الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنظيم النسل وتحديده
إعداد
الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد
أستاذ بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
وعضو مجمع الفقه الإسلامي عن جمهورية السودان
بسم الله الرحمن الرحيم
تنظيم النسل وتحديده
الأصل في هذه المسألة قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (1) . فحرم الله تعالى في هذه الآية ما كان يفعله الجاهليون من وأد البنات خشية العيلة فالله يرزقهم وأولادهم. وقد كان منهم من يفعل ذلك بالذكور والإناث خشية الفقر كما هو ظاهر الآية. وحرمة هذا الفعل من الأشياء المجمع عليها.
وقد اختلف الفقهاء في العزل فاستدل بهذه الآية من يمنع العزل وقال: إنه منع أصل النسل فتشابها، إلا أن قتل النفس أعظم وزرا وأقبح فعلا، وذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى كراهة العزل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن العزل فقال:((ذلك الوأد الخفي)) (2) .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة وأنا أعزل عنها، وأنا أريد ما يريد الرجل، وإن اليهود زعموا: أن الموءودة الصغرى العزل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه)) (3)
وروي عن ابن عمر أنه كان لا يعزل، قال مالك والشافعي: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، ولا عن زوجته الأمة في رأي الإمام مالك إلا بإذن أهلها، ويعزل عن أمته بغير إذنها. وروي عن ابن عباس:(تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية) وبه قال أحمد.
(1) سورة الإسراء الآية 31
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1442)(141) في النكاح: باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل، وهو في المسند 6/361 و 434 والبيهقي 7/231
(3)
قال الإمام البغوي: وإسناده صحيح وله شاهد عند البيهقي 7/230.
وقال بجوازه جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء لما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل قال: " اعزل عنها إن شئت. فإنها سيأتيها ما قدر لها ". فلبث الرجل ما شاء الله ثم أتى رسول الله بعد ذلك فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: " قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدرلها ")) .
وفي حديث آخر متفق على صحته (1) عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل، قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل فأردنا أن نعزل فقلنا: نعزل ورسول الله بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال:((ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)) .
قال جابر (كنا نعزل والقرآن ينزل)(2) ، ورخص فيه زيد بن ثابت وروي عن أبي أيوب، وسعد بن أبي وقاص وابن عباس، أنهم كانوا يعزلون.
يمكننا مما سبق أن نصل إلى ما يأتي:
أولًا: لا يجوز لأمة مسلمة أن تتخذ تحديد النسل سياسة عامة للدولة خوفا من العيلة والفقر أو ما شابه ذلك لقوله تعالى المذكور في بداية البحث وقوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (3) وليس بعد هذا الضمان الرباني ضمان لمن آمن بالله واليوم الآخر ولينظر كيف أن الله تعالى قد ألزم نفسه برزق عباده، مسلمهم وكافرهم، غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم ومن فهم حقيقة الغنى والفقر، وأن الغني قد يصبح فقيرا معدما، والفقير المعدم قد يمسي غنيا موفور الغنى، ومن يعلم لعل ابن الفقير قد يكون من أغنى الناس في مستقبله أو قد يكون من العلماء الصالحين أو المسلمين الأخيار كما دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:((استكثروا من أولادكم فإنكم لا تدرون بمن ترزقون)) .
(1) انظر شرح السنة للبغوي ج 9 ص 103 الطبعة الثانية، مطبعة المكتب الإسلامي، بيروت
(2)
أخرجه البخاري 9/266 في النكاح: باب العزل ومسلم (1440) في النكاح: باب حكم العزل
(3)
سورة الذاريات الآية 22
لا يرتاب من فهم ذلك في أن تحديد النسل خوف العيلة، أو عدم القدرة على الإنفاق، أو خوف المرض، أو عدم القدرة على التعليم، غير جائز ولا يليق بمؤمن.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصحنا بقوله ((تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) وقوله: ((تزوجوا الودود الولود)) وفى آخر يقول: ((سوداء ولود خير من حسناء عقيم)) .
والمتأمل في هذه الأحاديث لا يملك إلا أن يدرك الحكمة البالغة التي رمى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نظرنا إلى هذه المسألة من الناحية الواقعية، نجد أن الأمة وسلامتها مرتبطان بكثرة أفرادها فالأمم القليلة العدد مغلوبة على أمرها مهما بلغت قوتها الأدبية أو العلمية أو الصناعية فهي دائما قلقة محتاجة إلى من يضمن سلامتها، وإذا أخذت أمة الإسلام بهذا التوجيه، فتكاثرت في إيمان بالله، ووحدت كلمتها، وأعدت عدتها، فيبعد أن تقع فريسة صاغرة لأي أمة أخرى مهما كانت.
ثانيًا: إذا كانت هنالك مسائل فردية، مشروطة بحال مرضية أو نفسية كأن يؤكد الأطباء المتخصصون خطورة الحمل مثلا على امرأة بعينها، أو يخشى على حياتها من استمرار الحمل أو تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنها وزوجها، غير قادرين على تحمل أعباء تربية الطفل ويخشيان على طفل يولد لهما من الإهمال والضياع وسوء المعاملة المؤكد
…
فهذه مسائل شخصية بحتة تتوقف على رأي المتخصصين، والله أعلم بما في صدورهم أجمعين {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1) .
وإليه ترجع الأمور وإليه المصير.
محمد عطا السيد
(1) سورة غافر الآية 19