدمي عامة كما تميز إنسانا فردا بعينه لم يتكرر بتمامه ولن يتكرر منذ آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ص: 472

والمطلع على أحكام الفقه عن الجنين في باب الإرث والديات ورعاية الحامل وعبادتها وأحكامها يدرك أن للجنين في الإسلام أهلية وجوب ناقصة من حيث أن له حقوقا وإن لم تكن عليه واجبات ويزيد الأمر وضوحا أن نعلم أنه إذا حكم على امرأته بالإعدام وكانت حاملا في أية مرحلة من الحمل مهما كان باكرا فإن تنفيذ الحكم يؤجل حتى تلد وترضع احتراما لحق هذا الجنين في الحياة مهما كان باكرا وحتى لو كان الحمل من سفاح.

وأما الثالثة في مجال التحديد بعد المنع والتجهيض فجراحات التعقيم وهي كذلك موجة عالمية اجتماعية سياسية خارج نطاق الطب يدعو أهلها إلى تعقيم أعداد أزيد وأزيد في أعمار أصغر وأصغر وعدد أولاد أقل وأقل، وجراحة التعقيم محدث لم يرد فيه نص ولكن مما يدل على أن اتخاذ القرار بها أمر خطير للغاية أن نعلم أنه في باب الديات فإن الإصابة التي تفضي إلى منع القدرة على النسل تستحق دية نفس كاملة ولهذا نرى حصرها في الضرورة الطبية أو عندما تكون الفترة الإنجابية قد قاربت النهاية خاصة وفي الوسع تدبير البديل من وسائل منع الحمل المؤقتة بدلا من إجراء جراحة لا تضمن الرجعة فيها إن تغيرت الظروف بتغيير الزوجة وفقد الأولاد ويكون الندم ولات حين مندم وغير صحيح أن إعادة الخصوبة آنذاك مضمون بالجراحة كما يروج بعض الزملاء.

نقول: تنظيم النسل وتحديده فما الفرق بينهما؟ أسماء سموها فعندما ثارت اعتراضات على المنع والتحديد سموه التنظيم وأدخلوا فيه علاج العقم أي بالنقص والزيادة وقبل أن نتطرق إلى موضوع علاج العقم نشير إلى أن مسألة إرضاع الأمهات أولادهن من أثدائهن رضاعا طبيعيا حازت رضاء الإسلام بلا شك بل قدر القرآن له سنتين لمن أراد أن يتم الرضاعة ولو تم ذلك لكان أنجع وسيلة للمباعدة بين الأحمال نظرا لأن للرضاع أثرا سلبيا على الخصوبة فضلا عن ما فيه من فوائد للمواليد والوالدات جسمية ونفسية ولو كان الأمر بيدي لطوعت كل الظروف واستعنت بكل الوسائل للاستغناء عن الحليب الصناعي وتمكين الوالدات العاملات المتفرغات من أداء الرضاع الطبيعي.

وننتقل إلى علاج العقم فنقول: إن الحرص على الذرية أمر فطري وإن السعي إليها لمن حرمها مطلب مشروع ما دام يتم بوسائل مشروعة ووسائل ذلك الآن عديدة بتعدد الأسباب ولا يستطيع الطب الآن ولا نحسبه سيستطيع في المستقبل أن يكفل الشفاء في مائة بالمائة من الحالات فمن يشأ الله يبق عقيما وقد عرضت مؤتمرات طبية فقهية سابقة لطائفة من الوسائل الحديثة التي ابتكرها الطب الغربي والمعروف أنه لا يتقيد بدين وكان لعلماء المسلمين رأيهم فيها ونرى أن نوجزها هادفين إلى التذكرة عازفين عن التكرار وحبذا لو قدمنا لذلك بالأسس الشرعية التي تحكم هذا الموضوع وهي ثلاثة:

ص: 473

الأول: إن الزواج بعقده الشرعي المعتبر هو الآن الوعاء الوحيد المشروع لكل من الجنس والإنجاب.

الثاني: إن عقد الزواج غاية أقرب الأجلين طلاقا أو مماتا وكلاهما ينهي الزوجية.

الثالث: إن الزواج كما يدل ظاهر التسمية إنما ينتظم اثنين لا ثالث لهما ولا رابع ولا خامس وليس هناك عقد زواج يسع أكثر من اثنين هما الزوجان فإذا تعددت الزوجات تعددت العقود وكل دائما بين اثنين.

إن طبقنا هذه الأسس وجدنا إذن التلقيح الصناعي جائز بمني الزوج لزوجته حال قيام الزوجية وإن تقنية أطفال الأنابيب جائزة بين الزوج وزوجته أي بمني منه وبويضة منها وذلك حال قيام الزوجية وبدون إقحام طرف غريب من مني أو بويضة أو جنين أو رحم وعلى هذا فمسألة الرحم الظئر مستأجرة أو موهوبة لا تجوز وكما لا يحل المني الغريب لا تحل البويضة الغريبة ولا الجنين الغريب لا استقبالا من غريب ولا إيداعا في غريب ولا يجوز أن تحمل الضرة جنين ضرتها ولو اشتركا في الزوج وإلا أقحمنا طرفا ثالثا على ثنائية عقد الزواج وهي ثنائية لا تقبل التثليث وتشكل مسالة الرحم الظئر منعطفا خطيرا في تاريخ الإنسانية فلأول مرة في التاريخ تحمل أنثى الإنسان طواعية وقد قررت سلفا أنها ستتخلى عن جنينها لغيرها ولما كان هذا في الغالب الأعم يحدث لقاء مال متفق عليه فقد اختزلت الأمومة من قيمة إلى ثمن والأصل أن صلة الرحم في فطرة الإنسان وفي شرعة الإسلام قيمة تجل عن معيار المادة وتقدير الثمن ولقد نشأت عنها في بلاد مروجيها مشاكل عديدة لعل أشهرها تحرك عاطفة الأمومة في نفس الحامل حتى إذا ولدت وتهيأت للإرضاع تشبثت بالوليد ونشب النزاع بينها وبين صاحبة البويضة وراحت كلٌّ أمام القضاء تسوق حجتها في موقف أقل ما يوصف به أنه اختلاط أنساب فالإسلام يأباه ويأبى ما يؤدي إليه ولكن إن حدث فغالب علماء المسلمين اليوم يرون الأمر على بداهته وهو أن الوالدة هي الوالدة هذه سياحة سريعة في موضوعنا ومن الخير أن نحكم خطوط دفاعنا الإسلامية حتى لا تغزونا تلك الجدائد على علاتها وإنما بعض أرضها على أحكام الإسلام فما اتفق أخذناه وما خالف نبذناه ويبقى في رقابنا واجب آخر نحو بقية العالم الذي أوشك أن يعبد العلم من دون الله وأن يتخذ إلهه هواه ذلك هو واجب الهداية ونعلم أن الغرب في حاجة لاهبة إليه فتلك رسالتنا إن كنا حقا ورثة النبوة التي أرسلها الله رحمة للعالمين فلقد استطال العلم واستطال الإلحاد ولم يزد الإنسان إلا شقاء فعسى الله أن يهدينا ويهدي بنا ويجعلنا أهلا للرسالة وأوفى بالأمانة. بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف 108] وقد انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه فعسى أن نكون ممن اتبعه والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ص: 474

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

السيد رئيس الجلسة المحترم أساتذتي الحضور لقد أغناني أستاذنا الكريم حسان حتحوت في الكلام عن تحديد النسل من الوجهة الاجتماعية والشرعية بصورة عامة وسوف أتجنب الكلام فيما ذكره الأستاذ الفاضل مقتصرا على ذكر أهم النصوص الفقهية في هذه المسألة فأقول وبالله التوفيق:

هناك فرق كبير بين تنظيم النسل المقصود بالبحث هنا وبين منعه بصورة دائمة.

وذلك بإجراء بعض العمليات الجراحية وبعض الطرق العلمية التي تحقق هذا الغرض ومنع الإنجاب نهائيا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج الذي من أهم أغراضه ومقاصده التناسل كما بينت ذلك النصوص الشرعية ثم إن قواعد الشريعة تدل على منع ذلك الأمر وتحريمه من غير ضرورة فإن في الحرمان من النسل نهائيا مضرة ظاهرة يأباها الشارع وتدخل فيما نهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) وواضح وجه المضرة في الحرمان من النسل فإن الشريعة الإسلامية وما تعارفه الناس في أمر النكاح يقتضي أن يكون هناك تناسل لعمارة الأرض وبقاء الإنسان.

لتنظيم النسل وسائل متعددة منها ما تتم قبل تكوين الجنين في رحم المرأة وذلك بأن يمتنع الزوج من وطء زوجته في فترة معينة من طهرها وغالبا ما يكون ذلك في العشرة الوسطية من الطهر عندما تكون بويضة المرأة مهيأة للتلقيح أو في استعمال بعض العقاقير الطبية التي تقلل فرصة الحمل وأحيانا يلجأ الزوج إلى العزل وذلك بأن يقذف ماءه خارج رحم زوجته وهناك وسائل أخرى تلجأ إليها بعض الأسر بعد تكوين الجنين في رحم أمه سواء كان في مراحل تكوينه الأولى أم الأخيرة ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص.

حكم الحالة الأولى: وهي ماذا استعمل الزوجان الوسائل الكفيلة بمنع الحمل بصفة مؤقتة قبل تكوين الجنين ومنع الحمل بهذه الصفة أمر معروف لدى الأمم قبل الإسلام وبعده ومنهم الفرس والرومان وقد اتخذ العرب في الجاهلية العزل وسيلة لمنع الحمل أيضا ولما جاء الإسلام والناس على هذا الحال وكان بعض من دخلوا في الإسلام يتبعون هذه الوسيلة سأل بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم العزل باعتباره وسيلة للتحكم في الحمل طالما وجدت الرغبة في عدم حصوله فأدلى الرسول صلى الله عليه وسلم بما يشعر من إباحته.

فما هو العزل؟ هو أن ينزع الرجل بعد الإيلاج ليقذف مائه خارج الرحم ويلجأ إليه لأحد سببين: إما خوفا على الرضيع من أن يلحق به من ضرر إن وجد أو لئلا تحمل المرأة.

ص: 475

رأي الفقهاء في العزل: الأصل عند الجمهور هو جواز العزل إلا أنهم اختلفوا في اشتراط إذن الزوجة له أو عدم اشتراطه وذلك على النحو التالي:

نص الحنفية على إباحة العزل بعد إذن الزوجة إذا كانت بالغة إذ غير البالغة لا ولد لها وكالبالغة المراهقة إذ يمكن بلوغها وحبلها وقد نقل ابن عابدين عن بعض كتب المذهب أن الزوج إذا خاف من الولد السوء فله العزل بغير رضاها بسبب فساد الزمان وهذه وجهة نظر الحنابلة أيضا قال ابن قدامة: ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها وهل الاستئذان واجب أو مستحب؟ قال القاضي الحنبلي: ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل ويحتمل أن يكون مستحبا لأن حقها في الوطء دون الإنزال وإباحة العزل قال المالكية به أيضا وفي مذهب الشافعية ما يؤيد هذا الرأي أيضا.

دليل الجمهور فيما ذهبوا إليه: استدل الجمهور على إباحة العزل للزوج من زوجته سواء من اشتراط منهم إذنها أو لم يشترط بالروايات الصحيحة الواردة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تشعر بجواز ذلك وقد جزم ابن حزم الظاهري بتحريم العزل وقالت الزيدية بكراهيته مستدلين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن العزل قال: ((ذلك الوأد الخفي)) .

الحالة الثانية: وهي إذا ما تعمدت المرأة إسقاط النطفة بعد تكوينها في رحمها وذلك باستعمال العقاقير الطبية أو إجراء عملية جراحية أو ما أشبه ذلك وهو ما يعبر عنه بالإسقاط أو الإجهاض.

وقبل أن أنقل رأي الفقهاء في الاعتداء على الجنين بما ذكرناه أود أن أبين هنا مراحل تكوين الجنين بقدر ما له صلة بموضوع بحثنا هذا.

أطوار الجنين في الرحم: لقد تناول القرآن الكريم أطوار الجنين في رحم أمه من وقت التلقيح الذي هو أصل التكوين الجنيني حتى مرحلة نفخ الروح فيه وتكوين العظام أو إكسائها باللحم ثم جعله إنسانا كامل الخلقة وكل هذه الأطوار يتناولها قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . [المؤمنون 12-14] يتعرض القرطبي في تفسيره للأطوار الثلاثة التي يمر بها الجنين عند بدء تكوينه ويفسر كل طور من هذه الأطوار ومن المفيد أن ننقل ما قاله رحمه الله بهذا الخصوص النطفة: هو المني سمي نطفة لقلته وهو القليل من الماء وقد يقع على الكثير منه، العلقة: وهو الدم الجامد، المضغة: وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ومنه الحديث "ألا وإن في الجسد مضغة"، والأطوار المذكورة عدتها أربعة أشهر.

وحكي عن العباس قوله: "وفي العشر بعد الأشهر الأربعة ينفخ فيه الروح فذلك عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر".

ص: 476

ومما مضى تأكد بأن نفخ الروح في الجنين يكون بعد مائة وعشرين يوما وذلك محل اتفاق بين جميع العلماء وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف.

رأي العلماء في الاعتداء على الجنين بالإجهاض: بعد هذا العرض لتكوين الجنين في رحم أمه أذكر ما قاله فقهاؤنا رحمهم الله بخصوص جواز إسقاطه أو عدم جوازه وفي أي مرحلة من مراحله يجوز الإسقاط وفي أي مرحلة لا يجوز اتفق الفقهاء على القول بتحريم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين أما قبل النفخ فقد اختلفت أراؤهم في ذلك على النحو التالي:

أجاز الحنفية في كثير من كتبهم الإسقاط بعد الحمل ما لم تنفخ فيه الروح ولن يتحقق ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما كما قلنا ولم يشترط أصحاب هذا الرأي من فقهائهم إذن الزوج في الإسقاط قبل المدة المذكورة جاء في الدر المختار (يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ولو بلا إذن الزوج) وحكى ابن عابدين عن بعض كتب المذهب ما يفيد الكراهية إن تم الإسقاط بدون عذر فقد نقل عن الذخيرة ما نصه (لو أرادت الإلقاء قبل مضي زمن ينفخ فيه الروح هل يباح لها ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه) وكان الفقيه علي بن موسى يقول: إنه يكره فإن الماء بعدما وقع في الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم ونحو ذلك في الظهيرية.

وقد تشدد المالكية في هذه المسألة إذ منعوا إسقاط الجنين ولو قبل الأربعين يوما على ما هو المعتمد في المذهب جاء في الشرح الكبير للدردير: " ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا ".

أما الشافعية فإن مذهبهم تصوره عبارة البجيرمي نقلا عن ابن حجر إذ يقول: اختلف الشافعية في سبب الإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه والذي يتجه وفاقا لابن عماد وغيره الحرمة وفرق بين ذلك وبين العزل فإن المني حال نزوله محض جماد ولم يهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ثم يمضي البيجرمي قائلا: إن في بعض الكتب خلاف ذلك أخذا من قول ابن حجر والذي يتجه الحرمة ومقتضى ذلك أن بعض الشافعية يقول بعدم حرمة الإسقاط قبل نفخ الروح وقد نص الشبرامسلي أنهم اختلفوا في جواز التسبب في إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم وجاء في موضع آخر من نهاية المحتاج اختلف في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: منهم من أجاز ذلك ومنهم من منع.

ص: 477

وذكر الخطيب الشربيني أن المرأة الحامل إذا دعتها الضرورة إلى شرب دواء فشربته ثم أجهضت فينبغي أن لا ضمان عليها في هذه الحالة كما قال الزركشي بخلاف ما إذا صامت فأجهضت فإنها تضمن دية الجنين.

ومن هنا يظهر لي بأن الإجهاض لعذر لا إثم فيه على رأي الشافعية بناء على قول الزركشي هذا وبهذا يتضح أن الشافعية لا يختلفون عن غيرهم ممن قدمنا كثيرا في مسألة العزل وإن كانو يقتربون في مسلكهم الفقهي وذكر الخلافات من مسلك الحنفية على ما أوردناه ويصور لنا ابن قدامة مذهب الحنابلة فيقول: تجب في الجنين إذا سقط من الضربة ميتا وكان من حرة مسلمة الدية وقيمتها خمس من الإبل ولا فرق بين أن يخرج جميع أجزاء الجنين من الضربة أو بعضه ولو أن رجلا ضرب حاملا أو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخا فأسكن الحركة وأذهبها لم يضمن الجنين معللا ذلك بقوله: لأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت ولا يجب الضمان بالشك فإن أسقطت المرأة من جراء الضربة ماليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه لعدم التيقن من كونه جنينا وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة وإن شهدت أنه مبتدأ خلق الآدمي لو بقي تصور، ففيه وجهان: أحدهما لا شيء فيه لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة؛ ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك ومن خلال ما قاله ابن قدامة هنا بعدم إلزام الضارب بشيء فيما لو أسقط ما لم يتصور أو كان نطفة أو علقة يظهر بان الحنابلة لا يختلفون عن غيرهم من الفقهاء الآخرين في القول بجواز إسقاط الجنين ما دام في مراحل تكوينه الأولى من نطفة أو علقة بخلاف ما لو تصور بمعنى بان خلقه.

ويرى الظاهرية كما يصور مذهبهم ابن حزم بقوله: صح أن من ضرب حاملا فأسقطت جنينا فإن كان قبل الأربعة أشهر فلا كفارة في ذلك وإن كان الإجهاض قد حدث بعد الأربعة أشهر فإنه يوجب مع الغرة الكفارة التي هي كفارة القتل الخطأ لأن الجنين بعد مضي أربعة أشهر يكون قد نفخت فيه الروح الإنسانية وفي مذهب الزيدية ما يؤيد اتجاه الفقهاء الآخرين فيرون كما يحكي مذهبهم صاحب البحر الزخار أنه يجوز إلقاء النطفة والعلقة والمضغة لأنه لا حرمة لهذه الأشياء.

ص: 478

خلاصة الآراء: ومن كل ما عرضنا في هذا الموضوع يتبين أن الاتجاه لا تختلف فيه وجهة النظر في أن الإجهاض بعد نفخ الروح عمدا محرم شرعا وقد حكى اتفاق العلماء هذا ابن قدامة حيث قال:: (وإذا شربت الحامل دواء فألقت جنينا فعليها غرة) .

وقد انفرد الزركشي من أئمة الشافعية بجواز ذلك للأم عند الضرورة كما حكاه الخطيب الشربيني، والذي أشرنا إليه سابقا، أما قبل نفخ الروح في الجنين فقد اختلفت وجهات نظرهم على ما بينا.

والذي أرجحه في هذه المسألة هو حرمة الاعتداء على الجنين بعد نفخ الروح فيه بأي وسيلة كانت بشرب دواء من الأم، أو بإجراء عملية جراحية، أو غير ذلك فيما لو تأكد لنا بث الروح فيه؛ لأن الإجهاض عليه إزهاق لروحه وهذ لا يجوز وما ذهب إليه الزركشي من جواز ذلك عند الضرورة ينقصه الدليل.

أما قبل نفخ الروح في الجنين فإن دعت الضرورة لإسقاطه كالخوف على هلاك الأم من مرض أو ما أشبهه فلا أرى مانع من إسقاطه، أما إجهاض لغرض تنظيم النسل بعد استقراره في رحم المرأة فلا أرى جوازه؛ لأنه ليس بضرورة، إذ بإمكان الزوجين الأخذ بالوسائل المشروعة لتنظيم النسل والتي فصلنا فيها القول عند كلامنا عن العزل.

في ختام بحثنا لموضوع النسل وتحديده أود أن أبين ما يلي:

أولا: إن تنظيم النسل وتحديده بالوسائل المشروعة التي تطرقنا إليها خلال البحث وقبل تكوين الجنين في رحم المرأة ينطبق عليه حكم العزل الذي فصل العلماء فيه القول وقد أباحه جمهورهم على أن لا يتخذ ذلك ذريعة لمنع الحمل بصورة دائمة؛ لأنه يتنافى مع توجيهات الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى تكثير النسل.

ثانيا: بعد استقرار الماء في رحم المرأة وأخذ دوره التكويني سواء كان في طوره الأول النطفة أو الثاني العلقة أو الثالث المضغة وقبل نفخ الروح فيه فلا يباح إسقاطه إلا إذا دعت الضرورة إليه كما ذكرنا ذلك قبل قليل.

ثالثا: وبعد بث الروح في الجنين ويعرف ذلك عن طريق الأم أو إخبار طبيبة أو مولدة فلا أرى جواز إسقاطه لأي سبب من الأسباب لما فيه من إزهاق روح وهو محرم شرعا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 479

الدكتور محمد سيد طنطاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة تنظيم الأسرة من المسائل التي اهتمت بها كثير من الدول والهيئات.

وقبل أن نبدأ في الحديث عن هذه المسألة من الناحية الدينية نحب أن نتفق على الحقائق التالية:

أولا: الأديان السماوية أنزلها الله تعالى لسعادة البشر ولهدايتهم إلى الصراط المستقيم، ولغرس المعاني الفاضلة في نفوسهم وأن الكتب الذي أنزلها سبحانه على أنبيائه قد قررت هذه الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} . [إبراهيم 1] .

ثانيا: الكلام في الأمور الدينية بصفة خاصة وفي غيرها بصفة عامة يجب أن يكون مبنيا على العلم الصحيح والفهم السليم والدراية الواسعة الواعية لأصول الدين وفروعه ولمقاصده وأحكامه، وأن يكون لحمته وسداه الأمانة والصدق وخدمة الحق والعدل والتنزه عن الأحقاد والأطماع والبعد عن المآرب والأهواء، والترفع عن النفاق وكتمان الحق قال تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل 116] وفي الحديث الصحيح ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))

ثالثا: إن الخلاف في الأمور التي تقبل الاجتهاد لا غبار عليه ولا ضرر منه ما دام القصد الوصول إلى الحق وإلى ما تتحقق معه المصالح النافعة للأفراد والجماعات.

وما دام هذا الخلاف مصحوبا بالنية الحسنة وبالكلمة الطيبة وبالمناقشة الرصينة التي يزينها الأدب ومكارم الأخلاق ولقد سما النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاجتهاد فبشر أصحابه بأنهم مأجورون سواء أصابوا أم أخطأوا فقال في حديث صحيح ((: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد)) .

رابعا: إن الأولاد هم ثمرة القلب وإحدى زينتي الحياة الدنيا ولكن الأولاد في الوقت نفسه أمانة في أيدي آبائهم، ويجب على الآباء أن يرعوا هذه الأمانة حق رعايتها وأن يحسنوا تربيتهم دينيا وجسميا وعلميا وخلقيا، وبأن يقدموا لهم ما هم في حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية.

خامسا: إن هذا الكون قد أقامه الله تعالى على نظام دقيق بديع محكم فكل شيء فيه يسير وفق تدبير متقن وتنظيم بديع، فالشمس تشرق وتغرب في وقت معلوم ومثلها القمر والليل والنهار كما قال سبحانه {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] .

ص: 480

سادسا: إننا نعيش في عصر لا تتباهى فيه الأمم بكثرة أفرادها ولا باتساع أراضيها وإنما نحن نعيش في عصر تتنافس فيه الأمم بالاختراع والابتكار ووفرة الإنتاج والتقدم العلمي بشتى صوره وألوانه هذا التقدم الذي يجعل احتياج الغير إليك أكثر من احتياجك إليه ونحن نشاهد أمما أقل عددا من غيرها ولكنها أقوى وأغنى من ذلك الغير، والأمثلة على ذلك يعرفها عامة الناس فضلا عن علمائهم.

سابعا: من مزايا شريعة الإسلام أن الأمور التي لا تختلف المصلحة فيها اختلاف الأوقات والبيئات والاعتبارات تنص على الحكم فيها نصا قاطعا كتحليل البيع وتحريم الربا أما الأمور التي تخضع فيها المصلحة للظروف والأحوال فإن شريعة الإسلام تكل الحكم فيها إلى أرباب النظر والاجتهاد والخبرة في إطار قواعدها العامة، ومن هذه الأمور مسألة تنظيم الأسرة فإنها من المسائل التي تختلف فيها الأحكام باختلاف ظروف كل أسرة وكل دولة وباختلاف إمكانياتها، فمثلا هناك دول في حاجة إلى الكثرة البشرية؛ لأن وسائل الإنتاج والرقي فيها تحتاج إلى هذه الكثرة القوية وأمثال هذه الدول يقال لها مرحبا بهذه الكثرة القوية المؤمنة العاقلة وهناك دول لا تحتاج إلى الكثرة في عدد أفرادها؛ لأن هذه الكثرة موجودة، ولأن إمكانياتها لا تتحملها، ولأن السواد الأعظم من أفرادها يعيش على جهود القلة فيها، ولأنها مع كثرتها تستورد من غيرها معظم ضروريات حياتها وأمثال هذه الدول يكون تنظيم الأسرة فيها أمرا مرغوبا فيه، إننا مرة أخرى نقول: إن الكثرة الصالحة المنتجة القوية مرحبا بها، أما الكثرة الهزيلة الضعيفة الشاردة عن الطريق القويم المعتمدة في كثير من ضروريات حياتها على غيرها فالقلة خير منها.

بعد هذه الحقائق التي أرجو أن تكون محل اتفاق نحب أن ندخل إلى موضوع تنظيم الأسرة والنسل بأسلوب السؤال والجواب فنقول:

ص: 481

أولا: ما معنى تنظيم الأسرة؟ وهل هناك فرق بينه وبين التحديد والتعقيم والإجهاض؟ والجواب ببساطة تنظيم الأسرة معناه أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التي يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان يتفقان عليهما فيما بينهما، وهناك فرق شاسع بينه وبين التحديد والتعقيم والإجهاض إذ تحديد النسل بمعنى منعه منعا مطلقا ودائما حرام شرعا، ومثله التعقيم الذي هو بمعنى القضاء على أسباب النسل نهائيا، وأما الإجهاض وهو قتل الجنين في بطن أمه أو إنزاله فقد أجمع الفقهاء أيضا على حرمته، وأنه لا يجوز إلا إذا حكم الطبيب الثقة بأن في بقاء هذا الجنين هلاكا للأم أو ضررا بليغا سيصيبها بسبب بقائه في بطنها.

ثانيا: هل تنظيم الأسرة بتلك الصورة المحددة التي سبق بيانها جائز من الناحية الدينية؟ وبينا في الجواب أن تنظيم الأسرة بتلك الصورة التي سبق بيانها جائز شرعا، وسقنا الأدلة على ذلك.

ثالثا: هل تنظيم الأسرة هو الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة تزايد السكان ورفع مستوى المعيشة وحصول كل فرد على مطالب حياته بصورة مقبولة؟ والجواب ما قال عاقل بأن تنظيم النسل أو الأسرة هو الوسيلة الوحيدة لحل هذه المعضلات، وإنما هو وسيلة من بين كثير من الوسائل التي من أهمها: أداء كل فرد من أفرادها لواجبه قبل مطالبته بحقوقه، وحرص هذا الفرد على أن يكون لبنة نافعة في بناء كيان مجتمعه، لبنة تقوي كيان المجتمع ولا تضعفه وتعطيه من إنتاجها أكثر مما تأخذ منه وآفة الآفات في كل أمة تثقلها الديون والمتاعب المتشابكة تتمثل في تقديري في تمزق أبنائها وتفرقهم وسلبيتهم، وفي شيوع سوء الظن بينهم بدون موجب واهتمام معظمهم بالحصول بكل طريق على مصالحهم الخاصة ومنافعهم الذاتية والله تعالى يقول:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] .

رابعا: أهناك فتاوى رسمية صدرت في موضوع تنظيم الأسرة أو النسل؟

والجواب: نعم هناك فتاوى متعددة صدرت في هذا الموضوع وأوردنا جانبا لا بأس به من هذه الفتاوى.

خامسا: أيصح للدولة أن تصدر قانونا لتنظيم الأسرة أو النسل؟

والجواب: لا يصح ذلك إطلاقا؛ لأن مسألة تنظيم الأسرة من المسائل الشخصية التي تتعلق بالزوجين وحدهما والتي تختلف من أسرة إلى أسرة على حسب ظروفها وأحوالها وما يتعلق بالزوجين لا تعالجه القوانين، وإنما خير وسيلة لتنظيم الأسرة فهم الدين فهما سليما وإشاعة هذا الفهم بين جميع أفراد الأمة، وإني أرجح أن على رأس الأسباب التي جعلت بعض الناس يتهاون في هذه المسألة إنما هو عدم الفهم السليم لأحكام الدين ولشئون الدنيا والاستخفاف بالمسئولية نحو الأبناء.

ص: 482

سادسا: هل تتعارض الدعوة إلى تنظيم الأسرة مع قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] أو مع قوله سبحانه {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31] أو مع قوله سبحانه {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] أو مع الحديث الشريف ((تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) ؟ والجواب: لا تتعارض الدعوى إلا تنظيم النسل متى سيقت بأسلوب حكيم مع هذه النصوص التي سقناها، والجواب أمام فضيلتكم حرصا على العشر دقائق ولا أحب أن أزيد ننتقل إلى النقطة السابعة.

سابعا: هل الدين يدعو إلى اتخاذ وسائل معينة لتنظيم الأسرة؟ والجواب أن الدين يدعو إلى الحياة السعيدة بين الزوجين، ويرسم لهما طريقهما ويحدد لهما ما هو حلال وما هو حرام ثم بعد ذلك يعطيهما الحرية الكافية لتصريف حياتهما في إطار شريعة الله وفي إطار مكارم الأخلاق.

ثامنا: هل يتنافى أو يتعارض تنظيم الأسرة مع الإيمان بقضاء الله وقدره؟

والجواب لا تنافي ولا تعارض بين تنظيم الأسرة وبين الإيمان بقضاء الله وقدره؛

لأن تنظيم الأسرة ما هو إلا لون من مباشرة الأسباب التي أمرنا الله تعالى بمباشرتها لتنظيم حياتنا وهذه الأسباب قد تنجح وقد لا تنجح وقد تتخذ المرأة وسائل منع الحمل لفترة معينة ومع ذلك يأتي الحمل، كما أن المريض قد يذهب إلى الطبيب فيعطيه علاجا معينا ولكن هذا العلاج قد يؤدي إلى الشفاء وقد لا يؤدي إلى ذلك ونحن مطالبون دينيا وعقليا بمباشرة الأسباب التي شرعها الله تعالى لنجاحنا في الحياة مع إيماننا المطلق بأن ما قدره الله وقضاه لابد أن يكون إلا أن ما قدره الله عز وجل وقضاه نحن لا نعلمه ولا نعرفه؛ لأن مرده إليه وحده وهو سبحانه علام الغيوب والأمر كما قال القائل:

إنما الغيب كتاب صانه

عن عيون الخلق رب العالمين

ليس يبدو منه للناس سوى

صفحة الحاضر حينا بعد حين

وإذن فتنظيم الأسرة لا يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر؛ لأن ما قدره الله تعالى نحن لا نعلمه وإنما نحن نباشر الأسباب التي شرعها سبحانه لسعادتنا، ثم نكل الأمور بعد ذلك لله عز وجل يصرفها كيف يشاء، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وشكرا.

ص: 483

الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه لي تعقيب على ما تفضل به بعض الباحثين من قبلي شكر الله لهم مساعيهم وتفضلهم بالبحوث القيمة، فلقد ذكر بعض الإخوة الزملاء أن للحنفية في قضية تحديد النسل أي الإجهاض بالذات مسلكا واحدا، واستشهد على ذلك بكتاب العلامة ابن عابدين رحمه الله وذكر ما لبقية المذاهب من أقوال وآراء، وإنني لم أكتب بحثا في هذا الموضوع حيث بحثي يتعلق بموضوع آخر غير أنني توقفت مليا عند مسلك الحنفية هذا، والذي أعرفه وتذكرته وأذكره بالضبط والتوثيق أن الجمهور لهم مسالك متعددة من جملتها مسلك أربعين يوما وهو مسلك مشهور لديهم، أما الحنفية فلهم مسلكان؛ مسلك بجواز الإجهاض قبل الأربعين فقط، ومسلك بجواز الإجهاض قبل مائة وعشرين يوما وهو المسلك الذي ذكره أخي الباحث مقتصرا عليه حصرا ولعله لم يطلع على المسلك الآخر والذي ذكره العلامة ابن عابدين رحمه الله، هذين المسلكين معا وهما قولان مصححان وذهب جمهور المتأخرين إلى ترجيح القول بقبول ما ذهب إليه الجمهور من الأربعين وإن رجح أيضا القول بأربعة أشهر بعض الحنفية المتأخرين الآخرين، فيظهر لنا أن للحنفية مسلكين معا وليس مسلكا واحدا وللجمهور مسالك وأظن أن أغلب الجمهور عند الأربعين لا عند المائة وعشرين وربما هذا الذي ذكرته في نفسي ولا أستطيع أن أجزم مائة بالمائة أنه عين الحقيقة، ولكن هو ما أذكره يوم كنت على مقاعد الدرس والله تعالى أعلم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

ص: 484

الدكتور إبراهيم بشير الغويل:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أولا: هناك ملاحظة تنظيمية قد أقولها في بداية هذا الحديث، وهناك ثلاث ملاحظات متعلقة بالموضوع، وملاحظة تخص بحث الأستاذ حتحوت كما قدمت.

الملاحظة التنظيمية: في دورتنا السابقة لاحظتم أن الذي يقدم للموضوع يتناول لا وجهة نظره فقط بل إلى حد كبير وجهات النظر الأخرى التي عرضها الباحثون حتى على الرغم أعتقد أننا جميعا قد اطلعنا على هذه الآراء ودرسناها وقرأناها، ولكن من المناسب ما سرنا عليه في السابق وهو تقديم الذي يقدم هذا الموضوع يتناول مختلف الأبحاث والآراء وليس مجرد بحثه أو رأيه هو بالذات، هذه من الناحية التنظيمية.

بالنسبة للموضوع لعل الدكتور حتحوت أشار إشارة، ولكنه اهتم لأحد جوانب المشكلة، وإذا كان الحكم على الشيء فرع من تصوره فلابد أن نذكر أين بدأت هذه المشكلة؟ بدأت هذه المشكلة في الغرب بناء على نظرية مالتوس التي تقول: إن الموارد محدودة والحاجات متزايدة. هل نحن نوافق أصلا أن الموارد محدودة وربنا هو الذي قدر فيها الأقوات وربنا هو الذي قال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وربنا هو الذي جعل فيها المعايش وربنا هو القائل: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21] وربنا هو القائل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وربنا هو القائل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} [الأعراف: 96] ، إذن بداية التصور للمشكلة الاقتصادية هو مخالف للتصور الإسلامي القرآني ولابد أن يقال هذا وأن يقرر في جامعات العالم الإسلامي، وإنه من الخطورة أن تظل المشكلة الاقتصادية هي الموارد المحدودة والحاجات المتزايدة، ولا أريد أن أزيد في هذا الموضوع ولكن هذا الباب كان قد يفتح أمامنا قضية. إذن إن هذه النعم التي لا تحصى كيف يكون شكرها؟ شكرها بالعمل {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13] وشكرها بعدم احتكارها وعدالة توزيعها ولفتحنا أبوابا أخرى في قضية النظام الاقتصادي كله لو نظرنا إلى الأمر من منشئه على وجهة النظر القرآنية الإسلامية إذن هذه هي النقطة الأولى.

ص: 485

النقطة الأخرى: أشار إليها أيضا الدكتور حتحوت، ولكنه لامسها بمثل ما سبق أن تكرر في العالم الإسلامي، وأود أن يتغير إلى غيره وهو أن هناك مالا يزيد في بعض البلاد ويفيض ولكنه لا يقابل المتحوجين إليه فيعدم، هذه إحدى مشكلات الجانب الاقتصادي كما عالجه الغرب الذي يقول بالموارد المحدودة، ولكنها مشكلة أخرى بالنسبة للعالم الإسلامي، قضية احتكار المعرفة ونقل ما يسمونه بالمعرفة أو أن تعرف كيف (الناو هاو) هذه قضية في مثل هذا المجتمع وفي العالم الإسلامي لابد أن تكون محل نظر ليس مجرد أنهم يحرقون ما يفيض عن حاجاتهم ويمثل هذا جزءا من المشكلة ولكنهم يحتكرون المعرفة ويمنعونها عن العالم الإسلامي، والذي يظن أن القضية قضية نقل للتكنولجيا بمعنى نقل المصانع والمعامل قد أخطأ القضية، القضية قضية نقل المعرفة وعدم احتكارها وهي قضية لابد أن تثار في هذا الموضوع ولو نقلت المعرفة العلمية كما فعل المسلمون في جولتهم الحضارية الأولى للبشرية لكان هناك ما يكفي جميع الإنسانية ويفيض، إذن لابد أن يدان هذا النظام الذي يشوه الحقائق ويحتكر المعرفة ويمنعها ويقتل الناس.

الأمر الثالث أنه لابد أن ينظر في هذه المشكلة وأشير إليها أيضا على ضوء تكتل إسلامي يضم القوميات وشعوب العالم الإسلامي كلها، فإن وجدت هناك مشكلة تستدعي النظر في تحديد النسل نظر في هذا الأمر.

هذه الملاحظات الثلاث: الملاحظة التي تخص خصيصا بحث الدكتور حتحوت حينما قال: ظن الفقهاء السابقون منذ قرون عديدة أن بدء الحياة قرين نفخ الروح بينما أن الحقائق العلمية اليوم تنبئنا أن حياة الفرد منا قد بدأت قبل ذلك بكثير وهو يشير إلى معنى الحياة البيولوجية الذي يبدأ مع الجنين من أول يوم، وهذا التصور الفكري الغربي مقبول؛ لأن الإنسان عند الغرب حيوان عاقل ولكنه عند المسلمين كائن من الكائنات كما لا يمكن أن يقال عن الحيوان إنه نبات ولكنه متحرك أو متنفس؛ لأن حتى النبات يتنفس وينمو ويتغذى، لا يقال على الإنسان إنه حيوان. هو كائن يحمل أمانة جديدة وهو إنشاء أنشأه الله خلقا آخر، ربنا يقول بعد خلق النطفة {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} [المؤمنون: 14] الحديث عن الخلق الآخر هو التكوين الإنساني. الروح الإنسانية التي هي محل البحث عند الفقهاء فهم لم يخطئوا وفي الحديث الصحيح أن يكون الإنسان نطفة اثنين وأربعين يوما ويكون علقة اثنين وأربعين يوما ويرد في مجموعهما إلى مائة وستة وعشرين وهي الأربعة أشهر وعشر التي أوضحها القرآن الكريم في ذلك الوقت تنفخ الروح ويتكون الإنسان وينشأ خلقا آخر، وهذا ما بحثه الفقهاء السابقون؛ لأنهم ينظرون إلى الإنسانية أنها إنشاء وأنها خلق آخر وليست مجرد امتداد للحياة البيولوجية الحيوانية المعتادة التي يشير لها الفكر الغربي.

هذه هي الملحوظة التي وددت أن أبديها، وهذه هي الملاحظات الثلاث وتلك هي الملاحظة التنظيمية، وشكرا.

ص: 486

الدكتور عجيل جاسم النشمي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أود أن أشير إلى أمرين أظنهما هامين وهما ليسا كلاما في الموضوع وإنما في إطاره الصحيح.

الأولى هي التي أشار إليها الزميل الدكتور إبراهيم الغويل فلا أطيل فيها وهي أن المراد من اختيار أحد الباحثين أو أكثر لإلقاء البحث وهو تلخيص اتجاهات زملائه الذين كتبوا في نفس الموضوع، وأنا شخصيا من خلال عرض الأستاذين الفاضلين لم أعرف اتجاهات البحوث الأخرى فنود أن يؤخذ ذلك في الاعتبار في البحوث القادمة إن شاء الله.

الملاحظة الثانية: وهي في إطار الموضوع أيضا أن هذا الموضوع بحث في ندوتين متخصصتين أقامتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الأولى كانت ((الإنجاب في ضوء الإسلام)) والثانية كانت ((بداية الحياة ونهايتها في الإسلام أو من منظور إسلامي)) ، وأود أن يكون تركيز البحث في الجديد كي يكون عملنا مكملا لا منشئا أو مبتدئا وشكرا.

الرئيس:

شكرا ما يتعلق بالملاحظة التي آثارها الشيخ إبراهيم وثنى عليها الشيخ عجيل هذا صحيح؛ ولهذا نرجو من أصحاب الفضيلة المشايخ في البحوث التي في الغد وبعده إن شاء الله تعالى أن ينتبه العارضون إلى أن يكون العرض هو ملخص للأبحاث التي طبعت ووزعت في الموضوع ذاته محل المناقشة وشكرا.

ص: 487

الشيخ عبد الله البسام:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ليس عندي ما يقال؛ لأن الإخوان والأساتذة قد أوفوا الموضوع حقه وإنما أحب أن أركز على نقطة واحدة، وهو أننا في بحثنا هذا وفي البحوث المستقبلية إن شاء الله إننا نركز على الموضوع نفسه، فموضوعنا هذا تطرقنا فيه إلى الإجهاض هل يجوز أم لا يجوز؟ وهل يجوز قبل نفخ الروح أو بعد نفخ الروح؟ ثم تطرقنا إلى وسائل منع الحمل القديمة كالنزع والحديثة كالعقاقير الموجودة، أنا في اعتقادي أن مثل هذه المسائل ليس لها مساس في الموضوع وليس لها دخل، نحن نتكلم الآن في حكم الشريعة في تحديد النسل هل الشريعة تجيز تحديد النسل أو لا تجيزه؟ وإذا كانت لا تجيزه هل هناك تنظيم أو ليس هناك تنظيم؟ أحب مثلا أن البحث يقتصر على هذا الموضوع؛ لأن الوقت محدود والبحوث كثيرة جدا، الوقت لا يكفينا فإذا تطرقنا إلى مسائل أخرى هي طيب أن نعرفها وأن نفهم كلام العلماء عنها هذا جيد ولكنه يضيع علينا وقتنا في هذه البحوث وفي هذه الاستطرادات البعيدة وهذا مما يضيع الوقت ومما يجعلنا نخرج من ندوتنا دون أن نحقق البحث المراد من جلستنا.

هذا ما أردت أن أقوله، ومن هذا يعني أنا أحب مثلا تحديد النسل أننا نعرف حكم الشريعة فيه يكفينا هذا نعم البحوث فيها استطرادات لكن هذه الاستطرادات لا بأس بها أن تكتب، وأصحابها عرضوها وقرأناها وكلنا كتبنا هذه الاستطرادات، لكننا عند البحث وفي وقت محدد نحصر موضوعنا في المراد وهو تحديد النسل في مثل هذه المسألة، وشكرا.

ص: 488

الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد.

فإني أشكر أصحاب الفضيلة الذين بحثوا هذه القضية وأشبعوها بحثا، ولا أريد أن أطيل في الموضوع وإنما أقول: إن إصدار حكم في قضية ما يجب أن يكون بعد تصور أبعاد تلك القضية وملابساتها المختلفة فقضية تنظيم النسل الآن تكتنفها أمور كثيرة، من بين هذه الأمور مؤامرات اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم على المسلمين بإقلال عددهم مع أنهم يحرصون على تكثير عدد الكفار كما هو معلوم، فالقضية ليست هينة حتى يصدر من هذا المجمع قرار أو تصدر منه فتوى بإباحة تحديد النسل والنظر إلى الموارد هذا أمر قد كفينا إياه فإن الله سبحانه وتعالى تكفل بأرزاق العباد، والذي هيأ في هذا العصر من موارد الرزق ما لم يكن متصورا عند أسلافنا قادر على أن يهيئ في المستقبل من هذه الموارد ما لا نتصوره نحن، فليس ببعيد أن يكون في المستقبل القريب من الموارد من البر والبحر ما لا نتصوره نحن، فكيف نحن نحرص على بذل المال الكثير لأجل هذه الدعاية لتحديد النسل كما هو واقع في بعض الدول؟

على أننا علينا أيضا أن ننظر إلى القضية بالمنظار الطبي فإن درء المفاسد واجب وسد الذرائع لابد من مراعاته، وحسب ما قرأت لبعض الأطباء الذين كتبوا في هذه القضية بالذات من بينهم د. البار: أمر تحديد النسل له آثار سلبية على صحة المرأة نفسها وعلى صحة الجنين المنتظر الذي يأتي بعد ترك هذه الموانع التي تمنع من النسل، وأنا بنفسي عرفت زوجين كانا لا يريدان الإنجاب فترة من الفترات ثم بعد ذلك رغبا في الإنجاب ورفعا ما كانا يستعملانه للوقاية من الحمل، ولكن المرأة لم تحمل ورجعت إلى الأطباء وحقنت بالعديد من الإبر، وعندما ولدت ولدت مولودا واحدا لم يكن طبيعيا وقد سمعنا في دورة سابقة في هذا المجمع عندما بحث حكم ما يسمى بطفل الأنابيب عندما بحث ذلك سمعنا في هذا المجمع من الدكتور البار أن من جملة الأسباب الدافعة إلى استعمال هذه الوسائل للإنجاب منع الحمل أولا بوسيلة أو بأخرى، فإن ذلك يؤدي إلى تقلص الرحم وعدم إمساكه للجنين فلماذا نلجأ أولا إلى منع الحمل ثم نلجأ آخرا إلى وسيلة أو أخرى لأجل الحمل؟ فلندع الأمور طبيعية وأرجو ألا يصدر من هذا المجمع قرار في مسألة تحديد النسل إلا بعد دراسة القضية من كل جوانبها وبشرط أن يقصر ذلك على الضرورة فحسب، وأسأل الله التوفيق وشكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 489

الشيخ مصطفى كمال التارزي:

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أشكر أصحاب الفضيلة الذين كتبوا في هذا الموضوع وبودي أن أضيف بعض بيانات حول تحديد النسل الجماعي، لقد بينت في أول البحث الذي قدمته إلى مجمعكم الموقر أن المنع الفردي للنسل بالعزل أو بغيره من الوسائل هو ترك الأفضل أو فعل المكروه، وإذا وجد موجبه عند الفرد كان العزل مباحا على مقدار هذه الرخصة الفردية، والسؤال المطروح: هل يجوز الفقه الإسلامي قياس الرخصة الجماعية لأمة من الأمم أو لدولة من الدول على الرخصة الفردية في منع الحمل وتحديد النسل ولو لمدة معينة حتى يزول المانع؟ المعروف عند الفقهاء أن الرخصة الفردية محدودة بحدود الضرورة، والضرورة تقدر بقدر نسبة لكل واحد حدة حسب ظروفه المادية والمعنوية، فإذا أبيح التحديد فإنما يباح للشخص الذي كانت عنده رخصه ولا يباح كقاعدة عامة تعم جميع الناس في بلد أو إقليم فينتفع بالإباحة صاحب الرخصة وغيره؛ ولهذا فإن من قاس تحديد النسل على العزل فقد أخطأ إذ هو قياس مع وجود الفارق والقاعدة في القياس اتفاق المقيس مع المقيس عليه من جميع الوجوه، ولا يوجد في الفقه الإسلامي ما يجعل الرخصة جماعية إذ من المقررات الشرعية أن المباح بالشخص أو بالجزء يكون إما مطلوبا بالكل أو ممنوعا بالكل على حسب موافقته المبادئ الكلية المكررة في الشريعة أو مناقضتها، فإن كان خادما للمبادئ الشرعية الثابتة كان مطلوبا بالكل مباحا بالجزء، وإن كان مناقضا للمبادئ الكلية العامة كان مباحا بالجزء حراما بالكل، وقد بين هذا الموضوع الشاطبي في الموافقات بيانا شافيا.

وبهذا نعلم أن الشرع الإسلامي لا يجوز منع النسل بالكل ولا يبيحه كأمر عام بدون قيود؛ لأن اعتبار حق الأمة في الولد حق تقرره الشريعة الإسلامية لحفظ كيانها ولنهوضها القومي، أما معاكسة الطبيعة في كف أجهزتها عن القيام بوظيفتها التي خلقت لها مما لا تقره الشريعة الإسلامية والله سبحانه وتعالى يقول:{رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] .

فالتحديد الجماعي لا تجوزه الشريعة الإسلامية ولا تبيحه مهما كانت الأعذار، ولا تحدد الأولاد الذين ينبغي أن تنجبهم الأسرة؛ لأن الحكمة في عدم تحديد العدد الأقصى للأولاد ما دام ذلك يتعلق بالاختيار الإنساني في الأسرة وقدرة كل أسرة على تربية الأولاد تربية واعية.

ص: 490

ولذلك فإن كثيرا من العلماء يرون أن تحديد النسل الجماعي ليس معناه جبر الأمة أو جبر إقليم من أقاليم البلاد على اتخاذ تدابير معينة لتحديد النسل للوصول إلى نسبة ولادية معينة فهذا مما لا يجيزه الشرع قطعا بل معناه توعية الآباء والأمهات بمسئولياتهم الزوجية والأبوية وإقناعهم بهذه المسئولية المرعية حتى يصبحوا أكثر احتياطا لمستقبل أولادهم وأحرص على الاكتفاء بعدد من الأولاد حسب قدراتهم المادية والأدبية، وحتى يمدوا المجتمع بجيل قادر على مواجهة مشاكل الحياة؛ لأن من اهتمامات الشريعة الوصول بحياة المجتمع إلى المثل الأعلى ولا يتم ذلك إلا بتدخلها تدخلا مباشرا في تنظيم الأسرة وإخراجها من دائرة الحيرة والفوضى والتعسف إلى دائرة الوعي والنشاط والإنتاج وذلك بتوعيتها توعية دينية واجتماعية وطبية تدفع الضرر الذي يلحق الزوجة أو الأمة من جراء الإنسان الأهوج وإطلاق الحرية غير الواعية في تحسين النسل وكثرته؛ لأن الكثرة الهزيلة التي تتملكها عوامل الضعف والانهيار كثرة لا خير فيها، فالدعوة إلى تنظيم الأسرة لا يجوز أن تكون دعوة إلى محاربة الزواج أو محاربة النسل، فوجود الذرية بين البشر أمر فطري لابد منه، والقرآن نفسه يوجهنا إلى الذرية الطيبة الصالحة النافعة والمنتفعة ويوجهنا أن ندعو ربنا بدعاء زكريا {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38] كما علم عباد الرحمن أن يدعوه ليهبهم الذرية القوية الصالحة لقوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] ، وإنما تكون الذرية سببا للسعادة إذا كانت سليمة قوية ومستعدة لخوض غمار الحياة، ولا خلاف بين الفقهاء في أن الإسلام يشترط في الزواج أن يكون الرجل صالحا للنهوض بواجبه قادرا على تحمل تبعاته، فإن كان عاجزا غير قادر طالبه بالتعفف والانتظار حتى يتوافر لديه المال والاقتدار لقول الله تبارك وتعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا}

الآية [النور: 33] ، وإذا أباح عدد من العلماء توعية الأسرة توعية دينية واجتماعية قصد تعريفها بحقوقها وواجباتها إزاء الأخطار التي تهدد حياة المجتمعات، فلا ينبغي أن يقتصر جهدنا على هذا الجانب وحده بل يجب أن نبذل كل الجهود لمضاعفة الإنتاج وتطوير الصناعة والزراعة ومواصلة السعي لكسب خيرات الأرض.

الرئيس:

يا شيخ مصطفى معذرة أنا أحب أن يكون تعقيدا عاما وهو أن الإخوان المشايخ الذين يأخذون الكلمة هو للمناقشة لا لقراءة ملخص البحوث.

الشيخ مصطفى كمال التارزي:

على كل الموضوع الذي أريد أن أتكلم عنه زيادة على هذا هو موضوع الشبهات التي تثار حول الإنجاب وحول تدخل الصهيونية، أو تدخل هذه الدول الأجنبية فإن هذا التدخل هل وقع بالفعل أو لم يقع؟ ينبغي أن نأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار أولا في بلادنا، ونقدر الطاقات التي نملكها، ونقدر القدرات المادية التي لدى الدولة هل تستطيع أن تأخذ قرارا في هذا الموضوع؟ ثم هذه الشبهات التي تثار حول مشاركة بعض الدول كالدول الغنية هذه التي تريد التنقيص من عدد المسلمين ينبغي أن تدرس دراسة موضوعية؛ لأننا نقرؤه في الكتب وفي المجلات، ولكن لا نرى بحثا مستفيضا في هذا الموضوع بحثا اقتصاديا أو بحثا ديموغرافيا صحيحا، ينبغي أن تدرس هذه المواضع دراسة موضوعية حتى نتمكن من أخذ قرار نهائي بعد أن توضح لنا كل الجوانب في هذا الموضوع والسلام عليكم.

ص: 491

حجة الإسلام محمد علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم.

لا أريد أن أكرر ما تفضل به الأساتذة المحترمون ولكن أشير إلى بعض النقاط بصورة سريعة جدا.

أولا: يجب كما قال الأساتذة من قبلي أن نفصل هذا الموضوع عن الأمور التي تلابسه، هناك موضوع التعقيم الكامل وهناك موضوع الإجهاض، هذه الأمور لا تلازم طبيعة موضوع مسألتنا، وإذا لم تكن تلازم هذه الطبيعة يجب أن نفرد لها بحثا خاصا مستقلا ولا علاقة لنا بها.

الشيء الثاني: المهم نحن يجب أن ندرس هذا الموضوع على مستويات تارة ندرس الموضوع على ضوء حكم الإسلام الأول له ثم هناك موضوع آخر وهو هل يجوز للدولة أن تلزم بهذا كأمر تقتضيه المصلحة الإسلامية العليا؟ وهناك أيضا مرحلة ثالثة هل يلزم منه الضرر أو الحرج الاجتماعي أو تلزم به ضرورة أو لا؟

هذه مراحل ثلاث للحكم يجب أن يدرس على ضوئها، فعلى ضوء المرحلة الأولى يعني لو لاحظنا الحكم في نفسه بعيدا عن مسألة التعقيم الكامل والإجهاض وبعيدا عن ما يشار إلى المؤامرات الدولية، وما إلى ذلك درسنا الموضوع في نفسه ثم نأتي إلى تلك المواضيع لا أجد في الواقع ما يمنع من تنظيم النسل بالطرق المشروعة الصحيحة خصوصا مع رضا الزوجين وبعد ملاحظة أن العزل أجازه الإسلام بشكل كامل لا يقاس على العزل، العزل هو أسلوب من أساليب تنظيم النسل ولا يقاس عليه في الواقع (أسلوب أجازه الإسلام وحتى وهذا ما أصر عليه حتى لو لم يثبت لدينا جواز العزل مع أن لجواز مقول به من قبل أئمة المذاهب الأربعة، بل كل المذاهب تقريبا وبالخصوص مع رضا الزوجة وحتى لو لم يثبت لدينا جواز العزل هناك أساليب أخرى ليس فيها ما في العزل من خصائص، ولا يمكن أن يقاس حكمها على حكم العزل، يبقى تنظيم الأسرة حكما مشكوك التكليف وهنا نشير إلى بحث مبنائي أشرت إليه في بحثي وهو مسألة أصل الإباحة عندما يشك في الحكم البراءة العقلية جارية البراءة الشرعية جارية القواعد الشرعية في هذا المجال كلها تجري ويبقى الأصل هو الإباحة في مسألة التنظيم.

أما على المستوى الآخر مستوى قدرة الدولة على إصدار قانون ينظم لها النسل هذه طبعا مسألة تحتاج إلى دراسة وحبذا لو أمكننا في دوراتنا الآتية أن نبحث عن قدرة ولي الأمر أو الحاكم الشرعي في سن القانون هل هذه القدرة محدودة في إطار المباحات؟ هل أوسع من ذلك؟ هل أضيق من ذلك؟ هذه أمور تحتاج إلى دراسة ولكن بشكل إجمالي ومبنائي أقول: ولي الأمر يمكنه إذا رأى المصلحة الاجتماعية العليا فضلا عن الضرورة الاجتماعية المصلحة الاجتماعية لسير مجتمع متوازن يمكنه أن يصدر أمرا يلزم بمباح تحريما أو واجبا يعني يوجب ذلك المباح أو يحرم ذلك المباح لتحقيق هذه المصلحة.

ص: 492

وعلى ضوء هذا يمكننا أن نقول بأن الدولة الإسلامية والحاكم الشرعي يمكنه إذا رأى المصلحة أن يصدر قانونا في ذلك ولا مانع من ذلك والإباحة هنا هي التي تجيز له هذا الإصدار، وخصوصا إذا لاحظنا أن الأمر قد يتطلب أو قد يؤدي إلى فساد النظام الاجتماعي، هناك مناطق اليوم نسبة التوالد فيها أكثر من القدرة الاستيعابية التي تملكها الدولة أكثر من القدرة بشكل واضح، عندنا في إيران أذكر أننا في خلال عشر سنوات زاد شعبنا سبعة عشر مليون نسمة في خلال عشر سنوات وهؤلاء كلهم يحتاجون إلى صحة وتغذية وتربية ومسكن و

و

إلخ، فلا مانع إذن من صدور قانون من قبل الحاكم الشرعي إذا رأى ذلك، ولكني مع ذلك أرجح أن لا تلجأ الدولة الإسلامية أو الحاكم الشرعي إلى مسألة التحديد؛ لأن ذلك خلاف التوجه الإسلامي، وأكرر خلاف التوجه الإسلامي، التوجه الإسلامي لكثرة الإنجاب، لكثرة التوالد للإزدياد الكمي للأمة الإسلامية واضح جدا من خلال نصوص كثيرة وفي مواضيع متعددة، فالأفضل للدولة الإسلامية أن لا تلجأ لهذا الحل وتلجا للبدائل في هذا المعنى، أما ما يلزم القضية من أضرار وما أشير إلى الأضرار فيمكن لكل طرف أن يدعي الضرر كما يمكن للطرف المانع أن يدعي الضرر يمكن للطرف المجيز أن يدعي الضرر، وتبقى المسألة إذا كانت على المستوى الفردي تتبع الضرر الفردي، وإذا كانت على المستوى الاجتماعي تتبع الضرر الاجتماعي، إذا قلنا: إن حديث ((لا ضرر)) يمكنه أن يشمل الضرر الاجتماعي وسوء الحال.

أشير في ختام هذا التدخل إلى ما أشار إليه الأستاذ الغويل من قضية المشكلة الاقتصادية أيضا، أنا أعتقد أن المشكلة الاقتصادية ليست في عدم التناسب بين التوالي العددي والتوالي الهندسي الذي يشير له مالتس المشكلة الاقتصادية كما يشير القرآن الكريم إليها تكمن في ظلم الإنسان وكفره بالنعمة {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] ، فإذا تآزرت وتلاحمت كل أجزاء وقطاعات الأمة الإسلامية لم تعد لدينا مشكلة لا بل على الصعيد البشري لو أن كل هذه الطاقات تلاحمت لم تبق لدينا مشكلة.

أعتذر عن هذه الإطالة، وأركز على لزوم الرجوع إلى مبادئ الموضوع وعدم الدخول في القضايا الجانبية وشكرا.

ص: 493

الدكتور محمد علي البار:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على أفضل المرسلين.

أصحاب الفضيلة، موضوع تحديد النسل أو تنظيم النسل له جانبان؛ الجانب الأول على المستوى العام أو المستوى الحكومي، والجانب الآخر على المستوى الفردي؛ على المستوى الحكومي ظهرت هذه الدعوة بنطاق واسع وأجبر كثير من الحكومات شعوبها لإجراء ما سمته تنظيم النسل، وقامت بعض هذه الحكومات بتعقيم الرجال أو النساء قسرا كما حدث في أيام أنديرا غاندي فقد عقمت أكثر من عشرة مليون شخص من بينهم عدد من المسلمين كبير، وفي الباكستان عقم ما يقرب من مليون شخص هناك كثير من الحكومات تقوم بمحاولات إغراء هذه الشعوب بشتى الوسائل لتنفيذ وسائل منع الحمل وإيجادها لهم رخيصة جدا أو بأثمان رمزية أو بدون ثمن بينما تتكلف الدولة هذه الأموال وتستدين مبالغ طائلة لتنفيذ سياسة ما يسمى بتنظيم الأسرة فعلى المستوى الآخر كما تعلمون الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا فرنسا ألمانيا الاتحاد السوفيتي إسرائيل، وألمانيا على وجه الخصوص تشجع النسل وتكاثر النسل وتدفع الأموال الكبيرة حتى لو كان.. طبعا سمعتم خطاب بيجن عندما كان رئيسا للوزارة في إسرائيل، كان يطلب من الإسرائيليات أن تزيد نسلها ولو كان بطريق الزنا في الاتحاد السوفيتي ملاحظة: رغم تشجيع النسل هناك بصورة عامة إلا أن كثرة المسلمين في الفترة الأخيرة أدت إلى أن الحكومة تشجع عدم زيادة النسل بين المسلمين وزيادة النسل بين الروس والأكران هذه سياسة رسمية وسائرة في الاتحاد السوفيتي إلى الآن بالنسبة للموارد كما أسلف الفضلاء الباحثون الموارد كثيرة، وسأورد مثالا واحدا فقط في البلاد العربية من بحث كبير للجامعة العربية أصدرته عن الأمن الغذائي سنة 1980 وذكرت فيه أن سكان البلاد العربية سنة 1976م كان مائة وستة وأربعين مليونا، وأن مساحة البلاد العربية تشكل عشر اليابسة بينما كان سكان العالم أربعة آلاف مليون في ذلك الوقت، وأن المفروض في البلاد العربية أن يكون عدد سكانها في ذلك الوقت أربعمائة مليون؛ لأن الأرض الصالحة للزراعة في البلاد العربية مائتان وستة وثلاثون مليون هكتار لا يستغل سوى ستة وأربعين مليونا واستغلالا سيئا جدا، وهناك أمثلة كثيرة كثافة السكان مثلا على وجه المثال في المملكة العربية السعودية وهي بلاد كبيرة شاسعة لا تزيد عن ثلاثة أشخاص في كل كيلو متر مربع بينما هي في بريطانيا مائتان وأربعة وأربعون شخصا لكل كيلو متر مربع هذه هي النقاط بالنسبة للسياسة العامة ونرى كما أشار إلى ذلك كثير من الباحثين أن السياسة العامة في إجبار الشعوب أو محاولة إغراء هذه الشعوب بشتى الوسائل على ما يسمى بتحديد النسل أو تنظيم النسل سياسة غير سليمة لا من الناحية الديموغرافية ولا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية الشرعية كما أشار إلى ذلك سادتي الفقهاء، ويأتي الوضع مختلفا بالنسبة للأفراد، ذكر الباحثون الأحاديث الكثيرة التي تبيح موضوع العزل وغيره، ولكن يبقى هناك نقاط معينة بالنسبة للتعقيم.

ص: 494

التعقيم في الحقيقة يعتبر وسيلة من وسائل منع الحمل ويقصد به قطع الأنابيب بالنسبة للمرأة قناتي الرحم وبالنسبة للرجل قطع الحبل المنوي، ولا يقصد به الإخصاء كما لا يقصد به إزالة المبيض أو الرحم في هذه العمليات التي انتشرت على نطاق واسع تجري في كثير من المستشفيات في البلاد العربية والإسلامية عامة على اعتبار أن هناك أسبابا عديدة منها تكرر العمليات القيصرية ومنها الأمراض الوراثية، بينما كل هذه الأسباب في الواقع ليست أسبابا قطعية يعني هو نفس الطبيب في بعض الأحيان يقول للمرأة إذا كان ما لديها أطفال وتريد الأطفال وعندها مرض في القلب: تستطيعين أن تحملي ونستطيع أن نعالج هذا المرض، وإذا كان لديها عدد كاف من الأطفال طبعا ينظر إلى القضية من زوايا مختلفة وتختلف الآراء بناء على تَوَجُّهَات هذا الشخص وميوله واعتقاداته في هذه القضية، لا شك أن وسائل منع الحمل لها أضرار ولها فوائد، من الفوائد التي يقال عنها طبعا من الناحية الصحية هي تنظيم الفترة بين كل حمل وآخر وجعل الفترة حوالي ثلاث سنوات وهي تعتبر أفضل الفترات بين كل طفل وآخر أو بين كل حمل وآخر تعتبر هذه أفضل الفترات لكن لا يعني ذلك أن الأم إذا ولدت بعد عام آخر أن النسل لابد أن يكون ضعيفا أو لابد أن يكون هزيلا أو

، ليس ذلك شرطا، المشكلة أن وسائل منع الحمل التي تباع في الأسواق وبدون وصفات طبية لها أضرار كثيرة حتى في البلاد الأوروبية التي تبيح ذلك لا تسمح ببيع وسائل منع الحمل وخاصة الحبوب؛ لأن هناك موانع كثيرة لإعطاء المرأة حبوب منع الحمل، فالمرأة التي تعاني مثلا من البول السكري أو من أمراض القلب وضغط الدم أو من مرض الكبد أو الكلى أو هي فوق سن خمسة وثلاثين أو لديها أمراض نفسية أو كذا وكذا هذه المرأة تمنع من أخذ حبوب منع الحمل المكونة من مواد السيروجين وغيرها إذن سياسة منع إعطاء الحبوب على نطاق واسع وبدون تمييز أيضا حتى على النطاق الفردي سياسة غير سليمة، وينبغي أن تحدد هذه الوسائل بإشراف الطبيب، وأن لا تعطى بدون وصفة طبية أو بدون إشراف طبي لما يعتور ذلك من أضرار كثيرة على صحة المرأة أو على صحة الرجل أو على صحة الجنين، والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 495

الدكتور علي محي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة العالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

أشكر الأستاذين الباحثين العارضين على ما أتحفانا به فجزاهما الله عنا خيرا كما أشكر رئاسة الجلسة حيث جمعت بين طبيب فقيه وشيخ جليل، ثم بعد ذلك أستسمح الباحثين الكريمين عذرا في بعض التعليقات على بحثيهما الكريمين وهي:

أولا: إن استنتاج الأستاذ الدكتور حسان على أن الأصل عند الفقهاء في منع الحمل هو الإباحة لا أوافق عليه؛ وذلك لأن القول بجواز حادثة لا يعني أن الأصل فيها الإباحة، وذلك لأن جوازها قد يكون لدليل خاص مع أنه إذا ثبت أن الأصل في الشيء الفُلاني الإباحة لا نحتاج إلى دليل بل نحتاج إلى الدليل لحرمته، ومن هنا فما قاله جماهير الفقهاء في جواز العزل ليس دليلا على أن الأصل فيه الإباحة؛ لأنهم استدلوا على جوازه بحديث جابر في العزل فلو كان الأصل فيه الإباحة لاكتفوا بهذا الأصل، أو لاستندوا على هذا الأصل مع أنني لم أطلع على أحد من فقهائنا الكرام استند على هذا الأصل، ثم إن هذه القاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ليست على إطلاقها إنما هي خاصة بالمعاملات المالية والإفادة من الكون ولذلك قال المحققون: الأصل في الإبضاع ما يتعلق بالمرأة وما أشبه ذلك الحظر والحرمة كما قالوا: الأصل في العقائد والعبادات التوقف على النص هذا من جانب، ومن جانب آخر أن العزل في نظري هو غير المنع كما تفضل بذلك كثير من الإخوة المتداخلين، فالعزل لا يمنع الحمل منعا مطلقا إذ يمكن معه التفلت والتسرب كما أشار إلى ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه، أما المنع بالوسائل الحديثة فيكاد تصل نسبة المنع فيه أو في بعضها إلى مائة بالمائة إذ يمكن أن نقول: إن قياس المنع على العزل فيه بعض شيء إن لم يكن قياسا مع الفارق فهو قريب منه، وهذا بخصوص المنع كمبدأ أما تنظيم النسل للضرورة والحاجة فجائز كما ذكره الإخوة الفضلاء.

ص: 496

ثانيا: إن أستاذنا الدكتور حسان حتحوت أشار إلى عدة قضايا في غاية الأهمية لمخاطر الجري وراء المنع ونضيف إليها فنقول: إن الغرب الآن كما أشار إلى ذلك بعض الإخوة أيضا يستشعر مخاطر كثرة النسل بين المسلمين حيث إن نسبة الأطفال والشباب بين المسلمين تكاد تصل إلى سبعين بالمائة في حين أن نسبتهما في الغرب في حدود ثلاثين إلى أربعين بالمئة، فمعنى ذلك أن الغرب يسير نحو الشيخوخة؛ ولذلك تنبهت كثير من الدول الغربية منها فرنسا حيث خصصت عام 1986 وبالتأكيد في 15/6/1986م على لسان وزير الشئون الاجتماعية خصصت مبلغ خمسة عشر مليارا وتسعمائة مليون فرنك فرنسي لتكثير النسل، واتخذت عدة وسائل تشجيعية لا نستطيع ذكرها الآن، أما ما نقول أو يقال في مشاكلنا الاقتصادية فالواقع ليست مرتبطة بكثرة النسل وإنما هي نابعة عن عدم الاستغلال أو عن عدم استغلال الكون كما ينبغي أو عن سوء الاستغلال أو عن سوء التوزيع، كما أشار إلى ذلك الأستاذ الفاضل الدكتور حسان، وكذلك أستاذنا الفاضل إبراهيم حيث أشار إلى ذلك بوضوح، كما عقب على ذلك أيضا الأستاذ الكريم الدكتور البار فجزاهم الله عنا خيرا.

ثالثا: إننا كنا نتوقع من الأبحاث التي ألقيت أن يقوم الباحث بالجمع والترجيح والتوجيه والمناقشة، بالإضافة إلى الجمع بين حديث العزل وحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه:((ذلك الوأد الخفي)) مع أن كثيرا من الإخوة الفضلاء ولا سيما الذين ألقوا البحث لم يشيروا حتى في بحثهم إلى ذلك مع أن ذلك حقيقة لابد من الجمع بينهما.

رابعا: إن العارضين ذكروا أن إجماع الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد مائة وعشرين يوما مع أن العلم الحديث كما قال أستاذنا الدكتور حسان يقول بأن الحياة تبدأ بالتقاء الحيوان المنوي بالبويضة، وكنت أتوقع من الأستاذ الدكتور وهو خبير جوابا ولكن هذه المشكلة قد أرقتني وقد بحثت عنه ووصلت إلى جواب أعرضه على أصحاب الفضيلة والعلم مجرد عرض وهو أن ذلك في نظري: هناك فرق بين الحياة وبين الروح، فالحياة شاملة لجميع الحيوانات بل لبعض النباتات، بينما الروح خاصة بالإنسان، كما تشير إلى ذلك الآيات الكريمة {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91] من هذا الروح التي فيها صفات العلم وفيها صفات العقل ومنها التكليف وغير ذلك والتسخير التي لم يعط لأي جنس آخر.

إذن ممكن أن نجمع بين ما يقوله العلم الحديث وبين ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لا يمكن أن يكون هناك تعارض بين العلم الصحيح والحقائق العلمية دون النظريات بينما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إذن فالجمع جدا ميسور في نظري والله أعلم.

هذا جانب والجانب الثاني أن فقهائنا الكرام ولا سيما الأصوليون لم يغفلوا عن ذلك، وقد أثبتوا الحياة وأهلية الوجوب الناقصة للجنين بمجرد استقراره في الرحم.

إذن من هنا أدركوا وقالوا: إن الحياة فيها مقدرة ومن هنا لا يكون لهم أن يقولوا لو قالوا بأن الحياة هي نفس الروح لما عارضوا الشريعة، ولما عارضوا الحديث لا سيما أن العلم لم يظهر آنذاك بهذه الصورة التي نحن نراها.

ص: 497

خامسا: هناك بعض الجوانب الشكلية التي لا أريد أن أذكرها، قضية تخريج الأحاديث حقيقة يجب على الباحثين الكرام الاهتمام بالأحاديث؛ لأن قضية الإثبات والمنع كل ذلك يعود للحديث هل هو صحيح أو حسن ودرجته وبعد ذلك من ناحية نقده وما أشبه ذلك، فحقيقة كنت أحب من الإخوة الفضلاء أن يعنوا بهذا الجانب عناية كبيرة ولذلك من هنا إن بعض الإخوة حقيقة ذكر بعض النصوص الحديثية دون تحقيقها وإخراجها من مصادرها خاصة الأحاديث التي يتوقف الاستشهاد والاستدلال بها على صحتها وثبوتها. كما نقل بعض الإخوة في بحثه يقول: إذ المني حال نزوله محض جماد، هذا الكلام ممكن كان معقولا في الأيام التي لم يظهر العلم، أما الآن حقيقة المسألة لابد أن تعطي الأمر لأصحابه فاسألوا أهل الذكر، فإن مثل هذه الأقوال الفقهية يجب أن تمحص وتعرض على العلم؛ ولذلك إذا ثبت الآن أنه ليس جمادا إذن ما بنى عليه الفقيه هذا الحكم أيضا حينئذ لا يعتد به، إذن أيضا يجب أن يطرح ويحقق، فمثل هذه الأمور الفقهية التي مبناها الأمور الطبية والعلمية يجب أخذ رأي المختصين في هذا الموضوع، ثم نبني عليه رأينا ما دام لا يوجد نص صريح في الموضوع وقد كان سلفنا الصالح مثل الإمام الشافعي كذلك ذلك بهذا الخصوص، إذن من هنا فإن تحديد الحرمة أيضا تارة بأربعين يوما وتارة بعشرين يوما في أكثر الأبحاث يعود في نظرنا إلى هذه النظرة في وجود الحياة أو عدمها، أو يعود إلى الحديث الشريف، فكان الأولى بالباحثين الكرام أن يعودوا إلى فهم هذا الحديث والتعمق فيه والتعمق أيضا فيما عرضه العلم.

سادسا: إن ما نقله أحد الباحثين الكرام عن المغني في المذهب الحنبلي لا يدل على دعواه في أن الحنابلة يجيزون ذلك أي يجيزون الإسقاط، فكلام ابن قدامة في المغني وهو عندي نص في صفحة على ما أظن 8 في البحث الكريم الذي ألقاه الأخ الفاضل، فكلام ابن قدامة في المغني في قضية الجنايات والضمانات ولا يترتب على القول بعدم وجود الضمان في بعض الصور لا يلزم منه القول بجواز إسقاط الجنين إذن قد يكون الفعل محرما دون أن يترتب عليه ضمان مادي فالبابان مختلفان.

سابعا: أن ما نقله عن الزركشي الصفحة التاسعة من أن الزركشي انفرد بجواز الإسقاط للأم عند الضرورة قال: إنه ينقصه الدليل، فغير مسلم الآن الدليل الاضطراري موجود (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) ، ومن هنا نرى - ومعذرة على التطويل - أن الأصل في تحديد النسل في نظري وتنظيمه هو الحظر والمنع ويباح للضرورة أو للحاجة من مرض أو رعاية للرضيع أو نحو ذلك، وكذلك نؤيد ما قاله صاحب الفضيلة مفتي جمهورية مصر العربية حيث حصر ذلك أيضا في نطاق الفرد دون أن يكون قانونا وتشجيعا عاما، والله الموفق ومعذرة مرة أخرى وجزاكم الله عنا خيرا وسلام الله عليكم.

ص: 498

الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

حقيقة هذا الموضوع المهم بالرغم مما كتب فيه وبالرغم أنه من الموضوعات التي أصبحت تقليدية، والتي كما ذكر بعض الباحثين فيه أنه قتل بحثا بالرغم من كل هذا فإن مجمعنا له حكمة واضحة في عرض هذا الموضوع؛ لأنه يمثل الدول الإسلامية قاطبة فينبغي أن يكون النظر فيه على هذا المستوى عالميا وبالرغم من أنه صدرت قرارات مجمعية واضحة في هذا الموضوع فينبغي الاهتمام بالظروف التي أحاطت بالموضوع، فقد اطلعت عليها وتكاد هذه البحوث تجمع على أنه يجب أن يفرق في شأن معالجة هذه القضية بين الاتجاه والسياسة العامة وبين العمل الفردي، فحقيقة هذا الموضوع له صلة بالسياسة الشرعية العامة التي ينبغي فيها أن نلتزم بمقاصد الشريعة، ومن أهم مقاصد الشريعة التي لا يكابر فيها أحد أن شريعتنا ترغب في إكثار النسل وإن كان يتأول بعضهم أن العبرة بالكثرة النوعية لا بالكثرة الكمية عملا بحديث ((قلة العيال أحد اليسارين)) بالرغم من كل هذا فإن الشريعة تفضل وترغب في إكثار النسل المؤمن لينافسوا بذلك الأمم الأخرى، فكثرة النسل مقصد شرعي ثم إن الاحتياط الواجب في الفتوى في القضايا العامة والذي أدين الله عليه هو أن الأصل في هذا الموضوع هو المنع وهو متفق مع ما ذهب إليه المالكية والظاهرية من أن الإسقاط ولو من أول يوم يعد حراما، لكن أيضا شريعتنا ولله الحمد يمكننا أن نقلد فيها المذاهب الأخرى التي تجيز، ولكن ينبغي أن نحصر هذا في حالات فردية تقررها إما الضرورة القصوى أو الحاجة الملحة، لا ينبغي أن نقصر أيضا الأمر على حالتي الضرورة وإنما أيضا الحاجة تنزل منزلة الضرورة، إذن لا يصح التعميم بحال من الأحوال.

أخالف بعض الإخوة الذين أجازوا للدولة أن تصدر قانونا في هذا الأمر، الحقيقة الدولة وسياستها ينبغي أن تكون نابعة من روح الإسلام وأصول عمل السلف الصالح في هذا المجال، فلم نسمع في أي عهد من العهود الإسلامية القرون الأربعة عشر أنهم اتجهوا مثل هذا الاتجاه.

لقد جمعتنا في أوائل الستينات نقابة أطباء دمشق جمعت عالما شرعيا وكنت متحدثا عن الشرعيين ورجلا نصرانيا وبعض الأطباء وبعض القانونيين وتحدثوا جميعا في هذا الموضوع، ينبغي أيها الإخوة أن لا يكون دورنا أقل من اليهودية كدين وليس كسياسة كما ذكر بعض الباحثين ألا نكون أقل من اليهودية كدين والنصرانية كدين أيضا في أننا نجيز الإجهاض والإسقاط ونعتدي على خلق من مخلوقات الله جل جلاله، هذا الأمر في غاية الخطورة، وله مضاعفات كثيرة سواء على المستوى الإسلامي العام أو المستوى الخاص، كذلك لا يصح أن نربط هذه السياسة الشرعية العامة بقلة الأمة أحيانا وكثرتها العددية فهذا الأمر يخضع لقانون المد والجزر والكثرة، والظروف ظروف الانتعاش الاقتصادي وقلته، فلا يصح أن نقرر لدولة حتى ولو ضاقت ظروفها الاقتصادية أن نقول لها يحل لكم كقانون عام أن تتجهوا إلى تحديد النسل أو إلى الإقلال من النسل تقليدا للشعوب الغربية التي تسير في هذا الفلك، هذا في الحقيقة هو الذي اطمأننت إليه من خلال دراسة آراء الفقهاء قاطبة والأحاديث النبوية الصحيحة والعمل الإسلامي الجاد الذي يتفق مع ضرورة الاحتياط والورع في مثل هذه الأمور.

ص: 499

وهناك على الجانب الفردي الحقيقة يمكن أن نقلد بعض هذه الآراء الفقهية وهي محققة ونعتمد على الرأي الأصح على الرأي الضعيف في المذهب لأنه لا يحل الإفتاء بالرأي الضعيف ومع كل هذا فقد سبقني الشيخ علي إلى ملاحظتين أو ثلاث على بحث سبق عرضه، وهو أنه لا يصح بحال من الأحوال أن نخلط بين ضمان الاعتداء على الجنين ونجعل ذلك أساسا للغرة أو دية الجنين وبين تحريم أو إباحة الإجهاض، فقد يحرم الإجهاض ولا يجب ضمان الغرة أو ضمان الدية وهذا أمر بدهي، وأستغرب أننا نخلط بين أمر ضمان الاعتداء على الجنين وبين أمر الحل والحرمة في هذا الموضوع، كذلك أيضا أكبر الأخ الشيخ عليا وكنت مقررا أن أبين هذه الملاحظة أن الإمام الزركشي أن يقال عنه كما يقول بعضنا لبعض ينقصك الدليل، هذا أمر كبير على الإمام الزركشي المعروف بسعة أفقه العلمي وتبحره في الأصول وفي العلم وهو سيد الأصوليين، وأحسنت وزارة الأوقاف إذ نشرت كتابه النفيس (البحر المحيط في الأصول)، وكنت أتمنى نشره منذ أكثر من ثلاثين عاما واضح عندما يقول: يجوز ذلك للضرورة والضرورة دليل من أدلة الشرع ونظرية واضحة من النظريات الإسلامية الكبرى، والنصوص القرآنية والنبوية تؤكد هذا المعنى، فالضرورة وحدها دليل من الأدلة ثم إن الأخ الباحث قال: أرجح ذلك للضرورة، إذن ما قلته عن الزركشي ينقصك الدليل أين دليلك أنت أيضا إن لم تكن الضرورة هي دليلك في هذا الموضوع؟ أخيرا حصر جواز الإسقاط في حال الضرورة فقط في الحقيقة على المستوى الفردي دون أن يكون ذلك من قبيل السياسة الشرعية العامة، هذا الاتجاه أيضا فيه مجافاة لروح التسامح الإسلامي وشريعتنا معروفة بتسامحها، فهي حينما تكون حالات اضطرارية أو حاجة تنزل منزلة الضرورة فلا مانع على المستوى الفردي أن نجيز ذلك للأمهات وللآباء ولظروف ضيقة جدا ولكننا نلتزم بأصل الحرمة وأصل المنع، فهذا متفق مع مقصد ومع روح التشريع العامة، وشكرا.

ص: 500

الدكتور محمد فوزي فيض الله:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وبعد.

فقد تبلور الاتجاه في هذا المؤتمر الكريم فيما يبدو إلى التفرقة في تنظيم النسل بين الحال الفردية وبين الحال الجماعية، وهذا ما ينبغي أن يكون الأرضية لهذا الأمر، لكني أود أن أشير باختصار إلى الحكم في مسألة خفيفة وهي مذهب الحنفية في الإجهاض الذي عرض له بعض السادة الزملاء فالذي يؤخذ من كتبهم ليس هو أن هناك مسلكين لهم في الجزئية بل إن مذهب الحنفية في هذه الجزئية هو تفصيل دقيق تدريجي معقول مقبول، فهم يرون أن الإجهاض قبل أربعين يوما من الحمل وهو مكروه تنزيها؛ لأنه حياة نمو فقط وإن الإجهاض بعد الأربعين وقبل الأربعة أشهر هو مكروه تحريما وهي وإن كانت حياة نامية لكنها بدأت بالتصور والتشكيل الإنساني أما الإجهاض بعد الأربعة أشهر فهو حرام عندهم قطعا كما يقول الجمهور لانبثات أو نفخ الروح فيه وهذا تفصيل حسن ينبغي أن يفكر فيه كثير من أهل العلم وشكرا لكم.

ص: 501

الدكتور يوسف محمود قاسم:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله عليه وعلى صحبه ومن اهتدى بهداه.

شكرا سيادة الرئيس وشكرا للسادة الزملاء والعلماء الأفاضل الذين سبقوني بالكلام، غير أني أوجه إلى السادة العلماء أصحاب الفضيلة أن يعطوا الآية الكريمة القرآنية أهمية تليق بجلال القرآن وقداسته وفي هذا المجمع الذي يعتبر مجمعا لِقِمَّةِ علماء المسلمين لا ينبغي أن تتلى الآية على غير ما هي مدونة في المصحف، فصحة الآية الأولى قوله سبحانه {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة 15 -16]، وصحة الآية الثانية قوله جل شأنه {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21] .

وأما عن الموضوع المعروض فلا تعليق لي عليه إلا الشكر الجزيل للسادة العلماء الأفاضل العارضين والمناقشين مع شكر خاص للأستاذ الدكتور حسان حتحوت على هذا العرض الرائع الذي سمعناه من سيادته، وإن كان لي من شيء قد أشير إليه فهو إنما ينقل عن بعض فقهائنا الذين كتبوا قديما لعصرهم حيث لا ينبغي لنا أن نظلم هؤلاء الأئمة، ذلك أن العلم الحديث والمسلمات العلمية الآن تثبت أنه بمجرد الالتقاء تثبت حياة الجنين بل الحياة مشاهدة علميا عن طريق انقسام الخلايا فهو أمر آخر كما جاء في الآية ذاتها {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} [المؤمنون: 14] .

أما نفخ الروح في الإنسان فهو السر الإلهي الذي أودعه الله تعالى في الإنسان وإلا فما هو الفارق بين الجنين في الإنسان وبين الجنين في غيره من سائر الحيوان؟

نقطة أخيرة أيها السادة العلماء ما قيل من أن الحاكم الشرعي يصدر أمرا أو قانونا فيصير به المباح واجبا أو محرما فهذا غير مسلم، وما قيل من تقييد المباح لا يفيد في هذا الموضوع فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، نعم لولي الأمر تقييد المباح الذي لم يتعلق به حق العباد مثل منطقة معينة في الصحراء يقيدها ولي الأمر لمصلحة الأمة، وفرق كبير بين هذا وذاك، شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 502

الشيخ محمد علي عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

حضرة الرئيس حضرات الإخوان، بعد دراستي لموضوع تحديد النسل وجدت نفسي أتساءل فيم حيرة المسلمين وقد فرض الله علينا الدين الحنيف دينا كاملا وقال عز وجل {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام 38] ؟ في الحقيقة المسلمون في هذا العصر يبدو وكأنهم مشتاقون إلى كل ما يأتي من الغرب وكل ما يأتي من أوروبا، وكل ما يأتي من أمريكا، وكل ما يأتي من آسيا في حين أن لدينا كلنا شرفنا لنا أعمالنا إن كل ما نحتاج إليه دينا وعملا فأوروبا أتتنا بأعمال فضيحة أتتنا بأعمال نحتاج إلى طلب كل شيء من عندهم في حين لا نحتاج إلى هذا طلبنا منهم المال والقوت ففرضوا الآن يعطونا فكرة خاصة، فكرة تريد أن تحطم المجتمع الإسلامي، فكرة أن تجعل سدا للسلالة والأبناء وهي أحسن شيء أعطاه الله للمؤمن فكرة تحديد النسل.

يا أخي، أرى أن المسألة تحتاج إلى فكرة جيدة، تحتاج إلى الاحتياط قبل أن ندخل في هذا الموضوع ، فقد قال عز وجل:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ، هذه الآية كاملة وشاملة لا تحتاج إلى تفسير ، إن كل شخص موجود في هذه الدنيا الله أعلم بوجوده ، لقد فرض الله الحياة كما فرض الموت، لقد فرض الله الغنى كما فرض الله الفقر، فكيف الآن نتساءل: ما يكون مآل أو مصير أبنائنا في الغد؟ ماذا سيكون أكله غدا، الأمر بيد الله إن كنا نؤمن حقا فعلينا أن نعلم أن الله يعلم كل شيء، خطوة كل عمل نعمله أو نقوم به معروف عنده، زيادة على هذا لقد آمن بعض المؤمنين بأنه إن كانت هناك مشقة أو شدة تصلى صلاة الاستسقاء ونتحصل على المياه فكيف اليوم نخاف ونقول: ماذا سيكون عمل غد إن لم يكن لدينا ما نطعم به إخواننا فلم لا ندعوا الله {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] فالدعاء قلب العبادة، فلم الحيرة لماذا نحتاج إلى تحديد النسل؟ لم نبحث عن طريقة لننظم فيها الأسرة، من أدرى نحن أم الله؟ أقول وأؤكد أن ما فرضه الله لا نشك فيه لقد تعرض سيدي الرئيس في الجلسة الافتتاحية لكلمة أثرت بي لأني كنت مؤمنا بها حقيقة تخص موضوع اليوم فيما يخص موضوع تحديد النسل، تعرض الرئيس إلى موضوع كان من المفروض كل شخص أن ينتبه إليه قبل أن نذهب إلى آراء الأطباء قبل أن نذهب إلى آراء الاختصاصيين المسيحيين فيما فرضوه في كتبهم وهو الموضوع الذي تعرض إليه سيادة الرئيس في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] أيضا قال سيادة الرئيس: إن الرزق يأتي من السماء وهذا حق لا شك فيه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] كما تعرض سيادة الرئيس أيضا إلى موضوع تحديد النسل حين قال: إن.....

ص: 503

الرئيس:

تقصدون من هذا أن تبنى الأحكام على النصوص؟

الشيخ محمد علي عبد الله:

صحيح لأنه تعرضت لنفس الموضوع الذي تعرضت إليه أنا شخصيا العفو يا سيادة الرئيس فيما يخص العقيدة والعبادة حقيقة هي كلمة لا إله إلا الله، لقد كدت أبكي من كلمة قلتها لا إله إلا الله وهي عماد الإيمان، وإن كل مؤمن يولد في هذه الدنيا متأكدون بإذن الله أنه سيقول: لا إله إلا الله؛ ولذا أعتبر أن لا إله إلا الله محمد رسول الله هو ميزاننا وأننا كمسلمين في ميزان والكفار من الجهة الأخرى فكل ما نفرض إن قَلَّتْ كلمة لا إله إلا الله نفتكر أن كلام الكفار سيرتفع ونحن نقلل من القائلين بلا إله إلا الله بمنع نساءنا من الإنجاب؛ لأن كل مسلم يرزق وكل مسلم يأتي في هذه الدنيا سينطق بكلمة لا إله إلا الله بإذن الله ولا إله إلا الله هي كلمتنا في الدنيا والآخرة، ثم زيادة على هذا أن تكلمنا في تحديد النسل فإن تحديد النسل سيؤدي إلى فساد الخلق لدى البنات؛ لأن كل بنت تعرف أنه مسموح لها بالقيام بتنظيم النسل ومسموح لها بأخذ الحبوب والأدوية التي قد تشتريها من الصيدليات؛ لأنه ربما سيصدر قانون عام مأذون به وأن سيفتح لها الباب غدا تقوم بأعمال غير لائقة بأعمال مخالفة للإسلام مخالفة للشرع بدون أن يشعر وليها بأي مسئولية عنها.

ولهذا أرى أن الكلام في تحديد النسل يجب أن يكون بحذر فالصحيح أن يقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، حقا لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة إذا كانت القضية متعلقة بامرأة في حالة خطر أو حامل وترضع، قد يسمح في هذه الحالات الدقيقة الحالات التي لا يمكن أن نتجاوز عنها بقيامها بعملية الإجهاض أو بقيامها بعملية لا تسمح لها غدا بأن تلد وشكرا.

ص: 504

الدكتور محمد نعيم ياسين:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الحقيقة بعض الإخوة وخاصة الدكتور حسان حتحوت في مقالته الراقية الرائعة أوحى بسؤال، ويجب أن نجد له حلا؛ لأن الجزء الأساسي من الموضوع ربما يكون كما قال بعض الإخوة: قد قتل بحثا، ولعل الاتجاه العام فيه إلى إباحة تحديد النسل للأفراد وعدم إباحة ذلك للحاكم، ولكن نريد أن نعرف عندما يغلب الظن يغلب ظني أنا محمد نعيم أن الاجتهاد الخاص أن هناك مؤامرة فعلا في البلد الذي أعيش فيه سواء كنت في جزيرة ترينيداد أو في فلسطين أو في المالديف أو في أي مكان أن هنالك مؤامرة تخطط لجعل نسبة الأقلية المعادية أو أقلية يعني لها اتجاه آخر تزيد وتأخذ مراكز تأثير، أريد أن أعرف عندما يغلب على ظني أنا هل يحرم علي أن أحدد النسل أم يظل ضمن الإباحة؟ وهذا سؤال لا أوجهه للإخوة الذين يرون أن الأصل في تحديد النسل التحريم إنما أوجهه للإخوة الذين يرون أن الأصل في تحديد النسل للفرد، يرون أنه مباح في هذه الحالة هل يحرمونه عليه؟ وإذا كانوا يحرمون عليه ذلك فأرجو إذا ما صدرت توصية بهذا الخصوص وكانت متجهة في الاتجاه الأوسع وهو الإباحة للأفراد أن تستثنى ذلك بحيث يكون حراما أو على الأقل مكروها لأؤلئك الأشخاص الذين يغلب على ظنهم سواء كانوا على مستوى الأفراد المثقفين أو الوسط أو غير ذلك أنه يكون حراما بالنسبة لهؤلاء.

هذه ملاحظة أثارها الحقيقة في ذهني كلام الدكتور حسان والدكتور البار ومن جاء بعدهم وجزاهم الله خيرا وبارك الله فيكم.

ص: 505

الدكتور عمر سليمان الأشقر:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كنت أود في مناقشة هذا الموضوع أن لا نصدر في أبحاثنا عن رد فعل تجاه شبهة وردتنا من الغرب في ظني أنه آن للمسلمين في هذا العصر أن يتوجهوا بأبحاثهم النابعة من فقههم وشريعتهم تأصيلا: أولا لبيان المفاهيم الأساسية النابعة من الشريعة والنظريات المبنية على الأصول الشرعية لبيان المشكلات المعاصرة تتقدم بها إلى العالم نقول: هذا فقهنا وهذا ديننا وهذه شريعتنا وهذه أصولنا الموافقة للحق، هذا جانب والجانب الآخر كنت أود أن نناقش أصل النظرية لا نكتفي بإيراد الأدلة الشرعية، إنما أن نبين أصل النظرية التي أقيمت عليها هذه المسألة عند علماء الغرب أو عند غير المسلمين، ثم تفند من مختلف الزوايا سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأخلاقية أو العلمية حتى نهدم الأصل الذي قامت عليه؛ ولذلك حبذا لو أن البحث طرق من عدة زوايا زاوية علماء الشريعة هذا جانب علماء الاقتصاد الإسلاميين، هذا جانب آخر علماء الأطباء المسلمين ماذا يقولون في هذا؟ علماء الاجتماع المسلمين ماذا يقولون في هذا؟ نستطيع أن نقدم بعد ذلك للعالم منهجا واضحا في هذه القضية وقد كنت أسمع من المرحوم الدكتور عيسى عبده العالم في الاقتصاد الإسلامي أنه كان يقول: أصل هذه النظرية أصل هذه المسألة مبني في الاقتصاد الغربي على نظرية الندرة النسبية ويقابلها عندنا في الشريعة الإسلامية نظرية الوفرة النسبية، ففي الاقتصاد الغربي الأصل في الخلق الندرة والمفاهيم الشرعية والنصوص الشرعية تعطي أن الأصل في الخلق هي الوفرة النسبية، فكلما احتاج الإنسان إلى شيء أكثر فيكون وجوده أكثر، فالهواء وجوده كثيرا جدا لحاجة الإنسان الشديدة إليه، الماء بنسبة أقل ولكنه وافر، وهكذا.

في الختام كنت أيضا أحب أن ألفت النظر إلى أن تاريخ هذه القضية الإخوة الذين تكلموا في هذه القضية بعيد الغور في التاريخ الإنساني فقد رأيت بعض النصوص عند الفلاسفة في أثينا دعوا إلى هذا المنهج، وحدد بعضهم أن العدد المثالي لمدينة أثينا خمسة آلاف وسبعمائة هي التي يمكن للموارد في أثينا أن تكفي سكانها، أما الأكثر من ذلك ففيه خطر يعني هذا البحث قديم أو هذه المسألة قديمة وشكرا.

ص: 506

الدكتور عمر جاه:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.

شكرا فضيلة الرئيس فيما أعتقد أن مسألة المفردات التي تناولناها في تحديد النسل تنظيم النسل منع الحمل هذه كلها مفردات تشير إلى معنى واحد، والذي أراه والذي نستطيع به أن نفرق بين هذا وذاك هو الدوافع، ما هو الدافع؟ ما هو المبرر؟ ما هو الهدف من استعمال هذا الأسلوب لمنع الإنجاب؟ وفي الحقيقة كما رأينا هذا ظاهر في البحوث التي تناولناها أن مسألة منع الحمل وتنظيم النسل كان قائما وليس جديدا في حياة المسلمين، والظاهر الغريب الذي أريد أن أضغط عليه وأصر عليه الغريب في الموضوع هو هذا الضغط الكبير الذي يأتينا من دول تشجع النسل في بلادها وتمنعه في بلادنا نحن ونحن متفقون تماما ولا أشك أن هنالك أحدا يخالف في هذا، إن الهدف أو المبرر لا يمكن أن يكون اقتصاديا ولا ماديا؛ لأن هنالك آيات قرآنية كثيرة ذكرها العلماء في هذا المكان هؤلاء يغنونا عن تكرار ما سبقوا إليه فهذا الكوكب الذي خلقه الله لنا فيه المزيد مما نحتاج إليه لكي نعيش إذا أحسنا، وأشكر الدكتور حتحوت في هذا المجال أشار إلى نقطة هامة جدا ونقطة أساسية في حياة المسلمين تكافل وتكامل، وأنه إذا حدث أن هناك دولة ينقصها موارد لتغذية أبنائها هناك دول إسلامية أخرى عندها وفرة، وإذا كنا مسلمين حقا ينبغي أن نقوم ونتعاون في سد حاجات بعضنا البعض حتى لا نضطر إلى اللجوء إلى أساليب لا يمكن تبريرها فمسألة منع الحمل إما بالتعقيم أو بالعزل أو بطرح كمية ضخمة من حبوب منع الحمل في أسواقنا وهذا يؤدي حتما إلى ظاهرة أخرى غير شرعية فالأخ مندوب النيجر أشار إلى نقطة خطيرة جدا، وأن هناك عددا كبيرا من النسوة يستطعن أن يتناولن هذه الأمور التي تمنع الحمل، وهذا فيه تشجيع على الإباحية كما تعرفون.

ص: 507

إذن فالمسألة كما أراها أنا إذا كنا سنصدر في هذا المجلس توصية أو فتوى في هذا المجال ينبغي أن ندرس الموضوع كما قال الأخ عمر الذي سبقني في الكلام، ينبغي دراسة الموضوع دراسة مستفيضة من كل جوانبها، ومن هنا أختلف إلى حد ما مع الإخوة الذين عبروا عن تخوفهم من إقحام موضوعات ليست جزءا من هذا الموضوع ويقولون: إن مسألة الإجهاض والتعقيم تختلف تماما عن موضوع تنظيم النسل، صحيح قد يختلف لكننا لا نستطيع أن نصدر فتوى تفيد إلا إذا بينا هذه الأمور التي أقحمت إقحاما في هذا المجال وهي غير شرعية أنا متفق معهم تماما أن الإجهاض غير شرعي وليس هناك مبرر له إلا إذا كان هناك حاجة لحماية الحياة، الإجهاض في منع حياة أو قتل حياة إذا كانت هذه الحياة التي سوف تأتي لا نقتلها إلا لحماية حياة قائمة إذن الإجهاض غير شرعي ومحرم شرعا إلا إذا كانت هناك ضرورة؛ ولذلك تنظيم النسل وكلنا يعرف أننا نمارس تنظيم النسل حتى من غير أن يكون هناك تشريع على مستوى الدولة لأن كل أسرة تعرف ظروفها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وتمارس نوعا ما من تنظيم النسل ولكننا ينبغي أن ننتبه إلى أن هذه القضية قضية خطيرة؛ لأنها أقحمت علينا ونتكلم عن أشياء هناك أشياء أخطر من هذا؛ لأن مسألة حبوب منع الحمل الآن أو تركيب لولب هذه الأشياء كان المفروض أن تخصص للمتزوجات والمتزوجين فنجد الآن أن هذه في متناول الملايين وهذا حدث فعلا في الدول الإسلامية، إذن هذا الجانب الخطير ينبغي أن يكون موضع الاعتبار بالنسبة لدراستنا وشكرا.

ص: 508

الدكتور علي أحمد السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله بعد هذه الأحاديث الطويلة المستفيضة الممتعة وبعد هذا الاتجاه الطيب إن شاء الله أريد أن أشير إلى نقطتين اثنتين فقط.

النقطة الأولى:

هي أن شيخنا الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله عندما قدم بحثه للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في هذا الموضوع موضوع تنظيم النسل ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وغير الإمام مسلم، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال:((ذلك الوأد الخفي)) ثم قرأ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير 8-9] ، وجعل أن هذا هو الأساس في الموضوع، وأن الأحاديث الأخرى التي ذكرت في الموضوع يجب أن ينظر إليها في ضوء هذا الحديث ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) كيف كانوا يعزلون والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((ذلك الوأد الخفي)) فلاحظت في الحقيقة أن بعض الإخوة الباحثين اكتفوا بذكر الأحاديث التي تبين أن العزل مباح، وأن هناك أحاديث شريفة أباحت هذا دون ذكر لهذا الحديث الشريف.

ووجدت أن بعضهم مر عليه مرورا سريعا مع أن شيخنا رحمه الله وقف عند هذا وقفة طويلة، وَبَيَّنَ أن هناك المنهج الذي أشار إليه فضيلة الأخ الدكتور الأستاذ علي القره داغي وهو أنه يجب أن نجمع الأحاديث كلها، وأن نخرج هذه الأحاديث، وأن ننظر في ضوء هذا التخريج فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((ذلك الوأد الخفي)) فلا بد إذن إذا كانت هناك إباحة في أحاديث أخرى تبيح لا بد أن ننظر في ضوء حديث المنع إلى جانب ما ذكر من أن الإسلام يحث على الزواج وكثرة النسل.... إلخ، فلا بد أن نجمع بين هذا وذاك.

الأمر الآخر: هناك إشارة إلى بعض الفتاوى الفردية وبعض الفتاوى الجماعية لبعض المؤتمرات الطبية الإسلامية، وأرى أن من أهم الفتاوى التي صدرت فتوى مجمع البحوث الإسلامية، (المؤتمر الثاني سنة 1385هـ - 1965م) حيث حضر هذا المؤتمر كبار علماء يمثلون خمسا وثلاثين دولة إسلامية وصدر القرار بالإجماع، والقرار بالإجماع نصه موجود في البحث الذي قدمته ولا أريد أن أقرأه، كذلك هناك فتوى أخرى إجماعية صدرت بعد هذا بخمس عشرة سنة فتوى مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي وهي في نفس الموضوع ونصها موجود في البحث الذي قدمته.

إذن أعتقد أن هاتين الفتويين من أهم الفتاوى التي صدرت، ولعل الإخوة الكرام ينظرون إليهما عند صياغة الفتاوى والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وشكر الله لكم.

ص: 509

الدكتور أحمد محمد جمال:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد.

تصورت عندما وضعت بحثي عن تحديد النسل وتنظيمه أن هناك أمرين مطروحين على المجمع يريد المسلمون أن يعرفوا رأي الإسلام فيهما، وقد ركزت على هذين الأمرين وهما تحديد النسل على المستوى الجماعي، وتنظيم النسل على المستوى الفردي هذا هو المطلوب، المسلمون يريدون أن يعرفوا: ما حكم الإسلام في التحديد الجماعي؟ أي تدخل الدول في هذا التحديد هذا طبعا لا يجوز وقد استدللنا في أبحاثنا بالأدلة الشرعية من القرآن والسنة، لا يجوز لدولة ما أن تحدد نسل شعبها تحديدا جماعيا فهذا يناقض حكم القرآن وحكم السنة، أما تنظيم النسل على المستوى الفردي فهذا هو الجائز في نظرنا، وقد استدللنا عليه بأدلتنا أيضا الشرعية فلو أتيح لنا من البداية أن يقول كل باحث خلاصة لرأيه وأدلته لكفينا كثيرا من هذه التعليقات الطويلة التي ذهبت بعيدا عن موضوع القضية المطروحة على المجمع.

تحديد النسل لا شك أنه ممنوع على المستوى الدولي أي الدولة أو المجتمع، وقد قرئت الآيات الكثيرة التي تضمن الرزق وأيضا نعرف من حيث الواقع حيث واقعنا نحن المسلمين بلادنا تفيض بالخيرات البشرية والزراعية والغذائية والأرضية، وهنا أحب أن أقف وقفة قصيرة تعليقا على كلمة سماحة الشيخ علي التسخيري؛ لأنه يبدو في كلمته أنه يؤيد التحديد الجماعي، وقال: إن عندهم زيادة سبعة عشر مليونا يحتاجون إلى طعام وشراب وتربية

إلخ ، الواقع أن كل الدول الإسلامية بما فيها إيران عندها من الخيرات ما يكفي للتغذية والتربية إذا وفرت هذه الخيرات للشعب.

نرجع إلى التنظيم الفردي الذي نرى أنه لا بأس به ، لماذا لا بأس به؟ لأنه يقوم على حاجة وضرورة بالنسبة للزوج والزوجة، قد تكون الزوجة مريضة لا تحتمل الولادات المتتابعة، قد تكون تحتاج إلى ولادة بالعملية القيصرية فلا بد لها من راحة عدة سنوات، قد يحتاج الأب إلى تربية لأولاده فترة بعد فترة فالتنظيم الفردي لا بأس به.

ص: 510

هذا هو أساس القضية على مستوى فردي ، وهنا أشير أيضا إلى ما قرره علماء الأصول على أن المباحات قسمان: وليست قسما واحدا ليس كل مباح مباح على المستوى الفردي والمستوى الجماعي وهذا ما تحدث عنه الإمام الشاطبي في الموافقات وكان حكيما في بيان هذا الفرق بين ما يباح للجماعة وللفرد وما يباح للفرد فقط ، فالتنظيم الفردي لا يجوز للدولة أن تستبيحه، هو مباح فقط لضرورات فردية للزوجة للزوج للأسرة فقط، وقد ضرب بعض علماء الأصول المثل بتعدد الزوجات أو بالطلاق فهما مباحان مباح على مستوى فردي لكن لا يجوز لحاكم أن يأمر بتعدد الزوجات كقانون، ولا يجوز أن يتدخل في شئون الأفراد أو يوجب الطلاق.

المهم لا أريد أن أطيل في التدليل والتفصيل، وإنما الذي أريده أن نقصر البحث على موضوع القضيتين المطروحتين تحديد النسل على المستوى الجماعي لا يجوز وتنظيم النسل على المستوى الفردي لا بأس به للضرورات التي أشرت إليها.

أريد أن أعلق أيضا في سطور محدودة على كلمة الدكتور علي السالوس فيما ذكره من أحاديث العزل منعا وإباحة الواقع أن العلماء بحثوا أحاديث العزل التي تمنع والتي تبيح وأغلب العلماء أيدوا الإباحة أخذا بحديث جابر " كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل " وهذا الحديث متأخر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم طبعا فاعتبروه حتى لو كان هناك حديث ((الموءودة الصغرى)) يعتبر ناسخا له فالعلماء بحثوا الجمع بين هذه الأحاديث وقرروا أن الإباحة في العزل هي الأساس وشكرا والسلام عليكم.

ص: 511

الدكتور الطيب سلامة:

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حضرات العلماء الأفاضل، هذا الموضوع الذي بين أيدينا هو موضوع من الأهمية بمكان لو قايسناه ببقية مواضيع هذه الدورة؛ لأنه موضوع يمس الإنسان المسلم إما عاجلا وإما آجلا في حين أن العديد من الموضوعات الأخرى التي تعني البيع والمرابحة والربا وما شاكل ذلك من قضايا البنوك وقضايا المعاملات هي تتصل بحياة المسلمين عموما، ولكنها لا تمس حياة المسلمين فردا فردا مثل هذا الموضوع، صدقوني إذا قلت لكم: إن من علم من الجماهير العريضة بأن هذا الموضوع سيعرض على المجمع الدولي للفقه الإسلامي هم في أشد الشوق وفي أشد الانتظار لما ستسفر عنه الدورة من قرارات ومن تحليل أو تحريم، ولا أقول جديدا: إن سمحتم لي بأن أُذَكِّرَ بدور هذا المجمع الكريم وأن تأسيسه كان محل ارتياح العلماء والعامة؛ لأننا قد انتهينا إلى قضية ونحن مع طلابنا في أمر الاجتهاد إلى أن الاجتهاد الفردي يحسن أن يعود وإلى أن الاجتهاد الجماعي هو الذي سيأخذ مكان الاجتهاد الفردي، وهو الذي سيوضح للمسلمين معالم طريقهم وأمور دينهم وما سيجد من قضايا حياتهم حينئذ قرارات هذا المجمع هي قرارات اجتهادية، والاجتهاد كما هو معلوم في الشريعة الإسلامية أصل من أصول التشريع الإسلامي حينئذ أود أن أقول من وراء هذا: إن دراسة هذا الموضوع تستدعي أن تأخذ حظها ولو لزم الأمر إلى أن نفكر في مضاعفة دورات المجمع ولا نقتصر على دورة سنوية لحل القضايا ولخدمة هذه المسائل حينئذ قضية تحديد النسل أو التوقي من الحمل أو الإجهاض، هذه كلها قضايا حيوية يحياها الرجال والنساء كما يحياها الشباب بالنظر إلى مستقبل حياتهم الزوجية القضية حينئذ تتطلب مزيدا من التأني وعدم السير على منهج المؤتمرات الأخرى، هذا مؤتمر علمي، وهذا مؤتمر مجمع فقهي، وإن حددناه بزمن فمعنى ذلك أنها دورة يمكن أن تعقبها دورات ويمكن أن تتجدد الدورة وليس اجتماعا سياسيا نريد أن ننتهي فيه حتما إلى قضايا وقرارات سياسية أو إلى لوائح لا بد من إصدارها، هذا من باب التواصي بالحق وبالخير أما إذا عدت إلى موضوع تحديد النسل أو التوقي من الحمل أو العزل وتعددت الأسماء وتقاربت المدلولات وإن كانت هذه الأسماء كلها تجمع قضايا متعددة.

ص: 512

الموضوع في الواقع له عدة جوانب والناس والأمة الإسلامية في انتظار الحكم الواضح في كل قضية من القضايا مفصلة هنالك جانب منع الإخصاب والتوقي من الحمل والذي كان يسمى بالعزل في القديم، هنالك جانب ثان وهو جانب منع الإخصاب ولكن ليس بصورة العزل يعني قبل أن يبلغ ماء الرجل المحل " الرحم "، وإنما بعد ذلك فهذه العملية عملية منع الإخصاب ولكن هذه المرة داخل الرحم لا خارجه، وهنالك عملية القضاء على ما تم من إخصاب في فترة من فترات الإخصاب وهو ما يسمى بالإجهاض سواء كان في مرحلة أولى أو في مرحلة ثانية من مراحل الحمل ، القضية لها دواع ففي السنة الشريفة وقد تتبعت جل دواوين السنة وجمعت ما فيها من أحاديث فبلغت في هذا الجمع ستة وثمانين حديثا هي أحاديث مقبولة مختلفة الدرجة فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها المقول في سنده، ولكنها مع ذلك ومع كثرتها كما يعرف أهل الصناعة هي متعاضدة الأحاديث ولكن تعدد هذه الأحاديث قد أفاد شيئا آخر جانبا آخر لمن يتتبعها هو جانب الحياة الاجتماعية وجانب الداعي الذي كان يدعو الصحابة رضوان الله عليهم لسؤال الرسول ولممارسة العزل فكانت قضايا مع زوجات، وكانت قضايا مع سرايا ومع إماء حينئذ الحاجة تدعو إلى هذا العزل، وكان الرسول يجيب فيما يقارب الثمانين حديثا بالجواز وفيها الصحيح المتفق عليه كحديث جابر ولكن هنالك أحاديث أخرى كانت معارضة لهذه الأحاديث وهي عبارة عن ستة أحاديث أو ما يقارب هذا وأصحها حديث مسلم الذي روته جدامة أو جذامة على روايتين بنت وهب والذي تحدث فيه الرسول عن الغيلة وبين أنه كاد أن يمنعها ولكنه رأى أنها لا تضر أبناء فارس ولا الروم، تقول الصحابية الجليلة جذامة: وسئل صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ((هو الموءودة الصغرى)) لكن هذا الحديث في الواقع وإن كان صحيحا هو معارض لعدة أحاديث أخرى صحيحة ومعارض أيضا بحديث يعارضه تقريبا نصا بنص وهو أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن اليهود، وأنهم يزعمون أن العزل هو الموءودة الصغرى، فقال صلى الله عليه وسلم:((كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه - أي المولود - لم يمنعه)) أي لم يمنعه شيء في حديث جذامة، قد تولى علماء المسلمين من فقهاء قدامى ومن محدثين قد تولوا عملية الترجيح وعملية الجمع بما هم أهل له ورأينا أن الموضوع قد قتل بحثا وأن على علماء العصر أن يتتبعوا ما تم من سلفهم الصالح ليكملوا وليوائموا بين حاجات العصر وبين مقتضيات هذه الأحكام الشرعية حينئذ الحاجات بالنسبة للتوقي من الحمل أو بالنسبة للإسقاط والإجهاض متباينة ومختلفة من عصر إلى عصر ومن فرد إلى فرد، وبذلك دخلت هذه القضية وهي داخلة من أصلها في الأحوال الشخصية ولم يجز بعد ذلك أن تكون من الأحول العامة.

ص: 513

وهنا قد يأتي سؤال أو قد يطرح سؤال: هل هذا الأمر أمر الإنجاب وأمر الأولاد هو حق من حقوق الأسرة فقط؟ أو للدولة حق فيه؟ وإذا كان للدولة حق فيه فللدولة أن تتدخل حينئذ من فقهائنا من ذهب إلى أنه حق للأب باعتباره أنه القوام على الأسرة وأنه المسئول عن تربية الأبناء، وأنه هو الذي يقدر المسئولية ولذلك الأمر يرجع إليه، ومن العلماء من ذهب في إعطاء المرأة حقها في الموضوع وتحميلها المسئولية كأشد ما يكون اتجاهاتنا العصرية اليوم بحيث يعتبر أن الأمر للزوجة ولا بد أن تستأمر في ذلك ولا بد أن تستأذن ويحرم على الزوج أن يعزل عنها إن لم توافقه على ذلك، وإذا كان الأمر كذلك حينئذ يصبح الأمر شورى والأمر من تدبير الأسرة من تدبير الزوج والزوجة يعني يفعلان ما يتناسب مع وضعهما ومع حالهما الأسري، أما الدولة: الدولة بالطبع لها الإشراف العام ولكن كما تشرف الدولة على الفلاحة وإذا قلنا الدولة تشرف على الفلاحة ليس معنى ذلك أن تأخذ الجرار أو تأخذ المعول أو هي التي تسقي أو تحرث أو تزرع وإنما لها التوجيه والتوجيه يكون توجيها رشيدا وإلا فلا يكون التوجيه معناه: التوجيه إلى السداد وإلى الرشاد والذي تنتفع به كل أسرة سواء في ذلك الأسرة التي يلائمها تحديد النسل أو الأسر التي لا يلائمها ذلك بحيث تتجه الدولة بسداد ورشاد في هذا المنهج والأسر الواعية بعد توعيتها تطبق وتنفذ.

القضية مثل ما قلت: فقهاء المسلمين قد ذهبوا فيها إلى أبعد مما نظن وإلى أبعد مما يظن العلماء المعاصرون في هذا العصر حتى إنهم في مسألة وهي المسألة التي أنتقل إليها من قضية الإجهاض مثلا يبين العلماء أن حياة الجنين في بطن أمه حياتان على خلاف ما تقرره المسيحية، فهنالك حياة بيولوجية حياة جراثيم وهي حياة ما يسمى بحياة الإعداد والنمو خلايا تنمو وتنقسم على بعضها، وهنالك حياة إنسانية للجنين وهي حياة ما بعد نفخ الروح وهي الحياة المحترمة المكرمة، ومن هنا جاء قول الفقهاء الذين يقولون بجواز الإجهاض ولكن ليس جوازا مطلقا جواز مع وجود الداعي يعني قبل المائة والعشرين يوما الأربعة أشهر، وأما بعد ذلك فهي الحرمة باتفاق جمهور العلماء إلا للضرورة، والضرورة كأن تكون حياة الأم في خطر فيعمد إلى الإجهاض ولو بعد الأربعة أشهر لإنقاذ حياة الأم بناء على القاعدة التي تقول: لا يبقى على الفرع بطريق إعدام الأصل. حينئذ الكتب الفقهية، الأحاديث فيها من المادة الزاخرة المهمة ما يفتح لها أمامنا باب الاجتهاد ولكن مع التروي حتى يكون ما يصدر عن هذا المجلس الموقر المحترم وعن هذا المجمع الكريم هو تشريع للأمة الإسلامية التي تنتظره وشكرا.

ص: 514

الدكتور محمد عطا السيد:

الحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد عبدك ورسولك.

باختصار شديد يا سيدي الرئيس يبدو لي من أكثرية البحوث التي قدمت والنقاش الذي دار إنه في الحقيقة تبلور النقاش في نقطتين بل وحصل شبه اتفاق على هاتين النقطتين وهما.

أولا: لا يجوز وأقدم هذه المسألة عسى أن تكون إطارا لقرار المجمع وتوجيه النقاش في هذه الناحية لأمة مسلمة أن تتخذ تحديد النسل سياسة عامة للدولة خوفا من العيلة أو الفقر أو لرفع مستوى المعيشة أو التعليم أو ما إلى ذلك، وذلك للأسباب والأحاديث الكثيرة التي أوردها الباحثون والمناقشون جميعا.

ثانيا: إذا كانت هنالك مسائل فردية مشروطة بحالة مرضية معينة أو نفسية كأن يؤكد الأطباء المتخصصون خطورة الحمل مثلا على امرأة بعينها أو يخشى على حياتها من استمرار الحمل أو ما إلى ذلك أو إذا تأكد أن الزوجين لا يستطيعان أن ينشئا الطفل بالصورة المطلوبة، فهذه حالات فردية ويجوز لكل حالة أن تعالج كل حالة بقدرها وبرأي المتخصصين فيها وفي هذه المسألة طبعا كما نعلم أن الله سبحانه وتعالى رقيب على ضمائر الذين يقررون في هذه المسألة.

ولذلك أرى يا سيدي الرئيس انحصار القرار في هاتين النقطتين دون التعرض للتفاصيل المختلفة حتى لا ندخل في متاهات الإجهاض وما إلى ذلك، هذا ما رأيته.

ص: 515

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

ثراء نعمنا به، وبحوث مستفيضة نشكر عليها السادة الباحثين والمعلقين وبقي لي بعض الأمور التي أريد أن أضيفها.

الأمر الأول:

هو أن هذه المشكلة هل هي مشكلة حقيقية أو هي مشكلة زائفة أَقْنَعَنَا بها الغربُ؟

لا أعتقد أن المشكلة مشكلة زائفة أصلًا فإن التطور العلمي مكن للأطفال بالأسباب التي توفرت من بقاء الحياة، والتطور السكاني أمر مشاهد أمامنا يشاهده كل منا في قريته وفي مدينته وفي بلده، والإحصائيات الرسمية حسب التطور بالحاسوب تفيد أن أفريقيا ستكون في سنة 2057 م أكثر في عدد سكانها من سكان العالم الآن. وستتجاوز ستة مليارات في سنة 2057 م، وهي ليست بعيدة فالمشكلة إذن هي مشكلة واقعة وحقيقية وباعتبار أنها مشكلة واقعة وحقيقية، فمواجهتها وبحثها هو أمر واضح لابد منه وتبحث على ثلاثة نطاقات.

النطاق الأول: هو نطاق شخصي بمعنى أن الأسرة التي تجد نفسها عاجزة وغير مهيأة نفسيا لمواصلة الإنجاب هذه تلجأ إلى الطبيب فحكمها في ذاتها في إقدامها على هذا ثم إن الطبيب وما يصفه إما استجابة للطب أو عدم الاستجابة ما هو حكم الله في ذلك، والطبيب يريد أن يكون مسلما وهو يباشر مهنته الطبية. ومن هنا جاء ما تفضل به السادة الإخوان الذين تعمقوا في المشكل.

وأعطونا بعض النماذج لتنظيم النسل فليست مسألة خارجة عن نطاق البحث ولكنها هي البحث ذاته؛ لأنه هل يربط القنوات ما هو حكم الربط وهو التعقيم الكامل هل يجري منع على الزوج على الرجل؟ هل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟ هل يعطي حبوب منع الحمل؟ تأثير هذه الحبوب على الصحة. فهي كلها قضايا تتطلب جوابا من الطبيب المسلم وللعائلة المسلمة.

الأمر الثاني: هو الدولة، والدولة لابد أن نفرق بين مرحلتين على مستويين، المستوى الأول هو أنه هل للدولة وهي تمثل الأمة أن تتدخل تدخلا تنظيميا؟

ص: 516

بمعنى أن تعرف الناس بواجباتهم في التربية وبما يلزم كل فرد عندما ينجب وكيف يستطيع الفرد أن يمتنع عن الزيادة هذه ناحية إعلامية تنظيمية، وهناك ناحية أخرى أرفع من هذه وهي أن تتخذ الدولة قرارا في منع التكاثر وفي منع الحمل هذا نجده في بعض الدول أخذت قرارا بأنه ليس للعائلة أن تزيد على شخص واحد إذن فلا بد من النظر في المرحلتين وإعطاء فتوى لكل واحدة منها.

والقضية التي تعرض إليها وأريد أن أعلق عليها بكلمة صغيرة هي الحياة والحياة التي هي حركة وانقسام، فالخلية عندما تلتقي بويضة المرأة بالحيوان المنوي للرجل هل هذه الحياة هي نفس الحياة التي ستتبع أو هما حياتان؟ إن التقدم العلمي اليوم وخاصة بالحصيلة الإرثية وتطور الجنين حسب خلق الله لا يتدخل أحد في ذلك، هذا أثبت أن الحياة البشرية تأخذ خصائص تختلف عن الحياة الحيوانية اختلافا كاملا وأنها خصائص يقينية الآن أصبحت عند العلماء؛ ولذلك يكون احترام الجنين من أول يوم للقاح لتلقيح البويضة، وما ورد عن العلماء إنما هو اجتهاد عندما كان المستوى العلمي مستوى معينا، فلما تجاوز المستوى العلمي ما عند العلماء في عصرهم وجب أن تتجاوز الفتوى، وأن يصبح القول الذي لا يعتمد أو هو دون المستوى العلمي هذا قولا لا يعتمد عليه بالفتوى.

الأمر الثاني: وأنه وقع التعرض في كثير أو في بعض تدخلات الإخوان على أن القضية ظنية، نعم يا سيدي هي ظنية ونحن نبني فتاوانا على الظن ولا نبني الفتاوى على اليقين، وإذا كانت القضية يقينية فهي من البديهيات التي لا اجتهاد فيها إنما يصبح الاجتهاد في التطبيق فإذا ظننا أن هذا الحمل سيضر بالمرأة عند ذلك نأخذ القرار بناء على الظن لا بناء على اليقين، فاليقين لم يعطنا رب العزة الإمكانيات للوصول إلى اليقين إلا في نطاق محدود، وما كانت الفتاوى إلا مبنية على الظن. وشكرا.

ص: 517

الشيخ مولاي مصطفى العلوي:

بسم الله الرحمن الرحيم سيدي الرئيس أصحاب الفضيلة لقد سمعت ما راج في هذه الجلسة الطويلة، ولا أريد الإعادة لما تقدم به إخواني شاكرا لهم، وإنما أريد أن ألفت النظر إلى ما نتج عن بحوث جاءت من غربيين وفي بلادهم يتخوفون من حبوب منع الحمل التي هي أمر بسيط تستطيع كل امرأة وكل فتاة أن تحصل عليها بسهولة، ففي الميدان الصحي ثبت ضرر كثير منها وهذا أمر للأطباء وقد تعرضوا له ولكن في الميدان الأخلاقي نجد استعمال حبوب منع الحمل تساعد على انتهاك حرمة الدين والأخلاق لدى الجماهير المنحرفة خصوصا ونحن نعيش كما يشعر الجميع ظروفا طغت فيها المادية وضعفت فيها التربية الدينية والأخلاقية.

ففي الكثير من بلاد المسلمين بسبب الغزو الفكري الأجنبي ضاعت كثير من الأخلاق فاستعمال وسائل منع الحمل بمختلف أشكالها وأنواعها خصوصا الحبوب الواسعة الانتشار ، نظرا لسهولة الحصول عليها ويسر استعمالها من لدن الجميع، خصوصا الفتيات قبل الزواج في ميدان الطالبات والعاملات من غير اللجوء إلى طبيب ولا شك أن هذا يحطم الأخلاق في المجتمعات الإسلامية كما حطمها في جهات أخرى وهنا بعض الإحصائيات التي جاء بها غربيون يتحدثون عن بلادهم فحبوب منع الحمل تسببت في انتشار كثير من الأمراض، وتسببت في الإباحية التي طغت على المجتمعات، ضربت المدنية الغربية أعلى مثال في إنجاب الأطفال غير الشرعيين وانتشار الأمراض الخطيرة ففي بعض البلاد التي نقلدها لحضارتها وقوتها يقول أحد الأطباء فيها: إنه يولد أزيد من ثمانين ألفا بدون زواج شرعي في أحد البلاد الغربية، وفي سنة 46 كانت نسبة أولاد الزنا في بلد يقول هذا واحد من كل ثمانية ولدوا، والسبب هو حبوب منع الحمل التي تتستر من ورائها كثير من الفتيات وكثير ممن يختلطن في المجتمعات، هذه ناحية الأمر الخطير بالنسبة للإسلام وبالنسبة للمجتمع الإسلامي يجب أن نلاحظها في هذا المقام.

نحن لا نقول بأن التباعد بين حملين ممنوع أو إنه لا يجوز للإنسان أن يفعل ذلك شخصيا في أسرته، ولكن يجب أن ننظر إلى النتائج التي تعطيها هذه الحملة الشرسة التي جاءتنا من الغرب والتي المقصود منها في اعتقادي وقد أكون خاطئا المقصود منها هو تحطيم المجتمع الإسلامي؛ لأنهم يخشون من الصحوة الإسلامية بأن تتحد الأمة وأن تأخذ طريقها في المنهج الإسلامي وأن تكون الأمة التي وصفها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والأمة التي قال فيها الله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، هذه النظرة فقط هي التي أريد الانتباه إليها وشكرا لكم والسلام عليكم.

الرئيس:

شكرا: في الواقع يا مشايخ لدي الآن اثنا عشر اسما من أصحاب الفضيلة المشايخ وما بقي من الوقت إلا ما يقرب من خمس عشرة دقيقة فهل ترون أن نختم الجلسة ويكون إعلان ما تم التوصل بالاتجاه العام إليه؟

ص: 518

الدكتور / عبد السلام العبادي:

إذا سمحت سيدي الرئيس هذا التصدي من المجمع لهذه القضية إذا لم يكن له ميزة خاصة لا ضرورة لهذا التصدي خاصة وإنه أشار كثير من الإخوة أن هذا الموضوع درس في مجامع وفي مؤتمرات أنا أقترح إذا كان لا بد في الواقع ما دام تصدينا لهذا لا بد أن يتصف قرارنا بنوع من الميزات الخاصة؛ لأنه مجمع دولي يوجه الرأي العام الإسلامي في كثير من قطاعاته ومواصفات هذا يعني أقترح بشكل محدد إجرائيا أن تشكل لجنة من ثلاثة أو أربعة من إخواننا الذين بحثوا هذا الموضوع تفصيلا بحيث يلاحظون فيما سيصدر من قرار هذا المجمع أمورا أساسية لا بد من تحديد الاصطلاحات في هذه القضية؛ لأنه مما أدى إلى الاختلاط في هذا الموضوع واختلاف حتى الفتاوى التداخل بين منع النسل وتحديد النسل وتنظيم النسل، نحن أمام ثلاثة اصلاحات لا بد من أن تبلور في هذه الفتوى لا بد أيضا من أن يشار إلى اهتمام الإسلام بالنسل ويشار إلى المواجهة الديموغرافية التي تتم في كثير من قطاعات مجتمعاتنا الإسلامية، لا بد من أن يشار إلى قضية الاحتياط في وسائل منع الحمل ولا بد من أن توضع عليها رقابة و.... إلخ، كل القضايا التي أثيرت في هذا النقاش لا بد أن تتبلور في فتوى مستفيضة لخطورة القضية وحساسيتها بحيث يصدر قرار متميز عن المجمع في هذا المجال والواقع ما طرح وتسمح لي بدقيقة بسيطة في قضية المشكلة الاقتصادية يعني أرجو التنبيه للفرق بين النظرة التشاؤمية التي أتى بها مالتس في هذا المجال وبين موضوع المشكلة الاقتصادية موضوع المشكلة الاقتصادية هنالك ندرة نسبية للسلع والخدمات شئنا أم أبينا، ولكن الإسلام وجه هذه المشكلة وجهة خاصة فيما قدم حلولا لهذه المشكلة، ويمكن أن نتناقش مع إخواننا الذين طرحوا هذه الفكرة في لقاءات جانبية لنوضح وجهة نظر الإسلام في هذا المجال وشكرا.

ص: 519

الأستاذ عبد الهادي بو طالب:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

سيدي الرئيس أعتقد أن هذا الموضوع الذي نتناقش فيه هو الموضوع الأساسي في هذا الاجتماع المبارك، وأنا أشكر أنه قدم ليتأتى للأساتذة المستعجلين أن يشاركوا فيه وأنا واحد منهم ذلك أنه كان مرتبا في آخر جدول الأعمال حسب ما رأيت، ثم ارتأيتم وحسنا فعلتم سيدي الرئيس.

هذا الموضوع سيدي الرئيس موضوع مهم جدا ولو أخذنا منا الوقت ما أخذ فالوقت الذي نقدمه بشأنه يستأهله هذا الموضوع ويستحقه، ومن المفيد أن تكون توصياتنا أو قرارتنا فيه متسمة بالحكمة بعد المزيد من الدراسة، والمزيد من التأني فيه وما يصدر عن المجمع الموقر قال ذلك قبلي إخوة سبقوني يرتقبه العالم الإسلامي ويتشوق إليه ويتطلع إلى نتائج أعمالكم، فأرجو أن نكون عند حسن الظن وأن لا نستعجل الأمور هذه نقطة أقدم بها حديثي.

فأما الحديث فإنني أود أن أقول لكم: إن الغرب له في هذا الموضوع منظور خاص به نعلمه ويجب ألا يكون منظورنا نحن على أساس رد الفعل ضد الغرب وما يحيك لنا.

ففي المعركة الحضارية التي نخوضها ضد الغرب أو على الأصح يخوضها الغرب ضدنا هذه المعركة التي يخوضها الغرب ضدنا يستعمل فيها وسائل شتى ويقاومنا فيها ويغزونا في مجالات عديدة، ومنها يمكن أن يكون مجال تحديد النسل بالنسبة له هل هو صالح له وغير صالح لنا، أو غير صالح له وغير صالح لنا؟

المهم أننا عندما يطلب منا أو نكون مداومين في اجتماع مثل هذا الاجتماع الحديث في هذا الموضوع الخطير علينا أن نستحضر أو نتشبث فقط بمنظورنا الخاص من واقع مجتمعاتنا الخاصة أيضا بحيث لا يهمنا أكان الغرب يريد منا أن يجرنا إلى ميدانه أو إلى حلبة السباق أو الصراع معه

ص: 520

بقدر ما يهمنا أن نستعرض واقعنا، واقعنا سيدي الرئيس هو الآتي:

انطلاقا من إحصائيات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التي قمنا بها منذ ست سنوات وانتهينا إليها في السنة الماضية أود أن أقول لهذا المجمع الموقر إن العالم الإسلامي اليوم قوامه مليار ومائتا مليون من البشر وهذا ما لم يقر الغرب به لحد الآن بل هو يقلل من عددنا باعتبار أنه لا يوصلنا حتى المليار نسمة في كثير من إحصائياته لكن الإحصائيات التي توصلنا إليها نحن في المنظمة الإسلامية تفيد أن العالم الإسلامي قد بلغ اليوم مليارًا ومائتي مليون إذن العالم الإسلامي مهم جدا إذا نظرنا إليه من حيث الكثرة ومن حيث العدد وهل هذه الكثرة في الحقيقة هي قوة لعالم كعالمنا؟ وبعبارة أخرى إن الإسلام يدعوا إلى أن يكون المسلم قويا عزيزا فهل القوة هي الكثرة؟ إن هناك حديثا سمعته ويردده بعض السادة العلماء: ((تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) هل يباهي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة ضعيفة ولو أنها كثيرة؟ هذا السؤال يجب أن نضعه على أنفسنا أيفسره حديث آخر ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها)) قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((بل أنتم حينئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن)) قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)) وما أعظم هذا الحديث فإنه يصور بكل أسف واقع العالم الإسلامي نحن كثرة أصابنا الوهن إذن يجب أن ننظر إلى واقعنا وما هي متطلباتنا لنكون أمة قوية لنحقق الآية القرآنية: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران 110]

ص: 521

في الواقع من خلال ما سمعناه يمكن أن نقول: إن هناك نقطا للاتفاق تصدر جميعا تقريبا على جميع أفواه المتحدثين من هؤلاء العلماء الأجلاء الموجودين هنا وهي أشياء يمكن أن تكون موضع اتفاق وهي:

أولا: إنه لا إجهاض بعد بلوغ الخلق مرحلة الحياة التي ينبغي أن يقول فيها علماء الأحياء كلمتهم بكل دقة والتي في نظري لا يمكن مطلقا أن تكون متناقضة مع ما ورد في الحديث الشريف عن هذا الموضوع بحيث لا يمكن أن نخضع الحديث الشريف إلى ما يذكره علماء الأحياء ولكن يجب أن نجد هناك ما يوفق بين الحديث وبين ما انتهى إليه العلم مع العلم بأن العلم لا ينتهي قط إلى شيء لأن العلم حقائق ليست دائما مسلما بها خلافا لما يقال بدليل أنها تنسخ عصرا بعد عصر وعهدا بعد عهد ولذلك لا يمكن أن نظمئن إلى أن العلم يحقق في الأمور بكيفية دقيقة ولا يدعي هذا حتى الأطباء أنفسهم فقد كانوا يقولون عن الحياة إن مصدرها الدم وغيروا فقالوا: إن مصدرها القلب ورجعوا الآن ليقولوا: إن مصدرها الدماغ وربما يقولون غدا شيئا آخر ولا ينبغي أن نسير في هذه المدرسة التي تبحث عن العلوم وتخضع الآيات القرآنية إلى العلوم الحديثة التي تتغير أيضا بتغيير المفاهيم وتغير الاكتشافات والحقائق فإذن نرى أن هناك أشياء وقع الاتفاق عليها منها هذا وأنه لا إجهاض بعد بلوغ الخلق مرحلة الحياة لا بد من موافقة الزوجين في كل عملية تنظم أو تحدد النسل هذا أيضا رأيت أنه مما يتفق عليه الجميع هناك أيضا فيما يتعلق بالعزل فإن هذا العزل قد يظهر أنه كان مباحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وإقرارا. كلام الصحابة يقول: كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل. وكلام النبي الذي أقرهم على ذلك والسنة التي أقرتهم على ذلك فإذن هذا أيضا نقطة أخرى عليها الاتفاق.

ص: 522

بقي أن هناك تخوفات عند بعض الناس أو أدلة وهي القول بأن {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود 6] هذه الآيات القرآنية لا بد أن نفهمها في سياقها الديني السياق الديني يقرن الرزق بالعمل ولا يمكن لأحد إلا أن يقول: الله يرزق لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا إن هناك غدوا ورواحا وليس هناك سكون في العش يرزقها وكذلك تحركوا ترزقوا وهذا معروف ومشروع وأن ليس للإنسان إلا ما سعى لا بد أن نترك هذه الآيات القرآنية وهذه الأحاديث في سياقها والنصوص يقيد بعضها بعضا كما نعلم في فقه الأصول فإذن هناك لا يمكن أن نقول أن نترك العالم الإسلامي يتكاثر ورزقه على الله لا لا بد أن ننظر إلى معطياتنا الداخلية وأن نحلل مجتمعاتنا فقد يصلح لمجتمع في العالم الإسلامي ما لا يصلح لمجتمع آخر مثلا على سبيل المثال إنهم يتخوفون الآن في روسيا من أن يتكاثر المسلمون ويصبحوا عددا هائلا ويتخوفون في الولايات المتحدة أن يصبح المسلمون أكثر من الإسرائيليين أو من اليهود ويتخوفون في إسرائيل من أن يقع في الأراضي العربية المحتلة تكاثر يؤدي إلى ضعف الأقلية اليهودية هذه أشياء تهم هذه الناحية من النواحي المختلفة قد يكون لها اعتبارها في موضوع تحديد النسل أو تنظيمه لا ينبغي أن نغفلها لأن هناك هذه العوامل السياسية الضروري أن نعمل بها وقاء لديننا وحرصا على امتداد جماعتنا الإسلامية هنا وهناك هنا لا يمكن مثلا أن نتصور وأن نقول: حددوا النسل ونحن نراعي هذه النقطة وهي أن هناك صراعا بين قوي وضعيف بين كثرة وقلة ولا بد أن يأخذ الإنسان المسلم مكانه فيها مكينا حصينا ولا يمكن أن يكون ذلك إذا كان قلة.

ص: 523

لكن هناك دولا تشكوا المجاعة وهناك أيضا التزامات اليوم في التربية، التزامات التربية خطيرة اليوم، كلكم لكم أولاد وأنتم تعلمون ما يحتاج إليه الإنسان في تربية أولاده من نفقات وما عليه أن يقوم به في مواجهة تربية وقواعد تربوية جديدة مكلفة وهذا كلنا نحس به فأعتقد أنه لا يمكن بمجرد دراسة نفردها لمشكل له مظاهر وعواقب سياسية اجتماعية اقتصادية وأيضا خلفيات دينية لا بد أن نراعيها أولا نحن المسلمين ونحن علماء المسلمين لا بد أن نأخذ في هذا بالأحوط والأحوط في نظري المتواضع سيدي الرئيس أن يصدر عن هذا المجتمع ما وقع عليه الاتفاق بين العلماء بمعنى أننا نقول الحد الأدنى الذي وقع عليه الاتفاق في هذا الموضوع هو كذا وكذا وأنا قد عددت بعض هذه الجوانب ويمكن لعلمائنا الأفاضل أن يزيدوا عليها وما لم يقع عليه الاتفاق بمنع إما أننا لم نهتد بعد إلى اجتهاد نهائي فيه وإما أنه يحتاج إلى دراسة أكثر استيعابا وشمولا نرجئه إلى مزيد من البحث ولا يصدر عن هذا المجمع إلا ما لا يتناقض مع متطلبات المجتمعات الإسلامية إنكم هنا تقررون لعقيدة ولشعائر دينية موزعة على عالم قلت لكم: إن قوامه مليار ومائتا مليون ولكل مجتمع خصوصياته ومن فضل الله أن المجتمع الإسلامي قد اجتمع كله على العقيدة الواحدة ولكن هناك خصوصيات وهناك تنوعات لا بد أن نراعيها.

إذن أقترح عليكم التأني والاتفاق على ما وقع عليه اتفاق وإرجاء النقط الأخرى والجوانب الأخرى إلى مزيد من البحث ويمكن لهذه اللجنة أن تحصي على الأقل ما هي النقط التي وقع عليها الاتفاق والنقط التي وقع عليها الإجماع وتأتينا بمشاريع توصياتها لهذا الموضوع وشكرا سيدي الرئيس.

ص: 524

الدكتور / محمد سليمان الأشقر:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

خرج في نظري كثير من البحث عن موضوع البحث لأن البحث في تحديد النسل وتنظيمه وخرجنا إلى وسائل معينة وذهب ربما ثلث أونصف الوقت في هذه الوسائل المعينة كان المفروض أن يتوقف البحث عند موضوع البحث فالوسائل إذا لم تصلح وسيلة يمكن اتخاذ وسيلة أخرى فليس نظرنا في الوسائل الوسائل هذه لها أبحاث سبقت وربما تلحق أبحاث أخرى في وسائل جديدة نحن هنا مجمع فقهي والمنتظر منا أن يخرج منا فتوى تجيز أو تحرم أو تستحب أو تكره على حسب الأحكام الشرعية المختلفة وكل الأحكام في هذا الموضوع فيها متنفس إلا حكم التحريم والتحريم أمر عظيم جدا والله عز وجل نبه إلى ذلك في كتابه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل 116] وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبينا عظم شأن التحريم الذي يقضي على إمكانيات العمل وإمكانيات التنظيم وإمكانيات التدبير قال عليه الصلاة والسلام: ((أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته)) يعني حتى لو حرم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يستأنف الإنسان حكما بالتحريم وليس هناك أدلة صريحة في التحريم؟ فإذن الموضوع المطروح أمامنا ينبغي أن ينظر فيه بنظر اجتهادي ولا يخفى على حضراتكم أن النظر الاجتهادي أن تبدأ من الأساس الأساس بينه العلماء وأغلب كلام الأصوليين أن الأصل في الأشياء الإباحة وفي الأعمال وفي العقود وفي غير ذلك الأصل فيها الإباحة وإن كان في هذا الأصل اختلاف لكن أغلب العلماء على هذا.

ص: 525

فمن هنا أرى أنه لا بد من أن نأخذ بهذا الأصل إن شاء الله وأن الأصل في الأشياء الإباحة ومن جملة ذلك تحديد النسل وتنظيمه وبعد أن نؤصل هذا الأصل ننظر هل هناك عندنا دليل صحيح يلزم ويكون حجة علينا بأن الله حرم هذا الشيء أو لا؟ فإن وجد من الأدلة الشرعية ما ينقلنا عن أصل الإباحة ننتقل إلى أصل التحريم وإن لم يوجد فلا يجوز لنا ولا يحل لنا أن نحرم ممكن أن نوجه،نوصي بالتوجه إلى ناحية معينة من استحباب أو استحسان أو تقديم مصلحة أو غير ذلك لكن إذا ما وجد دليل للتحريم فلا يحق لنا أن نلزم المسلمين على هذا المجال الواسع الذي بينه الإخوان فوق المليار أن نحرم عليهم شيئا لم يحرمه الله ولم يحرمه رسوله هل وجد من الأدلة الشرعية ما ينقلنا عن أصل الإباحة أو لا؟ فإن وجد ما ينقلنا عن أصل الإباحة انتقلنا إلى أصل التحريم.

نظرنا إلى الأدلة التي أوردها الإخوان الذين قدموا أبحاثهم غالبها قرأته ما وجدت في تقديري شيئا ينقلنا عن أصل الإباحة إلا في صور معينة جزئية وسيلة معينة محرمة كقتل الأولاد ووأد البنات غير ذلك هذه وسائل جزئية لكن كأصل من الأصول ما وجدت يقينا على أصل الجواز يؤيد الجواز أننا كلنا في الحقيقة مارسنا تنظيم النسل بمستويات مختلفة فمنا من ترك الزواج إلى أن بلغ عمره ثلاثين سنة ومنا من يترك الجماع أحيانا خشية أن تحمل المرأة وكثير منا يترك تعدد الزوجات وأنتم هنا موجودون والإخوة الذين يمنعون تنظيم النسل يستطيعون أن يذهبوا ليتزوجوا الليلة امرأة أخرى وثانية وثالثة ورابعة فما الذي يمنعهم من ذلك؟ هذا وسيلة لتكثير النسل أقدموا على ذلك إن كنتم تريدون هذا هذا الأصل لا بد أن نثبته وأن الأصل الإباحة كلنا قادر على تكثير النسل الجميع قادر ولا أستثني أحدا فما الذي يمنعكم من ذلك؟

ص: 526

بقي ما هي الأمور التي يظن أنها تنقل عن أصل الإباحة الاحتجاج بالقدر والاحتجاج بأن الله هو الرزاق، الاحتجاج بالقدر هذه طريقة للأسف وأقولها ونفسي يحز فيها أن أقول هذا هذه طريقة المشركين أن يحتجوا بالقدر إن الله عز وجل ذكر عنهم عندما دعاهم إلى الإسلام:{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النحل 35] فاحتجوا لما دعوا إلى عبادة الله وحده احتجوا بأن الله راض عنهم بدليل أنه قدر علينا هذا فالاحتجاج بالقدر ليس بحجة أصلا إلا فيما ما مضى ما صار ماضيا في الزمن الماضي نحتج ونقول قدر الله وما شاء فعل ولكن بالنسبة للمستقبل علينا أن نعد العدة وندبر ونرتب أمورنا بقدر الإمكان والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يترك ثغرة واحدة ينفذ إليها الخطر منه ولقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات وكان يلبس المغفر ويلبس على رأسه ويلبس الدروع ولا يترك موضعا يدخل منه السهم على بدنه وهذا معروف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته ولو نظرنا في تدبيراته من الكتمان والإخبار بالتوريات والتعريض وغير ذلك مما يستر به أفعاله وتدبيراته لوجدنا الشيء العجيب فترك الأمور للقدر هذه طريقة الجبرية وطريقة الجهمية وطريقة اتبعها بعض المنتسبين إلى الطوائف الإسلامية من النوع الذي يميل نحو الكسل والتراخي عن التدبير وترك كل شيء إلى الله عز وجل لا شك الله عز وجل جعل لنا أسبابا وضعها تحت أيدينا وأمرنا أن نسير بتلك الوسائل ونقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم في اتخاذ كل ما ينفعنا والنبي عليه الصلاة والسلام يشير إلى هذه النقطة بالذات يقول عليه الصلاة والسلام: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك ما تكره فلا تقل: إني فعلت كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) بعدما يقع القدر لا حيلة لنا في رفع ما مضى لكن لنا حيلة في رفع ما يأتي وقد بين هذا الكلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم بيانا شافيا وإن شئتم أقرؤه عليكم ولكن ليس هناك وقت الآن لقراءة هذا الموضوع.

بعد ذلك الاحتجاج بأن الله هو الرزاق لا يخفى عليكم أن كثيرا من المجاعات يموت فيها أناس ويموت فيها حيوانات ويموت فيها كذا الله هو الرزاق الله عز وجل بيده الرزق كله فيعطي ما يشاء ويمنع عمن يشاء وغالبا تبنى على الأسباب وإن شاء تبارك وتعالى يرزق، يُنَزِِل من السماء ذهبا وفضة إن شاء وهو قادر على ذلك ولكن سنة الله جرت أن تسير الأمور على أسبابها وقد قال الله تعالى:{اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد 26] يقدر عليه حتى يموت أحيانا وكثير من المجاعات التي وقعت في سنين قريبة دعوني أتكلم إن شئتم بحرية وإن شئتم أنا أسكت فلا مانع عندي يقدر بمعنى يضيق المفسرون يقولون: يقدر يضيق وليس معناه القدر الذي هو التقدير {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر 49] ولكن الآية الأخرى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد 26] يعني يوسعه وإن شاء يضيقه والجميع بقدر الله ولكن الأسباب جعلت كثيرا منها بأيدينا.

ص: 527

شيء آخر احتج به بعض الذين أرادوا أن ينقلونا عن أصل الإباحة وهو العزل الموءودة الصغرى والأحاديث الواردة في النهي تولي كثير من الإخوان بيان العزل وأن هذا الحديث الموءودة الصغرى وإن كان في صحيح مسلم إلا أن هناك أحاديث في الصحيحين كثيرة تدل على جواز العزل فهذا لا يصح أن يحتج به بعد الآن ما دام تبين بالبحث أنه مرجوح ومنع ذلك خشية الفقر وضيق ذات اليد الشافعي رضي الله عنه ورد على مثل هذا القول بقوله: قال الله تبارك وتعالى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء 3] يعني حتى لا تكثر عيالكم قلة العيال أحد اليسارين فالإنسان كما قلت قادر على أن ينجب عشرين ولدا لكن سيتعب وسيعلم وسيربى وسيقول يا فلان اسكت ويا فلان تكلم ويا فلان ترب ويا فلان كذا فقد تحتاج إلى أن تغطي أولادك حين ينامون في البرد وقد لا يكون عندك القدرة على ذلك فتتعب لو سلمنا بأن آيات القدر يعني تعمل في هذا الباب عملها وآيات الرزق من الله تبارك وتعالى تعمل عملها لكن مع ذلك أحتاج أن أبذل جهدا وليس عندي قدرة أن أبذل جهدا لعشرين طفلا يمكن أن أبذل جهدا لعشرة أو لخمسة.

دليل آخر احتج به بعض الإخوان وهو سعة أمصار المسلمين وحاجاتهم والدول الأخرى تحاربنا هذه أقول أنا: لا تنقل على أصل التحريم قد تكون من ناحية مصلحية ننظر فيها بحسب هذه المصلحة أن نعالجها معالجات وقتية وليس معالجة حكم شرعي دائم ولا يجوز بناء على هذا أن نقول بالتحريم الآن توجه أكثر الإخوان إلى أن المسألة تقسم على النظر في معالجتها على النطاق الفردي وفي النظر على أساس المستوى الجماعي فعلى النطاق الفردي ذهب الأكثر إلى الجواز وهذا صحيح بناء على ما ورد من الأحاديث التي أجاز النبي صلى الله عليه وسلم فيها العزل وغير ذلك كما تبين هذا على النطاق العام كأن الإخوان يتوجهون إلى جواز المنع يعني إلى منع ذلك عدم جواز أن تتولى الدولة تحديد النسل على النطاق العام هذه الكلمة لو أطلقناها هكذا منع الدولة على النطاق العام على مستويات كثيرة منها أن تعمل دعاية مختصرة قليلة توجه توجيها فقط هذا نوع منع هذا لا ينبغي أن يقال على طريق عام أيضا إنما على معالجات جزئية وسيلة أخرى أن الدولة لا تلزم إلزاما ولكن تعمل إغراءات مادية على التقليل أو التكثير لأن التنظيم قد يقتضي التكثير أيضا وتشجيع النسل في بعض البلاد التي بحاجة إلى النسل فممكن للدولة أن تتخذ هذه الوسائل المادية مثلا للتقليل تؤخر التوظيف تزيد مثلا الأعباء على المتزوجين يعني تعمل بوسيلة ما لكنها لا توجب على الإنسان أن ينجب كذا من العدد أكثر أو أقل مما يريد.

ص: 528

المستوى الثالث:

هو الإلزام والإيجاب بقوانين وبعد ذلك تضع عقوبات وقضايا تقام على الناس وتحتاج طبعا إلى أن يكون مجهود الدولة كبيرا في هذا المجال هذه المستويات الثلاثة: لو أطلقنا المنع فيكون فيه إحراج على المستويات البسيطة من ناحية التوجيه والتثقيف والدعاية وأيضا اتخاذ الوسائل المادية للإغراءات ونحوها فهذا لا ينبغي أن يقال بالمنع إنما يترك كما قال فضيلة الشيخ مفتي الديار المصرية إن الأمر هذا ينبغي أن يترك إلى سياسة كل دولة لأن ظروف المجتمعات تختلف من بلد إلى بلد أؤكد أن المطلوب من المجمع الفقهي إصدار فتوى والفتوى إذا كانت في مجال الإباحة أو مجال الاستحباب أو الاستحسان فالأمر فيها سهل لكن أرجو أن لا يصل الأمر إلى التحريم بوسيلة من الوسائل مطلقا إلا في الوسائل الممنوعة شرعا كالوأد وقتل الأجنة ونحو ذلك بارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس:

قبل أن أعطي الكلمة للشيخ عبد الله بن منيع ما تفضل به الشيخ محمد هو بناء على ما رآه هو من أن الأصل في ذلك هو الإباحة.

ص: 529

الشيخ عبد الله بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وبعد:

لي في هذا تعليق أولًا هو تعليق قصير ولي فيه وقفات قصيرة كذلك.

أولا: الوقفة الأولى إن الموضوع المعروض على جدول العمل هو تنظيم النسل لا تحديد النسل ولا ما يتعلق بالإجهاض قبل نفخ الروح أو بعده.

الناحية الثانية أرى أن كثيرا من إخوتي الأعزاء بحث وتكلم بكلام يجمع بين تنظيم النسل وبين تحديد النسل وبين حكم الإجهاض وهذا في الواقع تشعيب للموضوع ومزاحمة للموضوع نفسه في الواقع على كل حال لا يستطيع الموضوع أو لا نستطيع أن نعطي الموضوع حقه من العناية والدراسة حينما نشعبه التشعيب الذي يخرج عن النطاق.

الأمر الثالث: وهو في الواقع أرجو أن ألتمس من رئاسة هذا المجمع أن تحكم أمر الاقتصار على الموضوع وأن لا يكون هناك تشعيب له لأن هذا في الواقع فيه تشتيت للجهود.

الأمر الرابع تنظيم النسل لا يجوز أن يكون الغرض منه الشك في القدرات الطبيعية لتلبية الحاجات الإنسانية فهذا في الواقع لا شك أنه ضعف في الإيمان وشرخ في تحقيق توحيد الربوبية الذي آمن به المشركون فضلا عن المسلمين الذي أرى أن الغرض أو أنه ينبغي أن يكون الغرض من تنظيم النسل هو في الواقع تلبية الحاجة الاضطرارية الموجبة لذلك أن تكون الزوجة ضعيفة أو مريضة أو أن تتابع الولادة سنويا أو نحو ذلك فهذا في الواقع يعتبر غرضا من أغرض تنظيم النسل والتنظيم أرى كذلك أن يقتصر في موضوعه على أن يكون التنظيم أي الأخذ بأسباب منع الحمل لفترة معينة حتى تكون الزوجة قادرة على الإنجاب أما أن يكون لقطع النسل مطلقا فهذا على كل حال خارج عن موضوعنا وفي نفس الأمر فيه ما فيه فأرى أن يقتصر الأمر على هذا وأن يصدر الحكم أو القرار على هذا الموضوع وهو تنظيم النسل بحيث يجوز تعاطي أسباب منع الحمل لفترة معينة حتى تكون هناك استجابة طبيعية للولادة وشكرا لإتاحة هذه الفرصة يا سماحة الرئيس.

الرئيس:

شكرا الآن انتهى الوقت: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قبل الإعلان عن اختتام الجلسة أود أن أذكركم أن المتبع هو إبداء التوجه العام الذي توصل إليه رجال المجمع وأعضاؤه ومن كان له رأي يريد أن يتحفظ به فعليه أن يتقدم به مكتوبا إلى الأمانة العامة للمجمع كما هو المتبع في الدورات السابقة.

ص: 530

مناقشة القرار

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

قرار رقم (1)

بشأن تنظيم النسل

بعد الديباجة.

قرر: من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني ولا يسوغ إهدار هذا المقصد لأن ذلك يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.

أولا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت الحاجة إليه بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط

الأمين العام:

يا دكتور من فضلك أنا يظهر لي أن من مقاصد الزواج هي التي يليها اللفظ (قرر) لأن القرار لا يتعلق ببيان مقاصد الزواج.

الشيخ مختار السلامي: نرجو سماع التدخل من فضلك.

الأمين العام: كلمة (قرر) أعتقد أنها في غير موضعها بعد اطلاعه.. هنا الديباجة ، نقول: من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ.... إلخ.

قرر: أنه يجوز التحكم.

الدكتور/ عبد الستار أبو غدة: وبعد استحضاره أن من مقاصد الزواج كذا.

الشيخ محمد علي التسخيري: سيدي الرئيس بعد ملاحظة أن من مقاصد الزواج كذا وكذا قرر ثم تأتي الفقرات العاملة.

الدكتور / عبد الستار أبو غدة: وبعد مراعاتها.

ص: 531

الشيخ محمد علي التسخيري: بعد ملاحظة أن من مقاصد الزواج كذا، وكذا، قرر أنه يجوز.

الرئيس: لو أنه يكون العبارة. بعد إطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل واستماعه للمناقشات التي دارت حوله وما هو معلوم من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية من الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني.. إلخ، وما هو معلوم من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية من الإنجاب إلخ.

الأمين العام: بعد هذا قرر.

الشيخ محمد المختار السلامي: ولا يكون هنا قرر بناء على مقاصد، القرار مبني على قرار.

مناقش: سيادة الرئيس هي عبارة حسنة، لكن يمكن قرر أن

لأنها داخلة في الموضوع.

الأمين العام: أي نعم، قرر أن

الرئيس: لا، هو قرر ويكون بناء على ما هو معلوم من مقاصد الشريعة.

مناقش: تقرر أن من مقاصد الزواج كذا، وكذا، وكذا.

الرئيس: المهم يا مشايخ (تقرر) تبقى في مكانها وبعدها يقال قرر ما يلي: بناء على ما هو معلوم من مقاصد الشريعة الخ.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: نعم. صارت قرر بناء الخ.

أولاً: يجوز التحكم المؤقت.

الأمين العام: أعطنا الصيغة النهائية.

الرئيس: بناء على ما هو معلوم من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية.

أبو غدة: وبناء....

الرئيس: لا بناء. من الإنجاب.

ص: 532

الدكتور أبو غدة: قرر فيما بعد..

الرئيس: نعم.

الدكتور أبو غدة: إذن صارت: بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل واستماعه للمناقشات التي دارت حوله وبناء.

مناقش: لو جعلتها نمرة واحد جميل ، لو جعلت ذه الفقرة رقم واحد يبقى أجمل وأكمل.

الرئيس: لا هذا ليس حكما.

الدكتور أبو غدة: وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية.... إلى آخر الفقرة.

قرر ما يلي:

مناقش: الإنجاب الآن شائع لا يؤدي المعنى هذا، الإنجاب معناه إخراج النسل الطيب.

الشيخ مختار السلامي: الرجاء نستمع للمناقشات.

مناقش: أقصد لفظة الإنجاب الآن شائعة عند الناس يقول: أنجب ومنجب وهي الآن يعني هذا تعبير خطأ أنتم تريدون استعماله على أنه خطأ شائع.

الرئيس: لا يقال النسل.

مناقش: وإلا يقال النسل لأن الإنجاب مع المنجبات يعني معناه: أصحاب الذرية الطيبة معروفات المنجبات من العرب.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: أولا يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت الحاجة إليه بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر وأن يكون الوسيلة مشروعة وألا يكون فيها عدوان على حمل قائم.

مناقش: تفسير الضرر؟ ما هو الضرر؟ ضرر جسماني؟

ص: 533

الدكتور أبو غدة: ضرر طبي.

مناقش: ضرر اجتماعي ما نوع الضرر؟

أبو غدة: كل أنواع الضرر.

مناقش: أي ضرر؟

مناقش: لو تسمح لي يا أستاذ ، حتى يكون تعبيرنا سليما فقهيا خاصة المقدمة التي نؤسس عليها الحكم لا بد أن نقول: من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية أولا الحفاظ على النوع الإنساني ومن المعلوم أن الحفاظ على النوع الإنساني هو حكم عام وربما يتحقق بولد واحد أو ولدين فهذا أعم من الحكم الذي نريد أن نرتبه عليه.

الرئيس: يعني " تخصيص وتعميم "؟

مناقش: لا، اسمح لي: الحفاظ على النوع الإنساني هو أعم يعني لا نستنتج من هذا الدليل لا نستطيع أن نتوصل منه إلى الحكم الذي أردنا التوصل إليه وهو أن عدم الزواج يعني منع الحمل لأن الاحتمال أن المحافظة على النوع الإنساني وفي نفس الوقت يمنع إنجاب أكثر من ولد أو ولدين وهذا ما لا نريد أن نتوصل إليه أريد أن أقول: من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الحفاظ على النوع الإنساني وعدم قطع الإنجاب يعني والإنجاب المتواصل ولا يسوغ إهدار هذا المقصد لأنه وليس لأن ذلك يعني دائما نحن نكرر أسماء الإشارة ونستطيع أن نستبدلها بضمير فنقول: لأنه بدلا من ذلك يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.

مناقش: إحدى ، ينبغي إحدى

مناقش: جائز.

ص: 534

مناقش: إحدى الكليات يعني كلية.

أبو غدة: ثانيا: يجوز التحكم في الإنجاب بعزم الزوجين على الاقتصار على عدد معين من الأولاد لحاجة تدعو إلى ذلك مع أن الأولى مراعاة مقصد الشارع في الحث على كثرة النسل.

مناقش: هو في حاجة تدعو إلى ذلك؟ قد تفسر الحاجة مثلا بعدم القدرة على الإنفاق أو نحو ذلك مما تحذرونه أنتم قد تفسر هكذا وأنا أقول: لازم توضيح هذا الموضوع قد يفسر هذا المعنى كان من الحاجة أنه لا يستطيع الإنفاق عليهم، لا يستطيع تربيتهم، لا يستطيع إصلاحهم قد يدعي أنها حاجة، أنتم بينوا هذا الأمر.

الرئيس:

هو في الواقع يا مشايخ ألا ترون أن الفقرة الثانية تدمج في الأولى فيكون يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه أو المباعدة بين، أو الاقتصار على عدد معين إذا دعت الحاجة إليه حتى نفس الحاجة في الفقرة الأولى لا بد من بيانها فهل نقول الحاجة أو نقول الضرورة؟

مناقشون: الضرورة ، الضرورة ، الضرورة.

مناقش: لكن الضرورة تنزل منزلة الحاجة في بعض الأحيان.

الرئيس: الحاجة تنزل منزلتها.

مناقش: الحاجة تنزل منزلة الضرورة.

الشيخ محمد علي التسخيري: سيدي الرئيس لا يتوقف التحكم على الضرورة.

الشيخ مختار السلامي: إنما تصح كلمة (حاجة) وضرورياتها خمس وعلى تيسير الدافع إلى الضرورة هو الذي يعبرعنه بحاجة، فكل تيسير دخل على ضروري هو يعتبر حاجيا حسب قواعد الشريعة فكلمة حاجة هي الأصل.

ص: 535

الدكتور / محمد عبد اللطيف الفرفور:

سيدي الرئيس: هل ترون أن نزيد كلمة (مشروعة) لحاجة مشروعة؟

الرئيس: معتبرة شرعا إذا دعت الحاجة المعتبرة شرعا.

مناقش: كلمة مشروعة جيدة.

الرئيس: لا، المعتبرة شرعا هذه لا نفرة منها.

مناقش: أرى أن نضيف إلى الفقرتين مسألة هامة أثيرت أثناء بحث هذا الموضوع وهي مسألة إباحة بيع وسائل منع الحمل بحرية في الأسواق.

الرئيس: أنتم الآن دعونا في نفس الموضوع هذا فإذا كان شيء نصل إليه نحن الآن في نفس الفقرات........

مناقش: لو سمحتم سيدي الرئيس: التحكم لفظة التحكم هذه عبارة أظنها غير سليمة؛ لأن التحكم في الإنجاب لا يستطيع أحد من البشر أن يتحكم في الإنجاب فلو اخترنا عبارة منع الحمل واتخاذ وسيلة من وسائل منع الحمل كان أولى؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المتحكم في الإنجاب وفي قطع النسل، فكيف هذه الكلمة التحكم في الإنجاب كأن الإنسان يتحكم؟

مناقش: نجعلها التنظيم؟

مناقش: التنظيم أو اتخاذ وسيلة من وسائل منع الحمل وإلا فالتحكم في الإنجاب هذه عبارة خطيرة يعني.

الدكتور / طه العلواني: ربما يجوز الاحتياط والتحوط في الحمل.

مناقش: فعندنا التحكم وينسب إلى الإنسان ظاهرا والحاكم يحكم ظاهرا والله هو الحاكم

إلخ.

الرئيس: يا شيخ لو حصلت عبارة فقهية هو أولى وأليق لا شك.

الدكتور / طه العلواني: حفظك الله قد يعطي لفظ الاحتياط المعنى المطلوب يجوز التحوط في الحمل حتى ليس الإنجاب بعزم الزوجين على الاقتصار

على

ص: 536

الدكتور / محمد عبد اللطيف الفرفور: يا سيادة الرئيس هل ترون أن نستبدل بكلمة التحكم الضبط؟ يجوز الضبط.

الدكتور / عبد الستار أبو غدة: لجنة الصياغة الخاصة بهذا الموضوع وكان فيها بعض الأطباء الذين يعرفون هذه المصطلحات قالوا: إن هناك تداخلا كبيرا في مفهوم تنظيم النسل وتحديد النسل ومنع النسل؛ ولذلك تحاشينا هذه الألفاظ الثلاثة وجئنا بمفهومها من خلال البيانات التي تأتي ولذلك يعني كلمة تحكم بحسب ما يقصد من المعنى الذي وراءه فاستبعدنا كلمة (تحديد) و (منع) و (تنظيم) إلا في العنوان؛ لأنه عنوان.

الرئيس: على كل إذا رأيتم فهي ألطف قليلا يعني يجوز في الإنجاب التنظيم المؤقت والأمر سهل إن شاء الله لكن إذا رأيتم التنظيم فهو.

الدكتور / عبد الستار أبو غدة: ثانيا: التحكم في الإنجاب بعزم الزوجين على الاقتصار على عدد معين من الأولاد لحاجة معتبرة شرعا تدعو إلى ذلك

الرئيس: ما هي الحاجة المعتبرة شرعا في أنه لا ينجب إلا ولدا واحدا؟

الدكتور عبد الستار أبو غدة: حاجة صحية. حاجة..

الشيخ مختار السلامي: كل ما هو معتبر شرعا نقبله، وكل ما هو غير معتبر شرعا لا نقبله.

الرئيس: لا، أنا أقصد سلمك الله أنت تعرف أن القرار هذا أكثر من سيستغله عامة المسلمين.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: طال عمرك حاجة صحية؛ لأن بعض الولادات قد تكون غير طبيعية ولها حد: أكثر من ثلاث مرات لا يمكن لأنها بشق البطن.

الرئيس: هل ستقولون هذا؟ أنتم حصرتموها الآن بحالة صحية إذا كانت لا تكون إلا لحالة صحية؛ لأنني أخشى أن يكون من وراء هذا قضية الرزق.

مناقش: يا فضيلة الرئيس، نحن قلنا الحاجة المعتبرة شرعا وكلناها للزوجين وقلنا: إن الزوجين هما أدرى بظروفهما وأحوالهما، وكل الأشياء التي تتعلق بهما.

ص: 537

الدكتور طه العلواني: سيادة الرئيس أعتقد أن المادة الأولى كافية وتغني عن هذه الثانية كافية جدا يعني يجوز التحكم المؤقت في الحمل بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت لذلك حاجة معتبرة شرعا يقدرها الزوجان عن تراض بينهما وتشاور بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم.

الرئيس: إن رأيتم الاكتفاء بها فهو طيب.

الدكتور/ أبو غدة: الحقيقة الصورة الثانية تضيف جديدا.

الرئيس: لا تضيف جديدا يا شيخ.

مناقش: الصورة الثانية غير الأولى تماما.

الرئيس: الصورة الثانية يعني على عدد معين تقتصر على واحد على اثنين على ثلاثة.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: من الأول أما الأولى سينجب مما يقسمه الله لكن يباعد بين فترات الحمل.

الشيخ مختار السلامي: سيدي الرئيس نقطة نظام: أرجو أو أقترح أن يقرأ كامل التوصية ثم بعد أن نقرأها كلها بدون أي توقف كل شخص يأخذ عنده ملاحظات ويبديها واحدة فواحدة فننتهي؛ لأنه قد يكون الإنسان يعترض ثم بعد ذلك يجد أنه لا مبرر لاعتراضه لما سينشأ فأصبحنا نقرأ سطرا ولا نكمل الجملة ونتدخل، أرجو أن يقع هذا إذا أقررتموه وشكرا.

الرئيس: تفضل يا شيخ طنطاوي.

الشيخ طنطاوي أؤيد فضيلة الشيخ المختار السلامي بأن نقرأ الأربعة قرارات ثم نعقب بعد ذلك.

الأمين العام: حضرات الإخوان أرجو أن يكون التداول واضحا وأن لا يقع تداخل في حديثنا بل كل يتحدث في الوقت الذي تعطى له فيه الكلمة حتى نتمكن من التسجيل ويكون المحضر واضحا.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: ثالثا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.

ص: 538

رابعا: لا يسوغ إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب، وللدولة أن تمارس واجبها في الترغيب بكثرة النسل أو حقها في التوجيه إلى تنظيمه بما يحقق مصالح الأمة، وذلك بالإعلام وغيره من الوسائل والله أعلم.

الرئيس: تفضل يا شيخ تقي.

الشيخ تقي الدين العثماني: الحقيقة: أو حقها في التوجيه إلى تنظيمه بما يحقق مصالح الأمة.. إلخ، لو حذفناه وأبقينا الأول يكفي إن شاء الله.

الرئيس: يعني لا يسوغ إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب ويوقف هذا طيب، وللدولة أن تمارس واجبها في الترغيب بكثرة النسل.

الشيخ المختار السلامي: الحقيقة: أن الفضيلة المطروحة هو أن كثيرا من الدول اليوم تجابه مشكلة كثرة النسل وتريد أن تنظمها وهي تريد أن تأخذ فتوى أما أنه لا تتحرر الدولة ولا تتدخل هذا أمر معروف من الأصل فما تم الاجتماع ووقعت المناقشات لأجل مثل هذا.

الرئيس:

على كل إذا سمحتم لي فأنا من جهتي إبراء لديني فأنا أرى حذف آخر الفقرة هذه فالذين يرون حذفها يتفضلون برفع أيديهم على كل حال لا نطيل يا شيخ إذا رفعوا أيديهم فهو إقرار وانتهينا ما فيها شيء، الذين يرون حذف آخر الفقرة الرابعة وتكون العبارة كالآتي:(لا يسوغ إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب وللدولة أن تمارس واجبها في الترغيب بكثرة النسل) إلى هنا الذين يرون الوقوف في الفقرة إلى هنا يرفعون أيديهم.

الرئيس: يعد الأشخاص الذين رفعوا أيديهم (ثم يقول: أكثرية) ..إذن تحذف للأكثرية.

مناقش: لكن يا سماحة الرئيس وهنا من حرية الزوجين لماذا نقول الزوجين؟ لماذا لا نقول من حرية الأمة؟ أو من حرية الرعية؟

الرئيس: صبرا يا شيخ: لا يسوغ إصدار قانون عام يحد

)

ص: 539

مناقش: من حرية الرعية أو من حرية الأمة لماذا نقول الزوجين؟

الدكتور طه العلواني: عفوا لو سمحتم لي تعديل فقط على العبارة (إنها تكون: حرية الزوجين في الإنجاب حق من حقوقهما لا يجوز المساس به)

الرئيس:

لا يا شيخ العبارة جيدة نبقي عليها طالما أقرت، انتهت.

الشيخ طنطاوي: ما دمتم ترون ذلك فمن أجل غاية الزوجين في الإنجاب وفي هذه الحالة نكون جمعنا بين الأمرين.

الرئيس: هذا الأمر سهل، المهم أن يحذف الجزء الأخير إذا رأيتم هذا فلا مانع.

الشيخ الطنطاوي: يعني نكتفي (لا يمكن إصدار قانون يحد من حرية الزوجين في الإنجاب) ماشي ونكتفي بهذا.

مناقش: سيدي الرئيس: نقطة نظام يا سيدي الرئيس سيدي الرئيس: نوقش هذا الموضوع طرح وأخذت فيه أصواتا، فكيف ترجع تفتح النقاش مرة ثانية؟

الرئيس: إذن انتهينا. تحذف.

ص: 540

الشيخ محمد المختار السلامي: سيدي الرئيس الخطأ يرفع ويرجع إلى الحق والصواب نفس العبارة غير صحيحة؛ لأنه للدولة بمعنى مختارة أن تمارس واجبها في الترغيب واجبها كيف يكون الاختيار موجودا؟ الكلام متناقض؛ لأنه لا يصح هذا إلا إذا عطفنا فالفقرة كلها متهافتة.

مناقش: وحذفت.

الدكتور أبو غدة: وعلى الدولة أن تمارس واجبها.

الرئيس: وعلى الدولة..

الشيخ المختار السلامي: أضم صوتي إلى صوت الشيخ المفتي، وأعتقد أنه من الخير أن يقع حذف الكل، وقد صوتنا وعلينا أن نعيد النظر فإن الرجوع إلى الحق رسالة عمر

تهدينا

الرئيس: نحن لا نعتقده باطلا أقررناه ولا نعتقده باطلا.

الشيخ المختار: لا

الشيخ المفتي أتى برأي جديد فإعادة النظر فيه لا يعتبر باطلا.

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: التصويب كان على حذف العبارة الأخيرة، وليس على إقرار ما قبلها كما هو ما قبلها خاضع للمناقشة؛ ولذلك أرى أننا نكتفي وحتى نحذف (وللدولة أن تمارس واجبها) يعني يكفي (لا يسوغ إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب) وهذا هو المقصود.

الرئيس: على كل يا مشايخ القصد هو الوصول إلى ما نعتقده إن شاء الله هو الحق فإذا رأيتم: أنا الذي يهمني هو ما اتفق عليه الإخوان من حذف عجز هذه المادة فإذا رأيتم أن يمتد الحذف إلى قوله: (وللدولة

إلى آخره) فلا مانع، أما صدر المادة متعين أن يبقى.

الدكتور طه العلواني: نعم هو يكفي صدرها ولكن أنا أخشى أن ننسى المادة (3) التي كانت موضع مداولة للحذف.

الرئيس: لا سنعود إليها.

الدكتور طه العلواني: فإذن ستكون العبارة فقط: (لا يسوغ إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب) .

الرئيس: ترون هذا كافيا؟

مناقش: كاف.

الرئيس: يعني بالإجماع خَلَاص المُخْتَارُ رَفَعَ يَدَهُ.

ص: 541

الشيخ محمد علي التسخيري: لكن هناك مناقشة في عبارة: يسوغ.

الرئيس: هو في الواقع إذا رأيتم: نكون فقهاء وعباراتنا فقهية والعبارات العامة هذه ليس لنا فيها لزوم.

مناقش: موضوع الزوجين قولنا الزوجين من حرية الزوجين يعني يمكن أن يفسر هذا بأن الدولة أو الحكومة تأتي للزوج والزوجة

؟

الرئيس: يا شيخ لماذا لا يقال: (لا يسوغ إصدار قانون عام يحد من حرية النسل في الإنجاب) النسل من حرية الإنجاب في الأمة أو في الرعية.

مناقش: كلام طيب.

الرئيس: لا يسوغ (لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الإنجاب في الرعية) .

مناقش: الزوجين معناه اثنين معناه أنه لا تدخل إلا باثنين.

الرئيس: اقرأ الثالثة يا شيخ.

الدكتور أبو غدة: ثالثا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.

مناقش: الفقرة الثانية هل تركناها كما هي: (يجوز التحكم في الإنجاب بعزم الزوجين على الاقتصار على عدد معين من الأولاد لحاجة) ، هل أبقينا على هذا؟ أنا أرى أنه غير لائق.

مناقش: نثني على حذفها.

الرئيس: أي

أي؟ الفقرة الثانية التي هي الاقتصار على عدد معين، أما أنا فلا أرى هذه والقرار للأكثرية، أما الذين لا يرون الفقرة الثانية يتفضلون يرفعون أيديهم.

الشيخ المختار السلامي: سيادة الرئيس أرجوكم قراءة الفقرة كما ترغبون في جعلها أنا لم أفهم: على ماذا أصوت؟

الدكتور عبد الستار أبو غدة: يجوز التحكم في الإنجاب بعزم الزوجين على الاقتصار على عدد معين من الأولاد لحاجة تدعو إلى ذلك مع أن الأولى مراعاة مقصد الشارع في الحث على كثرة النسل وزيادة عدد المسلمين الأقوياء الأسوياء، وما في ذلك من عمارة الأرض وتقوية جماعة المسلمين.

ص: 542

الشيخ محمد علي التسخيري: وماذا في هذه العبارة؟ عبارة جيدة.

الرئيس: لا الذي فيها.

الشيخ المختار: لما.. فيما أظن هذه.. وأظن مكتوبة لما.. وخطأ مطبعي وأظنه لما.

الرئيس: ليس القصد هذا نحن لنا قصد آخر وهو قضية: (يجوز التحكم في الإنجاب بعزم الزوجين بالاقتصار على عدد معين من الأولاد) ، هذا هو الذي لدينا أما أنا فأرى أنه تحذف هذه الفقرة.

مناقش: أنا ما أوافق على هذه والله ، أنا ما أستطيع أن أوافق على عدد معين.

الرئيس: المهم حتى لا نطيل النقاش في الشيء الذي فرغنا منه، الذين يرون حذفها يتفضلون ويرفعون أيديهم.

الدكتور طه العلواني: لو سمحت سيادة الرئيس هذه الفقرة حقيقة هي ذريعة لإدخال أية قوانين أو أنظمة التي منعناها في الفقرة رابعا ولذلك فالمفروض حذفها.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: ليس هذا للتقنين.. هذا للتنظيم الشخصي.

الدكتور طه العلواني: لكن تتناقض مع ما أقررتموه من قبل.

الرئيس: يا شيخ عبد الستار ، المسألة وجود المبدأ إذا وجد المبدأ الناس ينفذون منه، فنحن لا نتحمل في ذممنا على أن نوجد للناس مبدأ يكون تكأة لهم في أن يصلوا فيه إلى غاية من الغايات التي نحظرها، وطال الجدل حولها وتقريبا كلنا في وقت المداولة مجمعون أو متفقون على سبيل التحوط على حذفها.

الشيخ محمد علي التسخيري: ولكنا متفقون على جوازها يا مولانا.

الرئيس: المهم الذين يرون حذفها حتى نضبط الأصوات يقوم بالعد المجموع ستة عشر وتحصل مناقشة حول عدد الحاضرين.

الأمين العام: ستة عشر من ثمانية وثلاثين خمسة وثلاثون أعضاء وثلاثة معينون.

الرئيس: الحضور تسعة وعشرون.

الدكتور عبد الستار أبوغدة: لا اثنان وثلاثون.

الرئيس: أعطونا الحضور بالضبط يا شيخ لو سمحتم حتى يكون عملنا دقيقا وأبرأ للذمة.

الرئيس: يعد الحاضرين وينتهي إلى العدد 31

الدكتور أبوغدة: للرئيس: وحضرتك مولانا.. الرئيس 32

والشيخ صالح الآن جاء (33) ثلاثة وثلاثون.

الرئيس: حياك الله جزاك الله خيرا.

ص: 543

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: أعتقد أن الحكم الموجود في هذا هو موجود في الفقرة التي بعدها؛ لأن هذا معناه أن الزوجين يريدان أن يوقفا النسل، هذا يدخل في الإعقام أو التعقيم فلا داعي إليها من هذه الناحية.

أبو غدة: لا لا

الرئيس: لا، نحن في الفقرة الثانية.

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: معروف هذا يجوز التحكم في الإنجاب على عدد معين من الأولاد لحاجة هذه هي التي نريد أن نحذفها.

الرئيس: هذه التي نريد أن نحذفها.

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: هي تدخل أريد أن أعلل هذا تدخل فيما بعدها استئصال القدرة على الإنجاب، وهذه تحصل عادة عندما تكون الزوجة مثلا تلد بقيصرية ووصلت إلى الحد الذي قال الأطباء فيه: إذا ولدت بعد ذلك قد تسبب الوفاة فيحدث التعقيم للزوجة فهو داخل فيما بعدها.

الرئيس: يعني هو داخل

يرى الشيخ أن الحالات الشرعية التي يمكن أن تكون ضرورة هي داخلة في الفقرة الثالثة فإن رأيتم الاكتفاء بها؟

الأمين العام: هي متصلة حتى الثانية.

حضرات الإخوان، أريد أن أشارك معكم بملاحظة كما قال الدكتور الضرير الفقرة الثالثة تتصل بنفس الموضوع، وأنا أرى أيضا أن الفقرة الأولى تتصل بنفس الموضوع؛ لأننا عندما نقول:(إذا دعت الحاجة إليه بحسب تقدير الزوجين) هذه الحاجة قد تكون عامة وقد تكون في الثلاثة أو في الأربعة، وقد تكون في أقل من هذا، وعندئذ فهي تغني عن حصر العدد الذي أثار هذا النقاش هو قضية ذكر العدد الذي يراد حصره فنحن في غنى عن هذا؛ لأن ما ورد في الفقرة الأولى، وما ورد في الفقرة الثالثة يغني عن ذلك.

الرئيس: المهم هل اتفقتم على حذفها؟ أو بالأكثرية تحذف تحذف يا شيخ الله يرضى عليك يا شيخ؛ لأننا نحن في قضية (القدرة على الإنجاب) أي نعم.

ص: 544

الدكتور أبو غدة: إذن صارت الفقرات أولا وثانيا وثالثا.

الرئيس: ماذا تقول يا شيخ

الشيخ مختار؟

الشيخ المختار: كلمة (وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم) هو هذا ما أدرجناه.

الرئيس: طيب.. القرار الذي بعده الشيخ عبد الله..

الأمين العام: يا سيدي إذن عندنا الفقرة الأولى تبقى والثانية حذفناها.

الرئيس: الفقرة الأولى تبقى وفيها: (وإذا دعت الحاجة المعتبرة شرعا) تضاف المعتبرة شرعا، الفقرة الثانية تحذف، الفقرة الثالثة تبقى، الفقرة الرابعة يبقى صدرها هكذا.

الرئيس: في شيء يا شيخ عبد الله؟

الجواب: مقبول.

الشيخ عبد الله: شكرا فضيلة الشيخ ، إنني أريد أن أضيف إلى قراراتنا ما أثير فعلا في هذا الموضوع أثناء بحث هذا الموضوع وهو مسألة بيع وسائل منع الحمل في السوق بحرية، فحبذا لو نأتي بقرار يمنع بيع هذه الوسائل في المجتمعات الإسلامية ودولها، وتتولى الجهة الحكومية المختصة أو الجهة المصرح لها بصرفها إلى من ثبت بشهادة رسمية أنه متزوج فقط وتحارب السوق السوداء التي تقوم على....

الرئيس: يا شيخ عبد الله ، مع تقديري لما تفضلتم به لكن هذه أمور - بدون مؤاخذة - لا تنضبط، ولو أنها تنضبط ما أظن أن الإخوان تخلون عنها.. تفضل يا شيخ.

الدكتور أبو غدة: القرار رقم (2) .

الشيخ عبد الله: لو تسمح لأعضاء الجماعة حتى ينظروا إلى ما اقترحته.

الدكتور أبو غدة: قرار رقم (3) بشأن الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء.

الشيخ المختار السلامي: أرجوكم بعد أن تقع كل التعديلات يقرأ القرار نهائيا كيف تم حتى يكون واضحا.

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

ص: 545

قرار رقم (2)

بشأن تنظيم النسل

مناقش: سيادة الرئيس:

الرئيس: تفضل الشيخ الشريف.

الشيخ الشريف: عفوا حتى تكون الفقرات منظمة ونحن في تنظيم النسل الحقيقة الفقرة الثالثة والرابعة: الفقرة الرابعة هي التي يجب أن تكون نطق الفقرة الأولى والثانية؛ لأن هذا هو الأنسب للمقدمة، نحن نبني على مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية، وإذا تسمح لي أيضا يجب أن نقول: نقرر الحكم العام بعد أن نقول: بناء أو تأسيسا على أن مقاصد الزواج

إلخ، قرر مثلا الأصل في الشريعة الإسلامية تحريم منع الحمل.

ثانيا: لا يسوغ أو لا يجوز إصدار قرار عام يحد من حرية الزوجين.

ثالثا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب للرجل أو المرأة.

الرئيس: المهم انظر يا شيخ هذا أخذ به جزاك الله خيرا يعني الفقرة الأخيرة هي الأولى على سبيل التصاعد (ويحرم استئصال القدرة) هي الثانية (ويجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة) هي هي الثالثة تقرأ على الوضع هذا يا شيخ تفضل.

الدكتور عبد اللطيف الفرفور: يا سماحة الرئيس كلمة واحدة لو سمحت: الفقرة التي وضعتموها رقم (1) لا يسوغ إصدار قانون عام.

الرئيس: لا يجوز.

الدكتور عبد اللطيف الفرفور: (لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين) بدلا من ذلك أرى (لا يجوز إصدار قانون عام يحد من الإنجاب) أقصر وأفضل.

الأمين العام: من حرية الزوجين، لا لا.

مناقش: زيادة (في الأمة) لا يجوز إصدار قانون عام للأمة أو في الأمة.

الرئيس: اقرأ يا شيخ.

الدكتور عبد الستار أبو غدة: بعد الديباجة.

الأمين العام: اقرأ لنا الديباجة.

ص: 546

الدكتور أبو غدة: إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي (هذه ديباجة مكررة) بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية وبناء على أن..

الرئيس: على ما هو معلوم أجزل يا شيخ (على ما هو معلوم من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية) من الإنجاب أضف من.

الدكتور أبو غدة: أي ما هو معلوم من الإنجاب بناء على ما هو معلوم من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني ولا يسوغ إهدار هذا المقصد.

الرئيس: ولا يجوز إهدار هذا المقصد.

الدكتور أبو غدة: ولا يجوز.

الأمين العام: وإنه لا يجوز.

الدكتور أبو غدة: وإنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره (بدل ذلك) .

الرئيس: لأن ذلك

لأن إهداره.

الدكتور أبو غدة: لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.

قرر ما يلي:

أولا: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.

ثانيا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم.

الأمين العام: لماذا اللفظان ، لتكن التعقيم والسلام.

الدكتور أبو غدة: الحقيقة الأطباء استخدموا التعقيم بمعنيين والذي هو القضاء على الميكروبات أما الإعقام على وزن الإنجاب تأتي بالتضعيف أو

الرئيس: المهم اقرأ.

الدكتور أبو غدة: ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.

ثالثا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم والله أعلم.

الرئيس: جزاكم الله خيرا، هذا طيب إن شاء الله، وإن شاء الله إنه مبارك.

ص: 547

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم (1)

بشأن تنظيم النسل

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.

وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.

قرر ما يلي:

أولا: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.

ثانيا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.

ثالثا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم. والله أعلم.

ص: 548