الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرة إلى عقد
المرابحة للآمر بالشراء
إعداد
الشيخ محمد علي التسخيري
مسئول العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الدولية
وعضو مجمع الفقه الإسلامي
عن إيران
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد البشرية محمد خاتم الأنبياء وآله وصحبه
ربما أدعي الإجماع على صحة بيع المرابحة وهو (البيع مع الإخبار برأس المال ونوع الزيادة عليه) ووردت في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال – سألته عن الرجل يبيع السلعة ويشترط أن له نصفها: ثم يبيعها مرابحة أيحل له ذلك؟ قال: لا بأس (1) .
ورواية علي بن سعيد قال: سئل أبو عبد الله عن رجل يبتاع ثوبًا فيطلب مني مرابحة ترى ببيع المرابحة بأسا إذا أصدق في المرابحة وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم؟ قال: لا بأس.
إلا أنه وردت أدلة أخرى على كراهتها من قبيل ما رواه محمد بن مسلم قال قال الصادق عليه السلام : إني أكره بيع عشرة بإحدى عشرة ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة فقال: أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم علي فبعته مساومة " (2) .
ولكي يتم التأكد من وقوع هذا البيع على الوجه الصحيح رأينا الفقهاء يشترطون شروطًا كثيرة فيه من قبيل:
العلم بقدر الثمن وقدر الربح والغرامة والمؤن.
ذكر البائع لما طرأ من نقص بعد الشراء.
ذكر البائع للأجل إذا كان الثمن مؤجلًا.
ذكر البائع لما عمله في السلعة
إذا كان البائع دلالًا فإنه يقول: تقوم علي بكذا ولا يقول
…
اشتريته بكذا الثمن على البائع أن يسقط الأرش المأخوذ من مجموع الثمن لأن الأرش جزء الثمن إلى ما هنالك من شروط يشترطونها لتحقيق تلك الغاية وهي مقتضى الأمانة فإذا تبين بعد ذلك تخلف أي من هذه الشروط كان البائع آثمًا ولكن البيع صحيح يتخير فيه المشتري بين الأخذ بالثمن والرد.
بعد هذه المقدمة نركز على موضوع
(1) وسائل الشيعة ج12 من أحكام العقود، ج3، 1
(2)
وسائل الشيعة ج12 باب 12 من أحكام العقود ج4
المرابحة للآمر بالشراء
فنقول: إن المعروف من هذه المعاملة يلخصها بأنها عملية يتقدم فيها شخص إلى آخر ليقوم هذا الآخر بشراء سلعة بأوصاف معينة ويعده الشخص الأول بشرائها منه مرابحة بنسبة يتفق عليها معه مقسطة وللعملية مراحل:
طلب الأول من الثاني شراء سلعة معينة.
وعد الثاني للأول بأنه سيشتري السلعة ويبيعها له.
وعد الأول للثاني بأنه سوف يشتري السلعة مرابحة بنسبة معينة بالأقساط شراء الثاني للسلعة.
بيعها للأول مرابحة
فما حكم هذه المعاملة؟
لا ريب في أنها معاملة صحيحة إذا كان فيها رضا الطرفين إلى نهاية المطاف لأنها تحقق كل مقومات العقد المقبول شرعًا أما إذا أردنا أن ندخل عنصر الإلزام في البين فهل يمكننا ذلك؟ وهل تصح المعاملة؟
أما إدخال عنصر الإلزام في معاملة غير ملزمة في الأصل – لو افترضنا ذلك – فهو ممكن من جهة ولا يضر من جهة أخرى.
ذلك أن الإلزام قد يأتي من شرط في عقد آخر، أو من نذر أو من يمين وحينئذ يكون ملزمًا ولا يغير من ماهية المعاملة ولا تنافي بينه وبين كونها في الأصل غير ملزمة.
ولكن هل يكفي الوعد هنا في تحقيق الإلزام؟
وفي الجواب لا بد من الرجوع إلى البحث التفصيلي في هذا الموضوع، ولكن نقول إجمالًا: بأن الوعد قد يكون ابتدائيًا دون أي أثر يترتب عليه، وهنا قد يمكن القول بأنه غير ملزم وقد يكون بمعنى التعهد والالتزام، وحينئذ فهناك من الأدلة ما يدعو بكل قوة للإلزام به – وفي طليعتها أدلة الوفاء بالوعد والعهد.
وكذلك للفهم العرفي لهذا الوعد على أساس الوجوب مما يجعله مصداقًا لقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) .
ثم إنه يمكن القول بأن الوعد الابتدائي الآنف ذكره، إذا ترتب عليه ضرر عاد مصداقًا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وقد يقال هنا إن عدم الربح ليس من الضرر وإنما هو من عدم النفع، ولا يمكن القول هنا بأن حديث ((لا ضرر)) يشمل الواعد أيضًا لأنه هو الذي أوقع نفسه في هذا الضرر.
كل هذا كان طبق القواعد الأولية في التعامل مع الحوادث، إلا أنه تطرح في البين أدلة خاصة يقال عنها إنها تخالف مقتضى القواعد الأولية، وهذه الأدلة هي:
1-
دخول هذه المعاملة تحت عنوان بيع العينة المنهى عنه.
2 – دخولها تحت عنوان (لا تبع ما ليس عندك) .
3 – دخولها تحت عنوان النهي عن بيعتين في بيعة.
4 – دخولها تحت عنوان المخاطرة.
5 – دخولها تحت عنوان السلف والزيادة.
وهنا نقول في هذا الصدد.
إن هذه المعاملة لا تدخل تحت عنوان بيع العينة.
ذلك أن بيع العينة يصور بصور متفاوتة منها:
أن تباع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها البائع من المشتري بثمن معجل أقل مما باع به.
ومنها: أن يبيع صاحب السلعة سلعته نقدا، ثم يشتريها من المشترى نسيئة بمقدار أكثر قيمة – وهذه هي الصورة التي وردت فيها روايات الإمامية ومنها:
أن يبيع صاحب السلعة سلعته نسيئة بالسعر السوقي، ثم يشتريها منه بأقل من السعر السوقي نقدًا.
وعلى أي حال فقد وردت نصوص الإمامية، ببطلان هذه المعاملة منها صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر قال: سأله عن الرجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشترها بخمسة دراهم بنقد أيحل؟ قال: إذا لم يشترطا ورضيا فلا بأس (1) وهي بمفهوم الشرط تدل على البطلان عند الاشتراط.
وعلى أي حال فإن هذا العنوان لا ينطبق على ما نحن فيه رغم وجود عنصر الإلزام في المعاملتين.
(1) وسائل الشيعة ج 12 باب 5 من أحكام العقد حديث 6
كما أن عقدنا هذا لا يندرج تحت " بيع ما لا يملك " فإن عقد البيع إنما يقع بعد شراء البنك للسلعة ووضعها بين يدى العميل، وقبل ذلك لا يوجد إلا وعد بالبيع على أن بعض الفقهاء ذكروا أن المراد من حديث " لا تبع ما ليس عندك " النهي عن بيع العبد الآبق أو الجمل الشارد، حيث لا يتمكن المشتري فيه من تسلم المبيع ولا البائع من تسليمه، ويحصل منه الضرر، وهذا احتمال وجيه جدًا ويؤكده الفهم العرفي للأحاديث.
أما بالنسبة لمصداقية العقد لحديث (بيعتين في بيعة) فيقال فيه إن هذا الحديث وارد فيما إذا تمت المعاملة بعقدين كاملين وهنا قبل قبض العين لا يوجد بيع وإنما يوجد وعد بالبيع.
أما بالنسبة للمخاطرة فهو ما لم نتبين وجهه وربما كان في عدم الإلزام مخاطرة. وأخيرا فهل يمكن أن نعد هذه المعاملة من الربا، أو السلف والزيادة؟ الصحيح أنه لا يمكن عده كذلك لترتب أحكام الملكية، والبيع حقيقة على هذا المورد، فلو تلفت العين قبل بيعها تلفت من مالكها، فكيف يمكن عده تحايلًا على الربا؟ وهذا الجواب نقوله أيضا لمن قال بأن هذه المعاملة هي بيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل (بينهما سلعة محللة) غايته قرض بفائدة.
والواقع أن كل بيع نسيئة أو بنقد يتضمن هذا المعنى فهل نحرم كل البيوع؟!
رأي الإمامية في هذه المعاملة:
يلتزم الإمامية ببطلان مثل هذه المعاملة إذا كانت على نحو الإلزام للنصوص الكثيرة الواردة عن أهل البيت ومنها:
1-
صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت للصادق (ع) : يجيئني الرجل فيطلب " منى" بيع الحرير، وليس عنده منه شيء، فيقاولني عليه، وأقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شيء ثم أذهب فاشتري له الحرير فأدعوه إليه، فقال: أرأيت إن وجد بيعًا هو أحب إليه مما عندك أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك؟ أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف إليه وتدعه؟ قلت: نعم. قال فلا بأس (1) وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن الإلزام في هذه المعاملة الثانية يوجد فيها البأس وهو معنى البطلان، وأما إذا كانت المعاملة الثانية خالية من الإلزام للمشتري وللبائع فلا بأس بها.
2-
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت الصادق (ع) عن العينة فقلت يأتيني الرجل فيقول: اشتر المتاع واربح فيه كذا وكذا، فأراوضه على الشيء من الربح فنتراضى به، ثم أنطلق فأشتري المتاع من أجله، لولا مكانه لم أرده، ثم آتيه به فأبيعه، فقال: ما أرى بهذا بأسًا – لو هلك منه المتاع قبل أن تبيعه إياه كان من مالك، وهذا عليك بالخيار إن شاء اشتراه بعد ما تأتيه، وإن شاء رده فلست أرى به بأسًا (2) .
3-
صحيحة منصور بن حازم قال: " قلت للصادق (ع) الرجل يريد أن يتعين من الرجل عينة، فيقول له الرجل: أنا أبعد بحاجتي منك، فأعطني حتى أشتري فيأخذ الدراهم فيشتري حاجته ثم يجيء، بها الرجل الذي له المال فيدفعه إليه، فقال: أليس إن شاء اشترى وإن شاء ترك، وإن شاء البائع باعه وإن شاء لم يبع؟ قلت نعم، قال: لا بأس (3) .
4 – وعن منصور بن حازم أيضًا قال: " سألت الصادق (ع) عن رجل طلب من رجل ثوبًا بعينة قال: ليس عندي. هذه دراهم فخذها فاشتر بها، فأخذها فاشترى بها ثوبا كما يريد، ثم جاء به أن يشتريه منه؟ فقال: أليس إن ذهب الثوب ثمن مال الذي أعطاه الدراهم؟ قلت: بلى، قال: إن شاء اشترى، وإن شاء لم يشتر؟
قلت: نعم، قال: لا بأس (4) .
(1) وسائل الشيعة /ج1/ باب 8 من أحكام العقود /ج7
(2)
وسائل الشيعة / ج12/باب 8 من أحكام العقود / ج9
(3)
وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج11
(4)
وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج12
5-
صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: " سألت أبا الحسن (ع) عن العينة وقلت إن عامة تجارنا اليوم يعطون العينة، فأقص عليك كيف نعمل؟ قال: هات، قلت: يأتينا المساوم يريد المال فيساومنا وليس عندنا متاع، فيقول: أربحك " ده يازده"، وأقول أنا " ده دوازده " فلا نزال نترواض حتى نتراوض على أمر فإذا فرغنا قال: قلت أي متاع أحب إليك أن أشتري لك؟ فيقول: الحرير لأنه لا يجد شيئا أقل وضيعة منه، فأذهب وقد قاولته من غير مبايعة، فقال: أليس إن شئت لم تعطه، وإن شاء لم يأخذ منك؟ قلت: بلى، قال: فأذهب فأشتري له ذلك الحرير وأماكس بقدر جهدي، ثم أجيء به إلى بيتي فأبايعه، فربما أزددت عليه القليل على المقاولة، وربما أعطيته على ما قاولته، وربما تعاسرنا فلم يكن شيء فإذا اشترى مني
…
فقال: أليس إنه لو شاء لم يفعل ولو شئت أنت لم تزد؟ فقلت: بلى لو أنه هلك فمن مالي، قال: لا بأس بهذا، إذا أنت لم تعد هذا فلا بأس به " (1) .
6 – وعن خالد بن الحجاج قال: " قلت للصادق (ع) الرجل يجيء فيقول: اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا، قال: أليس إن شاء ترك، وإن شاء أخذ؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به
…
" (2) .
ولا بأس بالتنبيه: إلى وجود روايات تصحح هذه العملية من دون تفصيل بين صورة وجود الإلزام وعدمه، ولكن بواسطة هذه الروايات المتقدمة نعيدها بصورة عدم وجود الإلزام. فمن تلك الروايات المطلقة:
1 – " عن ابن سنان عن الإمام الصادق (ع) قال: " لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه، ثم تشتري له نحو الذي طلب، ثم توجبه على نفسك ثم تبيعه منه بعد " (3) .
2 – وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت الصادق (ع) عن الرجل يأتيني بطلب مني بيعًا وليس عندي ما يريد أن أبايعه به إلى السنة أيصلح لي أن أعده حتى أشتري متاعًا فأبيعه منه؟ قال: نعم "(4) .
(1) وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج14
(2)
وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج4
(3)
وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج1
(4)
وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج5، 8
3 – صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع) قال: " سألته عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعًا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله، قال: ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه"(1) .
وهناك صورة أخرى لمعاملة المرابحة للآمر بالشراء خلاصتها أن يقول الأول للثاني اشتر لي سلعة بعشرة دراهم نقدًا وأنا أشتريها منك باثنى عشر درهمًا إلى أجل.
وهذه معاملة باطلة وهناك نص صحيح يدل على ذلك.
فعن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أمره نفر ليبتاع لهم بعيرًا بنقد ويزيدونه فوق ذلك نظرة فابتاع لهم بعيرًا ومعه بعضهم فمنعه أن يأخذ منهم فوق ورقه نظرة.
وتبطل أيضا صورة أخرى وهي ما لو قال الأول للثاني اشتر لي سلعة باثنى عشر إلى أجل وأنا أشتريها منك بعشرة نقدًا.
ويمكن أن يقال إن الروايات الآنفة شاملة لجميع هذه الصور في روحها، ولذا نفتي بعدم جواز هذه المعاملة إن كان فيها إلزام، اللهم إلا أن يأتي الإلزام من مصدر آخر كالنذر والعهد والشرط ضمن معاملة أخرى لازمة، فحينئذ يمكن التصحيح، إلا أن يقول أحد بأن الشارع قصد من مثل هذه المعاملة عدم الإلزام، وأصر عليه نظير إصراره على بقاء بعض الأمور مباحة، كالطلاق والزواج فلا يمكن الإلزام أو الالتزام بعدمه، وهذا القول رغم كونه قابلًا للتأمل لا يمكن الالتزام به كما نعتقد، كما أنه قد يقال بأن الشرط ضمن معاملة أخرى لازمة غير صحيح في هذا المورد، لأنه يعني إيجاب شيء لم يستوجب. وعلى أي حال يكفى النذر والعهد مع وجود إلزام حكومي للفرد بالعمل بما التزم به فيهما.
الشيخ / محمد علي التسخيري
(1) وسائل الشيعة / ج12 / باب 8 من أحكام العقود / ج5، 8