الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث الدكتور
أوصاف أحمد
عن
الأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفي
الإسلامي
أدلة عملية من البنوك الإسلامية
أولًا: مقدمة:
من المتفق عليه في هذا الموضوع أن البنوك الإسلامية تنمي أموالها عن طريق فتح حسابات مختلفة كالحسابات الجارية وحسابات التوفير، بتفويض استثمارها أو دون ذلك وحسابات الاستثمار العادية أو الخاصة بخدمة العملاء في استثمار أموالهم أو تأمين ما يلزمهم على شكل المضاربة أو المشاركة أو البيع الآجل أو المرابحة أو التمويل برسم التمليك أو القرض الحسن.
وقد قيل الكثير عن وسائل الائتمان هذه مفترضين أن العائدات الحدية ضمن هذا الأسلوب من التعامل لن تكون عالية، هذا مع ضآلة المعلومات عن طريقة البنوك الإسلامية في استغلال هذه الوسائل بما يكفي لتأمين التمويل اللازم، كيف تستغل وسائل الائتمان المختلفة المتيسرة؟ وأي هذه الوسائل أيسر تطبيقًا بالنسبة لقطاعات معينة؟ ذلك هما السؤالان الأساسيان اللذان تصعب الإجابة عليهما دون الرجوع إلى الممارسات الفعلية للبنوك الإسلامية، ولابد لمن كان له اهتمام بهذه الأمور من أن يتغلب على صعوبة كبرى، هي عدم توفر المعلومات الكافية، حتى أن الميزانيات العمومية وحسابات الأرباح والخسائر لا تعتبر كافية لتزويدنا بالمعلومات اللازمة حول هذه الوسائل. (1)
إن الهدف من هذا البحث هو دراسة وسائل الائتمان التي تمارسها البنوك الإسلامية لبيان مدى أهميتها ودورها في المحصلة النهائية لعمليات الائتمان، وكذلك بيان بعض الملاحظات القصيرة عن نسبة توزيع التسهيلات على مختلف القطاعات بالإضافة إلى التعرف على آجال التسهيلات الائتمانية.
(1) إن الآراء الواردة في هذه الورقة لا تعني بالضرورة وجهة نظر مركز البحوث والتدريب الإسلامي، أو بنك التنمية الإسلامي، والورقة مبنية على دراسة أوسع عنوانها "تطوير البنوك الإسلامية ومشاكلها" والتي تم نشرها مؤخرًا من قبل مركز البحوث والتدريب الإسلامي
ثانيًا: المنهج العلمي، الاستبيان ونوعية الاستجابة:
لما كانت المعلومات المتوفرة عن البنوك الإسلامية ضئيلة، فقد رأينا أن من الأنسب جمع المعلومات المطلوبة عن طريق دراسة عينات من البنوك الإسلامية العاملة، وباشرنا هذه الدراسة خلال الفترة من نيسان إلى تشرين الأول (أكتوبر) 1985، ولمعرفتنا أن "الدراسة عن طريق البريد" ضعيفة معدل التجاوب لجأنا إلى الاتصالات الشخصية مع عدد من البنوك الإسلامية مباشرة، فتم تجهيز الاستبيان المناسب وسلم إلى البنوك الإسلامية التي اشتركت في الاجتماع الرابع لمدراء عمليات البنوك الإسلامية الذي عقد في الدوحة (قطر) في نيسان 1985، وأرسل الاستبيان بريديًا إلى البنوك الأخرى التي لم تمثل في ذلك الاجتماع وقد بلغ عدد الاستبيانات المرسلة ثلاثين استبيانًا، وقد تم تذكير المشتركين في الاجتماع الخامس لمدراء عمليات البنوك الإسلامية الذي عقد في لكسمبرغ من 7 إلى 8 تشرين الأول 1985للإجابة على الاستبيان المرسل إليهم سابقًا.
وقد قسم هذا الاستبيان إلى ثمانية أقسام اشتملت في مجموعها على 55 سؤالًا وقد ضمت بالإضافة إلى المعلومات العامة معلومات عن العمليات البنكية، والموجودات والودائع، وحساب الإيرادات وعمليات الائتمان وكيفية توزيعها على مختلف القطاعات، وآجال التسهيلات الائتمانية، ونسبة توزيع القروض، والودائع، والدور الاجتماعي للبنوك الإسلامية، ومشاكل الجهاز المصرفي الإسلامي، هذا مع العلم بأن المعلومات المشمولة في هذه الورقة معنية بالدرجة الأولى بعمليات الإقراض ونسبة توزيعها قطاعيًا وبآجال التسهيلات الائتمانية (1)
وقد هدف الاستبيان إلى الحصول على معلومات وصفية وزمنية، وذلك في ضوء حقيقة أعمار البنوك الإسلامية فعلى الرغم من حداثة عدد منها –بعد 1983- إلا أن كثيرًا منها تأسس في سنة 1977 أو نحو ذلك، لهذا اعتبرنا أن مجموعة المعلومات الزمنية المقدمة من البنوك الأقدم نسبيًا ستلقي ضوءًا على الاتجاهات المتغيرة لدى البنوك الإسلامية كما ستكون مصدر فائدة للبنوك الإسلامية الجديد خاصة، وسنرى فيما بعد أن هذا الاتصال أدى إلى نتائج مفيدة.
وقد استجاب من البنوك الإسلامية الثلاثين التي تم الاتصال بها ما مجموعة ثمانية بنوك فحسب، أي ما يمثل 26? تقريبًا من عدد البنوك الإسلامية القائمة، فإذا اعتبرنا ضعف معدل التجاوب في الاتصال البريدي لمثل هذه الدراسة، ولم نغفل كذلك طبيعة المعلومات المطلوبة فإن ذلك يعتبر معدل تجاوب مقبول.
(1) للحصول على معلومات أوفى راجع كتاب "تطوير البنوك الإسلامية ومشاكلها" للدكتور أوصاف أحمد (1987) IRTI جدة
أما البنوك الإسلامية التي تجاوبت معنا فهي:
1-
البنك الإسلامي الأردني الأردن (1979)
2-
بنك فيصل الإسلامي القاهرة – مصر (1977)
3-
البنك الإسلامي للسودان الغربي السودان (1981)
4-
بنك التضامن الإسلامي السودان (1981)
5-
بنك قطر الإسلامي الدوحة – قطر (1983)
6-
البنك الإسلامي الدولي الدانمارك (1983)
7-
بنك بنجلاديش الإسلامي دكا – بنجلاديش (1983)
8-
البنك الإسلامي السوداني الخرطوم – السودان (1983)
وتمثل التواريخ المحصورة بين هلالين تاريخ تأسيس كل بنك منها.
إذا رجعنا إلى الاستجابات نجد أن بنكًا واحدًا قد أجاب على البنود التسعة (بما فيها المعلومات العامة) الواردة في الاستبيان، وقد تحاشت معظم البنوك الإسلامية إعطاء معلومات عن بعض المسائل الحيوية، وقدمت ستة بنوك معلومات عن العمليات البنكية، في حين لم تزد البنوك التي أعطت معلومات عن نسبة توزيع تسهيلاتها الائتمانية على ثلاثة، وهكذا فإن المعلومات التي أعطيت تشعر بوجود حاجة إلى مزيد منها، مع مراعاة أن هذه المعلومات تعود إلى نشاطات لا تكاد توجد لدى البنوك الإسلامية أو بعبارة أصح فإنها لا تعرف عنها شيئًا.
لقد كانت العينة المقدمة من البنوك الثمانية عينة مرضية، فقد جاءت من بنوك إسلامية قديمة وأخرى حديثة، ومن بنوك إسلامية كبيرة وأخرى صغيرة، وبلغة الأرقام فإن البنك الإسلامي الأردني بفروعه الأحد عشر كان الأول في هذه العينة، وجاء بعده بنك فيصل الإسلامي المصري بفروعه العشرة، علمًا بأن عدد فروع البنوك الثمانية هو تسعة وأربعون فرعًا، وجاءت العينات من ستة أقطار هي بنجلاديش، وجمهورية مصر العربية والدانمارك، والسودان وقطر والمملكة الأردنية الهاشمية بمعدل بنك واحد من كل قطر باستثناء السودان فقد شارك منها ثلاثة بنوك، ولم يغير عدم ورود ردود من كل بنوك الدولة الواحدة في نتائج الدراسة التي تمت على مستوى البنوك أفرادًا. .
ثالثًا: العمليات المالية لدى البنوك الإسلامية:
تتم في البنوك الإسلامية معظم العمليات التي تتم في البنوك التجارية مع تعديلات هنا وهناك حيث لا تتفق بعض العمليات مع أحكام الشريعة الإسلامية، أما العمليات فتشمل: قبول الودائع للحفظ أو الاستثمار، ومنح القروض والتسهيلات الائتمانية حسب أحكام الشريعة،
وشراء العملات الأجنبية وبيعها، كذلك فتح الاعتمادات المستندية وتحصيل قيمة السحوبات وخصم الكمبيالات وقبول بوالص الشحن وغير ذلك على أساس استيفاء عمولة، وتقوم البنوك التجارية المعاصرة بمعظم هذه الأعمال بفائدة يتفق عليها، في حين تقوم بها البنوك الإسلامية بطريقة لا تتعارض مع أحكام الشريعة، مثلًا تشتري البنوك الإسلامية وتبيع العملات الأجنبية والسبائك الذهبية بالسعر السائد فحسب.
ويسهل تمييز البنوك الإسلامية من البنوك المعاصرة التي تتعامل بالفائدة حيث يظهر في ميزانية البنوك الإسلامية وفي جانب الموجودات بالذات عدد من عمليات الائتمان التي تقرها الشريعة الإسلامية (مما لا تعرفه البنوك التي تقوم على الفائدة) مثل عبارات المضاربة والمشاركة والمرابحة والمشاركة المتناقصة والاستثمار المباشر، والإجارة وغير ذلك، ويختلف ظهور هذه العمليات أو مزجها من بنك إسلامي إلى آخر، في حين أظهرت البنوك الثمانية التجارية المتجاوبة أنها تمارس المشاركة وتمارس سبعة منها المضاربة والمشاركة المتناقصة والاستثمار المباشر.
ومن عجب أن خمسة بنوك فحسب تمارس المرابحة في أعمالها البنكية، في حين أنها وسيلة ائتمان شائعة بين البنوك الإسلامية، أما الإجارة فلم يشر إلى التعامل بها سوى البنك الإسلامي الدولي – الدانمارك، والبنك الإسلامي- بنجلاديش بينما ذكر بنك فيصل الإسلامي – القاهرة - أن الدراسات الضرورية جارية لإدخال التعامل في الإجارة في المستقبل القريب. .
وفيما يلي لمحة عن العمليات التي تقوم بها معظم البنوك الإسلامية:
أ- المضاربة:
تقوم البنوك الإسلامية بتمويل المشاريع على أساس المضاربة ويسمى البنك رب المال ويسمى المتعهد أو الملتزم مضاربًا، وهو الذي يقوم بالعمل في المشروع، ولا يتدخل البنك في تفاصيل العمل اليومية، وفي نهاية العمل يقسم الربح بين البنك والمتعهد بموجب الاتفاق السابق على حصة كل منهما، أما في حالة الخسارة فإن رب المال أي البنك يتحملها وحده.
ب-المشاركة:
تقوم البنوك الإسلامية أيضًا بتمويل المشاريع عن طريق المشاركة كأن يتقدم متعهد أو أكثر بطلب بتمويل لمشروعهم من البنك الذي يقوم وحده أو بمشاركة آخرين بتأمين الأموال اللازمة الكافية، ويكون لجميع الأطراف بما فيهم البنك حق الإدارة والإشراف على المشروع، ولهم أو لأي واحد منهم الحق في أن يتخلى عن هذا الحق، أما الأرباح فتوزع بين الشركاء حسب النسب المتفق عليها والتي لا يشترط أن تكون مماثلة لنسبة ما دفعه كل شريك من الأموال، أما الخسارة فيشترط أن يتحملها الشركاء بنسبة ما أسهم فيه كل منهم في رأس المال.
جـ- البيع الآجل:
تقوم البنوك الإسلامية بتمويل التجارة على أساس البيع الآجل إذ يوافق البنك على بيع حاجة معينة بسعر يتفق عليه يسدد بعد أجل معين، ويقوم البنك بتسليم الحاجة (البضاعة) إلى عميله الذي يصبح صاحب الحق الأوحد في التصرف بتلك البضاعة، ويكون السعر الذي يحدده البنك عادة شاملًا لكلفة البضاعة على البنك مضافًا إلى ذلك نسبة من الربح، ويقوم العميل بعد انقضاء الوقت المقرر بدفع المبلغ المتفق عليه وقد يتساهل البنك مع عملائه فيسمح لهم بتقسيط الدفع بالشكل الذي يتفق عليه الطرفان معًا.
د- المرابحة:
تتم هذه الطريقة بأن يطلب العميل إلى البنك أن يشتري له منفعة أو حاجة مقابل ربح معين وأجل معين للتسديد، وتقوم معظم البنوك الإسلامية باتباع هذا الأسلوب -أي المرابحة- في شراء الخامات والبضائع والآلات والمواد الأخرى والتجهيزات بسعر ما، ثم تبيعها للعميل على أساس "الكلفة مضافًا إليها نسبة من الربح تم الاتفاق عليها".
هـ- الإجارة:
تتم هذه العملية بأن تملك البنوك الإسلامية عمارات أو آلات أو تجهيزات وتؤجرها للعملاء مقابل أجر يتفق عليه، وتسمى العملية إجارة، ولها شروط تقرر بالاشتراك مع المستأجر.
و الإقراض برسم التمليك:
هذه طريقة أخرى من التعامل تقوم بها البنوك الإسلامية، وهي وجه آخر من أسلوب الإجارة السابق، يتملك البنك أشياء منقولة أو غير منقولة ويؤجرها للعميل مقابل تعهد الأخير بأن يدفع أقساطًا متساوية في آجال معينة ولمدة يتفق عليها في حساب توفير يفتحه البنك لهذه الغاية، ويعطي البنك تفويضًا بحق استثمار موجودات الحساب، ويمكن إضافة الأرباح إلى هذا الحساب وعندما تتكامل الأقساط يلغي العقد وتنتهي الإجارة وتنقل الملكية من البنك إلى العميل.
ز- القرض الحسن:
تقوم البنوك الإسلامية بهذه الخدمة الاجتماعية بأن تمنح أموالًا بدون فائدة للأفراد، وتسمى هذه التسهيلات قرضًا حسنًا، وتتحرى البنوك الإسلامية أن تكون القروض هذه لمن هم بحاجة إلى مساعدة ودعم تمكينًا لهم من إعادة تأهيل أنفسهم ماديًا. .
رابعًا: تصنيف أهمية عمليات الائتمان:
يمكننا القول بأن البنوك الإسلامية تمتاز من نظائرها من البنوك والمؤسسات المالية التقليدية بأنها تؤدي خدمات مالية جديدة لعملائها وتظهر هذه العلاقات الجديدة بشكل بارز في جانب الموجودات (منه) في ميزانياتها أي في حقل الجهات التي تقدم لها القروض، وقد بينا في الفصل السابق ممارسات البنوك الإسلامية بهذا الخصوص، وقد يهم البعض أن يعرفوا مدى تواتر استعمال وسائل الائتمان المختلفة لدى سائر البنوك الإسلامية، ومراعاة لذلك فقد طلب إلى البنوك الإسلامية أن تزودنا بمعلومات عن مدى تواتر استعمال هذه الوسائل، وكان الاستبيان شاملًا لست من هذه الوسائل الائتمانية: هي المضاربة والمشاركة والمرابحة والإجارة والاستثمار المباشر وصناديق التمويل المشتركة.
وقد طلب إلى البنوك الإسلامية أن تزودنا بشكل خاص بكشف من سنة كاملة تبين فيه المبالغ الموظفة في كل نوع من أنواع الإقراض وعدد العمليات التي تمت في كل نوع، وقد حصلنا على المعلومات المطلوبة من ستة بنوك إسلامية كما يظهر في الكشف الإحصائي رقم (1) وكانت المعلومات المقدمة من البنك الإسلامي الأردني أكثرها تفصيلًا، وكان البنك في أول نشأته يتعامل بعمليات تقرها الشريعة الإسلامية هي المضاربة والمشاركة والمرابحة ومنذ سنة 1981 أضاف التعامل في الاستثمار المباشر، ثم أدخل التعامل في
صناديق التمويل المشتركة منذ سنة 1983. .
جدول رقم (1)
تصنيف أهمية المرابحة بين وسائل الائتمان لدى البنوك الإسلامية
المختارة سنة 1984
اسم البنك النسبة المئوية لعملية المرابحة من أصل جميع التمويل المخصص
1-
البنك الإسلامي الأردني 72.00
2-
البنك الإسلامي بنجلاديش 65.3
3-
بنك السودان الإسلامي 53.6
4-
بنك التضامن الإسلامي 61.4
5-
بنك قطر الإسلامي 97.7
المصدر: من المادة المبينة في الكشف الإحصائي رقم (1)
ويلاحظ أن المرابحة تتقدم جميع وسائل الائتمان لدى البنك الإسلامي الأردني وإن كانت قد تراجعت قليلًا مع مرور الزمن لأنها كانت تمثل 84 % من التسهيلات في سنة 1980، أما حصة المضاربة من مجموع التسهيلات لدى نفس البنك فكانت قليلة متدنية، فقد كانت النسبة المئوية لسنتي 1981 و 1982 بمعدل 4.9 % و 3 % على التوالي، وفيما عدا هاتين السنتين فقد تدنت نسبة المضاربة إلى أقل من 2 % وبالمقارنة مع المضاربة نجد أن المشاركة كانت أحسن حظًا فقد كانت نسبتها تتراوح حول 7 % بانتظام.
أما الاستثمار المباشر فكان 10 % من مجموع التسهيلات، وقد أدخل البنك مؤخرًا حساب صناديق التمويل المشتركة التي ارتفعت حصتها من 2 % من مجموع التسهيلات سنة 1983 إلى 4 % سنة 1984.
أما بنك بنجلاديش الإسلامي والذي يتعامل بشكل رئيسي في المشاركة والمرابحة مع شيء يسير من التعامل في عمليات أخرى غير محددة، فقد ارتفعت نسبة المرابحة من 50 % سنة 1983 إلى 65? سنة 1984، وكذلك يظهر تقدم المرابحة بشكل أوضح في عدد العقود السنوية، فبينما كان مجموع عقود التمويل سنة 1984 هو 2244 عقدًا كانت حصة المرابحة 2156 عقدًا منها أي ما نسبته 96 % أما المشاركة فقد كان لها 85 عملية شكلت 23 % من مجموع التمويل لسنة 1984. .
وكذلك برز تقدم المرابحة لدى بنك قطر الإسلامي، بل يكاد هذا البنك يحصر تعامله في المرابحة، فمنأصل 230 عقدًا أجراها سنة 1983 كانت حصة المرابحة 229 عقدًا منها تشكل 87 % من مجموع المخصصات التمويلية، والباقي لعملية مشاركة واحدة، وفي سنة 1984 كان للمرابحة 665 عقدًا من أصل 667 عقدًا وللمشاركة عقدان.
أما في البنوك الإسلامية في السودان فيبدو أن المشاركة كانت مرغوبة أكثر، فقد أجرى بنك التضامن الإسلامي سنة 1983، (269) عملية كانت حصة المشاركة حوالي 48 % منها تمثل 56 % من مجموع التمويل لتلك السنة، ولكن هاتين النسبتين قد تدنتا إلى 29 % و 37 % على التوالي سنة 1984 حسب المعلومات المتيسرة، وقد برزت أهمية المرابحة لدى بنك التضامن الإسلامي خلال سنتين، فبلغت نسبتها 70 % من حيث عدد العمليات و 61 % من حيث المخصصات التمويلية، أما عمليات المضاربة لدى بنك التضامن الإسلامي فقد كانت أربع عمليات لم تحقق أية أهمية نسبية.
أما البنك الإسلامي السوداني فقدم معلوماته عن سنة واحدة هي سنة 1984 تظهر فيها استعمالات متنوعة لثلاث وسائل ائتمان رئيسية، فقد تمت لديه في تلك السنة 14 عملية مضاربة مثلت 3 % من مجموع عدد العمليات و 3 %
من مجموع المخصصات المالية، أما الباقي فكان للمشاركة 43 % من المخصصات، وللمضاربة 53 % من تلك المخصصات.
تشير الأدلة المتوفرة بأن المرابحة أكثر شيوعًا وأكثر ظهورًا بين وسائل الائتمان لدى البنوك الإسلامية موضوع الدراسة، وقد تبينت الأهمية النسبية للمرابحة في مجموع العمليات المالية لخمسة بنوك إسلامية في جدول رقم (1) الذي يتحدث عن نفسه. (1)
ويمكن أن نفترض بعض المبررات لتقدم وسيلة المرابحة على غيرها من وسائل الائتمان لدى البنوك الإسلامية، ومثالًا على ذلك يمكن القول:(1) المرابحة أقرب من غيرها إلى التمويل قصير الأجل، (2) لأنها انسب للتمويل التجاري الذي تنصب فيه معظم أموال الإقراض لدى البنوك الإسلامية، (كما سنرى فيما بعد)(3) تعتبر المرابحة وسيلة ائتمان سهلة الاتباع وأن "قانون الإبهام" أيسر للتطبيق فيها، (4) توجد عوائق إدارية واقتصادية وقانونية في التعامل مع الوسائل الأخرى خصوصًا المضاربة على نطاق واسع وغيرها، على أن هذه تبقى مجرد فرضيات ما لم نحصل على معلومات أوفر تجعل منها حقائق مقبولة. .
خامسًا: التوزيع القطاعي للتمويل:
من الطبيعي أن نسأل حول العمل المصرفي الإسلامي هذا السؤال: ما هي القطاعات الاقتصادية التي تفيد من النظام المصرفي الإسلامي، وإن نظرة إلى التوزيع القطاعي لمجمل التمويل الذي تقدمه البنوك الإسلامية يلقي بعض الضوء –على هذا السؤال- لذلك طلبنا إلى البنوك الإسلامية أن تزودنا بقيمة المبالغ التي منحتها لمختلف القطاعات في مختلف الأعوام، لهذا الغرض قسمت البنية الاقتصادية إلى خمسة قطاعات رئيسية هي الصناعة الخفيفة والزراعة والإنتاج الصناعي والعقارات والإنشاءات، والتجارة، ولم يصلنا سوى ثلاثة ردود لهذا السؤال، وعلى الرغم من قلة عدد البنوك التي تجاوبت معنا إلا أننا سنورد هذه الردود آملين أن يوفر ذلك بعض المعلومات عن هذه المسألة التي لم يتوفر لها إلا القليل من الأدلة الملموسة. .
(1) قدم بنك فيصل الإسلامي – القاهرة – معلومات عن نسبة توزيع العمليات المالية المختلفة ولكن تلك المعلومات كانت إجمالية جدًا، لذلك لم تدخل في تحليلاتها هذه
جدول رقم (2)
التوزيع القطاعي للتمويل في البنوك الإسلامية المختارة 1984 والنسبة
المئوية من مجموع التمويل الممنوحة إلى
اسم البنك الزراعة الإنتاج الصناعي الصناعة الخفيفة العقارات والإنشاءات التجارة
البنك الإسلامي الأردني 0.35 39.79 1.00 25.87 32.79
بنك قطر الإسلامي -- -- -- 9.35 90.34
بنك بنجلاديش الإسلامي 0.83 26.10 -- --73.07
المصدر: من المعلومات الواردة في الكشف الإحصائي رقم (2)
الجدول رقم (2) يمثل التوزيع القطاعي للتمويل لدى ثلاث بنوك إسلامية هي البنك الإسلامي الأردني وبنك قطر الإسلامي وبنك بنجلاديش الإسلامي لسنة 1984، وقد ظهرت المعلومات المفصلة في الكشف الإحصائي رقم (2) وإن نظرة سريعة إلى جدول رقم (2) تبين أن قطاعات الإنتاج، والعقارات، والإنشاءات، والتجارة تستنزف معظم مخصصات التمويل لدى هذه البنوك الإسلامية، وللتجارة منها حصة الأسد، ففي بنك قطر الإسلامي استهلك 99 % من الأموال المقرضة في حقلي التجارة والعقارات، للأخيرة 9 % وللتجارة 90 %، وفي بنك بنجلاديش استهلكت التجارة والإنتاج الصناعي 99 % أيضًا، منها 73 % لقطاع التجارة، 26 % لقطاع الإنتاج، أما في البنك الإسلامي الأردني فكان التوزيع أعدل إذ نال قطاع العقارات والإنشاءات حوالي ربع أموال التسهيلات الائتمانية، ووزع الباقي بشكل مقبول بين الإنتاج الصناعي والتجارة أما الزراعة فنالت حصة لا تكاد تبين من مجموع الأموال المقرضة.
أما التوزيع الزمني لتمويل هذه القطاعات في البنوك الثلاثة، فيظهر في الكشف الإحصائي رقم (2) وهو بنفس النسبة في بنك قطر الإسلامي وبنك بنجلاديش الإسلامي لأنهما تأسسا سنة 1983، حيث بقيت نسبة التوزيع في سنة 1984 كما كانت في سنة التأسيس، أما في البنك الإسلامي فقد ظهرت تغييرات واضحة من سنة إلى أخرى خلال المدة 1980 – 1984 في نسبة توزيع التمويل على القطاعات المختلفة المذكورة في جدول رقم (2) فالتجارة مثلًا كانت حصتها 73 % في سنة 1980 وبدأت تتناقص هذه الحصة تدريجيًا بشكل رتيب ومنتظم بحيث وصلت إلى 32 % من مجموع التسهيلات الائتمانية في سنة 1984 على الرغم من أن التجارة لا تزال في المقدمة من حيث عدد العقود المبرمة أو المبالغ المستهلكة، أما الصناعات الخفيفة والزراعة فلم يتهيأ لهما تمويل عال وكانت حصتهما تتراوح بين 1 % و2 % من مجموع التسهيلات، بينما ارتفعت قيمة الأموال التي استهلكها قطاع العقارات والإنشاءات حتى سنة 1983 عندما حققت نسبة تزيد على ثلث التسهيلات عامة في حين كانت النسبة 13 % سنة 1980، ثم أخذت في التناقص، أما قطاع الإنتاج الصناعي فكانت حصته من مجموع التمويل تتزايد باستمرار من حيث عدد العمليات أو في القيمة المطلقة أو في نسبة ذلك إلى مجموع التسهيلات الائتمانية.
إن التمويل الذي يمنحه أي بنك لأي قطاع يعتمد بالدرجة الأولى على عاملين هما أسلوب التمويل، والمدة المقررة للتسديد، وتشير البيانات المقدمة من البنوك الإسلامية أن التجارة تمول عن طريق المرابحة، في حين تلجأ البنوك لتمويل قطاع الإنتاج الصناعي عن طريق المشاركة، ولما كانت حاجات التجارة قصيرة الأمد بطبيعتها، فقد نجحت البنوك الإسلامية في تلبية تلك الحاجات بالرجوع إلى أسلوب المرابحة، هذا ولم يتبلور حتى الآن أسلوب المضاربة في الائتمان، وعندما تتيسر الوسائل والطرائق لإزالة العوائق المبدئية الحائلة دون تطبيق عقود المضاربة بنجاح، فإن البنوك الإسلامية تستطيع حينئذ تنويع عمليات الائتمان قطاعيًا وتلبية حاجة كل من قطاعي الزراعة والصناعات الخفيفة.
سادسًا: آجال التسهيلات الائتمانية:
تعتبر جدولة آجال التمويل عاملًا هامًا في تقييم أي نظام بنكي، ونعني بجدول الآجال التوزيع الزمني المخصص للتمويل، أي ما طول مدة التمويل التي يمنحها البنك لأي عملية محددة، ومن المسلم به أن الحاجة للتمويل تختلف من وحدة إلى أخرى، كما يختلف الوقت الممنوح من قطاع إلى آخر وقد اتفق على تصنيف آجال التسهيلات الائتمانية على النحو التالي:(1) التمويل قصير الأجل جدًا، ولا يزيد أجل القرض على بضعة أيام أو بضعة أسابيع (2) التمويل قصير الأجل الذي تقل مدته عن 90 يومًا (3) التمويل متوسط الأجل الذي تتراوح مدته بين 3 أشهر إلى 6 أشهر – (4) التمويل طويل الأجل والذي قد تمتد فترته من سنتين إلى عشر سنوات أو أكثر.
وتحقيقًا للرغبة في معرفة الآجال التي تمنحها البنوك الإسلامية لعملياتها الائتمانية المختلفة فقد أدرجنا طلب ذلك ضمن الاستبيان المرسل لها، وحددنا الآجال في الاستبيان ولغايات إحصائية بستة أنواع (1) لمدة ثلاثة أشهر (2) لمدة 6 أشهر أو أكثر من 3 أشهر (3) لسنة أو أقل ولكن أكثر من 6 أشهر (4) لسنتين (5) لثلاث سنوات (6) لمدة تزيد على 3 سنوات.
وقد جاءتنا ردود من أربعة بنوك هي: بنك قطر الإسلامي، والبنك الإسلامي الدولي – الدانمارك، وبنك بنجلاديش الإسلامي، والبنك السوداني الإسلامي، وتظهر المعلومات المتقدمة منهم في الكشف الإحصائي رقم (3) ويرجى ملاحظة أن هذه البنوك الأربعة جميعها قد تأسست سنة 1983، مما يحصر المعلومات في سنتي1983 و 1984، أما البنوك الأقدم فلم تتجاوب لسوء الحظ مع هذا السؤال.
وكما يظهر من المعلومات المقدمة فإن معظم البنوك الإسلامية تتعامل إما في التمويل قصير الأجل لثلاثة أشهر أو أقل، أو تتعامل في التمويل متوسط الأجل لمدة سنة أو أقل، ولم يمنح بنك قطر أية قروض لمدة سنتين، في حين منحت البنوك الثلاثة الأخرى قروضًا تزيد آجالها على سنتين ولكنها لا تشكل نسبة عالية في مجموع المبالغ المقرضة، ويمكن القول بأن البنوك الإسلامية بوجه عام لا تميل إلى القروض طويلة الأجل، بل تحصر تعاملها في القروض قصيرة الأجل أو متوسطة الآجال. .
سابعًا: الخلاصة:
تشمل هذه الورقة معلومات هامة عن توزيع التسهيلات الائتمانية التي تمنحها البنوك الإسلامية من مضاربة أو مرابحة أو مشاركة أو إجارة أو استثمار مباشر أو صناديق التمويل المشتركة، ويبدو أن المرابحة والمشاركة والاستثمار المباشر هي أكثرها شيوعًا لدى البنوك موضوع الدرس، وتبقى المرابحة متقدمة على بقية وسائل التمويل والائتمان لدى البنوك الإسلامية التي تمت دراسة أوضاعها وهذا التقدم يشمل كل عمليات الائتمان من حيث عددها ومن حيث قيمة التمويل الممنوحة، وتحل المشاركة في المحل الثاني من الأهمية.
أما المضاربة فحصتها من التمويل قليلة ومتدنية جدًا، وعلى الرغم من قلة الأدلة المحسوسة إلا أن ما توصلنا إليه يدل على أن عمليات المرابحة هي المسيطرة في حقل التجارة، وأن المشاركة هي المستعملة في عمليات تمويل نشاطات الإنتاج الصناعي، ولما كانت المضاربة أميل إلى القروض طويلة الأجل وهي العمليات التي لم تمارسها البنوك الإسلامية حتى الآن، لذلك كان التعامل بها في الوقت الحاضر، وفي أحسن الحالات محدودًا، أما استعمال المضاربة على نطاق أوسع في عمليات التمويل فإنه يستدعي التحقق مسبقًا من بعض الضروريات التي لا توجد في الوقت الحاضر، مثلًا تحتاج البنوك الإسلامية إذا أرادت أن تضع المضاربة موضع التنفيذ، إلى مؤسسات تقييم المشاريع فنيًا، فهي لا تمول إلا المشاريع السليمة فنيًا، ومثل هذه المقدرة الفنية لازمة أيضًا لدراسة أي مشروع مطروح للتمويل لضمان صحة التقييم، وفي بعض البلاد قد توجد موانع قانونية أمام المضاربة، ولابد كذلك من تسهيلات مناسبة لمراقبة المشروع وللتقييم متوسط الأجل، وما لم تتحقق هذه المتطلبات الأساسية هي وغيرها فإنه لا ينتظر من البنوك أن تتوسع في استعمال المضاربة كوسيلة ائتمان.
وقد تمت دراسة التوزيع القطاعي للتمويل بالنسبة لخمسة قطاعات رئيسية هي الزراعة، والإنتاج الصناعي، والصناعات الخفيفة، والعقارات، والتجارة، ولم تتجاوب البنوك في هذه الناحية وكانت الأجوبة في الحقيقة من ثلاثة بنوك فقط، وتم تحليل المعلومات لعلها تلقي بعض الضوء على مسار التسهيلات الائتمانية لدى البنوك الإسلامية، وأشارت المعلومات المتوفرة إلى أن معظم التمويل يتجه إلى قطاع التجارة، حيث وصلت نسبة الاستثمار في التجارة لدى بعض البنوك إلى 90 % من مجموع التمويل، وإذا جاز أن نأخذ أي بنك إسلامي مثالًا يحتذى لكل البنوك، فإن من المنتظر أن تتناقص حصة التجارة من مجموع التمويل كما حدث في البنك الإسلامي الأردني حيث ارتفعت حصة القطاعات الأخرى على حساب قطاع التجارة، فقد تبين من تجربة البنك الإسلامي الأردني، وبنك بنجلاديش الإسلامي، أنها يمولان قطاع الإنتاج الصناعي على نطاق كبير، وهذا مؤشر على صحة العمليات ويبشر بأن يزيد تمويل هذا القطاع، ونأمل مع مرور الوقت أن تتمكن البنوك الإسلامية من تعهد تمويل المشاريع بالرعاية.
هناك حقلان من حقول الاقتصاد لم يصلهما إلا القليل من أموال القروض في البنوك الإسلامية، هما الزراعة والصناعات الخفيفة، وهذان القطاعان في ضوء الأوضاع الاقتصادية للأقطار الإسلامية هما أكثر القطاعات استبعادًا من قبل أصحاب الأموال المتوفرة للإقراض، فالمعلومات التي بين أيدينا تشير إلى أن حصة الزراعة والصناعات الخفيفة من مجموع التمويل لم تكن شيئًا مذكورًا، ومن الممكن تعليل عدم تحمس البنوك الإسلامية لتمويل هذين النشاطين: تغلب على البنوك الإسلامية صفة البنوك التجارية، وفي أوائل عهدها، كانت السلامة
وسرعة المردود تهيمنان على سياسة الإقراض لديها وبالتالي كان تمويل الزراعة أكثر خطورة، أما الصناعات الخفيفة فمعظمها ينقصه التنظيم، وهذه العوامل تبرر ضعف التمويل الموجه للزراعة وعلى كل حال فإن هذا حقل يستطيع التمويل البنكي الإسلامي أن يثبت فيه دوره الاجتماعي والاقتصادي في دفع التنمية الاقتصادية في الأقطار الإسلامية، ولابد من تأمين بعض المتطلبات الأساسية قبل أن تتمكن البنوك الإسلامية من أداء هذا الدور، فلا بد لها من فتح فروعها في المدن الصغيرة والقرى ليسري التعامل البنكي الإسلامي في الشعب، إذ تتركز البنوك الإسلامية في الوقت الحالي في المدن الكبيرة، وقد وجهنا إلى البنوك الإسلامية في دراستنا هذه سؤالًا عن مدى رغبتهم في فتح فروع جديدة في المناطق الريفية، وكانت ردود معظمهم بالإيجاب، وقد يكون هذا دافعًا لتوجيه مصادر التمويل نحو التنمية الاقتصادية.
يبقى على البنوك الإسلامية أن توجه عنايتها إلى تمويل النشاطات الزراعية فأي وسائل الائتمان تناسب حقل الزراعة؟ كيف نتغلب على عدم وضوح الرؤية بالنسبة لجودة المحصولات كمية ونوعًا في سنة ما؟ هل نطلب كفيلًا ثالثًا؟ ولابد أن تواجه هذه الأسئلة تمحيصًا وتدقيقًا قبل أن تقدم البنوك الإسلامية على تمويل الزراعة. .
نأتي أخيرًا إلى آجال التسهيلات الائتمانية، حيث كشفت هذه الدراسة أن معظم البنوك الإسلامية تقرض الأموال إلى آجال تتراوح بين 6 أشهر وسنة واحدة، وليس لدى هذه البنوك حاليًا إمكانات مادية للآجال قصيرة الأمد جدًا مثل اليوم أو الأسبوع، حيث تستطيع أن تستثمر الأموال وتصفيها بسرعة حتى يلزم ذلك، وفي الحقيقة فإن تطوير مثل هذه القدرات المالية لدى البنوك الإسلامية يستلزم قيام سوق ثانوية حيث يمكن أن يتاجر من خلالها بهذه الأنواع من التمويل، والجهود قائمة لتأمين ذلك من بعض البنوك، ولن نقطف ثمرات تلك الجهود إلا بعد مدة ما، أما بالنسبة للإقراض الطويل الأجل فإنه يلاحظ أن بعض البنوك الإسلامية بدأت تميل إلى تبني ذلك الإقراض الطويل الأجل، وإلى أن يتم ذلك لابد لهذه البنوك الإسلامية من زيادة تجربتها وتطوير خبراتها. .
كشف إحصائي رقم (1)
عمليات التمويل لدى البنوك الإسلامية
1-
البنك الإسلامي الأردني
السنة نوع وسيلة الائتمان مبلغ التمويل بالدينار الأردني النسبة المئوية للتوزيع
1980 عمليات المضاربة 95.092 1.40
1980 عمليات المشاركة 715.445 10.60
1980 عمليات المرابحة 5718.247 84.76
1980 الإجارة -- --
1980 الاستثمار المباشر -- --
1980 صناديق التمويل المشتركة -- --
1980 عمليات تمويل أخرى 217.239 3.22
المجموع 6746.023 99.98
1981 عمليات المضاربة 704.555 4.96
1981 عمليات المشاركة 1020.280 7.18
1981 عمليات المرابحة 10046.381 70.75
1981 الإجارة -- --
1981 الاستثمار المباشر 2093.173 14.74
1981 صناديق التمويل المشتركة -- --
1981 عمليات تمويل أخرى 334.296 2.35
المجموع 14198.685 99.980
1982 عمليات المضاربة 806.611 3.03
1982 عمليات المشاركة 1951.251 7.34
1982 عمليات المرابحة 20323.895 76.48
1982 الإجارة -- --
1982 الاستثمار المباشر 3194.775 12.02
1982 صناديق التمويل المشتركة -- --
1982 عمليات تمويل أخرى 295.239 1.11
المجموع 26571.771 99.98
السنة نوع وسيلة الائتمان مبلغ التمويل بالدينار الأردني النسبة المئوية للتوزيع
1983 عمليات المضاربة 292.261 2.63
1983 عمليات المشاركة 2879.785 7.86
1983 عمليات المرابحة 29634.933 78.71
1983 الإجارة -- --
1983 الاستثمار المباشر 2812.511 7.41
1983 صناديق التمويل المشتركة 800.000 2.12
1983 عمليات تمويل أخرى 417.759 1.25
المجموع 37591.249 99.98
1984 عمليات المضاربة 182.249 0.28
1984 عمليات المشاركة 4478.500 7.10
1984 عمليات المرابحة 45389.322 72.03
1984 الإجارة -- --
1984 الاستثمار المباشر 9336.304 14.81
1984 صناديق التمويل المشتركة 3375.000 5.350
1984 عمليات تمويل أخرى 251.848 0.39
المجموع 63013.403 99.96
لم يقدم معلومات عن عدد العمليات
2-
بنك بنجلاديش الإسلامي
السنة نوع وسيلة الائتمان عدد العمليات مبلغ التمويل بملايين التاكا النسبة المئوية للتوزيع
1983 عمليات المضاربة -- -- --
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة 60 28.20 50.42
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى 3 27.73 49.57
المجموع 63 55.93 99.99
1984 عمليات المضاربة -- -- --
عمليات المشاركة 85 106.58 23.28
عمليات المرابحة 2156 299.08 65.33
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى 3 52.13 11.38
المجموع 2244 457.79 99.99
3-
البنك الإسلامي السوداني لسنة 1983 فقط
السنة نوع وسيلة الائتمان عدد العمليات نسبة توزيع العمليات مبلغ التمويل بملايين الجنيه السوداني النسبة المئوية للتوزيع
1983 عمليات المضاربة 14 2.02 1.44 2.83
عمليات المشاركة 213 30.73 22.07 43.50
عمليات المرابحة 466 67.24 27.22 53.65
الإجارة -- ---- --
الاستثمار المباشر -- ---- --
صناديق التمويل المشتركة -- ---- --
عمليات تمويل أخرى
-- ---- --
المجموع 693 99.99 50.73 99.99
4-
بنك التضامن الإسلامي – السودان
السنة نوع وسيلة الائتمان عدد العمليات نسبة توزيع العمليات مبلغ التمويل بملايين الجنيه السوداني النسبة المئوية للتوزيع
1983 عمليات المضاربة 4 0.71 0.4 0.75
عمليات المشاركة 269 47.86 29.9 56.41
عمليات المرابحة 289 51.42 22.7 47.83
الإجارة -- ---- --
الاستثمار المباشر -- ---- --
صناديق التمويل المشتركة -- ---- --
عمليات تمويل أخرى -- ---- --
المجموع 562 99.99 53.0 99.99
1984 عمليات المضاربة 4 0.570 0.5 1.33
عمليات المشاركة 206 29.42 13.9 37.16
عمليات المرابحة 490 70.00 23.0 61.49
الإجارة -- ---- --
الاستثمار المباشر -- ---- --
صناديق التمويل المشتركة -- ---- --
عمليات تمويل أخرى -- ---- --
المجموع 700 99.99 37.4 99.99
5-
بنك فيصل الإسلامي – القاهرة:
السنة نوع وسيلة التمويل عدد العمليات مبلغ التمويل بملايين الدولار النسبة المئوية للتوزيع
1979 عمليات المضاربة 52 9 --
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة -- -- --
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 52 9.0 --
1980 عمليات المضاربة 178 61.00 --
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة -- -- --
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 178 61.0 --
1981 عمليات المضاربة 461 124 89.46
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة -- -- --
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر 5 11.8 8.51
صناديق التمويل المشتركة 4 2.8 2.02
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 470 138.6 99.99
1982 عمليات المضاربة 1269 410 96.56
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة -- -- --
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر 5 11.8 2.77
صناديق التمويل المشتركة 5 2.8 0.65
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 1279 424.6 99.98
1983 عمليات المضاربة 2535 767 --
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة -- -- --
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 2535 767 --
1984 عمليات المضاربة 3464 993.0 91.22
عمليات المشاركة -- -- --
عمليات المرابحة -- -- --
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر 32 95.5 8.77
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 3496 1088.5 99.99
بنك قطر الإسلامي
المجموع 470 138.6 99.99
1983 عمليات المضاربة -- -- --
عمليات المشاركة 1 3.00 12.5
عمليات المرابحة 229 20.96 87.4
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 23 23.96 99.9
1984 عمليات المضاربة -- -- --
عمليات المشاركة 2 0.994 2.20
عمليات المرابحة 665 44.176 97.79
الإجارة -- -- --
الاستثمار المباشر -- -- --
صناديق التمويل المشتركة -- -- --
عمليات تمويل أخرى -- -- --
المجموع 667 45.170 99.99
الكشف الإحصائي رقم (2)
توزيع التمويل حسب القطاعات
(أ) البنك الإسلامي الأردني
السنة الأنشطة الممولة عدد الأنشطة النسبة المئوية للتوزيع المبلغ بالدينار الأردني النسبة المئوية للتوزيع
1980 الزراعة -- ---- --
الصناعة 25 17.00 722.886 12.34
الصناعات الخفيفة 8 5.44 47.903 00.81
العقارات والإنشاءات 20 13.60 770.650 13.16
التجارة 94 63.94 4314.169 73.67
المجموع 147 99.98 5855.608 99.98
1981 الزراعة 3 1.17 157.353 1.49
الانتاج الصناعي 34 13.28 919.421 8.74
الصناعات الخفيفة 17 6.64 157.922 1.50
العقارات والإنشاءات 45 47.58 3144.356 29.89
التجارة 157 61.32 6139.772 58.36
المجموع 256 99.99 10518.824 99.98
1982 الزراعة 10 1.98 191.584 1.09
الصناعة 51 10.11 1463.768 8.33
الصناعات الخفيفة 54 10.71 412.305 2.34
العقارات والإنشاءات 81 16.07 5990.986 34.10
التجارة 308 61.11 9508.907 54.12
المجموع 504 99.98 17567.550 99.98
1983 الزراعة 30 3.88 381.002 1.39
الصناعة 56 7.24 5981.842 21.86
الصناعات الخفيفة 80 10.34 594.394 2.17
العقارات والإنشاءات 103 13.32 6816.644 24.91
التجارة 504 65.20 13586.794 49.65
المجموع 773 99.98 27360.631 99.98
1984 الزراعة 43 4.22 226.763 0.35
الصناعة 46 4.52 16818.342 39.79
الصناعات الخفيفة 105 10.32 423.957 1.00
العقارات والإنشاءات 261 25.66 10934.114 25.87
التجارة 562 55.26 13857.198 32.79
المجموع 1.17 99.98 42260.375 99.98
2-
بنك قطر الإسلامي
السنة الأنشطة الممولة عدد الأنشطة النسبة المئوية للتوزيع مبلغ التمويل بملايين الريال القطري النسبة المئوية للتوزيع
1983 الزراعة -- ---- --
الصناعة -- ---- --
الصناعات الخفيفة -- ---- --
العقارات والإنشاءات 3 -- 4.30 20.51
التجارة 224 -- 16.66 79.48
المجموع 227 -- 20.96 99.99
1984 الزراعة -- ---- --
الصناعة الصناعة -- ---- --
الصناعات الخفيفة الصناعات الخفيفة -- ---- --
العقارات والإنشاءات العقارات والإنشاءات 5 -- 4.13 9.35
التجارة التجارة 660 -- 40.40 90.64
المجموع 665 -- 44.17 99.99
3-
بنك بنجلاديش الإسلامي
السنة الأنشطة الممولة عدد الأنشطة النسبة المئوية للتوزيع مبلغ التمويل بملايين التاكا النسبة المئوية للتوزيع
1983 الزراعة 1 -- 4.00 7.15
الانتاج الصناعي -- ---- --
الصناعات الخفيفة -- ---- --
العقارات والإنشاءات -- ---- --
التجارة 62 -- 51.93 92.84
المجموع 63 -- 55.93 99.99
1984 الزراعة 1 -- 3.60 0.38
الانتاج الصناعي 85 -- 106.58 26.10
الصناعات الخفيفة -- ---- --
العقارات والإنشاءات -- ---- --
التجارة 2142 -- 299.08 73.07
المجموع 2228 -- 409.26 100
الكشف الإحصائي رقم (3)
جدول آجال التمويل
1-
بنك قطر الإسلامي:
السنة أجل القرض عدد العمليات المبالغ المخصصة بملاين الريال القطري النسبة المئوية للتوزيع
1983 3 أشهر أو اقل 139 6.907 32.94
ستة أشهر أو أقل ولكن أكثر من 3 أشهر 87 9.758 46.54
سنة أو أقل 33 4.299 20.50
سنتان -- -- --
ثلاث سنوات -- -- --
أكثر من ثلاث سنوات -- -- --
المجموع 229 20.964 99.98
1984 3 أشهر أو اقل 580 21.577 48.84
6 أشهر أو أقل ولكن أكثر من 3 أشهر 80 18.577 42.10
سنة أو أقل 5 4.135 9.06
سنتان -- -- --
ثلاث سنوات -- -- --
أكثر من 3 سنوات -- -- --
المجموع 665 44.176 100.00
البنك الإسلامي الدولي – الدنمارك
السنة آجال القروض النسبة المئوية 1983 النسبة المئوية للتوزيع 1984
3 أشهر أو اقل 10 20
6 أشهر أو أقل 30 30
سنة واحدة أو أقل 50 40
سنتان 10 10
ثلاث سنوات -- --
أكثر من 3 سنوات -- --
المجموع 100 100
لم تتوفر معلومات مطلقة عن عدد العمليات أو المبالغ المستغلة
3-
البنك الإسلامي – بنجلاديش عن سنة واحدة فقط
السنة آجال القروض عدد العمليات النسبة المئوية للتوزيع المبالغ المستعملة بملايين التاكا النسبة المئوية للتوزيع
1983 3 أشهر أو اقل -- ---- --
6 أشهر أو أقل 125 6.25 10.50 3.51
سنة واحدة أو أقل 1050 52.50 160.00 53.49
سنتان 825 41.25 128.58 42.99
ثلاث سنوات -- ---- --
أكثر من 3 سنوات -- ---- --
المجموع 2000 100 299.08 99.99
4-
البنك الإسلامي السوداني لسنة واحدة فقط
السنة آجال القروض عدد العمليات النسبة المئوية للتوزيع مبلغ التمويل بملايين الجنيه السوداني النسبة المئوية للتوزيع
1984 3 أشهر أو اقل 464 54.78 20.06 37.18
6 أشهر أو أقل 213 25.14 18.91 35.05
سنة واحدة أو أقل 145 17.11 12.34 22.87
سنتان 23 2.71 2.51 4.65
ثلاث سنوات 2 0.23 0.13 0.24
أكثر من 3 سنوات -- ---- --
المجموع 847 99.97 53.95 99.99
مناقشة البحوث
المرابحة للآمر بالشراء
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نستأنف الجلسة الصباحية والتي سيكون محل بحثها إن شاء الله تعالى " بيع المرابحة " وقبل الدخول في ذلك أعطي الكلمة لفضيلة الأمين العام الشيخ الحبيب.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عندما رفعنا الجلسة من أجل الاستراحة سألني بعض الأخوة ممن طلبوا الكلمة للتعقيب على الموضوع الذي كنا بصدد بحثه وهو "الوفاء بالوعد" الذي أريد أن أذكر به إخواني أن الموضوعين، موضوع "الوفاء بالوعد " وموضوع "المرابحة للآمر بالشراء" يكادان يكونان موضوعًا واحدًا، لأن أحدهما مترتب على الآخر، وإنما بحث موضوع الوعد ليكون تمهيدًا للموضوعات التي تأتي من بعده، فآمل أن يكون هذا مجليًا لتأخير إعطاء الكلمة وإسنادها، ويمكنهم بإذن الله مع بقية الإخوان الذين يريدون التعقيب على الموضوع الثاني وهو المرابحة، أن يأخذوا الكلمة إثر العرض الذي سيكون بالنسبة للموضوع الخامس والجلسة الخامسة. وشكرًا لكم. .
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد، فعندما قامت المصارف الإسلامية جعلت شعارها قول الحق تبارك وتعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:(275) ] ورأت في بيع المرابحة للآمر بالشراء بديلًا عن الإقراض الربوي الذي تقوم به البنوك الربوية، وثار الجدل ولا يزال حول مشروعية هذا البيع كما تجريه المصارف الإسلامية، فذهب فريق من فقهاء العصر إلى أن هذا البيع لا يختلف في جوهره عن بيع المرابحة المعروف في الفقه الإسلامي كنوع من بيوع الأمانة.
وذهب آخرون إلى أن منهج البنوك الإسلامية في هذا المسمى بالبيع لا يختلف عن منهج البنوك الربوية في الإقراض الربوي، واستدل كل فريق بأدلة كثيرة رأيناها في الأبحاث المقدمة كما رأينا هذا أيضًا في الصحف، والمجلات، كما نشر أكثر من كتاب يبحث هذا الموضوع.
ومن الفتاوى الجماعية المبكرة في هذا الموضوع ما صدر عن المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي الذي عقد بدبي سنة 1399هـ (1979) أي بعد أربع سنوات من ظهور أول مصرف إسلامي، ونص الفتوى هو ما يلي:"يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة، يحدد جميع أوصافها، ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به العميل بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما، وهذا التعامل يتضمن وعدًا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدًا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقًا لذات الشروط، ومثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه".
ولعل المؤتمر لم يأخذ حظه من الإعداد الكافي، والفتوى ينقصها الدقة، فبيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية لا يجيزه المذهب المالكي، فضلًا عن أن يلزم به وعارض الفتوى كثير ممن حضروا المؤتمر وممن لم يشاركوا فيه، ومع هذا فالمؤتمر يعد خطوة أسهمت في مناقشة الموضوع من جوانبه المختلفة، ومهدت لعقد مؤتمرات أخرى للمصارف الإسلامية ولغيرها. .
وبعد أربع سنوات، أي سنة 1403 هـ عقد المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، بعد إعداد جيد، وكتابة قدر كاف من الأبحاث، ودعوة عدد كبير من فقهاء العصر ورجال الاقتصاد، وكان لبيع المرابحة النصيب الأوفى من البحث والمناقشة، وأصدر المؤتمر فتوى من جزأين: الجزء الأول صدر بالإجماع، والجزء الثاني اشتد حوله الخلاف، ولم يمكن الجمع بين الآراء المتعارضة، فصدر تبعًا لرأي الفريق الأكثر عددًا.
والجزء الأول من الفتوى هو: "يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء: بعد تملك السلعة المشتراة للآمر، وحيازتها، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق، هو أمر جائز شرعًا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي" هذا هو الجزء الذي صدر بإجماع من حضر هذا المؤتمر.
والجزء الثاني من الفتوى هو خاص بالنسبة للوعد والخلاف حوله ظهر كما ظهر الآن.
والجزء الأول من الفتوى كان له أثره الكبير في مسيرة المصارف الإسلامية، وفي قرارات هيئات الرقابة الشرعية المختلفة، وفي صياغة العقود لكثير من المصارف.
أما الجزء الثاني فلا يزال الخلاف حوله قائمًا وقد رأيناه في الجلسة السابقة.
والجزء الأول وإن صدر بإجماع المشاركين غير أننا وجدنا من غيرهم من يعارضه وفي انتظار قرار المجمع الموقر في دورته هذه حتى يجتمع الجميع إن شاء الله على هدى وبصيرة. .
ولعل الضوابط الشرعية التي ذكرت في هذا الجزء من الفتوى تعتبر الحد الأدنى اللازم ليكون البيع مقبولًا شرعًا، إلا أنني وجدت بعض المصارف الإسلامية لم تلتزم بهذه الضوابط في التطبيق العملي مع موافقتها على الفتوى، ووجدت في التطبيق العملي أيضًا أمورًا أخرى رأيت أن أعرضها على مجمعكم الموقر ليقول فيها رأيه إسهامًا في تصحيح مسار المصارف الإسلامية، وابدأ بتقديم نموذجين لعقود الوعد بالشراء وبيع المرابحة، وكل نموذج تم التعامل به في مصرف إسلامي أو أكثر.
النموذج الأول: نجد من مواده في عقد وعد بالشراء: وعد الطرف الثاني –وهو العميل- الطرف الأول –أي المصرف- بشراء البضاعة المبينة وإبرام عقد البيع والشراء بمجرد تسلم وكيل الطرفين الناقلين للبضاعة من المستفيد، فاعتبر أن مجرد التسليم هذا يعتبر عقدًا وليس بعد هذا يعقد العقد، وفي المادة الثالثة قال: يعتبر الناقلون بصفتهم وكلاء عامين للنقل، وكلاء للطرفين بتسلم البضاعة اعتبارًا من وقت تسلمها وحتى ميناء الوصول طبقًا لشروط الاعتماد المستندي، وفي المادة الرابعة يتحمل الطرف الثاني نتائج أية طوارئ، الطرف الثاني الذي طلب الشراء، والذي يتحمل نتائج أية طوارئ قد تتعرض لها البضاعة بعد تسلمها من المستفيد، وفي المادة السادسة: يلتزم الطرفان بإبرام عقد المرابحة النهائي المتعلق بهذا الوعد بمجرد إبلاغ المستفيد أحد الطرفين بتسلم البضاعة، وفي المادة الثامنة: إذا امتنع المصدر الذي عينه الطرف الثاني عن تنفيذ الصفقة أو أخرها عن موعد التسليم المتفق عليه لا يكون الطرف الأول وهو المصرف مسئولًا عن أي ضرر يعود على الطرف الثاني الذي عليه أن يدفع كافة المصاريف التي تحملها الطرف الأول من جراء عدم تنفيذ المصدر وفي هذه الحالة لا يعتبر الطرف الأول مخلًا بالوعد.
وفي عقد المرابحة ينص البند الرابع: تم التوقيع على هذا العقد من قبل الطرفين بعد تسليم البضاعة من قبل المستفيد إلى وكيل الطرفين (الناقلين) ويكون العقد نافذًا من تاريخه وتصبح البضاعة ملكًا للطرف الثاني وتحت مسئوليته، وفي المادة الخامسة: حيث أن الطرف الثاني هو الذي اختار وحدد مواصفات البضاعة فإن الطرف الأول ليس مسئولًا عن أي نقص في البضاعة أو اختلاف في مواصفاتها وأن مسئولية ذلك تقع على عاتق الطرف الثاني –أي العميل- طبقًا لما هو متعارف عليه دوليًا، -هذا بالنسبة للاعتماد المستندي في البنوك الربوية -، وفي المادة الثامنة: في حالة امتناع الطرف الثاني عن تسلم المستندات الوارد ذكرها في البند السابق أو تسلم البضاعة فمن حق الطرف الأول بيعها بالسعر السائد في حينه في بلد الوصول أو أي مكان آخر حسب ما يراه الطرف الأول ولحساب الطرف الثاني، أي أن يبيع لحساب الطرف الثاني وليس لحساب المصرف.
وهكذا وجدنا في هذا العقد أن الأساس عندما يرغب أحد في استيراد سلع عن طريق الاقتراض من بنك ربوي فإنه يتفق مع البنك على القرض وفائدته، أي الربا الذي يلتزم به تبعًا للزمن المتفق عليه، ويقوم البنك بفتح اعتماد مستندي للمقترض، ويستورد السلعة لحسابه، أي أنها تكون ملكًا للمقترض، غير أن المستندات تأتي للبنك ويسلمها للعميل بعد اتخاذ ما يراه من إجراءات، ويمكن أن تظل البضاعة رهنًا إلى أن تتم هذه الإجراءات، والبنك الربوي هنا يتعامل في مستندات تطابق شروط فتح الاعتماد، والتزامه يقف عند هذه المستندات ولا يتعداها إلى السلعة ذاتها..
وعندما قامت المصارف الإسلامية ورأت أن البديل الإسلامي كما سبق ذكره أن تقوم هي باستيراد السلعة لحسابها، ثم تبيعها بالأجل عن طريق بيع المرابحة فإنها تشتري لنفسها وتفتح الاعتماد المستندي لها وتتحمل تبعة الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد بعد التسليم، لكن وجدنا هنا أن المصرف يبيع قبل أن يحوز ورأينا أن العميل هو الذي يتحمل تبعة الهلاك قبل التسليم، ورأينا كذلك أنه حتى لو لم يتم تنفيذ العملية ونقول بأنه إلزام للوعد، أن البنك يكون مسئولًا عن الضرر، وجدنا أن العميل هو الذي يتحمل المصاريف التي دفعها المصرف، ولذلك لا أرى في هذا العقد أي فرق بين البنك الإسلامي والبنك الربوي حيث أنه يتعامل في مستندات فقط ولا يتعامل في سلعة، وإنما الذي يتحمل السلعة هو العميل.
هذا نموذج أوردته دون ذكر اسم البنك، ثم عرضت بعد ذلك النموذج الثاني وهو لمصرف قطر الإسلامي والنموذج بين أيدي حضراتكم ونلاحظ فيه أن عقد البيع لا يتم إلا بعد وصول البضاعة والمستندات وينص على هذا صراحة في الوعد وفي العقد، ففي الوعد: وعد الطرف الثاني "العميل" الطرف الأول "المصرف" بشراء البضاعة المبينة آنفًا وإبرام عقد البيع والشراء بمجرد إعلام الطرف الأول الطرف الثاني بأن البضاعة جاهزة للتسليم أو وصلت إلى ميناء كذا.. ووردت مستنداته، ولا يتم البيع إلا في هذه الحالة، وفي حالة امتناع الطرف الثاني عن تسلم البضاعة ما ذكرته من قبل عن الوعد والإلزام بالوعد أن قلنا هنا إذا خسر البنك شيئًا يلزم العميل به، وإذا لم يخسر ولم يربح العميل لا يلتزم بشيء وعلى كل حال هو يبيع البضاعة لأنها ملك وليست ملكًا للعميل كما جاء في النموذج الأول.
وفي عقد البيع ينص البند الثالث: تم التوقيع على هذا العقد من قبل الطرفين المنوه عنهما بعد التأكد من حيازة الطرف الأول لهذه البضاعة، فلا يتم العقد إلا بعد حيازة البضاعة.
إذن هذان نموذجان عمل بكل منهما في مصرف إسلامي أو أكثر، والاثنان أو الأكثر أخذًا بالفتوى التي صدرت عن مصرف قطر الإسلامي، ولذلك أرى أن الفتوى من الناحية النظرية وحدها لا تكفي، وإنما لابد من الإشارة إلى الجوانب العملية ولذلك عرضت بعض المسائل التي وجدتها في التطبيق العملي لبيع المرابحة. .
المسألة الأولى: في المرابحات الخارجية وجدت بعض المصارف تفتح الاعتماد المستندي باسم العميل، والأصل أن المصرف يفتح الاعتماد المستندي باسمه هو لأنه هو الذي يستورد ثم بعد أن يملك ويحوز ويبيع، وتأتي المستندات باسم العميل ومعنى هذا صراحة أن السلعة لا تدخل في ملك المصرف، وفي المرابحات المحلية قد يتفق العميل مع البائع وليس مع المصرف ثم يأتي للمصرف ليأخذ المبلغ الذي يريده، ويكتب عقد بيع المرابحة، ثم يقوم العميل بعد هذا بالشراء مباشرة من البائع.
فالمصرف باع قبل أن يملك ويحوز، بل لم تدخل السلعة في ملكه وحيازته بعد هذا، ولا أرى فرقًا بين مصرف إسلامي وبنك ربوي.
المسألة الثانية: بيع المرابحة عن طريق تظهير بوليصة الشحن ومستندات الشحن، وهذا يعني أنه لا حيازة، ولا ضمان، ولا تسليم ولا تسلم، ولا رؤية وأحيانًا يكون الشراء عن طريق التظهير، ثم يتم بيع مرابحة مرة أخرى عن طريق التظهير مرة أخرى، هذه مسألة أرجو أن يصدر مجمعكم الموقر رأيه فيها.
المسألة الثالثة: يوكل المصرف أحدًا بالشراء، وبعد أن يتم الشراء وتصبح السلعة أمانة في يد الوكيل، يطلب المصرف منه بيعها مرابحة بشروط معينة، وإذا رغب الوكيل في الشراء لنفسه بهذه الشروط جاز بموافقة المصرف، وإذا لم يرغب ولم يتمكن من بيعه بهذه الشروط، ظلت أمانة عنده هذه الفتوى أجازها المجمع في دورة من دوراته، وجدت مصرفًا يوكل غيره بالشراء، ويشترط على الوكيل أن يشتري لنفسه بمجرد شرائه للمصرف بشروط محددة للمرابحة، فتسلم الوكيل للسلعة المشتراه للمصرف، يعتبر في الوقت نفسه تسلمًا للسلعة، المبيعة من المصرف أفيجوز هذا؟ علمًا بأن المصرف يحتج هنا بفتوى المجمع السابقة وأرفق فتوى المجمع السابقة مع هذا التصرف.
المسألة الرابعة: ما دامت السلعة في ملك البائع ولم يتم البيع، فلا يجوز جعل الضمان على طالب الشراء، غير أننا وجدنا –في بعض الحالات- أن طالب الشراء هو الذي يقوم بالتأمين على السلعة التي يشتريها المصرف عند الشحن وقبل أن يتم بيع المرابحة، وأحيانًا يقوم المصرف بالتأمين ولكن بوليصة التأمين تصدر باسم طالب الشراء بدلًا من إصدارها باسم المصرف مالك السلعة، نرجو من مجمعكم الموقر أن يقول رأيه في هذا، لأننا نرى أن الضمان هنا مفروض على من يملك السلعة وهو المصرف وليس العميل. .
المسألة الخامسة: من المشكلات الكبرى التي تؤثر في مسيرة المصارف الإسلامية عدم التزام كثير من المدينين بدفع أقساط الديون في مواعيدها المتفق عليها، وقليل من هؤلاء ذو عسرة وأكثرهم يماطلون مع القدرة على الأداء نظرًا لأن المصارف الإسلامية لا تأخذ فوائد التأخير التي يلتزم بها هؤلاء مع البنوك الربوية، وكثير من المصارف لم تجد علاجًا لهذه المشكلة، ووجدت حلًا جزئيًا في اللجوء إلى المزيد من الضمانات، غير أن بعض المصارف لجأت إلى حلول أخرى نرجو أن يقول مجمعكم الموقر فيها رأيه، ونذكر منها ما يأتي:
عند عجز المدين (المشتري) عن الدفع وعلم المصرف بهذا رأينا المصرف بعد أن علم يقول المصرف: تقديرًا لظروف هذا العميل ورأفة به يدخل مع هذا المدين في شركة بقيمة الدين، وربما كان هذا التصرف يتعارض مع قول الحق تبارك وتعالى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} . [البقرة: 280]
النقطة الثانية: ومن المصارف من لجأ إلى إعادة الاتفاق على نسبة الربح بمعنى أنه باع مرابحة بربح معين، فلما وجد العميل تأخر عاد معه لاتفاق من جديد على نسبة الربح، بحيث تزيد هذه النسبة لصالح المصرف تبعًا للزمن الذي يتأجل إليه الدفع –ولعل هذا مثل إعادة جدولة إعادة الديون الربوية- وربما كان فيه شبه من المبدأ الجاهلي " إما أن تقضي وإما أن تربى"..
الحالة الثالثة: وبعض المصارف الإسلامية وهي ليست قليلة استحدثت إلزام المدين المماطل دفع تعويض عن الضرر الذي ألحقه بالمصرف نتيجة مماطلته، وحجز المال عن الاستثمار وتحقيق الربح، ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة، نبين فيها وجهة نظر القائلين بهذا الرأي، المدافعين عنه، وأثر هذا في التطبيق العملي، ورأى المجيزون أن الغني المماطل أوقع الضرر بالمصرف، فلولا مماطلته لضم هذا المال لباقي الأموال المستثمرة ويمكن أن يقدر الضرر بمقدار الربح الذي حققه المصرف فعلًا في مدة المماطلة، ولذلك أجازوا للمصرف أخذ تعويض بمقدار نسبة الربح التي كان يمكن أن يحققها دين المماطل لو استثمره المصرف، فمتى تبين المصرف الإسلامي أن المدين المماطل مليء غني أضاف إلى دينه نسبة تعادل النسبة التي حققها خلال مدة بقاء الدين في ذمته.
وقد ناقشت بعض هؤلاء المجيزين، ووجدتهم يستدلون بثلاثة أحاديث شريفة، وبالمصلحة المرسلة التي يرون أنها تتفق مع مقاصد التشريع الإسلامي، والأحاديث الثلاثة هي:
1-
((مطل الغني ظلم))
2-
((لي الواجد يحل عروضه وعقوبته))
3-
((لا ضرر ولا ضرار))
والأحاديث صحيحة منها ما هو متفق عليه الحديث الأول متفق عليه والحديث الثاني ذكره السيوطي وأشار إلى رواته وهم أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم ورمز للحديث بالصحة والثالث معروف، والحديثان الأول والثاني ظاهران في ظلم الغني المماطل، واستحقاقه للعقاب، وهما مما يحتج به، والعقوبة هنا تعزيرية، وذهب الجمهور إلى أن العقوبة هنا هي الحبس، وإن جاز في التعزير غيره كالضرب والتوبيخ، ومادام الهدف من العقوبة التعزيرية الردع والزجر وأداء الحقوق، وليس في العقوبة هنا حد مقرر، فالأمر إذن فيه متسع أمام القاضي أو ولي الأمر، فقد يرى في التوبيخ الكفاية، وقد يرى ضرورة الضرب مع الحبس، والأمر لا يستدعي كبير خلاف مادام الحكم يصدر من عادل غير محكم للهوى والتشهي، والحديث الثالث ينهى عن الضرر، ومن القواعد التشريعية المعروفة أن الضرر يزال، والمصرف لحقه ضرر فيجب أن يزال.
ومن المعروف أن الدائن ليس له إلا دينه، سواء أأخذه وقت استحقاقه أم بعد مدة المطل، وما أجاز أحد من الفقهاء أن يدفع المدين قدرًا زائدًا عن الدين كعقوبة تعزيرية، ولو قيل: يدفع مقابل الزمن، فهذا هو عين الربا: قال المجيزون ردًا على هذا: إن المصلحة تقتضي منع المماطل من استغلال أموال المسلمين ظلمًا وعدوانًا، وإذا كانت الفائدة الربوية تمنع المطل مع البنوك الربوية، فإن الإسلام لا يعجز عن أن يوجد حلًا لمشكلة المطل التي تعاني منها المصارف الإسلامية، وإذا كان الفقهاء السابقون رأوا أن تكون العقوبة الحبس، وهذا غير مطبق الآن، فعلى فقهاء العصر أن يجتهدوا لإيجاد حل، ثم أضافوا: والقدر الذي نرى أن يتحمله المماطل هو ما يقابل الربح الفعلي للمصرف، فهذا ليس من باب الربا، ولكنه من باب منع الضرر الذي يلحق بالمصرف وربما كان من الصعب –تعقيبًا على قول هؤلاء ربما كان من الصعب- التفرقة بين ما ذهب إليه هؤلاء وبين الربا، ويبقى هنا كذلك أن نسأل: ما الهدف من العقوبة التعزيرية؟ ومن الذي يحدد هذه العقوبة؟ ومن الذي يأمر بإيقاعها؟ أو يقوم بتنفيذها؟ أفيمكن أن يكون شيء من هذا للمصرف؟ لو جاز أن يكون للمصرف استحداث عقوبة تعزيرية يوقعها بالعميل وهي تشبه بالربا، إن لم تكون هي الربا، بعينه، فمن باب أولى أن يكون له الحق في العقوبة التعزيرية المقررة كالحبس أو الضرب. .
ونأتي إلى الجانب التطبيقي لنرى هل تحقق الهدف من هذه العقوبة؟ بعض المصارف رأت أن المتعاملين معها الذين لا يؤدون الأقساط في مواعيدها بلغوا من الكثرة حدًا يصعب معه النظر في كل حاجة، والتفرقة بين مطل الغني وعجز الفقير، كما توجد عوامل أخرى تزيد الأمر صعوبة، ولذلك عند تأخير أي مدين –وهذا أمر وقع في أكثر من مصرف- ولذلك عند تأخر أي مدين عن الأداء يضاف على دينه ما يقابل الربح الذي يعلنه المصرف في حينه، ولا يستطيع أي أحد أن يفرق بين هذا وبين الربا المحرم، وقد يقال أن هذا خطأ في التطبيق لا في الفتوى، ولكن على المفتي أن ينظر إلى ما يمكن تطبيقه، وبعض المصارف الأخرى تمسكت بنص الفتوى، فكانت ترسل للعميل أولًا حتى تتأكد من المطل قبل إنزال العقوبة.
ويلاحظ هنا أن الأرباح التي تحققها المصارف الإسلامية أقل من الفوائد الربوية في أوقات كثيرة، فالذين يستحلون هذه الفوائد استمروا في مطلهم غير عابئين بما يضيفه المصرف الإسلامي، وبذلك تحولت العقوبة التعزيرية إلى زيادة ترتبط بربح المصرف والزمن، ورضي بهذا الطرفان، فهل تحقق الهدف من العقوبة التعزيرية أم تحولت العقوبة إلى نوع جديد من الربا؟
ويبقى هنا أيضًا أن نسأل: إذا لم يكن هذا التصرف مشروعًا –وأظنه غير مشروع- فهل نجد عند مجمعكم الموقر حلًا لمشكلة الأموال الضخمة التي يستحلها الأغنياء القادرون المماطلون؟ نرجو أن يتسع وقت المجمع لبحث هذا الموضوع، هذا من الناحية التطبيقية وأن لا يكتفي المجمع بإذن الله تعالى على المسائل النظرية فقط.
والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وشكر الله لكم جميعًا. .
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
تناول الأستاذ مقدم الموضوع، تناول عدة موضوعات ولم يسر على الطريقة التي كنا نتوقعها ونبه إليها الأستاذ رئيس المجلس من أن يعرض علينا ما ورد في البحوث والموضوعات التي تناولها كثيرة ولا يمكن بحثها في هاتين الساعتين ولذلك سأركز حديثي على الناحية النظرية وعلى جوانب خاصة منها، وسأحاول أن أربط بين ما دار في الجلسة الماضية في الحديث عن الوعد باعتباره تمهيدًا للحديث عن بيع المرابحة للآمر بالشراء بقدر الإمكان.
أهم نقطة في الواقع في بيع المرابحة للآمر بالشراء التي يجب أن يصدر فيها المجلس قرارًا هي موضوع الإلزام، أو عدم الإلزام بالوعد الذي صدر من البنك وصدر من العميل، كما سمعنا في تكييف هذه المعاملة أن العميل يطلب من البنك أن يشتري السلعة ويبيعها له، ويعده بأن يشتريها إذا قدمها إليه البنك، وكذلك البنك يعد من جانبه أن يشتري السلعة ويبيعها لهذا العميل، لكي نصل إلى الحكم الصحيح في هل هذا الوعد من جانب البنك، والوعد المقابل له من جانب العميل هل هناك إلزام أم ليس هناك إلزام؟
في الموضوع السابق فرق الأستاذ نزيه بين الوعد والمواعدة والعدة، وهذه نقطة في غاية الأهمية وهي المفتاح لحل هذه القضية "قضية الإلزام أو عدمها" وإن كنت لا أتفق مع الأستاذ نزيه في التفرقة الثلاثية هذه، وإنما التفرقة ثنائية فقط، هي تفرقة بين العدة والوعد من جانب، والمواعدة من الجانب الآخر، لأني لم أجد فرقًا بين العدة والوعد، إلا أنه قال: وصحيح هذا أن المالكية يستعملون كلمة عدة أكثر من استعمالهم لكلمة وعد، لكن الحكم واحد عندهم. .
الفرق الهام بين الوعد والعدة وبين المواعدة هو أن العدة أو الوعد تكون من جانب واحد، ومادامت من جانب واحد فهي لا تكون إلا بمعروف، لا تكون إلا تبرعًا، فالذين قالوا إنه إذا كان حتى على أكثر الآراء في مسألة اللزوم ولنأخذ به أن هذه العدة التي تصدر من جانب واحد ملزمة لهذا الشخص الذي صدرت منه، قال بعض الأخوة وهم أكثر من واحد إنها إذا كانت واجبة في التبرعات فمن باب أولى تكون واجبة في المعاوضات، وهذا كلام غريب في الواقع بالنسبة لي لأنه إذا كانت هذه العدة لا تصدر إلا من جانب واحد، فكيف تكون في المعاوضات؟ لا يمكن، ولا يمكن أن نجد مثالًا واحدًا لعدة في المعوضات، هي دائمًا تبرعات، بأي صفة صدرت، يدفع له مالًا يعمل عملًا، حتى من ناحية الوعد سواء دخل في السبب أم لم يدخل، كان هناك سبب أو لم يكن، هي كلها وفي جميع صورها تبرع محض، فلا محل للقول بأنها إذا كانت لازمة في التبرعات فهي ألزم منها في المعاوضات، هذا ما يتعلق بالعدة ولنأخذ بالقول بالإلزام ديانة وقضاء وفي جميع الأحوال، لكن هذا كله لا ينفعنا في موضوع البيع المرابحة يدخل في القسم الثاني وهي المواعدة، والمواعدة هذه تكون من جانبين، هي عدة من جانبين، من البنك ومن العميل، فلا يصح إطلاقًا أن نطبق عليها حكم العدة، وهذا هو السبب الذي أوقع بعض الأخوة في الخطأ وفي الاستدلال بمذهب الإمام مالك في وجوب الوفاء بالوعد.
فإذا أخرجنا موضوع بيع المرابحة للآمر بالشراء من باب العدة أو الوعد واتفقنا على هذا نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا في حل هذه المسألة، ولنأت بعد ذلك إلى المواعدة، أي وعد من الجانبين: هل هو ملزم أو غير ملزم؟ مذهب المالكية صريح في هذا وقد تحدثوا عن العدة كما تحدثوا عن المواعدة، وأحد الإخوان أشار إلى قاعدة المواعدة، هذه قاعدة عندهم أقرأ لكم نصها:"القاعدة الخامسة والستون: الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية" وشرح هذه القاعدة كما جاء في "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك": ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة لأنه لا يصح الزواج وعلى بيع الطعام قبل قبضه لأنه لا يجوز ووقت نداء الجمعة وعلى ما ليس عندك، وهذا هو محط الشاهد: الإمام مالك والمالكية جميعًا يمنعون المواعدة على ما ليس عندك وهذا هو بيع المرابحة للآمر بالشراء بنصه، لا يختلف عنه في شيء بتاتًا، البنك يعد بأن يبيع السلعة لطالبها، وطالب السلعة يعد بأن يشتريها، وأحب أن أنبه إلى نقطة هنا، المالكية عندما قالوا هذا الكلام، وهذه القاعدة تعني أن هذا لا يجوز في حال الإلزام "الإلزام بهذه المواعدة" لأنا لو ألزمنا كلا من الطرفين بتنفيذ وعده تكون بيعًا، وليست مواعدة، وهذا البيع لا يجوز إنشاؤه في الحال، لا يجوز أن يقول البنك للعميل الذي يطلب لسلعة ليست عند العميل: بعتك السلعة الفلانية التي طلبتها بمبلغ كذا، ويقول له الطالب قبلت، ثم يذهب البنك فيشتريها ويقدمها له. .
هذا هو معنى هذه القاعدة: المواعدة لا تصح بما لا يصح وقوعه في الحال، كما لا يصح أن أبيع ما لا أملك، كذلك لا يصح أن أعد بأن أبيع ما لا أملك مع التزام كل من الطرفين بهذا الوعد، هذا هو ما فهمته من هذه القاعدة.
والقاعدة تعني أيضًا أن هذه المواعدة يمكن أن تقع صحيحة إذا كان الشيء الموعود أو المتواعد عليه يصح وقوعه في الحال، إذا كان المال الذي أريد أن أبيعه عندي لا مانع من هذه المواعدة عند المالكية.
فإذن أنا أريد –وأطلت في هذا- لأدفع به قول من يستشهد بالإلزام في بيع المرابحة بمذهب المالكية، فمذهب المالكية قطعًا لا يجيز هذا، بل إن المالكية قد تطرقوا إلى هذه المسألة تحت باب "العينة" والدكتور بكر كتب في هذا ونقل كل نصوص المالكية في هذه المسألة، وحسب مذهب المالكية فإن المعاملة القائمة بين البنوك بحسب الجزئيات التي ذكروها زيادة على هذه القاعدة العامة لا تجوز، بل أن هذه المسألة ذكرها الإمام مالك في الموطأ، وبالمناسبة أن بيع المرابحة للآمر بهذا ليس أمرًا مستحدثًا، هي التسمية بهذا الشكل هي المستحدثة أما البيع فهو معروف وأقرأ لكم عبارة الإمام مالك في الموطأ:"روي مالك في الموطأ أنه بلغه أن رجلًا قال لرجل ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه" الإمام مالك أورد هذه العبارة في باب "بيعتان في بيعة"، وقد علق شراح الموطأ ومنهم الباجي على هذه المسألة بقوله: ولا يمنع أن يوصف بذلك من وجهة أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمن بيعتين، إحداهما الأولى وهي بالنقد، والثانية المؤجلة، وفيها مع ذلك بيع ما ليس عنده، وهذا هو المهم عندي وهو الصفة الواضحة في هذه المسألة لأن المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه، ثم يستطرد ويقول: وفيها سلف وزيادة.. الخ، فذكر أكثر من دليل على المنع وأوضح هذه الأدلة على المنع هو أن هذا البائع قد باع قبل أن يملك، وواضح من عبارة الإمام مالك ومن شرح الباجي أن هذا إذا كان على الإلزام، أما إذا كان ليس على الإلزام ولو على طرف واحد، على المشتري أنه بالخيار فلا مانع من هذا وخاصة كما تعلمون أن مذهب المالكية أنه عنده الخيار قد يدخل كثير من العقود فيجعلها صحيحة مقبولة وإن كانت في الأصل لو كانت على الإلزام لا تكون مقبولة، أما إذا جعل فيها الخيار لأحد الطرفين تكون مقبولة.
ويعللون هذا بأن دخول الخيار يخرجها من باب المكايسة والمغالبة إلى باب المكارمة، مادام أعطى أحد الطرفين الآخر الخيار فقد جعله في حل وسعة، ولهذا فتفسير هذا المنع هو في حال الإلزام.
ولذلك الرأي أو الفتوى التي يسير عليها بنك فيصل الإسلامي في السودان هي أن العميل أو طالب الشراء أو الآمر بالشراء بالخيار بين أن يشتري السلعة بعد أن يقدمها له البنك أو يتركها إذا شاء، وقد نص على هذا صراحة في عقد المرابحة للآمر بالشراء، في المرحلة الأولى: إن البنك وعد بأن يشتري السلعة ويبيعها لطالبها إذا رغب فيها ثم بعد ذلك يتم عقد البيع، يقدم البنك السلعة بعد أن يشتريها ويتملكها ويقبض، يقدمها لطالبها، فإن شاء قبلها وإن شاء ردها، وهذا الذي عليه العمل في بنك فيصل الإسلامي السوداني يختلف عما عليه العمل في بعض البنوك الأخرى، وهو أيضًا ما عليه العمل في كل البنوك في السودان، ما عدا بنكًا واحدًا أخذ بنظرية الإلزام.
قرأت في بعض بحوث الإخوة المعارضين للإلزام –وأنا أتفق معهم ولعله سيبين رأيه في هذا الأستاذ رفيق المصري- بحثًا جيدًا قدمه وهو لمعارضي الإلزام وأنا أتفق معه في كل ما قاله بالنسبة لرد حجج من يقول بالإلزام ويقول بعدم الإلزام، لكنه ذهب إلى أبعد من هذا فمنع الإلزام فقال بعدم الإلزام من الجانبين أو هذا هو ما فهمته من بحثه.
واعترض على ما يسير عليه العمل في بنك فيصل الإسلامي من أنه يعطي الخيار للمشتري ويمنعه للمصرف، أي يلزم البنك، وهذا هو ما عليه، يعني البنك إذا اشترى السلعة هو غير ملزم بشراء السلعة لكنه إذا اشترى السلعة هو ملزم بأن يقدمها أولًا لطالبها، فإذا قبله فهو أولى بها وليس له أن يبيعها لغيره، لكن العميل هو الذي بالخيار، وهذا الذي سار عليه بنك فيصل مأخوذ من نصوص فقهية معتمدة أوضحها وأولها هو كلام الإمام الشافعي: جاء في الأم كلام صريح في جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء إذ كان الآمر هذا بالخيار، ومنع منعًا صريحًا أن يكون هناك إلزام على الطرفين، واسمحوا أن أقرأ لكم هذا النص، يقول الإمام الشافعي:"وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال: أشتر هذا وأربحك فيها كذا"، هذا هو بيع المرابحة للآمر بالشراء، اشتر هذه أمر.
وفي الباقي القليل الرد على بعض ما جاء في بعض البحوث من أن هذه التسمية غير مقبولة وغير سليمة وهي تسمية معروفة وليست بالابتداع (حتى الدكتور سامي) فالإمام الشافعي يصورها لنا، اشتر أمر، أمره بأن يشتري له السلعة وقال له: أربحك فيها، فكل ما فعله الدكتور سامي أنه صاغ هذه العبارة في عبارة موجزة ومقبولة، وبعض الفقهاء يعبر بالطلب: مثلًا ورد في مختصر خليل: (جاز للمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بنماء ولو بمؤجل) استعمل كلمة طالب بدل آمر، كل هذا سواء، فالإمام الشافعي يقول: اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز، شراء الأول والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعًا وإن شاء تركه، وهذا نص قاطع في الموضوع، أن المشتري الآمر إذا كان بالخيار فالبيع صحيح، ثم يمضي الشافعي فيقول: وهكذا يقال اشتر لي متاعًا ووصفه له، أو متاعًا أي متاع شئت حتى ولو لم يصفه لأنه بالخيار، لكن الذي عليه العمل في البنوك أنه يوصف ويحدد الثمن، فكل هذا سواء يجوز البيع الأول ويكون فيما أعطي من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال: ابتعه واشتريه منك بنقد أو بدين جاز، وإن تبايعا إن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ، وهذا هو الذي جعلنا نمنع الإلزام من الجانبين، فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنهما تبايعا قبل تملكه، وهذه الحجة التي اعتمدنا عليها، من صريح كلام الشافعي، والثاني أنه على مخاطرة انك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا، ولعل هذا أقوى دليل على جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا جعل للمشتري الخيار.
بعض الإخوة فهم من عبارة الشافعي هذه أن الخيار لابد أن يكون للطرفين، وليس فيها ما يدل على ذلك، لأن أولها صريح وكل ما قد يطرأ منه التباس هو هذه العبارة:"ويكونان في الخيار في البيع الآخر" يكونان في الخيار هذه، إذا فهمناها في سياق هذا النص كله لا تعني أن كلًا منهما يكون في الخيار، هو البيع في جملته بيع خيار يكون لأحدهم الخيار، هذا يكفي بدليل العبارة التي بعدها "وإن تبايعا على أن ألزما أنفسهما" إذا ألزم أحد الطرفين نفسه ولم يلزم الآخر فلا مانع من هذا أيضًا، على أنه هنا نقطة أحب أن أبينها وهي: في الواقع الصور التي تسير عليها البنوك في الإلزام وعدمه ثلاث وليست صورتين كما ذكر بعض الأخوة –الدكتور رفيق أظن في بحثه أيضًا- بعض البنوك تلزم البنك بالشراء والبيع لطالبه وتلزم المشتري بالشراء، وأظن هذا ما ذهب إليه الدكتور سامي لأنه يوجب التعويض على البنك إذا لم يف بوعده، الصورة الثانية أو البنوك الثانية: تلزم البنك البيع إذا اشترى السلعة أما إذا لم يشترها فلا إلزام عليه، لكن لو اشتراها يجب عليه أن يبيعها لطالبها وعلى طالبها أن يشتريها، الحالة الثالثة والتي عليها بنك فيصل الإسلامي في السودان أن البنك أيضًا غير ملزم بشراء السلعة لكنه إذا اشتراها يلزم ببيعها للمشتري لطالب الشراء، وطالب الشراء غير ملزم.
نقطة صغيرة –وأظن أني أطلت وأحب أن أختصر وأنتهي- الدكتور سامي في حديثه في الجلسة الماضية قال: إذا لم يجب التنفيذ قضاء، وأظن أن هذه عبارته "يجب التعويض"، فكأنه يريد أن ينقلنا ويقول مادمتم لا تريدون أن يكون هذا الوعد ملزمًا قضاء ولا تلزمون البنك بالتنفيذ أو لا تلزمون المشتري بالتنفيذ، فيجب التعويض إذا أخل أحد الطرفين فلم يف بوعده، نقول له: هذا غير ممكن، كيف تطالب بتعويض في أمر، في عقد، في تصرف ممنوع؟ التصرف في أصله غير جائز، فكيف ينبني عليه المطالبة بالتعويض؟ يعني إذا دخل من أول مرة المصرف والمشتري على أنهما ملزمان فلا يمكن أن يأتي التعويض هنا، وأكتفي بهذا وشكرًا لكم.
.
الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحقيقة أنه الآن ينطبق علينا قول الشاعر:
من يتبع القدماء أعاد حديثهم
بعد الفشو وضل إن لم يتبع
أرى أنه يشفع لي في التدخل قول الشاعر الآخر:
والسامرون إذا طال الجلوس بهم
ظنوا التسامر في أولى البدايات
البيت الأخير قلت معناه، كنت أريد أن أتدخل في الصباح على عرض الدكتور نزيه والذي اتفق مع الشيخ وهبه في أنه عرض موثق توثيقًا جيدًا واستعرض لمختلف الآراء.
إلا أن الملاحظة الشكلية التي أوجهها إليه ويمكن أن توجه لكثير من العروض هو أننا عند استعراضنا لمختلف أقوال الفقهاء في قضايا حساسة تشد تطلعات شباب الأمة الإسلامية إليها، ينبغي أن نعطي آراء تشكل مصادر استئناس للجان الصياغة عندما تحاول إعداد مقررات هذا المجمع المحترم.
فالوعد نقل فيه الحافظ بن حجر القول الصحيح والذي لا يمكن أن نتجاوزه حيث قال: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به من الغرماء، ثم أضاف: ولم ينقل أي إجماع في ذلك ومن قال به فهو مردود بخلاف المشهور، "فتح الباري جزء 6 صفحة 207 الطبعة الحلبية".
فإن الوعد هنا يتفق تمامًا مع ما يعرف في الفقه الغربي بقيام الوجوب، أو الفترة التي يبقى فيها الإيجاب قائمًا، علمًا بأنهم قرروا وهذا التقرير موجود حتى في الفقه الإسلامي وهم أخذوه منه، وقد حللته في رسالتي للدكتوراه "تأثر مصادر الالتزام الغربي في الفقه الإسلامي" هو على أن الإيجاب القائم لا يلزم إلا من وافق عليه ونزل عليه الإيجاب، أما الوعد بالبيع فلا يسمى بيعًا، إلا أن الإنسان إذا وافق على وعد وجهه إليه الواعد أصبح ملزمًا بأداء ما وافق عليه، فإذا نحن قلنا اليوم من منطلق هذا المجمع الفقهي العظيم أن الوعد نافذ على صاحبه وينبغي أن يسال عنه قضاء أضفنا قاعدة جديدة استخلصناها من كلام الفقهاء، ولو كنا أخذنا بشطر الخلاف استجابة للمصالح المتجددة وسدًا للذرائع وخشية أن يصبح الناس في متاهات من المشاكل التي تطرأ بينهم في مثل هذه المواعيد، هذا ما أقوله عن الوعد.
أما المرابحة: فالمرابحة بشكلها الحالي الموضوع في المجمع فهو تعبير جديد أضيف إلى بيع المرابحة المعلوم، وبيع المرابحة المعلوم قال فيه ابن رشد: أجمع جمهور العلماء على أن البيع صنفان: مساومة، ومرابحة، وأن المرابحة هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحًا ما بالدينار أو الدرهم، ثم حلل خلاف العلماء في أنواع الزيادات التي يمكن أن تحسب من رأس المال وتلك التي لا يمكن أن تحسب منه، واستطرد كلام المالكية في هذا الموضوع حيث قالوا: إن البعض من الأعمال اليسيرة التي يقوم بها الشخص لا يمكن أن تحسب من رأس المال عندما يريد أن يبيع فلا يقول: اشتريته بكذا، ولكن يقول: قام علي بكذا وهذا متفق مع مذهب المالكية، وإذا نحن نظرنا إلى ما قاله المنتقي في الجزء الخامس حول المرابحة لوجدنا أنه حللها تحليلًا قيمًا لا يتفق وبعض ما نسب إلى المالكية فيما سمعته من عروض قيمة ألقيت هنا بأنهم حظروا بأن يبيع شخص مجهولًا لشخص آخر وأجازوا أن بيع شخص الشيء المعلوم لشخص آخر بثمن معلوم على أن لا يكون وقت الأداء معروفًا، والمدونة تعرض لاثنتين وثلاثين قضية تهم بيع المرابحة، اثنتين وثلاثين قضية التي تعرضت لها المدونة، منها ما يطرأ على البضاعة من الزيادة وما يمكن أن يضاف إليها، والتحسينات التي يقوم بها الشخص عندما يريد أن يبيع بيع مرابحة، والشيخ خليل في كتابه "المختصر" خصص فصلًا خاصًا للمرابحة حيث أجازها وحذر من المجهول في شأنها فقال:[وجاز مرابحة والأحب خلافه ولو على مقوم مطلقًا أو إن كان عند المشتري تأويلان، وحسب ربح ماله عين قائمة كصبغ وطرز وخياطة وغير ذلك] .
فعندما تعرض لهذه الأنواع شارحه الحطاب بين الحظر الكامل الذي يمكن أن يقع في بيع المجهول، أما ما يذكر اليوم من بيع المرابحة للآمر بالشراء أو الوعد للآمر بالشراء كما رأينا في الجزء السابق من المحاضرات فالصيغة المطروح بها اليوم هو بيع دين بدين، وبيع الدين بالدين معلوم، فالذي ينبغي في نظري أن نخرج منه من هذه البحوث، هو أن على المجمع الموقر عندما تتعارض أقوال الفقهاء أن يستخلص لنا القواعد التي يمكن أن يحتج بها أمام القضاء، وأرجح وأؤكد على أولئك الذين قالوا بتدوين قواعد إلزام الوعد لمن وعد به، وعلى بيع المرابحة، ولكن في النظريات الفقهية لا نضيف إليها شيئًا يحلل لنا الربا وندخل تحت المسميات، فنكون هدرنا الشريعة الإسلامية عن طريق مسميات لم تعرف من قبل ولم تستخلص من نظريات الشريعة بأسلوب واضح ومركز، وشكرًا لكم.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.
فإن الموضوعات أرى أنها قد اشتبكت ولكنني أريد أن أمر مرًا سريعًا على النقاط المهمة التي طرحت أمامنا اليوم.
أولًا بالنسبة للوعد الملزم قد جرى الحديث عنه وقد ذكر كثير من الاخوة أنه يقترح إلزام الوعد لتحيل على الربا الجاري في المصارف ولكنني أريد أن ألفت أنظاركم إلى أن هذه المسألة ليست خاصة بالمصارف الإسلامية فحسب، وإنما هي مسألة مهمة بالنظر إلى التجارة العامة، ولو فرضنا –ولو قطعنا النظر عن المصرف- وفرضنا أن هنالك تاجرًا عاديًا يستورد البضاعات من الخارج، يأتيه أحد ويقول: استورد لي بضاعة كذا، أو أجهزة أو معدات من الخارج، فإني أشتريها منك، ومعلوم أن الأجهزة والمعدات واستيرادها من الخارج ربما يكلف الملايين، فلو استورد هذا التاجر هذه البضاعات أو الأجهزة أو المعدات من اجل هذا المشتري وكلفه الملايين من الروبيات مثلًا، فإذا بذلك المشتري يقول: أنا لا أقبل هذا الشراء، أنا لا أفي بوعدي بالشراء، مع أن هذه الأجهزة والمعدات كانت ملائمة لظروفه، وإنما صنعت من أجله، فلو قطعنا النظر عن المصارف فإن مسألة الوعد الملزم تعرض لنا في التجارات العامة الأخرى أيضًا فإذا نظرنا إلى هذه المسألة من هذا المنظار، فأريد أن ألفت أنظاركم إلى ما ذكره بعض الأخوة عن أن الوعد عند المالكية إنما يختص في التبرعات ولا يوجد في المعاوضات، والحمد لله عندنا ثلة جليلة من علماء المالكية وفقهائهم، ولست أدعي أني أعلم أكثر منهم بمذهب المالكية، ولكن عندي كتاب للإمام الحطاب رحمه الله "تحليل الكلام في مسائل الالتزام" وقد ذكر في هذا الكتاب عدة فروع يبدو أنها تتعلق بالمعاملات والمعاوضات، ومع ذلك فإنه أفتى في ذلك بلزوم الوعد، ومن هذا صورة واحدة وهي في بيع المزايدة، في بيع من يزيد، جاء واحد وقال لآخر كف عني –يعني كف عني في المزايدة- ولك دينار جاز ذلك، ولزمه اشتري أو لم يشتر، ثم يقول ولو قال كف عني ولك نصفها على سبيل الشركة لجاز أيضًا، يعني لو كف عن المزايدة، فإن وعده بأن ما يشتريه من تلك المزايدة يجلس فيها شركة، شركة الملك معه، فهذه أحداث شركة الملك عقد معاوضة وعقد مالي، ووعده بذلك العقد المالي، ويقول ابن رشد رحمه الله لجاز أيضًا، فلو لم يكن الوعد ملزمًا في المعاوضات لا أرى مبررًا لهذه الجزئية التي ذكرها الحطاب عن ابن رشد في هذا الكتاب.
فالمطلوب من السادة فقهاء المالكية شرح هذه المسألة، ثم لو قطعنا النظر عن مذهب المالكية فإن عند الحنفية رحمهم الله نظرية مشروحة في كتبهم وهي أن المواعيد ربما تجعل لازمة لحاجات الناس، وقد ذكروا هذه القاعدة في ضمن البيع بالوفاء، حينما وعد الرجل بالوفاء فإن ذلك وعد محض ولكن ذكر كثير من فقهاء الحنفية أن هذا الوعد ملزم، وعلى أساس هذه الجزئية جاءت مادة في مجلة الأحكام العدلية تقول: إن المواعيد ربما تجعل لازمة لحاجة الناس.
ثم هناك ناحية أخرى لم يذكرها الباحثون، وهي أن الوعد سواء، إن كان واجبًا أو مندوبًا أو مستحبًا، فإنه لا يقل عن أن يكون مباحًا، ومن المعروف أنه لو ألزم ولي الأمر مباحًا على الشعب فإنه يكون واجبًا عليه، فلو ألزم ولي الأمر إيفاء الوعد في هذه المعاملات نظرًا إلى المصلحة الشرعية، لا أرى في القرآن ولا في السنة والدلائل الشرعية الأخرى ما يمنع ذلك، هذا بالنسبة لمسألة الوعد.
أما عقد عملية المرابحة كما تجريه الآن المصارف الإسلامية، فأتفق مع الذين ذكروا أن هذه المعاملة إنما تجوز بشروطها، والشرط الأول: أن تكون المعاملة في البضاعة حقيقة لا في النقود، والثانية: أن يقع عقد المرابحة بين المصرف وبين العميل بعد أن يمتلك البنك البضاعة وتأتي في حيازته وضمانه، سواء كان عن طريق القبض الحسي أو المعنوي، وسواء كان مباشرة من البنك أو من وكيله المنصوب لهذا الغرض، وأن يتحمل البنك تبعة الهلاك قبل تسليمها إلى العميل كما ذكره أخونا الأستاذ علي السالوس حفظه الله، والثالث: أن يكون كل من الأجل والثمن معلومًا لدى الجانبين وقت العقد، ولا يكون هناك تردد في الثمن ولا في الأجل، والرابع: أن يكون الثمن لا يزيد في حالة عدم أدائه في الوقت المحدد ولا ينقص في حالة أدائه قبل الموعد المحدد، وأما تعويض البنك في حالة تقصير العميل في أداء ثمنه في وقته المحدد كما يجري في كثير من البنوك الإسلامية، فلي في ذلك وقفة، لأن هذا التعويض في نظري لا يدخل تحت أصل شرعي، ولكن قد ذكر الحطاب رحمه الله في نفس هذا الكتاب مسألة يمكن أن تصبح بديلًا لهذا التعويض، ويمكن أن يكون هذا البديل أكثر أثرًا على العملاء، وهي أن الحطاب رحمه الله قد ذكر أنه لو قال المستقرض: إن لم أوفك هذا القرض في وقته المحدد فإني أدفع مبلغًا كذا إلى الفقراء أو أدفع مبلغ كذا إلى رجل آخر غير المقرض، فإن ذلك يجوز عند جميع المالكية ديانة وعند بعضهم قضاء أيضًا، وأقرأ عليكم نصًا من الحطاب رحمه الله: وأما إذا التزم المدعى عليه للمدعي أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وأما إذا التزم أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا، فعليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وأما إذا التزم أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا، فعليه كذا وكذا لفلان، أو صدقة للمساكين، فهذا هو محل الخلاف، والمشهور أنه لا يقضى به، وقال ابن دينار: يقضى به، فلو أخذنا بقول ابن دينار لأن مقصود البنك من فرض التعويض هو الضغط على العميل بأن يوفي الثمن في وقته المحدد ويمكن هذا الضغط بهذا الطريق.
ومع هذا أريد أن أنبه إلى ناحية أخرى مهمة في هذا الصدد، وذلك أن عقد المرابحة بعد توفر الشروط التي ذكرتها وإن كانت تدخل في إطار الجواز الفقهي ولكنه في نظري ليس بديلًا مثاليًا للنظام الربوي، ولئن اكتفت المصارف الإسلامية بهذا العقد في سائر مداولاتها، أو في معظمها، فأخشى أن لا يبقى فرق عملي بين النظام الربوي وبين النظام الإسلامي، لأن ما يجري في البنوك الإسلامية اليوم هو أنه يحدد ربحه في عقود المرابحة بعين ذلك الأساس الذي تحدد به البنوك الربوية فائدتها، فكان البنك في النظام الربوي يأخذ خمس عشرة في المائة على القروض فلو أدر مشروع العميل ربح خمسين في المائة فإن نصيب البنك منه لا يجاوز خمسة عشرة في المائة، والخمسة والثلاثون الباقية كلها للعميل، والنتيجة هي هي في عقود المرابحة أيضًا، فإنه ليس نصيب البنك في هذه العقود إلا خمس عشرة في المائة، فتعديل عمليات البنوك من سعر الفائدة إلى عقد المرابحة وإجراء جميع عملياتها على هذا المنهج وإن كان يدخل في إطار الجواز الفقهي ولكنه لا يغير من وضع توزيع الثروة شيئًا، فالبديل الحقيقي للنظام الربوي هو الشركة والمضاربة فإنه هو الذي يضمن التوزيع العادل فيما بين البنك والعميل.
فالذي أراه أنه لو أصدر المجمع قرارًا لجواز عقد المرابحة فينبغي أن يصرح فيه بأن البنك لا ينبغي له أن يجري هذه العمليات إلا فيما لا يمكن فيه المضاربة والشركة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
ترقع الجلسة الآن لأداء صلاة الظهر ثم نعود إن شاء الله تعالى بعد الصلاة مباشرة لاستكمالها وشكرًا. .
بعد الصلاة:
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم.
إذا سمح لي الأخوة الكرام أحب أن أقدم لحديثي ببعض الملاحظات: نحن في هذا المجمع الكريم عندما نتصدى لهذه القضية يجب أن نتصدى لها في إطار أصل المسألة المطروح وهو أننا نحاول أن نضع صيغًا جديدة في مجال المعاملات المصرفية ونبذل في هذا المجال جهدًا في التحرير والتخريج والقياس والاجتهاد، يعني نحن لسنا في صدد بحوث فقهية تعالج جزئيات هنا وهناك لننتهي إلى ماذا ذهب المذهب الفلاني؟ أو إلى ماذا قال الفقيه الفلاني؟ فنحن أمام محاولة اجتهادية جماعية لاستحداث صور جديدة تعالج مشكلات الناس وقضاياهم الملحة، نحن أمام غزو ربوي مركز أثارنا جميعًا بلا استثناء، مواجهة هذا التعامل الربوي الذي يجتاح واقعنا: كيف نواجهه؟ جاءت فكرة البنوك الإسلامية، بدأت البنوك الإسلامية بالعمل بصيغ متعددة، هذه الصيغ يجب أن نقومها في إطار ما استحدثت من أجله وما بحثت من أجله هل هي وسائل للتحايل على الربا؟ هل هي تحقق منهج الشرعية الإسلامية في استثمار الأموال وتحقيق الأرباح؟ هل هذه الصور الجديدة ببعض تفصيلاتها أم بكل تفصيلاتها؟ هل هناك ما يمنع شرعًا من استحداث عقود جديدة ذات مواصفات محددة، شريطة أن لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالًا؟ هذه الأمور في الواقع هي التي يجب أن تكون في الذهن ونحن نتصدى ونعالج هذا الموضوع.
الواقع عندما بحث موضوع بيع المرابحة للآمر بالشراء وضعت له شروط دقيقة كان القصد منها هو أن لا نتقلب هذه المعاملة في التطبيق إلى نوع من التمويل بدون مخاطر وبتحقيق زيادات على أصل التمويل وبحيث يكون دخول البنك الإسلامي المؤسسة المصرفية الإسلامية على هذا الخط فيه نوع من المخاطرة والتعرض لاحتمالات الربح والخسارة، ومن هنا جاء الشرط الأساسي في هذه القضية وهي أن السلعة يجب أن تدخل في ملك البنك وضمانه دخولًا فعليًا، يعرضه لاحتمالات الربح والخسارة وإنه في اللحظة التي تتولد صوره في التطبيق تنفي هذا الأصل وهذا الشرط الأساسي، فإن الأمر ينقلب عند ذلك إلى نوع من التحايل والوقوع في دائرة المحظور الشرعي، فكل ما يجب أن نحرص عليه هو أن نضع الضمانات في هذه الصيغة، ولتكن صيغة مستحدثة لا تقوم على التلفيق والتجميع من هنا وهناك، وإنما تقوم على صياغة متكاملة لمعاملة فيها تركيب لعدد من العقود والوعود المترابطة ضمن تصور شمولي يهدف إلى تحقيق عملية الدخول الاستثمارية للبنك وفق قاعدة الشريعة في أن ذلك إذا كان يهدف إلى تحقيق أرباح معينة لابد أن يكون فيه ضمان ومخاطرة كما هي واضحة في قواعد الشريعة.
في ظني أن المشكلة التي أوقعت بعض التطبيقات المعاصرة لهذا العقد في محاذير التمويل بدون مخاطر ليس موضوع إلزام الوعد أو عدم إلزامه، إنما الذي أوقع هذا العقد في بعض التطبيقات هو حيطة بعض البنوك الإسلامية في أن تبعد نفسها عن الوقوع في أي ضمان متصور في هذا المجال، فذلك انقلبت العملية إلى عملية ربوية في هذه الصورة، لكن إذا التزم بالشروط الأصلية التي وضعت وبحيث أن البنك يملك السلعة التي أمر بشرائها ملكًا حقيقيًا فعليًا وبفترة معتد بها في مجال التملك ليس مرورًا عابرًا في الذمة عند ذلك يكون هذا هو فيصل التفرقة بين عملية التمويل الربوي البحث وهذه الصيغة.
موضوع الإلزام وعدم الإلزام في الواقع في التطبيق ليس مشكلة وأظن أي مصرفي واع لما يجري في المصارف الإسلامية، المصارف الإسلامية تشكو من أن الناس لا تلتزم بما وعدت أو أن البنك لا يقوم بهذا، الواقع الجهتان تندفعان لهذا الأمر لأنه هي عملية يربح منها البنك ويربح منها العميل، المشكلة ليست هذا المشكلة نريد أن نحمي هذه المعاملة من أن تكون وسيلة من وسائل التحايل للوقوع في الربا، فنهرب مما وقعنا فيه، وقد أوضحت في البحث الذي قدمته في هذه القضية وطالبت بإلحاح بجملة من الأمور التي تحمي هذا العقد أو هذه الصيغة من صيغ التعامل من أن تنقلب إلى أداة ربوية، هذا من الناحية الموضوعية، ومن العادة أن يؤجل الحديث في القضايا الموضوعية على القضايا الشكلية، لكن أنا أريد أن أذكر السادة أعضاء مجلس المجمع بقضية شكلية وهي نقطة نظام يجب أن ننتبه إليها في هذا المجال.
نحن في الواقع عالجنا هذا الموضوع في مجلس المجمع معالجة مستفيضة عندما عرضت علينا استفسارات البنك الإسلامي للتنمية، عرضت علينا كما تذكرون في الدورة الأولى وأجلناها إلى الدورة الثانية ثم عرضت علينا في الدورة الثانية وبعد لجان شكلت وبحوث أعدت ودراسات جهزت انتهينا أيضًا إلى عدم البت في هذه الموضوعات، وأجلناها لمزيد من البحث والدراسة إلى الدورة الثالثة، وفي الدورة الثالثة أعيد الأمر بحثًا واستقصاءً ودراسة وانتهينا فيها إلى قرارات بالأغلبية، والواقع يبدو أننا سنعود على ما أنهيناه بالتحرير والتحليل وإن كان ذلك بالأغلبية، بما نتوجه إليه الآن إذا توجهنا إلى ما ألاحظه في كلام بعض السادة الأعضاء إلى نقض ما انتهينا إليه، لذلك أنا أرجو أن أذكر إخواننا بالقرار رقم واحد في دورة عمان 86 في قضيتين مطروحتين علينا في هذه الدورة، قضية بيع المرابحة للآمر بالشراء، وقضية الإجارة المنتهية بالتمليك.
في قضية الإجارة المنتهية بالتمليك كان هناك وضوح كامل لكن أريد أن أذكر النصوص لأنها تعالج قضية الوعد أيضًا وبت فيها: قرر مجلس المجمع بخصوص عمليات الإيجار اعتماد المبادئ التالية فيها:
المبدأ الأول: إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعًا.. هذا المبدأ الأول.
المبدأ الثاني: إن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، لماذا؟ بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء، وهذا وعد، بعد حيازة الوكيل لها توكيل مقبول شرعًا، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور، إذا تيسر ذلك.
المبدأ الثالث: إن عقد الإجارة يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات، وأن يبرم بعقد منفصل، عن عقد الوكالة والوعد. .
المبدأ الرابع: إن الوعد بهبة المعدات – وهذا أيضًا وعد- عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
المبدأ الخامس: إن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكًا للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه.
هذا بخصوص الموضوع الذي سيناقض قريبًا والذي هو "الإجارة المنتهية بالتمليك" وهي معالجة كما تلاحظون، معالجة شمولية، غطيت كل تفصيلاتها وما يتعلق بها.
بخصوص موضوعنا المطروح اليوم عمليات البيع –سميت هكذا في الاصطلاح هنالك- ولا مشاحة في الاصطلاح، المهم المضامين، سميت هناك عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن، قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية:
المبدأ الأول: إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعًا –فالقضية منتهية-.
المبدأ الثاني: إن توكيل البنك أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يبيعه البنك تلك الأشياء بعد وصولها وحصولها في يد الوكيل، هو توكيل مقبول شرعًا، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
يعني نحن ذهبنا إلى اكثر من ذلك، ذهبنا إلى جواز أن يوكل الآمر بالشراء نفسه في الشراء على أن يكون في فترة التوكيل قبل تحرير عقد البيع الثاني في ملك البناء وضمانه.
المبدأ الثالث: إن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض لها وأن يبرم بعقد منفصل.
فتلاحظون أيها السادة كيف أن هذه القضية قد بت بها في دورة عمان ولذلك كنقطة نظام ومبدأ قد أقررناه نحن في جلساتنا المتعاقبة أنه لا يجوز أن نعود على قراراتنا بالنقض وأن ما استقر من قرارات لا يجوز أن نصوغ قرارات جديدة تتعارض معها كليًا أو جزئيًا.
الشيء الآخر هنا في هذا المجال لا أريد في الواقع أن ندخل في نقاش ونعيد ما ذكرته في البحث لكن أحب أن أشير إلى بعض ملاحظات عاجلة في هذا المجال تعليقًا على ما ذكره بعض الإخوان.
الواقع كلام الإمام الشافعي والكلام الذي ورد في الموطأ وهنالك كلام أيضًا لمحمد بن الحسن الشيباني في هذا المجال، يدل جميعها على أن هذه الفكرة واضحة بأساسها وشروطها، يعني أنا أفهم نص الشافعي في جزئه الأخير، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر فهو مفسوخ من قبل شيئين، إذا أكملنا العبارة في الواقع نلاحظ أن الشرط الذي اشترطناه في بيع المرابحة للآمر بالشراء:"إنه تبايعاه قبل تملكه" نحن فيما صغنا من شروط اشترطنا أن لا يكون التبايع إلا بعد الملك الحقيقي، ولذلك يزول هذا الإشكال، يعني وخشية الإمام الشافعي بما ذكر في نهاية عبارته، أن تكون عمليات التبايع تتم قبل أن يحدث تملك حقيقي للمأمور بالشراء، وعند ذلك تنقلب العملية إلى عملية إقراض ربوي، وهذا هو المحظور الذي احتطنا له بالشرط الذي شرطناه، وهذا يؤكد عبارة الموطأ، هنا عبارة الشافعي تقول:(اشتر هذه وأربحك فيها) يعني الذي سيشتري من؟ المأمور بالشراء وستدخل في ملكه ثم سيدخل في مرابحة مع الذي أمره بالشراء، بينما عبارة الموطأ:(ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل) فالعملية هنالك توكيل بالشراء فكذلك حقيقة الذي أمر بالشراء، وهنا إذن عملية تحايل على الربا لذلك ذكرت هنا تحت بيع العينة، الذي يتخذ وسيلة من وسائل التحايل على الربا، بينما عند الإمام الشافعي لم ترد في هذا المجال، ولدينا عبارة أخرى للإمام محمد بن الحسن الشيباني وكان قد ذكرها الدكتور عبد الستار في بحث له يرشد فيها الإمام محمد بن الحسن إلى حل في كتابه المخارج في قضية الخشية التي نحن خائفون منها، إنه العميل يرفض عملية الشراء بعد ما يقوم المأمور بالشراء، بشراء ما أمر به، فقد جاء في كتاب المخارج "رأيت رجلًا أمر رجلًا أن يشتري دارًا بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومئة درهم فأراد المأمور شراء الدار ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر –لاحظوا حتى نفس العبارة- فلا يأخذها، فتبقى الدار في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟ " إذن الصيغة مقررة ومسلمة، لكن فيه خشية من أنه يعدل الذي أمر عن أخذ ما أمر به فيرشده، قال يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام ويقبضها ويجيء الأمر إلى المأمور فيقول له: قد أخذت منك هذه الدار بألف درهم ومائة، فيقول المأمور: هي لك بذلك فيكون ذلك للآمر لازمًا، ويكون استيجابًا من المأمور للمشتري:
فإذن القضية: المطلوب من البنوك الإسلامية والمصارف الإسلامية أن تطبق هذه الصيغة كما اشترطت، الذي يحدث في التطبيق أيها الأخوة الكرام فيه خلل كبير وهذا ليس حجة على القاعدة، هو حجة على الذين يطبقون، هم قد أفرزوا في التطبيق كثيرًا من الصور ليس فيها ضمان، وأنا تحفظت على ما ورد في كلام الدكتور سامي من نفي موضوع الحيازة، وقال الحيازة ليست شرطًا، يكفي التملك، التملك هو ممكن تملك صوري ومرور عابر في الذمة وعند ذلك فيه محظور كبير من أن نكون قد وقعنا في الربا. .
لابد من التملك الفعلي الحقيقي ليكون هناك تعرض لتبعات الضمان في الهلاك، وتعرض لتبعات الرد بالعيب وغير ذلك من معطيات الضمان، وهنالك أيضًا شرط آخر نبهت إليه في البحث الذي هو قضية إنه ليست كل سلعة تقبل التعامل وفق هذه القاعدة أو وفق هذه المعاملة، يعني من شروط تطبيق هذا البيع أن تكون السلعة مما تنسجم مع طبيعته، يعني إذا كان التطبيق له على سلع نقطع معها بأنه لا ضمان على البنك وأنه لا يتصور الضمان في أي حال من الأحوال عند ذلك واضح، أصل المسألة انتفى، وشرط القضية لم يعد واردًا، وبالتالي تدخل في دائرة الممنوع ودائرة الربا، مثل أن تكون بيوع المرابحة للآمر بالشراء متعلقة بالأراضي، حتى لو سجلت في ملك البنك في دائرة الأراضي فكيف ستهلك الأرض، وكيف سيكون الرد بالعيب؟ إذن كل ما في العملية أنها عملية إقراض ربوي لتمويل هذه الصفقة، ولذلك لا تجوز، أحب أن أؤكد على هذه النقطة أولًا نقطة النظام وأننا لا يصح أن نعود إلى ما اتخذنا فيه من قرارات واضحة بالنقض، والنقطة الأخرى أن الصيغة التي قدمت في مجال بيع المرابحة للآمر بالشراء، إذا التزم فيها وفق ما قررتها المجامع المعترف بها والقرارات التي أخذت فيها فإنها بحمد الله وفضله يمكن أن تؤدي دورًا كبيرًا في هذا المجال، وخاصة أن هذا التطبيق سيمنع بهذه الشروط، سيمنع البنوك الإسلامية من التركيز عليها لأنه مادام فيه احتمالات ضمان وخسارة ستتجه إلى المشاركة والمضاربة، لكن لما جعلت هذه الصورة في التطبيق (الواقع لا يطرح قضايا ضمان) استسهلتها البنوك الإسلامية وصارت ترى أن نسبة تقريبًا تسعون بالمئة من أموالها المتداولة توظف في هذا النوع ولا تلجأ إلى الأنواع الأخرى لأن هذا النوع مضمون العاقبة ونحن لا نريد في الاقتصاد الإسلامي أن تقع مثل هذه الصور لأن الأصل احتمالات الخسارة والربح هي الأساس في جواز هذا الربح، وشكرًا والسلام عليكم ورحمة الله. .
الرئيس:
في الواقع أنه بخصوص عمليات البيع الآجل مع تقسيط الثمن، ليس هو صورة كاملة لبيع المرابحة للآمر بالشراء الذي طرح بحثه، وإذا كان أحد من الأخوة يرى أنه صورة كاملة فيكتفى بما أداه أولًا عن المناقشة، أما من وجهة نظري ومن وجهة نظر عدد من الإخوان فإنه صورتان مختلفتان تمام الاختلاف، ودراسة هذه لا تغني عن دراسة تلك، هي مستقلة على ما هي عليه، على ما أفتى فيها وتم فيها، أما بيع المرابحة للآمر بالشراء بصوره الثلاث، سواء التي كانت في مصرف فيصل الإسلامي في السودان أو التي في بيت التمويل أو غيره، فهي محل البحث في جلستنا هذه.
الشيخ عبد الله بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وبعد.
لاشك يا إخواني أن الداعي إلى إيجاد أو دراسة هذه المواضيع هو في الواقع شعور عن مرارة الشكوى من انتشار البنوك الربوية وسيطرتها حتى على المجتمعات الإسلامية، ولهذا فزعت مجموعة كبيرة من أهل الخير إلى البحث عن بدائل من شأنها أن تزاحم، أو أن تحل محل هذه البنوك الربوية، وفي نفس الأمر تعطي الخدمات التي يحتاجها العصر الحديث، لاشك في هذا، ولاشك أن من أسباب قيام هذه المؤسسات الإسلامية المصرفية هو تيسير أمورها بحيث لا يترتب على ذلك التمييز أي إثم، ولكن كذلك لا يمكن أن يكون الوقوف أمام هذه المصارف الإسلامية، لا يمكن أن نقف أمامها بأقوال وإن كانت أقوالًا مشهورة وراجحة، لكن لاشك أن العلماء رحمهم الله بحثوا وقالوا إن هناك من الأمور الراجحة ما يمكن أن يأتي عليها من الزمن ومن تغير الأحوال ما يجعلها مرجوحة ويجعل المرجوحة راجحة، هذه في الواقع ناحية أحببت أن أتحدث عنها.
ناحية أخرى، هي في الواقع لها أثرها في قبول أي قول يأتي به أي واحد أو أي باحث، وهو أن يؤسس ما يقوله في منع أي شيء على سلبيات يبرزها قبل أن يحتج على هذه السلبيات بقول فلان وفلان المجرد من التعليل، فإذا وجدت العلة ووجدت الآثار المترتبة على هذه العلة وهي آثار سلبية من شأنها مثلًا أن تأتي بالغرر أو بالجهالة أو بالربا أو بأكل أموال الناس بالباطل إذا جاءت هذه الموانع مؤكدة لهذا الشيء فهي مقبولة، أما أن يأتي المنع على أساس أن فلانًا قال كذا، وفلانًا من العلماء قال كذا، مجردًا عن أن يكون هناك علة لهذا الشيء أو أن تكون مبنية على تقعيد له أثره وله في الواقع سلبيته في ذكر الأسباب المانعة، فهذا في الواقع قد لا يكون مقبولًا.
آتي على بعض النقاط: في الواقع أن هذه البنوك الإسلامية حين قامت فزعت منها البنوك التقليدية أو البنوك الربوية، في الواقع علمت أنها قد تضايقها أو قد تحل محلها، في الواقع على كل حال هيأت نفسها لمحاربة هذه البنوك الإسلامية محاربة بإيجاد شبه، واستئجار مجموعة ممن لا أخلاق لهم الواقع يأتون بالشبهات ويأتون بما يمكن أن يكون سببًا أو عراقيل من الأشياء الموجبة للحد من نشاط هذه الجمعيات.
النقطة الثانية وهو أننا حينما ننظر إلى النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالوعد المطلق والإلزام به والتحذير من مخالفته نجد من ذلك قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] ونجد من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث)) ومنها: إذا وعد كذب وقد وجد من أهل العلم ومن سلف هذه الأمة من قال بالوعد الملزم قضاء وديانة، وطالما أن الإلزام بالوعد في الواقع لا يترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل، ولا يترتب عليه ربا، ولا يترتب عليه غرر، ولا يترتب عليه جهالة، وإنما الذي أعطى وعده إذا جاء طائعًا مختارًا وهو مؤهل للتصرفات الشرعية، فلماذا لا نقبل منه ذلك ونلزمه بهذا الشيء؟ ثم أن هذا تيسير لأعمال البنوك الإسلامية، حينما نقول هذا لا يجوز لكم وهذا لا يجوز لكم، وهذا ينبغي البعد عنه، وهذا ينبغي كذا، فمعنى ذلك أننا نقول أفسحوا المجال للبنوك الربوية واجعلوا الربا ينتشر بيننا كانتشار النار في الحطب، فهذا في الواقع لا يجوز لنا، أن نسلك هذا المسلك.
ناحية ثالثة، في الواقع قال مجموعة من الإخوان بأن الإلزام بالوعد هو بيع في الحقيقة، وأعتقد أن هذا ليس صحيحًا فإنما البيع يترتب عليه أحكام درك المبيع وما يتعلق بذلك، وأما الوعد فهو مجرد وعد، ففرق بين الوعد بالبيع وبين البيع نفسه ولاشك أن لهذا آثاره ولهذا آثاره ففي الواقع على كل حال أنا أرى أنه يتعين علينا أننا لا نبحث أو لا نقول بحل مسألة أو بمنعها إلا بعد أن نذكر العلة المانعة وأن نستدل على ذلك بنصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله ومن أقوال السلف الصالح، أما أن نقول والله هذا لا يصلح لأن فلانًا قال كذا وفلانًا قال كذا من غير أن نجد تعليلًا لذلك، فأعتقد أن هذا لا يخدم المصارف الإسلامية التي تحاول جهد إمكانها في أن تحل محل البنوك الربوية أو أن تبعد عن الأمة وباء الربا وانتشاره وآثاره السيئة وشكرًا. .
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
عطفًا على ما ذكره الأخ المتحدث أخيرًا، الحقيقة الكلام موصول، هنالك آية وحديث أو عدة أحاديث، الآية الأولى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] إذن آية تتوجه نحو الوفاء والحديث يتبعها بأمر عجيب وهو مقابل الإيمان إما نفاق وإما كفر، ولذلك جاء في الحديث ((آية المنافق ثلاث)) وعد منها ((وإذا وعد أخلف)) إذن نحن أمام إيمان أمام شريعة يلتزم أهلها بأقوالهم وأفعالهم يصل بنا الكلام إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا في نفس النسق ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)) ، والكل يعلم أن الخطبة هنا وعد بالزواج وليس زواجًا، بل يصل بنا إلى حديث آخر:((لا يبع أحدكم على بيع أخيه)) ومعلوم هنا أن هذا البيع هو المساومة، إذن الآيات والأحاديث متوجهة نحو الوفاء بالوعد كما هو الوفاء بالعهد والعقد، الآية طالبتنا بالوفاء بالعقود علمًا بأن المطالب بالوفاء هنا طرفان إن صح التعبير، أولًا الآية الكريمة "والمستفيد أو المتضرر من هذا العقد سيطالب" المولى عز وجل يطالبنا بالوفاء، ثم إن الفريق الآخر يطالب بهذا الوفاء باعتبار أن هذا عقد إذن عندنا هنا الوفاء مروءة، نعم، وهل الشريعة إلا تقعيد باصطلاح القانون للمروءة؟ وهذه هي شريعة الإسلام، إنها تسمو بالمروءة لتكون شريعة، وكم من مروءات العرب كانت في الجاهلية صارت شريعة إسلامية، وعليه ما تفضل به الجميع: نلاحظ أن الأحاديث مع الآية تتوجه إلى الوفاء بينما كلام الفقهاء طبعا يقترب من الوفاء حينا ويبتعد أحيانا، وما تفضل به الأخ نحن ملزمون نعم بالأحكام بالنصوص، والنصوص متوجهة إلى الوفاء خاصة إذا كان هذا الوفاء أو هذا الوعد أدخل الطرف الآخر بعقد أو بما مر عليه الأخوة الباحثون بالإلزام، ونحن فعلًا أمام نصوص فقهية، نحترمها ومنها نستقي ونستضيء بها بنور القرآن الكريم والسنة النبوية، ونحن أمام حالة بنوك إسلامية لا نقول نسهل لها الربا ولكن نحول بينها وبين الربا ونحول بيننا وبين المجتمع الربوي الذي غاصت به بنوك العالم الأخرى، وعلى أية حال الآيات والأحاديث متجهة نحو الوفاء، فلنتجه كما اتجه القرآن والسنة، إلى الوفاء بالعهد والوفاء بالوعد، والسلام عليكم ورحمة الله. .
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحقيقة طلبت الكلام في الموضوع الأول الذي كنا فيه ويبدو أننا مازلنا نتتبع أذياله، فيه بعض المسائل المهمة يجب أن نتفق عليها أولًا، من هذه المسائل هل نحن متبعون أم مبتدعون؟ يقولون إن الناقد بصير ولكنه باتباع الأثر جدير، عندما نقول كل أقوال العلماء، والعلماء تحدثوا عن مسألة الوعد ما تركوها هملًا، العلماء الذين تلقوا السنة وتلقيناها منهم تحدثوا عن هذه المسألة، وفرقوا بين عقد ووعد، وجعلوا النتائج المترتبة، والآثار التي تترتب على العقود ليست هي نفس الآثار المترتبة على الوعود، هذه البديهة الأولى هل نحن متفقون عليها؟ نعم، قلت: إن العلماء الأوائل فرقوا بين الوعد والعقد وهذا أمر بديهي، تحدث عنه الجميع، هل نحن متفقون على اقتفاء الأوائل؟ وهل نحن متبعون أم مبتدعون؟ الجواب على هذا السؤال طبعًا يحدد الإجابة في هذه القضية، إذا كنا قد تتبعنا المذاهب ونقبناها وجدنا أنهم تحدثوا عن هذه المسألة وما أغفلوها، وفي نفس الوقت قالوا إن الآثار المترتبة على الوعد ليست هي نفس الآثار المترتبة على العقد، نعلم ضرورة أن ترتيب هذه الآثار من طرفنا ألا ننشد له سلفًا من الأمة، وبالتالي فهو أمر خطير أن يكون مجمعنا هذا مجمعًا يحدث آراء جديدة على غير هدى، ويقعد قواعد أو يضع جملة من القواعد قد تناولها العلماء قبلنا، ووقفوا منها موقفًا واضحًا صريحًا، ونحن نخالفهم بدعوى أننا نريد إنقاذ البنوك من الربا، وبالتالي لنوقعها في ربا آخر، هذا الأمر له خطوراته أردت أن أنبه إليه.
المسألة الثانية هي مسألة المواعدة التي أثارها الدكتور الضرير، وأنا في الحقيقة لم أفهم كيف ألزم طرفًا ولم يلزم الطرف الآخر، ليكون منطقيًا مع نفسه ومع النصوص التي أوردها، فإذا ألزم البنك فعليه أن يلزم الطرف الآخر الذي وعد، أو أن لا يلزم أحدًا منهما، وقد راجعت نص الشافعي فما وجدت فيه إلزامًا، البيع الأول هو بيع البنك أو بيع المأمور بالشراء هو الذي أمضاه الشافعي، أما البيع الثاني فهو بيع جديد ينشأ بين المأمور وبين الآمر، وهو بيع جديد كلاهما بالخيار، بمعنى أن أيًا منهما لم يلتزم شيئًا للآخر، فكيف تلزم بالوعد؟ هي المواعدة هي وعد من اثنين مفاعلة، والمفاعلة هي من اثنين، وقد تكون من واحد قليلًا، كما في قوله تعالى {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] وقد تكون من اثنين كما هو الغالب، فهي مواعدة من اثنين، التقاء وعد بوعد، فكيف تلزم طرفًا وتترك الطرف الآخر؟ أردت فقط أن يوضح لي الدكتور موقفه من هذه القضية، لا أزيد شيئًا كبيرًا –سيادة الرئيس- غير التنبيه على أن هذه المسألة لم نجد لها سلفًا، ولو وجدناه لاتبعناه، وشكرًا. .
الدكتور إبراهيم بشير الغويل:
الدكتور عبد السلام أيضًا في بحثه القيم الذي كان يتسم بالموضوعية يقول بالنص: ركزت كثير من البنوك الإسلامية على أسلوب بيع المرابحة للآمر بالشراء ولم تهتم بأساليب الاستثمار الأخرى –يعني أهملتها- لأنها استطاعت أن تطبقها بطريقة تكاد تحميها من كل احتمالات التعرض للخسارة، أيضًا يقول: كادت هذه الصيغة في عدد من المصارف أن تنقلب إلى مجرد صيغة تمويل مال بمال يعود على البنك بالربح وبلا أي مخاطرة، الدكتور رفيق المصري أيضًا أورد نسبًا مئوية، كيف المصارف الإسلامية بدأت كلها تترك أي معاملات أخرى وتتجه إلى المرابحة للآمر بالشراء؟ فوصلت إلى ثمانين في المائة في بعض المصارف وإلى ثمانية وتسعين في المائة في بعض المصارف وقد تصبح مئة في المائة، إذن هذا السؤال، إذن هذه المعاملة أو هذا الأسلوب لابد أن ينظر، هذه الملاحظة أود أن أعود إليها أيضًا لأن كثيرين يذكرون بأن هناك آيات في القرآن تؤكد على الوفاء بالعقد وأن هناك أحاديث لم تمر على الأسبقين في أي قرار: نحن نريد أن نصدره علينا أن نذكر أنها موجودة، ولكنهم احتاطوا لما عرفوا أن هذا الأمر يجر إلى معاملات ربوية، وكل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تتبعه للمعاملات هو مطاردة لاحتمالات تحويلها إلى الربا، أيضًا هذه المعاملة في حد ذاتها حينما نزلت إلى التطبيق دعت الجميع إلى ترك أي أمر، والبحث عن المعاملة العادية التي كنا نحاول أن نتجنبها وهي معاملة تتجنب المخاطرة، تبحث عن الربح السريع، تهمل عمليات الاستثمار الإنتاجي الحقيقي، وبالتالي أصبحت المرابحة في المصارف الإسلامية هي في الحقيقة عبارة عن كسب سريع دون مخاطرة ودون أي جهد.
المرابحة في المصارف المعمول بها الآن ليس فيها أي جهد، ولا تعرف حتى على ظروف الأسواق العالمية، ولا تطور الطلب فيها، ولا تحليل مناخ السوق العام ولا اتجاهات الأجل القصير ولا البعيد، ولا معلومات عن أي مصادر لأن هذا كان يستدعي من المصارف جهدًا لا يقل عن الجهد الذي لو دخلت في المضاربات أو المشاركات، فهي مالت وتركت ما أنشئت من أجله وهو إبراز أن ما يريده الإسلام في المعاملات هو المشاركة والدخول في المخاطرة وتشجيع الإمكانيات، وعادت من جديد إلى الأسلوب التقليدي للمصارف أو البنوك، وهو البحث عن الربح السريع مع ضمان وجود أي مخاطرة، وإهمال أي عمليات استثمارية أخرى، هل هذه الظروف التي تحيط بهذه المعاملة بالإضافة إلى ما انتبه إليه الأسبقون من خطورتها تجر إلى ذلك، لتنبهنا إلى أن هذه العملية فعلًا هي تجر الناس جرًا كما انتبه الأسبقون إلى المعاملات الربوية؟ الأسبقون يعون جيدًا أهمية الوفاء بالعقود، ويعون جيدًا توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يكون الإنسان غير مخل بوعوده، ولكنهم وجهوها في أمور ليس فيها مجال للالتباس في دخول العقود الربوية، ولذلك كان الشيخ صباحًا حينما تكلم كآخر متحدث في موضوع الوفاء بالوعد هو الذي أوضح موضع الداء الذي يتوجه إليه، والآن في المرابحة للآمر بالشراء الأمر واضح بناء على المعلومات التي أدلى بها الدكتور عبد السلام والأخوة أصحاب المصارف الإسلامية من أنها صارت تكاد تنفي أي معاملات أخرى، لماذا؟ لأنها ليس فيها مخاطرة، لأن فيها ربحًا سريعًا، لأن فيها إهمالًا لعمليات الاستثمار الإنتاجية وما تتطلبه من جهد، إذن لا جهد ولا مخاطرة، وما هو المانع وراء الربا غير أنه أخذ المال دون أي مخاطرة أو جهد؟ واستغلال للآخرين، وشكرًا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] .
إن هذه القضايا المصرفية التي أحيلت علينا، والتي نظرت فيها مجامع وجلسات كثيرة، علينا أن نعود إلى منبعها، من أين نبعت هذه المشاكل؟ نبعت هذه المشاكل من قرار، قرار خطير حكيم قال به الملك فيصل رحمة الله عليه وألحقه بالشهداء الصالحين، لما منع النفط كان العالم الإسلامي كله فقيرًا لأن الدول التي نهضت –لما نمنا- عملت على تعويقنا، فكان كل ما في العالم الإسلامي من خيرات إنما هي تمتص ليزداد الغرب ثراء وليبقى العالم الإسلامي على فقره، فكان القرار الخطير بمنع تدفق النفط وارتفاع سوق النفط أو ثمن النفط، أن حصل فيض من السيولة المالية عند بعض الدول المنتجة للنفط في العالم الإسلامي، وهذه السيولة المالية كما يقول عمر رضي الله عنه "أبت الدراهم ألا تخرج أعناقها" فلابد من أن هذه السيولة المالية ستنصرف، انصراف المال في أمرين: أولًا حركة، وبغية للربح من أجل المال، ثانيًا في الإنفاق على المتاع وعلى الحياة وهذا التوجه الأول أعني زيادة أو إنماء هذه الأموال ذهبت أولًا وبالذات فعند كثير من الذين تحصلوا عليها، إلى دول الغرب، فأودعت في بنوك أمريكا وفي سويسرا وفي غيرها من الدول المالية، وإذا بمشكلة جديدة حصلت في العالم الإسلامي هي أن هذه الأموال عادت إلى الغرب بعد أن دفعها لتزيده نهضة وتمكن للعالم الإسلامي في قيوده، فكيف تعود هذه الأموال إلى العالم الإسلامي حتى ينتفع بها؟ فكان كحل من الحلول إيجاد البنوك الإسلامية، فهذه البنوك الإسلامية هي تمثل الاحتفاظ بمقوم من المقومات الخمسة –أعني حفظ المال- لأن المهم أولًا وبالذات حفظ مال الأمة، ثم حفظ المال الفردي، فهذا المال الذي قد تفتح له وتجلب الغربيون بكل الطرق وعاد على اقتصادهم بالخير الوافر، كيف يمكن أن يعود إلى العالم الإسلامي ليحركه؟ فكانت هذه البنوك الإسلامية وكان لابد من أن تأخذ هذه البنوك الإسلامية منهجًا وطريقة: هذا المنهج نريده أن يبتعد رويدًا رويدًا وقليلًا قليلًا عن البنوك الربوية التي مضى عليها قرون وقرون حتى يستقل بذاته، وهنا يأتي الموقف الخطير لفقهاء المسلمين، فعلينا أولًا أن نعلم أن هذه المصارف على هذا النحو هي أمر جديد في الإسلام وعلى العالم الإسلامي، وما كان يريد العالم الإسلامي في تاريخه الطويل تجميع الأموال بهذه القوة وتصريفها في الاقتصاد والاستثمار، وإنما كانت الجهود فردية والشركات التي كانت عندما كانت بين أفراد أو اثنين أو ثلاثة ولا تعدو ذلك إلى أن تشمل كامل المواطنين في البلد. .
فهذا النوع الجديد من الاقتصاد الذي يحفظ مال الأمة، وكيف نجعله إسلاميًا؟ هو الذي جعل هذا البحث يأتي إلى هذا المجمع الموقر، جاءتنا مشاكل أولًا من البنك الإسلامي للتنمية، وهو بنك يتعامل مع الدول، والنظرة إلى هذا البنك غير النظرة إلى بقية البنوك، ولذلك جاء في المقررات النص على البنك الإسلامي للتنمية باعتبار أنها فتوى في واقعة تشمل كل المعطيات التي تتعلق بتلك الواقعة التي منها البنك الإسلامي للتنمية باعتبار أنه يتعامل مع دول ولا يتعامل مع أفراد، وفرق لأنه لا يبغي الربح في ذاته وإنما يبغي تكوين استثمارات مالية والقيام بمشاريع اقتصادية كبرى في العالم الإسلامي هي في حاجة إليها، سواء أكانت هذه التجهيزات أساسية أو كانت تجهيزات إنمائية.
ثم بعد ذلك –والحمد لله- جاءت الاستفتاءات من البنوك الإسلامية التي لها طرق كثيرة في التصرف والتي ستولد طرقًا أخرى، وعلينا أن ننظر في كل الطرق التي تأتينا من التفكير الإسلامي أو تفكير رجال الأموال ورجال الأعمال لتنمية الأموال، فجاء من هذه القضايا قضية الوعد الملزم.
الوعد الملزم: إذا أخذنا الوعد الملزم حسبما جاء في نصوص الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة فنحن نجزم أنه في القضايا المالية ليس هناك وعد ملزم ولكن الذي أريد أن أقوله هو أن الوعد باعتباره كقيمة خلقية أي من الناحية الثالثة من القواعد الشرعية وهي قاعدة تحسينات، هي قاعدة من القواعد، لكن هذه القاعدة عندما تصبح خادمًا للأصل أعني الأصل الأول وهو المحافظة على مال الأمة فإنها تلتحق بالحاجة لأن كل ما كان خادمًا للظروف يصبح ملتحقًا بالحاجة وبذلك يكون الوعد النظر في هذا على حسب القواعد التي أسسها العلماء والتي فصلها الإمام الشاطبي رحمة الله عليه يصبح الوعد الملزم محل نظر أو محل ترجيح خاصة وأننا نجد أن الصحابة رضوان الله عليهم قد واجهتهم مشكلة وهي أن اليد الأمينة هي لا تتحمل الضمان، غير ضامنة، لكنهم في النهاية قالوا إن الصناع يعملون رغم أن يدهم يد أمينة وذلك حفاظًا على المصلحة العامة أي على التعامل بين الناس. .
ولذا أرى أن وجود الوعد الملزم يمكن النظر فيه، لكن الأمر الذي بقيت أتساءل فيه مع كل الباحثين الذين بحثوا هو أنه في هذه القضايا لابد من البحث الميداني، أعني البحث الميداني، هو أنه البحث مع البنوك الإسلامية هل هي في حاجة للوعد هذا أم لا؟ وهل العقود التي عقدتها مع المتعاملين معها كانت في حاجة إلى هذا الوعد الملزم؟ وكم عدد العقود أو عدد المتعاقدين الذين حصلوا على العقد ثم لم يقع الوفاء به؟ فالحل أننا ننظر في وقائع ميدانية حقيقية وهذا ما أرجو أن يقع التآمل فيه وأن تقع الاستجابة إلى إجابته لأنه مثلًا في قضية الزيادة عند الأجل، يقول أهل بنوك المسلمون: إننا لسنا في حاجة إلى هذا فقد استطعنا أن نأخذ من الضمانات ما يكفينا ولا حاجة لنا في أن نحمل العميل غرامة زائدة، والفقهاء يريدون أن يذهبوا أكثر مما يريده أهل البنوك، فأهل البنوك لابد عندما يتحدث معهم رجال الأعمال أن نستوضح منهم الواقع كما هو، لأن في استيضاح الواقع ما يرشدنا، فإذا وقع التعامل المالي، وأصبحنا نقول للبنوك لا تعملوا وإذا كانوا يعملون فستذهب الأموال إلى أمريكا فهنا علينا أن ننظر في الواقع حسب ما هو، فهذه ناحية أردت أن تضاف إلى البحث حتى نطمئن عندما ننتهي ونعطي فتوى.
الأمر الثاني الذي أردت أن أتحدث فيه هو التفرقة بين البيع وبين العقد فيما تحدث فيه فضيلة الشيخ تقي الدين عثماني، فإذا قال له تنح وأنا أعطيك فهذا ليس وعدًا، هذا عقد كامل، لكن المعقود عليه ما هو؟ لأننا كما قلنا لو قال سأعدك بأنني في المستقبل –لا – هو من الآن وقع بينهما عقد على أن يتنحى من المزايدة ويأخذ مالًا لأنه حتى إذا لم تقع المزايدة ولم يشتر الشيء فعليه أن يدفع له، فزاد عقدًا وقع على معقود عليه قد تختلف فيه الأنظار ولكنه ليس مما نحن فيه، ليس بالوعد الملزم، كما أن الشرط الذي ذكره الحطاب في الغرامة هو شرط لاحق، وهو شرط مقدم والذي تريده البنوك هو شرط عند عدم الوفاء يقول له: إما أن تقضي وإما أن تزيد، سواء كانت الزيادة له أو لغيره مشكل آخر، فهذا بعض ما أردت أن أذكره وشكرًا لكم.
الرئيس:
شكرًا بقي حوالي ثمانية من الذين طلبوا الكلمة وأرى الوقت الآن الواحدة والربع تقريبًا فترفع الجلسة ونستأنفها إن شاء الله تعالى في أوائل الجلسة المسائية الساعة الرابعة وشكرًا. .
الجلسة المسائية
الدكتور سامي حسن حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم
أساس التسمية " بيع المرابحة للآمر بالشراء " هو من الاختيارات التي أقرها أستاذ الفقه الإسلامي المرحوم محمد فرج السنهوري رحمه الله، حين كنت أدرس في جامعة القاهرة، والتسمية اصطلاحية، لذلك أرى في الاعتراضات من بعض الباحثين أن يقال لها الواعد بدل الآمر، اعتقد أن استقرارنا على الآمر في اللغة العربية، الأمر له معاني متعددة فهو من الأقل إلى الأعلى، رجاء ودعاء، ومن المتساوين التماس، ومن الأعلى إلى الأدنى أمر، الدوافع الأساسية في هذه القضية، قيل من غير العارفين بظروف طرحها للعمل أنها حيلة للربا، وقيل إنها صورة من صور العينة، والواقع أنها بشعور المستظل بظل الفقه الإسلامي في مجالات لا يمكن أن تغطيها المضاربة أو المشاركة، واضرب لذلك مثلًا: إنسان بحاجة إلى سيارة لاستعماله الشخصي، فلا سبيل لشرائها واستعمالها عن طريق المضاربة أو المشاركة، أو الحكومة تحتاج إلى أنابيب تمديد توصيلات المياه وترغب في أن تجد طريقًا للتمويل فلا سبيل إلى المضاربة أو المشاركة، وإنما عن طريق بيع المرابحة تشتري لها الأنابيب وتباع عليها بالسعر والربح المتفق عليه، فهذا الاستظلال بظل الفقه الإسلامي الذي وجدناه في كتاب الأم للإمام الشافعي رحمه الله وجزاه الله خيرًا بما قدم ولم يكن حتى أهل الشافعية يعلمون بذلك كما قال لي الدكتور عبد الغني عبد الخالق الذي درس كتاب الأم ثلاثين عامًا، وقال عندما سألته عن هذه المسألة، هذه أول مرة أطلع عليها في كتاب الأم، فالجدة في الصيغة عن الإمام الشافعي تختلف حتى مع احترامي للذين يقولون إنها واردة عند المالكية فيما ذكره هذا الصباح الأستاذ الفاضل الصديق الضرير حينما أشار إلى ما ورد في الموطأ قال: ابتع لي هذا البعير، هناك فرق في المعنى واللفظ، عندما أقول: ابتع لي هذا البعير بعشرة، وأشتريه منك بأثني عشرة فهو وكيل عني فالبعير ملك لي وله على دين قيمته عشرة، وشراء الدين عشرة بأثني عشرة ربا، وأنا معهم في ذلك وهم محقون ولكن عندما ننظر إلى الصيغة التي طرحها الإمام الشافعي رحمه الله، قال: أشتر هذه وأربحك فيها كذا، اشترها بملكك أنت، وإن هلكت فهي تهلك عليك، وهذه هي الصيغة التي يجب أن تكون واضحة في أذهاننا ونرد البنوك الإسلامية إليها –إن خرجت عنها- بأن يكون الشراء حقيقة، المأمور يقوم به حقيقة ويتملك ويضمن تبعة الهلاك ثم يبيع، إذا رددنا الأمور إلى نصابها فتاتي الصور أو التطبيقات التي يطعن بها البعض في أصل العقد من ناحية الخروج عن الأصل فإذا كان العنب يزرع في بلد من البلاد ويصنع البعض من عصير العنب خمرًا فلا يقال أقلعوا العنب، ولكن امنعوا صناعة الخمور من هذا العنب، ويبقى العنب عنبًا للزراعيين حلالًا طيبًا. .
فالمرابحة يجب أن ترد إلى الأصل أن لا يسمح بالتخلص من تبعات الهلاك، وأن لا يكون الآمر أيضًا تخلص من العمل عن طريق التوكيل، توكيل المأمور بأن يقوم بكل مهام العملية، ويشتري لنفسه ويقبض لنفسه وكأنه أخذ المال ابتداءً ورده مع زيادة انتهاء فنصبح واقعين بعملنا في الربا من خلال الخروج عن الصيغة التي وصفها الإمام، وقال: اشتر هذه، يعني قم بعمل الشراء.
النقطة التي تتعلق بالوعد والإلزام فيه، المواعدة بحد ذاتها لا تعتبر بيعًا ولو كانت ملزمة وما ذكر الإمام الشافعي يوضح لك لو قرأناه معًا بدقة، قال: وإن تبايعا به على أن الزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين، أحدهما أنه تبايعاه، قبل أن يملكه البائع، فهنا لو قال بعتك ما سوف اشتريه لك ولكن عندما يقول أعدك أو نتواعد معًا على أن نتبايع بعد أن يأتي الشيء ويصبح واقعًا، والصورة التي نقلها الإمام تتحدث عن أمرين.
الأمر الأول: قال: اشتر هذه، فمعناه يشير إلى شيء حاضر، هذه المعينة اشتر هذه وأربحك فيها كذا، أو قال: اشتر لي هذا المتاع ووصفه له، الوصف وصف لغائب، وسواء وصفه أو قال متاعًا أي متاع شئت، يعني فوضه بذلك، فلا بد عند حضور المتاع: إما حسب الوصف وإما حسب الرغبة، الذي قال اشتر كما تشاء وأرى فكل هذا الأمر يدل على أن العملية يتم فيها الشراء أولًا ثم يأتي العرض على المشتري، فإما أن يشتري وإما أن لا يشتري.
فالإلزام في الشراء ليس بيعًا، بدليل أنه لو كان بيعًا لانتقل الملك مباشرة بمجرد حضور البيع، ولكن ليس هناك انتقال وإنما فيه إلزام على البيع، والإلزام في اللغة الشرعية واللغة القانونية مقتضاه أمران: إما أن يكون هناك تنفيذ فيكون تنفيذًا لما تم عليه الاتفاق، أو لا يكون تنفيذ فيكون تعويضًا من الضرر الناتج عن عدم التنفيذ، فمفهوم الإلزام ومقصوده أن لا نخرج من عملية البيع بتحايل قد يضار فيه البنك ولسنا نحمي البنوك الإسلامية فقط، وقد يضار فيه العميل بدليل أنه لو استورد البنك هذه البضاعة ثم ارتفعت الأسعار وطمع البنك في ارتفاع السعر وحرم التاجر من بيعه البضاعة التي طلبها لأنه كان يتوقع ارتفاع الأسعار، وكان هذا التاجر مرتبطًا مع جهة ما ليورد لها هذه البضاعة فيحصل له ضرر كبير لو لم يلتزم البنك، فأما أن نقول بالإلزام للطرفين -وهذا هو المفهوم- أو الطرفان يكونان حرين في ذلك، وهنا إذا كانت الحرية، فتدخل الأطماع، كيف ترتفع الأسعار ونبيع السعر المرتفع بالسعر السابق المتفق عليه؟ فيحدث الضرر ويصبح بلبلة في الأسواق ويتجنب استقرار الاسعار والعقود والمعاملات بين الناس، وتصبح القضية، قضية هزل وليست قضية جد، فإذا كان هناك من يقول: فلتمتنع البنوك الإسلامية عن الالتزام ولا تشتري إلا البضائع التي ليس فيها التزام، فماذا يعني هذا؟ يعني أن البضائع العامة كالقمح والسكر والأرز الذي يمكن أن يباع عمومًا يصبح صالحًا للاستيراد، ماذا عن البضائع المخصصة؟ شركة طيران الكويت تستورد محركات نفاثة لا تصلح إلا لطائراتها البيونغ 747 وجاء المحرك حسب الوصف ثم قال مدير الشركة لا نشتري هذا المحرك، أين يذهب البنك بهذا المحرك؟ هنا يحدث ضرر فإما أن يكون قول بالإلزام لأنه جاء حسب الوصف وهذا هو الذي سار به الأحناف في عقد الاستصناع عندما كان الرأي الأول رأي الإمام أنه هناك خيار في عقد الاستصناع ثم تبينوا مدى الضرر الذي ينتج عن هذا الخيار، فجاء رأي المتأخرين ورأي أبي يوسف وأخذت المجلة (مجلة الأحكام العدلية) بالرأي الأخير الذي ألزم قبول الشيء المستصنع فيه طالما أنه جاء حسب الوصف، ولو كان عند التعاقد معدومًا، وهذا هو الأمر الذي نرى فيه في عقود المرابحة للآمر بالشراء، أنه إذا كان هناك نكول وقلنا بأن اللزوم لا يعني الإجبار على التنفيذ فلابد أن عدالة الشريعة لا تسمح بوقوع الضرر لا للبنك الإسلامي ولا للعميل، وأن تكون هناك قاعدة واضحة بأن هذا الضرر إذا حصل فإن المتسبب فيه يكون ضامنًا لتعويض الجهة المتضررة عنه وبذلك يتكامل عدل الشريعة وجمالها.
الذين يقولون أو يعلقون أن المرابحة بيع لمعدوم أقول: عندي ملاحظة لو كان معدومًا إذا كان البيع حاصلًا وقت التعاقد ولكنه وعد، يعني إن جاء هذا الشيء حسب ما اتفقنا عليه فأنا أشتريه، فعندما يأتي الشيء ويتم النظر فيه أو الفحص أو المعاينة فإن هذا هو المطلوب، والذي يحمل النصوص أكثر مما تحتمل فيقول: إن البنوك الإسلامية تفتح الاعتمادات بأسماء الناس، صحيح أن فتح الاعتماد باسم البائع أو الطالب للشراء، ولكن بوليصة الشحن حتى وفق قواعد الاعتمادات المستندية العالمية لا تكون إلا باسم البنك، والملكية تبقى باسم البنك وزادت عليها البنوك الإسلامية أن تبعة الهلاك لا تتعلق بالوثائق ولكن تتعلق بحقيقة البضاعة، وقد حدثت حادثة في البنك الإسلامي الأردني عندما كنت مديرًا له أن جاءت الصناديق حسب الوصف في بوليصة الشحن ولكن المحتوى كان مختلفًا عن وصف البضاعة الحقيقي، فتحمل البنك تبعة الهلاك لأن المسئولية ليست مسئولية وثائق وأوراق، ولكن حقائق وبضاعة حقيقية تكون حسب الوصف المتفق عليه.
ولو نظرنا إلى هذا الموضوع من هذه الصورة الشاملة والنظرة المتكاملة اعتقد أننا نعطي الموضوع حقه من جانبيه: حماية للبنك الإسلامي الذي نحرص عليه ولكن حرصنا الأشد أن لا يخرج عن حدود قواعد الشرع، وحماية للمتعامل مع هذا البنك أيضًا حتى لا يساء إليه باسم القول وبعدم اللزوم والإلزام لأن اللزوم شيء والإلزام في العقد شيء، وتنفيذ العقد وتعويض الضرر شيء آخر، وشكرًا لكم.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
عندما بدئ في بحث هذا الموضوع الذي انتهت البنوك الإسلامية فيه إلى رأيين: الرأي الأول يكون الوعد ملزمًا، والرأي الثاني يكون الوعد غير ملزم، وسارت على هذين الرأيين حسب ما تراه الهيئات الشرعية في كل بنك، انتهت البنوك الإسلامية أقول: إلى هذين الرأيين، وهذان الرأيان مأخوذان من الشريعة الإسلامية ومن قواعدها ومن أسسها، عندما بدئ البحث فيها، قلت سبحان الله لماذا العود على البدء؟ الخطأ حصل أم الرأي جديد جد؟ فأخذت أصغي إلى ما قيل من الصباح إلى اليوم ووجدت أن لا جديد: الفقهاء كل منهم يكرر ويعيد رأيه السابق، وأود أن أقول شيئًا من التصحيح والترجيح ووضع بلسم على ما سمعته من بعض الأخوة على مواطن الترجيح.
البنوك الإسلامية هي في الحقيقة أسست لأن تقوم حسب منهج الله سبحانه وتعالى وحسب الشريعة الإسلامية في فقه المعاملات، ولتنقذ الأمة الإسلامية من الربا ومن كل أموال الناس بالباطل، ومن الأمور الأخرى التي لا يجيزها الإسلام، وسارت على هذا المنهج طوال خمسة عشر عامًا، وهي في تفوق وفي نجاح وفي ازدياد، بدليل أن البنوك الإسلامية الآن منتشرة في العالم اجمع، وإن البنوك الأخرى التقليدية تحاول أن تنهج نهجًا وان تسير حسب مسيرتها، فأنا أطمئن الأخوة الذين يخشون أن تقع البنوك الإسلامية في الربا، أطمئنهم بأن كل بنك إسلامي لم يؤسس إلا لمحاربة الربا، وقد يقع في الخطأ ولكن الخطأ غير متعمد وإذا رؤي تصحيح للخطأ يصحح ما عليه العمل في أي بنك من البنوك الإسلامية.
في بيت التمويل الكويتي قبل أن نبدأ العمل وضعنا قواعد وأسسًا عليها نسير طيلة ثمانية شهور، ونحن نقعد القواعد ونضع العقود حسب منهج الشريعة الإسلامية نحن لا نعد أحدًا بأن نشتري له بضاعة، وإذا وعدنا أحدًا بأن نشتري له بضاعة نحن نكون صفتنا هنا صفة الوكيل الذي يأخذ أجرًا على الخدمة إنما نعد إذا اشترينا وملكنا نعده بأن نجري عقد البيع معه، في الحقيقة لا أريد أن أطيل لأن ما قاله الشيخ ابن منيع جزاه الله خيرًا صباحًا كفاني –في الحقيقة- الكثير من القول، إنما أرجح الآن أن نقطع الأمر وأنا حسب رأيي أن أرجح بالوعد الملزم لأمرين، الأمر الأول: الوعد الملزم يتلاءم مع القيم الإسلامية الرفيعة، ويطابق النصوص في الكتاب والسنة، ولقد وردت على لسان الفقهاء صباح اليوم ولا داعي لتكرارها.
الأمر الثاني: لإزالة الحرج الذي يلقاه المسلم عندما يتواعد مع غير المسلم في المعاملات حيث أن المعاملات المعاصرة في زمننا هذا دائمًا وأغلبها تسبقها المواعدة، وكيف يجوز للمسلمين أن يظهروا للكفار بمظهر يتناقض مع ديانتهم التي تحث على الوفاء بالوعد؟ أما الأخوة الذين يريدون من البنوك الإسلامية بأن تكون بنوكًا تسوية تعمل بالآجال المتوسطة والبعيدة، هؤلاء الأخوة ليسوا اختصاصيين اقتصاديين عليهم هم أن يردوا في المسائل الفقهية، وأن يتركوا المسائل الاقتصادية لأهل الاقتصاد وشكر الله لكم. .
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت راغبًا عن الكلام في هذا الموضوع بعد أن طال وخصوصًا بعد أن قدمت بحثي فيه، والكلام فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، ولكن بدت لي بعض الملاحظات، معظمها ملاحظات منهجية:
أولًا: فضيلة الرئيس قد أشار إلى أن من يعرض بحثًا معينًا عليه أن يشير إلى البحوث الأخرى، وهذا لم يلتزم، مع أنه لازم وخاصة إذا كانت بعض البحوث تنهج نهجًا مخالفًا لعامة البحوث الأخرى، أو متجهة اتجاها آخر، لأن من الظلم لها في هذه الحالة أن تترك، هذه واحدة.
الملاحظة الثانية: أننا هنا في الواقع لسنا كما قال بعض الإخوة مبتدعين، نحن متبعون، ولكن ما معنى الاتباع والابتداع؟ هل الأتباع أتباع ما قاله السادة فقهاؤنا السابقون من مقلدي المذاهب المختلفة؟ أم الإتباع هو إتباع ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ لاشك أن الأتباع الذي نلزم به دينا ويحاسبنا الله عليه هو اتباع الكتاب والسنة، وكل أحد بعد ذلك يؤخذ من كلامه ويرد عليه، فلا ينبغي أبدًا أن نلام إذا لم نأخذ بقول الفقيه الفلاني أو الفقيه الآخر، لأن هؤلاء اجتهدوا لزمانهم وعلينا أن نجتهد لزماننا، وكل زمن له أموره الخاصة وأحواله الخاصة، وهذا أيضًا ما أقوله في الملاحظة الثالثة وهي أننا من الناحية النظرية جميعًا نشيد بكلام الإمام ابن القيم وكلام القرافي وكلام ابن عابدين، وغيرهم ممن تحدثوا عن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال والعرف إلى آخر ما نعلم، كلنا يشيد بهذا، وعند التطبيق لا نلتزم هذا، نحن نوقن أن الفقهاء الذين قالوا بعدم الوعد أو عدم الالزام بالوعد أو غير ذلك لو عايشوا ما عايشنا وشهدوا من الوقائع ما شهدنا وأن مثل هذا الأمر إذا لم يقل به يترتب عليه ضياع مصالح كثيرة، وأن المعاملات الآن لم تعد فيما كانت عليه من قبل، أصبحت ملايين وعشرات الملايين، لو أن هؤلاء الفقهاء عايشوا ما عايشنا لقالوا بمثل ما قلنا، فهذه ينبغي أن توضع في الحساب. .
رابعًا: في مسائل المعاملات الخاصة، الحقيقة ينبغي أن نتبنى منهج التيسير لا التشديد، وهذا ما جرى عليه الأئمة ومقلدوهم، فكثيرا ما كانت لهم عبارات في مثل هذه الأحوال يقولون: هذا أرفق بالناس، لا يصلح الناس إلا ذلك، عملية الرفق أو يقال مثل هذا، أعني قيل به تصحيحًا لمعاملات المسلمين بقدر الإمكان، وهذا أمر معروف في كل المذاهب، ولهذا قال الحنفية المتأخرون منهم أنهم اجازوا أو اجبروا بالمواعدة لحاجة الناس، والاخوة يذكرون في مسالة بيع الوفاء، ولكن هناك ما هو اسبق من بيع الوفاء، وهو ما ذكرته في بحثي وما أشار إليه الأخ الدكتور سامي حمود "عملية الاستصناع" والاستصناع قالوا هو مواعدة أم مبايعة؟ ورجح الكثيرون أنه مواعدة، ولذلك مذهب الإمام، والمذهب المفتى به عندهم أنه بعد الاستصناع من حق المستصنع له، أو المستصنع طلب الصنعة أن يقول لا، لا يعجبني ويترك ما صنع له، ولكن مجلة الأحكام حينما قننت مذهب أبي حنيفة في المعاملات اختارت مذهب أبي يوسف في هذا، وعللت هذا أنه الآن أصبحت هناك مصانع عظيمة ومعامل كبيرة وسفن وبواخر، فلو أننا خبرنا من طلب الصنعة المستصنع بعد ذلك وقال: لا أريده لترتب على ذلك حرج كبير ومفاسد عظيمة، فمن اجل هذا اختارت المجلة مذهب أبي يوسف، فهذا ينبغي أن نراعيه، مسالة التيسير، وأنا يعجبني هنا كلمة أكررها دائمًا وهي كلمة الإمام سفيان بن سعيد الثوري، وهو إمام في الفقه وإمام في الورع وإمام في الحديث، أمير المؤمنين في الحديث يقول: إنما الفقه الرخصة من ثقة، فاما التشديد فيحسنه كل أحد، والرخصة في المعاملات بالذات لأن الأصل فيها الإباحة، والبيع بصفة خاصة لأن فيه نصًا {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] و (الـ) هنا للجنس أو للاستغراق ولذلك ابن رشد في المقدمة يقول: هذا يشمل كل بيع إلا أم استثناه النص، فالأصل في البيوع خاصة الحل وفي المعاملات عامة الحل، هذه كلها ينبغي أن نراعيها حينما ننظر في موضوع مثل موضوع المرابحة، وهو موضوع تقوم عليه البنوك الإسلامية صحيح نبه أخونا الأستاذ الدكتور العبادي في الصباح إلى أن البنوك الإسلامية أصبحت معظم معاملاتها في المرابحة، وهذا للأسف أمر نأسف له وهو يرجع إلى أمور اقتصادية لا إلى أمور شرعية كما أشار الأخ أحمد بازيع رئيس بيت التمويل، ونحن نبهنا وقلنا: إنه ينبغي أن نخرج البنوك الإسلامية من قمقم المرابحة، هي سجنت نفسها في المرابحة ولكن هذا شيء والقول بتحريم المرابحة شيء آخر، فالمرابحة جائزة والقول بالمرابحة مع عدم الإلزام بالوعد في الحقيقة يترتب عليه ضرر كبير، ونحن أيضًا هنا أذكر ملاحظة، أنه حينما يختلف العلماء، فما المرجع؟ ما قاله الله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . [النساء: 59]
هل الوفاء بالوعد يصل إلى حد أنه مجرد مستحب؟ وإن إخلاف الوعد مكروه تنزيهًا أو خلاف الأولى؟ هذا يمكن إذا رجعنا إلى النصوص، إذا احتكمنا إلى الله ورسوله، القرآن والسنة مليئان بأن الوفاء بالوعد من الأمور الواجبة والتشديد في إخلاف الوعد والأحاديث محفوظة لكم، القرآن غير {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وغير {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] هنا يقول {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [التوبة: 77] ما معنى هذا؟
{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] يعني إبراهيم استجاز أن يستغفر لمشرك من أصحاب الجحيم من أجل الوعد السابق، إنه قال: سوف أستغفر لك ربي، يعني معناه أنه يرى أن الوعد لازم، طبعًا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخ، الإمام الغزالي ذكر الإخلاف بالوعد، جعله من المهلكات في روع المهلكات في الإحياء، وذكر في الآفات وذكر عليه أدلة عديدة من القرآن والسنة ومن أعمال الصحابة وهديهم، كما ذكر عن ابن عمر رضي الله عنه ذكر انه قال عند موته قال لهم أجلسوني ثم قال: إنه قال: قد كلمني رجل من قريش خطب إلي ابنتي، وكان لي منه شبه وعد، أشهدكم أني زوجتها منه حتى لا ألقى الله بثلث النفاق، هذه كانت نظرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى المسألة، وعمر بن عبد العزيز وغيره من العلماء منهم ابن شبرمة الذي ذكره ابن حزم في المحلى ومنهم ابن الأشوع، الذي ذكره البخاري في صحيحه، وهو مذهب البخاري كما يبدو من ترجمته في الصحيح ومذهب شيخه إسحاق بن راهوية وهو ما ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين حيث ذكر الوفاء بالشروط والعقود والعهود والوعود، كلها نظمها في سلك واحد، كما أن المسلمين عند شروطهم، فهم عند وعودهم أيضًا لأنهم لا يقولون ما لا يفعلون هذا أمر واضح فيما كتبه ابن القيم، فكيف نقول بعد هذا أن هذا أمر مكروه والحافظ ابن حجر قال: وجدت فيما ذكره أبي من إشكالات على الأذكار للنووي، وجدت بخط أبي أن أباه رضي الله عنه استشكل قال: كيف يقولون بأن اخلاف الوعد مكروه مع قوله تعالى {لِمَ تَقُولُونَ
…
} [الصف: 2] ومع ما جاء في الأحاديث ومع هذا الوعيد الشديد؟ فهذا استشكال يعني لا جواب له، فكل هذه الأدلة وما ذكره أيضًا ابن القيم وأضاف إليه في الوعود خاصة، أنك إذا قلت لابنك أعطيك شيئًا ولم تعطه كتب عليك كذبة، وغيره من الأحاديث.
ولذلك الذي يطمئن إليه قلب الإنسان المسلم بعد قراءة النصوص هذه كلها لا يمكن أن يراوده شك في أن الوفاء بالوعد واجب وفريضة من فرائض الدين وأن إخلافه من علامات النفاق. .
بقيت مسالة في أنه هل الوعد في البر والصلة أو في امور المعاوضات –والبعض يعد في الصلة يعني يوجب إنفاذه- وفي المعاوضات؟ والله أنا أرى الأمر بالعكس، لأنه في الصلة الإنسان متبرع بها وله أن يرجع فيها حتى لو وهب له أن يرجع، إنما إذا ترتب على الأمر معاوضات وترتب عليها أمور في حياة الناس وعلاقاتهم، هذا أهم من أمر البر والصلة، ولهذا نقول بالوفاء بالوعد في المعاوضات وبالالتزام به، وقد قال به مثل عمر بن عبد العزيز وابن شبرمة وابن الأشوع وهم كانوا كما يبدو من طريقة حياتهم وتفكيرهم في ذلك الوقت أنهم لم يكونوا يفرقون بين ما يلزم ديانة وما يلزم قضاء، إنما يفرقون في ذلك بين ما له ظاهر وباطن فيجرون الأمور على ظواهرها، أما كل شيء فإنهم لم يلزمون بما ألزم الله به ورسوله، ولذلك كانوا يلزمون بالعبادات الدينية، الشعائر الدينية ويعاقبون عليها، فكيف في أمور المعاملات؟ وإذا قلنا بالالزام، كيف نقول بالالزام في الوعد بالنسبة للمصرف ولا نقول به بالنسبة للآخرين؟ ولذلك الأخوة مثل الدكتور رفيق المصري الذي كان منطقيًا مع نفسه قال: كلا الطرفين مخير، المصرف والعميل، أما أن تلزم المصرف بالوعد ولا نلزم العميل بهذا يترتب عليه ضرر كبير، أكتفي بهذا القدر أيها الأخوة وشكر الله لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
أحب أن أسأل الشيخ يوسف: إذا نكل ولي المخطوبة عن الوعد بعقد الزواج للخاطب وكان هذا الزواج سواء دخل في ورطة من مال أو لم يدخل هل يلزم قضاء؟
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:
أولًا نحن متفقون أو يجب أن نتفق على ما ذكره الإمام الغزالي أنه إذا وجد عذر فإن الاخلاف جائز، عندما يوجد عذر معين.
الرئيس:
ليس له عذر، التي لها مبررات نتركها، وهو نكل بلا عذر، هل يلزم بعقد النكاح؟
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:
يجوز، نحن لا نقول يجب الإلزام في كل قضية من القضايا، نحن نقول إن ما يلزم ديانة يجوز الإلزام به قضاء، ليس هذا وجوبًا فهذا مرجعه إلى المصلحة في بعض الأمور التي فيها مصلحة للناس ودرء مفسدة عنهم يجوز أن نلزم به قضاء وليس أمرًا واجبًا ولا مطردًا.
الرئيس:
هل نلزم بهذا قضاءً؟
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:
في القضية الجزئية هذه –هذه قضية جزئية- حيث يكون الأمر أمرًا كليًا عامًا يترتب عليه مصلحة لجمهور الناس يجوز الالتزام به، أما في قضية خاصة، هذه لا معنى لأن أدخل القضاء فيها. .
الرئيس:
هو كما تعلمون يا شيخ –والكلام للجميع- أن الفتوى إذا صدرت لن تكون في داخل مصرف إسلامي أو في داخل المصارف الإسلامية وإنما هي تفيد قاعدة للأمة أو فتوى لأمة من مصارف ومن متاجر ومن متعاملين وبين مسلمين متواعدين، بينهم وعد، وبينهم أي مواعدة كانت سواء كانوا في بطون المصارف أو في خارجها، فالفتوى إذا صدرت سيكون لها صفة العموم في الأمة، وترد آلاف المسائل على القضاء، فكم من الأوعاد –وما سمعنا أن قضية وعد- رفعت إلى المحاكم، حسب استقرائي ومساسي بالقضاء ما يزيد عن عشرين عامًا في المملكة مثلًا –وذلك على سبيل المثال- ما سمعت بقضية وعد رفعت إلى المحاكم لأن المسلمين شبه متعارفين على أن الأوعاد غير ملزمة وإن كان الإثم لا يلزم الحكم القضائي في كل حال.
فالحقيقة هي أن الذي أحب أن يكون أمامنا، هل إذا قلنا إن الوعد ملزم بالمعاوضات، هل هو مقيد في حالة معينة تشتغل بها المصارف الإسلامية ويجعل لها من الضوابط والقيود ما يجعله في قالب شرعي؟ أو نقول لا؟ نأخذ بمقتضى النصوص {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] ((آية المنافق ثلاث..)) إلى غيره نحن معكم –ولسنا نحن معكم- لأننا نحن مع إجماع العلماء وإجماع المسلمين على الترغيب في الوعد، وأن أخلافه مذموم، لكن كونه مذمومًا شيء وكونه يقضى به شيء آخر، لما له من آلاف وأعداد كبيرة من الصور التي لا يمكن التخلص منها، ففي الواقع أردت التساؤل عنه فقط.
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:
اسمح لي، أنا لا أريد أن أقول إننا نجعل الأمر بغير ضوابط، لابد من وضع الضوابط – ولن يكون هذا في كل القضايا وفي كل المسائل- إنما هذه قضايا خاصة –الناس الآن أصبحوا يعملون في مجالها والبنوك الإسلامية تنتظر منا- نحن نقيد الفتوى بهذه القضية وما يتصل بها من ملابسات.
الرئيس:
هم لا ينتظرون منا لأنهم ماضون شغالون. .
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
بسم الله الرحمن الرحيم
أن لا أريد أن أطيل، لأن الحديث طال وفيه الكفاية، ولكن أريد تصحيح بعض المفاهيم بالنسبة إلى ما ينسب إلى بعض المذاهب، وأنا لا أريد أن ألزم الناس بالمذاهب ولكن أريد ألا نقول على المذاهب، وعلى علمائنا غير ما قالوا: لا نحمل كلامهم أكثر مما يتحمل.
بالنسبة للوعد، معروف في المذهب المالكي أقوال في وجوب الوفاء به ومنها القول بوجوب الوفاء إذا ورط الواعد الموعود، كما إذا قال الرجل لامرأته: إن أعطيتني ألفًا أفارقك، فباعت حليها وتكلفت الإتيان بالألف، فهنا يلزم به قضاء، وفي هذا يقول خليل بن إسحاق المالكي رحمه الله تعالى: عاطفًا على الأمور التي تلزم في باب الخلع: والبينونة فيه إن أعطيتني ألفًا فارقتك أو أفارقك إن فهم الالتزام أو الوعد إن ورطها، ومعروف مورد الفرق بين الوعد والالتزام، قرائن الأحوال وسوق الكلام.
أولًا: أريد أن أفتتح تدخلي هذا بكلمة قالها الإمام مالك رحمه الله تعالى عندما قال له عبد الرحمن بن القاسم: إن أهل مصر أعلم الناس بأحكام العقود، البيوع وما شاكلها، فقال له الإمام: ممن تعلموها؟ قال: منك يا أبا عبد الله، قال: سبحان الله، ما أعلم هذا، كيف يتعلمونها مني؟
أقول إن المالكية على اختلافهم في لزوم الوفاء بالوعد الذي أشار إليه على ابن قاسم الزقاق في كتاب المنهج بقوله: هل يلزم الوفاء بالوعد؟ نعم صدر بالإيجاب أو لا؟ نعم لسبب أو إن لزم يركزون على أن الموعود إذا تورط بسبب الواعد لزم الواعد الوفاء، ويذكرون من ذلك قضية الرجل يقول لامرأته إن أعطيتني الفًا فارقتك أو أفارقك –بالمضارع- يكون الالتزام، لزمت البينونة سواء ورطها أو لم يورطها، ويوفون، الوعد وورطها لزم الوفاء لزمت البينونة بمجرد إتيانها بالألف، كما إذا باعت حليها وتكلفت له هرق القربة فإنها في هذه الحال يلزم الوفاء لها قضاء أكثر مما يلزم ديانة.
قضية المرابحة للآمر بالشراء هذه لا تخرج عند المالكية، هناك من ينسب إلى المالكية غير ما يقولون ومن يفرق بين اشتر لي وابتع لي، وكلمة ابتع واشتر واحدة، لأن المصطلح عند الفقهاء أن الثلاثي من المادتين يستعمل للإخراج بعوض، والخماسي من المادتين يستعمل للإدخال بعوض، بعت وشريت للإخراج، وابتعت واشتريت للإدخال، فإذا قال له: ابتع لي هذه البكر، فلا فرق بينها وبين أن يقول له اشتر لي هذه البكر، والقضية عندهم ذات طرفين وواسطة، إذا قال له: جاء يسال عن سلعة فقال له المسؤول: أمهلني إلى غد وجاء بالسلعة وباعها بما يريد هذا لا غبار على جوازه، وعنه عبر خليل بن إسحاق بقوله: جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بثمن، وفي نسخة بنماء، وفي نسخة بمال ولو بمؤجل بعضه، الطرف الثاني أن يصرح بقدر ما يربحه وهذا ممنوع عندهم وهو قوله بخلاف اشترها لي بعشرة نقدًا وآخذها باثني عشر لأجل، ولزمت الآمر إن قال لي وفي الفسخ إن لم يقل لي أو إمضائها ولزومه الاثني عشر، قولان، والوساطة هي أن يوميء بالتربيح من غير تصريح، ففي هذه الحالة يكره العقد ولا يفسخ، وفي هذا يقول: وكره خذ بمائة ما بثمانين أو اشترها ويوميء بتربيحه ولم يفسخ.
والمالكية يركزون على سد باب الحيل، كل ما فيه حيلة على الربا، فإذا كان الآمر بالشراء يحتال على دفع القليل في الكثير فهذا ممنوع عندهم، وإذا كان إنما أراد مساعدته على الحصول على سلعة لا يمكنه شراؤها في الوقت الحاضر فطلبها من بنك أو مورد ووعده أنه سيشتريه له ووعده الآخر أنه سيشتريها منه لا على معنى المعاملة في النقود والمتاجرة بها فهذا من الأمور التي لا تخرج عن أنظار المجتهدين، ومحط الخلاف هو يجوز الأخذ بالأرفق والأوسع فيها، في هذا العصر الذي تكالبت عليه فينا قوى الشر ولم نصبح قادرين على إيجاد ذلك الاستقلال الإسلامي الخالص، والذي صدق علينا فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: - إن صح- ((يوشك أن ياتي على الناس زمان من لم يأكل فيه الربا ناله من غباره)) فنحن نريد أقل الشرين وأخف الضررين لا نريد أن نحرج الناس وفي هذا المعنى قال الإمام مالك رحمه الله تعالى عندما سئل عن جبن الروم، قال: هم قوم كفار ويجيئونه بأنفحة الخنزير، وما أحب أن أحرم على الناس معايشهم وشكرًا.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
استدل كثير من الإخوة في أحاديثهم بالآيات القرآنية التي توجب الوفاء بالعقود والوفاء بالعهود وبالأحاديث النبوية التي تؤيد هذا أيضًا، والواقع أن هذا الاستدلال في قضيتنا هذه غير وارد، أعني في قضية بيع المرابحة للآمر بالشراء على الإلزام، وهذه هي النقطة التي سأركز عليها لأن هذه الآيات كلها والأحاديث ليست على عمومها وإنما هي من العام الذي أريد به الخاص، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:(275) ] الله لم يحل كل بيع وإنما هناك أحاديث وآيات منعت بعض البيوع، فكلمة البيع هنا عام أريد به الخاص وكذلك ما جاء في كلمة التجارة {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فهذه الآية لا تصلح دليلًا على ما نحن بصدده وإنما هي دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم –الأصل في العقود بدلًا من الأشياء- الأصل في العقود والشروط الإباحة وهي قضية خلافية كما تعلمون لكن هذا هو الذي أرجحه وهو ما استقر عليه آراء المتأخرين من الفقهاء، الأصل في العقود والشروط الصحة والإباحة ما لم يقم دليل على المنع.
فهذه الآيات تصلح دليلًا على هذا، ونقبلها من القائلين بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء على الإلزام، نقبلها منهم لكن نرد عليهم بأن دليل المنع قائم، ودليل المنع هذا أجمع عليه الفقهاء المتقدمون، لم أجد فقيهًا واحدًا من المتقدمين أجاز هذه الصورة من البيع على الإلزام، فإن أبوا هذا وقالوا: لا نقبل أقوال المتقدمين ونحن لنا رأينا ونريد النص من القرآن والسنة، كما ثبتت هذه القاعدة من القرآن والسنة، نقول لهم: المتقدمون لم يقولوا هذا الكلام اعتباطًا وإنما بنوه على دليل قوي وسأعتمد على دليل واحد وهو حديث حكيم بن حزام ((لا تبع ما ليس عندك)) وقالوا: وهذا هو ما يقتضيه المنطق إن هذه المبايعة وقد سمعتم نصوصها الكثيرة في مذاهب المالكية وفي غيره، لا أريد أن أعيدها، قالوا: إن هذه المبايعة أو المواعدة إذ كانت على الإلزام من الطرفين فلا فرق بينها وبين بيع الإنسان ما ليس عنده، وسمعتم الأدلة التي اعتمد عليها الشافعي، كلهم متفقون على هذه العلة وهي أنها إذا جازت تؤول إلى أن هذا الشخص قد باع ما ليس عنده، فإذا قال شخص لآخر: أعدك بأن أبيع لك سلعة كذا وهي ليست عنده – الفرض أن السلعة غير موجودة عنده- أعدك بأن أبيع لك سلعة كذا بألف جنيه، وقال له الآخر: أعدك بأن أشتريها، وقلنا إن هذا ملزم وتحايلنا بأن هذين المتواعدين سينشئان عقدًا عندما يمتلك السلعة، ماذا فعلنا؟ هل كونهما سينشئان هذا العقد يغير من الواقع؟ وبخاصة عند من يقول إنه إذا نكل أحدهما يلزم ويأمر القضاء بالتنفيذ فإن لم ينفذ فعليه التعويض، أقول لهم: ما الفرق بين هذا ولم هذه اللفة؟ لم لا يقول له من أول الأمر بعتك سلعة كذا بمبلغ كذا، ويقول له الآخر: قبلت؟ ما الفرق في النتيجة بين هاتين الصورتين؟ هما واحد من غير شك، والذين يقولون –الأخ الشيخ أحمد قال- إن هذا في الغرب والناس يريدون ابتياعه، أقول أن هذه الصورة جائزة في القوانين جميعًا، القوانين العربية الموجودة الآن جائزة فيها ويسمونه بالوعد بالبيع ويشترطون فيه ما يشترط في البيع تمامًا ولا يطالبون بتجديد عقد، وهذا هو المنطق، لم؟ إذا كانا هما ملزمين بأن ينشئا هذا العقد على الصفة التي تواعدا عليها، فلم ينشئان العقد مرة أخرى؟ هذا عبث.
ولذلك أنا قلت في بحثي وطالبت بأن يبحث المجمع حديث حكيم بن حزام ((لا تبع ما ليس عندك)) فإذا كانت الصورة التي تتعامل بها البنوك ينطبق عليها هذا الحديث فلا مفر لنا من القول بعدم اللزوم ولا نستطيع أن نقول باللزوم، أما إذا استطعنا أن نوجد مخرجًا وتفسيرًا وقد كتبت في بحثي وهذا تفسير قديم ذهبت إليه وقلت: إن بيع الاستيراد المتعارف بين التجار لا يدخل في بيع ما ليس عندك، وبهذا يكون جائزًا مع أن السلعة غير موجودة عند التاجر، وهذا هو المتعارف في الأسواق الآن، لكن عندما جئنا إلى موضوع البنوك وهيئات الرقابة لم أفت بهذا الرأي في هيئة الرقابة، وطبقت رأي الجمهور وهو ما يقول به جميع الذين تحدثوا عن الإلزام، هم مسلمون بأن هذه الجزئية تدخل في بيع ما ليس عندك، ومع ذلك يريدون أن يجعلوا الوعد ملزمًا، في هيئة الرقابة في السودان لم نجز هذا، ورفضنا الإلزام كما قلت لكم، وقلنا بعدم الإلزام بالنسبة للمشتري بالنسبة لطالب السلعة، وقد تساءل بعض الأخوان واعترض على كيف يكون الإلزام من جانب ولا يكون من الجانب الآخر؟ أقول إن هذا هو الذي يخرج هذه الصورة من بيع ما ليس عندك، لأن المسألة فيها خيار، وسينشأ عقد جديد حقيقي برضا الطرفين، لأن أحدهما مخير لا يلزم أن يكون الاثنان، مادام أحدهما مخيرًا فقد خرجت المسألة من أن تكون من بيع ما ليس عند الإنسان، وقلت إن هذه المسألة وبخاصة عند المالكية –أما الشافعية فقد نص عليها صراحة، بل هو جعل للآمر الخيار من غير شرط، ولو رجعتم إلى عبارتي- عند المالكية وإن كانت عبارتهم مطلقة أو عامة وليس فيها إعطاء خيار لأحد الطرفين، وإنما فيها المنع إذا التزم الطرفان، وقلت إن تخريج إعطاء الخيار لأحد الطرفين على مذهب المالكية مفهوم واضح، لأن المالكية يقولون مثلًا في بيعتين في بيعة: هذه لا تجوز، إذا قال له بعتك هذه السلعة بعشرة نقدًا وبخمسة عشر إلى أجل وافترقا على ذلك بأن ألزما أنفسهما هذا، وهذه هي الصورة التي لا تجوز في بيعتين في بيعة، لكنهم قالوا: إذا جعل البائع الخيار للمشتري جاز ذلك، كذلك في بيع العين الغائبة قالوا لا تجوز من غير صفة ولا رؤية متقدمة إذا كانت على الإلزام –إلزام الطرفين- أما إذا جعل للمشتري الخيار فهي جائزة لأن له أن ينشئ العقد وله أن لا ينشئ، فهذا هو الفرق بين الحالتين.
هذا الموضوع فعلًا بحث في مناسبات متعددة والقول بأنه لا جديد فيه هو الجديد فيه، بزيادة الحجج وزيادة المؤيدين، هذا الموضوع عندما بحث في أول الأمر كان المؤيدون حوالي ثمانين في المائة، وابتدأ يتناقص المؤيدون للإلزام، وأرجو أن ينتهي هذا القول بالإلزام في مجمعنا هذا إلى لا شيء وأن يقع الإجماع على أنه جائز إذا لم يكن ملزمًا للطرفين إلى أن يتمكن المجمع من بحث ما يدل عليه حديث حكيم بن حازم ((لا تبع ما ليس عندك)) فعند ذلك نصل إلى تفسير لهذا الحديث وهو في رأيي قد يكون موجودًا فيريحنا من هذه التي أنا أعتبرها حيلة إذا قلنا بالإلزام، وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد مر على مسامعكم وقرأتم ما يتعلق بالوفاء بالوعد، وأما أكثر المداولات التي جرت هنا على أن الوفاء بالوعد غير لازم في المعاوضات وهذا ما عليه أكثر الباحثين وعليه عامة الفقهاء.
وأما ما يتعلق ببيع المرابحة، فتعلمون أن لها صورًا ثلاثًا يمكن التعامل بها، اثنتان قد يبدو أن الأولى منهما لا إشكال في إباحتها، والثانية إباحتها محتملة جدًا، وأما الثالثة التي سواء قلنا أنها تنبني على وعد ملزم أو أنها تنبني على الإلزام السابق ببيع لاحق، فالإخوان المقرر ومن سيؤلفون لوضع القرار في هذا الموضع مشاركون وسمعوا ما جرى في هذا الموضوع من مداولات والاتجاه العام حول ذلك، فأرى تأليف لجنة من المقرر الأستاذ سامي والمشايخ الآتية أسماؤهم: الشيخ نزيه والشيخ العاني، والشيخ علي السالوس، والشيخ الصديق الضرير، والشيخ محمد الاشقر، هل ترون هذا مناسبًا؟
نرفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
ويوصي المؤتمر:
أولًا: في ضوء ما لاحظه من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في اغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء، حتى كاد بعضها أن يقتصر على هذا النوع من المعاملات، والمأمول أن يشمل نشاط المصارف الإسلامية بقية أساليب تنمية الاقتصاد عن طريق إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهودها الخاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.
ثانيًا: أن تدرس الحالات العملية لتطبيق (المرابحة للآمر بالشراء) لدى المصارف الإسلامية لوضع أصول تعصم وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء.
الرئيس:
نعم.. قرر.. "من أولًا"..
مناقش:
يوصى المؤتمر في ضوء هذا:
أولًا:..
الرئيس:
لا.. لا دعونا أولًا يا شيخ.. قرر أولًا أن بيع..
الأمين العام:
أنا قبل هذا –سيدي- عندنا الموضوعان (الوفاء بالوعد) و (المرابحة للآمر بالشراء) إذن يكون القرار رقم (3) و (4) ونأخذ كل واحد على استقلاله.
الرئيس:
لا.. لا. نحن يا فضيلة الشيخ في أثناء المناقشة لعلكم تذكرون، قلنا إن بحث (الوفاء بالوعد) هو مدخل لبحث (المرابحة) لم يبحث لذات الموضوع، فطالما أنه ليس لذات الموضوع فإذا رأيتم يبقى على ما هو عليه لكن قد –مثلًا- يرى الأخوان على أن ما صدر من القرار يقدم ما في (الوفاء بالوعد) على (المرابحة) في نفس الصياغة.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
لكن هنا (بيع المرابحة) هو الذي يفهم به الوعد، لأن الوعد ليس المراد الوعد مطلقًا..
الرئيس:
المهم اقرأ أنت الفقرة الأولى ونستمر إن شاء الله.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
قرر:
أولًا: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض فيما يجب القبض فيه، هو بيع جائز شرعًا، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية الهلاك قبل التسليم.
مناقش:
نقول التلف.. بدل الهلاك التلف، هذه عبارة أفضل.
الرئيس:
هذا صحيح.. طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم.
أبو غدة:
وتبعة الرد بالعيب الخفي بعد التسليم. .
الشيخ البسام:
الأحسن نقول: وتبعة الرد بالعيب الخفي، لا تكفي هذه، هناك أشياء ثانية يحصل فيها الرد، التدليس، الغبن، الشكل نقول: ونحوه إذا أردنا أن نقتصر على هذا.
الرئيس:
وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد.
مناقش:
ونحوه نعم ونحوه، فيها شيء كثير.
الدكتور/ طه العلواني:
لكن لو سمحتم تكون بدل (طالما) بشرط أن تقع على المأمور.
الدكتور/ عبد اللطيف الفرفور:
أرى أن نتابع فضيلة الشيخ البسام ونقول: وتبعة نحو الرد، فقط كلمة نحو، نزيد كلمة (نحو) .
الرئيس:
وتبعة الرد.. الرد ليس له نحو، النحو للعيب يا شيخ.
الفرفور:
وتبعة ما هو.
الرئيس:
لا، وتبعة الرد بالعيب ونحوه.
الفرفور:
ونحوه.
الرئيس:
نعم في العيب الخفي، ونحوه بعد التسليم، يعني لعلها تناسب.
الشيخ المختار:
بعد الخفي ونحوه.
الدكتور/ طه العلواني:
لكن لو وضعنا بدل (ظلما) بشرط، يعني جعلناها شروط هذه الثلاثة.
الرئيس:
صحيح.. (وحصول القبض فيما يجب القبض فيه هو بيع جائز شرعًا بشرط أن تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم) ، مناسب؟
الدكتور/ طه العلواني:
نعم.. نعم.. نعم.
أبو غدة:
أولًا: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور وحصول القبض فيما يجب القبض فيه، هو بيع جائز شرعًا، بشرط أن تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم.. ما..
الشيخ البسام:
"فيما يجب القبض فيه" لا شيء الآن لا يجب القبض فيه لكن القبض يختلف بحسب المبيع.. وإلا ما في شيء يباع حتى يقبض، لكن القبض يختلف.
الرئيس:
يا شيخ عبد الله، هذا صحيح لكن أنا يظهر لي لو قال: وحصول القبض، إما أن يقال المعتبر شرعًا أو كل شيء بحسبه أو.. نعم.
أي نعم، أو حصول القبض الشرعي، كفى حتى يعم. لأنه ما هناك يعني مثل ما تفضل الشيخ (بحصول القبض الشرعي) .
الشيخ المختار:
لا.. لا عندنا المنهي عنه: بيع الطعام قبل قبضه، أما بقية المذاهب واحد فلا نحكم المذهب هنا.
الدكتور/ عبد الستار أبو غدة:
العقار يباع قبل القبض.
الشيخ المختار:
في مذهب مالك يباع الطعام قبل قبضه، فقط.
الرئيس:
المهم أن القبض –كما تعلمون- إما أن يكون بالتخلية، قد يكون بالتخلية والتخلية هي قبض، فإذا قلنا يجب القبض فيه، يكون لها يعني..
أبو غدة:
تنظيم.
الرئيس:
مفهوم، ما هو توضيح هذا.. هذا مفهوم مخالفة، لكن لماذا لا نقول:"وحصول القبض الشرعي"؟
الشيخ البسام:
نعم.. أحسن.
الرئيس:
يكفي وننتهي.
مناقش:
أنا ما أتكلم عن مذهب معين أبدًا.
الرئيس:
نحن –بدون مؤاخذة- المذهبية انتهت هنا في القرارات، المسألة دليل من الكتاب والسنة، ما في إشكال جزاكم الله خيرًا. .
الدكتور/ الصديق الضرير:
الكلمة هذه فيما يجب القبض فيه، لأنه يصير موضوع القبض وهذه المسألة –كما تعلمون- خلافية، بعضهم يجعل القبض في كل شيء وبعضهم يجعله في بعضه وقد تبحث في.. ولذلك رأينا أن توضع بهذه الصيغة ولكن ما في مانع إذا كان وجدتم أن المجمع حكم بأنه بعض الأشياء لا يجب القبض فيها، فلا مانع من التعديل الذي ذكره الرئيس "حصول القبض المطلوب شرعًا".
الرئيس:
يكفي..
مناقش:
سيادة الرئيس: ما دام قلنا بعد دخولها ملك المأمور هذا قد يشترط القبض وقد لا يشترط إذن نقصر على بعد دخولها في ملك المأمور ونحذف حصول القبض فيما يجب القبض فيه. يعني ما دام دخل، هو يدخل فيما بالقبض في حالة اشتراط القبض، هو دخل في ملك المأمور ونحذف حصول القبض فيما يجب القبض فيه، يعني مادام دخل هو يدخل فيما بالقبض في حالة اشتراط القبض هو دخل في ملك المأمور.
الرئيس:
بشرط أن تقع.
أبو غدة:
بشرط أن تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم مع خلوه –مع خلو العقد- من أي محظور.
الرئيس:
مكتوب هنا.. وعدم وجود أي محظور.
أبو غدة:
مع خلو البيع من أي محظور من محظورات العقد.
الصديق الضرير:
سيدي الرئيس، كلمة (بشرط) إن هذا ليس شرطًا –بل يا سيدي الرئيس- وإنما هو تعليل، السلعة دخلت في ملك البائع، هذا نتيجة، كون أن تبعة التلف وتبعة الهلاك والرجوع بالعيب ليس شرطًا نضعه نحن، وإنما هو نتيجة لدخوله، فالصياغة الأولى هي التي تؤدي المعنى المقصود.
أبو غدة:
صدقت.. طالما كانت.. الخ.
ثانيا:
الرئيس:
انتظر يا شيخ لا، طالما، لماذا لا يقال:"حيث إن المسئولية تقع على المأمور" مسئولية التلف، "حيث إن مسئولية التلف تقع على المأمور قبل التسليم".
الشيخ البسام:
لأن.. لأن..
الرئيس:
لأن مسئولية..
أبو غدة:
لماذا لأن؟
الشيخ البسام:
حيث ليست تعليلًا.
الشيخ المختار السلامي:
حيث القضايا.. (النظر فيها فقط) لأن حيث فيها الظرفية فقط.
أبو غدة:
لا داعي للتعليل هنا، لأنه فقط بيان الأثر الصحيح.
الرئيس:
ليس القصد، إننا نريد عبارة فقهية، (هل تعلم) يعبر بها الفقهاء؟ هذا هو القصد، الأمر ميسور، هذا لا مشاحة فيه.
الشيخ المختار:
نتوقف على اللغة الفقهية فقط.
الأمين العام:
الصديق الضرير فقيه.
الرئيس:
هو ما قال هذه.
الأمين العام:
لا.. لا هو الذي قالها وقد رجع إليها الآن.
الصديق الضرير:
(بشرط) هي ليست شرطًا، وإنما هي نتيجة.
أبو غدة:
نقول: مهما كانت..
مناقش:
لأن مسئولية..
أبو غدة:
لا، محل للتعليل هنا، نعلل ماذا؟ ما هو المعلل له؟
الرئيس:
اتركوا طالما تبقى على ما هي عليه..
مناقش:
موضوع "وجود أي محظور آخر من محظورات العقد" العقد لا يتم ويعتبر شرعًا، إلا بأمرين، (وجود شروط وانتفاء موانع) هذه العبارة لا تكفي لهذا المعنى، لا تكفي هذه العبارة لهذين المعنيين.
أبو غدة:
مع توافر شروط البيع وانتفاء..
البسام:
موانعه..
الرئيس:
يكفي..
أبو غدة:
حتى تجيب الجانب الإيجابي..
الرئيس:
حتى تجيب الجانب الإيجابي..
الأمين العام:
إذن أعد علينا الصيغة..
أبو غدة:
الأخيرة، وإلا كلها؟
الأمين العام:
وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم.
الرئيس:
وتوافر شروط البيع وانتفاء موانعه.
أبو غدة:
وتوافرت –طالما كانت- وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
الرئيس:
ما يخالف، زيادة خير إن شاء الله.
أبو غدة:
ثانيًا: كون الوعد ملزمًا أو غير ملزم في بيع المرابحة للآمر بالشراء يختلف حكمه بين الوعد والمواعدة.
الرئيس:
ما ممكن، "فإن هناك فرقًا بين الوعد والمواعدة".
أبو غدة:
عدلناها من أجل أن تصير فقرة مستقلة –يعني وسط- الشيخ الأمين الحبيب طلب أن تكون قرارًا مستقلًا، على الأقل نعملها فقرة مستقلة.
الرئيس:
لا.. لا قصدي نحذف كلمة (فإن هناك فرقًا؟)
أبو غدة:
ونضع بدلًا منها يختلف حكمه بين الوعد والمواعدة.
الرئيس:
أما كون الوعد ملزمًا أو غير ملزم.. ثانيًا.
أبو غدة:
كون الموعد ملزمًا أو غير ملزم في بيع المرابحة للآمر بالشراء، يختلف بين الوعد والمواعدة.
الأمين العام:
يختلف ماذا.. بين الوعد والمواعدة؟
أبو غدة:
يختلف الكون.. لا.. لا هو كون الوعد ملزمًا يختلف..
الصديق الضرير:
لماذا عدلنا عنها؟
الرئيس:
لأنه في الحقيقة فيها قلق لكن شوف، يا شيخ إذا قلنا: أما كون الوعد، لأنه ما في –ترى- مانع من أن يكون ثانيًا (أما كون الوعد) قل لي، فيه مانع؟ ما في مانع يمنع، لأن حتى إذا قلنا..
أبو غدة:
استشهد بالفقرة لوحدها بدون ما قبلها.
الرئيس:
لأنكم تعلمون أن الوفاء بالوعد ما بحث استقلالًا، بحث مدخلًا لبيع المرابحة، فإذا قلنا ثانيًا:" أما كون الوعد ملزمًا أو غير ملزم في بيع المرابحة للآمر بالشراء فإن هناك فرقًا بين الوعد والمواعدة ".
الشيخ المختار:
القلق الذي عندي من العبارة: هو ابتدأنا أما كون الوعد ملزمًا أو غير ملزم، فإن هناك فرقًا بين الوعد والمواعدة، نحن نتحدث عن الوعد أو المواعدة، فالعبارة كلها قلقة، ابتدأت بوعد وانتهت إلى أن هناك فرقًا بين الوعد والمواعدة.
الدكتور/ عبد اللطيف الفرفور:
سماحة الرئيس، أرى أن هذا القلق كله جاء نتيجة جعل المدخل خاتمة، والخاتمة مدخلًا، فلو أننا قدمنا هذا الموضوع –الوعد والمواعدة- وجعلناه مادة رقم (1) وقلنا: الوعد قسمان: وعد ومواعدة، ويختلف الحكم، وتكلمنا على ذلك وجئنا ببيع المرابحة بعد ذلك، الوعد نوعان: ملزم وغير ملزم وإن فرقا بين الوعد والمواعدة.
الشيخ المختار:
فضيلة الرئيس، يجب أن تحذف أن نحذف كلمة..
الرئيس:
يا مشايخ، ما رأيكم أن نقول: هناك فرق بين الوعد والمواعدة يختلف؟
أبو غدة:
يختلف حكمهم في الإلزام.
الرئيس:
هناك فرق بين الوعد والمواعدة يختلف الحكم فيهم بالإلزام في بيع المرابحة للآمر بالشراء على ما يلي:
الفرفور:
رقم (1)
الشيخ المختار:
لا، أنا عندما ينتهي من الفقرة، (وموانعه) تكون الفقرة الثانية:"الوعد الذي يصدر من الأمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزمًا".
المواعدة من الطرفين تجوز بشرط الخيار للمتواعدين، أما كون الوعد ملزمًا أو غير ملزم، لا حاجة لنا بها.
الرئيس:
لاحظ شيئًا واحدًا، إن عشرة السطور الآتية للتفسير، شرح بيان للوعد وبيان للمواعدة.
الفرفور:
الذي تفضلتم به هو الخير.
الدكتور/ طه العلواني:
لو سمحتم سيادة الرئيس، أنا يعني مع الشيخ السلامي في هذا الموضوع، إن السطرين الأولين:(أما كون كذا..) يحذفان ثم يأتي أولًا (الوعد الذي يصدر من الأمر.. الخ) .
ثانيًا: المواعدة من الطرفين:
الرئيس:
اقرأ يا شيخ، الوعد، حتى ننظر الآن:
الدكتور/ عبد الستار أبو غدة:
صارت ثانيًا: الوعد الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة لذلك الوعد، ويتحدد أثر الالتزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
ثالثًا: المواعدة من الطرفين تجوز بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو احداهما فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في البيع تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة ((لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.))
الدكتور/ طه العلواني:
أعتقد، هذا جيد إن شاء الله.
الدكتور/ الصديق الضرير:
إننا نقول: "لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة وليس في البيع، لأن المواعدة الملزمة هنا جائزة في البيع، نحن نتكلم عن بيع المرابحة "لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع"..
الدكتور/ طه العلواني:
جيد هذا..
الشيخ خليل الميس:
سيادة الرئيس، إذا أمكن: "وأما المواعدة من الطرفين.. فإنما تجوز بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، لنحذف الفقرة الثانية، إنما تجوز بشرط الحذف (فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز) ، تختصر العبارة وتكون أدق.
الشيخ المختار:
التنظيم، الوعد الذي يصدر من الأمر وتحدثنا عن الوعد، ثم المواعدة من الطرفين تجوز، هذا الترتيب التنظيم اللفظي وتبقى كما هي.
الدكتور/ عبد اللطيف الفرفور:
شكرًا سيدي الرئيس.
هناك ملاحظتان، واحدة شكلية والثانية موضوعية، الناحية الشكلية أرى أن يجعل الوعد أولاً والمواعدة ثم بيع المرابحة
ثانيًا، وهذا المنطق السليم أن نجعل الوسيلة أولًا ثم الغاية، الناحية الموضوعية هي العذر، ما هو العذر؟
هذا عذر مطلق، أرى أن يوجد عذر معتبر شرعًا، أن نضيف كلمة معتبر شرعًا في كلا المحلين، فالوعد الذي يصدر من الآمر إلى آخره، إلا لعذر معتبر شرعًا، وفي آخر العبارة (بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر معتبر شرعًا) فإطلاق العذر هكذا..
الرئيس:
الحقيقة أن هناك النقطة –في نظري التي قد تكون واردة- أنه ما فسر الوعد ولا فسرت المواعدة هنا.
مناقش:
هناك فرق بين الوعد والمواعدة من حيث كذا في بيع المرابحة.
الرئيس:
هم أرادوا الفرق حكمًا، لكن أنا أريد الفرق حقيقة، فلابد أن يقال: الوعد وهو كذا، لابد أن يصير فيه تفسير: ما هو الوعد هذا؟ لأنه الآن جعل التفريق بين الوعد والمواعدة، القارئ الآن ما يعلم ماذا تقصدون بالوعد، وماذا تقصدون بالمواعدة إلا أنكم أفتيتم هذا ملزم وهذا غير ملزم.
الشيخ المختار:
الجواب سيادة الرئيس، الوعد الذي يصدر من الأمر أو المأمور، والمواعدة هي من الطرفين، هو موجود أمامنا.
الصديق الضرير:
من الطرفين، هذا هو المقصود، أن الوعد من جانب واحد، والمواعدة من جانبين، وهذا هو محط الفرق.
الرئيس:
لا إذا كانت هذه حقيقة الوعد، فالوعد الذي يصدر عن الواعد وهو الذي يصدره، والوعد هو الذي يصدر هنا.
الوعد وهو والذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزمًا.
مناقش:
الوعد في بيع المرابحة.
الشيخ المختار:
الوعد الذي يصدر.. الذي.. تفسيرية، الذي يصدر هي تفسيرية واضحة جدًا.
الرئيس:
لا ما هي تفسيرية، القصد شيء واحد، أنتم تصدرون حكمًا، فهل جرت العادة أن الفقيه يصدر حكمًا أن الحقيقة الشرعية للوعد هي كذا، والحقيقة الشرعية للموعود هي كذا أنتم تبنون الحكم على هذه الحقيقة أم لا؟ تبنون الحكم الشرعي على حقيقة الوعد، وحكم المواعدة على حقيقتها، فإذا قلتم الوعد..
أبو غدة:
الوعد يصدر..
الرئيس:
الوعد وهو الذي يصدر.
الضرير:
لا.. مقبولة هنا، وهو الذي يصدر زيادة خير.
الشيخ المختار:
الوعد: الذي يصدر يكون نعتًا، ويكون الخبر، يكون ملزمًا، وإذا قلت الوعد وهو الذي تصبح الجملة في الحقيقة.. .
الدكتور/ الفرفور:
ما تفضلت به قيم، لكن إذا جعلت التعاريف أو التعريفات في أول الحديث فنقول: الوعد هو كذا وكذا، والمواعدة هي كذا وكذا، والمرابحة للآمر بالشراء، هي كذا وكذا، ثم بعد هذه التعريفات نثني فنقول: الوعد حكمه كذا وكذا، والمواعدة حكمها كذا وكذا، والمرابحة حكمها كذا وكذا، يكون هذا تفصيلًا بعد إجمال، وغاية بعد واسطة، والرأي لكم.
الأمين العام:
سيدي، نحن لا حاجة لنا لتحديد لا الوعد ولا المواعدة، أما من الناحية اللغوية والشرعية فكلاهما معروف، ثانيًا: المقام يخصص، نحن نتحدث عن الوعد والمواعدة مرتبطين بالمرابحة.
الرئيس:
والآن الوعد والمواعدة مفسران يا شيخ، لكن تفسيرهما ليس حكمًا من المجلس، التفسير بني عليه الحكم هذا هو الظاهر فأنا أقول: الوعد وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور ثم يأتي الحكم.. هذا لا شيء فيه.
الأمين العام:
نحو إذن وهو ملزم، يصير الوعد وهو الذي يصدر من الآمر ملزمًا قضاء.
الرئيس:
فالوعد وهو الذي..
الأمين العام:
لا داعي للفاء، الوعد..
أبو غدة:
الوعد وهو الذي يصدر..
الشيخ المختار:
عندما أقول: "وهو الذي" ماذا أضافت من المعنى؟ لم تضف أي معنى جديد.
أبو غدة:
الوعد وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد.
الرئيس:
يأتي الحكم، يكون ملزمًا.
أبو غدة:
يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر.
الرئيس:
يكون فيها بيان للناس. .
البسام:
الواو أحسن حذفها، الوعد هو الذي، لكن وهو الواو حرف عطف، الوعد هو: الذي يصير تفسيرًا للوعد، بين قوسين هو كذا وكذا، الوعد هو الذي..
الرئيس:
هذا مناسب.
الصديق الضرير:
لا يستقيم، لا يستقيم سيدي الرئيس بهذه الكيفية، لأننا نريد الخبر ياتي، هذه جملة اعتراضية، (الوعد وهو الذي) جملة تفسيرية.. خبرها الخبر هو يكون.
الرئيس:
المراد يا شيخ عبد الله على أنه ليس حكمًا، القرار ليس حكمًا على أن الوعد تفسيره كذا، المراد هنا الحكم على هذا الوعد المفسر، ما فيه شيء تكون بين قوسين يعني تكون بين عارضتين –وهو الذي- وتنتهي.
الدكتور/ طه العلواني:
سيادة الرئيس، في هذه الحالة لا يكون تفسيرًا، لأنه ناقص (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور) ما الذي يصدر من الآمر والمأمور؟ يجب أن نبين، لا نكمل تقلق العبارة.
الرئيس:
يكون ملزمًا.
العلواني:
وهو الذي يصدر من الآمر والمأمور بتعهد بكذا أو شيء حتى يتم.
الرئيس:
لا.. لا أبدًا ماشية يا شيخ، على أن يكون ملزمًا، اقرأ.
أبو غدة:
ثانيًا: الوعد (وهو الذي من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للواعد ديانة الخ العبارة.
ثالثًا: المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) .
الأمين العام:
والمواعدة وهي..
أبو غدة:
وهي التي تصدر من الطرفين.
البسام:
لا داعي للواو.. لا داعي للواو هذه.. .
أبو غدة:
حذفنا الواو، المواعدة ثالثًا صارت فقط.
(وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز ففي بيع المرابحة بشرط الخيار للمواعدين.
الأمين العام:
أو أحدهما.
أبو غدة:
المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما.
الرئيس:
المهم ما رأيكم في الحكم؟ الصياغة انتهينا منها، لكن ما رأيكم في الحكم في قضية الوعد في هاتين الفقرتين؟
البسام:
مسألة خلافية معروفة.. هذه مسألة خلافية معروفة.
الرئيس:
ما رأيكم فيما انتهينا إليه؟
البسام:
جمهور أهل العلم ما يرون الوفاء بالوعد ملزمًا بحال من الأحوال.
العلواني:
سيادة الرئيس، كنا في منجاة حقيقية قبل اقتراح فضيلتكم، هذا وكانت العبارة سليمة، ومؤدية للغرض فيعني لو قلنا: الوعد الذي يصدر من الآمر أو المأمور يكون ملزمًا وقلنا في العبارة الأخرى: المواعدة وهي التي تصدر من الطرفين تجوز بشرط الخيار، العبارة ماشية وما فيها قلق، فالآن بدأنا نضيف ونقلق في العبارتين فأظن لو نرجع إلى هذا.
الرئيس:
على كل إذا قلنا الوعد وهو الذي تريدون، الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، هذا مقبول لا أظن أنه محل خلاف.
الفرفور:
عذر أيش؟
أبو غدة:
معروف.
الشيخ المختار:
ما لم يكن شرعيًا لا يكون معتبرًا، قلناها أو لم نقلها.
مناقش:
عذر شرعي.
المختار:
هو كل شيء شرعي، الأعذار المعتبرة هي الأعذار الشرعية، غير المعتبر شرعًا مفسوخ ساقط غير موجود.
مناقش:
إذا تسمح لي سيادة الرئيس.
الرئيس:
حتى يكون ملزمًا الواعد ديانة، ما في حتى كلمة إلا لعذر، لو حذفت بالأساس ما فيه ما يدعو إليها.
مناقش:
ليس له محل.
الرئيس:
لأنها يعني المسألة ديانة، لكن يبقى محل الأخذ والرد من هنا، وهو ملزم قضاء، إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة لذلك الوعد، هذا طبعًا على مذهب المالكية الذين يقررون إذا دخل في ورطة، إذا دخل الوعد بورطة، ويتحدد أثر الالتزام في هذه الحالة يقررون إما بتنفيذ الوعد وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
مناقش:
إذا سمحت لنا، يعني يمكن أن نبدل العبارة بصورة أو جزء وأقوى حتى تكون العبارة فقهية بشكل كامل نقول: فالوعد الذي يصدر من طرف واحد يكون ملزمًا، أما الوعد من الطرفين (أي المواعدة) فإنها تجوز بشرط الخيار.
العلواني:
سيدي الرئيس، ربما تأذنون أنها ماشية ولكن ديانة لا قضاء إلا إذا كان معلقًا ونحذف.
الشيخ المختار:
الموجود الآن أوضح من هذا، يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، انتهينا، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا.
الرئيس:
العبارة مستقيمة ما فيها شيء، لكن ليس الشأن بالعبارة الشأن في الحكم هل أنتم متفقون على هذا الحكم أم لا؟ هذا هو الشأن. الذي يوافق عليه يرفع يده.
الصديق الضرير:
ما فهمته لجنة الصياغة بالاجتماع العام..
الفرفور:
بزيادة عذر شرعًا.
الرئيس:
المهم الذي يوافق على هذه الفقرة يرفع يده.
الرجاء عدم الحديث الذي يوافق على بقاء هذه الفقرة يرفع يده.
أبو غدة:
بعد الأيدي المرفوعة.. وصل العدد إلى 19.
الدكتور/ طه العلواني:
لم نر يدك يا سماحة الرئيس، لم نر يدك.
الرئيس:
أنا في الواقع يعني ليس قضية أني لا أرى، أنا متوقف في هذا الموضوع منذ وقت بحثه، من الدورة الماضية وأنا أسأل الله أن يفتح لنا ولكم بما هو الحق.
الفرفور:
أرجو يا سماحة الشيخ.
أرجو سماحة الشيخ كلمة واحدة، أن نزيد في آخر العبارة بالوعد بلا عذر شرعًا، أو بلا عذر معتبر.
الرئيس:
المهم يا مشايخ لا تنسوا نظام المجمع على أن الذين لهم تحفظات فإنهم يكتبون تحفظهم في ورقة ويسلمونها لأمانة المجمع، لأن هذا دين وأحوط لذمة الإنسان.
الأمين العام:
السؤال الوحيد هو أن فضيلة الشيخ عبد اللطيف الفرفور اقترح تغيير الترتيب، أنأخذ ببيان الوعد والمواعدة ثم بيع المرابحة أم نبقيها كما هي؟
الرئيس:
لا.. تبقى على ما هو عليه.
عجيل النشمي:
لو سمحت يا فضيلة الرئيس.
في هذه الحالة ينبغي أن يقال: قرر المجلس بالأغلبية أو المجمع بالاغلبية اعتقد هذا تبعًا للنظام.
الأمين العام:
القرار يصدر بالأغلبية دائمًا.
أبو غدة:
ويوصي المؤتمر:
في ضوء ما لاحظه –بدون أولًا- من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء حتى كاد بعضها أن يقتصر على هذا النوع من المعاملات بما يلي:
المختار السلامي:
إزالة (أن)"حتى كاد بعضه يقتصر".
أبو غدة:
حتى كاد بعضه يقتصر على هذا النوع من المعاملات، بما يلي:
أولًا: أن يشمل نشاط المصارف الإسلامية بقية أساليب تنمية الاقتصاد عن طريق إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهودها الخاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.
ثانيًا:....
الأمين العام:
من فضلك.. من فضلك: أنت غيرت الجملة وبناء على هذا ينبغي أن نضيف.
أبو غدة:
نحذف رقم (1)
الشيخ المختار:
كلمة (والمأمول) بداية.. والمأمول..
أبو غدة:
لا.. لا. تغيرت.. تغيرت.
الشيخ المختار:
كيف أصبح التعبير؟
أبو غدة:
ويوصي المؤتمر "تحذف رقم (1) "
في ضوء ما لاحظه من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طرق المرابحة للآمر بالشراء.. حتى كاد بعضها يقتصر –بدون أن- على هذا النوع من المعاملات، بما يلي:
الرئيس:
يوصى بما يلي:
أبو غدة:
تكرر يوصى مرة ثانية؟
الرئيس:
طال الفصل نعم.
الدكتور/ طه العلواني:
لا عفوًا إذا سمحتم، ترفع من الأول وتوضع في الأخير، فيقال في البداية، (في ضوء ما لاحظه) إلى قولك (من المعاملات) يوصى بما يلي:
…
أبو غدة:
لا.. ضروري حتى نفصل بين القرار والتوصية، دائمًا مألوفة في القرارات.
التسخيري:
وكلمة حتى كاد..
العلواني:
يوضع عنوان فرعي "توصية".
الرئيس:
دعوها.. مناسبة يا شيخ.
أبو غدة:
يوصى بما يلي:
أولًا: أن يشمل نشاط المصارف الإسلامية إلى آخر الفقرة.
ثانيًا: أن تدرس الحالات العملية، إلى آخر الفقرة.
التسخيري: كلمة (حتى كاد) لو تحذف، لا داعي لها، يعني المعنى الأول كاف، فلماذا نتهم نحن هذا البنك أو ذاك؟ يعني (حتى كاد) لا داعي لها.
الشيخ المختار:
حتى تكون التوصية واضحة هو اليوم يوجد فيه نشاطات ومختلف أنواع النشاط إنما التوسع في مختلف أنواع النشاط الأخرى هي الأمور التي نبغيها، أما اليوم ليست مقتصرة على البيع بالمرابحة.
التسخيري:
ولذلك (حتى كاد) يحذف.
الشيخ المختار:
ما سمعت الكلام في هذا، أنا تدخلت، هذه قضية غير صحيحة، عندما نقول يوصي بالنشاط، النشاط موجود ومتوفر، وسيادتك أنت مع بيت التمويل الكويتي هل الموجود فيه المرابحة فقط؟ أو شمل نشاط المرابحة وغيرها؟ فإذا شمل النشاط المرابحة وغيرها فكيف نوصي بشمول المرابحة وغيرها؟ نوصي بالواقع؟ والذي نراه.. ليس هو الشمول وإنما هو التوسع في مختلف النشاطات.
أبو غدة:
مناسب.. أن يتوسع.
الأمين العام:
أن يتسع نشاط المصارف الإسلامية لبقية..
التسخيري:
أن يشمل نشاط كل المصارف الإسلامية مختلف النشاطات يعني تعميم وليكن التعميم لكل المصارف الإسلامية.
السلامي:
أن يتوسع نشاط المصارف الإسلامية في بقية أساليب تنمية الاقتصاد وليس أن يشمل هو شامل الآن.
أبو غدة:
أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية بشتى أساليب.
البسام:
أقول (أن) مصدرية تأتي بعد حتى.
التسخيري:
هذه العبارة كلها تحذف (حتى كاد) الأفضل أن تحذف، يقترح هذا المعنى يا سيادة الرئيس (حتى كاد بعضها يقتصر) هذا المعنى احذفوه، حتى لا داعي لذكر ذلك، اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل يوصي بما يلي:
أولًا: أن يتسع نشاط
…
الرئيس:
هذا طيب.
الأمين العام:
هذا ما فعلناه.
أبو غدة:
نشطب يقتصر؟
الرئيس:
لا، إلى التمويل.
أبو غدة:
لا، عن طريق المرابحة للآمر بالشراء، عند كلمة: بالشراء.
الرئيس:
حتى كاد..
أبو غدة:
نشطب (حتى كاد بعضها يقتصر) نقول يوصي بما يلي: صارت هكذا ويوصي المؤتمر:
في ضوء ما لاحظه من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء.
يوصي بما يلي:
أولًا: أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد ولا سيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة.
الأمين العام:
مع أطراف أخرى.
أبو غدة:
مع أطراف أخرى.
ثانيًا: أن تدرس إلى آخره
…
ويصبح نص القرار كاملًا على النحو التالي:.
قرار رقم (2، 3)
بشأن
الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي (الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما.
قرر:
أولًا: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعًا، هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
ثانيًا: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الوعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
ثالثًا: المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة ((لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.))
ويوصي المؤتمر:
في ضوء ما لاحظته من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء.
يوصي بما يلي:
أولًا: أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد ولا سيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.
ثانيًا: أن تدرس الحالات العملية لتطبيق (المرابحة للآمر بالشراء) لدى المصارف الإسلامية، لوضع اصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء.
والله أعلم