الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحديد النسل وتنظيمه
إعداد
الشيخ رجب بيوض التميمي
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
وعضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فكرة تحديد النسل وتنظيمه
خلق الله الإنسان وجعله خليفته على الأرض، استخلفه لتعمير الأرض واشاعة الرخاء وعدم الإفساد فيها بإهلاك الحرث والنسل، وقدر الله في الأرض أقواتها تمهيدا لوجود البشر عليها، وطلب من البشر أن يمشوا في مناكبها، ويعملوا ليأكلوا من خيراتها التي أنعم الله بها عليهم.
وأن الله جل وعلا الذي شاءت إرادته أن يعمر الأرض بالبشر لِيعلم أن هؤلاء يزدادون بأمره، ليتمكنوا من السعي في طلب الرزق والاستفادة بما على سطح الأرض وفى جوفها، وسخر لهم البحر علاوة على البر ليبتغوا من فضل الله، وكلما بحث الإنسان ونقب في البر والبحر، فإنه يكتشف موارد جديدة لم تكن في حسبانه، ولا تزال حتى يومنا هذا كثير من الأماكن غير معروفة للإنسان، وهى في حاجة إلى اكتشافها ومعرفة مقدراتها، كما أنه ستكون في حاجة أيضا إلى استغلالها والاستفادة من مواردها، وفي كل هذه الحالات يكون الإنسان محورا أساسيا، في البحث والتنقيب عن المصادر الطبيعية التي خلقها الله جل وعلا، كما أنه الأداة الرئيسية لاستخراج هذه المصادر والاستفادة منها.
خلق الله الإنسان من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، يتناسلون ويتكاثرون ويزدادون، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وسنته ولن تجد لسنة الله تبديلا.
(1) سورة النساء الآية 1
(2)
سورة النحل الآية 72
من الأفكار السيئة الهدامة، والتي تخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي غزانا بها الغرب، ليقضي بها على قوة المسلمين وعزهم ومجدهم؛ فكرة تحديد النسل، والتي يطلقون عليها أيضا فكرة تنظيم النسل وكلاهما بمعنى واحد والذي يقصد منها العمل على إضعاف الأمة الإسلامية، وتقليل عددها ليتمكن أعداء الإسلام من السيطرة على بلاد المسلمين، ونهب خيراتها، واستعمارها سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وتهافت على هذه الفكرة الخبيثة الملحدة من أبناء المسلمين، من يتبعونهم ويغترون بأفكارهم، دون فهم لمقاصدهم، وما يتربصون به من كيد للإسلام والمسلمين، مع أننا لو أمعنا النظر وتتبعنا ما يقوم به الغرب واقعيا، لوجدناه أنه حينما يروج لهذه الفكرة في البلاد العربية والإسلامية، يدعو إلى عدم تطبيقها في بلاده، ففي أمريكا: أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية الجنرال أيزنهاور في مؤتمره الثاني المنعقد في ديسمبر سنة 1959، أن حكومته لن تفكر في تحديد النسل في أمريكا مادمت في البيت الأبيض، ويقول الرئيس جونسون: أنه ما دامت الفرص أمام الأمريكيين في تزايد، فسوف تظل هذه الأمة تنعم بالخير والبركة، مهما وصل عدد أبنائها، قال هذا: عندما وصل عدد الشعب الأمريكي مائتي مليون نسمة، وأعلن الرئيس نيكسون تأييده لموقف أيزنهاور وطالب بمنع الإجهاض، وفي روسيا قالت صحيفة الديلي تلغراف: إن السلطات زادت الأموال المخصصة وامتيازات السكن للمتزوجين، كما شجعت النساء على إنجاب الأطفال، واشترطت لذلك إعطاءهن إجازات ولادة لمدة سنة مدفوعة الأجر، وفى اليونان: صرفت مكافأة شهرية ثابتة لكل أبوين عن الطفل الثالث، وفى بريطانيا: بالإضافة للإجازة المجانية والعلاوة التي تحصل عليها الأمهات، فإن كل مولود دون استثناء يحصل على علاوة طفل تستمر إلى أن يتخرج من المدرسة الثانوية، وفي فرنسا: صدر قانون سنة 1968 يجعل بيع وسائل منع الحمل ممنوعا، ويحرم الدعاية الإعلانية فيها، ويشترط شهادة طبيب لاستخراجها واستخدامها، وأعلن وزير الدفاع ميشيل دبريه: أن تحديد النسل يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة، وأنه بالتالي يجب على المرأة الفرنسية أن تعمل على زيادة النسل، كواجب قومي يحفظ لفرنسا كيانها كدولة كبرى.
هذه مواقف أمريكا وأوروبا والدول الغربية التي تروج في بلادنا فكرة تحديد النسل، حتى تعمل كما بينت على إضعاف الأمة الإسلامية، وتقليل عددها ليسهل عليها التغلب عليها، وقهرها سياسيا واقتصاديا والاستيلاء على خيرات بلادها ونهب مواردها، يقول فضيلة الشيخ حسنين مخلوف، المفتي الأسبق لجمهورية مصر العربية وعضو مجمع البحوث الإسلامية في فتواه في هذا الموضوع: وقد عثرت على رسالة وجهها أحد الرؤساء المسيحيين للأطباء منهم، يحذرهم من منع الحمل بين أبناء طائفتهم، ويدعوهم إلى منع ذلك بينهم منعا باتا، بينما يدعوهم إلى مساعدة من يريد التحديد والتنظيم إذا كان من المسلمين، أملا في أن يقل عدد المسلمين ويكثر عدد غيرهم من غير المسلمين، يقول فضيلته في فتواه: وهذا المنشور قرأته بنفسى منذ بضع سنين، وهو منشور سري كتبه هذا الزعيم المسيحى، ونشره بين أبناء ملته سرا، ليعمل به أطباؤهم وينفذوه حين يعرض عليهم الأمر، وخلاصته تقليل عدد المسلمين وتكثير عدد غير المسلمين، وبعبارة أخرى إضعاف المسلمين وتقوية غير المسلمين في مجال الحياة، والله لا يهدي كيد الخائنين - انتهى ما قاله فضيلته.
إن من الواجب على المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية، أن يقفوا بوعي وحسم وبجدية أمام المؤامرات الإمبريالية والصهيونية، التي تعمل على إخضاع المسلمين والاستيلاء على أقدس بقعة في بلادهم بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوى الشريف بالمدينة المنورة، وهو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، والقدس الشريف وفلسطين المباركة، إنه من الواجب على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن ينتبهوا ويفيقوا من غفلتهم ويرفضوا هذه الأفكار الخبيثة التي يروج لها أعداؤهم، والتي تؤدي إلى ضعف الأمة وانحلالها، وليعلم الذين يتبعون هذه الأفكار من أبناء الأمة الإسلامية، والترويج لفكرة تحديد النسل، أنهم يساعدون الصهيونية التي تعمل على إبادة الشعب العربي الفلسطيني، وإضعاف العالم العربي والإسلامي، والقضاء على كيانه بالتعاون مع أعداء العرب والمسلمين.
إن العالم العربي والإسلامي، عالم متكامل يكمل بعضه بعضا، فقد يكون في بلد كثافة سكانية، وفي بلد آخر تقل الأيدي العاملة وتكثر الأراضي البور الصالحة للزراعة، ولذلك يجب أن ينظر إليه نظرة شاملة، بحيث تذوب الحواجز السياسية والمصطنعة، ويتكون من هذه الأوطان المتعددة عالم قوي متماسك، تتكامل فيه الثروة المادية والثروة البشرية والثروة الأدبية ويتبوأ بذلك مكانته اللائقة في هذا العالم.
إن العالم الإسلامي، لم يحقق وحدته الاقتصادية التي تجعل كل جزء من أجزائه عضوا في الجسد الإسلامي الكبير، بما يحقق التعاون بتنمية الثروة ومضاعفة الانتاج، ومن المؤسف حقا أن المسلمين اليوم يملكون ما يكفي لاستصلاح كل شبر من أراضيهم التي لم تستغل حتى الآن ولكن هذه الثروة توضع في بنوك أوروبا وأمريكا ويستفيد منها الصهيونية وأعداء الأمة، ويستغل هذه الثروة ويستفيد منها المتآمرون على عقيدتهم وحريتهم وبلادهم، وعلى كيانهم التقدمي والحضاري، وبالرغم من قيام منظمات إسلامية وعربية متخصصة في جوانب الاقتصاد، إلا أننا لم نر عمليا حتى اليوم التكامل الاقتصادي في البلاد الإسلامية والعربية، مع أنه يجب أن يعلم أن العالم العربي والإسلامي حين يستغل ثرواته الطبيعية، فإن ميزان القوى في هذا العالم سيتحول لصالحه، ويسير بخطى واسعة في طريق القوة والتقدم والازدهار، وليعلم الجميع أن واقعنا يلزمنا من الإكثار من النسل بعد أن تبين أن عالمنا العربي والإسلامي غني بثرواته الطبيعية، وفي حاجة إلى الأيدي البشرية لاستغلال هذه الموارد والاستفادة منها، ويجب أن يعلم أن قضية تحديد النسل قضية عقائدية، قبل أن تكون مخططا لتقليل عدد المسلمين وإضعافهم، فالقرآن الكريم يقرر أن الله سبحانه وتعالى تكفل برزق العباد، ولكن دعاهم إلى البحث والتنقيب عن مصادر الرزق واستغلالها استغلالا حسنا وعادلا قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (1) .
أما الذين يدعون إلى الشرك والضلال والإلحاد يقولون: إن مسألة إيجاد الرزق خاضعة لعقل الإنسان وتخطيطه، ولا علاقة لها بالمسائل الإيمانية، ويزعمون من هذا المنطلق الإلحادي قائلين: إن تحديد أفراد الأسرة يرفع من مستوى المعيشة، ويساعد على التنمية القومية، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .
(1) سورة الملك الآية 15
إن زيادة أفراد الأسرة وزيادة عدد الأطفال فيها، وإن كانوا يمثلون في أول عمرهم عبئًا على الأسرة، ويقللون من مستوى نصيب الفرد في الأسرة لأنهم يستهلكون المواد الاقتصادية فيها، وبالتالي تتدنى المستويات المعيشية لأسرهم، وللمجتمعات التي يعيشون فيها، إلا أنه من المشاهد في المجتمع أن الأسرة التي يزداد عدد أفرادها وأولادها، تحقق فوائد اقتصادية كثيرة من وراء استثمار الوالدين، والأسرة لأموالهم في تربية الأطفال وتعليمهم، ذلك لأن الأطفال إذا كبروا يعملون ويصبحون منتجين، ويكون إنتاجهم أثناء عملهم أكثر من استهلاكهم، وبذلك يتحقق الخير والبركة للأسرة والمجتمع، وإن تحديد النسل ما هو إلا نوع من أنانية الوالدين اللذين ينظران لمصلحتهما أكثر من مصلحة المجتمع الاقتصادية.
إن الإسلام يأمرنا بالإكثار من النسل، ويحض عليه ويدعو إليه، فعن معقل بن يسار جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إنى أحببت امرأة ذات حسب ومنصب ومال، إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك ثم أتاه الثالثة فقال له صلى الله عليه وسلم:((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)) - رواه أبو داود والنسائي والحاكم.
إن الذين يدعون إلى حركة تحديد النسل من المسلمين، لا يجدون في القرآن الكريم آية واحدة تؤيدهم في دعواهم، يحاولون أن يستدلوا على صحة فكرتهم بروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في بعضها الإذن بالعزل، إن احتجاجهم بالأحاديث النبوية الشريفة هو احتجاج غير صحيح، ذلك لأن العزل لم يكن شائعا بين المسلمين، ولم تقم فيهم حركة لتحديد النسل ومنع الحمل، وإنما كانت هناك ثلاثة أسباب، هي التي حملت على العزل نفرا من المسلمين، ويمكن أن نعرفها من الروايات الواردة في كتب الحديث الشريف في باب العزل، أولا: خشية أن تحمل الأمة، ثانيًا: خشية أن تستحق الأمة إقامة دائمة إذا صارت أم ولد، ثالثًا: خشية أن يتعرض الولد لنوع من الضرر إذا حدث الحمل في أيام الرضاعة.
فهذه هي الأسباب التي من أجلها أحس نفر من الصحابة - منهم عبد الله بن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم بحاجة إلى العزل في ظروف خاصة، وعملوه بحجة أنهم لم يجدوا في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية دليلا ينهى صراحة عنه، يقول جابر رضي الله عنه: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول في رواية أخرى: كنا نعزل والقرآن ينزل، ويقول في رواية ثالثة: كنا نعزل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل رواها البخاري ومسلم، فواضح من هذه الروايات، أن جابرًا ومن كان على رأيه من الصحابة، في إباحة العزل، لما لم يجدوا في نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة دليلا ينهى عن العزل صراحة، حسبوا ذلك دليلا على إباحته، يقول جابر رضي الله عنه في رواية أخرجها عنه الإمام مسلم في صحيحه: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا.
أما الروايات الأخرى فقد جاء في بعضها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سئل في هذه القضية، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(أصبنا سبيا فكنا نعزل) . فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أو إنكم لتفعلون - قالها ثلاثًا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهى كائنة)) أخرجها البخاري ومسلم.
وفى رواية أخرى، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. رواه مسلم، مع أن جماعة من الصحابة وغيرهم قد صح عنهم النهي عن العزل، يقول الإمام الترمذي في سننه: وقد كره العزل قوم من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، وروى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنه كان لا يعزل وكان يكره العزل، والذى يمكن أن نستخلصه من الروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم تكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حركة عامة قائمة لدعوة الناس إلى تحديد النسل، ولا جاء أحد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسأله عما إن كان له القيام بحركة مثل هذه، وكل ما في الأمر أن نفرا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه على أحيان مختلفة، يعرضون عليه ظروفهم الشخصية المخصوصة، ويسألون عما إذا كان من المباح لهم كمسلمين في مثل هذه الظروف أن يعزلوا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم في رده على سؤال بعض هؤلاء قد نهى عن العزل وفى رده على سؤال بعضهم عد العزل فعلا عبثا لا طائل تحته. كما أنه قد سكت في رده على سؤال بعضهم، إذ قال ما لا يمكن الاستدلال به على إباحة العزل، ونحن إذا لم نأخذ بالاعتبار إلا أقواله التي تدل على إباحة العزل فإنه يمكن الاستدلال بها على إباحة العزل للأفراد بصفتهم الفردية في ظروفهم الشخصية المخصوصة. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يستدل بها على إباحة القيام بحركة شعبية عامة لمنع الحمل، أما الحركة الاجتماعية لتحديد النسل فهي متصادمة مع الإسلام في صميمه لأنها تؤدي إلى تناقض المجتمع وانخفاض أصحاب الكفاءات العلمية فيه، وإن استعمال الوسائل التي تؤدي إلى منع الحمل، قد تؤدي إلى إشاعة الفاحشة وانتشار الأمراض والفساد في الأرض، كما يولد استخدام هذه الوسائل الأنانية والانحلال لأنه يطلق العنان لشهوات المراهقين الذين يتحولون إلى حيوانات مفترسة، تتصارع مع بعضها لإشباع الغريزة الجنسية، ولا يمكن للدين الإسلامي الذي يرى في الزنا أبشع جريمة خلقية يستحق مقترفها أقصى العقوبات، أن يسكت عن معارضة حركة لابد أن تعرض المجتمع كله لخطر انتشار هذه الجريمة، كما أن الإسلام لن يسكت على هذه الدعوة، التي تقوم على الأثرة وحب الذات، وتسبب مزيدا من النقص في أعداد المسلمين المحاطين بالأعداء المتربصين.
إن موقف الإسلام من هذه الحركة الخبيثة لا يمكن أن يقبل تحديد النسل للأمة الإسلامية التي تريد لنفسها البقاء، وتعمل جاهدة في جميع الميادين، لتأخذ مكانتها اللائقة بها بين الأمم الأخرى، قوية عزيزة الجانب تسير في طريق التقدم والازدهار، كما أنه لا يقبله أحد من أبناء الأمة العاملين المخلصين لرفع شأن الأمة، ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية، على مبادئ القوة واتساع العمران وكثرة الأيدي العاملة والحث على الزواج، وامتن الله على الناس بنعمة الأولاد والحفدة كأثر من آثار الزواج قال تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (1) . وقد طمأن الله النفوس على الرزق، وأن المائدة التي أعدها الله لعباده في ظاهرها وباطنها، لا يمكن أن تضيق عن حاجتهم، وحاجة نسلهم مهما تكاثروا وتزايدوا، وحاشا لله أن تضيق مائدته عن عباده، إن القيام بحركة تحديد النسل بشكل كلٍّ، وعلى مستوى الأمة بأسرها، حرام شرعا، ويحرم الإقدام عليه، كما تحرم الاستجابة له؛ لأن أي تقدم اقتصادي وعمراني رهن بكثافة النسل والسكان، وأن خيرات الأمة لا يمكن استغلالها إلا بازدياد عدد السكان، وأصبحت حاجتهم ماسة إليها؛ لأن ضغط السكان على الموارد يعمل في استغلال هذه الموارد لحاجة السكان إليها، وقد تكفل الله جل وعلا برزق المخلوقات، قال تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} (2) . وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (3) . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (4) . وقال تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} (5) . وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (6) .
(1) سورة النحل الآية 72
(2)
سورة العنكبوت الآية 60
(3)
سورة هود الآية 6
(4)
سورة الذاريات الآية 58
(5)
سورة الشورى الآية 12
(6)
سورة الحجر الآية 20، 21
إن المهمة التي يجعلها الله من وظيفة الإنسان بعد بيانه له حقيقة الرزق في هذه الآيات الكريمة هي أن يبذل الإنسان سعيه للبحث عن رزقه في خزائنه المبثوثة على وجه الأرض وفي باطنها وبمعنى آخر فإن الرزق من وظيفة الخالق، وأن البحث عنه من وظيفة الإنسان قال تعالى:{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} .
وعلى هذا الأساس ينعى القرآن الكريم في غير موضع من آياته الكريمة على الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية الإملاق أيام الجاهلية. قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (1) .
وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (2) .
إن الذين يدعون لحركة تحديد النسل، إنما يدعون الناس لمنع زيادة الأفراد وتكاثر النسل، خشية الفقر كما كانوا في أيام الجاهلية، ويستعملون طرقا أخرى تحول دون الحمل، إنهم بدعوتهم الإلحادية يرتكبون جريمة خطر ضيق الأرض ونفاذ موارد الرزق، وهو الباعث لهم على الترويج لهذه الحركة لمنع زيادة السكان والنسل، إن الذين يدعون لهذه الحركة يخالفون الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وينكرون ما بينه الله عز وجل في الآيات الكريمة، بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ويعملون على تقويض أركان المجتمع، وإهلاك الحرث والنسل، ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون. وإن حركتهم ستبوء بالفشل لأنها قائمة على الإلحاد والدعوة إلى الفساد والله لا يهدي كيد الخائنين.
إن منع الحمل إذا كان محددا بشئون فردية مخصوصة، قد يشعر فيها الزوجان بحاجة حقيقية إليه، نظرا لأحوالهما الخاصة، على ألا يكون منها الخوف على الرزق؛ لأن هذا يتصادم مع الشريعة الإسلامية في صميمها، ويشترط أن يفتي بجوازه عالم تقي من علماء المسلمين لصحة حاجتهما، مع ذلك لا يجوز لهما استعمال وسائل منع الحمل إلا عن طريق طبيب مسلم صادق، إذا كان منع الحمل بهذه الشروط يكون مباحا؛ لأنه لن يرجع على الحياة الاجتماعية بمثل تلك المضار التي تؤدي إلى الإخلال بالمجتمع وتنقيص النسل؛ لأن هذا المنع الفردي للحمل، يختلف عن الحركة الشعبية العامة المتصادمة مع الشريعة الإسلامية وتوجيهاتها وأحكامها.
(1) سورة الأنعام الآية 151
(2)
سورة الإسراء الآية 31
ويجب أن يعلم أن الإجهاض بقصد تحديد النسل، أو استعمال الوسائل التي تؤدي إلى العقم، أمر لا يجوز ممارسته للزوجين، وأن الإجهاض قبل الأربعين وبعدها يكون حراما، إلا في حالة الضرورة العلاجية، وفقا للضوابط المقررة في الشرع وأن العقوبة المترتبة على جريمة الإجهاض عقوبتان: عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية.
وفى الختام:
على المسلم رجلا كان أو امرأة، أن يتحرى الحلال، ويعمل به وأن يتقيَ الله وألا يتخذ من فساد المجتمع مبررا لارتكاب ما نهى الله عنه، وعلى الدول العربية والإسلامية أن تحارب فكرة تحديد النسل أو تنظيمه، محاربة تامة وصريحة وحاسمة، وعلى الدول العربية والإسلامية أن تعمل حظرا على بيع وسائل منع الحمل الحديثة، حفظا على الأخلاق والصحة العامة، وألا تسمح باستعمال تلك الوسائل إلا في الحالات العلاجية الضرورية، وأخيرا على الدول العربية والإسلامية أن تعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا ومخلصا، في جميع مجالات الحياة حتى تكون الأمة الإسلامية كما أراد الله لها خير أمة أخرجت للناس تقود العالم إلى طريق الخير والعدل والرحمة. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رجب بيوض التميمي