المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

‌التأجير المنتهي بالتمليك

والصور المشروعة فيه

إعداد

الدكتور عبد الله محمد عبد الله

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد:

الحمدُ للهِ وصلى الله وسلم على محمد عبد الله ورسوله.. أما بعد.

فقد خلق الله الإنسان وسنَّ له سبيل الهداية والرشاد، فلم يتركه يضرب في الأرض على غير هدى وإنما رسم له معالم الطريق التي توصله إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وفطره على خلتين هما العجز والحاجة، فاضطر تحت وطأتهما إلى الانضمام إلى غيره والتعاون مع بني جنسه حتى يتم العمران وتقوم الحضارات ويتحقق الاستخلاف الذي أراده سبحانه، وقد مهد لذلك بتحقيق هذه الركائز الثلاثة:

الأولى: وجود المادة ويقصد بها جميع الموارد الطبيعية التي أوجدها الله سبحانه، كما قال:{وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} . [الآية 10 من سورة فصلت] .

الثانية: تطويع هذه المادة واستصلاحها لتكون مهيئة ونافعة فكان ذلك بتزويد الإنسان بالفكر واليدين وعن طريقهما يترقى في فنون الصناعات سواء منها ما كان خاصا بعمل الفكر أو بعمل اليد أو كان مشتركًا بينهما.

الثالثة: الشريعة المهيمنة الضابطة المنظمة لأنه لو ترك الناس وشأنهم لتنازعت بهم الأهواء وتباينت المصالح وشاعت الفوضى، كما قال سبحانه:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} . [الآية 71 من سورة المؤمنون] .

وقد تمكن الإنسان في ظل هذه الركائز من تحقيق معنى الاستخلاف الذي هو تنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي كما قال سبحانه: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [الآية 61 من سورة هود] .

وعن هذه الخلافة والاستخلاف قال سبحانه: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} . [الآية 129 من سورة الأعراف] .

ص: 2096

وبيَّن سبحانه أن الغاية من قبل ومن بعد هي عبادة الله والوقوف على شرائعه وهديه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . [الآية 56 من سورة الذاريات] .

ولقد استطاع الإنسان بالميزات التي خصه الباري بها أن يكون غير محدود الاستعداد ولا محدود الرغائب ولا محدود العلم ولا محدود العمل، فهو على ضعف أفراده يتصرف بمجموعه في الكون تصرفًا لا حد له بإذن الله وتصريفه، وكما أعطاه الله تعالى هذه المواهب والأحكام الطبيعية ليظهر بها أسرار خليقته، وملكه الأرض وسخر له عوالمها وأعطاه أحكامًا وشرائع حد فيها لأعماله وأخلاقه حدًّا يحول دون بغي أفراده وطوائفه بعضهم على بعض.

وظهرت آثار الإنسان في هذه الخلافة على الأرض في المعدن والنبات وفي البر والبحر والهواء، فهو يتفنن ويبتدع ويكتشف ويخترع ويَجِد ويعمل حتى غير شكل الأرض، فجعل الحزن سهلًا والماحل خصبًا والخراب عمرانًا والبراري بحارًا أو خلجانًا، وولد بالتلقيح أزواجًا من النبات لم تكن، وتصرف في أبناء جنسه من أنواع الحيوان كما يشاء بضروب التربية والتغذية والتوليد.

فمن حكمة الله أن جعل الإنسان بهذه المواهب خليفته في الأرض يقيم سننه ويظهر عجائب صنعه وأسرار خليقته وبدائع حكمه ومنافع أحكامه.

وقد قال بعض العلماء: إن من لم يصلح لخلافة الله تعالى ولا لعبادته ولا لاستعمار أرضه فالبهيمة خير منه.

وإذا كان نفع العباد ودرء الضرر عنهم من أهم المقاصد التي استهدفت الشرائع الإلهية تحقيقه، فإن الشريعة الإسلامية لها الهيمنة الكاملة والقول الفصل في ذلك كله، فإن جلب المصالح ودرء المفاسد هما اللذان تدور عليهما أحكامه كما يقرر ذلك الشاطبي بقوله:(إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا واعتمدنا في ذلك على استقراء الأحكام الشرعية) ، وإن المصالح التي استهدفت الشريعة الغراء المحافظة عليها هي الكليات الخمس التي لا يمكن لأية حضارة إلا أن تأخذ بها، وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وكانت وسيلة المحافظة عليها حسب الأهمية والخطورة، فكانت المحافظة على الضروريات التي يتوقف عليها حياة الناس الدينية والدنيوية في المقام الأول، ثم تأتي المرتبة الثانية وهي الحاجيات التي هي تؤدي إلى رفع الحرج ودفع المشاق أقرب بحيث يقع الناس عند فقدها في ضيق لا تختل معها أمورهم، ثم تأتي مرتبة التحسينات وهي بمنزلة المحاسن للعادات.

ص: 2097

ووجدنا من علماء الشريعة في كل فن من الفنون من كرس عنايته لتلمس مقاصد الإسلام والوقوف على أسرار التشريع واستنباط الأحكام ومعرفة العلل وحصر الكليات واستقراء الجزئيات لبناء النظريات العلمية القائمة على الفهم الصائب واجتهاد السوي. ووضعوا فيها المؤلفات الخاصة التي ضمنوها ملك الأسرار، وأماطوا بها اللثام عن وجوه المحاسن في التكاليف. ومن لطائف ما نبهنا إليه أبو عبد الله البخاري في كتابه محاسن الإسلام عن البيع والإيجار ما نلخصه في هذه السطور، قال رحمه الله:(البيع معاوضة مال بمال وهو أليق بأحوال الخلق إذ المعطي والآخذ محتاج واللائق بمال المحتاج أن يتصرف على حسب حاجته، فلا يليق به الإعطاء بلا عوض، إنما يليق هذا بمن يكون الغنى له وهو الله، فالمعاوضة أحسن وجوه المعاملة، فإنه فيه صيانة أخيه عن أعباء منته، والإعطاء بلا عوض إدخال حر مثله تحت رق إحسانه، فالبيع اشتمل على مصلحة، وهي أن من احتاج إلى شيء ربما احتاج إلى الأسفار والقوافل وتحمَّل الأخطار ومتى وجده بالبيع قريبًا منه سقط عنه مؤونة الأسفار، وحصل على ما يريد بأهون طريق) .

ولكن ليس كل إنسان بقادر على تملك ما يحتاجه أو ليس دائمًا يرغب في تملك ما يحتاجه، وإن كان قادرًا على تملكه فكانت الحكمة في شرعة الإيجار.

فمصلحة الآجر الحصول على المال مع بقاء العين على ملكه، والمستأجر مصلحته بالوصول إلى المقصود من غير أن يتحمل ما هو فوق طاقته، ولعل هذا هو أهم ما يميز عقد البيع عن عقد الإيجار، ففي عقد الإجارات يبقى الملك لصاحبه مع انتفاع الغير به، أما في عقد البيع فإن الملكية تنتقل إلى الآخر، ويتمحض حقه في البدل وهو الثمن. ولهذا عبر الفقهاء عن ذلك بقولهم: إن البياعات شرعت على حظ الأغنياء، والإجارات شرعت على حظ الفقراء.

فإذا تقرر هذا فإننا سنتناول الموضوع من زوايا ثلاث وهي:

الأولى: حكمه من حيث الوجهة الشرعية وآراء الأئمة والفقهاء.

الثانية: من حيث القانون باعتباره المرجع النهائي عند اختلاف المتعاقدين ومقارنته بآراء الفقهاء.

الثالثة: من حيث الآثار العملية والنتائج المادية المترتبة على هذا النوع من التعامل سواءً أكانوا مستهلكين أم تجارًا.

ص: 2098

التأجير المنتهي بالتمليك من حيث نظر الفقهاء

نتناول الموضوع في ظل هذه النظرية من وجهات ثلاث هي:

أولًا: من وجهة أن الاعتبار في العقود هل هو بظواهرها أم بمعانيها.

ثانيًا: من وجهة اشتمال العقد على شرط وأثره عليه.

ثالثًا: من وجهة نظرية الحيل في الفقه الإسلامي ومدى جواز الأخذ بها.

أولًا- التأجير المنتهي بالتمليك من وجهة النظر الأولى:

وهي هل العبرة في العقود بظواهرها أم بمعانيها. هذه القاعدة بحثها فقهاء الأحناف في الأشباه والنظائر لابن نجيم. وأخذت بها مجلة الأحكام العدلية. وبحثها الإمامان النووي والسيوطي الشافعي في المجموع والأشباه والنظائر وغيرهما وبحثها من أئمة الحنابلة ابن رجب في القواعد وابن القيم في إعلام الموقعين. واختلفت آراؤهم، فمنهم من غلب جانب اللفظ على المعنى، فيأخذ بظاهر اللفظ تاركًا المعنى، وقصد المتعاقدين، ومنهم من غلب جانب المعنى وقصد المتعاقدين على ظواهر الألفاظ ومع هذا، فإنهم لا يهملون جانب اللفظ متى أمكن الجمع بينه وبين المعنى جاء في شرح المجلة لمحمد سعيد المحاسني عند كلامه على المادة الثالثة من المجلة:(إن أي عقد من العقود- سواء كان للمعاوضة- أولًا إنما تتعلق به الأحكام باعتبار ما قصد العاقدان من معناه الذي اتفقا على إيجاده بذلك العقد وإيضاح ذلك أن كلًا من المفردات والجمل الموضوعة لها معانٍ حقيقية تدل عليها بالوضع وتدل أيضًا على معانٍ مجازية لها علاقة بالمعاني الحقيقية، فإن قصد معنى المفردات والجمل الوضعية يكون قد اتحدَّ المعنى الوضعي مع قصد المتعاقدين. وإن قصدت غير معانيها الحقيقية فالأحكام تترتب على تلك العقود باعتبار تلك المعاني المقصودة ولو لم تكن حقيقية. ودليل هذه القاعدة الإجماع المنعقد من سائر البشر؛ لأن المتعاقدين يستخرجان نتائج عقدهما إما عن طريق الحقيقة وإما عن طريق لمجاز؛ فالمتكلم بصيغ العقود، إما أن يقصد التكلم بها أولًا فإن لم يقصد كالمكره والنائم والمجنون والسكران فلا يترتب عليها حكم، وإن قصد التكلم بها وهو يعلم معناها ومدلولها والقصد منها ترتبت أحكامها في حقه ولزمته، وإن لم يقصد معناها ولا غيره يكون هازلًا، وإن قصد غير معناها، فإن قصد ما يجوز له قصده كأن يقصد بقوله هي طالق من زوج كان قبله لا تلزمه أحكام الطلاق ديانة، أما قضاء فإن وجدت قرينة تدل على صدقه صدق وإلا فلا، وإن قصد بها ما لا يجوز قصده من المعاني المحظورة في الشر0ع فلا يعتبر ذلك القصد لأنه ممنوع بذاته، والتوسل به بالألفاظ الموضوعة لمعانٍ مشروعة لا يبطل كونه محظورًا) .

ص: 2099

وقبل المحاسني بسط الإمام ابن القيم تلك العبارات في مؤلفه (أعلام الموقعين: 3/33) بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

صورة مسألة التأجير المنتهي بالتمليك:

وصورة المسألة هو أن يتفق المستهلك مع التاجر على شراء سلعة بثمن محدد يتفقان على تقسيطه على أقساط شهرية، وقد يمتد أمد السداد سنتين أو ثلاثًا أو أكثر ويلبسان هذا العقد ثوب الإيجار، وربما نصا في العقد على أنه بعد انتهاء تلك المدة يملك المستأجر العين محل العقد، فقصد المتعاقدين هو البيع لا الإجارة وإلى هذا أشار الإمام النووي في المجموع ذاكرًا الرأيين وأدلة كل رأي، وهذا نص عبارته: (قال المتولي لو قال وهبت لك هذا بألف أو هذا لك هبة بألف فقبل، هل ينعقد هذا العقد؟ فيه خلاف مبني على قاعدة وهي أن الاعتبار في العقود بظواهرها أم بمعانيها؟ وفيه وجهان:

أحدهما: الاعتبار بظواهرها، لأن هذه الصيغ موضوعة لإفادة المعاني وتفهيم المراد منها عند إطلاقها فلا تترك ظواهرها، ولهذا لو استعمل لفظ الطلاق وأراد به الظهار أو عكسه تعلق باللفظ دون المعنى، ولأن اعتبار المعنى يؤدي إلى ترك اللفظ، ولأنا أجمعنا على ألفاظ اللغة فلا يعدل بها عما وضعت له في اللغة، فيطلق اللفظ لغة على ما وضع له، فكذا ألفاظ العقود، ولأن العقود تفسر باقتران شرط مفسر ففسادها بتغيير مقتضاها أولى.

والوجه الثاني: أن الاعتبار بمعانيها لأن الأصل في الأمر الوجوب، فإذا تعذر حمله عليه حملناه على الاستحباب، وأصل النهي التحريم فإذا تعذر حمله عليه حملناه على الاستحباب، وأصل النهي التحريم فإذا تعذر حمله عليه حملناه على كراهة التنزيه، وكذا هنا إذا تعذر حمل اللفظ على مقتضاه يحمل على معناه، ولأن لفظ العقد إذا أمكن حمله على وجه صحيح لا يجوز تعطيله، ولهذا لو باعه بعشرة دراهم وفي البلد نقود أحدها غالب حملناه على الغالب طلبًا للصحة. قال المتولي: ويتفرع على هذه القاعدة مسائل، منها:

المسألة الأولى: وهي إذا قال وهبته لك بألف، فإن اعتبرنا المعنى انعقد بيعًا، وإن اعتبرنا اللفظ فسد العقد، فإذا حصل المال في يده كان مقبوضًا بحكم عقد فاسد.

المسألة الثانية: لو قال بعتكه ولم يذكر ثمنًا، فإن اعتبرنا المعنى انعقد هبة وإلا فهو بيع فاسد.

المسألة الثالثة: لو قال أسلمت هذا الدينار أو دينارًا في هذا الثوب، فإن اعتبرنا المعنى انعقد بيع عيني وإلا فهو سلم فاسد.

ص: 2100

وقد خصص الإمام ابن القيم مساحة كبيرة في الجزء الثالث من كتابه أعلام الموقعين لبحث مسألة العلاقة بين اللفظ والمعنى ومتى يحمل كلام المتعاقدين على واحد منهما، وبعد أن استرسل في بيان ذلك بين محل النزاع بين العلماء، فقال في (ص121) :(وإنما النزاع في الحمل على الظاهر حكمًا بعد ظهور مراد المتكلم والفاعل بخلاف ما أظهره، فهذا هو الذي وقع فيه النزاع وهو: هل الاعتبار بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنيات بخلافها أم للمقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها؟ وقد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن المقصود في العقود معتبرة وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده وفي حله وفي حرمته، بل أبلغ من ذلك وهي أنها تؤثر في العقد الذي ليس بعقد تحليلًا وتحريمًا فيما هو حلال تارة وحرام تارة باختلاف النية والقصد كما يصير صحيحًا تارة وفاسدًا تارة باختلافها. وهذا كالذبح، فإن الحيوان يحل إذا ذبح لأجل الأكل ويحرم إذا ذبح لغير الله، وكذلك الحلال يصيد الصيد للمحرم فيحرم عليه ويصيده للحلال فلا يحرم على المحرم، فكذلك الرجل يشتري الجارية فينوي أن تكون لموكله فتحرم على المشتري وينوي أنها له فتحل له وصورة العقد واحدة، وإنما اختلفت النية والقصد) .

وهكذا يسترسل في سوق الأمثلة والتطبيق إلى أن قال: (فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها. والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قوله: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) ، فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية وبهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال، وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا ولا يعصمه من ذلك صورة البيع، وإن من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللًا، ولا يخرجه من ذلك صورة عقد النكاح؛ لأنه قد نوى ذلك، وإنما لامرئ ما نوى فالمقدمة الأولى معلومة بالوجدان والثانية معلومة بالنص) .

ويقرر ابن رجب في القاعدة الثامنة والثلاثين: (فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها فهل يفسد العقد، بذلك أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه فيه خلاف: يلتفت إلى أن المغلب هل هو اللفظ أو المعنى) .

ص: 2101

وصرح ابن نجيم في (الأشباه والنظائر: ص207) أن الاعتبار للمعنى لا للألفاظ كما أورد القاعدة السيوطي في (الأشباه والنظائر: ص166)، فقال: القاعدة الخامسة: (هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها) وساق عدة أمثلة منها قوله في (ص167) : لو عقد الإجارة بلفظ البيع، فقال: بعتك منفعة هذه الدار شهرًا فالأصح لا ينعقد نظرًا إلى اللفظ، وقيل: ينعقد نظرًا إلى المعنى. أما مجلة الأحكام العدلية، فقد أدخلت هذه المادة ضمن موادها المائة الواردة في مقدمتها ونصها: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ولذا يجري حكم الرهن في البيع بالوفاء) .

ومن هذا العرض يظهر أن بعض المذاهب يجعل العبرة للمعاني وهم الأحناف، كما ذكر ابن نجيم والمجلة ومنهم من يجعل التغليب للفظ على المعنى وهم الشافعية، وأما الحنابلة، فإن الذي يفهم من قواعد ابن رجب جريان الخلف في المذهب، أما ابن القيم، فإنه يقطع بأن العبرة للقصد، أما المالكية فإن ابن القيم نقل عنهم في الجزء الثالث من (أعلام الموقعين: ص212) بأن القصود عندهم في العقود معتبرة.

ثانيًا: التأجير المنتهي بالتمليك من وجهة النظر الثانية وهي اشتمال العقد على شرط:

أما من حيث النظر إلى الشروط على اعتبار أن أصل العقد بمقتضى هذا النظر مبناه أن الطرفين تعاقدا أصلًا على عقد البيع بالتقسيط مشروطًا بعدم انتقال الملك للمشتري إلا بعد سداد جميع الأقساط. وهو ما يعبر عنه في القانون بالشرط الواقف ونظيره في الفقه الإسلامي العقد المعلق على الشرط طبقًا لنص المادة 82 من مجلة الأحكام العدلية: (المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط أو جعل العقد مفسوخًا إذا لم يقم المشتري بسداد كامل الثمن المتفق على دفعه أقساطًا، وهو ما يعبر عنه بالشرط الفاسخ في القانون ونظيره في الفقه الإسلامي خيار النقد) .

وللشروط أهمية في دنيا التعامل إذ قلما تخلو المعاملات منها خاصة في ميدان التجارة والصناعة، ولشدة حرص أرباب الأموال على حفظ حقوقهم قبل المتعاملين معهم، فلم يجدوا في عقود التوثيق من كتابة وشهادة وضمان ما يكفي لاطمئنانهم وحماية حقوهم، فلجأوا إلى الشروط يستوثقون بها في معاملاتهم.

ص: 2102

وقد فطن واضعوا مجلة الأحكام العدلية إلى أهمية الشروط في دائرة التعامل فضمنوه تقريرهم المرفوع إلى الصدر الأعظم في غرة محرم سنة 1386 هـ ونصه: (ثم إن الأخذ والعطاء الجاري في زماننا أكثره مربوط بالشروط، وهذا مذهب الحنفية. إن الشروط الواقعة في جانب العقد أكثرها مفسد للعقد، ومن ثم كان أهم المباحث في كتاب البيوع فصل البيع بالشرط) ، ثم أورد خلاصة لنظرية الشروط في المذاهب الفقهية وآراء الأئمة ما نكتفي بإيراد هذه العبارات التي تلقي ضوءًا على هذه النظرية، وذلك لاستخلاص وجهة النظر في المسألة المطروحة من واقع ذلك النظر الفقهي، قالوا: (إن أقوال أكثر المجتهدين في حكم البيع بالشرط يخالف بعضها بعضًا، ففي مذهب المالكية إذا كانت المدة جزئية، وفي مذهب الحنابلة على الإطلاق يكون للبائع وحده أن يشرط لنفسه منفعة مخصوصة في البيع

أما ابن أبي ليلى وابن شبرمة ممن عاصروا الإمام الأعظم رضي الله عنهم وانقرضت أتباعهم، فكل منهما رأى في هذا الشأن رأيا يخالف رأي الآخر، فابن أبي ليلى يرى أن البيع إذا دخله شرط أي شرط كان فقد فسد البيع والشرط كلاهما، وعند ابن شبرمة الشرط والبيع جائزان على الإطلاق، فمذهب ابن أبي ليلى يرى مباينًا لحديث ((المسلمون عند شروطهم)) ، ومذهب ابن شبرمة موافق لهذا الحديث موافقة تامة، لكن المتبايعين ربما يشرطان أي شرط كان جائزًا أو غير جائز قابل الإجراء أو غير قابل، ومن الأمور المسلمة عند الفقهاء أن رعاية الشرط إنما تكون بقدر الإمكان، فمسألة رعاية الشرط قاعدة تقبل التخصيص والاستثناء، وبعد أن ساقوا رأي الأحناف في الشروط قالوا إنهم اتخذوا طريقًا وسطًا ومن ثم جوزوا البيع مع الشرط المتعارف على الإطلاق؛ لأن العرف والعادة قاطعان للمنازعة، وإن ما مست الحاجة إليه في تيسير المعاملات يختار لها قول ابن شبرمة.

ثالثًا: التأجير المنتهي بالتمليك من وجهة النظر الأخيرة:

أما بالنسبة للنظر إلى المسألة باعتبارها قصد الطرفين، هو التبايع لا الإيجار، وإنما اتخذ الإيجار وسيلة يتوصل بها البائع إلى صون حقه في العين حتى لا يتصرف فيها المشتري للغير أو يتمكن دائنوه الآخرون من التنفيذ على هذه العين محل التعاقد، فالحيلة كما عرفها ابن نجيم في الأشباه وابن القيم في أعلام الموقعين بأنها نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة.

وقد بسط ابن القيم في الحيل وأنواعها، وذكر أنها تتوارد عليها الأحكام الخمسة، فإن مباشرة الأسباب الواجبة حيلة على حصول مسبباتها، فالأكل والشرب واللبس والسفر الواجب حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على حصول المقصود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها.

فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب أو ترك المحرم، وتخليص الحق، ونصر المظلوم، وقهر الظالم، وعقوبة المعتدي، وتحته التوصل إلى استحلال المحرم، وإبطال الحقوق وإسقاط الواجبات.

ص: 2103

ولكن غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم، كما جاء في الحديث:((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) ، وقسم الحيل إلى قسمين رئيسين:

أحدهما: أن تكون الحيلة في ذاتها حرامًا لكونها كذبًا وزورًا، وحرامًا من جهة المقصود بها وهو إبطال حق وإثبات باطل. (346) وقسم هذا القسم إلى ثلاثة أقسام:

(أ) أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم.

(ب) أن تكون مباحة في نفسها، ويقصد بها المحرم فيصير حرامًا كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة.

(ج) أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك، فيتخذها المتحيل سلمًا وطريقًا إلى الحرام. وقال: هو أهم الأقسام وبه ينحصر الكلام.

وثانيهما: أن يقصد بالحيلة أخذا حق أو دفع باطل، وهو على ثلاثة أقسام:

(أ) أن يكون الطريق محرمًا في نفسه، وإن كان المقصود به حقًا مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده، ولا بينة له فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق ومثل أن يطلق الرجل امرأته ثلاثًا ويجحد الطلاق ولا بينة لها، فيقيم شاهدين يشهدان أنه طلقها ولم يسمعا الطلاق منه. ومثل أن يكون عليه لرجل دين، وله عنده وديعة فيجحد الوديعة فيجحد هو الدين أو بالعكس، ويحلف ما له عندي حق أو ما أودعني شيئًا

فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود.

(ب) أن يكون الطريق مشروعًا وما يقضي إليه مشروع، وهذه هي الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة.

(ج) أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره فيتخذ هو طريقًا إلى هذا المقصود الصحيح وله أمثلة:

المثال الأول: إذا استأجر منه دارًا مدة سنتين بأجرة معلومة فخاف أن يغدر به المكرى في آخر المدة، ويتسبب إلى فسخ الإجارة بأن يظهر أنه لم تكن له ولاية الإيجار وأن المؤجر ملك لابنه أو امرأته، أو أنه كان مؤجرًا قبل إيجاره، ويبين أن المقبوض أجرة المثل لما استوفاه من المدة وينتزع المؤجر له منه، فالحيلة في التخلص من هذه الحيلة أن يضمنه المستأجر درك العين المؤجرة له أو لغيره، فإذا استحقت أو ظهرت الإجارة فاسدة رجع عليه بما قبضه منه.

المثال الثاني: أن يخاف رب الدار غيبة المستأجر ويحتاج إلى داره، فلا يسلمها أهله إليه، فالحيلة في التخلص من ذلك أن يؤجرها ربها من امرأة المستأجر ويضمن الزوج أن ترد إليه المرأة الدار وتفرغها متى انقضت المدة أو تضمن المرأة ذلك إذا استأجر الزوج.

المثال الثالث: أن يأذن رب الدار للمستأجر أن يكون في الدار ما يحتاج إليه أو يعلف الدابة بقدر حاجتها، وخاف أن لا يحتسب له ذلك من الأجرة، فالحيلة في اعتداده به عليه أن يقدر ما تحتاج إليه الدابة أو الدار، ويسمى له قدرًا معلوما ويحسبه من الأجرة ويشهد على المؤجر أنه قد وكله في صرف ذلك القدر فيما تحتاج إليه الدار أو الدابة.

أما وقد انتهينا من بسط الموضوع من الوجهة الشرعية من حيث النظريات الثلاث فنشرع في بيان حكم المسألة من وجهة النظر القانونية:

ص: 2104

نظر القانون إلى التأجير المنتهي بالتمليك

يطلق القانونيون على التأجير المنتهي بالتمليك اسم الإيجار الساتر للبيع أو في إيجار المقترن بوعد البيع ويعدونه مرحلة تالية لصورة البيع بالتقسيط تدرج إلى صورة الإيجار الساتر للبيع، ثم تدرج إلى صورة ثالثة هي الإيجار المقترن بوعد بالبيع.

والغاية التي يهدف البائع إليها من وراء ذلك هو أولًا أن يأمن من تصرف المشتري بالمبيع، أنه لو تصرف في الصورتين السابقتين لكان مبددًا باعتباره مستأجرًا لا مالكًا ولا مشتريًا.

وأما الأمر الثاني فهو أن يأمن مزاحمة الدائنين الآخرين في حالة إفلاس المشتري لأنه لو أفلس، وهو لا يزال مستأجرًا فإن البائع لا يزال مالكًا للمبيع فيستطيع أن يسترده.

الصورة الأولى في القانون أن يتفق المتعاقدان على وصف عقد البيع بأنه إيجار ويصفان أقساط الثمن بأنها أجرة، ويتفقان على أنه إذا وفَّى المشتري بهذه الأقساط انقلب الإيجار بيعًا وانتقلت ملكية المبيع إلى المشتري.

الصورة الثانية: وفي هذه الصورة لا يتحدث العاقدان عن البيع أصلًا في عقد الإيجار، ولكنه مقترن بوعد بالبيع إذا أبدى المستأجر رغبته في الشراء خلال مدة الإيجار، وهذه الصورة تحتها فرضان:

أولهما: أن يكون المتعاقدان يريدان في الحقيقة بيعي بالتقسيط منذ البداية ويعد البائع المشتري البيع على شرط وفاء المستأجر بأقساط الإيجار في مواعيدها، وأن يجعل الثمن في حالة ظهور رغبة المستأجر في الشراء هو أقساط الإيجار، وقد يضاف إليها مبلغ رمزي في هذا الغرض يكون العقد بيعًا بالتقسيط لا إيجارًا.

الثاني: أن يعقد المتعاقدان إيجارًا جديًّا يقترن به وعد البيع ولكن بثمن جدي مستقل عن أقساط الأجرة ويتناسب هذا الثمن مع قيمة العقد، وتكون الأقساط المدفوعة هي أقساط الأجرة، وليس بأقساط الثمن وفي هذه الحالة يكون العقد السابق إيجارًا لا بيعًا بالتقسيط.

وقد نص القانون المدني المصري الجديد في المادة 430 فقرة 4 على أنه تسري أحكام الفقرات الثلاث السابقة ولو سمى المتعاقدان البيع إيجارًا.

ص: 2105

أما القانون المدني الكويتي فإنه لم يرد فيه نص خاص ولكن يفهم من المادتين193، و194 في شأن تفسير العقد وتحديد مضمونه أن العبرة بالنية المشتركة للمتعاقدين من مجموع وقائعه وظروف إبرامه دون الوقوف عند مجرد معاني ألفاظه وعباراته.

مقارنة بين النظريتين الفقهية والقانونية:

يظهر مما سبق أن القانون من الرأي الراجح في مذهب الأحناف الذي يغلب الإرادة الباطنة على الإرادة الظاهرة أو الصيغة التي يتعامل المتعاقدان بها.

الآثار العملية والنتائج المترتبة على هذا النوع من التعامل

بينَّا فيما سبق، قصد التاجر من التعامل بهذا النوع من المعاملات هو الحصول على قدر أكبر من الحماية والاستيثاق، فلم يعد كافيًا في نظره ما يخوله القانون من ضروب عقود الاستيثاق سوى منها تلك التي تتعلق بتوثيق العقد وإثباته عن طريق الكتابة أو الشهادة أو تلك العقود التي توفر الضمان للدائن كعقود الرهن والكفالة أو تلك التي تتعلق بالتنفيذ على أموال المدين أو شخصه عن طريق بيع أمواله أو تهديده بالحبس، فلجأ إلى هذا الأسلوب الذي لم يعد أيضًا كافيًا لاطمئنان التاجر إذ هو أيضًا يخضع لجملة عوامل عند نشوب الخلاف بين المتعاملين، فهو يخضع أولًا للقانون الذي نشأ في ظله العقد، فقد ذهبت بعض القوانين إلى النص صراحة على جعل مثل هذا العقد صورة من صور البيع بالتقسيط وبالتالي جريان أحكام البيع على هذا النوع من العقود. وتركت بعضها الآخر الرأي للقضاء عن طريق التفسير والتكييف مع تغليب جانب القصد والنية على ظواهر الألفاظ في العقود، ثم إنه فرض تغليب ظاهر اللفظ على النية المشتركة فإنه عند هلاك المبيع يكون الهلاك على ضمان البائع إذا لم يكن للمستأجرين تسبب في عطب المبيع.

من هذا كله نرى أن يكون التعاقد من أول الأمر مبناه الوضوح والصدق، إذ هو أقرب إلى الحق وأدنى إلى ما يهدف إليه الإسلام في ميدان التعامل.

والله ولي التوفيق.

الدكتور عبد الله محمد عبد الله.

ص: 2106