الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوثائق
تطبيق الشريعة
إعداد
الدكتور صالح بن حميد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال المتعالي عن الأشباه والأفعال. أحمده سبحانه وأشركه من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر وله الحكم وهو الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله مصطفاه من خلقه، كتب الفلاح لمن اتبعه واحتكم إلى شرعه ففاز في الحال والمآل صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون فبتقوى الله تزكو الأعمال وتنال الدرجات وارغبوا فيما عنده فبيده الخير وهو على كل شيء قدير. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتعبوا من دونه أولياء.
أيها المؤمنون:
من حق هذه الأمة أمة الإسلام: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أن تفخر بدينها وتعتز بتشريعها حيث توحدت به الصفوف وأتلفت به القلوب. أنقذها، من مهاوي الرذيلة إلى مشارف الفضيلة ونقلها من الذل والاستعباد والتبعية إلى العزة والكرامة وصحيح الحرية. دين الأمن والأمان وشريعة العدل والرحمة. دين أكمله الله فلن ينقص أبدا ورضيه فلن يسخط عليه أبدًا:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .
عباد الله:
شريعة الله هي المنهج الحق الذي يصون الإِنسانية من الزيغ ويجنبها مزالق الشر ونوازع الهوى شفاء الصدور وحياة النفوس ومعين العقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) } .
منبع الشريعة ومصدرها كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
كتاب الله أساس الدين ومصدر التشريع حجة الله على العالمين حوى أصول الشريعة وقواعدها في عقائدها وأخلاقها وحلالها وحرامها يضيء للأئمة مسالك الاستنباط في معرفة أحاكم الحوادث والمستجدات في كل زمان ومكان.
(فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلَاّ في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها) ، كما قال الإِمام الشافعي رحمه الله، يقول الشاطبي:(الكتاب كل الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة وآية الرسالة ونور البصائر والأبصار، لا طريق إلى سواه ولا نجاة إلَاّ لمن استضاء بهداه) . اهـ.
يفتح مغاليق القلوب وتستنير به الأفئدة.
كتاب الله الحكيم فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينبكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.
أما سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وتقريراته المعزة للقرآن الدالة عليه والمبينة لمجمله والمفصلة لأحكامه، فرضٌ اتباعها وحرام مخالفتها:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ، {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
أيها المؤمنون:
الإِسلام عقيدة وشريعة. إيمان بالله وتوحيد له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. عبودية تامة وخضوع مطلق ورضى بدين الله وتصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم من غير شك ولا ريب ولا حرج. التزام في المنهج والعمل في التعامل والقضاء والحكم والإِدارة في الأفراد والجماعات.
إن الإِسلام حياة تعبدية تجعل المسلم موصول القلب بربه يبتغي رضوانه في شؤونه كلها.
نظام خلقي يقوم على إشاعة الفضيلة واستئصال الرذيلة. نظام سياسي أساسه إقامة العدل وتثبيت دعائم الحق. نظام اجتماعي نواته الأسرة الصالحة وعماده التكافل بين أبناء المجتمع. دين عمل وإنتاج منهج كامل متكامل لكافة أنماط النشاط البشري على نور من الله ابتغاء مرضاة الله.
من هنا – أمة الإِسلام – فإن هذا الدين بأصوله ومبادئه وفَّى ويفي بحاجات البشرية في كل عصر ومصر، انتشر في أنحاء الدنيا ودخل تحت سلطانه أجناس البشر فوسع بمبادئه وقواعده كل ما امتد إليه نفوذه من أصقاع المعمورة، عالج كافة المشكلات على اختلاف البيئات وما عجز في يوم من الأيام عن أن يقدم لكل سؤال جوابًا ولكل واقعة فتوى ولكل قضية حكمًا. ومدونات الفقه والفتاوى برهان للمتشككين.
وكيف يكون ذلك والشريعة – كما قال الحافظ ابن القيم رحمه الله:
(مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد عدل كلها رحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة) .
لقد كانت هذه الشريعة أساس الحكم والقضاء والفتيا في العالم الإِسلامي كله أكثر من ثلاثة عشر قرنًا انضوى تحت لوائها أعراق شتى وامتزجت بها بيئات متعددة فما ضاقت ذرعًا بجديد ولا قعدت عن الوفاء بمطلوب.
ولماذا نرجع إلى الماضي وبين يدينا ولله الحمد والمنة حجة قائمة وبرهان ظاهر، فهذه بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية قائمة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محكمة شرع الله قادتها وحكومتها وأهلها ومجتمعها يعيشون في ظلال الشريعة ونور الكتاب والسنة في أمن وطمأنينة وخير ونعمة ملء القلوب الرضى وما يرجى من الله خير وأبقى أدام الله علينا نعمه وزادنا إيمانًا وتوفيقًا ورضى وتسليمًا.
أيها الإخوة في الله:
إن من مقتضيات الإِيمان الإِقرار بحق التشريع لله وحده فالحكم لله وحده: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ، والتولي والإِعراض عن تحكيم شرع الله من مسالك المنافقين والظالمين:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) } . {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} الآية.
أمة الإِسلام:
على الرغم من هذا الوضوح والجلاء إلَاّ أن أعداء الإِسلام أبوا إلَاّ وضع العراقيل وتلفيق التهم واختلاق الشبه حول الشريعة وشمولها وصلاحيتها، بل لقد استطاع الغزو الفكري أن يجعل من بعض المسلمين حتى المثقفين يستحيون أو يشمئزون من ذكر بعض شرائع الإِسلام كالحدود والقصاص والحجاب وكأنهم لا يرون مانعًا أن تكون ديار الإِسلام ميدانًا فسيحًا تنمو فيه الدنايا وسفاسف الأخلاق وموطنًا رحبًا يجد فيه المرجون والمتوحشون فرصًا للاعتداء والاغتيال – بل إنك ترى في بعض من يخوض فيها ويلوك أناسًا لا يعرفون الطريق إلى المساجد ولا يتورعون عن الموبقات والمزالق فتراهم يسرون أو يعلنون أن تحريم الخمر والزنا وقطع دابر اللصوصية والمفسدين تشدد وهمجية. أما سمعوا قول الله في المنافقين:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ، وقوله سبحانه:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
أيها الأخوة في الله:
ليس الإِيمان بالتحلي ولا بالتمني وليس الإِسلام مجرد الانتساب الاسمي ولكنه ما استيقن والقلب وصدقه العمل.
ومن هنا فحين يصدق المسلمون ويخلصون لدينهم فيجعلون كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أساس الحكم وتبنى عليهما مناهج التربية والتوجيه حينئذٍ يتحقق الوعد ويتأكد التمكين وينزل النصر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
نفعني الله وإياكم بهدى كتابه وسنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
الدكتور صالح بن حميد.
مناقشة البحُوث
تطبيق الشريعة الإسلامية
الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سيدي الرئيس، السادة العلماء، الإخوة الزملاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا يخفاكم ما تعيشه أمتنا الإِسلامية في وقتنا الحاضر، من صحوة واسعة يشارك فيها سائر طبقات المجتمع الإِسلامي جميعهم، تتوحد اتجاهاتهم ومطالباتهم إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية المطهرة بينهم في كافة شؤون الحياة دون استثناء، كانت هذه الطموحات والتطلعات في الماضي تصطدم بقوة المستعمرين الغاشمين، وتلك مرحلة تاريخية، مهما اشتدت وطأتها، فقد عرفت الأمة عدوها، وما كان متوقعًا من مستعمر أجنبي غير هذا، ويهون ذلك الماضي أمام واقع مؤلم، تسدد فيه الطعنات نحو الشريعة المطهرة، ويطالب بإبعادها ويحاربها على كل منبر وميدان فئة من أبنائها اتخذت العلمانية شعارًا، والجحود لمبادئ الدين دفاعًا.
وظلم ذوي القربى أشد غضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
إن هذا الموضوع هو موضوع الساعة، وهاجس الأمة الذي يعيش في نفسها وفي بالها، ولأهمية هذا البحث وضع هذا الموضوع على جدول أعمال مجمعكم الفقهي الموقر. الأعمال المقدمة في هذا الموضوع ثلاثة:
الأول: بحث ضافٍ بعنوان: "مواجهة بين الشريعة والعلمنة".
الثاني: خطبة رصدها المجمع ألقاها إمام وخطيب المسجد الحرام.
الورقة الثالثة: بعنوان تطبيق الشريعة الإِسلامية "لعبد الوهاب أبو سليمان" وهنا استعرض في خطوط عريضة الموضوعات الرئيسية للبحث الأول، بعنوان "المواجهة بين الشريعة والعلمنة" من إعداد فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإِسلامي: جاء هذا البحث في تسع وعشرين صفحة، وهو بحث ضاف تناول جوانب موضوعية عديدة، ذات علاقة وثيقة بالموضوع كلَّه، وبجزئيات كل طرف فيه، ولا أعتقد أن تقديم هذا الموضوع بعرض خطوطه العريضة كافٍ لتقديم صورة كاملة عنه، أو إعطاء انطباع صادق عما حواه من أفكار ومبادئ وقيم ومناقشات علمية هادفة في تسلسل منطقي وعبارة جزلة، ولكنه الالتزام بامتثال الأمر، وكل هذا لا يغني عن قراءته وتأمله.
اشتمل الموضوعُ البحث عن القضايا الرئيسية التالية:
أولًا: بيان طبيعة الإسلام وماهيته، وفي هذا يقول فضيلة الأستاذ الدكتور الباحث: فالإسلام ليس دين عبادة فحسب، ولكنه عقيدة وشريعة وسلوك على أساسها جميعًا بنى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الفرد المسلم والجماعة المسلمة.
هذه العبارات هي القضية الحقيقية التي يدور حولها – لإثباتها – البحث بالأدلة والبراهين وبالمقولات، ثم يوضح أن المؤمنين يعلنون ولاءهم بصدق، وأنهم يتميزون عن الجاحدين بالولاء التام والإذعان الصادق لشريعة الله، وأن شعارهم ما وصفه القرآن عن سلفهم الصالح:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
ثانيًا: اقتباس الدولة العثمانية القوانين الأوروبية وأسباب هذا ونتائجه.
ثالثًا: تقويم الدارسين الأوروبيين لعدول الدولة العثمانية إلى القوانين الغربية.
ولا أرى بأسًا من قراءة جزء من هذه الاقتباسات، فقط للتذكير ببعض هذه المقولات، يستشهد فضيلة الأستاذ الدكتور الحبيب بمقولة الأستاذ الدكتور انكلهارد الدبلوماسي الغربي المعاصر في كتابه (تاريخ إصلاحات الدولة العثمانية) ، أن الحل الذي اختاره العلمانيون المتآمرون مع المستعمرين للقضاء على الإسلام في البلاد الإِسلامية هو التخلص التدريجي من الحدود والقيود الدينية للاحتزار من الحالات الموجبة لاشمئزاز الشعوب الإسلامية، ويحكم الغربيون أنفسهم على هذه التجربة التركية، بكل هزء وسخرية، فيقول رئيس معهد القانون في جامعة لندن أندرسون:"إن اقتباس تركيا للقانون السويسري وتطبيقه في بلادها أشبه ما يكون بارتداء القزم ثوبًا فضفاضًا"، وتعبر عن انطباعات الغربيين (مس: هنشف كلف) في قولها: "اقتباس الدولة العثمانية للقانون الفرنسي بدافع من الرغبة في رفع معنوياتها وهيبتها في عين الدول الغربية، التي نظرت إلى قانون العقوبات والقصاص، وقطع اليد والرجم، بكثير من الدهشة والاشمئزاز". ويعلق الأستاذ الدكتور الحبيب بن الخوجة على هذا بقوله: إن هذا لم يصرف كثيرًا من المثقفين ممن استولى الغزو الفكري على عقولهم وسيطر على ألبابهم عن طلب العدول عن هذا الانحراف الذي ضاعت به مقومات الأمة، ورابطة من روابط وحدتها وأساس ذاتي لشخصيتها.
رابعًا: في الموضوع الرابع أو العنصر الرابع، يعلق الأستاذ الدكتور الحبيب على هذا، ويقول إن العلمانية لم يأخذوا درسًا من هذه الموافقة.
خامسًا: رصد فضيلته شُبَهَ العلمانيين القديمة والحديثة، وتتبعها بالتعقيب والرد عليها وإبطالها في تحليل وتفصيل، ووضح الآثار السيئة لكل دعوة ومقابلها من الحقائق في الشريعة الإِسلامية وفوائدها على المجتمع الإسلامي.
سادسًا: بعد الانتهاء من عرض ودراسة الموضوعات السابقة، بين أن الهدف من هذا، ومن هذه الدراسة والعرض، هو كشف المؤامرة المقنعة المستمرة ضد الإسلام من قبل هؤلاء العلمانيين.
سابعًا: وفي القسم الثاني من البحث يعدد شُبَهَ واتهامات المستشرقين ويجيب على كل واحدة واحدة بالنقض والإبطال شرحًا واستدلالًا.
ثامنًا: وتحت عنوان جانبي "العلمنة" يعرفها، ويكشف نوايا أصحابها، ومنهجهم وفلسفتهم، كما يكشف جوانب اللائكية قرينتها ومماثلتها، ويذكر ما يجب اتخاذه نحو هذه الدعوات المنتشرة، التي أفسح لها المجال كتابة وإذاعة وتلفزة وصحافة، ثم يقوم طالبًا تقويم أعمال هؤلاء، وتوضيح نتائج وآثار دعوتهم السيئة على المجتمع والأجيال.
تاسعًا: ذكر نقاط مشروع ممارسة العلمنة الإسلامية، وقد عرض نقاط هذا المشروع الثماني الرئيسية، وذكر مواجهته التي حدثت بينه وبين بعض أنصارها والداعين لها، وأن هؤلاء لا يكتمون تخوفهم من الصحوة الإسلامية.
عاشرًا: وتحت عنوان جانبي "الصحوة الإسلامية" قام الأستاذ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، بمقارنة علمية بينت الاتجاه الإسلامي، والاتجاه الإلحادي، كما وضح أسباب الصحوة الإسلامية، وبين أن خصومها يسمونها تارة فتنة وتارة ثورة.
الحادي عشر: وتحت عنوان "الدعوة إلى تحديد الذات" يدعو المسلمين إلى وجوب مراجعة النفس ومحاسبتها، ونقدها نقدًا ذاتيًّا ومراقبتها، ثم يبين طرق الخلاص والعزة، وأن ما احتواه الإسلام من معانٍ ومبادئ يغني عن الأخذ بالمذاهب الفكرية أيًّا كان نوعها، ثم تناول بالتفصيل نتائج الممارسة الشاملة للإسلام، وأن على كل فرد وهيئة وحكومة، وعالم وطالب علم، مسؤولية تجاه التبشير بالإسلام، والإعلان عن خصائصه، والمطالبة بتطبيقه، كل في موقعه ومن مكانه.
الثاني عشر: وتحت عنوان " السيادة والسلطة" بين أسباب رفض دعاة الاتجاه الإِسلامي وأعلام الصحوة الإِسلامية استجابة العلمانيين، كما وضح حق الأمة في اختيار من يحكمها، لأن من أهم واجباته صيانة الدين والعقيدة، والاجتهاد في تحقيق المصلحة العامة للأمة، ولا يمكن أن يتحقق هذا مع الدعوة للقوميات والوطنيات، ثم ينتهي فضيلته أخيرًا إلى أن الحرب المستعرة تحتاج إلى صمود وإلى وقوف أمام هذه الحرب المقنعة ضد الإسلام، التي يتهجم فيها المبطلون والجهلة الضالون في القديم والحديث، على عقيدة الإِسلام ومصادر شريعته وتاريخه، وينتهي إلى القول بأن هذه دعوة متناسقة بعضها مع بعض، في القديم والحديث، رغم تطور الأزمان واختلاف الظروف تستهدف أمرًا جليلًا، هو تغيير العقيدة والتحلل من كل القيود والقيم والمبادئ، وإحداث الفوضى وزلزلة الكيان في المجتمع الإسلامي، ولكن المؤمنين لم يعدموا – لا ماضيًا ولا حاضرًا – صوتًا مجلجلًا يقوم لله بالحجة ويدفع عن دين الله الباطل، ويكشف عن أعمال المفسدين المخربين، هذه خلاصة مقتضبة وعرض سريع لما تضمنه هذا البحث الضافي.
أنتقلُ بعد هذا لعرض خطبة إمام المسجد الحرام، والتي في مفهومها ومضمونها وفحواها، تستثير مشاعر الأمة الإِسلامية لإنقاذ مجتمعها من مهاوي الرذيلة، وتطالب وتحاول ما بوسعها الطلب والمحاولة بالعودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، فدين الإسلام هو دين الأمن والأمان، وشريعة العدل والرحمة، ثم ذكر خصائص الشريعة الإسلامية، وما حواه كتابها من تفصيل ومن أحكام تضمن لهم العزة والسعادة.
أما الورقة الثالثة: فإن موضوعها تحدث أولًا عن ما فعله المستعمر من إقصاء الشريعة الإِسلامية عن مجال التطبيق، وكانت كما يقول: وكان اختياره للتشريع الإِسلامي كما نقول في المثل (ضربة معلم) ، فقد أحكم المستعمرون الحاقدون المؤامرة ابتداء بإلغاء العمل بالشريعة، وإلغاء الشريعة تعاملًا وقضاء حقق لهم أكثر مما كان يدور بخلدهم، تلك هي البداية التي أوصلتهم إلى أبعد من الهدف والغاية وحينما أقصى الشريعة عن العمل وعن المجتمع، فإنه لم يترك الأمة فراغًا، بل أحل محلها مبادئه الروحية، وتشريعاته الوضعية، وسلوكياته وقوانينه، حتى لا تنتبه إلى المؤامرة وحتى لا تشعر بالفراغ، وخَلصَ الحديث إلى أن الدرس الذي نعيه من ذلك الفصل التاريخي هو ثلاث أمور:
أولًا: إقصاء العمل بالشريعة تعاملًا وقضاء في المجتمعات الإِسلامية هو البداية التي تهاوت بعدها عقده، وتحطمت قيمه.
ثانيًا: إيجاد فئة من المثقفين متحمسة لقيم المستعمرين وقوانينهم، تتحدث بمنطقهم وتجادل بلسانهم.
ثالثًا: بث الشُّبه والشكوك بين المثقفين المسلمين، لزعزعة إيمانهم بصلاحية الشريعة وقدرتها على مواكبة الحضارة الحديثة.
وانطلاقًا من هذا الدرس فإن هذه الورقة تقدم مقترحات للبداية الصحيحة، فاقترحت العمل في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: إصلاح التعليم الديني في معاهده ومؤسساته، والخروج به من أسر الطرق التلقينية، وحشد المعلومات التي تعتمد على الكم والحفظ والترديد دون وعي.
ولا يتحقق الإصلاح في هذا المجال إلا بتحسس الدارسين للمعاني والحكم لتعاليم الشريعة، وتنمية ملكات الطلاب، وإثارة مواهبهم.
العمل في الاتجاه الثاني: هو الاعتراف والقناعة الكاملة بأن الفقه الإِسلامي نظام قانوني عظيم، وثروة فكرية ثرّة، ولكن تحتاج إلى صقل وحسن إخراج وفهرسة، ليسهل تناوله للمثقفين وللمتعلمين.
ثالثًا: وثالثة الأثافي لإِحكام خطة تطبيق الشريعة بين الشعوب الإِسلامية عن قناعة تامة، وفهم كامل، يكون بالقيام بدراسة علمية جادة لإزالة الشُّبه والشكوك في صحته وفاعليته، ومواكبته للتقدم الحضاري في العصر الحديث.
أيها السادة: تعليقًا على هذه الأوراق، كانت الآمال معلقة في تكوين هيئات متخصصة، تمتلك الإمكانيات المادية والطاقات الفكرية، لمواجهة تلك المخططات بتأنٍ وعقلانية، وعلى نفس المستوى من الإحكام كالذي فعله المستعمرون إن لم يكن أحكم وأضبط.
وتشاء إرادة المولى عز وجل الذي تكفل بحفظ هذا الدين، وإظهاره على الدين كله، أن أصبحت الآمال أعمالًا بارزة، ومؤسسات شامخة، ومجامع فقهية وهيئات علمية هنا وهناك بتمويل مادي وتعضيد معنوي من الدول الإسلامية، صدقت وعدها ليتحقق التخطيط والتنفيذ، وهكذا تهيأت أسباب العمل الناجح.
والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي أنجز في السنوات القليلة الماضية، الأبحاث والدراسات للموضوعات الفقهية الملحة، وخطط لمشروعات علمية فقهية ما يعد إنجازًا في فترة قياسية.
ومجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، وقد اضطلع بهذه الأمانة الكبيرة وأثبت قدرته في هذا الميدان، بما تحقق على أيدي المسؤولين والأكفاء فيه، قادرة بمشيئة الله ثم بكفاءة نخبة الفقهاء المخلصين، أن يسد الفراغ القانوني في العالم الإِسلامي، بتأليف مدونة فقهية كاملة، في المعاملات والأحوال الشخصية والجنايات والمحاكمات، تلبي حاجة العصر، وتواكب التقدم الحضاري في تخطيط سليم، ومسار شرعي مستقيم، يسجل به إنجازًا تاريخيًّا على مستوى العالم الإِسلامي، كالذي تحقق بظهور مجلة الأحكام العدلية العثمانية، يجد فيه العالم الإِسلامي – حكومات وشعوبًا – بغيتهم، تقوم به الحجة على عامتهم وخاصتهم، فتقطع به اتهامات المبغضين، وتدحض به تبريرات المستسلمين المنهزمين.
ومما يعزز هذا المشروع ويعضده، أن يخصص جانب من نشاط هذا المجتمع المبارك، لتجميع كافة دراسات المستشرقين والقانونيين والباحثين في الفقه الإِسلامي، لدراستها وفحصها فحصًا علميًّا دقيقًا، للإفادة من نقدها، في سبيل إيجاد مدونة فقهية كاملة، ونقض ما يتخللها من نقائض ونقائص قد أُسيء فيها فهم الشريعة قصدًا أو بغير قصد، بمنطق واعتدال.
إن تعبئة الطاقات البشرية، والإمكانات المادية لهذين المشروعين المتكاملين، في المرحلة الجديدة القادمة، تعد خدمة جليلة في سبيل مساعدة الدول الإِسلامية، للحكم بما أنزل الله، وتطبيق الشريعة بصورة كاملة في جميع الجوانب التشريعية.
إذا تحقق هذا – بمشيئة الله – بالخطى والخطوات المطلوبة على مستوى العصر، فكرًا وتنظيمًا، فسيكون علامة بارزة في تاريخ هذا المجمع، وأمجاد هذا الجيل من الفقهاء والمفكرين، والدول الإِسلامية المعاصرة تحمده لهم الأجيال الحاضرة والقادمة.
وإن أمانة المجتمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، بما هيأ الله لها من رئاسة وأمانة مخلصة يساندهم، ويقوي من أزرهم الفقهاء والمفكرون ورؤساء الدول الإِسلامية، جديرة بإنجاز هذه المهمات، وتحقيق الطموحات والتطلعات في سبيل إنجاز هدف سامٍ، وغاية نبيلة، وذلك هو بذل كل جهد من شأنه أن يساعد على تطبيق الشريعة لتعود للمجتمعات الإِسلامية فضائلها وتسترد بالاحتكام إليها عزتها وكرامتها، والله الموفق، وهو الهادي إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور محمد عطا السيد:
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلَِّ على محمد عبدك ورسولك.
كم كنت أود يا سيادة الرئيس أن لو أرسل هذا الموضوع مسبقًا عندما أعلنت المواضيع التي ستناقش في هذا المجمع، ولكنا أعددنا له عدة كبيرة، وما كتبت أنا شخصيًّا وما ركزت إلا على هذا الموضوع، ولكن على كل حال أحمد الله حمدًا كثيرًا أن أثير هذا الموضوع الآن، وجزى الله خيرًا كثيرًا من اقترحه ومن أدرجه للمناقشة، وأحب أن أذكر نفسي يا سيادة الرئيس وكل عضو من أعضاء هذا المجمع أن هذا يكاد يكون أهم موضوع أثير لهذا المجمع للنقاش، منذ أن بدأنا إلى يومنا هذا، ولذلك أذكر نفسي وأذكر كل عضو من أعضاء هذا المجمع، أن يولي هذا الموضوع كل أهمية، لأنه موضوع مصيري، هو موضوع أساسي وموضوع مستقبلي لنا مع الله تعالى، ولذلك أرجو أن يولى هذا الموضوع كل عناية وكل اهتمام من كل أعضاء المجمع وأن يخرجوا فيه بقرار واضح شافٍ كافٍ، للشعوب الإِسلامية ولحكام المسلمين فيما ينبغي العمل فيه في هذه المسألة، فجميع القرارات التي نناقشها الاقتصادية وتحديد النسل، وموضوع الجنين وما إلى ذلك، كل هذه الموضوعات تأتي تبعًا لهذا الأمر، ولذلك ما أراه إلا كالبند الأساسي في أي دستور، موضوع تطبيق الشريعة الإِسلامية هو البند الإساسي، ثم تأتي كل هذه المواضيع التي ناقشناها تبعًا لهذا الموضوع، ولذلك – يعني لا أملك – يعني كل لغة أستطيع أن أقولها في تأكيد أهمية هذا الموضوع وإيلائه كل أهمية وكل اهتمام من جانبنا – ونحن الآن – أنا الآن أمثل دولة تعاني معاناة شديدة، وتجاهد جهادًا مستمرًا في هذه المسألة، طائفة من المؤمنين وهبوا أنفسهم لله تعالى، يريدون إقرار شرع الله تعالى في دولتنا، ونجد مقاومة شديدة ومقاومة عنيفة من داخل بلادنا نفسها، ومن الخارج، وحربًا لا هوادة فيها في هذه المسألة، ولذلك أرجو أن نولي هذا الموضوع عناية كبيرة، واهتمامًا كبيرًا، ونصدر فيه قرارًا شافيًا كافيًا في هذه المسألة، هنالك مسائل: ليس الموضوع أن أي عضو من أعضاء هذا المجمع يناقش أننا نطبق الشريعة الإسلامية أو لا نطبق، وهذه المسألة من بلايانا الكبيرة في يومنا الحاضر، وأكبر مسألة بلينا بها أننا نعتقد في الله تعالى أنه هو المشرع الحكيم وأنه هو الخالق البارئ، وهو الحكيم العليم، ومع ذلك لا نطبق شريعته في بلادنا، أو على الأقل في كثير من بلاد المسلمين، ولذلك أرى أن هنالك مواضيع كثيرة يجب أن نناقشها، وهي مثلًا موضوع تطبيق الشريعة على غير المسلمين في البلاد الإِسلامية، هذا الموضوع الآن يثار في السودان إثارة عنيفة لمواجهة تطبيق الشريعة، جزء من السودان عدد كبير، أو نسبة معينة من المواطنين غير مسلمين، فهل نطبق عليهم الشريعة الإِسلامية أم لا؟ وأنا كما أعلم أن المذاهب الأربعة مجمعة على أن تطبيق حدود الشريعة الإِسلامية وتفصيلات الشريعة الإِسلامية كالقوانين الجنائية وما إلى ذلك، يجب أن تطبق على كل مواطن في البلاد الإِسلامية بغير استثناء، هذا ما أعلمه، ولذلك أرجو من المجمع أيضًا أن يبين في هذه التفصيلات بيانًا كافيًا شافيًا والله سبحانه وتعالى كما تعلمون، لا شك، يعني الآيات كثيرة وآيات محكمة. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، ولذلك أرى يا سيدي الرئيس – هذه الكلمات التي قلتها على عجالة وعلى غير استعداد – أرى وأذكر نفسي والأعضاء أن يولوا هذا الموضوع غاية الأهمية، وأن يصدروا فيه قرارًا واضحًا شافيًا يبين لحكام المسلمين الذين لا يطبقون الشريعة الإِسلامية، وكذلك هذا قرار ينتظره كثير من شعوبنا الإِسلامية، ليسمعوا فيه رأي هذا المجمع. والسلام عليكم.
الدكتور أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
أرجو أن يعذرني أصحاب الفضيلة، الذين قدموا الأبحاث الثلاثة تحت عنوان يغاير المضمون، العنوان هو (تطبيق الشريعة الإِسلامية) ، تصورت أن المضمون هو أن يطالب المجمع بتطبيق الشريعة الإِسلامية، يطالب الحكام وولاة الأمر، ويدلل على ذلك بالقرآن والسنة، فإذا بالموضوعات الثلاثة، تخلو من هذه الدعوة وهذا الطلب وهذا الوجوب، وإذا بها تبحث أو تطلب أن تقنن الشريعة الإِسلامية، يعني البحث الثالث الذي قدمه سعادة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان يطالب فيه تقريبًا بتقنين الشريعة، بتوضيحها، بإثبات قواعدها للشعوب الإسلامية، لكن التصور الأول كما قلت: إنه المطلوب هو تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية والإِسلامية، لا بد أن يتضمن البحث المقدم للمجمع وجوب التطبيق قرآنًا وسنة، والاستدلال بالآيات القرآنية الواردة في ذلك، والأحاديث النبوية الواردة في ذلك، وأن تذكر معارضات الذين عارضوا في تطبيق الشريعة الإِسلامية في مصر، في السودان، في باكستان، الآن هناك نزاع وصراع كبير في مصر وفي السودان وفي باكستان، حيث بدأت الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية في مصر، فقابلها العلمانيون بكتب ومؤلفات ومقالات، وانعقدت ندوات في مصر بين العلمانيين وبين الشرعيين، وكما ذكر الأستاذ عطا، في السودان الآن بدأ بتطبيق الشريعة أجزاء منها في عهد النميري، ثم ألغيت بما سمي قوانين سبتمبر، والآن يلقى المسلمون في السودان أو دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان مقاومة عنيفة من الوثنيين أو غير المسلمين، فأنا ما أتصور أن الأبحاث التي قدمت تخلو من الدعوة إلى إقامة الشريعة الإسلامية، الدعوة كما أوضحها الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان – هي دعوة إلى تقنين الشريعة الإِسلامية، إلى تقعيد قواعدها، لكن نحن هنا فهمنا أن المطلوب أو المنتظر بحثه هو دعوة ولاة الأمر في المجتمعات الإِسلامية إلى ضرورة تطبيق الشريعة الإِسلامية، ويجب ألا ننتظر أن تطبق الشريعة الإسلامية على الشعوب، عن طريق الكتب والمؤلفات والمحاضرات والندوات والمجامع، إذا لم يطبق الرأس الشريعة الإِسلامية، لا ننتظر من الأعضاء تطبيق الشريعة الإِسلامية، فإذا كان للمجمع عمل منتظر – كا يرجو الأستاذ عطا في كلمته – إذا كان للمجمع عطاء منتظر، فهو الدعوة الصريحة لحكام المسلمين بتطبيق الشريعة الإِسلامية، والاستدلال على ذلك بالآيات القرآنية التي جاءت في سورة المائدة:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فالله عز وجل هنا جمع الكفر والظلم والفسق على من لم يحكم بشريعته. وهناك آيات أخرى تعلمونها أيضًا:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، إلى آخر آيات كثيرة لا نحصيها في هذا التعليق الوجيز وأحاديث أخرى أيضًا وآراء للعلماء السابقين واللاحقين.
الرئيس:
هذه ما فيها آراء يا شيخ.
الدكتور أحمد محمد جمال:
لا، فيه آراء، أمر
…
الرئيس:
أقول يعني معلومة من الضرورة بالإسلام.
الدكتور أحمد محمد جمال:
يا سيدي العزيز، لكن هناك معارضات أيضًا وهناك من كبار المفسرين القدامى، يفسرون هذه الآيات على أهل الكتاب، فلذلك أقول آراء معناه اتباع لما جاء في القرآن رأي، ومخالفة لما جاء في القرآن رأي، الإمام الطبري يقول: إن هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب أي لا تطبق على المسلمين، وأنا رددت عليه في كتابي "القرآن أحكمت آياته". فهو رأيي طبعًا، أنا أرى أن تطبق الشريعة، غيري يرى ألا تطبق لأنها لا تصلح لهذا الزمن، فرأيي لا بد من رأي عالم يؤيد وعالم يعارض، وهذا الإِمام الطبري يقول: إن هذه الآيات التي في سورة المائدة، إنما هي خطاب لأهل الكتاب، ماذا تقول في هذا؟ إذن فلا تؤاخذني فيما قلت.
الرئيس:
لا ما في مؤاخذة.
الدكتور أحمد محمد جمال:
فأرجوكم أنا إنما أردت أن أقول: إن الأبحاث التي قدمت مع – الأسف الشديد – لا تدعو إلى تطبيق الشريعة، إنما تدعو إلى تقنينها وتقعيدها. فأضيف صوتي إلى صوت الأستاذ عطا السيد، بأن هذه القضية قائمة وظاهرة ومحل نزاع وصراع شديدين في المجتمعات الإِسلامية، فلا بد من إعطاء المجمع حكمًا فيها ودعوة إلى ولاة الأمر، وأرجو الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أشكر لأخي الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عرضه الدقيق الوجيز، وهو دقيق لأنه تناول العناصر وأحاط بها، وهو وجيز لأن الوقت لا يسمح بأكثر من هذا، وأشكر الأستاذ عطا السيد تأكيده على هذا الموضوع، الذي يقتضي منا موقفًا عمليًّا في هذا المجتمع الذي نعيشه، وفي هذه الفترة من حياتنا كأمة إسلامية، وأشكر للأستاذ أحمد جمال على هذه الملاحظات الطيبة، ولكني أدعوه قبل إصدار حكمه على الدراسات أن يقرأها، وهي كما ترون لم تصلنا إلَاّ الآن، وما كنا نتصور أننا سنتحدث عن هذا الموضوع الليلة، كان البرنامج أنه سيعرض بعد غد أو على الأكثر غدًا، فأنا أريد أن أطمئن أستاذنا أحمد جمال، إلى أن القضايا التي أشار إليها جميعها قد بحثناها وتعرضنا لها، وهي موجودة، ذكرنا المراحل التي مرت بها الأمة الإِسلامية، واحتكامها إلى كتاب الله وسنة رسوله، والتزامها بشريعتها، حين كانت الأمة الإِسلامية غير ممزقة بين عقيدة تؤمن بها وشريعة تتحلل منها، ثم رأينا أن نشير إلى التغير الجذري الذي وقع تدريجيًّا في مجتمعاتنا الإِسلامية، بسبب التدخل الأجنبي الذي حكم العالم الإِسلامي، وركز للقوانين الوضعية وجودها، حتى أصبح كل الناس منصرفين عن الشريعة الإِسلامية، ومحتكمين إلى هذه القوانين الوضعية، إلَاّ في مسائل معدودة، ثم ذكرنا هذه الحملة الشنيعة التي نجدها في بيوتنا، في دورنا، في أوطاننا، في كل رقعة من أراضي العالم الإِسلامي، ونجدها في أوروبا وفي أمريكا، وهي متظاهرة مع بعضها، تريد أن تقضي نهائيًّا على الفكر الإِسلامي وعلى التشريع الإِسلامي، على التشريع الإِسلامي في الدولة، وعلى التشريع الإِسلامي في القضايا العامة المدنية والجزائية والأحوال الشخصية وما إليها، هذه الحركة المدبرة كانت تعتمد آراء بعض المستشرقين مرة، وهم يجهلون الفقه الإِسلامي، وتعتمد السياسة التوجيهية الاستعمارية في البلاد الإِسلامية، والتي تدعو إلى التخلص من هذه الأشياء التي تريد باسم الدين أن تحكم كل شيء، وأقام العلمانيون منهجهم على التذكير بالفصل بين الدين والدولة، ويقولون: إن المسيحية تخلصت من هذه الأشياء، وأصبحت تكل إلى الناس ما يعنيهم، وتكل إلى اللاهوت ما يتصل به من عبادة فقط، ولذلك ينبغي أن نكون أحرارًا في حياتنا العملية، لا نخضع لما يأتينا من فوق، فوقع الردّ على كل هذه الاتهامات، وعلى كل هذه الاتجاهات، ووقع بيان خطرها على الإسلام وعلى المجتمع الإِسلامي، والرد على من يتهم الشريعة الإِسلامية بالجمود، وعلى من يتهمها بعدم مسايرة العصر ومواكبة المراحل الحضارية التي نعيشها، فالإطار الذي بحث فيه الموضوع – هو كما تفضلتم – دعوة صريحة إلى تطبيق الشريعة، ونريد من هذا أن ننتهي إلى قرار في الالتزام بأحكام الشريعة، كلنا يعلم بأن البلاد الإِسلامية المتعددة، بعضها يجعل في دستوره، القول بأن الحكم في هذه البلاد يستمد أصوله من الشريعة الإِسلامية، والآخر يقول: نحن نُحَكِّم الشريعة الإِسلامية، لكن في الواقع العملي لا تحكيم ولا استمداد ولا التفات إلى الشريعة الإِسلامية ولا إلى أصولها، فكيف الطريق إلى معالجة هذا؟ أنا أعتقد أن هناك مراحل ومشاكل عديدة، من أولها حالة الفكر عند المسلمين، حالة الفكر في المجتمعات الإِسلامية، الفكر عند الشباب اليوم، الشباب الذي انتزع منا، الذي وقع التغلب عليه بألوان الدعاية، بالجامعات الغربية، بالاتجاهات الفكرية الهدامة، في الحركات الهدامة التي كانت في الماضي هي أقل شرًّا من الحركات الهدامة الموجودة في عصرنا الحاضر. هذا يدعو إلى معالجة الوضع وإلى التنبيه على الأخطاء، لنرد شبابنا إلينا ومجتمعاتنا إلينا، ثم بعد ذلك نوصيهم بالطريق الذي ينبغي أن نسلكه، لتحقيق تطبيق هذه الشريعة، الذي ندعو إليه ونقرره كمجمع، هذه كلمة مختصرة ولعلكم سيدي تستطيعون بوقوفكم على البحث أن تجدوا بعض ما يتطلبه الوضع من عناية بمشاكل معينة. وشكرًا.
الشيخ علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
شكرًا سيدي الرئيس. أعتقد أن المتحدثين قبلي نابوا عن قلوبنا جميعًا، وتحدثوا عن شوقنا جميعًا لغد القرآن الحاكم في كل وجودنا الإِسلامي، والموضوع مهم وحبذا لو كنا أخبرنا به من قبل، إذن لصرفنا له كل طاقاتنا وهو أهل لذلك، الموضوع مهم في جوانب كثيرة. هناك موضوع على الصعيد النظري نتحدث فيه عن وضع الأمة الإِسلامية الطبيعي الذي يريده القرآن وخصائص هذه الأمة.
وهناك موضوع آخر، وهو دراسة الوضع القائم اليوم في عالمنا الإِسلامي، ومقارنة هذا الوضع بالصورة الإِسلامية الأصيلة، موضوع دراسة الشبهات التي تطرح أمام تطبيق الشريعة الإِسلامية، وادعاء أنها غير قابلة للتطبيق، وأنها إذا طبقت لا تفيد، وقد صرح بذلك بعض من ينتسبون إلى الإسلام كذبًا وزورًا.
ثم بعد ذلك هناك موضوع وضع الخطوات العملية الواقعية الصحيحة للسير إلى هذا الغد الأمثل، من مسألة تقديم الشريعة الإِسلامية وعرضها بشكل طبيعي وقانوني قابل للتطبيق، ومنها مسألة التخطيط لتطبيق نظام اقتصادي يتناسب مع الإِسلام، منها مسألة التخطيط لتطبيق النظام الأخلاقي الإِسلامي، هذه أمور تحتاج إلى دراسة يا سيدي الرئيس.
وأصل إلى النقطة المهمة: أنا أقترح على ضوء ما قلته من هذه الأمور، وعلى ضوء ما قاله إخوتي وسادتي أقترح، أن نؤجِّل هذا الموضوع إلى العام الآتي لنكتب فيه ويطرح بشكل علمي دقيق، أعلم أننا نحتاج إلى تطبيق الشريعة غدًا، اليوم، الآن. ولكن أعلم أن الأمر كبير يحتاج منا إلى مزيد من الاهتمام، وتخطيط دقيق وقرار حكيم مفيد وليكن مستمرًّا معنا في كل مجمع وشكرًا.
الأمين العام:
اسمحوا لي، أريد أن أتدخل، لأبين سبب تحديد أو اقتراح هذا الموضوع الذي وقع إقراره بعد الجلسة الافتتاحية، والذي لم يكن لكم حضرات الإخوان سابق علم به، لماذا؟ كانت الموضوعات كما وصلتكم في المرة الأولى، تشتمل على قضية مهمة جدًّا هي قضية " الأسواق المالية " وكنا نظن أننا نستطيع أن نعقد الندوة الممهدة لدراسة الأسواق المالية، حتى تكونَ النتائج واضحة كما فعلنا بالنسبة لندوة " سندات المقارضة " التي أفدنا منها، حين اجتمعنا في الدورة السابقة، فلما تعطل هذا الموضوع، ونحن قد قررنا عشرة موضوعات، كانت هناك القضية التي يتحدث عنها الناس كلهم، وكانت الصحافة كما تفضل الأستاذ أحمد، في كل بلد حتى في السعودية في صحيفة الشرق الأوسط، تطالعنا من يوم إلى آخر، بما يكتبه العلمانيون وبما يرد به له كثير من الإخوان العلماء الملتزمين من المسلمين على هؤلاء العلمانيين، والقضية الأساسية هي قضية الشريعة، فأردنا أن نطرح هذه الفكرة، وأن نتخذ فيها قرارًا لا ينبغي أن يكون منفصلًا، وهو يقرر مبدأ، ولكن ليس معنى هذا أن الموضوع مقصور على هذه الدورة، ونحن في الدورات القادمة لا بد أن نعني بهذا الموضوع عناية كاملة، وعندما تتوافر الدراسات لا ينبغي – في اعتقادي – أن تكون الدراسات نقولًا، ولا اعتمادًا على كثير مما نؤمن به نحن من مسلمين وملتزمين، والقضية هي إقناع الضالين من إخواننا، وهدايتهم إلى الحقِّ، والقضية هي صرف هؤلاء الإخوان عن تهجمات وهيمنة التفكير العلماني الغربي، الذي يكاد يفصلهم عن مجتمعاتهم، ويجعلهم غرباء في ديارهم، أو يجعلنا نحن غرباء معهم في ديارنا، هذه هي القضية، ولذلك فإننا في كل دورةٍ – بإذن الله – يمكن أن نأخذ جانبًا من جوانب هذا الموضوع الهام، الذي يتصل بعقيدتنا وبكياننا وبحياتنا وبمعاملاتنا، وكما تفضل الأستاذ الدكتور عطا: الموضوعات التي نطرحها لماذا؟ لنعرف حكم الله في هذه القضية، وعندئذٍ فنحن نبحث عن تطبيق الشريعة في القضايا المستجدة، فلأن نكون مؤمنين بهذه القاعدة وهي تطبيق الشريعة الإِسلامية – والدعوة لها من باب أولى. وشكرًا لكم.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة كنت سأبادر إلى التحدث بما تحدث به فضيلة الأمين العام، فلا يصح بحال من الأحوال، أن نجعل هذا الموضوع مجال تأجيل على الأقل من حيث المبدأ، فتطبيق الشريعة أمر معروف وواجب وفرض، وأمر مقرر بداهة، ومن الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فحينئذٍ ينبغي أن يكون لنا الآن صرخة واضحة وعالية ومدوية، لكل هذه الدول التي تنتسب إلى الإسلام دينًا وحكمًا وشرعًا، وإن قصرت في تطبيق أحكامه، ثم هناك رسائل التطبيق، فهناك لا بدّ أن يبحث هذا الموضوع من النواحي المختلفة في الإسلام والجوانب الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والجوانب التشريعية، فكلنا عندما نجادل الحكام في هذا الموضوع، يدّعون أين نظامكم الاقتصادي؟ أين نظامكم الاجتماعي؟ أين التقنين؟ التقنين الذي إلى الآن لم تقتنع بعض الدول العربية أو الإِسلامية، بضرورة تقديم بضاعة جاهزة، ومشروع كامل للقوانين المدنية والجنائية، في صورة ميسرة ومعبدة الطريق لتأخذ سبيلها إلى التطبيق، هم يتذرعون بهذه الذرائع الواهية لا شك، ولكن ينبغي أن نقطع دابر الاحتجاج بمثل هذه الذرائع
…
هذا شيء. الشيء الآخر طبعًا أرجو ألا يكون هذا الموضوع فيه إثارة حساسية، فهناك دول في هذه المنظمة ودول في هذا المجمع منبثقة من منظمةالمؤتمر الإِسلامي، لا أجد دولة من هذه الدول تقول بمبدأ الإِلحاد، فهناك فرق بين الإِلحاد والعلمانية، فالعلمانية هي مبدأ فصل الدين عن الدولة، أما الإِلحاد فلا أجد دولة لا عربية ولا إِسلامية تجاهر بمبدأ الإِلحاد، وإلا وَجَب شرعًا وجوبًا قاطعًا على أهل ذلك البلد أن يقتلعوا حاكم تلك الدولة من جذوره، إلَاّ أن يكون كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه نور وحجة وبرهان، فهناك أرجو ألا يثير هذا الموضوع حساسية، فلا نقرن الإِلحاد بالعلمنة، فهناك فرق، الشيء الذي أقترحه: أنه منذ عشر سنوات دعينا إلى جامعة الإِمام محمد بن سعود، وطرح هذا الموضوع طرحًا، وعرضت فيه دراسات وافية، واليوم منذ شهرين جدد الطلب في العام القادم في ربيع الآخر سيكون الموضوع، وقد وزع على مختلف العلماء في البلاد الإِسلامية لبحث موضوع "تطبيق الشريعة" من مختلف جوانبه، فأرجو من السادة القائمين على المجمع، أن يكون بينهم وبين جامعة الإِمام محمد بن سعود تنسيق في هذا الموضوع، لأن اليد يجب أن تتعاون مع الأيدي الأخرى، فلا نحن نصرخ في وادٍ وغيرنا في واد وكلها جهود جزئية مبعثرة – يجب أن تكون دائمًا – أثبتت الأحداث فشل المواجهات أو الجمعيات أو التكتلات الإسلامية، بسبب تفرقها وعدم إعلان كلمة واحدة لها أمام الدول.
وعندما يكون القرار نابعًا من الجامعات الإِسلامية، والمجامع الفقهية والمسلمين قاطبة، عندئذٍ لا بدَّ أن يفكر الحاكم بأن هناك قوة هائلة ينبغي أن يذعن لها يومًا ما، فالمطالبة ينبغي أن تنظم وتنسق، ويكون هناك دور بيننا وبين جامعة الإِمام محمد بن سعود، في الواقع دراسات عظيمة ومخطط لها من الآن تخطيط رائع، ينبغي أن تنسق هذه الجهود، ويكون للمجمع دور فيها وتطبع حينئذٍ هذه البحوث بشكل موحد بين الجامعة وبين المجمع. وشكرًا.
الدكتور إبراهيم الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
هناك ثلاثة جوانب في هذه القضية يجب أن نفرق بينها.
الأول: أن موضوع " تطبيق الشريعة الإسلامية " وهو موضوع كما قال أخي الشيخ عطا الله والشيخ علي التسخيري، لو علمنا به – ولكن السيد معالي الأمين العام أوضح السبب – لكان الجميع قد اهتم به لأننا نعتبر أنه نقطة الأساس في هذا المجمع، والاهتمام به كان سيمكن من دراسات معمَّقة لمشاكل عملية واجهناها، فقد كان – من فضل الله علي – أن قضيت خمس سنوات في اللجنة العليا لتقنين الشريعة الإِسلامية في بلدي، وواجهتنا مشكلات التقنين، سواء في المجال الجنائي والحدود وما يتعلق بها، ومراجعة القانون المدني على ضوء الشريعة الإِسلامية ومراجعة القانون التجاري على ضوء الشريعة الإِسلامية وقانون المصارف الذي أشير إليه، فلم يفت فيه أحد بأن للدولة أن تعمل، إنما كان الأمر أمر التدرج في التطبيق، فمنع على مجال الأفراد والشركات الخاصة، ولكن بحكم العلاقات المعينة التي كانت تربط الدول الإسلامية، في ظل النظام العالمي الذي يفرض هيمنته عليها أرجئ هذا الأمر، ولكن لم يقل أحد بحليته، وأطمئن أخي الدكتور وهبة الزحيلي على ذلك لأنني عضو هذه اللجنة العليا، وأعرف ما دار فيها جيدًا، وفيما يتعلق بالربا، هذا جانب، ولا زلت أكرر أنه فعلًا قد لا نقول بالإِرجاء، ولكن يجب أن نقول بالاستمرار، الاستمرار في بحث هذا الموضوع، وأن يكون موضوعًا أساسيًّا للدعوة، الأمر الآخر يتعلق بما قدم من بحوث، قطعًا سيستغرب معالي الأمين العام أن أقول له أني اطلعت على بحثه، ولديَّ ملاحظات عديدة، طبعًا هو جهد، ومعالي الأمين العام ليس في مكان أن يثني عليه، ولكني كنت أتمنى أن يتم التوقف أمام كثير من الأفكار التي وردت في هذا البحث، فالتفرقة بين الشريعة والفقه، لا أعتقد أنه يمكن أن ينظر إليها بالصورة التي رأى بها معالي الأمين العام، وكأنها إحدى المحاولات للهجوم على الشريعة، فشريعة الله وما شَرَع الله من دين غير ما فهمه واستنبطه الفقهاء: باختلاف الزمان والمكان والظروف، المذهبية أيضًا والنظر إليها، لا يمكن أن ينظر إليه والقول بالموقف من المذهبية، أمر لا يمكن أن ينظر إليه بالصورة التي نظر إليها معالي الأمين العام، والأمر يحتاج إلى تفسير وتوسيع ومناقشات موسعة حول هذه القضايا، أيضًا النظر بالنسبة للعَلْمانية: للأسف ساد في العالم الإِسلامي تفسير العَلْمانِيّة، وذهب كثير من الناس إلى استعمال كلمة "العَلْمانِيّة": وهي في الواقع آتية من الاهتمام بهذا العالم فسميت العَلْمانِية وأراد الذين سموها أن يتلاعبوا بقربهم من كلمة العلمانية: يظن الناس أنها عِلمانية وأنها متصلة بالعالم، أصل كلمة "العلمانية" في الغرب هي "سيكيوار"(الآن وهذا العالم) ، وتهدف بالأصل إلى مواجهة ما كان في الرهبنة من الالتفات عن العالم الذي يعيشه الناس، ونفي التقديس عن مظاهر الطبيعة، أي اعتبار مظاهر الطبيعة مسخَّرة وليست هي عفاريت وجن وما إليها، ونفي القداسة أو العصمة على الأفراد الذين كانوا يدعونها في الحكم، وهي قد وصلت إلى الغرب من عين الحضارة الإِسلامية، ولكنهم ولم يؤمنوا بأنه "لا إله إلا الله" أرادوا أن يؤسسوها على (الاهتمام بالعالم والآن) فالعَلْمانية في أساسها وفي جذورها هي نبع الفكر الإِسلامي، ولكنها بحكم عدم اتصالها بكلمة "لا إله إلا الله" جرت، وحينما جاءت إلى الوطن العربي أراد من جاؤوا بها عن جهل – كما فعلوا في قضايا كثيرة – أن يربطوها بالعلم ويربطوها بمناقشة الدين، ولم يعرفوا أن الإسلام في حقيقته يؤكد أن للمسلمين حتى في دعائهم أن يقولوا:"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
الرئيس:
ممكن يا شيخ إبراهيم تذكر لنا سلفك في هذا التفسير للعلمانية من أهل العلم.
الدكتور إبراهيم الغويل:
في كتاب هارفي عن العلمانية.
الرئيس:
لا لا، أنا أقول من أهل العلم في الإسلام، من المسلمين.
الدكتور إبراهيم الغويل:
سيدي، أنا قلت لك: إنه حينما نقل الذين بشروا بالعَلْمانية إلى هذه الكلمة، اختاروا لها هذه التسمية، لكي يحدثوا التباسًا، وأرادوا أن يفسروها تفسيرات مخالفة.
الرئيس:
المهم الاصطلاح. المعنى المراد من هذا الاصطلاح على أرض العالم الإِسلامي.
الدكتور إبراهيم الغويل:
في العالم الإِسلامي في الوطن العربي حقيقة
…
الرئيس:
هل يراد أنها ترادف كلمة إسلام؟
الدكتور إبراهيم الغويل:
ولكن سبيل تجهيل الناس أن يبين لهم: أنهم حينما نقلوا عن هذا الفكر لم يعرفوا مصادره.
الرئيس:
لا، لا ما نستطيع يا شيخ إبراهيم. نحن نعني في أقل الأحوال أن العرف يقضي بالاصطلاح، هذا أقل الأحوال وأضعفها، فأصبح لفظ علمانية، تعني فصل العلم عن الدين، هؤلاء أولاد المسلمين في المدارس يعرفون هذا وينابذونه ولله الحمد، ولا زال في المسلمين خير إلى يومنا هذا.
الدكتور إبراهيم الغويل:
على العموم – سيدي – إذا أردتم أن تصطلحوا عليها بهذا الاصطلاح
…
الرئيس:
لا، ما اصطلحنا عليها. أبدًا.
الأمين العام:
يا سيدي، أنا في حديثي قد ذكرت شخصًا ولا أريد
…
الدكتور إبراهيم الغويل:
هذه النقطة التي كنت أريد
…
الأمين العام:
لحظة. قد ذكرت شخصًا هو الداعية الأكبر للعلمنة على حد تعبيره، وقد ناقشه المسلمون في كل مكان، وظل شره مستطيرًا في كثير من البلاد العربية والجامعات الإِسلامية – أي القائمة في بلاد الإسلام – يدعو فيها صراحة إلى نبذ القرآن والتشكيك فيه.
الدكتور إبراهيم الغويل:
معالي الأمين العام، أنا
…
الأمين العام:
سامحني، أكمل جملتي. فهذا الرجل في كتابته وهو فرنسي عربي.
الدكتور إبراهيم الغويل:
أنا، جايه، جايه. هذا الرجل.
الأمين العام:
هذا الرجل الفرنسي العربي، هو الذي جعلت موضوع النقاش بيني وبينه، تعرض للعلمانية ففسرها بهذه التفاسير، فنحن نأخذ الكفر عن الكافر بمقولته، ونحدده على الصورة التي يريد أن يشيعها في الناس.
نحن لا نريد أن نلتمس له حجة نقول بها إن الإسلام فيه علمنة، هو ذهب يدعو إلى أن القرآن فيه عَلْمَنة.
الدكتور إبراهيم الغويل:
هذا الرجل أكثر من ذلك، هذا الرجل تبنى فكرة اللغة الميتية "الميتزم" الخرافية، واعتبر أنه يفسر بها كلمات القرآن، هذا الرجل بدأت قصته قبل أن يتولى هذا الموضع الأخير، حينما بدأ أول كتاب حول مفهوم
…
وهو أمر يسود للأسف في الجامعات الإِسلامية وردده بعض علماء اللغة، علماء الاجتماع، والتفسيرات الاجتماعية للدين، فتبين مفهوم "الميتزم" أو مفهوم "الخرافة" في تتبع الألفاظ القرآنية.
الأمين العام:
موجود في البحث.
الدكتور إبراهيم الغويل:
وهذا الرجل بهذه القضية وأمثاله خطيرون، ولكن القضية أنا أتصور أن يحدد لها – كما أشار الشيخ على التسخيري – أن هناك عدة مجالات في قضية تطبيق الشريعة الإِسلامية، في مجال الفكرة والتمهيد الكفري، وخطورة الذين يتبنون أفكارًا محددةً، وأنتم أشرتم إلى الذين يتبنون آراء (فرويد) ، و (داروين) والذين يتبنون آراء (ماركس) ورؤى كثيرة في التاريخ، وفي الاجتماع وفي النفس، وأن يحدد لها جانبًا فيما يتعلق بالتشريعات، وأن يحدد لها جانبًا فيما يتعلق بجوانب مناهج التعليم والإطار العام للتعليم، فالقضية ضخمة وتحاج إلى مزيد
…
أنا هذا الذي أقوله، ولكن فيه بعض النقاط تحتاج إلى وقفات يصحح فيها بعضنا البعض، والله يهدينا إلى سبيل الرشاد. وشكرًا.
الدكتور عمر سليمان الأشقر:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أقترح على المجمع الكريم أن يجعل هذا الموضوع في دورة كاملة.
هذا الموضوع جدير أن يعطى وقتًا أكثر من الإِيجار المنتهي بالتمليك، ومن تحديد النسل وما أشبهه من موضوعات، وهذه الدعوة نابعة من رؤية فأنا قد قمت بدراسة فترة طويلة من الزمان، لأتتبع جذور هذا الموضوع، فتتبعت جذور القوانين الوضعية في الديار الإِسلامية قديمًا، منذ التتار وما قبل التتار، ثم وصلت إلى العصر – القرن الأخير – الذي ألغيت فيه الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، الذي هو بمثابة القانون الذي يحكم الديار الإِسلامية، وقد رأيت المؤامرة الكبرى من خلال التتبع لاستئصال المسلمين واستئصال دين المسلمين، نحن في سنة 1988م، في سنة 1888م ألغيت الشريعة الإِسلامية في مصر الإلغاء الأول كان في سنة 1882م بعد دخول الإنجليز، ثم بعد أن طبقت جزئيًّا ألغيت كليًّا وثار الشعب المسلم في تلك الديار، ولكن السلطات والقوة أخضعت المسلمين لحكم الطاغوت، في سنة 1923م قبل خمس وستين سنة ألغيت الشريعة الإسلامية في تركيا، وزال سلطان الإِسلام، وألغيت الحروف العربية، وألزم المسلمون بأن يضعوا (البرنيطة) فوق رؤوسهم، مآسي في هذه القضية أعلمها، عندما اجتمع وزير الخارجية التركي والوفد التركي بوزير الخارجية البريطاني في المفاوضات، كان أحد الشروط الرئيسية أن تلغوا الشريعة الإِسلامية، والقانون الإِسلامي، والخلافة الإِسلامية، ثم تتابع المسلسل في البلاد العربية التي كانت تخضع للشريعة الإِسلامية، لا أريد أن أستطرد في هذا، ثم تبينت المخطط الذي وضعه الكفار لإلغاء الشريعة، وقد تبين لي هذا المخطط، ودرست أبعاده، وكان يمثل إحدى عشرة خطوة بينتها في كتابي "الشريعة الإلهية" وليس هناك مجال لتفصيل هذه القضايا، لكن أرى أن هذا الموضوع، إما أن تخصص له دورة كاملة وإما كما اقترح بعض الإخوة، أن يجعل له مخطط متكامل، وفي كل دورة من الدورات يطرح موضوع أو يطرح موضوعان، فنستكمل على مدى الدورات القادمة، نستكمل خطوط هذا الموضوع، وشكرًا.
الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحب أن أعلق أولًا على كلمة " العِلْمانية " أو "العَلْمانية" كما رآها الأخ الكريم، وأقول: إنها تؤدي إلى الإلحاد وتقضي إليه وتشترك معه في أمور كثيرة، من أخطرها إبعاد الدين كليًّا عن الحياة، عن التوجيه وعن التربية والتعليم، العَلْمانية تعني حياد الدولة، إنها ليست مع الدين وليست ضد الدين، فليس لأحد أن يقول:"إنني أريد أن أضع المناهج في التربية والتعليم على أسس إسلامية، وليس لأحد أن يقول: إنني أريد أن أعمق فكرة الإِيمان بالله واليوم الآخر في مؤسسات الدولة أو في المؤسسات الإِعلامية، لأن حياد الدولة يقتضي ألا تتدخل في أمر الدين، هذا الذي تمشي عليه الدول الغربية، وتمشي عليه الدول العربية، التي اتخذت العلمنة طريقًا لها، وأذكر على سبيل المثال أنه كان بيننا في الأردن، وبين دولة عربية شقيقة، صار خطوة لتوحيد المناهج، في فلسفة التربية والتعليم في الأردن العبارة التالية: "تنبثق فلسفة التربية والتعليم من الإِيمان بالله والقيم العليا للأمة العربية" فيها هذه العبارة، من وحي هذه العبارة مؤلف كتاب الطبيعيات للصفوف الابتدائية – كتب وأذكر للصف الرابع الابتدائي – خلق الله السمكة، خلق الله الشجرة، فقال له المؤلف العَلْماني أو العِلْماني: نحن لا توجد عندنا فكرة "الله" نحن لا نوافق أن نضع "خلق الله" قال له: يا أخي أنا فلسفة التربية عندي تقول: "خلق الله" قال: لا نحن لا نوافق عليها يجب أن تحذفها فصارت مشادة ومصارعة انتهت بأن بُني الفعل للمجهول، فقالوا: "خُلِقَتْ السمكة، وخلقتْ الشجرة" فالذين يدافعون عن العَلْمانية ويقولون: لا، ليست هي إلحادًا، هي تفضي إلى الإِلحاد وهي مظلة للإِلحاد، وهي مظلة للكفر وهي كفرٌ وضلال انتشرت في بلاد المسلمين تدريجيًّا لإِبعاد الإسلام عن الحياة، أحب أن أشير إلى نقطة ثانية: إلى دور كليات الحقوق في البلاد العربية والإِسلامية في العلمنة، وفي إبعاد الشريعة الإِسلامية عن الحياة، وما تتلقاه من مساعدات من الدول الغربية، القانون الفرنسي، والقانون السكسوني، كل كلية حقوق: هذا مختص في السكسوني، هذا مختص في الفرنسي، ويجدون دعمًا ومساعدات سخية لأجل تقويتها حتى لا تتصل الشريعة الإِسلامية وتعود إلى الحياة. النقطة الثالثة: التي أحب أن أشير إليها – وقد أشار إليها الأخ الأستاذ إبراهيم – أن تطبيق الشريعة أوسع من التطبيق القانوني، هو إعداد للأمة لتستقبل شريعة الله وتطبيقها بتسليم كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فتطبيق الشريعة الإِسلامية في باكستان، تطبيق الشريعة الإِسلامية في السودان، كان من الذين عارضوه المستغربون الذين تلقوا الدراسة في جامعات الغرب، وعشقوا مناهجه ومذاهبه، وما زالوا يعارضونه – الشريعة الإِسلامية التي كانت مطبقة في كثير من البلاد العربية من الذي حاربها؟ ومن الذي يحاربها؟ أبناء البلد العلمانيون الذين تربوا على أن العلمانية طريق الحياة، ولذلك إذا أردنا أن نعيد الشريعة الإِسلامية فلا بد أن نبدأ بالمناهج، بالكتب والتعليم، بالإِعلام لإِعداد الأمة إعدادًا يستقبل شريعة الله ويقتنع بها، وعلى سبيل المثال أذكر أنه عندما طبقت الشريعة الإِسلامية في السودان، تخصصت إذاعة لندن بمحاربتها وبرصدها، ويعرف إخواننا السودانيون ضغوط الدول الكبرى لإِبعادها، عندما أرادت سوريا أن تجعل قانونًا مدنيًّا مستمدًا من الفقه الإِسلامي بديلًا عن المجلة، كان انقلاب حسني الزعيم – الذي كما تعلمون وكما اعترفت أمريكا نفسها بأنه انقلاب أمريكي – الذي كان أول خطواته أو الخطوة الوحيدة التي عملها، أن ألغى خطوة تطبيق قانون مدني إسلامي، أو تشكيل لجنة لوضع قانون مدني مستمد من الفقه الإِسلامي، واستمدوا قانون مصر الفرنسي، مع العلم كان في تطبيقه طفرة هائلة لا يقبلها أهل القانون، ولكنهم وضعوه وطبقوه، ثم جاؤوا ليطبقوه في الأردن، وفي يوم وليلة: مجلس النواب الأردني أقر القانون السوري،.
وعندما أرسلوه إلى مجلس النواب نقلوه نقلًا حرفيًّا ونسوا أن يحذفوا العبارة الأخيرة "وهو صدر عن قصرنا الجمهوري" فكان للعلماء دور هنا، كان للعلماء دور مجيد فعلًا، واستطاعوا أن يبعثوا في الشعب روح الإِيمان وروح الإِسلام، وطالبوا الحكومة، واستجاب ملك البلاد لهذه الرغبة، وأمر بتشكيل لجنة لوضع قانون مدني مستمد من الفقه الإِسلامي، وفعلًا وضع هذا القانون وطبق – والحمد لله – في الأردن، وعندما أرادت جامعة الدول العربية أن تضع قانونًا مدنيًّا عربيًّا مُوَحدًا للدول العربية، وجدوا في القانون المدني الأردني أساسًا وقاعدة ليمشوا عليها، وساروا واستطاعوا أن يؤصلوا هذا القانون ويضعوا النظرية العامة للالتزامات، ثم يؤصلونه، والأستاذ الكريم محمد ميكو الأمين العام لوزراء العدل العرب، من خير الأعضاء الذين يعون هذه المسألة ويواكبونها وهو أعرف بالمشكلات التي يجدها من العلمانيين، الذين يقفون في وجه الاستمرار في هذا العمل. ولذلك أرى أن نعرف الجهود التي قطعناها في السبيل وأن نعرف كيف ندعم بعضنا بعضًا. القانون المدني المصري الذي وضعه السنهوري مستمد من القانون الفرنسي وبعض القوانين الأجنبية، شرحه شرحًا وأصبح مسيطرًا في أكثر المنطقة العربية، بينما القانون المدني المستمد من الفقه الإِسلامي، حتى الآن لم يجد الشروح الواسعة، وكما ذكر الإِخوان مصادر الفقه الإِسلامي يصعب على كثير من القانونيين أن يرجعوا إليها، فلا بد من تيسيرها وتذليلها، ولكن ليس هذا الذي يعيق تطبيق الشريعة، الذي يعيق تطبيق الشريعة هي القوى العلمانية والماسونية والغربية، في بلاد المسلمين التي ترصد كل حركة تريد تطبيق الشريعة الإِسلامية وتحاول لتجهضها بالسرعة الممكنة وتنفر الناس منها، ومن هنا أرى أن تتكاتف الجهود لبعث الشريعة الإِسلامية، وأن يكون كل عالم في بلده داعية إلى الله تبارك وتعالى، يعتبر نفسه جنديًّا من جنود الإِسلام، قبل أن يعتبر نفسه موظفًا يقبض الراتب، ويقف لتطبيق الشريعة الإِسلامية في بلده، والله سبحانه وتعالى قد أخذ العهد على العلماء أن يكونوا أنصار دينه وأن يكونوا المدافعين عن تطبيق شريعته، من الأشياء التي تعيق تطبيق الشريعة، وقد وجدت عقبات كثيرة في باكستان – كما أذكر – التعصب – المذهبي، ولذلك البعد عن التعصب المذهبي والاتصال بفقه الكتاب والسنة والمذاهب الإِسلامية، الثانية: مواكبة تطور الزمن وفهم الأحداث، وأهم الأمور: العزيمة الصادقة عند الشعوب، بإقناعها ودعوتها للقيام بواجبها، والعزيمة الصادقة عند الحكام، وأحب قبل ذلك – يحسن ونحن ندعو إلى تطبيق الشريعة – أن نرصد ونعرف القوى الكبرى التي تخشى من تطبيقها وأن نحاول جهدنا لنعمل على مواجهتها، وإقناع الناس بها، وتحقيق أهدافنا بحكمة وقوة وإقناع، والله المستعان، وشكرًا للأستاذ الكريم.
الشيخ مصطفى العرجاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وجميع العلماء الأفاضل ما عدا الزميل الأستاذ الدكتور عمر الأشقر، وأستاذنا الفاضل الدكتور إبراهيم الكيلاني، تكلم الجميع في الفروع، ما عداهما تكلما عن بعض جذور المشكلة، ما أصل المشكلة؟ أصل المشكلة يحلها ما نحن فيه الآن، عندما أراد أحد الحكام وضع قانون معين يحكم العلاقات التجارية، وهو بالتحديد محمد علي في مصر، طلب من العلماء أن يضعوا هذا القانون، فاحتكموا إلى المذهبية، هذا يريده مالكيًّا وأخر شافعيًّا وآخر حنفيًَّا وأخر حنبليًّا، فماذا صنع؟ جاء بالقانون كما هو من الغرب، وقال نضعه بصفة مؤقتة – في عام 1830م – إلى أن تتفقوا على رأي، ثم بعد ذلك نطبق الشريعة الإِسلامية، وهذه هي البذرة الأولى لتطبيق النظم الغربية كاملة شاملة، الميلاد غير المشروع للقوانين الغربية في البلاد الإِسلامية، بداية جذور المشكلة المذهبية، عندما تقول لي هذا حرام ما هو الرد؟ أقول لك: أين الحلال؟ أعطني حلًّا، أريد حلًّا، معاملات الناس وحياة الناس لن تنتظر، والأحكام الشرعية مبثوثة وموزعة وتحتاج إلى تجميع، خصوصًا في نطاق المعاملات، والأمور الخلافية، إذا تم وضعها في نظام قانوني معتمد لرأي معين صارت مقرة ومطبقة، ثم بعد ذلك جذور المشكلة، بدأت بهذا القانون، ثم أخذت القوانين الأخرى تتسلل شيئًا فشيئًا، لماذا؟ أيضًا بسبب المذهبية، ومن الذي يقول أن الشريعة الإِسلامية في حاجة الآن إلى إعادة نظر فيها، لوضع قوانين ولوضع كذا أو كذا؟ القوانين موجودة والذين تحدثوا عن القانون الفرنسي، وقالوا إن القانون المدني الفرنسي هو قانون فرنسي، لو دققوا وراجعوا لوجدوا أن جذور هذا القانون مأخوذة من أين؟ مأخوذة من إسبانيا أي بلاد الأندلس، من بلاد الأندلس وبلاد الأندلس ماذا كان فيها؟ كان فيها الفقه المالكي، ولذلك بعض نصوص القانون المدني بدراسة وتحليل وتدقيق فيها نفس العبارات الموجودة في كتب الفقه المالكي، وكلها لا تتعارض مع الشريعة الإِسلامية في المعاملات، إلَاّ في باب الربا، وبعض الأبواب الأخرى المتعلقة بالمقامرة، وبعض الشروط الفاسدة، لو رفعنا هذا الفساد من داخل القانون لكان كما هو، كذلك أيضًا في مصر، الشريعة الإِسلامية منصوص عليها أنها المصدر الرئيسي للتشريع، واجتمع العلماء وبحثوا ودققوا، بل إن الكليات تطورت، صارت كلية الشريعة والقانون، بهدف ماذا؟ بهدف تطبيق الشريعة الإِسلامية، واكتمل القانون بصورة تامة، وذهب إلى مجلس الشعب ثم نام نومة كبرى، لكنه في الواقع موجود، القانون موجود، القانون الإِسلامي موجود، وكذلك أيضًا القانون الجنائي الموجود الآن، إذا طبقنا الحدود والقصاص ورفعنا ما يناقضهما، باقي العقوبات تعد تعازير، ما هو التعزير؟ التعزير عقوبة غير مقدرة شرعًا، متروكة للإِمام أو للمجتهدين، ثم بعد ذلك تصاغ وتوضع، فليست هناك مشكلة، المشكلة هي أن أولياء الأمور يخشون الحاكمية يخشون ماذا؟ إذا نجحت الشريعة الإِسلامية في الاقتصاد، ونجحت في المعاملات المالية، ونجحت في الجنايات، إذًا لا بد أن تطبق في الحكم، لماذا؟ - لأننا – أفنؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض؟ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} ؟.
ولذلك تسعون في المائة من المشاكل التي طرحت علينا والموضوعات التي طرحت علينا، موضوعات غربية جاءتنا مستوردة، بعض الأفكار المستوردة، ونريد حلًّا، كأن الإسلام دين تبرير لا دين تدبير، هل الإسلام دين تبرير؟ يبرر؟ تأتينا المسائل لنبررها؟ نحلها أو نحرمها؟ نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فأساس المشكلة – سيدي الرئيس – الأساس الأساس، هو عدم وجود هيئة علمية تعطي رأيًّا واضحًا وحكمًا واضحًا في قضية معينة، وكثرة الفتاوى الفردية التي في بعض الأحيان تعتمد بعض الآراء الداخلية، لكن الشريعة موجودة، بها القوانين ومنصوص عليها، في الدستور المصري: الشريعة الإِسلامية المصدر الرئيسي، قالوا: مصدر رئيسي، فاعترضنا قلنا: إنها كلمة ربما تكون أحد المصادر فوضعت لها الألف واللام "المصدر الرئيسي للتشريع" والآن محظور حظرًا تامًّا صدور أي قانون يخالف الدستور، لماذا؟ لأن بمعيارهم الدستور هو سيد القوانين، والدستور لا يلغى إلَاّ بدستور، إذن الشريعة الإِسلامية موجودة ولكنها معطلة. قانونها يحتاج فقط إلى العرض على مجلس الأمة، ليطبق، لكنه موجود، وشارك فيه كثيرٌ من العلماء ومواده القانونية موجودة، ومن الممكن أن نأتي بنسخة نعطيها إياكم
…
موجود القانون
…
القانون الإِسلامي موجود، وكذلك أيضًا في العقوبات، موجود القانون الإِسلامي لا يحتاج منا إلى شيء، أما أن نقول نعد الأمة الإِسلامية لاستقبال الإِسلام، هذا مستحيل، إنها فطرة الله، كيف نعدهم؟ أنمشي على هواهم؟ هذه مشكلة كبرى، يجب علينا أن نضع القواعد والقوانين، وجاء الإسلام ليحكم لا ليحكم عليه، وجاء ليسود لا يحكم عليه ولا يتحكم فيه، فهذه هي لب المشكلة، لب المشكلة وجذور المشكلة أن القوانين الغربية جاءت لماذا؟ لأن العلماء تمسكوا بمذاهبهم ولأن بعضهم لم يحاول أن يجتمع مع أخيه ويعطي رأيا مأخوذًا من روح الشريعة الإِسلامية، ومرحلة ثانية – يا سيدي – المرحلة الثانية الاستشراق: بدأ المستشرقون يشككون فكشفناهم، فماذا صنعوا؟ أخذوا من بيننا بعض الأفراد أنفقوا عليهم، لمعوهم وأظهروهم وملؤوا رؤوسهم بأفكارهم الخبيثة، فصاروا يطعنون على الشريعة، ويبحثون عن كل أمر فيه شذوذ، ويحاولون خلق الفتنة وعندما يظهر رأي غير شرعي تحتاج إلى الرد عليه، كيف ترد عليه إذا كانت وسائل الإِعلام في يد العلمانيين، وإذا كانت الصحف في أيدي من أغلبهم علمانيون؟ فماذا تصنع؟ كيف تُبَلَّغُ كلمتك للمسلمين؟ كيف تقول كلمة الحق؟ لأن العلماني بيده وسائل وبيده طرق، لذلك الشريعة الإِسلامية لا يمكن أن تؤجل، بل ينبغي علينا أن نحث جميع المسلمين وجميع حكام المسلمين أن يخرجوها، فهي موجودة، نصوصها موجودة وبحثت، يكفي أن القانون المدني في مصر أخذ سنوات حتى تم استقاؤه من الشريعة الإِسلامية، وكان ينبغي أن يصدق عليه، ولكنه لم يصدق عليه حتى الآن، لماذا؟ لا ندري! وعندما قال رئيس مجلس الشعب واكتفى:"إن القانون غير موجود"، احتجوا عليه. فقال: لم أعلم، فإذا كان رئيس المجلس لا يعلم. ما نقول وقد علم. فماذا تم لا شيء. لأني كما قلت لكم القضية منذ البداية نية مبيتة بعدم تطبيق الشريعة الإِسلامية، وما لا يدرك كله لا يترك جُلُّه، فعلى قدر الاستطاعة نطبق ما نستطيع، وشكرًا جزيلًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم. شَكَرَ الله للإخوة الكرام والأخ الأستاذ مصطفى.
أحببت أن أوضح بعض النقاط. من هذه النقاط: ما قيل من أن العلماء طلب إليهم أن يضعوا قانونًا مستمدًا من الشريعة الإِسلامية، فاختلفوا ولم يضعوا هذا القانون. هذا أمر ذكره المرحوم الشهيد عبد القادر عودة في رسالةٍٍ له اسمها " الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه"ولكن بالتتبع والبحث والاستقراء لم يوجد لهذا أي مصدر. أوَّلًا قيل: إنه في عهد محمد علي، والمعروف أن عهد محمد علي كانت فيه الشريعة الإِسلامية تطبق، الشريعة الإِسلامية ظلَّت في مصر تطبق إلى عهد إسماعيل، فالقضية تنسب إلى إسماعيل، هذه القضية، الحقيقة بعد التتبع لم يوجد لها إلَاّ مصدر واحد، هو أن العلامة الشيخ رشيد رضا – رحمه الله – ذكر أنه كان قد قال له رافع ابن الشيخ رفاعة الطهطاوي، إن الخديوي إسماعيل ذكر له أنه طلب من بعض العلماء أن يجتمعوا ليضعوا قانونًا ولكنهم اختلفوا، هذا هو المصدر الوحيد لهذه القضية، يعني مصدر إذا نظرنا في سنده أو نظرنا في دلالته لا نعرف هل هذا صحيح؟ لأن الكلام كله منسوب إلى إسماعيل بهذا السند، وهل إسماعيل كان جادًّا حقيقة؟ وكيف طلب منهم؟ هل طلب واحدًا منهم أو اثنين؟ ولذلك لا ينبغي أن ننسب إلى علمائنا هذه القضية الكبيرة، بهذه السهولة دون أن توثق التوثيق الكافي، ولو صح أنهم أرادوا تطبيق الشريعة الإِسلامية – والأخ نفس كلامه يرد بعضه على بعض.
لو أردوا أن يطبقوا الشريعة لوجدوا ألف وسيلة ووسيلة لتطبيقها ولتقنينها إن كان لا بد من التقنين، هذه واحدة، الأخرى: هي مسألة اتفاق القوانين الوضعية في معظمها مع الشريعة الإِسلامية، هذه قضية تذكر دائمًا، ونقول إن الاتفاق لا يكفي لأنه لا بد أولًا من تحديد المنطلقات، منطلقات الشريعة غير منطلقات القانون الوضعي، الفلسفة مختلفة، والدليل مختلف، وقطع النص القانوني عن مصدره الإِسلامي يجعله قانونًا وضعيًّا، لا يكون هناك قيمة ما لم يقل: إن هذا الأمر مستمد من كذا أو كذا، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ومما قاله الفقهاء وبناء على كذا حتى القوانين التي تبنى على المصالح المرسلة أو على سد الذرائع، يجب أن تؤصل تأصيلًا إِسلاميًّا وإلَاّ رفضت، هذا يعني لا بد من توضيح هذه المسألة، قضية أخرى: وهي قضية التدريج في تطبيق الشريعة، والذين يقولون إن الشريعة تطبق بالتدريج، طيب سلمنا بالتدريج، وبعضهم يقول: أتريدنا أن نطبق الشريعة فيما بين عشية وضحاها؟ طيب طبقوها بالتدريج، ولكن ما معنى التدريج؟ التدريج أن تكون هناك مراحل كل مرحلة تسلم إلى مرحلة، تريد أن نطبق الشريعة في خلال خمس سنوات أو عشر سنوات؟ إذن ضعوا خطة زمنية بحيث إنه بعد سنتين نخلص من القانون المدني، وبعد كذا نخلص من مناهج التربية، هذا معنى التدريج، إنما هؤلاء لا يريدون التدريج، يريدون التمويت، فنحن إذا سلمنا بالتدريج – وقد قال به مثل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي قال له ابنه الورع التقي عبد الملك: يا أبي ما لي أراك تتباطأ في إنفاذ الأمور؟ والله لا أبالي لو غلت بي وبك القدور في سبيل الله، فقال يا بني: إن الله ذم الخمر في آيتين ثم حرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أدفع الناس إلى الحق جملة فيدعوه جملة، ولكن أما ترضى ألَاّ يمر على أبيك يوم إلَاّ وهو يميت فيه بدعة ويحيي سنة؟ - فهذا هو التدريج أن تمات كل يوم بدعة وتحيا سنة، أما أن يقولوا بالتدريج ولا يفعلون شيئًا وتمر السنين وراء السنين، وهم في موقعهم، فليس هذا من التدريج في شيء، المهم أيها الإخوة أن تكون هناك نية – فعلًا – صادقة للحياة حياة إسلامية، وهذا هو المراد من كلمة "تطبيق الشريعة"، ليس الجانب القانوني فقط، وليس جانب الحدود والعقوبات فقط، ولكن أن تحيا مجتمعاتنا حياة إِسلامية، حياة توجهها العقيدة الإِسلامية، وتضبطها الأخلاق الإِسلامية، وتحكمها التشريعات الإِسلامية، وهذا ما تريده، الأمة، وما يريده الله تعالى منها:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ طيب سلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بلسان الثناء والشكر، أتوجه إلى هذا المجمع الكريم، لوضع الإِصبع على الداء، وهو أكبر داء، وكنت أستمع إلى حضراتكم وأنا أتخيل لو فتح على مجمعنا هذا جهاز التلفاز لالتهت الأكف في الدنيا وفي العالم الإِسلامي بالتصفيق، ولصفرَّت الوجوه القليلة التي عادت هذه الشريعة وتعاديها وهي مصرة على معاداتها، اسمحوا لي أن أعود إلى أصل الداء لأنني أعتقد أن الجسم إذا سكنته الجراثيم لا يبحث الطبيب عن تقويته قبل أن يبحث عن القضاء على الجراثيم الفتاكة التي تنخره من الداخل، وأقول: إن عملية تكريه العالم الإِسلامي في الإِسلام، هي عملية غربية، عملية عداء غربي، عملية عداء للإسلام قديمة ومعروفة، والصهيونية والتي نسميها الصهيونية العالمية الموجودة اليوم هي موجودة من عهد خيبر، وهي مستمرة، ثم انضافت إليها المسيحية بتخطيط من الصهيونية حتى تعضد جانبها، وبرزت الأمور في ميدان تطبيقي عملي إثر الحروب الصليبية، وكان ما كان مما انتاب الخلافة العثمانية، وبقي الصليب يحقد على الإسلام ولم يجدوا سبيلًا، فقاموا بحركة التبشير، وكنا نرى في القرى والمدن في البلاد الإِسلامية الآباء البيض يطوفون متظاهرين بالرحمة والإِشفاق على الصغار، كما أنهم أخذوا من أبناء البلاد الإسلامية شبابًا يربونهم على الطريقة التي يريدونها. أعطيناهم أبناءنا، ومكنَّاهم منهم، وبذلك كرهوا إليهم دينهم، وحببوا إليهم حياة المدنية، وأقنعوهم بطرقهم بأن الإسلام هو سبب تأخر المسلمين، ولو تخلى المسلمون عن إسلامهم، ولو انحصر – على الأقل – الإسلام في المساجد والجوامع كما فعلت المسيحية مع المسيحيين، لآل الأمر إلى تقدم، وإلى مماشاة المسلمين للعالم العصري المتقدم – وقد اقتنع الكثير – بأنه لا يجوز لنا إذا رمنا الخير لأطفالنا أن نحفظ القرآن، كما قال الغربيون، ونظرية تربوية عقيمة، نشروها فينا بدعوى أن الحفظ يقوي الحافظة، فتطغى الحافظة على الفكرة، وبذلك يصبح الطفل عندما يشب وعندما يصير كهلًا، لا شخصية له لأنه عبارة عن آلة حاكي لا تحسن شيئًا، والنتيجة رأيناها بالعكس، رأينا بالعكس أن جميع من حفظوا القرآن هم من العلماء العلام الأعلام السلف الصالح من علمائنا ما من واحد منهم في ترجمته إلَاّ وهو يحفظ القرآن زيادة على ما يحفظه من آلاف الأحاديث بأسانيدها، فكانت هذه الحافظة، التي هي منطلق التربية الإِسلامية، أصبحت عيبًا كما أراد الغرب أن يصوِّرها، هذه مثلًا صورة من الصور، وبذلك تعليمنا اليوم خالٍ أو أشد ما يتبرم منه الطلاب والتلاميذ أن تأمرهم بحفظ شيء، وزالت الكتاتيب، وحذفت الكتاتيب، بهذه الدعوة لأن الأمر تقليدي وأمر لا يمكن أن نبقى عليه في هذا العصر، وهكذا: ما أردت أن أقوله إخواني من غير أن أطيل، هو أن القضية قضية هامة جدًّا، والقضية تحتاج إلى عناية كبرى، ولكن تحتاج إلى إقناع شبابنا اليوم: الدعوات التي توجه إليهم باسم التكنولوجيا، وباسم جلب العلوم العصرية، باعتبار أن الحياة ما كانت تقوم إلَاّ على ما أوجدته الحياة العصرية من علوم مادية، اقتنعوا بهذا، وانصرفوا إلى هذه العلوم، وتخلوا عن دينهم وعن تعاليم دينهم، فأصبحنا نكون مديري المصارف والمهندسين، ولكن بدون ضمائر إسلامية، هذا الذي ينقصنا، وهذا الذي جعلنا في تخلف، ومهما تكن ثرواتنا – نحن ثرواتنا – والحمد لله – أغدق الله علينا من الثروات الشيء الكثير، ولكن ثرواتنا لم تنفعنا، العلم والتكنولوجيا قد أتينا بذلك، ولكن أيضًا لم نستفد من ذلك شيئًا ولا يتم نفع إلَاّ إذا قامت على القيم الإسلامية، وتعاليم الشريعة الإِسلامية، هذا ما أردت أن أقوله وشكرًا سيادة الرئيس.
الرئيس:
شكرًا في الواقع بقي نحو عشرين متحدثًا، فهل ترون أن نستمر في هذه الكلمات ونعطي خمس دقائق فقط؟
مناقش:
بسم الله الرحمن الرحيم
بناء على ما تقدم من كلام الأساتذة الأفاضل ومن الضروري أن نوجد المناخ المناسب لتطبيق الشريعة الإِسلامية، في عالمنا العربي والإِسلامي، إذ أن من المعلوم أن تطبيق الشريعة الإِسلامية أمر معروف من الدين بالضرورة – كما تفضل الأساتذة الأفاضل – فأرى – وكما يقال خير البر عاجله – أن تؤلف لجنة من هذا المؤتمر الكريم، لوضع خطة لبحث المواضيع المناسبة، لإِيجاد الوسائل الكفيلة بتطبيق الشريعة الإِسلامية، أو نقول الوسائل الكفيلة بإيجاد المناخ المناسب، لتطبيق الشريعة الإِسلامية، وشكرًا.
الرئيس:
هل ترون أن نكتفي بهذا، أم بقية الكلمات؟
بعض المناقشين:
لا نوافق على هذا، نعترض.
الرئيس:
إذن لو رأيتم أن يتنازل البعض للآخر، لأن عشرين متحدثًا، والوقت عندنا ما بقي الآن إلَاّ عشرون دقيقة، أمر ليس في الإِمكان.
مناقش:
كان من الممكن تدبير الوقت منذ البداية وتقسيمه على الراغبين في الحديث.
الرئيس:
الآن حصل شيء من الخطابة وطالت وطولت، والله نحن سبق أن نبهنا في مرتين وثلاث وأربع، يعني ما فيه داع للإِكثار.
مناقش:
دقيقتين لكل متكلم.
الرئيس:
لا: خمس دقائق، ممكن؟ بس خلاص نمضي يا شيخ.
الأستاذ يوسف محمود القاسم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله.
هذا الموضوع في غاية الأهمية، وفي غاية الخطورة، وشكرًا للعلماء الأفاضل الذين كتبوا في هذا الموضوع، وشكرًا للأخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان الذي عرض عرضًا وافيًا للأبحاث الثلاثة.
القضية – قضية تطبيق الشريعة – تعتبر هي كل شيء بالنسبة لمجمع الفقه الإِسلامي، فلا بد أن تأخذ العناية اللائقة بخطورة هذا الموضوع.
فكرة التدوين أو التقنين، التي أشار إليها الأخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان فكرة جيدة لكنها في الواقع فكرة جانبية تتخذ أو اتخذت فعلًا سبيلًا للمرواغة في تطبيق الشريعة الإِسلامية، فالتقنين قائم: مشروعات خاصة قدمت لمجلس الشعب المصري، تزيد عن عشرة مشروعات في السبعينات، ثم مشروع محكمة النقض المصرية – قدم سنة 1975م – ثم مشروعات لجان مجلس الشعب الكاملة المتكاملة، في كل فرع من فروع القانون (في المدني، في الجنائي، في المرافعات، في التجاري، في البحري) في كل فرع من فروع القانون، وضعت القوانين الإِسلامية الكاملة المتكاملة، وليست فقط مجرد النصوص، بل والمذكرات التفسيرية الخاصة بكل مادة، حتى لا يقال إن القاضي الذي يدرس الحقوق، كيف يطبق الشريعة وهو لا يعلم منها شيئًا؟ وضعت له المذكرة التفسيرية، لتبين له مصدر كل مادة من أي مذهب من المذاهب الفقهية على اختلافها، هذا كله فضلًا عن مشروعات الأزهر الشريف، لدرجة أن أعضاء هذا المجلس الموقر يندهشون عندما يعلمون أن مجمع البحوث الإِسلامية وضع مشروعات قوانين في كل فرع من فروع القانون مأخوذة من كل مذهب، نقول القانون المدني الإِسلامي من المذهب المالكي، نصوص كاملة متكاملة خاصة، القانون المدني الإِسلامي من المذهب الحنفي، نصوص كاملة متكاملة خاصة، يقول له: ربما بعض البلاد الإِسلامية يريد أن يطبق المذهب المالكي، فلنضع له قانونًا، ولا تزال هذه القوانين قائمة وموجودة وينسخ كثيرة جدًّا، أيضًا مجمع البحوث الإِسلامية، دخل في مجال تنقية القوانين، فوضع مشروعًا يسمي "تنقية القوانين" حتى لا يدع حجة لأي متحجج مبطل، لأنه حينما قيل: إننا نكتفي بالقوانين القائمة، وننقيها مما يخالف الشريعة، وضعت مشروعات بهذه الموضوعات، أحد الزملاء الأفاضل – العلماء الكبار الذي تكلموا – أشار إلى الآيات الكريمة الواردة في سورة المائدة وأنها نزلت في حق أهل الكتاب، في الواقع هذا حق، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، هذه نزلت في حق أهل الكتاب، لكن الآية التي بعدها والآيات التالية:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} ، ثم يقول سبحانه في الآية التالية:{وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ واحْذَرْهُمْ أن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ فَإن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وإنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .
ما أشار إليه الزميل الأخ الدكتور مصطفى، مما قيل من أن محمد علي جمع العلماء، وهم تنازعوا فكرًا مذهبيًّا، هذا باطل لا أساس له كما أشار الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، هذا في الواقع لا أساس له، بل يثبت النقيض، لأن علماء مصر بل العلماء في كل الدنيا أحرص الناس على تطبيق شرع الله عز وجل، ولم يثبت هذا على الإِطلاق، ولا أساس له مطلقًا، وإنما الاستعمار الغربي، اختار هذا الرجل ليكون الخطوة الأولى في تغيير المنهج، بعد فشل الحملة الفرنسية، أعداء الإسلام فكروا أن الحلول العسكرية والمواجهة العسكرية بينهم وبين الإسلام لن تجدي، ففكروا في الدهاء والخبث، فاختير رجل معين، وكان أول ما عمله، ينزع قاعدة إسلامية ويضع محلها قاعدة من القانون الفرنسي دون أن يعلن بين العلماء هذا، إلى أن جاء عهد إسماعيل كما أشار الأخ الدكتور يوسف القرضاوي، في الواقع إسماعيل غير مُبَرّأ، شكرًا لكم وجزاكم الله خيرًا.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
مؤتمركم الكريم له عنوان " منظمة المؤتمر الإِسلامي "، نحن مفوضون قانونًا ودينًا بهذه المهمة الكبيرة، فإذن مؤتمر وزراء الخارجية الدول الإِسلامية، طبعًا عندما أصدروا هذا القرار لم يكن في ذهنهم أحكام الوضوء وهي هامة، إنما كان في ذهنهم كيف نعيش مسلمين قانونًا وحياة كاملة، فإذن هذا الموضوع هو صلب مهام المؤتمر، نرجو، لا نقول أن نخرج بقرار توصية، ولكن أن تشكل لجنة لوضع خطة مرحلية – أظن لا يكون الجواب في مؤتمر واحد – على مراحل متعددة، كيف نمهد لهذه الفكرة بأبحاث موزعة ومدروسة. وشكرًا.
الدكتور طه جابر العلواني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه الموجة العاطفية العارمة، التي قوبل بها هذان البحثان وخطبة إمام الحرم، موجة تدل على مدى تعلق هذه الأمة بشريعتها والحمد لله، ولكن الذي أود أن أشير إليه وأنبه الأذهان له، أن الصراع بين أعداء الإسلام والمسلمين قد أخذ أطوارًا عديدة منذ البداية، وقد كان الصراع الفكري الحلقة الأهم والأخطر، والثغرة الكبرى التي أتي المسلمون منها، ففي القديم استدرج العقل المسلم إلى متاهات التأويل ودهاليز الباطنية، التي شوهت العقيدة السليمة النقية، وحولت الفقه الإِسلامي من علم يضبط حياة المسلمين بضوابط الشريعة، ويمد ظل حاكمية الله جل شأنه على سائر شجون وشؤون الحياة، إلى علم تستثمر بعض قضاياه في إثارة الخلافات وعقد المناظرات والمنافرات والجدل، حتى لم يجد عقلاء الأمة حلًّا لمصائب تلك الاختلافات والحروب الأهلية، التي كانت تقع أحيانًا في شوارع بغداد، بين أرباب المذاهب المختلفة بدافع التعصب إلا الدعوة إلى الالتزام بتراث الأئمة الأربعة الفقهي، والتوقف عن الاجتهاد خارج ذلك الإِطار، ثم سيادة التقليد المطلق بعد ذلك، لا بالمفهوم الأصولي وحده، ألا وهو قبول قول الغير بلا حجة، بل بمعناه اللغوي والعام، وتحولت الأمة بعد ذلك إلى أمة تحمل عقلية عوام، وطبيعة قطيع، ونفسية عبيد، تسير خلف كل ناعق، وتوقف العقل المسلم عن العطاء، واجتاح الصليبيون أجزاء كثيرة من ديار الإِسلام، ثم استمرت الحروب مائتي عام، ولكن الله جلَّ شأنه قد نصر الأمة بعد ذلك نتيجة اصطلاحات فكرية، وعلمية، وثقافية، وإدارية، وتشريعية، وعسكرية، قام بها المرحوم محمود زنكي ثم صلاح الدين، وتحقق الانتصار العظيم، ثم طال على المسلمين الأمد بعد ذلك وقست منهم القلوب مرة أخرى، وبدأت دورة تراجع ثانية أدت إلى سقوط بغداد بأيدي التتار سنة 656هـ.
ثم هيأ الله لهذه الأمة دورة انتعاش أخرى على أيدي آل عثمان، فاستردت أنفاسها، وبدأت دورة انتصار جديدة، ولكن على الصعيدين العسكري والسياسي، لا على الصعيدين الفكري والعقيدي والاجتهادي والثقافي، ورغم الانتصارات الهائلة، فإن الدولة العثمانية لم تستطع مواجهة التحديات الحضارية، التي فرضتها النهضة الأوروبية وحاول العثمانيون بقيادة سليم الثاني تطوير الدولة، والاستفادة من التصنيع، الذي نستطيع قوله: إن اليسار الذي أشار معالي الأمين في ورقته إليه، بعد أن نضجت الصحوة الإِسلامية، وبدأ المسلمون يفيقون من سباتهم، ويحاولون أن يبحثوا عن أصالتهم في كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم بدأ اليسار بكل فصائله يقذف هذه المرة لا بفكر مستشرقين، ولكن بفكر تلامذة لهم، معظمهم قد تخرج في أديرة النصارى، وتنصر بالفعل، وهناك وثائق تثبت تنصر هؤلاء الذين ذكرهم فضيلته في مقالته، فهذا التيار الجارف، قذف به ليدرس الفكر الإِسلامي والثقافة الإِسلامية وعلم الكلام والفقه، يبحث عن كل شبهة، وعن كل ثغرة، ليعرضها بين شباب المسلمين، المقترح الذي أود الوصول إليه: أن يخصص محور دائم في كل دورة من دورات هذا المجمع، للبحث في جميع القضايا التي تشكل تحديًّا للفكر الإِسلامي والثقافة الإِسلامية، والشريعة الإِسلامية، ويكشف سائر المحاولات المعادية للإسلام، في الفكر والثقافة والشريعة، سوف يكون ذلك – إن شاء الله – نافعًا في تحذير المسلمين وتوعيتهم، ومن أولى من المجمع الفقهي الدولي الإِسلامي بتحذير المسلمين وتوعيتهم؟ وشكرًا.
الدكتور عمر جاه:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
شكرًا سيدي الرئيس. لقد استمعت إلى البحوث، وإلى التعليقات التي تفضل بها الإِخوة، ومما لا شك فيه أن قضية تطبيق الشريعة هي أساسية أو هي القضية الأساسية، ولولاها لما أنشئ هذا المجمع، فالمجمع أنشئ لإِيجاد وسائل عملية لتطبيق الشريعة الإِسلامية، وأذهب إلى أبعد من هذا وأقول: إن كل عمل، كل بحث، كل موضوع ناقشناه في هذا المنبر إنما هدف إلى تطبيق الشريعة، وأنا أرى أنه حتى مسائل البنوك، ومسألة الأسهم، ومسألة طفل الأنابيب، هذه كلها موضوعات تتعلق بوضع نظام شرعي يعيش عليه المسلمون، إذن فالمسألة لا ينبغي أن نفهمها كما يريد آباؤنا أن نفهم الشريعة فيها، فالشريعة هي دين الإسلام، الدين هو الشريعة، والشريعة هي الدين، وأتعاطف كثيرًا مع فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حينما ذهب إلى القول: إن تطبيق الشريعة لا ينبغي أن أحصرها على مسألة الحدود أو القوانين، إنما الشريعة تعني سلوك الفرد، سلوك الفرد المسلم على المستوى الفردي، على المستوى الأسري، على المستوى الدولي، وعلى جميع المستويات، ويبقى لنا يا فضيلة الرئيس، أن نكون واقعيين مع أنفسنا، المطلوب هنا ليس توجيه دعوة أو استعطاف إلى رؤساء الدول، إلى القائمين بالأمر في دول الإسلام لتطبيق الشريعة، هذا لا يكفي، وأعتقد أننا كلنا نتفق، كلنا يتفق على أن رؤساء الدول يفهمون هذه القضية فهمًا دقيقًا، ولا يجهلون أبدًا أن الأمة الإِسلامية تريد أن تعيش مسلمة، لكن، كيف الطريق إلى ذلك؟ هذا مجمع علمي، فقهي، كون الوضع قواعد، وتسهيل الأمور، لكن يتسنى للحاكمين القائمين بالأمر ليتقيدوا وليطبقوا الشريعة، فأتناول قضية واحدة بسيطة لكنها قضية خطيرة، ولماذا نرى أن أجهزة الإِعلام في الغرب – نذكر إذاعة لندن داتشي فيلا وصوت أمريكا – هذه الأجهزة تركز تركيزًا كبيرًا على كل شيء يشير إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية، المشكلة في السودان، تطبيق الشريعة في السودان، أخرط سلاح مسلط على الحكومة السودانية، هي هذه وسائل الإِعلام، وما هي الطريقة التي نريد أن نستعملها نحن في هذا المجال؟ لأننا ينبغي أن نقوم بعملية توعية أساسية، حتى يقتدي الفرد المسلم بأنه من غير تطبيق الشريعة لا يعيش مسلمًا، أنا لا أتصور أن يكون هناك مسلم يعتقد أنه مسلم حقيقي إذا لم تعش الشريعة في اسمه، الشريعة في المسجد، الشريعة في وظيفته، الشريعة في كل ظاهرة من ظواهر حياته، ونقول: نتوجه إلى الحكام ليطبقوا الشريعة، فما بالنا بمئات الملايين إن لم يكن أكثر من خمسمائة مليون يعيشون خارج نطاق الدول المسلمة في الدول العربية الإِسلامية؟ ينبغي أن يُعنى بهم، ينبغي أن يستمر هذا الموضوع في كل جلسة من جلساتنا، وفي كل مرة نجتمع فيها نخصص وقتًا كافيًا لدراسة الموضوع من جميع نواحيه، ووضع حلول عملية منطقية نستعين بها لأن تطبق الشريعة، أكرر مرة ثانية أن الشريعة ليست حدودًا وليست قوانين إنما الشريعة هي دين، والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:
الدين مثل ما قال الشيخ الأمين الخوجة "النصيحة" ومجمعنا هنا مجمع فقهي، ولا بد أن نؤدي النصيحة، وأن ما تعانيه الأمة الإِسلامية من مآسي سببها الرئيسي وسببها الأول هو عدم تطبيق الشريعة الإِسلامية، فأعتقد أن هذا الموضوع تأخيره بعد طرحه إثم، نأثم في الحقيقة إذا أخرناه ولو لحظة واحدة، ولذا أرى وأقترح ثلاثة أمور أو أربعة.
الأمر الأول: بأن ننادي وندعو المجتمع الإِسلامي شعوبًا – قبل الحكومات – شعوبًا وحكومات بتطبيق الشريعة الإِسلامية.
ثانيًا: أقترح بأن يقوم المجتمع – حالًا – في وضع الشريعة الإِسلامية بشكل مواد ميسرة للتطبيق مع التعاون مع من سبق في الأزهر، في جامعة الإِمام محمد بن سعود، في الإِمارات.
ثالثًا: الدعوة بالاعتناء بالمعاهد الشرعية لتخريج القضاة والفقهاء ليقوموا بالمهام القضائية.
رابعًا: تكوين لجنة من العلماء الأعلام والفقهاء البارزين، لوضع خطة عامة شاملة متكاملة لقواعد تطبيق الشريعة الإِسلامية، في المجتمع الإِسلامي، ثم بعد ذلك ندعو أيضًا المجتمع غير الإِسلامي لأنا نحن أمة – في الحقيقة – مطالبة بأن ندعو إلى دين الله والله سبحانه وتعالى خلقنا في هذا الكون وفي هذه الأرض لعبادته حيث قال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . والعبادة عقيدة وشريعة ومنهج حياة وسلوك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لي تعليقات خفيفة أرجو أن أوفق لها، لا أريد أن نضيع الوقت في الحديث عن الاستعمار وعن كونه سببًا لعدم تطبيق الشريعة الإِسلامية في بلادنا، ولا نتحدث عن تاريخ هذا الاستعمار، لأننا نضيع الوقت في هذا الحديث الطويل العريض، ولا نريد أيضًا أن نتجه إلى المجتمعات – أي إلى الشباب والشعوب – كما جاء ذلك في بعض تعقيبات الإِخوة الأفاضل، لأن الشريعة الإِسلامية إذا لم تطبق من الرؤوس كما قلت في كلمتي السابقة: انحراف الشباب، انحراف النساء، انحراف الإِعلام الإِسلامي، كل هذه مرجعها إلى انحراف الرؤوس، نطبق الشريعة الإِسلامية من فوق: يصلح الإِعلام ويصلح التعليم وتصلح التربية ويصلح الشباب إذا بدأ التطبيق من الأعلى، وما لم نطبق الإسلام من الأعلى فلا يزال الشباب منحرفًا، والإِعلام منحرفًا والنساء منحرفات، وكل أمورنا تبقى كما هي، لنبدأ من الرؤوس وَلنَدْعُ الرؤوس أولًا قبل كل شيء أن تطبق شريعة الله عز وجل، هذا ما أريد أن أقوله، ولي تعليق بسيط على الأخ قاسم، فهم كلمتي خطأ عن الآيات التي وردت في سورة المائدة، أنا قلت: إن الإِمام الطبري
يرى أنها خطاب لأهل الكتاب فقط، وأنها ليست خطابًا للمسلمين، وهذا خطأ في نظري لم أقل إنها لم تنزل في أهل الكتاب، وهي نزلت في خواتيم آيات تتعلق بأهل الكتاب، لكن الإِمام الطبري يرى أنها ليست خطابًا للمسلمين، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . يقول إن هذه ليست خطابًا للمسلمين، ورأيي أنها خطاب للمسلمين. هذا الذي قلته، ولم أقل إنها لم تنزل في أهل الكتاب، أنا الحمد لله حافظ القرآن ومؤلف فيه. وشكرًا.
الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم.
ينبغي أن نلاحظ أولًا، أن المسلمين لم يحسب لهم أي حساب، إلا في الفترة التي حكَّموا فيها شريعة الله، وجعلوا القرآن دستورهم، والسنة قوانينهم المطبقة التنظيمية، واليوم ومجلسكم الموقر ومعقد آمال كل المسلمين، شعوبًا وحكومات ينبغي ألا يؤخر مستقبل المسلمين، وتطلعات أبناء المسلمين، قبل أن يتخذ فيها قرارًا حاسمًا يضع فيه الحاكمين والمحكومين أمام مسؤولياتهم، إن أولئك الذين يظنون أن الشريعة الإِسلامية لم تستجب، وليست قادرة على أن تستجيب لكل التطلعات، هم مخربون أكثر دسًّا من الصهاينة، وأكثر دسًّا من الكنيسة للمسلمين، وعلى هذا الأساس فإنما نتغاضى عن الشارع الإِسلامي، ولم يصبح شارعًا إسلاميًّا، فتبرج النساء أصبح الشباب يجهل أنه محرم، وشرب الخمر أصبح شباب المسلمين يجهلون أنه حرام، وقد أوشك الربا أن يصبح التعامل به، يجهل المسلمون أنه حرام. ولذا، انطلاقًا من هذه المعطيات التي لا يجادل فيها أحدنا إلا إذا كان يخادع نفسه، فإنني أقترح – نظرًا لضيق الوقت، ولكون كلماتي التي كنت أود أن أقول، قالها بعض الإخوان من قبلي بعض السادة العلماء الفضلاء أساتذتي – أقترح:
أولًا: أن تصدر هذه الندوة قرارًا كما قال الشيخ الحبيب يناشد الحكومات والشعوب بأن تطبق الشريعة الإِسلامية.
ثانيًا: أن تخصص ندوة يعلن تاريخها من الآن، على أن يبقى للأمانة العامة والرئاسة التداول مع دول الإسلام في مكانها، تخصص لتطبيق الشريعة الإِسلامية، على أن تكون البحوث المنصبة في تلك الندوة هي تعنى بوسائل تطبيق الشريعة الإِسلامية.
ثالثًا: قيام المجمع بإعداد مدونة تعنى بالمعاملات المدنية والتجارية، والقوانين الجنائية، لا كالتي سبقت لأن المدونات التي سبقت كان يعدها رجال القانون الذين تعلموا في الجامعات الأوروبية، وأتفق مع بعض الإِخوة الذين قالوا: إن المنطلق ليس واحدًا والأهداف ليست واحدة والغايات ليست واحدة، فتكون هذه من علماء المسلمين، ومن وضع الصورة الأساسية لقيام مجتمع يرضي الله ورسوله.
رابعًا: هو أن تقوم الأمانة العامة بمراسلات كل الجامعات الإِسلامية، لتعقد ندوات إقليمية، تدرس فيها وسائل تطبيق الشريعة الإِسلامية ميدانيًّا، ثم تبعث بما لديها إلى الأمانة العامة، قبل انعقاد الدورة القادمة تأسيًّا بما تقوم به جامعة الإِمام محمد ابن سعود جزاها الله خيرًا عن الاهتمام بالإِسلام.
وشكرًا لكم سيدي الرئيس.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
اللجنة إذا رأيتم: تتألف من المشايخ الآتية أسماؤهم:
عبد الوهاب أبو سليمان، وهبة الزحيلي، إبراهيم الكيلاني، عمر الأشقر، مصطفى العرجاوي، طه العلواني، مصطفى الغزالي مقررًا.
بهذا تنتهي هذه الجلسة، ونذكركم بأن هناك لجنة الصياغة مدعوة إلى الاجتماع في هذه الليلة في الساعة الثامنة والنصف في قاعة الروضة من هذا الفندق، وهم المشائخ الآتية أسماؤهم:
حسن الشاذلي، العاني، سامي حمود، محمد الأشقر، الأمين عبد الله محمد، عبد الله ابن منيع، محمد عطا، عمر الأشقر، مصطفى الغزالي.
وصلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
القَرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (10)
بشأن
تطبيق أحكام الشريعة الإِسلامية
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطِّلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تطبيق أحكام الشريعة الإِسلامية) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبمراعاة أن مجمع الفقه الإِسلامي الذي انبثق عن إرادة خيرة من مؤتمر القمة الإِسلامية الثالثة بمكة المكرمة، بهدف البحث عن حلول شرعية لمشكلات الأمة الإِسلامية وضبط قضايا حياة المسلمين بضوابط الشريعة الإِسلامية، وإزالة سائر العوائق التي تحول دون تطبيق شريعة الله وتهيئة جميع السبل اللازمة لتطبيقها، وإقرارًا بحاكمية الله تعالى، وتحقيقًا لسيادة شريعته، وإزالة للتناقض القائم بين بعض حكام المسلمين وشعوبهم وإزالة لأسباب التوتر والتناقض والصراع في ديارهم وتوفيرًا للأمن في بلاد المسلمين.
قرر:
أن أول واجب على من يلي أمور المسلمين تطبيق شريعة الله فيهم، ويناشد جميع الحكومات في بلاد المسلمين المبادرة إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية وتحكيمها تحكيمًا تامًّا كاملًا مستقرًا في مجالات الحياة، ودعوة المجتمعات الإِسلامية أفرادًا وشعوبًا ودولًا للالتزام بدين الله تعالى وتطبيق شريعته باعتبار هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكًا ونظام حياة.
ويوصي بما يلي:
(أ) مواصلة المجمع الأبحاث والدراسات المتعمقة في الجوانب المختلفة لموضوع تطبيق الشريعة الإِسلامية ومتابعة ما يتم تنفيذه بهذا الشأن في البلاد الإِسلامية.
(ب) التنسيق بين المجمع وبين المؤسسات العلمية الأخرى التي تهتم بموضوع تطبيق الشريعة الإِسلامية وتعد الخطط والوسائل والدراسات الكفيلة بإزالة العقبات والشبهات التي تعيق تطبيق الشريعة في البلاد الإِسلامية.
(ج) تجميع مشروعات القوانين الإِسلامية التي تم إعدادها في مختلف البلاد الإسلامية ودراستها للاستفادة منها.
(د) الدعوة إلى إصلاح مناهج التربية والتعليم ووسائل الإِعلام المختلفة، وتوظيفها للعمل على تطبيق الشريعة الإِسلامية، وإعداد جيل مسلم يحتكم إلى شرع الله تعالى.
(هـ) التوسع في تأهيل الدارسين والخريجين من قضاة ووكلاء نيابة ومحامين لإعداد الطاقات اللازمة لتطبيق الشريعة الإِسلامية.
والله الموفق.
قرار بشأن
ميزانية المجمع للسنة المالية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
1408/1409هـ - 1988/1989م
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على تقرير مدقق الحسابات عن السنة المالية 1407/1408هـ (1987/1988م) .
وبعد تدارسه لمشروع ميزانية المجمع للسنة المالية 1408/1409هـ (1988/1989م) .
وبعد تدارسه لمشروع ميزانية المجمع للسنة المالية 1408/1409هـ (1988/1989م) المقدم من الأمانة العامة، والبالغة مليوني دولار أمريكي.
قرر:
الموافقة على المشروع بالمبلغ الإجمالي المقرر له.
ويوصي بما يلي:
أولا: حث الدول الأعضاء في المجمع على الوفاء بالتزاماتها بالنسب المكتتب بها في ميزانية المجمع مما لم يقع الوفاء به، لكي يمكنه مواصلة مسيرته على الوجه المأمول.
ثانيا: دعوة الأعضاء المنتدبين من دولهم لبذل مساعيهم لسداد دولهم التزاماتها كاملة من خلال توضيح الظروف المالية التي يمر بها المجمع وما ينشأ عن ذلك من البطء في إنجاز مشاريعه العلمية التي تعود بالخير والنفع على الأمة الإسلامية.
ثالثا: مناشدة اللجنة المالية الدائمة للسعي لدى الدول الأعضاء لسداد مساهماتها في ميزانية المجمع لكي يتمكن من أداء رسالته كاملة.
والله الموفق.
وبإثر ذلك رفع الشيخ الرئيس الجلسة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (1)
بشأن تنظيم النسل
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.
قرر ما يلي:
أولا: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.
ثانيا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.
ثالثا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم. والله أعلم.
قرار رقم (2، 3)
بشأن
الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي (الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما.
قرر:
أولًا: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعًا، هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
ثانيًا: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الوعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
ثالثًا: المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة ((لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.))
ويوصي المؤتمر:
في ضوء ما لاحظته من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء.
يوصي بما يلي:
أولًا: أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد ولا سيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.
ثانيًا: أن تدرس الحالات العملية لتطبيق (المرابحة للآمر بالشراء) لدى المصارف الإسلامية، لوضع اصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء.
والله أعلم
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ،الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (4) بشأن
تغيُّر قيمة العملة
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/ 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1998م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تغير قيمة العملة) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم (9) في الدورة الثالثة بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمينة كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما.
قرر ما يلي:
- العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًا كان مصدرها بمستوى الأسعار.
والله أعلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (5)
بشأن
الحقوق المعنوية
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/ 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك اصبح حقًا ماليًا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها.
والله أعلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه
قرار رقم (6)
بشأن
الإيجار المنتهي بالتمليك
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ/10 إلى 15 كانون الأول) ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع) الإيجار المنتهي بالتمليك) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم (1) في الدورة الثالثة بشأن الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامى للتنمية فقرة (ب) بخصوص عمليات الإيجار.
قرر
أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان.
(الأول) : البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية
(الثاني) : عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
- مد مدة الإجارة.
- إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
- شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة بعد تقديم نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية لدراسته وإصدار القرار في شأنها.
والله أعلم.
قرار التأجيل للدورة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (7)
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ/10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد عرض موضوع (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها)
قرر:
تأجيل النظر في موضوع (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها) لإصدار القرار الخاص به إلى الدورة السادسة من أجل مزيد من الدراسة والبحث.
والله الموفق.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (8)
بشأن
تحديد أرباح التجار
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي لمنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تحديد أرباح التجار) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولا: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحرارا في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها عملًا بمطلق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .
ثانيًا: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التجار والسلع، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير.
ثالثًا: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش، والخديعة، والتدليس، والاستغفال، وتزييف حقيقة الربح، والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.
رابعًا: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللًا واضحًا في السوق والأسعار ناشئًا من عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذٍ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش.
والله اعلم.
لقرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (9)
بشأن
العرف
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادي الأولى 1409هـ/ 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (العرف) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولًا: يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، وقد يكون معتبرًا شرعًا أو غير معتبر.
ثانيًا: العرف إن كان خاصًّا فهو معتبر عند أهله وإن كان عامًّا فهو معتبر في حق الجميع.
ثالثًا: العرف المعتبر شرعًا هو ما استجمع الشروط الآتية:
(أ) أن لا يخالف الشريعة، فإن خالف العرف نصًّا شرعيًّا أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف فاسد.
(ب) أن يكون العرف مطردًا (مستمرًا) أو غالبًا.
(ج) أن يكون العرف قائمًا عند إنشاء التصرف.
(د) أن لا يصرح المتعاقدان بخلافه، فإن صرحا بخلافه فلا يعتد به.
رابعًا: ليس للفقيه – مفتيًا كان أو قاضيا- الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير مراعاة تبدل الأعراف.
والله أعلم.
القَرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (10)
بشأن
تطبيق أحكام الشريعة الإِسلامية
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطِّلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تطبيق أحكام الشريعة الإِسلامية) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبمراعاة أن مجمع الفقه الإِسلامي الذي انبثق عن إرادة خيرة من مؤتمر القمة الإِسلامية الثالثة بمكة المكرمة، بهدف البحث عن حلول شرعية لمشكلات الأمة الإِسلامية وضبط قضايا حياة المسلمين بضوابط الشريعة الإِسلامية، وإزالة سائر العوائق التي تحول دون تطبيق شريعة الله وتهيئة جميع السبل اللازمة لتطبيقها، وإقرارًا بحاكمية الله تعالى، وتحقيقًا لسيادة شريعته، وإزالة للتناقض القائم بين بعض حكام المسلمين وشعوبهم وإزالة لأسباب التوتر والتناقض والصراع في ديارهم وتوفيرًا للأمن في بلاد المسلمين.
قرر:
أن أول واجب على من يلي أمور المسلمين تطبيق شريعة الله فيهم، ويناشد جميع الحكومات في بلاد المسلمين المبادرة إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية وتحكيمها تحكيمًا تامًّا كاملًا مستقرًا في مجالات الحياة، ودعوة المجتمعات الإِسلامية أفرادًا وشعوبًا ودولًا للالتزام بدين الله تعالى وتطبيق شريعته باعتبار هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكًا ونظام حياة.
ويوصي بما يلي:
(أ) مواصلة المجمع الأبحاث والدراسات المتعمقة في الجوانب المختلفة لموضوع تطبيق الشريعة الإِسلامية ومتابعة ما يتم تنفيذه بهذا الشأن في البلاد الإِسلامية.
(ب) التنسيق بين المجمع وبين المؤسسات العلمية الأخرى التي تهتم بموضوع تطبيق الشريعة الإِسلامية وتعد الخطط والوسائل والدراسات الكفيلة بإزالة العقبات والشبهات التي تعيق تطبيق الشريعة في البلاد الإِسلامية.
(ج) تجميع مشروعات القوانين الإِسلامية التي تم إعدادها في مختلف البلاد الإسلامية ودراستها للاستفادة منها.
(د) الدعوة إلى إصلاح مناهج التربية والتعليم ووسائل الإِعلام المختلفة، وتوظيفها للعمل على تطبيق الشريعة الإِسلامية، وإعداد جيل مسلم يحتكم إلى شرع الله تعالى.
(هـ) التوسع في تأهيل الدارسين والخريجين من قضاة ووكلاء نيابة ومحامين لإعداد الطاقات اللازمة لتطبيق الشريعة الإِسلامية.
والله الموفق.
الجلسة التنظيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
افتتحت هذه الجلسة بكلمة من الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي وحضرها أعضاء مجلس المجمع خاصة، فأعلن الأمين العام أن المدة الرئاسية للدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ولنوابه الثلاثة: الدكتور عبد السلام داود العبادي، الشيخ الحاج عبد الرحمن باه، الدكتور عبد الله إبراهيم قد انتهت كما أن عضوية المكتب المتمثلة في نواب: مالي، السنغال، الجزائر، تركيا، باكستان، الكويت قد مر عليها أكثر من ثلاث سنوات.
وبناء على الفقرة الثانية من المادة الرابعة عشرة وعلى الفقرة الثانية من المادة الثامنة عشرة من نظام المجمع اللتين تنصان على أن المدة الرئاسية والعضوية بمكتب المجمع تكون لثلاث سنوات قابلة للتجديد. عرض الأمين العام على المجلس انتخاب أعضاء آخرين لهذه المهام أو التجديد للسادة الأساتذة الذين كانوا يباشرون هذه المهام.
وبعد تدخل عدد من الأعضاء منوهين بما قام به الإخوة المتخلون من جهود مشكورة، رأى المجلس بالإجماع أن يجدد لهم جميعا المهام التي كانوا يضطلعون بها في الفترة الماضية.
وبإثر ذلك اقترح الأمين العام على المجلس تعيين الدكتور عبد الستار أبو غدة مقررا عاما للدورة الخامسة ولقي هذا الترشيح مساندة كاملة وإجماعا من الأعضاء.
وبإثر ذلك دعى فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد لأخذ مكانه وإدارة أعمال المجلس.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ولي الخلق والأمر والتدبير، غافر الذنوب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وعلى أصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فعودا حميدا وبدءا سعيدا في هذه الدورة الخامسة، قبل أن نبتدئ الجلسة العلمية الأولى في مساء هذا اليوم السبت، نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والوصول إلى ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى. والموضوع الذي سيكون في هذه الجلسة هو في مسألة النازلة المعاصرة " منع الحمل " بألقابها التي وردت على سبيل التتابع.
أعطي الكلمة لفضيلة الشيخ الأمين العام ليعرض عليكم أسماء المقررين والعارضين لموضوعات هذه الدورة. وشكرا.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حضرات الأساتذة،
يشرفني في بداية عمل هذا المجلس المبارك في الجلسة الثانية من مؤتمرنا هذا أن أعرض عليكم اقتراح بعض الأسماء للسادة الأعضاء والخبراء الذين نرشحهم مقررين للموضوعات المطروحة في هذه الدورة.
ففي موضوع تحديد النسل نقترح على حضراتكم أن يكون المقرر فضيلة الدكتور حسن على الشاذلي.
وفي موضوع الوفاء بالوعد فضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني.
وفي موضوع المرابحة للآمر بالشراء فضيلة الدكتور سامي حسن محمود.
وفي موضوع تغيير قيمة العملة فضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر.
وفي موضوع الحقوق المعنوية فضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين.
وفي موضوع التأجير المنتهي بالتمليك فضيلة الدكتور عبد الله محمد عبد الله، وفي موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع.
وفي موضوع تحديد أرباح التجار فضيلة الدكتور محمد عطا السيد.
وفي موضوع العرف فضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر.
وفي موضوع تطبيق الشريعة فضيلة الشيخ مصطفى الغزالي.
فهؤلاء هم مقررو اللجان أو الموضوعات المطروحة، وتتكون منهم جميعا لجنة الصياغة التي يترأسها المقرر العام الدكتور عبد الستار أبو غدة، فإذا كنا متفقين على هذا ننتقل إلى النقطة الثانية.
الرئيس:
بعد قبول هذه الترشيحات بالإجماع أعطي الكلمة للأمين العام ليحدثنا عن النقطة الثانية.
الأمين العام:
تتمثل هذه النقطة في كون الموضوعات المطروحة على الدرس، الموضوع الأول مثلا تنظيم النسل أو تحديده فيه عدد كبير من العروض، وإن الذين كتبوا في هذا الموضوع يبلغ عددهم خمسة وعشرين.
والموضوع الثاني الوفاء بالوعد ثمانية،
المرابحة للآمر بالشراء عشرة،
وتغير قيمة العملة أحد عشر،
والحقوق المعنوية اثني عشر،
والتأجير المنتهي بالتمليك أربعة،
والتمويل العقاري لبناء المساكن واحد،
وتحديد أرباح التجار خمسة،
والعرف أحد عشر،
وتطبيق الشريعة اثنين،
وليس من الممكن أبدا نظرا لضيق الوقت ولكون هذه الدورة تتناول كل هذه الموضوعات، أن نستمع إلى كل بحث على حدة، وأن نقوم بمناقشته منفردا.
ولذلك نقترح عليكم بعض الأسماء لمن شاركوا في إعداد هذه الموضوعات ليتولوا العرض، والبقية ممن كتب فيها أحق الناس بإبداء الرأي وبيان وجهة النظر، ولفت الانتباه إلى جوانب ربما يكون قد أهملها الأول فيقع تداركها وذلك في طور المناقشة.
وبناء على ذلك نقترح بالنسبة لموضوع تحديد النسل عارضين: فضيلة الشيخ إبراهيم فاضل الدبو، وسعادة الدكتور حسان حتحوت.
وبالنسبة لموضوع الوفاء بالوعد عارضا واحدا هو الدكتور نزيه كمال حماد،
وبالنسبة لموضوع المرابحة للآمر الدكتور على أحمد السالوس،
وبالنسبة لموضوع تغير قيمة العملة القاضي محمد تقي العثماني.
وبالنسبة لموضوع الحقوق المعنوية "بيع الاسم التجاري" الدكتور وهبة الزحيلي.
وبالنسبة لموضوع التأجير المنتهي بالتمليك الدكتور عبد الله محفوظ بن بيه،
وبالنسبة لموضوع التمويل العقاري لبناء المساكن الدكتور محي الدين قادي،
وبالنسبة لموضوع تحديد أرباح التجار فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي،
وبالنسبة لموضوع العرف فضيلة الشيخ خليل محي الدين الميس،
وبالنسبة لموضوع تطبيق الشريعة فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سلمان.
وشكرا سيدي الرئيس.
الرئيس:
شكرا. لعل هذا الترتيب بالنسبة للمقررين والعارضين إن شاء الله تعالى يكون مناسبا.
وبعد الاتفاق على العارضين والمقررين لكل موضوع. طرح رئيس المجمع الموافقة على ميزانية المجمع المعروضة على المجلس قصد مناقشتها واعتمادها.
وتمت بإثر ذلك المصادقة عليها بالإجماع.
وصدر بذلك القرار المجمعي الذي نصه:
الجلسة الختامية
(1)
كلمة معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت
الأستاذ خالد أحمد الجسّار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. وأصلي وأسلم على محمد سيد الأنبياء والرسل والقائل: ((من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين)) وعلى آل بيته الأطهار، وصحابته الأخيار.
صاحب الفضيلة رئيس هذه الدورة رئيس المجمع الفقهي الإسلامي الدكتور بكر أبو زيد،
صاحب الفضيلة الدكتور ممد الحبيب ابن الخوجة،
صاحب الفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة،
أصحاب الفضيلة والعلماء المشاركون في هذه الدورة،
تحية لكم من عند الله مباركة طيبة:
نحن في هذه الجلسة الختامية وقد انقضى أسبوع، كان أسبوع العلم والفقه، وكانت موضوعيته وجديته ومقاصده محل إعجاب المجتمع، سواء كان في الكويت وأعتقد أنه كذلك خارج الكويت، لقد أعطيتم الكثير من بحوثكم، وناقشتم ما طرحتموه بموضوعية جادة لا يدخلها شيء يشوبها، وكانت محفوفة بالعلم والفضل، وهذا هو شأن العلماء وشأن الفضلاء وشأن الفقهاء.
وإذا كان المجمع الفقهي هو ثمرة من ثمرات المؤتمر الإِسلامي فسيأتي المؤتمر الإِسلامي كذلك بثمرات أخرى، ولا أبالغ إذا قلت: كاد اليأس يغلب الرجاء في الفقه وضياعه، وكاد يضيع هذا التراث من بين يدي المسلمين فهيَّأ الله له من يبعثه من جديد من مرقده، وأصبح له صوته وله حكمه وله قوته في المجتمع الإِسلامي، وسيزداد يومًا بعد يوم بإخلاصكم وجديتكم وتفانيكم في هذا المجال فبارك الله فيكم، ولا يسعنا بهذه المناسبة ونحن في الجلسة الختامية إلَاّ أن نقدم أخلص الشكر لصاحب السمو أمير البلاد – حفظه الله – على استضافته للمجمع، وإحاطته ورعايته والعناية به، وهو دأبه في كل ما يتصل بالإسلام والمسلمين، كما أنني أكرر الشكر لكم مرة أخرى، وقد أكون عاجزًا عن الشكر فيما قدمتموه خلال أسبوع كامل من هذا البحث الموضوعي الهادف، وقد أتى ثماره، وتليت عليكم قراراته وتوصياته. فشكرًا لكم وبارك الله فيكم.
وأحب أن أقول لأصحاب الفضيلة والفقهاء والضيوف الكرام، إن اهتمام دولة الكويت وعلى رأسها حضرة صاحب السمو – حفظه الله – ماضٍ بدعم جهود مجمع الفقه الإِسلامي لتحقيق أهدافه وغاياته ومقاصده، بالتعاون مع إخوانه ملوك ورؤساء الدول الإِسلامية من أعضاء منظمة المؤتمر الإِسلامي ونحن سعداء وموفقون كل التوفيق أن يكون هناك تعاون بين المجمع الفقهي الإِسلامي وبين وزارة الأوقاف فيما تقوم به من نشاط فقهي، ومن إحياء للتراث الإِسلامي، ولا أخص بذلك وزارة الأوقاف في الكويت، فقد يكون هناك وزارات أخرى في العالم الإِسلامي تسير نحو المنهج، فالوزارة أصدرت "الموسوعة الفقهية" وقد سلمت إليكم وإلى فضيلتكم ونأمل أن تكون موضع إعجابكم، إن شاء الله.
أصحاب الفضيلة والعلماء:
إن أسبوع الفقه الإِسلامي الذي انعقد في الكويت، يعطي صورة صادقة جدية عندما يعمل أصحاب الفضيلة والعلماء في هذا المجال، ولقد كنتم محل إعجاب المجتمع في الكويت، سمعتها من مختلف الطبقات ومن مختلف الثقافات أن المجمع الفقهي الذي انعقد في الكويت ضرب المثل الأعلى في مصداقيته في عمله، وفي جديته، وفي أصوليته للوصول إلى ما يهدف إليه فأهنئكم بهذا، وأنا واثق أنكم ستسمعون ما أقول في بلادكم عندما تذهبون إليها سالمين غانمين إن شاء الله، فشكرًا لكم وشكرًا لكل من تعاون معنا في هذا المجمع، ولا أحب أن أطيل، إنما أختم كلمتي بأني أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق هذه الأمة، وأن يجمعها على كلمة الخير، وأن يحقق المقاصد والأهداف، ونسأله تعالى أن يحفظ صاحب السمو أمير البلاد – حفظه الله – الذي كان حريصًا على هذا المجمع، وكان حريصًا على نجاحه في رسالته، وقد حقق المجمع ذلك، كما نشكر سمو ولي العهد، شكرًا لكم وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(2)
كلمة معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإِسلامي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا يليق بجزيل آلائه من معترف بنعمائه، مستزيد من كريم عطائه، والصلاة والسلام الأتّمان الأكملان على خير أصفيائه وخاتم أنبيائه سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه.
معالى الوزير،
سيدي الرئيس،
حضرات الإِخوة،
لقد كان انعقاد مؤتمر هذه الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإِسلامي في دولة الكويت، بالاستضافة الكريمة من صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت رئيس القمة الإِسلامية الخامسة، من خلال الدعوة التي نقلها للمجمع معالي الأستاذ خالد أحمد الجسَّار وزير الأوقاف والشؤون الإِسلامية، وقد شرف سمو أمير دولة الكويت عقد هذه الدورة برعايته الشخصية، وإشرافه الكريم المباشر، حيث تولى حفظه الله تتويج الجلسة الافتتاحية بإلقائه الخطاب الجامع الذي اهتزَّ له المؤتمر، وتأثر به، واعتمده وثيقة من وثائق المجمع لعظيم أهميته وما تناوله من حقائق ونبه إليه من مقاصد فقد أشار فيه سموه – حفظه الله - إلى منزلة الفقه وإلى ما يقابله الفكر الإِسلامي من تحديات ومشكلات تتطلب حلولًا اجتهادية إيجابية، وتحدث عن الصحوة الإِسلامية والمستويات المستلزمة للمسؤولية ودور التربية، كما نوه بالإِخاء الإِسلامي والإِنجاز الذي حققته القضية الفلسطينية والاستبشار بالتطور في العلاقات العراقية الإِيرانية، وقضية فلسطين فضلًا عن الجوانب الاقتصادية والإِنسانية للأمة الإِسلامية كما أبدى سموه – حفظه الله – الأمل والتطلع إلى اليوم الذي يلتقي فيه علماء الإسلام على دستور عمل يجمع المسلمين ويوجههم إلى بناء مستقبل رشيد، ثم تفضل معالي وزير الأوقاف والشؤون الإِسلامية بإلقاء كلمته البليغة التي بين فيها دور المجمع ومنزلته في حل المشكلات العصرية، وتوأمته مع مشاريع الوزارة العلمية والمؤسسات الثقافية التي تحفل بها دولة الكويت، ثم تحدث على التوالي كل من معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزادة أمين عام منظمة المؤتمر الإِسلامي.
وفضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، رئيس مجلس المجمع، والشيخ محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام للمجمع، وقد شهد حفل افتتاح هذه الدورة صاحب السمو الأمير الشيخ سعد بن عبد الله الصباح، ولي العهد – حفظه الله – وعدد كبير من أعضاء الحكومة، وثلة من رجال السلك الدبلوماسي الإِسلامي، وكان من ضيوف المؤتمر ممن شارك في حفل الافتتاح أصحاب المعالي وزراء الأوقاف في دولة الإمارات، والبحرين، والعراق، ومصر. ورئيس البنك الإِسلامي للتنمية، وأمين عام جمعية الدعوة الإِسلامية العالمية، وشارك في أعمال هذه الدورة خمسة وثلاثون من الأعضاء المنتدبين من دولهم، وأربعة من الأعضاء المعينين، وقرابة عشرة ومائة من الخبراء والباحثين، واستمرت أعمال هذه الدورة لمدة ستة أيام، ابتداء من 1 – 6 جمادي الأولى 1409 هـ الموافق 10 – 15 ديسمبر 1988م، وتم في جلستها الثانية الإجرائية المغلقة تجديد انتخاب فضيلة رئيس مجلس المجمع الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، ونوابه الثلاثة، كما وقع التجديد لأعضاء مكتب المجمع وتعيين المقرر العام للدورة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وتأليف لجنة الصياغة من مقرري الجلسات للموضوعات العشرة المطروحة على الدورة وبإثر ذلك عرض على المجلس جدول الأعمال فأقره بدون تغيير، ودرس مشروع الميزانية المقدم له من طرف الأمين العام وتم إقراره ليرفع إلى اللجنة المالية الدائمة لمنظمة المؤتمر الإِسلامي
…
وكانت الموضوعات المطروحة على الدورة الخامسة والتي استمع فيها المؤتمر للعروض المقدمة لها على نسق، هي: تنظيم النسل، والوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء، وتغير قيمة العملة، والحقوق المعنوية (بيع الاسم التجاري والترخيص) ، والتأجير المنتهي بالتمليك، والتمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، وتحديد أرباح التجار، والعرف، وتطبيق أحكام الشريعة الإِسلامية.
وقد قدم في هذه الموضوعات العشرة تسعون بحثًا، وناقش المؤتمر أحد عشر عرضًا فيها خلال ثلاث عشرة جلسة، وصدرت بشأن القضايا المعروضة على النظر والدرس القرارات والتوصيات المناسبة التي استمعتم حضراتكم إليها بعد أن صادق عليها أعضاء المجلس، والتي تم توزيعها عليكم.
كما أقرت الدورة مشروعًا علميًّا جديدًا نيط إنجازه بالمجمع، وهو دراسة النظام الأساسي للجنة الإِسلامية الدولية للقانون، والنهوض بمهامها بعد إحالة ذلك للمجمع بقرار من مؤتمر وزراء الخارجية الإِسلامي السابع عشر المنعقد بعمان – الأردن، في السنة الماضية.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أجزل عظيم الشكر والتقدير لسمو أمير دولة الكويت – أعزه الله ونصره – ولولي عهده الأمين – رعاه الله وحفظه – ولأعضاء الحكومة وبخاصة وزير الأوقاف والشؤون الإِسلامية، جزاهم الله عنا كل خير.
وإني لأنوِّه باللجان الإِعلامية، والإِدارية، والفنية، والسكرتارية العامة، وأخص بالشكر السيد وكيل الوزارة الأستاذ محمد ناصر الحمضان، على ما لقيناه من صنوف الإِكرام والحفاوة والتسهيلات والسعي الدؤوب لإِنجاح أعمال هذه الدورة على نمط من التنظيم فريد. كما أشكر السادة أعضاء هذا المجمع وخبراءه على ما بذلوه من جهد خلال هذا الأسبوع، ولا سيما المقرر العام للدورة الدكتور عبد الستار أبو غدة، ولجان الصياغة وأجهزة الإِعلام العامة، والمؤسسات الثلاث التي أسهمت في أعمال هذه الدورة، وأبت إلَاّ أن تكرم المشاركين فيها، وأعني بها بيت التمويل الكويتي والهيئة الإِسلامية الخيرية العالمية، والمنظمة الإِسلامية للعلوم الطبية تلك المنظمة التي كان لها الفضل في المبادرة إلى توقيع ميثاق للتعاون بينها وبين المجمع، ليكون هذا تعزيزًا لما تحرص عليه الجهتان من التنسيق والعمل الجماعي المنظم لتحقيق أهدافهما في المجالات المشتركة، وأشكر لمعالي الرئيس الشيخ بكر بن أبي زيد، حسن إدارته وجميل أدبه وجهوده المتواصلة لتحقيق الخير للمجمع، والنهوض بكل الوسائل المتاحة له لبلوغ وتحقيق أهدافه.
وختامًا: آمل أن تكون هذه الدورة إضافة جديدة إلى منجزات مجمعكم الموقر، وأن يتضاعف نشاطه عامًا بعد عام ليواصل مسيرته في سبيل خير الأمة الإِسلامية، وإلى لقاء خير جديد حافل بالجهود العلمية والدراسات الشرعية الفقهية، والقرارات المجمعية العملية، تتجلى به الحقائق وتؤصل به الأنظار والقواعد، وتبين به المناهج القويمة والمسالك الرشيدة بتوفيق من الله العزيز الحميد، وتسديد كريم من الله سبحانه إنه ولي الخير والهادي إلى أقوم سبيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
…
(3)
كلمة معالي رئيس مجمع الفقه الإِسلامي
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وسلم عليه وعلى آله وعلى أصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن أهل العلم والإِيمان من سلف هذه الأمة أبانوا غاية البيان وأوضحوا غاية الإِيضاح عن منزلة العلم في الإِسلام، وقد كان من دقيق تراجمهم باب:"العلم قبل القول والعمل" وإن مجمع الفقه الإِسلامي في دورته الخامسة هذه، قد أمد المسلمين والباحثين والدارسين بجملة وافرة من البحوث والدراسات الإِسلامية في القضايا والنوازل المعاصرة، بلغت نحوًا من تسعين بحثًا إضافة إلى بحوثه السابقة في دوراته المنصرمة والتي تمثل مجموعها نحوًا من خمسين ومائتين من البحوث، وأنتج عشرة كاملة من القرارات الفقهية إضافة إلى القرارات الإِدارية تنضم جميعها إلى قراراته المجمعية والتي تبلغ نحوًا من خمسة وأربعين قرارًا، وكل هذه القرارات – ولله الحمد والمنّة – تتسم بالوسطية والاعتدال بالرأي لأنها تناشد الدليل من الكتاب والسنة ومصادر الشريعة الأصلية والتبعية كافة، وإن هذا المجمع برجاله أعضائه العاملين والمعينين والباحثين والخبراء تمَّ بفضل الله على أيديهم، ثم بفضل جهودهم أن يكون الاعتدال والوسطية في الرأي هو النتيجة التي تكون في قرارات هذا المجمع، وعليه فإنني أبشركم وسائر المسلمين ممن يسمع أو تبلغه كلمتي هذه أنه لا مكان للشذوذ في الرأي في هذا المجمع بحمد الله، وأنه لا مكان لتبرير واقع آثم في هذا المجمع بحمد الله، فكل ذلك منبوذ نبذ النواة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
هذا وإن من رد أعجاز الكلم على صدرها، وإن من محاسن الشريعة ومكارمها وسمو آدابها إبداء الاعتراف بالفضل لأهله والبر للبررة، فنشكر صاحب السمو أمير البلاد سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، على كريم عنايته وضيافته وتتويجه هذه الدورة بالافتتاح ونشكر سمو ولي العهد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، على جهوده المباركة ولا نملك لهما إلَاّ الدعاء الصالح وأن ينفع بهما الإسلام والمسلمين إنه على كل شيء قدير.
هذا:
إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها الموفق باليمين
وذلك أن معالي وزير الأوقاف والشؤون الإِسلامية الأستاذ خالد الأحمد الجسار، قد بذل عناية فائقة، ودقة في تسيير الأعمال، ومراقبة دقيقة آناء الليل وأطراف النهار، يشاهده كل واحد من أعضاء هذا المجمع، وكل زائر لهذا المبنى، فجزاه الله كل خير، وقد كان هذا من أعظم الأسباب التي وفرت على المجمع نجاحه، ومن توفيق الله له أن كان بجانبه ثلة من العاملين في وزارة الأوقاف وعلى رأسهم سعادة الأستاذ الفاضل محمد بن ناصر الحمضان، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، ووكلاؤه المساعدون، ومدراء الإدارات، وأجهزة الإِعلام، وغيرهم من رجال هذه الحكومة، فإلى جميع هؤلاء أجزي خالص الشكر والتقدير ودعوة صالحة لهم في الحاضر والعاجل فجزاهم الله خيرًا..
هذا، وإن معالي أمين هذا المجمع الشيخ محمد الحبيب بالخوجة، الشاب الفتي في روحه وأخلاقه وتصرفاته، الشيخ في سنه، والذي عركته الحياة، وعرف تجارب الأمم والدول إضافة إلى علمه وفضله، فله مني ومن جميع الأعضاء خالص الشكر والتقدير، لدقة ترتيبه وتنظيمه وعنايته في نجاح هذه الدورة، ولرجال الأمانة العاملين فيها من السكرتارية والراقمين وغيرهم، أبدي خالص الشكر والتقدير.
وفي النهاية أدعو الله فأقول: اللهمَّ اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لواحد فيه شيئًا، اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك المؤمنين
…
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبهذا تُرفع الجلسة.. وشكر الله سعيكم.