المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية

إعداد

أ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد.

فقد تفيأت الأمة الإسلامية – قبل أن تمنى بالاستعمار الأجنبي – ظلال الشريعة فأشاعت الأمن والاطمئنان، وانتشرت الفضيلة، وعم الرخاء، وكانت مصدر عزهم وسر منعتهم.

كانت الشريعة عبر القرون الماضية الحارس الأمي للأمة محافظة على ذاتيتها ومستبقية خصائصها، ومن الطبيعي أن يسهل العبث بكل المقدرات إذا أغفت عين الحارس، فكيف إذا أبعد عن الساحة، وأقصي عن الميدان؟

كان كل هذا في وعي المتربصين بها، الحاقدين عليها، الذين جندوا طاقاتهم الفكرية، وإمكاناتهم المادية نحو الأسس والجذور في فكر الأمة الإسلامية، ومقومات شخصيتها، وكان الاختيار الأول إلغاء العمل بالشريعة الإسلامية في المجتمع المسلم، فمن ثم أقاموا من أنفسهم، وبأنفسهم برهانًا على صدق التنزيل الحكيم:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (1) .

فكانت ضربة محكمة زعزعت كل القيم في المجتمع الإسلامي، فأصابه ما أصابه من تفكُّك، وانحلال.

أحكم المستعمرون الحاقدون المؤامرة ابتداء بإلغاء العمل بالشريعة، وامتدادًا بإيجاد أجيال من المسلمين تتحمس لقوانينهم وتدين بمبادئهم، وما كان من الصعب بعد أن تعصف التيارات، وتهب ريحها على أبناء الأمة الإسلامية فتختلف بهم الأهواء، وتتجاذبهم الانتماءات المتعددة، وتعددت الولاءات لكل مذهب واتجاه ولم يكن للإسلام من نصيب إلا اللاآت.

أحكم أولئك المؤامرة ابتداء وامتداد لا انتهاء بإلقاء الشبه والشكوك في صلاحية الشريعة بل صحة مصادرها.

(1) سورة البقرة: الآية120

ص: 2848

تحقق لهم كل ما أرادوه، بل أكثر مما أرادوا بعد إلغاء الشريعة تعاملًا وقضاءً وأحكامًا.

تلك هي البداية التي أوصلتهم إلى أبعد من الهدف والغاية.

وما كان من سياسته ومؤامراته المحكمة أن يفرغ الأمة الإسلامية من شريعتها ومبادئها الروحية دون أن يملأ هذا الفراغ فأحل محلها معتقداته، وسلوكياته وقوانينه حتى لا تتنبه للمؤامرة، أو تحس بالشر المحدث بها.

أيها السادة:

إن اجترار الماضي، وتحميله مساوئ الحاضر بعد الزمن بالاستعمار من صفات العاجزين، وتكأة يعتمد عليها المتخاذلون، وما أكثر ما يتذرع بها المخادعون الغالطون.

وما سطر القلم ما سطره من استرجاع شريط الماضي إلا لنأخذ منه درسًا مفيدًا لحاضرنا فتشخيص الداء هو المرحلة الأولى في طريق الشفاء.

والدرس الذي نعيه من ذلك الفصل التاريخي هو الآتي:

أولًا: إقصاء العمل بالشريعة تعاملًا وقضاءً في المجتمعات الإسلامية هو البداية التي تهاوت بعدها عقده، وتحطمت قيمه.

ثانيًا: إيجاد فئة من المثقفين متحمسة لقيم المستعمرين وقوانينهم، تتحدث بمنطقهم، وتجادل بلسانهم.

ثالثًا: بث الشبه والشكوك بين المثقفين المسلمين لزعزعة إيمانهم بصلاحية الشريعة وقدرتهم على مواكبة الحضارة الحديثة.

والكثير الكثير من أمثال هذه الشبه والشكوك التي ترتدي مسوح العلم والفكر.

كل هذا أو غيره يدفع الأمة الإسلامية، وقد منَّ الله على معظم بلادها بالتخلص من الاستعمار فملكت زمام أمورها أن تخطط للعودة إلى رحاب الشريعة تخطيطًا محكمًا، وتسلك السبل الفاعلة لعودة كريمة، باحثة عن شخصيتها مسترجعة خصائصها.

وإذا كان معلوما أن إقصاء الشريعة عن التطبيق في المجتمعات الإسلامية هو بداية البداية في هزيمتها النفسية، وفقد هويتها، فمن الطبيعي بل من الضروري أن تكون عودتها إلى التطبيق هي القضية الأولى التي لا يمكن التنازل عنها، أو التهاون بها، بل إن عودتها إل التطبيق يعد الرمز الحقيقي لاستقلالها، ونبذ التبعية عنها.

إلا أن العودة إلى تطبيق الشريعة في بلاد حكمتها قوانين أجنبية عقودًا طويلة من السنين نشأ في ظلها أجيال وأجيال لن يكون سهلًا معبدًا، بل ستكون معارضات ومقاومات مخططًا لها تخطيطًا محكمًا كما خطط للبدايات، فمن ثم يتوجب العمل في سبيل إرجاعها إلى الساحة الاجتماعية تدبيرًا محكمًا بعيدًا عن الغوغائية والعشوائية.

ص: 2849

والبداية الصحيحة تقتضي العمل في ثلاثة اتجاهات:

الأول: إصلاح التعليم الديني في معاهده ومؤسساته والخروج به من أسر الطرق التلقينية، وحشد المعلومات التي تعتمد على الكم، والحفظ والترديد دون وعي.

ولا يتحقق الإصلاح في هذا المجال إلا بتحسن الدارسين للمعاني والحكم لتعاليم الشريعة، وتنمية ملكات الطلاب، وإثارة مواهبهم لإدراك مفاهيمها، والوقوف على جوانب العظمة فيها، وتناول الحقائق الشرعية مفصلة مبرهنة بعيدًا عن التعميمات الخطابية، والعبارات الانفعالية.

إن إيجاد الوعي الصحيح، واستقامة المفاهيم عن الشريعة بين صفوف الأمة الإسلامية، وبخاصة ناشئتها أمر ضروري للعودة المستنيرة، وسلامة التطبيق.

ثانيًا: ومع الاعتراف التام، والقناعة الكاملة بأن الفقه الإسلامي نظام قانوني عظيم، يتميز بأصوله الثابتة، ومرونته الكافية، وخصائصه الوافرة، وأخلاقياته الرفيعة، وبأن حظ الأمة الإسلامية في أجيالها المتأخرة من التراث الفقهي الرصين ثروة عظيمة، كمًّا ونوعًا، تتابعت على تطويره، وتنقيحه عقول كبيرة، وجهود مخلصة غير محدودة، برغم كل هذا فإنه يعترض الاستفادة منه الاستفادة الحقيقية صعوبات عديدة دفعت بالكثير من المتخصصين إلى الإفصاح عنها، وأنها بمقارنتها بالقانون من حيث الصعوبة

أشد وعورة لما يلقاه الباحث، من صعوبات مردها الأول عدم صياغة أحكامها صياغة فنية كتلك التي نجدها في القانون

إذ هي عبارة عن حلول لمسائل كثيرة معقدة، ومن هذه الحلول تستنبط القاعدة العامة. واستنباط القاعدة العامة أمر من الصعوبة بمكان لكثرة المسائل وتعقدها. وقد يختلف الحل فيها، لا لاختلاف الحكم، ولكن لاختلاف التقدير، وقد يخفى هذا فيضطرب الحكم في ذهن الباحث، فلا بد له ليتفادى ذلك من كثير من البحث والاستقصاء. هذا إلى تعدد الروايات واختلافها، وعدم مراعاة المؤلفين أحيانًا ذكرها جميعًا أو نسبتها إلى صاحبها مما يجعل الباحث في حيرة. يضاف إلى ذلك أن كثيرًا من عبارات الفقهاء غير محددة المعاني، فيمكن حلها على أكثر من معنى، وأن الحكم قد يرد بغير تعليل، أو بتعليل غير قريب.

أما الصعوبة الثانية، وهي تتصل بالأولى، فهي حال مؤلفات الفقه الإسلامي. فما زالت هذه المؤلفات، على ضخامتها وكثرتها، في حاجة إلى فهارس تهدي الباحث إلى موضع مسألته ولا يخامره شك في أنها لم تبحث في مواضيع أخرى، حتى لا يضطر، إذا كان مدققًا، إلى قراءة المؤلف كله، وقد يتكون من عدة مجلدات، بحثًا وراء مسألته. هذا فوق أن ما طبع منها قليل، وأن الكثرة منها لم تطبع بعد. وما طبع لم يحفظ بالعناية الواجبة في التحقيق وفي الطبع. يضاف إلى ذلك تشتت المؤلفات مطبوعها ومخطوطها، في المكتبات العامة المختلفة وصعوبة الحصول على المطبوع منها، وصعوبة المكث في المكتبات للاطلاع على المخطوطات لظروف الباحث ولظروف المكتبات نفسها (1)، ويستخلص مما تقدم النتيجة التالية: "لهذا السبب وذاك قل عدد الباحثين في الفقه الإسلامي وضؤل إنتاجهم

" (2) .

(1) عبد البر، محمد زكي، نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة الفجالة الجديدة، 1369هـ/ 1950م، ص1-2

(2)

عبد البر، محمد زكي، نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة الفجالة الجديدة، 1369هـ/ 1950م، ص1-2

ص: 2850

فتذليل هذه الصعوبات خطوة ضرورية، ومرحلة أولية للاستفادة من الفقه الإسلامي، وإن كانت الجهود المبذولة في الوقت الحاضر قد تجاوزت بعضًا منها، وأنَّى يكون الحماس لتطبيقه دون معرفته في صورة كاملة، بأسلوب مشرق!!!

ثالثًا: وثالثة الأثافي لأحكام خطة تطبيق الشريعة بين الشعوب الإسلامية عن قناعة تامة، وفهم كامل يكون بالقيام بدراسات علمية جادة لإزالة الشبه والشكوك في صحته وفاعليته، ومواكبته للتقدم الحضاري في العصر الحديث.

أيها السادة:

كانت الآمال معلقة في تكوين هيئات علمية متخصصة تمتلك الإمكانات المادية والطاقات الفكرية لمواجهة تلك المخططات بتأنٍ وعقلانية، وعلى نفس المستوى من الأحكام كالذي فعله المستعمرون، إن لم يكن أحكم وأضبط.

وتشاء إرادة المولى عز وجل وعلا الذي تكفل بحفظ هذا الدين، وإظهاره على الدين كله أن أصبحت الآمال أعمالًا بارزة، ومؤسسات شامخة، ومجامع فقهية، وهيئات علمية هنا وهناك بتمويل مادي وتعضيد معنوي من الدول الإسلامية، صدقت وعدها ليتحقق التخطيط والتنفيذ، وهكذا تهيأت أسباب العمل الناجح.

والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أنجز في السنوات القليلة الماضية الأبحاث والدراسات للموضوعات الفقهية الملحة، وخطط لمشروعات علمية فقهية ما بعد إنجازًا كبيرًا في فترة قياسية.

ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وقد اضطلع بهذه الأمانة الكبيرة، وأثبت قدرته في هذا الميدان بما تحقق على أيدي المسؤولين الأكفاء فيه قادر بمشيئة الله ثم بكفاءة نخبة الفقهاء المخلصين أن يسد الفراغ القانوني في العالم الإسلامي بتأليف مدونة فقهية كامل في المعاملات والأحوال الشخصية والجنايات والمحاكمات تلبي حاجة العصر وتواكب التقدم الحضاري في تخطيط سليم، ومسار شرعي مستقيم، يسجل به إنجازًا تاريخيًّا على مستوى العالم الإسلامي كالذي تحقق بظهور مجلة الأحكام العدلية العثمانية، يجد فيه العالم الإسلامي حكومات وشعوبًا بغيتهم، تقوم به الحجة على عامتهم وخاصتهم، فتقطع به اتهامات المبغضين، وتدحض به تبريرات المستسلمين المنهزمين.

ومما يعزز هذا المشروع ويعضده أن يخصص جانب من نشاط هذا المجمع المبارك لتجميع كافة دراسات المستشرقين والقانونيين والباحثين في الفقه الإسلامي، ودراستها وفحصها فحصًا علميًّا دقيقًا، للإفادة من نقدها، في سبيل إيجاد مدونة فقهية كاملة، ونقض ما يتخللها من نقائض ونقائص قد أسيء فيها فهم الشرعية قصدًا أو بغير قصد، بمنطق واعتدال.

إن تعبئة الطاقات البشرية، والإمكانات المادية لهذين المشروعين المتكاملين في المرحلة الجديدة القادمة تعد خدمة جليلة في سبيل مساعدة الدول الإسلامية للحكم بما أنزل الله، وتطبيق الشريعة بصورة كاملة في جميع الجوانب التشريعية.

إذا تحقق هذا بمشيئة الله بالخطى والخطوات المطلوبة على مستوى العصر فكرًا وتنظيمًا فسيكون علامة بارزة في تاريخ هذا المجمع، وأمجاد هذا الجيل من الفقهاء والمفكرين والدول الإسلامية المعاصرة تحمده لهم الأجيال الحاضرة والقادمة.

وإن أمانة المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بما هيأ الله لها من رئاسة وأمانة مخلصة يساندهم، ويقوي من أزرهم الفقهاء والمفكرون ورؤساء الدول الإسلامية جديرة بإنجاز هذه المهمات، وتحقيق الطموحات والتطلعات في سبيل إنجاز هدف سام، وغاية نبيلة، ذلك هو بذلك كل جهد من شأنه أن يساعد على تطبيق الشريعة لتعود للمجتمعات الإسلامية فضائلها، وتسترد بالاحتكام إليه عزتها وكرامتها، والله الموفق، وهو الهادي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم.

أ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان.

ص: 2851