المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

‌الوفاء بالوعد

إعداد

الشيخ شيت محمد الثاني

عضو مجمع الفقه الإسلامي

بجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فرض على العباد أداء الأمانة وحرم عليهم المكر والخيانة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يرجو بها النجاة يوم القيامة وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي ختم الله به الرسالة صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الموصوفين بالعدالة وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فقد اخترت أن أكتب في هذا الموضوع الشريف وهو: الوفاء بالوعد الذي هو فضيلة من الفضائل الحميدة المطلوبة من المؤمنين، لأنه أمانة فرضها الله تعالى كرد الودائع وأمرهم أن يؤدوها حق الأداء وأوجب عليهم حفظها لأنها اعظم وسائل الفلاح والنجاح، ومن الوفاء بالوعد أن يوجب الإنسان على نفسه شيئًا يتبرع به من عبادة أو صدقة أو دين أو نذر أو غير ذلك، أو وعد به أخاه من إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات مما لو لم يوجبه على نفسه لم يلزمه، وإذا نذر شخص شيئًا بنفسه فعليه أن يوفي نذره، وقد قال الله تعالى في شأن المؤمنين الصالحين {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان (7) ]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى)) .

فالمؤمن لابد له من الوفاء بالوعد الذي أوجبه على نفسه، وكان المثل يضرب بوفاء العربي، لأن قبائل العرب كانوا يحفظون العهد ويوفون بالوعد ويكرهون الغدر، وفي الكتب الأدبية والتاريخية أمثلة كثيرة تدل على مغالاة العرب في الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة، ولا عجب: فالأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

إن ضياع الوفاء وضياع الأمانة سبب ضياع الأمور بين عالمنا اليوم، ولعدم الوفاء يخون المرء بني جنسه ويضيع الأمن بين الزوج والزوجة وبين المعلم وتلامذته وكذلك بين البائع والمشتري وبين الحكومة وموظفي الدولة وبين الأئمة في المساجد وجماعاتهم، وبين سائقي السيارات والطائرات وركابها وبين المحب وحبيبه، فكان ذلك مما يسبب تأخر المسلمين وعدم الاستقامة في العالم أجمع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) .

ص: 677

فإذا أردنا عزة الإسلام ورفعة شأنه الأعلى، فعلينا بالوفاء وحفظ الأمانة حتى تكون معاملتنا مع الغير مأمونة محفوظة في إنشاء المصانع والمكاتب والمطابع والأسواق المالية والمعاملات في البيع والشراء والبنوك الإسلامية وبناء المساجد والمنازل والمساكن للضيوف والمسافرين ومستأجريها.

وقد حثنا الإسلام على الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة حتى نكون مسلمين بمعنى الإسلام، ومن الناس من ليسوا مسلمين وكان لديهم الإسلام ولكن في التعامل، وقد علمنا في الحقيقة أن الدين الإسلامي دين الدنيا والآخرة إرشادًا وتعليما.

لا شك أن للوفاء بالوعد وحفظ الأمانة آثارًا ظاهرة في حياة الإسلام والمسلمين، وما تؤكده أصوات المؤمنين التي ترتفع في الحاضر داعية إلى الأخذ بأحكام الدين منهاجًا للحياة يحمي المجتمع الإسلامي من التيارات، ولا شك أن الرغبة الشديدة لدى الشعوب المسلمة في العودة للأخذ بأحكام الدين، من شأنها أن تمهد الطريق أمام الكثير من القيم والأخلاق والفضائل التي أولها الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة، لتأخذ مكانها في حياة الناس دون اضطراب أو قلاقل، لأن الواقع المعاصر داخل بلاد العالم الإسلامي يؤكد وجود صحوة إسلامية طيبة تتمثل في الرغبة القوية لدى الشعوب المسلمة في العودة إلى أحكام الدين الحنيف، وعلينا أن لا نفرح أنفسنا إلى أقوال الذين قالوا إن أكثر الذين تمسكوا بالدين أقل أخلاقًا من الذين تخلوا عنه وتمسكوا بعلم الأخلاق، وفي الحقيقة أنهم بنوا حكمهم هذا على قياس الاستقراء والتمثيل غير أن كلامهم هذا لا يرفض كله كما لا يقبل كله.

وقد قيل إن الغربيين اليوم أحسن أخلاقًا في الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة وأدائها مع حسن المعاملة في البيع والشراء وفي الصناعات ورعاية حقوقها، ومن أراد التحقيق فليقارن بين معاملة التجار المسلمين وبين معاملة التجار الغربيين في أوروبا وأمريكا يجد الفرق واضحًا، وكذلك الأمر في الأعمال الإدارية، ولعل ذلك مما حمل الإمام محمد عبده على القول عند رجوعه إلى بلاده من أوروبا في أوائل هذا القرن:" وجدت هناك الإسلام ولا مسلمين، وهنا المسلمين ولا إسلام" فإن واجب المسلمين في هذا المجال عظيم ولا بد من الانطلاق لتحقيق الغايات المرجوة، ويجب اعتماد القيم والتعليم الإسلامي منهاجًا لتيسير حياة الناس في هذه الآونة.

وإذا كانت الرغبة الشديدة لدى الشعوب المسلمة في العودة للأخذ بأحكام الدين الإسلامي، فعلينا أن نرجع إلى الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة الذي أمرنا بهما القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن الناس من هو ظالم لنفسه ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، كبعض أئمة الجوامع وجماعاتهم يطلبون مساعدات مادية كانت أو معنوية لبناء المساجد أو المدارس أو لفتح المصنع الجديد، ومنهم الذين يجمعون الزكاة من أصحابها ويعدون بتوزيعها للفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل، ولا يوفون بالوعد ولا يؤدون الأمانة إلى أهلها، ويقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، وينسون قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل (.9) ]، وفي الحديث الشريف:" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

ص: 678

ولقد أذن الإسلام للمسلمين بطلب الرزق والأموال والثروة على الوجه الحلال دون الحرام، وأمر باكتساب المعيشة والتعاون بين الأفراد والجماعات، وفرض الله الزكاة على الأغنياء أن يؤدوها للفقراء والمساكين والمستحقين لها والتكافل الاجتماعي في إطعام الجائع والمحتاج، وأمرنا الإسلام بطلب الرزق على الوجه الشرعي دون الحرام لقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة (.1) ]، وقال أيضًا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة (172) ]، وفي الحديث الشريف:" نعم المال الصالح للرجل الصالح ". وقال أيضًا: " التمسوا الرزق في خبايا الأرض"، ثم قال:" ما أكل أحد طعامًا قط خيرا من أن يأكل من عمل يده"، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه:" لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة ".

وقد نهى الإسلام المسلمين عن أكل الأموال الحرام كالربا والظلم في البيع والشراء وأكل حقوق العمال في معاملاتهم وتجاراتهم وأرباحهم، وأن لا يطففوا المكيال والميزان، وقال تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين (1-5) ] .

وقد أقر الإسلام الملكية الخاصة على الوجه الأكمل والمشروع من الصيد والصناعة والتجارة والزراعة والميراث الصحيح، وأوجب الإسلام على الدولة أن تهتم بأمور البيع والشراء في التجارة والصناعة، وحرم الإسلام السرقة بكل وجه من الوجوه، ونهى الإسلام عن الغش والغدر في التعامل التجاري والصناعي، فأصحاب المطابع الذين يأخذون الوعد والأمانة لطبع الكميات من العدد الكبير من الكتب المؤلفة فهم كالوراقين والنساخين والكاتبين في ما ما مضى من الزمان فلهم أجر أعمالهم التي تواعدوا عليها من المؤلف ولكن للأسف كان منهم من يغش ويغدر.

والملكية الخاصة مراعاة حقوق التأليف وحقوق الطبع للمؤلف، وقد أحسن الغربيون عندما وضعوا القانون لحماية حقوق التأليف والطباعة، ومع ذلك فإن بعض المطابع تخون وتغدر كما يسرق بعض العلماء من تآليف غيرهم، والذي يسرق التأليف أو الطبع أشد ممن يسرق البيضة والجمل.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الجمل فتقطع يده)) . فمهما فسروا البيضة والجمل فإنه يلحق به سرقة التأليف والطبع، وأكثر أصحاب المطابع يطبعون عددًا أكثر من العهد الذي كان بينهم وبين صاحب الكتاب والمؤلف ويبدأون في بيع الكتب بلا إذن المؤلف ولا يوفون بالوعد الذي سبق بينهما ولا يحفظون حقوق طبع الكتاب مع أنهم يكتبون على كل نسخة من الكتاب:" حقوق الكتاب محفوظة للمؤلف".

فلهذا وجب علينا حفظ الأمانة والوفاء بالوعد، كما أمرنا الإسلام بالعدل والإحسان وحفظ الحقوق بين الفرد والجماعة، وحرم الإسلام الظلم والخيانة في كثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة مثل قوله تعالى:

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: (188) ] .

ص: 679

فإذا أراد المسلمون العودة إلى الإسلام وحقيقة العدل وحفظ الأمانة والوفاء بالوعد، فعلينا باتباع أحكام الكتاب والسنة المطهرة مع تطبيقها فيكون لدينا الإسلام ونحن مسلمون وقد ظهر وثبت الحق في هذه المعاصرة الحاضرة أن أمة الإسلام خاتمة الأمم وخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وقد أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة واختار لها أماكن طيبة مقدسة قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: (3) ] .

فلهذا على المسلمين جميعًا أن يحفظوا الأمانة والوفاء بالوعد تجاه ربهم وأنفسهم ليكونوا قدوة حسنة صالحة لغيرهم، كما أوجب عليهم أن يتمسكوا بتعاليم الدين الإسلامي والعمل بالشريعة الإسلامية والاستقامة بالعدل والصدق وقال الله تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب (23) ] .

فلتكميل الموضوع في هذا المجال العظيم جمعت هذه الآيات الكريمة الواردة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة في ذكر الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة على هدي الكتاب والسنة مع تكميلها بآراء السلف وعلماء الإسلام الصالحين مع تطبيق ذلك بالشريعة الإسلامية راجيًا من المولى العلي القدير أن أنال الثواب والغفران إنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

والمؤمن الحقيقي هو الذي يؤدي الأمانة ويرد الودائع فيما بينه وبين عباد الله وبني جنسه، أدوا الأمانة فإنكم عنها مسئولون أمام الله تعالى، وعلى حسب القيام بها أو التفريط فيها تجزون، الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة التي عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، وإن الدين الإسلامي يريد من أتباعه أن يتوفر بينهم جو من الطمأنينة والأمن والاستقرار، بحيث يكون كل واحد منهم آمنًا على نفسه وماله وعرضه ومصالحه، كما يريد لهم أن يكونوا عند عقودهم والتزاماتهم يحافظون ويوفون بها حتى تَسُود بينهم الثقة، ويعامل بعضهم بعضًا بروح الوفاء والإخلاص والأخوة والمودة وحتى يطمئنوا جميعًا في معاملاتهم.

ونظرًا لأهمية المحافظة على الأمانة ورعاية الحقوق والوفاء بالوعد مع الالتزام بالآثار الطيبة في حياة الناس عامة وفي حياة المسلمين بصفة خاصة، نرى القرآن الكريم والسنة المطهرة يوليانها أهم العناية وأعظم الاهتمام يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال (27) ] .

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، [النساء (58) ] . ثم قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة (1) ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) ويقول: ((آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)) .

ص: 680

والإسلام يحث المسلم على المعاملة الأدبية التي قاعدتها الالتزامات الأدبية مثل الوفاء بالوعد والصدق في القول وغير ذلك من الصفات الحميدة، فإذا وعد الإنسان أخاه المسلم أو غير المسلم كان عليه حقًا الوفاء بوعده عملًا بقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء (34) ]، وقد جاء في وصايا الحكماء والأدباء أمثلة مختلفة تحريضًا على الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة مثله قولهم:" وعد الحر دين عليه "، وأن الوعد كورق الشجر والوفاء به كالثمرة، وكن يا أيها المسلم بطيء الوعد سريع الوفاء، إن الوفاء بالوعد دين توجب عليك الشهامة والمروءه أداءه، ولهذا ينبغي أن يفكر الإنسان قبل أن يعد فإذا ما وعد تحتم عليه أن ينجز وعده مهما كانت الموانع والعقبات، وقال الشاعر:

إذا قلت في شيء نعم فأتمه

فإن نعم دين على الحر واجب

وإلا فقل (لا) تسترح وترح بها

لئلا يقول الناس إنك كاذب

إن الإسلام يعتبر أرباب الأعمال والعمال إخوة متحابين متعاونين، والإسلام يأمر أن يؤدي المسلم أعماله على الوجه المطلوب، وأن لا يقصر في تأدية حقوق العامل، ويدفع له أجره كاملًا في وقته المحدود، وعلى القدر والمبلغ الذي اتفقا عليه، حتى تكون العلاقة طيبة بين العمال وأرباب الأعمال فتسودها المحبة والأخوة لا روح الاستغلال والكراهية والاستهاننة التي تخلق الشحناء وتولد البغضاء بين طبقات الأمة كما هو مشاهد اليوم مما تنشأ عنه المفاسد التي تكون عواقبها وخيمة على الجميع، وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم:((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) . ويقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، وإن الموت والشهادة في سبيل الله هما أرفع درجة الأعمال عند الله وإن الله تعالى لا يكفرن إثم الخيانة ولا يدخلن صاحبه في الجنة إلا برحمته تعالى وهو أرحم الراحمين)) .

فالأمة العربية الإسلامية أولى الناس للوفاء بالوعد وحفظ الأمانة لأن المسلمين قد ورثوا ذلك من الأنبياء والمرسلين، وقد جاء الدين الإسلامي والقرآن الكريم بلغة العرب وبواسطة النبي العربي القرشي الهاشمي، والإسلام دين الله الذي أرسله الله إلى كافة الناس أجمعين، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء (107) ]، وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: (45) ]، وقال أيضًا:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران (19) ]، وقال:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران (85) ] .

فإن الإيمان بالله ورسوله والملائكة والكتب وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام واليوم الآخر والقدر خيره وشره أمانة على كل مسلم ومسلمة، وإن خمس الصلوات المفروضة والتوحيد والزكاة والحج وصوم رمضان أمانة ومن لم يؤد هذه الأمانات على الوجه الأكمل فهو ناقص الإيمان، وكذلك الوضوء والغسل من الجنابة ثم الوزن والكيل " وما خفي من الشرائع" أمانة وأشد في ذلك الودائع.

ص: 681

الوفاء بالوعد: هو عدم الجور والظلم والخيانة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة فلم يعدل فيهم إلا كبه الله في النار)) ، وقال أيضا ((اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) . ثم قال:((إيما رجل تزوج امرأته على ما قل من المهر أو كثر وليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤد إليها حقها لقي الله وهو زان بها)) ، وقال: إن الله عز وجل يقول: ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما)) وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل)) وهذا لصدقه وأمانته ووفائه للوعد.

الوفاء بالوعد وحفظ الأمانة من الأخلاق الإسلامية التي تجعل الإنسان يؤدي إلى كل ذي حق حقه حيوانًا كان أو إنسانًا فضلًا عن قيامه بحقوق الله رب العالمين وبهذا يكون المسلم كاملًا في وضعه السليم الصحيح.

وما عدا ذلك فلا تطلق عليه صفة الإنسانية الكاملة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقًا)) ، والإسلام يطلب من المسلم الحقيقي أن يوفي بالوعد ويحفظ الأمانة مع الصدق والعدل في أعماله وفي جميع ما يتحدث به لقوله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر (55) ]، وقد قيل: إن سلمان قال لأبي الدرداء: " إن لربك عليك حقًا وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه". فقال صلى الله عليه وسلم ((صدق سلمان)) .

ص: 682

والمسلم لا يبالي برضى الناس عليه أو سخطهم، وإنما الذي يبالي به هو أن يقوم بحق الله عليه متوكلًا على الله وحده، الوفاء بالوعد معناه: الثبات على الحب والصدق حتى الموت وبعد الموت تكون مع أولاد أصدقائك وإنما يراد بذلك الجنة في الآخرة، فإذا انقطع الحب والصدق قبل الموت حبط العمل وضاع السعي والمرؤة، ومن الوفاء بالوعد أن لا تسمع بلاغات الناس على صديقك وأن لا تصادق عدو صديقك، كما قال الشافعي رحمه الله:" إذا أطاع صديقك عدوك فقد اشتركا في عداوتك" فعليك بحفظ الأمانة مع الالتزام، بوفاء العهد، فإن ولاة الأمور صغارا كانوا أو كبار رؤساء أو مديرين يقومون بالعدل والصدق فيما تولوا عليه وأن يسيروا في ولايتهم حسبما تقتضيه المصلحة في الدين والدنيا وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق بدون قسم ((لو أن فاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع يدها)) ، أقسم على ذلك علنا وهو يخطب الناس حينما شفع إليه في رفع الحد عن المرأة التي سرقت من بني مخزوم، وقد أقسم النبي على ذلك تشريعا للأمة الإسلامية وتبيانا للمنهج السليم الذي يجب أن يسير عليه ولاة الأمور.

وفقنا الله وإياكم لأداء الأمانة والوفاء بالوعد وحمانا الله جميعا من الإضاعة والخيانة وغفر الله لنا ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ شيت محمد الثاني

ص: 683

مناقشة الأبحاث

الوفاء بالوعد

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لدينا اليوم موضوعان مترابطان: أحدهما في بحث الوفاء بالوعد وهو تأسيس للموضوع الذي أجل من الدورة الرابعة وهو " بيع المرابحة للآمر بالشراء". وكما هو معلوم فإن الوفاء بالوعد لا يبحث على أنه موضوع مستقل، نصدر به قرارا بخصوصه، ولكن يبحث على وجه التأسيس والتأصيل لبيع المرابحة، ولهذا فإنه قدم في العرض على موضوع بيع المرابحة والعارض هو الأستاذ نزيه حماد فليتفضل.

الدكتور نزيه كمال حماد:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن تحرير الأحكام الشرعية المتعقلة بالوعد من حيث وجوب الوفاء به ديانة أو استحاببه، أو من حيث القوة الملزمة له في القضاء والحكم تقتضينا تناول ألفاظه الاصطلاحية المتعددة التي يستعملها سائر الفقهاء أو بعضهم بالبيان والتفصيل وهي: العدة والمواعدة والوعد، وذلك من أجل الوصول إلى فقه محكم في المسألة، بعيد عن الاختلاط والتداخل، قد تميز فيه محل الوفاق عن مواطن النزاع، وتبين فيه الموقف الأخلاقي والموجب الدياني من الحكم القضائي حيث يوجد التباين أو يقع الفرق، وبذلك يمكننا إبراز الأحكام الشرعية في القضية واضحة جلية، لا لبس فيها ولا خلل يعتريها.

وإن كون هذه الألفاظ الثلاثة مشتقة من مادة لغوية واحدة تدل في أصل الوضع " على ترجية بقول" كما قال ابن فارس لا يستلزم كون دلالتها الاصطلاحية واحدة، لأن تواضع الفقهاء أو بعضهم على مدلول شرعي متميز لكل كلمة قد نقل معناها اللغوي وحوله إلى معنى إصطلاحي جديد، ربما كان أخص أو أضيق شمولا واستيعابا.

ص: 684

أ- العدة: العدة في لغة العرب معناها الوعد، يقال: وعدت فلانًا بكذا

والاسم منه العدة، فالعدة اسم منقوص من الوعد يحمل معناه دون زيادة أو نقصان، أما في الاصطلاح الفقهي، فقد درج على استعمالها المالكية بدلالة خاصة وهي الإعلان عن رغبة الواعد في إنشاء معروف في المستقبل يعود بالفائدة والنفع على الموعود، قال الحطاب في كتابه " تحرير الكلام في مسائل الالتزام " وأما العدة فليس فيها إلزام الشخص نفسه شيئا الآن، وإنما هي كما قال ابن عرفة إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل.

فالعدة إذن عند فقهاء المالكية هي عبارة عن تصرف شرعي قولي يتم بالإرادة المنفردة قوامه تعهد شخص بلفظ الأخبار بأن يسدي لغيره معروفا مجانا دون مقابل، في المستقبل لا في الحال.

أما حكم العدة من حيث وجوب الوفاء بها قضاء أو ديانة أو استحباب ذلك، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال:

أحدهما: يقضى بها مطلقا، وهو مذهب القاضي سعيد بن أشوع الكوفي الهمذاني، وقول عند المالكية، ورأي ابن شبرمة كما نقل ابن حزم في المحلى.

والثاني: يجب الوفاء بها ديانة لا قضاء، وهو رأي الإمام تقي الدين السبكي الشافعي، قال: ولا أقول يبقى دينا حتى يقضى من تركته، وإنما أقول يجب الوفاء تحقيقا للصدق وعدم الإخلاف، وقد استشكل الحافظ ابن حجر هذه المقولة فقال: وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء؟ أي يأثم بالإخلاف. وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك؟ أي في القضاء، فأجاب الإمام السخاوي على ذلك في جزئه المسمى " التماس السعد في الوفاء بالوعد" فقال: قلت ونظير ذلك نفقة القريب، فإنها إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع ولا يلزم به، ونحوه قولهم في فائدة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، تضعيف العذاب عليهم في الآخرة مع عدم إلزامهم بالإتيان بها.

ص: 685

والقول الثالث: إن الوفاء بها مستحب لا واجب، وهو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وبعض المالكية وغيرهم، جاء في العقود الدرية لابن عابدين: سئل فيما إذا وعد زيد عمرًا أن يعطيه غلال أرضه الفلانية فاستغلها وامتنع من أن يعطيه من الغلة شيئا فهل يلزم زيدا شيء بمجرد الوعد المزبور؟ الجواب لا يلزمه الوفاء بوعده شرعا، وإن وفى فبها ونعمت، وفي التمهيد لابن عبد البر: وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبيد الله بن الحسن وسائر الفقهاء، أما العدة فلا يلزمه فيها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة، وفي غير العارية: أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض ولصاحبها الرجوع فيها، ثم قال: إن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وكرامة، وذلك من أخلاق أهل الإيمان، وقد جاء في الأثر:" وأي المؤمن واجب "، أي واجب في أخلاق المؤمنين، وإنما قلنا: إن ذلك ليس بواجب فرضا، لإجماع الجميع على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به الغرماء كذلك قلنا: إيجاب الوفاء به حسن في المروءة ولا يقضى به ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن، يستحق صاحبه الحمد والشكر على الوفاء به، ويستحق على الخلف في ذلك الذم، وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره: وكفى بهذا مدحًا وبما خالفه ذمًا.

والقول الرابع: إن كانت العدة مرتبطة بسبب، ودخل الموعود في السبب، فإنه يجب الوفاء بها كما يجب الوفاء بالعقد، أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد، كما إذا وعده بأن يسلفه ثمن دار يريد شراءها، فاشتراها حقيقة، أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزواج، فتزوج اعتمادا على هذا الوعد، ففي هذه الحالات وأمثالها يلزم الواعد قضاء بالوفاء بما وعد به، أما إذا لم يباشر الموعود تلك الأسباب، فلا يلزم الواعد بشيء. وهذا القول هو المشهور والراجح في مذهب مالك، وعزاه القرافي إلى مالك وابن القاسم وسحنون، وقد أشار العلامة محمد العزيز جعيط إلى أن هذا القول المشهور ليس مبنيا على أساس وجوب الوفاء بالوعد- أي أن في الوعد قوة ملزمة للواعد كما هو الشأن في العقد- بل هو مبنى على عدم وجوب الوفاء به وإنما قضى به في صورة ما إذا أدخله في شراء عقار أو تزوج امرأة أو غير ذلك.

لأنه تسبب له في إنفاق مال قد لا يتحمله ولا يقدر عليه، رفعا للضرر عن الموعود المغرر به، وتقريرا لمبدأ تحميل التبعة لمن ورطه في ذلك، إذ لا ضرر ولا ضرار.

ص: 686

والقول الخامس: إن كانت العدة مرتبطة بسبب، وجب الوفاء بها قضاء، سواء دخل الموعود في السبب أو لم يدخل فيه، وإلا فلا، فلو قال شخص لآخر: أعدك بأن أعيرك بقري ومحراثي لحراثة أرضك، أو أريد أن أقرضك كذا لتتزوج، أو قال الطالب لغيره: أريد أن أسافر أو أن أقضي ديني أو أن أتزوج فأقرضني مبلغ كذا فوعده بذلك ثم بدا له فرجع عن وعده قبل أن يباشر الموعود السبب الذي ذكر من سفر أو زواج أو وفاء دين أو حراثة أرضٍ

إلخ، فإن الواعد يكون ملزما بالوفاء، ويقضى عليه بالتنفيذ جبرا أن امتنع، أما أن كانت العدة على غير سبب، كما إذا قلت: أسلفني كذا، ولم تذكر سببا، أو أعرني دابتك أو بقرتك ولم تذكر سفرا ولا حاجة، فقال: نعم، أو قال الواعد من نفسه: أنا أسلفك كذا أو أهب لك كذا ولم يذكر سببا، ثم رجع عن ذلك، فلا يلزم بالوفاء بها، قال القرافي: وبذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهو قول في مذهب المالكية وقريب منه قول الإمام أصبغ منه.

ب- المواعدة: المواعدة في اللغة تعني نشوء وعدين متقابلين من شخصين، فهذا يعد فلانا بكذا، والآخر يعده بكذا في مقابلة ذلك، أما في الاصطلاح الفقهي فهي عبارة عن إعلان شخصين عن رغبتهما في إنساء عقد في المستقبل تعود آثاره عليهما.

وأكثر الفقهاء استعمالا لهذا المصطلح المالكية. وقد عبر عنها في النكاح الحطاب بقوله: المواعدة أن يعد كل واحد منهما صاحبه بالتزويج، فهي مفاعلة، لا تكون إلا من اثنين. فإن وعد أحدهما دون الآخر، فهذه العدة، وبهذا افترقت المواعدة عن العدة التي سبق بيانها من حيث كون الأولى لا تنشأ إلا باجتماع رغبة طرفين، بينما تتم العدة بإعلان الرغبة من طرف واحد، وقد ذكر الفقهاء المواعدة في مسائل عديدة منها: المواعدة على البيع وقت نداء الجمعة، والمواعدة على بيع ما ليس عند الإنسان.

ومع أن الفقهاء اتفقوا على عدم مشروعية بعضها، كالمواعدة على النكاح في العدة، واختلفوا في جواز بعضها الآخر كالمواعدة في الصرف ونحوها، فإنه لم ينقل عن أحد منهم- سواء كان من المجيزين أو من المانعين- قول بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين أو لكليهما، لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدا، وفي ذلك يقول ابن حزم: والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة، وفي بيع الفضة بالفضة، وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز، تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا، لأن الواعد ليس بَيِّعًا.

على أن المتواعدين لو اتفقا على أن يكون العقد الذي تواعدا على إنشاءه في المستقبل ملزما للطرفين من وقت المواعدة، فإنها تنقلب إلى عقد، وتسري عليها أحكام ذلك العقد، إذ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.

ص: 687

ج- مصطلح الوعد: الوعد في اللغة معناه الإخبار عن أمر في المستقبل سواء أكان خيرًا أم شرًا، بخلاف الوعيد، فإنه لا يكون إلا بشر. وقيل: الوعد والوعيد واحد، ويستعمل الفقهاء كلمة " الوعد" بنفس مدلولها اللغوي، بمعنى أن الوعد قد يكون بمعروف، مقرض أو تمليك عين أو منفعة مجانا للموعود، وقد يكون بصلةٍ أو بر أو مؤانسةٍ كعيادة مريض وزيارة صديق وصلة رحم ومرافقة في سفر ومجاورة في سكن، وقد يكون بنكاح، كما في خطبة النساء، وقد يكون بمعصية كما إذا وعد شخصا بأن يقتل له خصمه أو غريمه أو يتلف ماله ظلمًا وعدوانًا ونحو ذلك.

أما الحكم التكليفي للوعد من حيث الوفاء به، فهو محل خلاف بين الفقهاء، وإذا أردنا تحرير محل النزاع في المسألة فلابد من البيان والتفصيل الآتي:

إذا كان الوعد بمعروف- وهو ما يسمى عند المالكية بالعدلة- أو كان من قبيل المواعدة، فقد سبق عرض آراء الفقهاء فيه على الخصوص.

أما ما عدا ذلك من ضروب الوعد وصوره وحالاته، فإنه لا خلاف بين الفقهاء:

1-

في إن من وعد بشيء منهي عنه، فلا يجوز له الوفاء بوعده، بل يجب عليه إخلافه.

2-

وإن من وعد بشيء واجب شرعا، كأداء حق ثابت أو فعل أمر لازم، فإنه يجب عليه إنجاز ذلك الوعد.

3-

وإن من وعد بشيء مباح أو، مندوب إليه، فينبغي له أن يفى بوعده، حيث إن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق وخصال الإيمان، وقد أثنى المولى جل وعلا على من صدق وعده، وكفى به مدحا، وبما خالفه ذما.

ولكن هل الوفاء بذلك واجب أم مستحب أم غير ذلك؟ اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال:

أحدها: أن الوفاء بالوعد واجب، قال القاضي ابن العربي: أجل من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز. وقد حكى هذا القول عن ابن شبرمة - حكاه ابن حزم في المحلى وبرهان الدين ابن مفلح في المبدع- وإليه ذهب العلامة تقي الدين السبكي، وهو وجه في مذهب أحمد اختاره الإمام تقي الدين ابن تيمية، وقول في مذهب المالكية صححه ابن الشاط في حاشيته على الفروق، وحجتهم على هذا الرأي قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] . وما روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .

ص: 688

والقول الثاني: إن الوفاء بالوعد واجب إلا لعذر، وهو رأي القاضي ابن العربي. قال: والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر. وقال: وإذا وعد وهو ينوي أن يفي فلا يضره إن قطع به عن الوفاء قاطع، كان من غير سبب منه، أو من جهة فقر، اقتضى ألا يفي للموعود بوعده، وعليه يدل حديث أبي عيسى- أي الترمذي - عن زيد بن أرقم:((إذا وعد الرجل وهو ينوي أن يفي به، فلم يف فلا جناح عليه)) . وهو غريب ضعيف، وإلى هذا الرأي مال الإمام الغزالي، حيث قال في الوعد: فلابد من الوفاء إلا أن يتعذر، ثم نزل النفاق المذكور في الحديث " وإذا وعد أخلف " على من ترك الوفاء بالوعد من غير غدر.

والقول الثالث: إن الوفاء بالوعد مستحب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم، وهو رأي جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم، قال ابن علان الشافعي: قد تقرر في مذهبنا أن الوفاء بالوعد مندوب لا واجب، وجاء في المبدع لبرهان الدين ابن مفلح: لا يلزم الوفاء بالوعد، نص عليه – أي الإمام أحمد - وقاله أكثر العلماء.

والقول الرابع: إن الوفاء بالوعد أفضل من عدمه إذا لم يكن هناك مانع، وهو رأي الإمام أبي بكر الجصاص.

والخامس: إن الوفاء بالوعد المجرد غير واجب، أما الوعد المعلق على شرط، فإنه يكون لازما وهو مذهب الحنفية. جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم: وفي القنية إن وعده أن يأتيه، فلم يأته لا يأثم، ولا يلزم الوعد إلا إذا كان معلقا، وجاء في الفتاوى البزازية: إن المواعيد باكتساء صور التعليق تكون لازمة. ونصت المادة (84) من مجلة الأحكام العدلية: المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة، مثال ذلك: لو قال شخص لآخر ادفع ديني من مالك، فوعده الرجل بذلك، ثم امتنع عن الأداء، فإنه لا يلزم الواعد بأداء الدين، أما لو قال رجل لآخر: بع هذا الشيء لفلان، وإن لم يعطك ثمنه فأنا أعطيه لك، فلم يعطه المشتري الثمن، لزم الواعد أداء الثمن المذكور بناء على وعده.

وأساس ذلك أن الإنسان إذا أنبأ غيره بأنه سيفعل أمرا في المستقبل مرغوبا له، فإذا كان ذلك الأمر غير واجب عليه، فإنه لا يلزمه بمجرد الوعد، لأن الوعد لا يغير الأمور الاختيارية إلى الوجوب واللزوم، أما إذا كانت المواعيد مفرغة في قالب التعليق، فإنها تلزم لقوة الارتباط بين الشرط والجزاء، من حيث إن حصول مضمون الجزاء موقوف على حصول شرطه، وذلك يكسب الوعد قوة، كقوة الارتباط بين العِلِّية والمعلولية، فيكون لازما.

ص: 689

وحكى العلامة الحموي في شرحه على الأشباه والنظائر: إن الوعد إذا صدر معلقا على شرط، فإنه يخرج عن معنى الوعد المجرد، ويكتسي ثوب الالتزام والتعهد، فيصبح عندئذ ملزما لصاحبه، قال: لأنه إذا كان معلقا يظهر منه معنى الالتزام، كما في قول: إن شفيت أحج، فشفي يلزمه. ولو قال: أحج، لم يلزمه بمجرده، على أن الحنفية إنما اعتبروا الوعود بصور التعاليق لازمة إذا كان الوعد مما يجوز تعليقه بالشرط شرعا حسب قواعد مذهبهم، حيث إنهم أجازوا تعليق الإطلاقات والولايات بالشرط الملائم دون غيره، وأجازوا تعليق الإسقاطات المحضة بالملائم وغيره من الشروط، أما التمليكات- كالبيع والإجارة والهبة ونحوها – وكذا التقييدات، فإنه لا يصح تعليقها شرعا بالشرط عندهم، فليتأمل.

وفي الختام تجدر الإشارة إلى أن النافين لوجوب الوفاء بالوعد حيث نفوه:

أ- حملوا المحظور الذي نهى الله عنه ومقت فاعله عليه في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} على من وعد وفي ضميره ألا يفي بما وعده، أو على الإنسان الذي يقول عن نفسه من الخير ما لا يفعله.

ب- وأجابوا على استدلال الموجبين للوفاء بالوعد المجرد بحديث ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) بأن ذم الإخلاف إنما هو من حيث تضمنه الكذب المذموم إن عزم على الإخلاف حال الوعد، لا إن طرأ له، وقال الغزالي: وهذا ينزل على من وعد وهو على عزم الخلف أو ترك الوفاء من غير عذر، فأما من عزم على الوفاء، فعن له عذر منعه من الوفاء لم يكن منافقا، وإن جرى عليه ما هو صورة النفاق.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وشكرا.

ص: 690

الدكتور عبد الله محمد عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم.

لقد قام الدكتور نزيه بإعطاء صورة واضحة عن الموضوعات التي تناولت هذا البحث ولكن لي ملاحظة واحدة على البحوث وعلى ما تفضل به الأخ الدكتور. إنه قال إن المواعدة لا تكون إلا في التبرعات، أما في عقود المعاوضات فلا تلزم المواعدة، وفي الواقع إني وجدت في فقه المالكية وفي قواعد الونشريسي ما يدل على لزوم المواعدة حتى في عقود المعاوضات وكذلك في مذهب الأحناف: من ذلك ما جاء في القاعدة الخامسة والستين من قواعد الونشريسي قال: أصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال، وتطبيقا لهذه القاعدة إن كل عقد يجوز إيقاعه في الحال تجوز المواعدة فيه والعكس صحيح، والأمثلة التى ضربها لهذه القاعدة بيع الطعام قبل قبضه، والبيع من عقود المعاوضة، والبيع وقت نداء الجمعة، وبيع ما ليس عندك. فهذه قواعد أو استثناءات طبقا للقاعدة لأن هذه العقود لا يجوز إيقاعها في الحال فلا تجوز المواعدة فيها.

مذهب الحنفية: عند الأحناف الأصل عدم لزوم المواعدة ولكن قالوا بلزومها لحاجة الناس وضربوا لذلك مثلا " بيع الوفاء " على الرأي القائل بأن بيع الوفاء هو بيع وشرطوا فيه شروطا معينة بأن يكون العقد بلفظ البيع وألا ينص في العقد على الفسخ أو الإقالة، بل يكون شرطا لاحقا لأن الشرط المفسد عندهم هو الشرط الذي يقارن العقد ويمازجه كما عبروا بهذا التفسير، أما الشرط اللاحق فإنه لا يؤثر، وهذا الشرط اللاحق هو المواعدة ويجب الوفاء بها للحاجة. وشكرا.

ص: 691

الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني:

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن قضية الوفاء بالوعد على حقيقتها يجب ألا تحمل على أكثر مما حدده العلماء في تعريف الوعد، فقد عرفه العلامة المالكي ابن عرفة: بأنه إخبار عن إنشاء معروف في المستقبل، وكذلك عرفه العيني الحنفي: بأنه إخبار عن إنشاء خير في المستقبل، ومن هذا التعريف يتضح بأن الوعد مقصور على الخير وعلى المعروف.

أما قضية المعاوضات فإن أحكامها واضحة، وإن للعقد أحكامه فلا يجب ولا ينبغي أن يسري حكم الوعد عليه، فقد اتفق الفقهاء على استحباب الوفاء بالوعد دينيا وأخلاقيا ويقابل ذلك قول آخر مفاده وجوب الوفاء بالوعد ديانة وقضاء وبدون تفصيل- أي على إطلاقه – ولكن هذا يمكن أن يناقش، فقول من أوجب الوفاء بالوعد مطلقا عند المالكية لا ينصرف إلى المعاوضات بوضوح ظاهر، وقد صرح بذلك الحطاب في كتابه " تحرير الالتزام" صرح: بأن الوعد لا يشمل المعاوضات كالبيع والإجارة ولا يشمل النكاح وإنما الخلاف الذي دار بين فقهاء هذا المذهب هو في نطاق التبرعات، فمنهم من أوجبه مطلقا، ومنه من أوجبه إذا دخل الموعود على سبب، ومنهم من أضاف أو من أقتصر على وجود السبب بدون دخول الموعود في مباشرة الأسباب فيما وعد فيه، هذا خلاف المالكية وهو لا يحتاج إلى مزيد فهو واضح بالتصريح.

يبقى لدينا قول من أطلق القول وهو: ابن شبرمة، وابن الأشوع. فقد ورد عنهما القول بالإطلاق بدون تفصيل. ويبدو لنا أن هذا الإطلاق مقيد ولا يسري على إطلاقه.

أولًا: إن تعريف الوعد يقيده كما عرفه العلماء ابن عرفة والعيني وغيرهما فقد قيدوا الوعد بأنه في المعروف وإنه في الخير والمعاوضات في الاصطلاح الفقهي لا يسري عليها هذا المعنى.

ص: 692

ثانيا: من المُسَلَّمَات الفقهية عند العلماء أن البيع وأمثاله يجب أن يتم على طريقة الجزم لا على طريقة إبقائه وتعليقه، لذلك قالوا إذا استخدم لفظ المضارع في صيغة البيع إنما هو مجرد وعد لا يفيد شيئا ولا ينعقد البيع ما لم تكن قرينة صارفة إلى إرادة الحال لا المستقبل. ولقد قال المالكية إذا استخدم المضارع في البيع وجب على الموجب أن يحلف أنه ما أراد الوعد. وهذا يكشف لنا أن الوعد في البيع عند المالكية لا يفيد شيئا. فإذا كان الأمر كذلك في رفض استخدام لفظ المضارع المقيد أو المفيد للمستقبل وعدم ترتب أثر عليه وفي مجلس العقد والمبيع مملوك للبائع فكيف يقال بإلزام وعد صدر من شخص إيجابا أو قبولا وصيغته دائما لا تكون إلا مستقبلة، والوفاء لا يكون إلا في المستقبل، وقد لا يكون البيع أيضا ملك البائع. فإذا كان العقد هنا لا وجود له مع استعمال صيغة المستقبل فكيف بالوعد وهو أقل قوة وإلزاما من العقد بلا نزاع!!

ولكي يؤكد الفقهاء وجوب الجزم في المعاوضات منعوا جواز تعليقها على أمر مستقبل، والوعد مستقبل، ثم لا يخفى أن القول بإلزام الواعد في البيع أو المشترى يجرنا إلى القول بصحة البيع والنكاح وأمثالهما في ظل الإكراه وهذا لم يقل به أحد من فقهاء الشريعة لأن الإكراه من عيوب الإرادة والعقود.

وبناء على ذلك فإنه لا متمسك لمن يقول إن مذهب ابن شبرمة وموافقيه جاءت مطلقة غير مقيدة بمعاوضات أو تبرعات بل يجب أن تقيد بالتبرعات فقط فوجب المصير إلى رأي الجمهور وهو استحباب الوفاء بالوعد لأنه من محاسن الأخلاق لورود النص النبوي الشريف في هذا الخصوص.

بقي أن أقول تعقيبا على بحث الأخ الدكتور نزيه: إن التفريق الذي أورده بين العدة والوعد لا يبدو وجيها لأن الأحكام التي أوردها في الوعد والعدة كما تبين: هي متساوية والفقهاء استخدموا اللفظين في المعنى نفسه، فمنهم من عرف العدة ومنهم من عرف الوعد بنفس اللفظ. وقضية التواعد هي وعد في حقيقتها من طرفين إذا أخذناها على الانفراد، فمن هذا وعد ومن ذاك وعد. أما أن تجمع فهي تواعد على الحقيقة وإلا فإن الحكم حكم الوعد يسري عليها، فهي لا تأخذ حكما جديدا.

أما ما قيل من الأخ قبل قليل بأن تعليق العقد على الشرط أو الوعد على الشرط يراه نوعا من الإلزام فإن الحقيقة العبرة بالشرط وليس بالوعد. وشكرا لكم.

ص: 693

الدكتور سامي حسن حمود:

بسم الله الرحمن الرحيم.

موضوع الوعد والكلام عن الوفاء به في ظل الالتزام الإسلامي، فالمسلمون هم أهل الوفاء والكل يتفق على إن من مكارم الأخلاق الوفاء بالوعد، ولكن عندما تأتي الحقوق والالتزامات يصبح هناك تفريق هل هناك إلزام أو لا يكون إلزام؟ والأبحاث التي قدمت إلى هذا المجمع الكريم متفقة إجمالا على وجوب الوفاء بالوعد وهناك مناطق للتفريق.

فمنطقة الأخلاق والمروءات قيل إن الوفاء بالوعد إذا لم يكن ناتجا عنه كلفة فإنه يكون من المكارم ولا إجبار فيه. أما إذا أدخل الموعود في كلفة فهناك سبب قد يكون موجبا للضرر كأن يقول له تزوج وأقرضك (1000) دينار، فهيأ نفسه للزواج ثم قال خطر لي أو عن لي أن لا أقرضك. فهنا؛ جاء رأي المالكية بوجوب الإلزام قضاء وليس ديانة لأنه قد أضر بوعده هذا الذي قاله لجاره أو لأخيه فدخل في الكلفة ثم تركه وحيدا في الساحة.

هذا المنطق الذي يأتي من جراء منع الضرر والإضرار هو ظاهر في التبرعات ولكنه في نظري أقوى وأشد لزوما في الالتزامات رغم أن هناك من يحاول أن يحصر هذه العملية في ميدان التبرعات. فعندما نأتي للالتزامات لا يكون الأمر أمر أخلاق ومروءة فحسب ولكنه أمور تترتب عليها التزامات معينة. فلو قال رجل لآخر، لصاحب مصنع اصنع لي كذا وكذا وأنا أشتريه منك بسعر كذا ولم يتفق معه على العقد استصناعا حتى لا يقال أن هناك عقد استصناع وقال: وكما تعلن الدولة تشجيعا للمزارعين مثلا أن من ينتج القطن أو ينتج القمح ففي موسم الحصاد هناك سعر محدد تشتريه الدولة بسعر كذا، ثم يأتي المزارعون فيندفعون في الإنتاج فإذا جاء الوقت قيل عدلنا عن ذلك، هنا الدخول في الالتزامات بالوعد الذي صدر يدخل الموعودين في كلفة. فهؤلاء الذين وعدوا ودخلوا في الكلفة أمامهم أمران: إما أن يكون هناك إجبار على الوفاء بما وعدوا به أو أن يكون هناك مقابل تعويضا لهم عن الضرر الذي تعرضوا له فإذا قلنا بأن الإلزام بالوعد لا محل له بالإجبار على تنفيذ العقد الذي وعدوا به، فإن المقابل وعدل الشريعة تقتضي منا أن نقول نعم. إذا لم يكن هناك إلزام فإن الشريعة لا تسمح بأن يقع ضرر دون أن يكون المتسبب ملزما بتعويض هذا الضرر. ومن هنا يأتي التوازن العادل في الشريعة الإسلامية بأن الوفاء بالوعد واجب في مكارم الأخلاق وعندما تأتي الالتزامات فإنه إن قيل بأن الوعد لا يجبر فيه تنفيذ العقد فإنه أيضا ينص في ذات المادة أن تعويض الضرر إذا حصل وكان ضررا حقيقا حالا غير محتمل وغير متوقع فإن هذا التعويض يكون واجبا على من تسبب بوعده في حدوث هذا الضرر. وشكرا.

ص: 694

الرئيس:

شكرا. ما أشار إليه الأستاذ على أن البحوث تكاد تكون متفقة على وجوب الوفاء، أظن أن هذا غير مسلم به. البحوث واضحة وهي أمامنا ويكاد الأكثر من البحوث- لأننا قرأناها وتتبعنا ما فيها – ينص على عدم الوجوب والتفصيل معلوم.

الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

بعد أن استمعنا إلى بحث الدكتور نزيه حماد وهو بحث مستوف جميع جوانبه من الناحيتين الموضوعية والتوثيقية وهو من أدق البحوث التي نقلت لنا الثروة الفقهية الموجودة في كتبنا العظيمة بكل أمان واطمئنان، ولكن إيراد الخلافات وعرضها بهذا الشكل الممتاز لا يعفينا من ضرورة تلبية الحاجة الملحة في عصرنا الحاضر وهو الوفاء بالوعد في مجال المعاملات.

كلنا نعلم كما تفضل الإخوة الذين عقبوا أن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق ومن أصول الإسلام ومن مفاخرة أيضا وهو مما أشاد به الإسلام وأقرت به الأعراف العربية السابقة التي كانت تفاخر بهذه الفضيلة العظيمة، فهذا مما لا شك فيه ولكننا بحاجة إلى أن نبين ونركز على ضرورة الوفاء بالوعد في مجال المعاوضات لأن الدوافع والبواعث التي أملت على المجمع والظروف التي أحاطت به في أن يعرض هذا الموضوع هو تلبية الحاجة إلى هذا البحث في مجال المعاملات.

فلذلك كنا نود من الأخ الدكتور نزيه أن يبين لنا بما عرف عنه من دقة وموضوعية الرأي الراجح في هذا الموضوع ويركز سواء بالأخذ بالآراء التي هي وإن كانت تمثلها القلة الفقهية يركز على هذه الناحية ويدعمها بالأدلة الواضحة الصريحة التي هي جاءت في الحقيقة في مكارم الأخلاق وفي التبرعات، فهل يمكننا النقلة السريعة من هذا المجال إلى مجال المعاوضات وبالتالي نصل إلى إلزام الواعد بالوفاء بوعده لا سيما إذا أدخله في ضرر؟ الحقيقة نحن نميل في الوقت الحاضر إلى رأي المالكية في هذا الجانب فهو ملب للحاجة ومطابق لما تقتضيه أعراف الناس وعاداتهم في الوقت الحاضر، خصوصا وأن الآخرين ينتظرون ممن يحملون شريعة الله أن يكونوا مثلا عليا في الوفاء بالوعد وفي عدم إلحاق الضرر بالآخرين وفي الالتزام أيضًا بكل ما ألزموا به أنفسهم إذ لا ملزم لهم غير الكلمة التي أصدروها من قبل أنفسهم دون إكراه ودون اضطرار ودون إلجاء.

لهذا كله نحن نرحب بأن يكون هناك مجال للترجيح في مثل هذه الآراء الفقهية المتناثرة حتى تكون الصورة واضحة وأن نعتمد على الرأي الذي يمكن أن نفتى به ونوصى به أو يُصدر لنا قرار في مجاله في هذا الموضوع المهم جدا والذي أصبح هناك تطلع إلى معرفة الحكم الشرعي الذي ينبغي أن يصدر عن مجمعنا بشكل حاسم نسبيا. والسلام.

ص: 695

الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسألة الوعد أنا أوافق الأخ أظنه محمد رضا الذي تحدث عن مذهب مالك وقال إن الوعد لا يجب في مذهب مالك فيما يتعلق بالمعاوضات وإن نصوص المذهب وظواهره كلها تدل على أن الوعد إنما يعتد به في المعاوضات أو ما يشبهها أو ما هو في التبرعات أو ما هو من قبيل التبرعات، كالخلع، مثلا. خليل يقول: أو الوعد إن ورطها – أي أدخلها في ورطة – فإن الخلع يجب حينئذ بالوعد لأنه يجوز له أن يطلقها بغير عوض، أما في المعاوضات فقد تتبعنا سائر المسائل في المذهب فما وجدنا مسألة واحدة يوجب فيها الوعد عقدا وإنما هو وعد وليس عقدا كل نصوص المذهب وكل شروحه متواردة متواطئة على هذا لا يشذ منها شيء.

والكلام الذي نقل عن الونشريسي هو في جواز الوعد وليس في لزوم الوعد.

فيجب أن نتحرى الدقة فيما ننقله عن العلماء.

هذه المسألة بنيت عليها أحكام وهذه الأحكام بنيت على أساس لا وجود له وعزيت إلى مذهب مالك وليست في مذهب مالك، إنما الذي في المذهب هو لزوم الوعد على قول من سبعة أقوال ذكرها الحطاب في التزاماته وذكر غيره أربعة أقوال: ذكرها خليل في توضيحه، ونظمها الزقاق في المنهج فقال: هل يجب الوفاء بالوعد؟ نعم أو لا فهذه الأقوال كلها إنما تتعلق بالتبرعات لأن المعاوضات إذا كان ينوي منشئها إلزاما فقد نشأ الإلزام. فمن قال بعتك أو أبيعك قاصدا إنشاء البيع لزمه إنشاء البيع. وهذه مسألة نعرفها حتى في النحو وحتى في البلاغة. إن هذه الجملة الخبرية تتحول إلى جملة إنشائية إذا قال أبيعك أو أزوجك قاصدا إنشاء البيع. أما الوعد فإنه لا يلزمه شيء من ذلك. هذا هو أصل مذهب مالك.

أود فقط أن أشير إلى مسألة لعلها لغوية وهي الفرق بين الوعد والعدة. لا فرق بينهما فهما مصدران لوعد والتاء هنا نائبة عن فاء المصدر كما تقول ونقه ونقا ونقة إذا أحبه ووجد به وجدا وجدة إذا حزن عليه وأسف. فلا فرق والكلمة لا تتضمن معنى زائدا على كلمة وعد، والعلماء فرقوا بين وعد وعقد ومذهب مالك لا يوجد فيه هذا الكلام، فنحن نشكر من يقدم لنا شيئا في مذهب مالك، ولعل الأصح في مذهب مالك والأقرب إلى الصواب أن يبيعه ولو باعه ما لا يملكه فهو أمر قد يكون مكروهًا في مذهب مالك إذا كان متوفرا في السوق كما نص عليه ابن رشد في المقدمات الكبرى صفحة 517 نص على أن مالكًا خفف ذلك إذا كان المبيع موجودا في السوق، فهذا أولى من التشبث بوعد لا وجود له وبعقد لا يستند إلى عهد. وشكرا.

ص: 696

الدكتور علي أحمد السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

لاحظت في هذه الأبحاث وفي أبحاث سابقة أن الذين يتحدثون عن الإلزام بالوعد يستدلون أساسا برأي ابن شبرمة حيث قال بأن الوعد كله لازم، ولكن أحب أن أقول بأن رأي ابن شبرمة لا يفيد في بيع المرابحة، لأن ابن شبرمة نفسه قال بخيار الرؤية فلو اعتبرنا أن الوعد لازم ولكن عند استيراد السلعة قال العميل بأنه لا يريد بعد أن يرى بحسب رأي ابن شبرمة له هذا، فرأي ابن شبرمة لا يفيد، ثم أحب أن أذكر هنا رأيا آخر كان توفيقا بين الرأيين وذلك أن فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي يرى الإلزام بالوعد وكنت عارضت هذا ورأيت عدم الإلزام في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي ثم أصبحنا معا في هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي فكيف نوفق بين الرأيين؟ أنأخذ بالإلزام أم بعدم الإلزام؟ والعضو الثالث في هيئة الرقابة الشرعية أيد فضيلة الشيخ القرضاوي، فانتهينا إلى أن عقد البيع لا يتم إلا بضوابطه الشرعية وبالتراضي، ولا يلزم العميل بأن يوقع عقد البيع. إلا بالتراضي ولكن إذا لم يلتزم بالوعد فهل تكون هناك شروط يمكن أن يضيفها للعقد بحيث نطبق الحديث الشريف ((لا ضرر ولا ضرار)) والقاعدة الضرر يزال؟ رأينا أن نضيف هذا الشرط بمعنى إذا كان المصرف يبيع السلعة بغير مكسب ولا خسارة فلا يعود على العميل بشيء- باع السلعة وكسب كثيرا فهو يبيع سلعة يملكها – والعميل كذلك إذا لم يقع عليه ضرر فليس له أن يطالب المصرف بشيء، إذا كان بسبب هذا الوعد دخل في أمر معين، كأن دخل في مناقصة مثلا والتزم بها ثم المصرف لم يأته بما وعده فوقع عليه ضرر- عقوبة مثلا- نتيجة الإخلال بهذا، قلنا بأن المصرف يتحمل هذا الضرر، إذن جعلنا هذا شرطا خارجا عن العقد، يعني عقد البيع لا يتم إلا بضوابطه الشرعية، ولكن هناك شرط بأنه إذا حدث ضرر نتيجة عدم الالتزام بالوعد فإن من يتسبب في الضرر عليه أن يلتزم بهذا الضرر.

فإذا رأى مجمعكم الموقر أن هذا الرأي يعتبر توفيقا بين الرأيين أمكن أن نقدمه للمصارف الإسلامية وإن رأى غير هذا أمكن أن نحسم الخلاف. والله أعلم بالصواب وشكر الله لكم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

ص: 697

حجة الإسلام محمد علي التسخيري:

شكرا سيدي الرئيس، أعتقد أن هناك حالات متصورة للوعد. هناك حالة خفيفة- إذا صح هذا التعبير – الوعد العادي الذي يعد به مسلم مسلما وهناك حالة الوعد الذي يعقده على نفسه فيلتزم به بقوة دون أن يترتب على نقضه أثر، وهناك حالة ثالثة، هذا الوعد المعقود بقوة مع ترتب أثر من نوع ما على نقضه، الحالة الرابعة الوعد المعطى كشرط ضمن عقد من العقود، فهل الوعد في كل هذه الحالات ملزم، أو يختص الإلزام ببعضها دون بعض؟.

إذا أردنا أن نطرح الأدلة نجد أن أهمها اثنان: الأول أدلة الوفاء بالوعد وهي كثيرة وواضحة ولا داعي لذكرها، إلا أنه يقال في قبالها كما سمعتم: إن اللزوم فيها أخلاقي دياني محض وليس فيها إلزام تكليفي أو وضعي.

الشيء الثاني قوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] بناء على تفسير العقود بالعهود إلا أن الظاهر فيها أنها تركز على العهود العقدية أو العهود التي فيها التزامات قوية فلا تشمل النوع الأول " الوعد العادي" قطعا كما تشمل النوع الرابع الممضي شرعا، وهو الوعد المعطى كشرط ضمن عقد من العقود وفي شمول هذه الآية للنوعين الوسطيين كلام.

قيل إن العقد عهد موثق كما حكي عن الكشاف، ورأى آخرون أن التوثيق ليس من جملة معناه فيكفي الرابط بأي نحو كان، وفسروا العقد بالمعنى الاستعاري بأنه يطلق المعاملة بإحال الرابط الاعتباري المتبادل، الظاهر من الآية في رأيي- والله تعالى أعلم- الشمول للنوعين الوسطيين وإن كان هناك إجماع مدعى لدينا على خروجهما من دائرة شمول الآية باعتبار عدم الإلزام الشرعي فيهما. ولما كان خروج هذه الأنواع الثلاثة يعني تخصيص الأكثر وهو مستهجن عرفا فإن ذلك يوضح أن الآية لم تشمل من الأول منذ البدء إلا النوع الرابع وهو الشرط المتضمن في عقد. ولكن كما أعتقد أننا لو سلمنا الإجماع المدعى لا نسلم بأن خروج الكثير من أفراد قاعدة ما مع بقاء كثير من الأفراد أمر مستهجن لغويا. ولذلك نبقى مع هذا الظهور ومثل هذا الإجماع لم يثبت لدينا.

ص: 698

شيء آخر أقوله للأخ الأستاذ الدكتور السالوس في الحل الذي طرحه في مسألة الإلزام: أعتقد أن المصرف لا يمكنه أن يبنى مستقبله على ضوء ما سوف يمكن أن يدعى من ضرر هنا أو ضرر هناك، هذا المعنى لا يمكنه أن يجعل أي معاملة معروفة المستقبل أو مضمونة المستقبل، الذي أعتقده أن علينا اللجوء إلى طريقة أخرى لنفترض الاعتماد على سير المعاملات الطبيعي في أن الواعد سوف يقوم بتنفيذ ما وعد، هذا السير الطبيعي يوجب ذلك الظن بشكل طبيعي خصوصا إذا كان الواعد هو دولة تتعامل مع هذا البنك الدولي أو نعتمد على إلزام يأتي من نذر أو عهد وهذا النذر والعهد يوجب لزومًا تكليفيًا لا وضعيًا بالالتزام بالمعاملة وإذا تخلف أي طرف يمكن للدولة أن تلزم بهذا المعنى من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طبعا أنا أخالف الإلزام في عقد المرابحة لأن لدينا الكثير من الروايات التي تمنع الإلزام والإمام يقول فيها: أليس إن شاء أخذ أو إن شاء ترك. قال نعم، قال: لا بأس. فالإلزام من جهة أخرى من روايات خاصة أخالفه ولكن كإلزام ضمن عقود معينة يمكن اللجوء لهذا الإلزام من خلال العهد والنذر وما إلى ذلك أو حتى لو كان شرطًا ضمن عقد آخر إذا صححنا مثل هذا الشرط. وشكرا.

الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم.

شكرا أيها السيد الرئيس. بعد هذه التعقيبات الكريمة من الإخوة الزملاء أود أن أطرح إطارا جديدا للبحث لعله يكون – إن شاء الله – فيه خير وإضاءة.

ص: 699

المعلوم لدينا جمعيا أن هنالك بالنسبة لموضوع البحث وعدًا وعهدًا وعقدًا، وأن هنالك ما يقابل هذه المسميات الثلاثة: حق المروءة وحق الديانة وحق القضاء، فأما حق المروءة فيقابل دائما الوعد وهو مجرد أن يعد الإنسان إنسانا آخرا بأمر ولا يكلف نفسه عهدا ولا عقدا ولا التزاما ولا ينبني على الإخلاف بذلك ضرر مادي، فحق المروءة كما تفضل الإخوة أخلاقيا أن يفي وإذا لم يف يكون تاركا للفضيلة وتاركا للأحسن والأكرم والأمثل، لكن هناك حق الشرع، وحق الشرع أمران اثنان: حق الديانة وحق القضاء. وهذان الاصطلاحان معروفان لدينا جميعا كطلاب علم. فحق الديانة شيء وحق القضاء شيء آخر، حق الديانة قد يكون الشيء حراما ديانة ولكنه قضاء جائز، وقد يكون حلالًا ديانة وقضاء بالعكس كما مثلوا لذلك من ادعى بشهادي زور أن فلانة امرأته ولم يعلم القاضي بالزور ولا بالشهادين، فهذا قضاء هي زوجته أما ديانة فهو زنا وهو حرام لكن لو ادعت المرأة أو ادعى هو أن تأتي إلى بيت الزوجية وجب قضاء على القاضي أن يقضي بذلك. فالعهد هو ما تشدد الواعد فيه بالالتزام سواء انبنى على ذلك ضرر أم لم يبن. فهذا التشدد يجعل الوعد عهدا. قال تعالى {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] ولم يفصل القرآن الكريم المسئولية في الدنيا أم في الآخرة، فهذا يقتضي الإطلاق، هناك مسئولية، فالمسئولية بالإخلاف هي مسئولية ديانية وليست من حق المروءة هي من حق الشرع فهو مكلف شرعا أن يفي لأنه التزم بذلك وتعهد به وقوى ذلك بشرط أو بنذر أو بشيء آخر، ولكنه قضاء لا يلزمه أن يفي بهذا الوعد، فلو أن من وعد أو من عوهد بالعهد ولنصطلح على هذه الكلمة رفع الأمر إلى القاضي، فالقاضي لا يلزمه بالوفاء ولكن هناك عهدا أرتقى إلى درجة العقد أو ما يشبه العقد وهو ما يسمى لدى علماء القانون بالالتزام فالالتزام أشمل من العقد وإن سماه القرآن عقدا، ولذلك قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} حينئذ قوى العهد إلى درجة صار التزاما. وآية ذلك أنه ينبني على الإخلاف به ضرر فادح بالمعاهد أو بالملتزم له في أمر دينه ودنياه.

ولذلك أرى حينئذ – والله تبارك وتعالى أعلم والرأي يعود إلى مجمعنا الموقر أن ترتفع المسئولية إلى القضاء والديانة معا فيصير الملتزم حينئذ مؤاخذًا ومسئولا قضاء وديانة، والله تعالى أعلم.

ص: 700

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين، وبعد

السيد رئيس الجلسة المحترم، لي تعليق بسيط حول الموضوع فأقول: إذا قلنا بأن الوفاء بالوعد واجب في التبرعات فلأن نقول بإلزامها في المعاوضات من باب أولى استنادا إلى الأدلة الواردة من النصوص القرآنية والسنة النبوية الواردة بهذا الخصوص والتي ذكرت العديد منها في بحثي الوفاء بالوعد وذكرها غيري من الإخوان.

ثانيا هناك مصلحة تقضي بالقول بوجوب الوفاء بالوعد، فإن عدم القول به كما ذكر بعض إخواني يؤدي إلى الضرر.

ثالثا: إذا لم نقل بوجوب الوفاء بالوعد فلنقل بأن هذه المعاملة صيغة مستجدة من صيغ العقود نرجع بها إلى العرف، والقول بالإلزام في مثل هذه الحالة لا يترتب عليه أي محظور شرعي، فإن قيل بأن هذه الصورة تدخل في بيع المبيع قبل قبضه، فأقول من المعروف أن المصرف لا يوقع عقد البيع إلا بعد أن يدخل المبيع في حوزته. فعلى هذا ينتفي ما ذكره الإخوة من أن الإلزام بالوعد يترتب عليه بعض المحظورات الشرعية.

لهذا إني أميل وأرجح القول القائل بأن وجوب الوفاء بالوعد في مثل هذه المعاملة هو الراجح لا سيما وأن هناك العديد من النقول ومن أقوال الفقهاء من غير قول ابن شبرمة رحمه الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 701

الدكتور علي محيي الدين القرة داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

أشكر الإخوة الفضلاء سواء كانوا العارضين أم المعلقين والمتداخلين فجزاهم الله عنا خيرا. حقيقة أيضا أنا أضم صوتي إلى الأستاذ الفاضل في أنه ليس هناك داع إلى أن يذكر لفظ العدة أو موضوع العدة في مكان والوعد في مكان آخر لأنهما حقيقة كما قال الأخ الكريم بمعنى واحد ولا أريد التفصيل في ذلك والسلفيون قالوا: العدة هي الوعد فحذفت الواو تخفيفا وعوضت عنها بالتاء، فإذن فالمعنى واحد يجب أن يذكرا في مكان واحد.

ثانيًا: كنت أحب أيضا من بعض الإخوة ولا سيما الأخ الباحث القدير الأستاذ الفاضل الدكتور نزيه أن يذكر رأيه الخاص في هذا الموضوع ولكنه أراد أن يترك هذا الرأي للمجمع الموقر أو للمناقشة.

ثالثا: في اعتقادي أنه يجب أن تبحث هذه المسألة من حيث أصولها وجذورها مع احترامي لكل الآراء الفقهية التي قيلت ولكن أيضا يجب الرجوع في ذلك إلى المصدر الأصلي وهو الكتاب والسنة بالإضافة إلى الجانب الفني والعلمي والتنظيري في هذه المسألة، وهي قضية مصدر الالتزام، ما مبنى أو ما هو مصدر الالتزام في الشريعة الإسلامية؟ إذا كان مصدر الالتزام هو الالتزام في القوانين الوضعية ومن هنا يكون من المعقول جدًا أن يكون الالتزام أو أن تكون دائرة الالتزام محصورة بين العاقدين باعتبار التزم لأنك أيضا تلتزم. أما إذا كان مصدر الالتزام في الشريعة الإسلامية هو الأوامر والنواهي أو الشريعة فلا بد حينئذ أن نرجع مرة أخرى إلى هذه الشريعة هل توجب الوفاء بالعقود أو لا؟ فإذا كنا نحن المسلمين قد أقررنا بأن مصدر الالتزام هو الشرع فيجب أن نقول بالوفاء بالوعد لأن الأدلة ظافرة وناطقة على حرمة المخالفة بالوعد فالمفسرون أو جمهورهم فسروا العقود في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] بكل التزام سواء كان هذا الالتزام دينيا أم دنيويا وسواء كان هذا الالتزام له مقابل أو ليس له مقابل كما ذكره الطبري والقرطبي وغيرهما. هذا جانب.

جانب ثان أيضًا فإن الناحية الدينية والأخلاقية لا خلاف بين الفقهاء، ولا سيما المحدثين في حرمة مخالفة الوعد وبالتالي يكون الالتزام واجبًا إلا في حالة الضرورة، وإلا فكيف نفسر كل هذه الآيات والأحاديث الدالة على الترهيب والتحذير من مخالفة الوعد وجعلها من علامات النفاق.

ص: 702

فإذا اتفقنا على حرمة مخالفة الوعد فلا بد أن نجعل القضاء خادما للجانب الديني والأخلاقي ما دام قادرا على ذلك، فالقضاء لا يدخل في النوايا ولكن يدخل في الأمور الواردة بين الناس فيما يتعلق بالمعاوضات أو في غير المعاوضات ومن هنا أضم صوتي إلى الأخ الكريم الأستاذ فاضل الدبو إذا كان ذلك في التبرعات، ففي باب المعاوضات يكون الالتزام أشد حتى لا يكون هناك فصام وازدواجية بين القضاء والأخلاق والديانة ما دام ذلك ممكنا. وقد ناقشت هذه الآراء في رسالتي بالتفصيل ولنا في ذلك سابقون:

وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائي الجميلا؟

رابعًا: ما ذكره الأستاذ الدكتور نزيه في مناقشة النافين الوفاء لوجوب بالوعد، ففي اعتقادي أن هذه المناقشة لهم لا تمس أدلتهم ولا تدك بنيانها فحمل الآية {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} على من وعد وفي ضميره ألا يفي بما وعد فهذا الحمل تحميل دليل وتخصيص بدون مخصص، فالآية عامة وردت بلفظ ما العامة هذا من جانب، ومن جانب آخر إن مبنى الأحكام الشرعية على الظواهر والله يتولى السرائر فكيف نعلم أنه نوى أم لم ينو؟ وجوابهم كذلك عن حديث النفاق أخص من الدليل حيث نقل الأخ الكريم عن الغزالي وكلامه في عدم الوفاء بعذر مع أن الكلام في مخالفة الوعد مطلقا أو في مخالفة الوعد بدون عذر.

خامسًا: ما ذكره الأخ الفاضل الأستاذ محمد رضا في التلازم بين الإكراه والقول بوجوب الوعد أرى أنه لا يوجد أي تلازم بين المسألتين فلا نسلم ذلك، فعدم قبول الإكراه لخلل في القصد، بينما قضية الوعد أمر آخر.

وفي الختام أرجح القول بحرمة المخالفة للوعد ديانة، وترجيح القول بإلزامية الوعد قضاء ما دام يترتب عليه ضرر للجانب الثاني بناء على الأدلة السابقة وجمعا بينها والجمع أولى والصلح خير. والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 703

الدكتور عجيل جاسم النشمي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

تلخص من عرض الدكتور نزيه حماد كما ذكر مجمل البحوث الأخرى أن المذاهب في الوفاء بالوعد خمسة وأرى أن هناك رأيا سادسا ينبغي أن يذكر، فالمذاهب الخمسة التي ذكرت هي: إن الوفاء بالوعد واجب، والثاني إن الوفاء بالوعد واجب إلا لعذر، والثالث أنه مستحب فلو تركه فاته الفضل وارتكب مكروها كراهة تنزيهية، والرابع إن الوفاء بالوعد أفضل من عدمه إذا لم يكن هناك مانع وهو رأي الإمام الجصاص، والخامس أن الوفاء بالوعد المجرد غير واجب أما المعلق على شرط فإنه يكون ملزما.

أود هنا أن أبرز رأيا سادسا ربما اعتبره البعض مغمورا ولم يذكره الدكتور نزيه كاملا وذكره بعض الباحثين بمرور سريع وهو رأي الإمام الغزالي وهو قوله: إذا فهم الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا إن يتعذر وقد يفهم الجزم في الوعد إذا اقترن به حلف أو إقامة شهود على الوعد أو قرائن أخرى، وهذا الرأي يجمع عند التحقيق عدة آراء سابقة، وأرى أنه رأي وسط جامع يحقق مصلحة المصرف والعميل في آن واحد، فالوعد غير ملزم مطلقا وكي يكون ملزما لا بد من عنصر الجدية فيه وهذه الجدية ضمانة وقائية ومصلحة للمصرف أو البنك وفي هذا الرأي سعة للمصرف في أن يقرن الوعد بتواقيع أو بشهادات أو أية وسيلة أخرى فيكون الوعد ملزما حينئذ. هذا ما استنبطه من رأي الإمام الغزالي. وشكرا.

ص: 704

الدكتور حسن عبد الله الأمين:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبد الله ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وبعد:

مسألة الوفاء بالوعد: قضية طرحت منذ زمن طويل على عدة مجامع علمية ولا زالت تراوح مكانها لم تتقدم كثيرا، أول ما طرحت في ندوة المصرف الاٍسلامي بدبي سنة 79 ثم في الندوة الثانية للمصرف الإسلامي بالكويت وفي ندوة البركة الثالثة بتركيا، والذي دعا إلى إثارة قضية الوعد، والوعد معروف وموضح ومقرر في كتب الفقه أحكامه واضحة وبينة كما سردها وبينها الإخوة في أبحاثهم التي عوضوها علينا الآن والتي قرأناها، الذي دعا إلى إثارة هذه القضية هو مسألة بيع المرابحة للواعد بالشراء أو للآمر بالشراء هذه القضية هي التي أثارت هذا الموضوع ودعت إلى البحث عن الوعد في عدة مجامع عملية ومنها انتهى الأمر إلى أن عرضت هذه المرة على مجمعكم الموقر، وقد استند الناس في هذه القضية إلى وجوب الوعد فيما ذكره المالكية عن الوعد في مجال المعروف وقالوا إن الوعد يجب الوفاء به بناء على مذهب المالكية وهو قول غير ممحص كما أشار إلى ذلك بعض الإخوة الذين سبقوني الآن الدكتور العاني والدكتور ابن بيه، وهذا هو الصحيح في مذهب المالكية أن العدة أو الوعد لم يتكلموا عن الوفاء به على عدة صور إلا في حالة واحدة وفيما يتعلق بالمعروف وقالوا إنه لا يرد في أمور الالتزامات أو عقود المعاوضات صراحة، فكيف لنا أن نقول بذلك ونقحمه على المالكية إقحاما؟

ص: 705

الذي دعا إلى الدوران حول هذه القضية، قضية الوعد كما قلنه هو ربطها بقضية بيع المرابحة للآمر بالشراء، وفي رأيي أن القضية يجب أن ننظر في حلها نظرا آخر غير هذا التلفيق الذي نربطه بين عقد المعاوضة " البيع " والعقد من جهة واحدة " العقد المنفرد" وهو الواعد إن صح أنه عقد، هذا التلفيق أرى أننا لا نصل في الدوران حوله إلى نتيجة، فالمقررات الفقهية واضحة، المذاهب كلها لا تقول بوجوب الوعد، والمذهب المالكي الذي يقول بالوفاء بالعهد يقصره على المعروف ويبعده عن المعاوضات المالية ولا نجد في ذلك حلا لقضيتنا، فنحن أمام عقد معاوضة واضح ورئيسي وهو عقد البيع للآمر بالشراء، والمشكلة منشؤها أن البيع للآمر بالشراء بيع لسلعة قائمة، فالتعاقد على معدوم غير حاضر، والحديث النبوي الشريف نهى عن بيع المعدوم أو عن بيع غير الحاضر فكيف نحل هذه المشكلة؟ هذا هو بيت القصيد.

في رأيي أن الوفاء بالوعد وربط القضية به والتلفيق بينه وبين عقد البيع لا يحل القضية كما ذكرت، وإنما يجب أن ننظر في فقه هذا الحديث، النهي عن بيع الغائب أو عن بيع المعدوم، كيف نحل القضية؟ هل السلعة المصنعة المحددة المواصفات المعلومة المنضبطة الوصف غير الحاضر في مجلس العقد بيعها يعتبر معدوما؟ كل أو أغلب السلع تباع وهي غير معاينة وإنما هي قائمة ولكنها معلومة بأوصافها لدى المتبايعين، فهل ينطبق عليها هذا الحديث؟ وبيع المرابحة يجرى في هذا النوع من السلع فهل فهمنا للحديث يدخل هذا النوع من السلع في بيع الغائب؟ أعتقد أننا يجب أن ننظر للموضوع من هذه الناحية يجب أن نوسع فهمنا للحديث على ضوء المعطيات الحاضرة، هل السلع بأنواعها المختلفة ذات المواصفات المحددة والموديلات المعينة الغائبة التي في مصانعها أو في أماكن بيعها البعيدة عنا التي يجب استيرادها يعتبر بيعها معدوما، أم أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر في فهم الحديث على ضوء هذه المعطيات؟ إذا استطعنا أن نصل إلى فهم لهذه القضية على ضوء ظروفها نستطيع أن نحل المشكلة دون أن نلجأ إلى الوعد والتلفيق والدوران حول هذه القضية على الوجه الذي سرنا عليه وعهدناه في ندواتنا ومؤتمراتنا، ولعل الإمامين الجليلين ابن القيم وابن تيمية لهما نظرات صائبة في هذا المجال تحدثا فيها عن هذا المعنى بيع المعدود وبيع الموصوف، وإذا رجعنا إلى هذه الآراء القيمة استفدنا منها وحاولنا أن نستفيد منها في فهمنا وإدراكنا لقضايانا الحاضرة لعلنا نصل إلى حل يريحنا من هذا الدوران الطويل حول قضية الوعد الملزم أو غير الملزم. شكرا جزيلا.

ص: 706

الدكتور عبد الله محمد عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم.

في الواقع لي تعقيب بسيط على الموضوع لأننا نريد أن نحقق معنى كلمة " الوجوب: يجب قضاء" فبعض الإخوان يفهم أنه " يجب قضاء " بمعنى أنه لا بد من تنفيذ الوعد بالفعل، وإيقاع وتحقيق العقد لا يلزم من القول بالوجوب وتنفيذ العقد أو تنفيذ الوعد بتحقيق العقد ولعل ابن العربي ومن شايعه في رأيه أنه يجب إلا لعذر نقصد منه هذا.

بمعنى إذا امتنع الواعد من تنفيذ وعده وتنفيذ العقد، هل للطرف الآخر أن يلجأ إلى القضاء لا لطلب تنفيذ العقد، بل لمحاكمته مثلا أو إيقاع العقوبة عليه؟ ولهذا قال: العين بدل العين عن ابن شبرمة أنه حبس رجلا لعدم الوفاء بالوعد مستندا إلى قوله تعالى {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ولم يستند إلى قوله {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} لأن الوعد غير العقد، فإذا امتنع عن تنفيذ الوعد قد يكون لعذر وقد يكون لغير عذر فإن كان لعذر لم يستوجب العقوبة أما إذا كان هزلا وتلاعبا وعدم التزام بالكلمة فهذا الذي يستحق العقوبة. والعقوبة قد تكون بدنية وقد تكون مالية كما تعلمون في التعزير.

بقيت مسألة أخرى، الفرق بين الوجوب أو الجواز، عندما استندت إلى كلام الونشريسي وقاعدة الونشريسي بمنع المواعدة، الذي ربط بين المواعدة وبين جواز إيقاع العقد في الحال، وقال: كل عقد لا يمكن إيقاعه في الحال تمنع المواعدة فيه، فهذا القول أطلقه على مختلف العقود وجاء بالأمثلة في عقود المعاوضات كبيع الطعام قبل القبض والبيع وقت نداء الجمعة، وبيع ما ليس عنده، فإذا قلنا إن هذا العقد لا يجوز إيقاعه في الحال فلا تجوز المواعدة فيه، فلو كان العقد جائزا إيقاعه في الحال جازت المواعدة فيه. فإذا كانت المواعدة جائزة ووعد وأخلف، فهل يختلف الحكم؟ إذا كان العقد جائزًا ووقع في الحال، فالمواعدة جائزة، فإذا وعد فهنا المواعدة جائزة في عقد المعاوضات في البيع، فإذا امتنع لاشك أنه يخضع للأقوال الفقهية الأربعة أو الخمسة أو الستة كما ذكر الدكتور عجيل.

ص: 707

بقيت مسألة من الأمثلة التي ذكرتها في لزوم الوعد ولأضرب مثالا: تواعدت مع شخص على أن يبيعني شيئا وواعدني على ذلك ولم يكن عندي ما أسدد به الثمن فذهبت فبعت سيارتي في السوق لأوفر له الثمن فلما بعتها وجئت أخلف في الوعد، ألم يدخلني في سبب؟ فالذي قال إن المواعدة تلزم إذا كان معلقا على سبب، أو الرأي الآخر إذا قال إذا كان معلقا على سبب ودخل في السبب، أليست المواعدة هنا مبنية على سبب؟ ودخلت في السبب وعرضني مثلا أنني بعت سيارتي بخسارة؟ أليست هذه الصورة شبيهة بهذه الصورة التي ذكرها في تحرير الكلام؟ قال أصبغ:

سمعت أشهب وسئل عن رجل اشترى من رجل كرما، فخاف الوضيعة فأتى ليستوضعه فقال له: بع وأنا أرضيك قال فإن باع برأس ماله أو بربح فلا شيء له، وإن باع بوضيعة كان عليه أن يرضيه، أليست هذه الصورة مثل هذه الصورة؟ ما الفرق بين عقد المعاوضة وبين عقد التبرع؟ هنا التزم

الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني:

التزام الوضيعة تبرع وليس بالعقد.

ص: 708

الدكتور عبد الله محمد عبد الله:

فهذا أشد، فالذي عرض في عقد المعاوضة للخسارة وأدخله في سبب أشد وطئًا من الذي واعده بمجرد الوعد في عقد تبرع، فهذا يعني لابد من استعراض مختلف الصور حتى يكون الحكم مناسبا وملائما ومحققا للمصلحة. فمسألة التفريق بين عقد المعاوضة وعقد التبرع هو أن الونشريسيي حيث قال منع المواعدة في العقد الذي لا يجوز إيقاعه في الحال. نقول في حالة الجواز، أنا معك في حالة الجواز أن العقد الذي يجوز إيقاعه في الحال تجوز المواعدة فيه. أنا معك في هذان مع هذا الجواز استعملنا المواعدة، فماذا يكون الحكم؟. هي الحقيقة الأقوال الثلاثة: الذي يقول بالإلزام مطلقا. والذي يقول بالإلزام إذا كان معلقا على سبب، والذي يقول بالإلزام على معلق على سبب ودخل في السبب، والقول الرابع الذي قاله ابن العربي إذا كان: تلزم المواعدة إلا لعذر، للعذر كيف مثلا؟ هذا وعدني أن يبيعني السيارة وهو في طريقه إلي عمل حادثًا بالسيارة، فأصبح تنفيذ العقد غير قائم، معذور إذن فهذا هو الذي يعذر. أما القول بهذا فهو قول متناقض ومتهافت ومتساقط ولا يحقق المصلحة أبدًا. وشكرا.

ص: 709

الدكتور محمد سليمان الأشقر:

بسم الله الرحمن الرحيم:

أنا أود أن أنبه إلى ما حصل من كثرة البحث في الموضوع ومن أسباب كثرة هذا البحث وبذل الجهود الكثيرة التي هي أكثر من اللزوم في الحقيقة، إن الإخوة في المجامع التي طرحت هذا الموضوع انتقلوا من قضية الإلزام المسبق إلى قضية الوعد، ثم ذهبوا إلى الأدلة في الوعد، وأقوال العلماء فيه والأدلة الواردة والكتب المؤلفة فيه، القضية ليست في تصوري هذا وأنا أول من طرح هذه المسألة في رسالة لي نشرت وعرضت على المجمع على ندوة البنوك الإسلامية في بيت التمويل الكويتي سنة 84 م، وكان الموضوع الذي طرح على أساس معين، وهو أنه إن كان هناك إلزام سابق ببيع لاحق بطل البيع اللاحق، وليست المسألة مسالة وعد نسميه وعدا أو ما نسميه، هذا شيء آخر خارج عن الموضوع إن كان هناك كلام سابق غير ملزم في المرابحة اللاحقة أو الوعد اللاحق، صحيح وإن كان هناك إلزام سابق ففي تصوري البيع اللاحق غير سليم لأنه ما صدر عن إرادة سليمة إنما تحت خطر الحكم القضائي بالسجن أو بالغرامة أو بغير ذلك، كما قال كثير من الإخوة في أبحاثهم بالنسبة للخطبة، خطبة النكاح لو كانت وعدا ملزما أو كان فيها إلزام يكون النكاح اللاحق غير واقع بإرادة حرة، فلا يكون صحيحا، فكذلك نقول في هذا إنه إذا كان هناك التزام سابق ببيع لاحق فهذا في نظر الشرع الأسلامي لا يجوز سواء سميتم الأول وعدا أو غير وعد. ليس النظر في كونه وعدا، النظر في أنه هل يجوز الالتزام السابق بوعد لاحق؟ أنا أقول في تصوري وقلت هذا في رسالتي إن قلنا بأن المواعدة السابقة هي إلزام، هذا يقتضي مباشرة وبدون أن يتوقف على أمر آخر بطلان العقد اللاحق لأن هذا يكون من باب بيعتين في بيعة، لو قلنا بجواز إلزام سابق بوعد لاحق فتنفتح هي للربا على مصارعها وحينئذ لا حاجة للكلام في المواعيد والكلام في إلزاميتها والكلام في بيع المرابحة على الطريقة التي جرى فيها البحث، لأنك كما قال الحنفية مثلا، يجوز أن تبيع وأن تقرض إنسانا ألف دينار وبدل أن تطلب فائدتها مثلا مائة دينار للسنة تقول له اشتر مني هذا قلم الرصاص الذي لا يساوي خمسين فلسا اشتراه مني بمائة دينار التي هي فائدة الألف دينار، أبيعك أو أقرضك الألف دينار، هذا عقد معه عقد آخر ببيع قلم رصاص بمائة دينار تكون هي الفائدة، إذا أجزتم الإلزام السابق بوعد لاحق فحيل الربا مفتوحة أمامكم على مصارعها.

الإمام الشافعي رضي الله عنه وكذلك أقوال المذاهب الأخرى كلها تدل على أنه لا يجوز البيع اللاحق بناء على إلزام سابق وقد نص.

ص: 710

الرئيس:

الإلزام السابق يا شيخ ببيع لاحق.

الدكتور محمد سليمان الأشقر:

فالشافعي رضي الله عنه في النص الذي نقله الإخوة ونقله الأستاذ سامي حمود في رسالته يقول: فإن ألزما أنفسهما بالأمر الأول بقطع النظر عن تسميته وعدا أو غير وعد إن ألزما أنفسهما بالأمر الأول فهو مفسوخ أبدا. كذلك المالكية، المالكية لاشك وهذا أمر قطعي: أن مذهبهم أن المواعدة الجائزة إنما هي في المعروف وقد نصوا في المرابحة بالذات وفي كتبهم جميعا على أن المرابحة بناء على وعد سابق لا تجوز، حتى على وعد لا تجوز. فمن باب أولى لو كان على إلزام سابق، والحنابلة أيضًا كلامهم في ذلك صريح، والحنفية أيضا كون الإلزام لا يجرى بالوعد في البيع الإلزام بالوعد في البيع والإجارة والمعاوضات جميعا لا يجوز. كلهم يرفضون هذا، لماذا؟ يعني ما هي النظرية التي تحكم عملية الوعد السابق الملزم؟ النظرية أنه صار العقدان كأنهما عقد واحد، وكما قلت هذه من النبي صلى الله عليه وسلم عندما نهى عن صفقتين في صفقة، أو بيعتين في بيعة أو شرطين في بيع. وجميع الفقهاء- يعني غالبا- ولا أستطيع أن أجزم على الجميع لكن الرأي المشهور عند الفقهاء جميعا أن اشتراط عقد في عقد هذا هو النوع الوحيد من الشروط الذي يكادون يتفقون على منعه، أن تشترط عقدا في عقد، الحنابلة أوسع الناس في الشروط في العقود إلا أن هذا النوع عندهم هو الوحيد تقريبا الذي يرون أنه ممنوع وإن أجازوا كثيرا من الشروط.

ص: 711

نستطيع أن نقول إن الوعد إذا كان ملزمًا وهناك قوانين تلزم به وقضاء يلزم به فهو عقد، أو كما رأيت في بعض أبحاث الإخوة أنه عقد ابتدائي وفعلا هو عقد، وقد رأيت بعض النماذج التي أخرجتها البنوك الإسلامية بالنسبة للوعد السابق، كتب عليها عقد وعد، فهو إذا كان ملزما وهناك التزام فهو نوع من العقد ولا يمنع هذا أن يقال إنه لا نلزمه بالعقد الجديد، ولكن نلزمه بأداء الغرامة وفي حالة عدم أداء الغرامة فإنه يكون معرضا للسجن كل هذا لا يلغي أن هناك إلزامًا سابقًا بل يبقى الإلزام، سواء ألزمناه بعقد جديد أو ألزمناه بتعويض الأضرار.

ص: 712

الذي أرى أنه على البنوك الإسلامية أن لا تكتفي بالعمل في المرابحة في ميدان عدم الإلزام بالأمر السابق بناء على قول الحنفية والشافعية الذين يجيزون التسهيل في هذا، طبعا المالكية والحنابلة يرفضون المواعدة السابقة ولو كانت غير ملزمة على مثل هذا النوع من البيع الذي هو بيع المرابحة، لكن الحنفية والشافعية يجيزون المواعدة السابقة كما في نص الإمام الشافعي ونص الحنفية واضح في ذلك.

بقي الذي افترضه أن البنوك الإسلامية ترضى وتقبل وتسير بالمسلمين في طريق لا تكاد تكون فيه شبهة كبيرة وهو أن تقبل المواعدة غير الملزمة وتنفذ عملية في حدود هذا المقدار وبدل أن تستند إلى المرابحة في تسعين في المائة من عملياتها تستند إلى خمسين أو ستين أو سبعين في المائة، وهذا يكفي في هذا الميدان، وتبحث عن وسائل جديدة وطرق جديدة أخرى لعل الله يهدي إليها بعض الباحثين ومنها الذي طرحه الأستاذ حسن الأمين من أن نرجع إلى البيع بالوصف وهو الأصل في هذا الموضوع، الأصل في هذا الباب البيع نفسه، نأتي إلى البيع مباشرة أن نبيع بالوصف تبيع البنوك الإسلامية هذه البضاعة المطلوبة مثلا في الذمة بأوصاف محددة وإن كان الشيء غير معين لأنه إذا كان معينا فلا بد أن البنك قد حازه، لكن إذا كان على الوصف فحينئذ لا بأس من أن يبيع البنك إلا أن أيضا هذا الحل يصطدم بأن المشهور عند الفقهاء أن المبيع على الذمة لا بد أن يكون ثمنه مدفوعا فورا، فهل لهذه المسألة من حل؟ أرجو، لعل المجمع يطرحها للبحث في مستقبل الندوات ونصل في ذلك إلى حلول ولعل أيضا الإخوة يركزون على البحث عن حلول أخرى تغطي الكمية الباقية من العقود التي يحتاج إليها في البيع المؤجل. وشكرًا.

ص: 713

الرئيس:

في الواقع أنه، يعني في هذه المسألة إذا نظرنا أنها تنبني على الوعد، فأمامنا قول جماهير علماء الأمة على أن الوعد المالي أنه غير ملزم، وأمامنا أن الهبة وهي أقوى من قضية الوعد أنها لا تلزم عند الجمهور إلا بالقبض، وأمامنا كما ذكره الحافظ ابن حجر عن بعض أهل العلم في الفتح، أن الموعود بمال ليس له الحق في أن يضارب به بناء على الوعد، هذا إذا كان بناء هذه المسألة على الوعد، هل هو ملزم أو غير ملزم؟ وكذلك ما أشار إليه الأستاذ الشيخ حسن الأمين من بيع الغائب والمعدوم وما إلى ذلك، لأن الشريعة آخذ بعضها بلحمة بعض، وأما لو فرض تكييف المسألة على قضية الإلزام السابق ببيع لاحق فإن الأمر كما ذكر الشيخ محمد لا شك أنه فيه فتح وتوسيع لجريان عدد كبير من المعاملات الربوية في المصارف، لكن هذا يرتبط في البحث الذي سيكون بعد هذه الجلسة إن شاء الله تعالى في بيع المرابحة.

والآن استراحة نعود إن شاء الله تعالى في العاشرة والنصف.

وشكرًا.

ص: 714

قرار رقم (2، 3)

بشأن

الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ / 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م.

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي (الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما.

قرر:

أولًا: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعًا، هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.

ثانيًا: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الوعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.

ثالثًا: المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة ((لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.))

ويوصي المؤتمر:

في ضوء ما لاحظته من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء.

يوصي بما يلي:

أولًا: أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد ولا سيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.

ثانيًا: أن تدرس الحالات العملية لتطبيق (المرابحة للآمر بالشراء) لدى المصارف الإسلامية، لوضع اصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء.

والله أعلم

ص: 715