المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

‌بيع المرابحة للآمر بالشراء

إعداد

الدكتور سامي حسن محمود

المدير العام

مركز البركة للبحوث والاستشارات المالية

الإسلامية

عمان – المملكة الأردنية الهاشمية

بيان المحتويات

مقدمة الموضوع

الفرع الأول: أهمية بيع المرابحة للآمر بالشراء واستعمالاته.

الفرع الثاني: الوجه الفقهي لتخريج الصيغة المستحدثة.

الفرع الثالث: وجوه الاعتراض على بيع المرابحة للآمر بالشراء

1-

هل المرابحة للآمر بالشراء من بيع العينة؟

2-

مسألة الإلزام بالوعد

3-

نقطة المخاطرة برأس المال.

الخاتمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الموضوع:

يعتبر بيع المرابحة للآمر بالشراء في مجال التطبيق المعاصر للمعاملات الشرعية أنه تعامل حديث دعت إليه الحاجة ورسخت جذوره الظروف السائدة في غالب المجتمعات الإسلامية وأعلت راياته المصارف الإسلامية بما توسعت به في طرق استعمال هذه الصيغة المستحدثة.

وقد كان بيع المرابحة للآمر بالشراء بصورته المعروفة حاليًا في التعامل المصرفي كشفًا وفق الله إليه الباحث أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه في الفترة الواقعة بين 1973- 1976 (1) حيث تم التوصل إلى هذا العنوان الاصطلاحي بتوجيه من الأستاذ الشيخ العلامة محمد فرج السنهوري- رحمه الله تعالى – حيث كان أستاذ مادة الفقه الإسلامي المقارن للدراسات العليا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة.

(1) نوقشت رسالة الباحث للدكتوراه في 30/ 6 / 1976وكانت بعنوان " تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية " وكانت لجنة المناقشة مؤلفة من كل من الأساتذة الأفاضل: - الشيخ زكريا البري (المشرف على إعداد الرسالة من الناحية الفقهية) – الدكتور علي جمال الدين عوض (المشرف من الناحية القانونية) – الشيخ عبد الله المشد – (عضو اللجنة المناقشة)

ص: 807

وعندما صدر القانون المؤقت رقم 13 لسنة 1978 بتأسيس البنك الإسلامي الأردني (وهو القانون الذي تولى الباحث إعداد صيغته الأولية حين كان مقرر اللجنة التحضيرية) وافقت لجنة الفتوى الأردنية بوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية على تعريف مقترح لبيع المرابحة للآمر بالشراء وهو التعريف الذي تضمنته المادة الثانية من القانون المشار إليه حيث جاء النص عليه كما يلي:

بيع المرابحة للآمر بالشراء يعني: قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء الأول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي يدفعه البنك – كليًّا أو جزئيًّا – وذلك في مقابل التزام الطالب بشراء ما أمر به وحسب الربح المتفق عند الابتداء (1) .

وقد تثبت هذا النص بتمامه عند صدور القانون الدائم للبنك الإسلامي الأردني وهو القانون رقم 62 لسنة 1985.

وقد شاعت صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء وتلقفتها البنوك الإسلامية الناشئة في البلاد الإسلامية وخارجها، واعتمد عليها البنك الإسلامي للتنمية في مجال التجارة الخارجية حيث صارت هذه الصيغة تمثل النسبة الغالبة من تعامل البنوك الإسلامية على اختلاف مواقعها وأنشطتها.

وكان من الطبيعي أن تتعرض هذه الصيغة للنقد والجرح بما يتناسب مع درجة الشيوع والذيوع فكان أن تعرض بيع المرابحة للآمر بالشراء إلى زوابع من الكلام المحق حينًا وغير المحق في غالب الأحيان.

ومرادنا في هذا البحث الموجز يتمثل في توضيح حقيقة هذه الصيغة لتقويم الاعوجاج في التطبيق – إذا وجد – وإبعاد المغالاة والإغراق في الشكليات البعيدة عن درب اليسر والتيسير الذي ميز الله – سبحانه وتعالى – شريعته الخالدة على مر العصور والأزمان.

والله المستعان والمرتجى في كل حين وآن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

الدكتور / سامي حمود

(1) انظر في ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية لمشروع قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار مع الأسباب الموجبة والمذكرة الإيضاحية – إعداد الدكتور سامي حمود – مقرر اللجنة التحضيرية، وقد كانت لجنة الفتوى، والخبراء الذين انضموا إليها لمناقشة وضع مادة مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني مؤلفة من الأساتذة: - (الشيخ محمد عبده هاشم المفتي العام، الشيخ عز الدين الخطيب، الشيخ محمد أبو سردانه، الشيخ أسعد بيوض التميمي، الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، الدكتور عبد السلام العبادي، الدكتور ياسين الدرادكه. – كما انضم إلى لجنة الفتوى – بتكليف من وزير الأوقاف آنذاك – كل من – سماحة الشيخ عبد الحميد السائح والدكتور محمد سقر)

ص: 808

الفرع الأول: أهمية بيع المرابحة للآمر بالشراء واستعمالاته:

تتمثل أهمية بيع المرابحة للآمر بالشراء في أنه يحقق أمرين رئيسين هما:

1-

أنه يغطي جانبًا من جوانب الحاجة التي لا يمكن تحقيقها عن طريق الصيغ المعروفة في المعاملات المبحوثة في الفقه الإسلامي كالمضاربة والمشاركة وذلك باعتبار هاتين الصيغتين هما أبرز صيغ التمويل والاستثمار الحلال.

فالمضاربة مثلًا فيها تمويل ولكنه تمويل مقصود به العمل من أجل تحقيق الربح، وسواء كان ذلك بطريق تقليب رأس المال في التجارة أو التصرف فيه بالصناعة والزراعة وغير ذلك من الأعمال عند من يرى إمكان شمول المضاربة للأنشطة الأخرى عدا المتاجرة بالسلع انطلاقًا من إطلاق المضاربة على كل عمل يراد به تنمية المال حسبما يرى فقهاء المذهب الحنبلي بشكل مفصل (1) .

ولكن كيف يكون الحال لو أن شخصا ما يحتاج إلى آلة خاصة باستعماله الشخصي مثل السيارة أو جهاز التلفاز أو الأثاث المنزلي؟

وماذا يكون الحل لو أنا جهة ما تحتاج إلى أدوات ليست للتجارة بل من أجل تقدم الخدمات للمجتمع، مثل احتياج البلدية لشراء أنابيب لإيصال المياه إلى المواطنين أو سيارات لنقل النفايات؟

فأين يكون موضوع المضاربة هنا؟

من أجل ذلك كان تفكير الباحث متجهًا إلى تكميل صورة العمل المصرفي الإسلامي بحيث يكون قادرًا على تغطية مختلف الاحتياجات.

وليس من سبيل لذلك سوى أسلوب بيع المرابحة للآمر بالشراء حيث يحدد صاحب الحاجة ما يرغب فيه ويقوم المصرف الإٍسلامي بالشراء بناء على طلب صاحب الحاجة وبحسب ما يحدده من مواصفات لكي يبيع عليه ما اشتراه بناء على طلبه بعد إضافة الربح المتفق عليه.

2-

أما الأمر الثاني الذي تحققه صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء فإنه يتمثل في القالب العملي الذي يتمتع بالمرونة والملاءمة لطبيعة العمل المصرفي المعاصر وذلك ضمن إطار الالتزام بالضوابط الشرعية.

فالمصرف الإسلامي – شأنه في ذلك شأن أي مصرف آخر – ليس تاجر اقتناء للسلع والبضائع والخدمات، ولكنه مدير مدبر للاحتياجات.

(1) للتوسع في ذلك يمكن الرجوع إلى بحث " حقيقة المضاربة والعمل الذي تشمله " في كتاب سامي حمود " تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية " الطبعة الثانية " عمان – توزيع دار الفكر، 1982 " الصفحات 369 - 381

ص: 809

فالمصرف الإسلامي لا يستطيع – حتى لو أراد ذلك – أن يكون مخزنًا عالميًّا لكي يشتري ويقتني من أجل البيع والشراء كل ما يخطر على بال الناس من السلع التي قد يحتاجون إليها في أعمالهم وأغراضهم ومتطلباتهم. ولكن هذا المصرف يستطيع أن يشتري ما يطلبه من صاحب الحاجة وفقًا لظروف كل حالة بحالتها.

ويمثل هذا الباب من أبواب التعامل نوعًا من الاستثمار الذي يغلب عليه عنصر البعد عن مسببات الخسارة التي قد تنتج من جراء الإقدام على شراء السلع يصيبها الكساد أو التلف أو يزيد في كلفتها التخزين والحراسة والضوابط الإدارية.

فما الوجه الفقهي الذي اعتمد عليه في تخريج هذه الصيغة العملية؟

الفرع الثاني: الوجه الفقهي لتخريج صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء:

كانت العمدة في تخريج صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء مبنية على ما ذكر في كتاب الأم للإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – حيث أورد فيه ما يلي (1) :

"

وإذا أرى الرجل الرجل السلعة، فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل. فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعًا وإن شاء تركه. وهكذا أن قال اشتر لي متاعًا ووصفه له ، أو متاعًا أي متاع شئت: وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت، إن كان قال ابتعه وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر فإن جدداه جاز. وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين – أحدهما أنه تبايعاه قبل (أن) يملكه البائع والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا ".

فالواضح هنا من كلام الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – أن المبادرة في الطلب تتم من الراغب في شراء السلعة وأنه يرى الطرف الثاني السلعة ويطلب منه أن يشتريها على أساس أنه يعد بشرائها منه بالثمن المدفوع في السلعة زائد الربح المتفق عليه من الابتداء.

فهذه العملية هي عملية مركبة من وعد بالشراء من طرف الآمر وبيع المرابحة من طرف المأمور وهذا هو الوجه الذي رآه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد فرج السنهوري – رحمه الله تعالى – عند عرض المسألة عليه في مقابلة شخصية بمنزلة بالمعادي بتاريخ 9 / 8 / 1975.

وإذا كانت المرابحة قد بحثت في معظم المؤلفات الفقهية عند مختلف المذاهب الإسلامية فإن هذه المرابحة ليست إلا بيعًا مبنيًّا على بيان رأس المال ومقدار الربح.

وأما الأمر الذي تفرد به الإمام الشافعي في الصورة المذكورة في كتاب الأم فإنه يتمثل في انتقال المبادرة من المورد للسلعة إلى الراغب في الشراء الذي يطلب من الطرف الآخر أن يشتري سلعة معينة بالذات أو موصوفة بمواصفات محددة.

(1) الإمام الشافعي، كتاب الأم، الطبعة الأولى، تصحيح محمد زهدي النجار – (القاهرة مكتبة الكليات الأزهرية، 1961) ، صفحة 39

ص: 810

فالطبيب الذي يحتاج إلى جهاز خاص بتخطيط القلب مثلًا يحدد هو مواصفات الجهاز الذي يريده وقد يحدد كذلك اسم الشركة الصانعة ويقوم بالاتصال معها لمعرفة السعر وموعد التسليم وإمكانية إضافة المزايا التي يحبذ وجودها في الجهاز، فإذا تم له ذلك فإنه يأتي إلى الشخص أو المصرف الذي يملك القدرة على شراء مثل هذا الجهاز طالبًا منه أن يشتريه على أساس الوعد منه بشراء الجهاز المطلوب بسعر التكلفة (رأس المال + المصاريف) بالإضافة إلى ربح محدد سلفًا.

فالعملية هنا تواعد من طرفين ثم تنفيذ يتم فيه إنجاز المبايعة المتواعد عليها.

والتواعد في العقود الشرعية جائز طالما أن البيع جائز، والتنفيذ هو إنجاز يتم بطريق إبرام البيع المتواعد عليه.

ويشترط في التواعد المبتدأ والتبايع اللاحق ما يشترط في العقود بوجه عام سواء من حيث العاقدين أو المحل أو غير ذلك من شرائط الانعقاد. فإذا وجدت هذه الأركان صحيحة فإنه ليس هناك ما يمنع المواعدة في البيع الحلال أولًا ثم إجراء المبايعة بعد أن يمتلك البائع ما هو مطلوب شراؤه من الآمر.

أما ما يقال من أن المقصود بعقد المرابحة للآمر بالشراء هو التمول أي بمعنى الحصول على النقود عن طريق البيع فليس له اعتبار عند النظر الفقهي الدقيق لصيغة هذا التعاقد إذا جرى بشكله الصحيح، فإذا كان هناك انزلاق في التطبيق لدى بعض الجهات التي تتعامل بالمرابحة سواء من قبل المصارف الإسلامية نفسها أو من قبل المتعاملين معها، فإن هذه المخالفات يجب أن تصحح لكي ترد إلى جادة الحق والالتزام بضوابط الشرع ولا يكون الحل بالتوجيه إلى إغلاق أبواب اليسر في شريعة الله الرحمن الرحيم.

ص: 811

وإن ما يعتذر به البعض لأنفسهم من هذا التشدد، في التحوط لحماية شرع الله – كما يظنون – لا محل له في التطبيق العملي في حياة الناس، وإلا كان موقف هؤلاء يشبه موقف من ينادي بتحريم زراعة العنب، لأن عصير العنب قد يصنع منه الخمر التي حرمها الله. فهل يقبل بذلك التحوط إنسان مسلم وله فهم بمقاصد الشريعة الإسلامية في الحياة؟

إن ما يهم المسلم المؤمن برسالة الإسلام أن يكون العقد الذي يتعامل به وذلك التصرف الذي يقوم به متفقا مع الشريعة وأن يكون مبنيا على وجه فقهي صحيح.

وطالما أن التعاقد وارد على بيع جائز شرعًا وأن شرائط انعقاد العقد صحيحه بالنسبة لذلك البيع، فإن الوعد والتواعد على إبرام العقد الشرعي الصحيح تكون صحيحة في كل عقد يجوز تلك المواعدة.

وما يهمنا في صيغة المرابحة للآمر بالشراء هو توفر الشروط التالية:

1-

أن تكون الشيء المراد شراؤه مما يجوز للمسلم أن يتملكه فلا تجوز المواعدة لشراء الخمر أو الخنزير مثلًا.

2-

أن يكون ذلك الشيء موجودًا أو قابلًا لأن يوجد في السوق.

3-

أن يكون قابلًا للتحديد بالوصف المنضبط إذا لم يمكن معيانته بالذات.

4-

أن يكون هناك تفريق بين التواعد والتبايع بحيث لا تتم المبايعة إلا بعد ثبوت التملك لدى البائع بحيث تمر عملية الامتلاك بذمته ليكون التمليك صادرًا ممن يملك أولًا ولكي يكون هناك مجال للقول بالضمان إذا تبين أن هناك تلفًا أو عيبًا خفيًّا أو غير ذلك من أسباب الضمان.

وليس يهمنا التقيد بالشكل عند من يربطون التملك بالحيازة المادية لأن ذلك ليس شرطًا من شرائط انعقاد العقود الشريعة حيث يكون التسليم أثرًا من آثار الانعقاد وليس ركنًا فيه.

فقد يشتري الإنسان الشيء ويبقيه عند البائع كوديعة. حيث تنقلب يد البائع الأول من يد ملك إلى يد أمانة، فإذا باع هذا الإنسان ما اشتراه بعد أن يصبح معينًا إلى شخص آخر فإنه يبيع مما يملك ويقع عليه ضمانه حتى يتسلمه المشتري الأخير سليمًا خاليًا من العيوب الموجبة لرد البيع.

وهذا هو الوجه الفقهي الذي نراه لتخريج صيغة بيع بالمرابحة للآمر بالشراء في حدود الفهم الذي تيسر لنا اغترافه من بحر الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان.

فما هي وجوه الاعتراض على هذه الصيغة التي كانت العمود الفقري لنجاح العمل المصرفي الإسلامي في التطبيق المعاصر؟

ص: 812

الفرع الثالث: وجوه الاعتراض على بيع المرابحة للآمر بالشراء:

تعرضت صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء إلى النقد والتجريح بدرجات متفاوته ابتداء من الاعتراض على أساس المعاملة وانتهاء بالاعتراض على مسألة الإلزام في الوعد.

وليس يهمنا اعتراض ذلك الفريق من الناس المعتادين على حمل العصا في وجه كل فكرة مستحدثة لكي يغلقوا أبواب الرحمة في هذا الدين الذي بعث الله نبيه به ليكون رحمة للعاملين، كما لا يهمنا أولئك الذين يحسبون أنفسهم أنهم قوامون على أبواب الاجتهاد حيث يريدون إقفال ما تركه رب العباد مفتوحًا لكي تتبارى فيه العقول والأفهام. وإنما يهمنا فقط أن نناقش وجوه الاعتراض الفقهي على بيع المرابحة للآمر بالشراء لنرى ما إذا كانت هذه الاعتراضات جديرة بالاعتبار.

جمع الأستاذ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي اعتراضات المعترضين في ست نقاط حيث تولى الرد على هذه الاعتراضات في كتاب أصدره بعنوان " بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية ". وهذه النقاط الستة هي: (1)

1-

إن هذه المعاملة ليست بيعًا ولا شراء وإنما هي حيلة لأخذ الربا.

2-

إن أحدًا من فقهاء الأمة لم يقل بحلها.

3-

إنها من بيوع العينة وهي محرمة.

4-

إنها بيعتان في بيعة وذلك منهي عنه.

5-

إنها تدخل في بيع ما لا يملك وهو ممنوع.

6-

إن فيها إلزامًا بالوعد وهو إيجاب لما لم يوجبه الله تعالى وتقييد لما أطلقه.

وقد تولى الدكتور القرضاوي – جزاه الله خيرًا – تفصيل القول في هذه النقاط الستة بما يفي بغاية البحث وبحيث لا أرى مجالًا للزيادة على ما أورده حيث يستطيع من شاء الإطلاع أن يرجع إلى كتابه المشار إليه، ويهمنا فقط أن نختار لتوضيح نقطتين تتطلبان التركيز في الإيضاح مما أورده فضيلة الدكتور القرضاوي وذلك بالإضافة إلى نقطة ثالثة جديدة وجه إليها النظر الدكتور عبد السلام العبادي في محادثة شخصية جرت معه بهذا الخصوص (2) .

(1) يوسف القرضاوي، بيع المرابحة للآمر بالشراء، كما تجريه المصارف الإسلامية، الطبعة الأولى (الكويت: دار القلم، 1983) صفحة 37

(2)

الدكتور عبد السلام العبادي – مناقشة شخصية بتاريخ 26 / 9 / 1988

ص: 813

أ – الاعتراض الوارد على تصنيف بيع المرابحة للآمر بالشراء ضمن بيوع العينة المحرمة.

شبه بعض الكاتبين الصورة الواردة في كتاب الأم بما أورده المالكية في كتبهم حيث قالا بأن من صور العينة أن يقول الرجل: اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدًا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل قال ابن رشد (الجد) في المقدمات فذلك حرام لا يحل ولا يجوز، لأنه رجل ازداد في سلفه (1) .

وقال الدريدير في " الشرع الصغير " العينة جائزة إلا أن يقول الطالب: اشترها بعشرة نقدًا وأنا آخذها منك باثنى عشر إلى أجل، فتمنع، لما فيه من تهمة سلف جر نفعًا، لأنه كأنه سلفه عشرة- ثمن السلعة – يأخذ عنها بعد الأجل اثنى عشر (2) .

والصورة هنا – كما هو واضح – تختلف عن الصورة الواردة في كتاب الأم من حيث أسس بناء التصور والمفهوم والمقصود.

فالتصور في هذه الصورة التي أوردها المالكية هو أن الراغب في الشراء يطلب من الشخص المعنى أن يشتري السلعة له (أي للراغب نفسه) حيث يقول له اشتر لي سلعة كذا وهذا يعني أنه يوكله الشراء، والوكيل كما هو معروف أمين فإذا هلك ما تحت يده بلا تعد ولا تقصير فإنه يهلك على ملك الأصيل. فلا محل لمرور الضمان هنا بذمة المشتري الوسيط حيث يصبح الثمن المدفوع قرضًا أو سلفًا بدأ بعشرة دراهم وانتهى باثني عشر درهمًا، وهذا حرام لأن فيه سلفا وزيادة، وهذا ما أوضحه الدردير في الشرح الصغير حين قال كأنه سلفه عشرة (ثمن السلعة) ليأخذ عنها بعد الأجل مقدار اثنى عشر.

أما الصورة التي أوردها الإمام الشافعي فهي تتناول صورة الشراء الكامل من جانب المطلوب منه الشراء. وهو شراء حقيقي يتطلب المرور بذمته وذلك بدليل أن هناك حاجة إلى إجراء عقد البيع اللاحق فإذا لم يتم عقد ذلك البيع فلا بيع بينهما.

فهنا لا بد من وجود اتفاقين منفصلين يتضمن الأول منهما المواعدة ثم يتم في الثاني إتمام العقد وذلك أمر قد يتحقق وقد لا يتحقق، حيث يحتلم عدم وجود السلعة أو عدم تمكن المأمور بالشراء من الحصول عليها بالسعر الذي يحدده الآمر أو بالوصف الذي يطلبه.

ثم قد يحدث التملك ولكنه يعجز عن التسليم إلى غير ذلك من أحوال.

(1) الشرح الصغير ج 3ص 129 طبعة دار المعارف نقلًا عن كتاب القرضاوي – بيع المرابحة للآمر بالشراء صفحة 55

(2)

الشرح الصغير ج 3 ص 129 طبعة دار المعارف نقلًا عن كتاب القرضاوي – بيع المرابحة للآمر بالشراء، صفحة 55

ص: 814

ب- الاعتراض الوارد على مسألة الإلزام بالوعد:

أثار العديد من الكاتبين في موضوع المرابحة مسألة الإلزام في المواعدة التي تتضمنها صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء.

وقد تعددت وجهات النظر المطروحة حول هذه المسألة:

أ- فهناك من يرى لزوم الوعد لطرفي الاتفاق وهما التزام الآمر بالشراء فيما يعد بشراء ما أمر به، وكذلك التزام المطلوب منه ببيع ما يشتريه بناء على طلب الآمر.

وهذا الرأي هو ما أخذت به لجنة الفتوى في المملكة الأردنية الهاشمية عند مناقشة مشروع قانون تأسيس البنك الإسلامي الأردني (1) ، كما أخذ به كذلك بيت التمويل الكويتي وبنك دبي الإسلامي وهو رأي له ما يبرره من ناحية الوفاء بالعهود ودين الإسلام، كما ينسجم مع الاتجاه الذي اختاره القانون المدني الأردني المستمد من الفقه الإسلامي من ناحية اعتبار الوعد ملزمًا.

ب - وهناك من يرى لزوم الوعد بالنسبة للمطلوب منه حيث يكون هو ملزمًا بالبيع أما الآمر بالشراء فهو غير ملزَم.

وهذا هو ما علمت من الأستاذ الفاضل الدكتور صديق الضرير أنه أفتى به لبنك فيصل الإسلامي المصري، ولم أستطع أن أفهم سببًا لهذا التفريق بلا موجب لوجود هذا الفرق.

جـ- وهناك من يرى عدم لزوم الوعد للجانبين حيث يكون كل منهما حرًّا في أن يكمل العملية ليبيع المطلوب منه ما اشتراه بناء على طلب الآمر أو يعدل عن ذلك كما يشاء، وكذلك يكون الآمر حرًّا في أن يشتري ما أمر به أو يعدل عن الشراء.

وهذا ما يراه البعض من الكاتبين في الفقه الإسلامي الذين تصدوا للمسألة وخالفوا مسألة القول بلزوم الوعد، ومن أبرزهم الأستاذ الدكتور محمد سليمان الأشقر الباحث بموسوعة الفقه الإسلامي بالكويت والدكتور رفيق المصري الباحث بمركز الاقتصاد الإسلامي التابع لجامعة الملك عبد العزيز في جدة والدكتور على السالوس الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة قطر والدكتور حسن عبد الله الأمين الباحث بالمعهد الإسلامي للتدريب والبحوث التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة.

(1) انظر – مجموعة أعمال اللجنة التحضيرية للبنك الإسلامي الأردني – تجميع مقرر اللجنة التحضيرية (الدكتور سامي حمود) مطبوعة على الآلة الكاتبة، الصفحة 21

ص: 815

وقد تنوعت وجهات النظر المثارة حول هذه المسألة بحيث يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1-

إن القول الوارد في مذهب الإمام مالك في الإلزام بالوعد إنما يتعلق بمسائل المعروف والإحسان دون عقود المعاوضات.

وهذا الاعتراض لا يتفق مع المثل الإسلامية التي توجب الوفاء بالوعد فإن قيل بأن الوفاء واجب ديانةً وليس قضاء، فنقول: وماذا يمنع من انتقال الإلزام من منطقة الأخلاق إلى منطقة الإلزام بالقضاء؟ ثم أليس الوفاء بالعهود هو مما أمر به الله تعالى؟

2-

أما النقطة الثانية وهي الأقوى في الاستدلال على عدم صحة اشتراط لزوم الوعد فهي ما احتج به الفريق الذي يرى أن كلام الإمام الشافعي نفسه ينفي هذا الإلزام بدليل ما جاء في آخر العبارة المنقولة عن كتاب الأم بقوله (رحمه الله تعالى) : " وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما أنه تبايعاه قبل (أن) يملكه البائع والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا ".

وإن من يعيد قراءة النص فيما كتبه الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – يجد أن المقصود هو قيام المتواعدين بإلزام نفسيهما بالبيع بأن قال أحدهما للآخر بعتك بالمرابحة ما سوف أشتريه بناء على طلبك. ولكن الحال الواقع في صيغة المرابحة للأمر بالشراء أن هناك مرحلتين منفصلتين هما:

- مرحلة المواعدة ومرحلة المبايعة وبينما فاصل زمني هو حضور البضاعة أو التمكن من إبرام العقد عليها.

وهذا بخلاف الإلزام بالبيع مسبقًا حيث يصبح العقد باتًّا، أما كون الواعد ملزمًا فإنه يفيد الإجبار على إبرام العقد حيث يمكن أن يتحقق ذلك أو لا يتحقق، فإذا أمكن تحقيق التنفيذ بإبرام عقد البيع كان به، وإلا كان هناك محل للمطالبة بجبر الضرر الواقع على أحد الطرفين المتواعدين والذي قد يكون المصرف الإسلامي أو من يتعامل معه.

وهذا هو مبرر القول بالإلزام في المواعدة، وذلك لأنه وكما جاء في الحديث النبوي- ((لا ضرر ولا ضرار))

فإذا طلب شخص من المصرف الإسلامي شراء آلة هي عبارة عن جزء متمم في مجموع الآلات المتوفرة في المصنع الخاص به ثم فرضنا أن هذا المتعامل قد عن له (لأي سبب كان) أن يعدل عن شراء الآلة التي طلب شراءها، فكيف يتحمل المصرف اٍلإسلامي الخسارة التي قد تكون كبيرة في مثل هذه الحال لأنه لا مصلحة لأحد في شراء هذه الآلة إلا الطالب لها؟.

وقد يكون الحال على النقيض من ذلك بأن يستغل المصرف الإسلامي حاجة الطالب للآلة فيمتنع عن الوفاء بما وعد مما يتسبب في إيقاع الضرر بصاحب الحاجة.

ص: 816

وإن وقوع مثل هذه المحاذير أمر ممكن عمليًّا ولا يمكن التغاضي عن مصالح الناس بحجة أن الوعد في الإسلام ملزم ديانةً وليس ملزمًا قضاء مع أن أمر الله واضح بالوفاء بالعهود وكذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للإخلاف في الوعد بأنه أحد آيات النفاق، فقد ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .

وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو حيث جاء فيها ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر))

وإذا كان الوفاء بالوعد هو من مكارم الأخلاق ، فماذا يمنع أن تكون هذه المكارم مؤيدة بالزواجر القانونية التي تمنع الإخلال بهذا البنيان المتكامل؟

ولعل أبلغ رد حول مسألة الإلزام بالوعد فيما يدخل أحد طرفي المواعدة في كلفة أو يعرضه للضرر فيما لو لم يتم تنفيذ المواعدة: هو ما نقله الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي عن تطور نظرة الفقه الحنفي في مسألة عقد الاستصناع.

فقد ولد هذا العقد في الأصل تحت مظلة الاعتراض عليه من الأساس باعتباره بيعًا لمعدوم ولكن أجيز التعامل به عند الحنفية استحسانًا نظرًا لتعامل الناس به وعموم الحاجة إليه.

ولكن اختلف شيوخ الفقه الحنفي في تكييف عقد الاستصناع من حيث اعتباره مواعدة أم مبايعة، كما اختلف النظر كذلك في مسألة الخيار للمستصنع إذا رأي الشيء المتفق على صنعه حيث بدأت المسألة بتقرير الخيار طالما أن المشتري قد اشترى ما لم ير، وهذا هو المفتى به عن قول أبي حنيفة ومحمد.

وذهب أبو يوسف إلى أنه لا خيار لأي من الصانع والمستصنع، أما الصانع، فلأنه بائع باع ما لم يره، وأما المستصنع فلأن الصانع أتلف ماله بتحويله من مادة خام إلى مادة مصنوعة، فلو ثبت الخيار للمستصنع لتضرر الصانع، لأن غيره لا يشتريه بمثله. (1)

(1) انظر – د. يوسف القرضاوي، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية مرجع سابق، الصفحات 105- 106

ص: 817

ويذكر الأستاذ الدكتور القرضاوي أن مجلة الأحكام العدلية عدلت عن قول أبي حنيفة ومحمد المفتى به في المذهب، والذي يجعل الخيار للمستصنع بعد إنجاز المصنوع رغم أنه مطابق للمواصفات المتفق عليها، وأخذت بقول أبي يوسف فيما يراه بعدم الخيار وإلزامه بأخذ المصنوع، وهذا ما نصت عليه المادة 392 من مجلة الأحكام العدلية (1) .

وقد نقل الدكتور القرضاوي التقرير الذي قدمت له مجلة الأحكام العدلية بالنسبة لهذه المادة وهو التقرير الذي نرى الفائدة في نقله عنه كما أورده حيث جاء فيه ما يلي:

" وعند الإمام الأعظم (أبي حنيفة) أن المستصنع له الرجوع بعد عقد الاستصناع،وعند الإمام أبي يوسف – رحمه الله تعالى – أنه إذا وجد المصنوع موافقًا للصفات التي بينت وقت العقد فليس له الرجوع، والحال أنه في هذا الزمان قد اتخذت معامل كثيرة تصنع فيها المدافع والبواخر ونحوها بالمقاولة، وبذلك صار الاستصناع من الأمور الجارية العظيمة، فتخيير المستصنع في إمضاء العقد أو فسخه يترتب عليه الإخلال بمصالح جسيمة

لزوم اختيار قول أبي يوسف – رحمه الله تعالى في هذا – مراعاة المصلحة الوقت، كما حرر في المادة الثانية والتسعين بعد الثلاثمائة من هذه المجلة (2) .

ولعل في هذا النقل المتوسع فيه بعض الشيء دليلًا ينير الطريق أمام بصائر البعض ممن يصرون على موقف التشدد الذي قد تضيع معه حقوق الناس وتنعدم ظروف الاستقرار في المعاملات وما يؤدي إليه ذلك من خسائر تعود على المجتمع بأفدح الأضرار.

وإنه تبعًا لذلك، فإن على من يقول بعدم الإلزام في الوعد أن لا يسقط من اعتباره مبادئ الشريعة الإسلامية العادلة التي منعت الإضرار بالناس، بل إن الشريعة تمنع إضرار الإنسان بنفسه علاوة منع إضرار الإنسان بأخيه الإنسان.

فهل تسمح قواعد شريعة العدل والإحسان أن يأتي إنسان بالسلعة المطلوبة بناء على وصف محدد من الآمر طالب الشراء وكما يراه ويرغبه ثم يبادر هذا الآمر بالنكول والعدول لسبب أو بلا سبب لكي يقع المأمور في الضرر؟

(1) بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية صفحة 106

(2)

بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية ، صفحة 106

ص: 818

قد يقول قائل إن السوق موجود والسلعة تباع لغيره. وهذا صحيح في المثليات العامة ولكن ما هو الموقف في الطلبات المخصصة مثل آلة الأشعة للطبيب المختص أو محرك السيارة الخاصة لنوع ميعن أو إطارات طائرات البوينج؟

وكما قد يحدث الضرر للمأمور إذا قلنا بحق العدول للآمر، فإن الضرر قد يحدث لهذا الأخير إذا عدل المأمور عن بيع ما يكون الأمر قد طلب منه شراءه.

فلو أن مقاولا ملتزما بتوريد أجهزة مخبرية لمستشقى الجامعة مثلا، وجاء يطلب من المصرف الإسلامي شراء هذه الأجهزة على أساس المواعدة بالمبايعة مرابحة، ثم خطر للمصرف الإسلامي أن يعدل عن البيع استعمالًا لحقه المزعوم بعدم الإلزام، فإن المقاول يتعرض للتغريم ونزول سمعته بل ودرجته.

فأي ضرر أعظم من هذا الضرر؟ وهل يستطيع العالم المسلم وهو يتحسس حقيقة مصالح الناس التي جاءت الشريعة لحفظها أن يتجاهل هذه الأمور لكي يتمسك بمقولة أن الوفاء بالوعد هو من مكارم الأخلاق وأن تنفيذ الوعد ملزم ديانة وليس ملزمًا بالقضاء؟

إن مكارم الأخلاق هي مرحلة متقدمة جدًا في الرقي الاجتماعي ولكن عندما تصل المسألة إلى انفتاح أبواب الضرر والإضرار فإن ولي الأمر يتدخل لحفظ مصالح الناس، ومن هنا وجد ميدان العقوبات التعزيزية مجاله الخصيب حيث يستطيع الراعي لشؤون الرعية أن يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدثون من الفجور.

والرأي الذي نراه فيما يتعلق بمسألة المواعدة هو اختيار أحد المرتكزات التالية:

1-

النظر إلى أن الأمر المطلوب ديانة يمكن أن يصبح ملزمًا قضاء إذا أمر ولي الأمر بذلك تحقيقا لمصلحة عامة يتعلق بها استقرار المعاملات وذلك على النحو الذي اتجه إليه التقنين الأردني في القانون المدني.

فلا يظن أن هناك مخالفة شرعية عندما يختار ولي الأمر الانتقال بالمسألة الواجبة الوفاء ديانة بالاتفاق ليجعلها واجبة الوفاء بالقضاء وذلك لأن أمر ولي الأمر واجب الطاعة ما لم يأمر بمعصية وليست هناك معصية في إكساء صفة الإلزام على المواعدة فيما هو جائز شرعا.

ص: 819

2-

اعتبار الموازنة في الحقوق عند تقرير الاستمساك بمبدأ عدم الإلزام بحيث لا يترتب على ذلك الأمر إضرار بأحد الطرفين المتواعدين، فإذا لم يكن هناك إجبار على التنفيذ فإنه لا بد من النص الصريح بأن الناكل عن تنفيذ الوعد يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يصيب الموعود من جراء هذا النكول وذلك باعتبار هذا الواعد الناكل مسببا في إحداث الضرر للموعود حين أمره بشراء شيء لم يكن ليشتريه لولا الوعد الذي أعطاه الأمر بشراء ذلك الشيء.

ولا بد من أن يشمل هذا الضرر رأس المال والربح الذي كان متفقا عليه بين المتواعدين بما في ذلك مصاريف الحفظ والتخزين والمتابعة وسائر الأضرار المباشرة.

فلو طلب شخص من المصرف الإسلامي مثلا شراء آلة نسيج وجاءت الآلة بحسب المواصفات المطلوبة تماما، ونكل الآمر عن شراء الآلة التي كان طلب من المصرف شراءها على أساس الوعد بالشراء مرابحة بمقدار 10 % من التكلفة، فإن المصرف الإسلامي يمكنه أن يعرض هذه الآلة للبيع.

- فإن كان الثمن الذي بيعت به معادلا لما كان متفقا عليه مع الآمر بما في ذلك الربح والمصاريف المدفوعة لإجراءات البيع، فلا يكون هناك ضرر على المصرف ولا مجال لمطالبة الآمر بالشراء بأي تعويض.

- وإن كان الثمن أعلى من ذلك فإن الزيادة تعود للآمر وذلك في مقابل الغرم الذي كان سيتحمله لو كان الثمن أدنى حيث يعود المصرف الإسلامي عليه بما يلحقه من ضرر مادي واقع فعلا.

وهذا هو الميزان العادل الذي توزن به الحقوق ويحال فيه بين الناس وبين أهواء الاشتهاء لأكل أموال الناس بالباطل.

ص: 820

جـ- نقطة المخاطرة برأس المال:

أثار هذه النقطة الجديدة الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي في لقاء جمعنا فيه السفر بالطائرة من عمان إلى جدة يوم 26 /9 / 1988 وقد كان الدكتور عبادي عضوا في لجنة الفتوى الأردنية التي ناقشت مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني قبل أحد عشر عاما، كما أنه عايش تطبيق هذه المعاملة في الواقع الذي مارس البنك الإسلامي الأردني نشاطه في هذا المجال.

وقد بنى الأخ الدكتور العبادي نظرته على أساس أنه يرى أن حق المال في الربح مبنى على المخاطرة التي تتمثل في إمكان تغير الأسعار أو تلف البضاعة أو ظهور عيوب فيها إلى آخر ما هنالك من أسباب.

وبما أن بيع المرابحة للآمر بالشراء هو تعاقد مبني على المبايعة حقيقة وليس صورة، فإن هذه المبايعة يجب أن يكون محلها سلعًا تقبل طبيعتها أن تكون محلا للمخاطرة المحتملة. فلا يجوز مثلا شراء الأرض على أساس المرابحة للآمر بالشراء لأن الأرض لا تتعرض لخطر التلف أو الهلاك وهي ليست محلًا لإثبات العيوب الموجبة لرد المبيع مثلا.

وقد استدل الدكتور عبادي من هذا الطرح للمسألة أن بيع المرابحة للآمر بالشراء يجب أن يكون استعماله محددا بدائرة تتفق مع طبيعة السلعة التي تتوافق مع هذه الصيغة.

وهذه النظرة لها وجاهتها حيث إن لكل عقد دائرة اختصاص يصلح لها ويناسبها حيث لا يناسب العقد الآخر. فالإيجار هو مبادلة منفعة بمال مثلا في حين أن البيع مبادلة مال من جنس معين بمال من جنس آخر.

ولكن الذي أراه بعد توزين المسألة بصورة متأنية أن سبب المشروعية البيع الذي أحله الله ليس مبنيا على أساس الخطر المحتمل إنما أحل الله البيع – والله أعلم – لأن فيه تحويلا للمال وذلك على خلاف الربا الذي يحصر التداول بين الدائن والمدين.

ص: 821

فالبيع يشتمل على شراء السلعة من الطرف الآخر والذي قد يكون وسيطا أو منتجا حيث يدور المال دورته في المجتمع.

ولو أننا سلمنا باشتراط توفر الخطر المحتمل لكان هناك إمكان اعتراض على كثير من العقود لفقدان الضابط في المعيار.

فإذا كانت الأرض لا تنقص ولا تستهلك وبالتالي فإنها لا تصلح للتعاقد على شرائها بالمربحة للآمر بالشراء حيث لا توجد مخاطرة برأس المال، فماذا يكون الموقف لو كان المبيع آلة كالسيارة مثلا حيث يتعهد البائع الأول بتحمل تبعة الهلاك إلى أن يتسلمها المشتري الأخير وكذلك مسؤولية رد السيارة لوجود العيب الخفي الذي قد يكتشفه المشتري الثاني؟..

فالواضح هنا أن البائع الأول الوسيط هو في موقع الضمان والأمان بحيث إنه لا يتحمل تبعة الهلاك إلى أن يتسلم السيارة المشتري الأخير ويوافق على شكلها ووصفها ونوعها، وكذلك فإنه لا يتحمل مسؤولية الرد للعيب وإن كان يتلقاه إلا أنه ينقله مباشرة إلى البائع الأصلي.

لذلك فإني الذي نراه – والله أعلم – أن العبرة في البيع الحلال هو تحول المال من صورة إلى صورة وذلك لأن راس المال النقدي هو أداة وساطة.

ولعل هذا هو ما يرشد إليه ذلك التوجيه الذي رد به الرسول صلى الله عليه وسلم تصرف بلال رضي الله عنه – حين أتاه بتمر خيبر وكله من الجنيب " النوع الجيد " فقال له صلى الله عليه وسلم حين أعلمه بلال بأنه قد قايض صاعين من الجمع ((التمر غير الجيد)) بصاع من الجنيب، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – ((يا بلال إنه عين الربا، إذا أردت ذلك فبع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبًا.))

وهذا يدل – في نظر الباحث – أنه عندما كانت العلاقة ثنائية فإن التبادل قد ظل محصورًا بين من يملك التمر بأنواعه (من الجمع والجنيب) فكان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حقيقة التداول عن طريق توسيط النقود حيث يتحول التمر من الجمع إلى نقود وتتحول النقود إلى التمر الجنيب. فيستطيع من يملك النقود وليس لديه تمر أن يشتري بنقوده تمرا، كما يستطيع من يملك التمر ولا يجد النقود أن يبيع التمر بالنقود.

لذلك فإن مبنى البيع في نظرنا هو تحول المال من صورة إلى صورة أخرى لما في ذلك من منافع للمجتمع المتكافل حيث يريد الله للناس أن يسيروا في طريق الخير ليبتغوا من فضل الله، وهذا هو المقصود والله أعلم بالمراد.

ص: 822

خاتمة البحث

يمكن القول في ختام هذه الجولة مع الأفكار المسترشدة بتراث الفقه الإسلامي العظيم أن نصل بالبحث إلى الاستنتاجات التالية:

1-

إن صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء هي إحدى الصيغ المقبولة في التعامل الإسلامي وأن استنادها إلى رأي الإمام الشافعي يكفي – عند أهل العلم – لإعطاء هذه الصيغة الكساء الذي يدخلها في نطاق المعاملات الشرعية المعتبرة.

ويؤيد هذا الاتجاه ما هو متفق عليه في الجملة من ناحية أن الأصل في العقود هو الإباحة ما لم يرد دليل التحريم بسبب ثابت في كتاب الله أو سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو القياس عليهما أو الإجماع على المنع بدليل يتفق عليه أهل العلم، أما فيما عدا ذلك من آراء فردية واجتهادات متأثرة بالأفكار الخاصة بأصحابها فإنها لا تلزم المسلمين للأخذ بها ولو كان صاحبها صادقا بالنسبة لما يراه بفهمه الذي قد يرشده إليه تفكيره. وكم أن المفكر المسلم حر في أن يفكر ضمن إطار الشريعة وحدودها كما يشاء، فإن المسلمين ليسوا ملزمين بالأخذ بما هو أضيق وأشد في حين أن هناك أراء تبسط الطريق لما هو أرحب وأوسع دون الخروج عن حدود ما نهى الله عنه.

2-

إن مسألة الإلزام في الوعد وكونها ملزمة ديانة أو ملزمة قضاء هي من المسائل الاجتهادية التي يحتمل فيها الاختلاف، وإن مراعاة استقرار التعامل ومنع الإضرار بالناس أو حتى منع الناس من الإضرار بأنفسهم – لو أرادوا ذلك – إنما هي من مبادئ الشريعة الإسلامية الخالدة وهي المبادئ التي أرادها الله لعباده لتكون طريقًا للهداية والفوز في الدنيا والآخرة.

وإذا كان هناك من يرى التمسك بالقول بعدم الإلزام في الوعد، فإن منهج العدل في الشرع الإسلامي يستلزم الأخذ بمبدأ التعويض عن الضرر الذي قد يصيب الطرف الذي يتعرض له.

ص: 823

ولا يستطيع مسلم – يقدر شرع الله حق قدره ويستطيع أن يتلمس أصول الشريعة وقواعدها المبنية على العدل الذي يمنع الجور ويقر الرحمة التي تزيل مسببات الضرر والإضرار – أن يتجاهل منطق الشريعة استمساكا بمقولة رأي اجتهادي مبنى على أن الوفاء بالوعد ملزم ديانة وليس ملزما بالقضاء.

وإن ما نسأل به أصحاب هذا الرأي القائلين بعدم الإلزام في الوعد بالقضاء، لأن الوفاء بالوعد هو من مكارم الأخلاق وليس من مقاطع الحقوق فنقول لهم بأن مكارم الأخلاق هي مرحلة متقدمة من مراحل الرقي الاجتماعي وهو الصدق الذي وصلت به بعض الأمم إلى ما وصلت إليه من تقدم في الصناعة والتجارة والأعمال، وأنه لا يمنع في نظرنا أن تصبح مكارم الأخلاق مؤيدة بالزواجر التي تحض على الصدق وتعاقب على الكذب. وأنه عندما تصل الأمور إلى انفتاح أبواب الضرر والإضرار بمصالح الناس. فإن تدخل ولى الأمر لدرء الضرر يكون واجبا وليس مستحبًا فحسب ومن هنا وجد ميدان العقوبات التعزيرية مجاله الخصيب حيث يستطع الراعي لشؤون الرعية أن يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدثون من الفجور.

لذلك فإن ما نراه بالنسبة إلى من يتمسكون إلى النهاية بالرأي القائل بعدم الإلزام بالوعود في العقود مبني على وجوب الأخذ بمبدأ التعويض عن الضرر الذي قد يحصل من جراء هذا النكول. فإذا كان النكول من طرف الآمر بالشراء فلم ينفذ ما وعد بشرائه مما أدى إلى أن يبيع المأمور بالشراء السلعة التي لم يكن ليشتريها لولا هذا الأمر المصحوب بالوعد من قبل الآمر، فإن على الناكل عن الوعد أن يتحمل هذا الإضرار الحاصل لأنه لا يهلك حق في الإسلام. وإذا صدر الإخلال بالوعد من قبل المأمور الذي جلب السلعة المطلوبة منه ثم امتنع عن بيعها للآمر بالشراء مما ترتب عليه قيام الآمر بشراء بدل عنها من السوق بسعر أعلى، فإن ذلك الضرر الذي يتحمله الآمر يجب جبره ويقع عبء ذلك على المأمور بالشراء.

وهكذا تتوازن الأمور في ظلال الشريعة التي أنزلها رب العباد هداية للناس ورحمة بهم عن التظالم والوقوع في الهوى والانحراف عن السبيل المستقيم.

ونسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يزيد الباحثين المتفقهين في شريعته نورًا على نور لكي يبصرنا بالأحكام التي أنزلها الله خاتمة للأديان ومبنية على قواعد العدل والإحسان.

وآخر دعوانا – أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور سامي حسن حمود

ص: 824