المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

‌تغير قيمة العملة والأحكام

المتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلامية

إعداد

الشيخ محمد عبده عمر

عضو مجمع الفقه الإسلامي

نائب المدير العام للشئون الدينية

بسم الله الرحمن الرحيم

فبل الدخول في لب الموضوع، يجدر بنا أن نشير على بعض أبعاد الموضوع المطروح للبحث والدارسة، وبالتالي بناء الأحكام الشرعية عليه من قبل مجمعنا الموقر، لربما كانت تلك الأبعاد أو بعضها يلتبس أمرها، خاصة وأن المتتبع لمسائل الخلاف النظري في المذاهب الفقهية يجد الكثير من المسائل الفقهية، بل ومن أحكام القضايا والنوازل المستجدة يظهر الخلاف فيها بعد استنباط الحكم الشرعي لها بين الفقهاء.

ويكون مرجع خلافهم في الغالب الأعم ليس لخفيِّ مسالك الاجتهاد وطرقه وضوابطه الموصلة على استنباط الحكم الشرعي عند المجتهد، ولا إلى النص الشرعي، سواء أكان قطعي أم ظني الثبوت والدلالة ولا إلى قواعد القياس الأصولي أو الفقهي

إلخ. بل إن مرجع ذلك الخلاف غالبًا ما يكون نتيجة لعدم رؤية أبعاد النازلة أو الحادثة الفرضية أو المستجدة، وعدم استيعاب علاقة تلك النازلة أو القضية بالنصوص الشرعية على اختلاف مراتبها فضلًا عن علل النصوص التي ربط الشارع بها الأحكام الشرعية وجودًا أو عدمًا.

إن عدم وضوح التصور الصحيح لهذه القضية أو تلك في ذهن المجتهد يعكس نفسه في ذهن المجتهد على حكم تلك النازلة أو القضية الذي سوغ الاجتهاد من أجلها فضلًا عن المؤثرات الذهنية والنفسية الأخرى، والتي لا تعود إلى ذاتية النصوص الشرعية ولا إلى الأصول التابعة لها ولا إلى مسالك الاجتهاد وطرقه المتفق عليها بين جمهرة علماء الإسلام لمن اضطر الخلافات على روح الشريعة الإسلامية، إذ ليس لتلك الخلافات من مرجع سوى المؤثرات الذهنية المسبقة وقصور الرؤية العقلية الاجتهادية عن استيعاب أسباب النازلة ومسبباتها ونتائج أبعادها بالحكم الشرعي الاجتهادي صحة وفسادًا. ومن هنا وضع بعض فقهائنا قاعدتهم المشهورة " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " ومعلوم بأن معنى التصور الذي تعنيه القاعدة الفقهية الآنفة الذكر ليس مجرد التصور الذهني لهذه القضية أو تلك، بل إنها تعني التصور العلمي الذي يضبط الذهن والفكر عن أي خطأ في النظر الموضوعية للقضية أو النازلة المطروحة أمام حكم الله وشريعته الخالدة التي لها في كل فعل من أفعال العباد حكم من حل وحرمة وصحة وفساد وإباحة وكراهية إلخ.

ص: 1786

فما من فعل من أفعال المكلفين إلا وشريعة الإسلام الخالدة توصف ذلك الفعل وتحكمه من وجوب وحرمة وندب وكراهة وإباحة.

فالتصور المقصود هنا بطبيعة الملكة الفقيهة لعلمائنا رضي الله عنهم ليس مجرد التصور العقلي والنفسي ولكنه التصور الذي يعصم الذهن عن الخطأ في التفكير عند استنباط الأحكام الشرعية من أصولها. لأن التصور في اللغة: تفعل من الصورة فكأن صورة القضية أو النازلة قد انطبعت في ذهن المجتهد لكي يدرك المجتهد المتصور لها معناها الحقيقي، لأن معنى الإدراك: وصول نفس المجتهد وعقليته إلى معنى القضية المطروحة بتمامها. ومن هنا كان اجتهاد الفقيهة في القضايا والنوازل المستجدة لا يكفي فيها معرفة الحكم الشرعي من دليله، بل لا بد من تشخيص صورة تلك القضية أو النازلة في ذهن المجتهد وسبر أغوارها والإحاطة بشمولية البواعث والأسباب التي أدت إلى ظهورها، وبالتالي موازنة نتائج الحكم الشرعي بعين مقاصد الشريعة صحة وفسادًا وترجيح درء المفاسد على جلب المصالح عند التعارض، ومن هنا أيضًا ما أحوجنا على ضوء هذه القاعدة الفقهية الشهيرة إلى النظرة الموضوعية المجردة لكافة القضايا والنوازل المستجدة أمام مجمعنا الموقر، وإلى التأصيل العلمي الدقيق لتلك المسائل المستجدة والبعد عن التفريعات الجزئية على غرار الاجتهاد الفردي المذهبي وتلفيق الأحكام إيمانًا منا جميعًا بأن رسالة المجمع ليست فقط في مجال النظر في القضايا المطروحة والبحث عن حلول شرعية لها فحسب، بل إن رسالته في هذا المجال هو العمل على إخراج ثروة فقهية للأمة الإسلامية مؤصلة تبرز من خلالها صلاحية الإسلام وعظمة الشريعة الإسلامية ومعينها الخالد الذي لا ينصب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وإن من أخطر المشكلات التي تحتاج إلى النظرة الشمولية والاستيعاب الأمثل والنظرة الموضوعية وعدم تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه الموضوعية، والتي كانت محل عناية جهابذة علماء الإسلام في كافة ظروف الأمة الإسلامية وتحقيق مصالحها من ينابيع دينها الإسلامي الحنيف من أخطر هذه المشكلات التي تعتمل اليوم في حياة أمتنا الإسلامية منطقة الفراغ في التشريع الاقتصادي وتبريد الواقع المؤلم التي تعيشه الأمة الإسلامية، واتخاذ بعض من يدعون حرصهم على الشريعة موقفًا معينًا بصورة مسبقة تجاه النصوص الشرعية أو الأصول التشريعية الأخرى التابعة لها منطلقين من خداع الواقع التطبيقي متجاهلين نظرة الإسلام الاقتصادية في الإطار العام للاقتصاد الإسلامي وحكمة التشريع الإسلامي ونظرته إلى العدالة الاجتماعية بصورة شمولية لا تقبل التجزئة ولا التزوير.

ص: 1787

وما القضية المطروحة أمام مجمعنا اليوم إلا جزءًا لا يتجزأ عن فراغ التشريع الإسلامي في الحياة الاقتصادية للأمة الإسلامية. وبالتالي عدم استغلاليتها في صنع القرار أو التشريع الاقتصادي العادل والنابع من عقيدتها وإسلامها. ومن هنا نعتقد بأن النظرة الموضوعية والشمولية للقضية المطروحة، وبالتالي الوصول إلى الحكم الشرعي المجمعي لا يمكن أن يكون بمعزل عن الأسباب والمسببات والبواعث الظاهرة والمبطنة التي أدت إلى بروز هذه المشكلة بصورتها الحادة في عالمنا الإسلامي بدون استثناء. إن بحث تغير قيمة العملة والأحكام المتعلقة بها في الشريعة الإسلامية مسألة عالمية في عالمنا المعاصر، ومناط الحكم الشرعي فيها يقترض من وجه نظرنا كما تقدمت الإشارة إليه وضعها في صورتها المتكاملة والواضحة، والإلمام الدقيق بكل أبعادها وأسبابها ومسبباتها كقضية إسلامية عالمية عميقة الجذور ومتشعبة الجوانب لا يقتصر تأثيرها على شعب أو مجتمع بمعزل عما يدور في عالم البشرية اليوم نظرًا لترابط المجتمعات والشعوب التي لم يسد فيها ميزان العدالة الدولية حيث عمل الاستعمار ولا زال يعمل على نهب خيرات الشعوب، وعلى زرع الفتن بينها حتى لا تتفرغ لاستثمار ما أودعه الله في خزائن الأرض وأعماق البحار، كما عمل من جانب آخر على رفع ثمن السلع الاستهلاكية، وطلب قيمتها بالعملات الصعبة، والتي من خلالها يتم تحكمها على القيمة المالية للاقتصاد العالمي من خلال بنوكها ومصارفها العالمية، والذي يديرها اليوم كثير من يهود العالم والصهيونية العالمية بعد أن تمكنوا منذ قرون من جمع العملة النقدية، أي الذهب والفضة. وبالتالي فرضها على كافة شعوب العالم بما فيها شعوب أمتنا الإسلامية، وجعلها مقياسًا للقوة الشعوب الاقتصادية، والتي لا تملك منها الشعوب الفقيرة والنامية إلا نسبة ضئيلة لا تفي بجعل عملتها الورقية ولا حتى بقوة اقتصادها بأن تقف على قدم المساواة فضلًا عن ميزان العدالة في تقويم السلع المصدرة والمستوردة في القيمة المالية الحقيقة لما تصدره هذه الشعوب، حتى لا تملك الرصيد الذهبي الكافي لما تستورده، إضافة إلى هذا وذاك العمل على امتصاص العملة الصعبة إذا ما قدر لها الدخول بكميات ضئيلة إلى هذه الشعوب الفقيرة، منها على سبيل المثال بخس أثمان منتوجاتها، والتحايل عليها من عدم الحصول على العملة الذهبية بخلق الفتن ببن شعوبها، ومحاولة زعزعة الأمن في شئونها الداخلية، وبالتالي تصدير الأسلحة إلى هذه الشعوب التي قد لا تكون بحاجتها، وبالتالي أيضًا المقايضة غير المتكافئة. إن هذه العوامل والأسباب المؤثرة تأثيرًا مباشرًا على قيمة العملة في شعوبنا الإسلامية محليًا وعالميًا يجب أن تدرس بعناية وأن يؤخذ كل سبب يمت إلى تغير قيمة العملة بعين الاعتبار عند النظر في تأصيل الحكم الاجتهادي ذات الصبغة الإسلامية العالمية، وليس حكمًا اجتهاديًا بمعزل عما يعتمل في عالم الأمة الإسلامية ومن حولها وهذا ما قصدت الإشارة إليه في هذه المقدمة.

ص: 1788

لقد أصبحت المشكلة الاقتصادية في عصرنا الراهن من الخطورة أنها تمس حياة الأفراد والجماعات والدول، وعلى وجه العموم ما ينتج عن ذلك من التضخم وتدهور القيمة الشرائية حيث تضعف القوة الشرائية النقدية، وبنفس الوقت ترتفع قيمة السلع الاستهلاكية والمنافع والخدمات التي تبذل عوضًا عنها حيث تقيم تلك العملة النقدية التي رخصت قيمتها في المجمع والتي لا تقف عند حدود المجتمع الذي أصدرها كعملة رسمية له. بل إن سياسة الاقتصاد العالمي تفرض نفسها على هذه الدولة أو تلك خفض قيمة عملتها النقدية بما يتناسب مع وضعها الاقتصادي، وبالتالي مع رصيدها الذهبي لتلك العملة هبوطًا أو صعودًا والتي تتحكم به صهيونية رأس المال العالمي.

ولقد حاولت تلك الدول الفقيرة اتباع سياسة اقتصادية معينة للحفاظ على قيمة عملتها النقدية فاتخذت إجراءات معينة منها منع خروج عملتها خارج حدود سيادتها الوطنية إلا بصورة شرعية وضمن قوانين اقتصادية محددة وشرعت قوانين اقتصادية خاصة بالعملة الأجنبية التي تدخل أراضيها سواء كانت تلك العملة ذهبًا أو فضة أو عملة ورقية أو معدنية أو من أي شكل من أشكال العملة الأجنبية، فمنعت تلك القوانين التعامل بتلك العملة الأجنبية داخل حدود سيادتها واعتبرت تلك القوانين جزءًا لا يتجزأ من النظام العام ومن السياسة الاقتصادية الحكيمة التي لا يجوز مخالفتها أو الإخلال بها لما ذلك من تأثير سلبي أو إيجابي على الوضع الاقتصادية لهذا النظام أو ذاك هذا ما يعتمل في عالم السياسة الاقتصادية الدولية في عالم اليوم. وخشية الإطالة في هذا المجال واختصارا للموضوع فإنني أحيل كل من يتفضل بالاطلاع على هذا البحث إلى الاطلاع على مقدمة بحثي المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي الموقر في دوره الثالثة المنعقدة في 11 أكتوبر 1986 بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، والتي أطلت فيها نفس القلم وعلى وجه الخصوص المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي وخاصة دول العالم الثالث التي لم تتخلص بعد برغم نضال بعضها الجسور من سيطرة النفوذ الاقتصادي، بل واستغلالها لاقتصاد وخيرات أغلب دول العالم الثالث تحت أقنعة وأساليب متنوعة وعديدة، وبعضها بالأسلوب الابتزازي المكشوف وخاصة من قبل الدول الرأسمالية وفي مقدمتها الصهيونية العالمية التي تمتلك أغلب احتياط الذهب في عالمنا المعاصر، وعالجت فيها بعض ما يعتمل اليوم من وضع اقتصادي مترد للدول النامية من وجهة نظر الشريعة الإسلامية لنظام اقتصادي يساعد المجتمع الدولي بوجه عام، والعالم الإسلامي بوجه خاص على اجتثاث النظام الاقتصادي الاستغلالي في عالم اليوم ويضع الأسس العادلة لنظام اقتصادي عالمي خالٍ من الاستغلال والابتزاز الذي قد يؤدي في الأخير إلى الإضرار بالسيادة الوطنية كما هو الحال الذي وصل إليه عالمنا العربي والإسلامي.

ص: 1789

هذا فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية للدول، والتي لا يمكن بحث السياسة الاقتصادية للأفراد بمعزل عن السياسة الاقتصادية الدولية في مجال المعاملات الفردية، وبالتالي لا يمكن أن تظهر هذه القضية من وجهة نظر الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات الفردية بعيدًا عن أسبابها ومسبباتها الدولية والتي أصبحت تؤثر تأثيرًا مباشرًا على تصرفات الأفراد، وبالتالي أيضًا، فإن الحكم الاجتهادي المعجمي لا يمكن أن يحيط بوجهة النظر الفقهية في الشريعة الإسلامية دون التصور العلمي الصحيح الذي يعصم الذهن عن الخطأ في التفكير عند النظر إلى مقاصد الشرعية وأسرارها الإلهية الحكمية، وهذا ما عنيت به هذه المقدمة من التصور الشمولي وعدم جريد النص الشرعي أو الأصول الاجتهادية التابعة للنصوص من ظروفه وشروطه وتعليل مقاصد الشارع الحكيم.

بعد هذه المقدمة: نجد من الضروري في المسألة المطروحة الإشارة إلى العلة الشرعية التي قصدها الشارع عند تشريعه أحكام العملة من النقدين الذهب والفضة وإلى أسباب اختلاف الفقهاء في تلك العلة لما لمعرفة تلك العلة وأسباب الاختلاف في تحقيق مناطها من أهمية خاصة على تأصيل النظرة الفقهية الاجتهادية وعلى وجه الخصوص محل النظر في الحكم الشرعي الاجتهادي.

فقد روى الإمام مسلم – رضي الله عنه – في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر وبالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد،فإذا اختلت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدًا)) وفي بعض الروايات: ((فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)) لقد بحث جمهور الأصوليين عن العلة الشرعية التي هي مناط أحكام الشارع حيث ذهب البعض منهم وهم الأحناف على أن العلة الشرعية التي هي مناط أحكام الشارع في النقدين الذهب والفضة هي: الوزن: أي أن تحريم الشارع للتفاضل إنما هي علة الوزن: أي كون الذهب والفضة من الموزونات، وبالتالي فإن تحقيق مناط العلة في الوزن عند الأحناف يلحق بها كافة الأشياء التي توزن كل ما يوزن يعطى نفس الحكم بجامع العلة بين الأصل والفرع. مثل النحاس والحديد والرصاص

إلخ.

كما ذهب الإمام الشافعي والإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد – رضي الله عنهم – إلى أن علة تحريم التفاضل بين الذهب بجنسه والفضة بجنسها: إنما هي الثمنية، أي كون هذين الصنفين أثمانا للأشياء بمعني أن أثمان الأشياء تقوم بهما، ولأنهما أيضًا أثمان بالخلقة.

ص: 1790

تحرير محل الخلاف

في مناط العلة الشرعية في النقدين الذهب والفضة

لسنا بحاجة إلى الحديث عن العلة في الأصناف الأربعة الأخرى التي تناولها الحديث المذكور التزامًا للموضوعية وخشية التطويل. ولكننا بالمقابل نرى ضرورة تحرير محل الخلاف في تحقيق المناط في علة تحريم التفاضل بين النقدين الذهب والفضة بجنسيهما لما لهذا التحقيق من فائدة في إعطاء المسألة المطروحة حقها في النظرة الأصولية، ولما في تحقيق المناط من إظهار خصوصيات التعامل بين الناس، ولما في عدم فهم تلك الخصوصيات من خطورة الوقوع في الربا، ونذكر هنا وجهة نظر الأصوليين في تحقيق مناط العلة ونعقب بذكر المختار من طرقهم ونعترض على ما يتطرق الاعتراض إليه أن تحقيق المناط الأصولي ليس من مسالك العلة باتفاق الأصوليين، بل هو دليل تثبت به الأحكام الشرعية، وبالتالي فلا خلاف بين جمهور الأصوليين في وجوب العمل به على اختلاف مذاهبهم الفقهية، إذ لا يمكن التكليف إلا به في الأحكام الاجتهادية وتحقيق المناط وإلحاق الفرع بها في الحكم الاجتهادي إنما يكون بعد الاتفاق على تحقيق تلك العلة في الأصل.

ومما لا شك فيه بأن النصوص الشرعية في الكتاب والسنة متلقيان بالقبول والتسليم وكذا الإجماع لكونه ملحقا بهما: أي بالكتاب والسنة. أما القياس وهو الأصل الرابع من الأصول الشرعية، فإنه مستند في حقيقته إلى الأصل الثالث: أي الإجماع وبالتالي ـ، فإن حكمه يعتمد على أصل متفق عليه وهو الإجماع.

وأما الاستدلال وهو الذي يتوصل إليه المجتهد باجتهاده فليس له أصل في الأصول الثلاثة يشهد له وليس يدل لعينه دلالة أدلة العقول على مدلولاتها، وبالتالي، فإن انتفاء الدليل على العمل بالاستدلال دليل انتفاء العمل به.

وهذا المنطق الأصولي هو الذي حرر عقول المجتهدين من التقليد والالتزام بما توصل إليه المجتهد باجتهاده عن طريق الاستدلال لكون استدلال المجتهد لا دليل عليه يدل على الالتزام به عند من له ملكة الاجتهاد والاستدلال للوصول إلى الحكم الفقهي الاجتهادي. ومن هنا اتسعت نظرة المجتهدين فجالت وصالت واعتصرت العقول في أدلة الشريعة الإسلامية المطهرة وأنتجت تلك الثروات العلمية العظيمة التي زخرت بها مكتبات العالم ودور العلم ولا زالت تلك الينابيع تفيض من معينها الصافي العذب الذي لا ينصب ولا شك بأن هناك نصوصًا شرعية حصرت معانيها الأصول وضبطتها النصوص فهي منحصرة ومنضبطة بضبط الشارع لها.وهناك نصوص لم تحصر معانيها تلك الأصول، وبالتالي لا يمكن أن تضبطها نصوص الشرع، وبالتالي يتسع الأمر للاجتهاد واتباع وجوه الرأي واختلاف تلك النظرة الاجتهادية تبعًا لاختلاف الزمان والمكان.

ص: 1791

وهذا منطلق وجهة نظر الإمام الشافعي – رضي الله عنه – حيث توصل إلى أن العلة في تحريم التفاضل في النقدين الذهب والفضة بجنسيهما إنما هو مطلق الثمنية. وهي وإن كانت علة قاصرة لا تتعدى محل النص ولا تتعدى معلولها لكونها محل الحكم أو وصفًا لا زمًا له.

على الرغم من مناقشة الأحناف للإمام الشافعي أصوليًا في إثبات العلة القاصرة وتحديد وظيفتها وعلاقتها بالمسألة المطروحة؛ حيث احتج الأحناف للإمام الشافعي بأن علة الثمنية في النقدين: الذهب والفضة علة قاصرة لا تتعدى معلولها، أي نص الشارع: على الذهب والفضة. وبالتالي فما قيمة هذه العلة القاصرة ما دام الحكم قد أخذ من النص مع أن العلة في نظر الأحناف. إنما هي لإلحاق شيء بشيء، والعلة القاصرة على مذهب الإمام الشافعي ليس فيها إلحاق شيء بشيء ورد الشافعية على الأحناف بأن العلة القاصرة لها فائدتان: أحدهما نعلم من خلال العلة القاصرة بأن النقدين أي: الذهب والفضة لا يقاس عليها غيرهما، وبالتالي لا نطمع أن نقيس عليهما شيئًا آخر من أنواع النقود، والثانية أنه قد يحدث شيء يشترك مع هذه الأشياء بجامع العلة في الأصل فيلحق بها.

وهنا نجد سلامة تحقيق مناط العلة الشرعية عند الإمام الشافعي وهذا الترجيح في نظرنا ينسجم مع القرار الذي توصل إليه المجمع في دورته الثالثة بعمان بشأن أحكام النقود وتغير قيمة العملة حيث جاء فيه: (فقد قرر المجمع أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها) .

فقد قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – انطلاقًا من أن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية قال: في 3 / 33 من كتاب الأم، ما نصه:(ومن سلف فلوسًا أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي سلف أو باع بها) .

وقال أيضًا: (وإن أبطلت السلطة المصدرة لهذه العملة التعامل بها فإنه لا يلزم المدين سواها وفاء بالعقد إذ هي المعقود عليها دون غيرها) ، وهو القول المشهور من مذهب المالكية رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 1792

وقال أيضًا: (وحتى لو زادت الجهة المصدرة لهذه العملة أو أنقصته فلا يلزم المدين إلا ما جرى عليه العقد، فإذا ما تغيرت قيمة النقد غلاء أو رخصًا بعد ثبوته في ذمة المدين سواء أكان قرضًا أو دينًا أو مهرًا أو ثمن مبيع أو غيره، فليس يجب في ذلك إلا ما جرى عليه العقد، لأنه هو الذي جرى عليه التعاقد لا غيره) ، وهذا هو القول المشهور للأحناف والمالكية، وهو أيضًا قول الإمام الشافعي والحنابلة كما نقله عنهم صاحب كتاب (بدائع الصنائع 7 / 3245) .

فقد قالوا جميعًا رضي الله عنهم (إنما يجب على المدين أداؤه إنما هو نفس النقد المحدد في العقد والثابت دينًا في الذمة دون زيادة أو نقصان وليس للدائن سواه) .

وقال ابن قدامة في المغني: (وأما رخص السعر فلا يمنع ردها سواء أكان كثيرًا مثل إن كانت عشرة دوانق فصارت عشرين دانقا أو قليلا، لأنه لم يحدث فيها شيء وإنما تغير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت) .

وكلام الإمام الشافعي ومن وافقه من الأئمة رضي الله عنهم هذا إنما هو في الديون والمهور والعقود التجارية وغيرها التي لا ارتباط لها عند وجوبها بالقوة الشرائية للنقد، أما الديون التي روعي في تحديدها قوة النقد الشرائية وقت الوجوب، ثم طرأ التضخم المالي وانخفضت تلك القوة الشرائية، فإنها تتغير بحسب نسبة التضخم الحادث كما في دين النفقة إذا أقدره وفرضه على من تجب عليه بالنظر إلى أسعار الأشياء التي يحتاجها مستحق النفقة وقت التقدير من قبل جهات الاختصاص كالمحاكم وغيرها، ثم ارتفعت أسعار هذه الحاجيات في السوق ففي هذه الحالة يحكم بتغير الدين تبعًا لتغير الوضع المالي للنفقة، لأن القاعدة التي يبني عليها تقدير النفقة، إنما هو تحقيق الكفاية للمنفق عليه، وهذا المبلغ المقرر بعد طروء التضخم أصبح غير كافٍ للوفاء بالغرض المناط به، فلهذا يتغير الدين تبعًا لتغير مناطه ويزاد مقداره وفقًا لنسبة التضخم الحادث.

إن المجتهد في مسألتنا هذه من وجهة نظري عندما ينظر إلى العقود وما اشتملت عليه من معاملات بما في ذلك القروض والديون الثابتة في الذمة وكذا عقود التجارة والمهور إلى غير ذلك لا يجد مجالًا للاجتهاد إذا كان ما اشتمل عليه أي عقد من العقود عملة محددة مسماة سواء غلت أو رخصت عند حلول وقت الأداء، فلا يلزم شرعًا من عليه الأداء أن يؤدي غير ما اشتمل عليه ذلك العقد وهذا هو ما تعورف عليه بني سلف الأمة وخلفها، لأن تضخم العملة وانكماشها بعد وجوبها في الذمة تجاه السلع والمنافع والخدمات التي تبذل عوضًا عنه لا دخل فيه ولا حيلة لمن وجب ذلك في ذمته.

إن المجتهد أول ما ينظر في معاملات الناس وتصرفاتهم إلى صيغ تلك العقود وما تشتمل عليه تلك الصيغ من صحة أو بطلان انطلاقًا من قاعدة العقود في الشريعة الإسلامية من أن كل عقد ملزم للمتعاقدين عند توفر شروط العقد الصحيح وانتفاء موانعه. وهذه القاعدة هي ما عبر عنها في القانون المدني الوضعي: العقد شريعة المتعاقدين، مع احتفاظ القاعدة الشرعية بتوافر الشروط وانتفاء الموانع. فالمجتهد عندما ينظر في نزاع المتعاقدين، بفتوى أو بحكم قضائي ملزم لا ينظر إلى زيادة سعر العملة في السوق أو نقصانها وإنما ينظر أول ما ينظر إلى صفة العقد وصيغته وما اشتمل عليه، فإذا وجد صفة العقد وصيغته سليمة من العيوب المبطلة أو المفسدة شرعًا، فإنه ولا شك يفتي أو يحكم على المتعاقدين الوفاء بما التزما به طالما كان التزامهما صحيحًا شرعيًّا، فإذا كانت صيغة العقد تنص على مبلغ مائة دينار يمني أو كويتي على فلان من الناس لآخر وتوافرت شروط ذلك العقد وانتفت موانعه.

ص: 1793

وكان الدينار المنصوص عليه في صيغة العقد قائم الاعتبار القانوني في التعامل به بين الناس – فإن من عليه المبلغ المذكور في صيغة العقد وقت حلول الأجل سواء ارتفع ذلك المبلغ بعملة أخرى أو نزل، ذلك لأن تحديده وتعيينه في صيغة العقد الشرعية قد قطع كل ما يؤدي إلى النزاع بين المتعاقدين. والقول هنا بدفع ما يعدل ذلك السعر الذي كان عليه يوم البيع أو العقد، أي وقت ثبوته في الذمة قول مخالف لصيغة العقد الشرعي نفسها ومخالفة صريحة لما تم عليه التعاقد، وكل ما أدى إلى بطلان العقد الشرعي الصحيح، فهو باطل وهذا أمر في غاية الخطورة، إذا لا يقف الأمر فيه عند التلاعب بالعقود وبطلانها، بل إنه يؤدي أيضًا إلى جهالة الثمن، لأن الثمن ما اشتمل عليه ذلك العقد قد يحسب بحسب صرف قيمة العملة التي اشتملت عليها صيغة العقد وقت الأداء والذي لم يكن مذكورًا في العقد، وبالتالي لا شك أنه يؤدي إلى عدم حسم النزاع. علمًا بأن مقاصد الشريعة في أحكامها الثابت في تصرفات الناس ومعاملاتهم وقطع النزاع وسد الذرائع التي تؤدي إلى إثارة أي خلاف. ولا شك بأن تجاهل ما اشتمل عليه العقد، وبالتالي عدم ثبات قيمة العملة في عالم اليوم كفيل بفتح أبواب النزاع والخلاف ، وبالتالي عدم الثبات القانوني في معاملات الناس وما لهذا شرعت العقود في شريعة الإسلام. ومن هنا نعلم دقة المفاهيم الفقهية لعلمائنا عند وصفهم شروط معرفة الثمن وقدره وصفته، كل ذلك لم يكن إلا مخافة النزاع وحرصهم على تحقيق مقاصد الشريعة مع احترام عقود الناس وثبات معاملاتهم.

وهنا أيضًا كيف للمجتهد تجاهل تلك الأركان والشروط التي نص عليها فقهاؤنا والتي شددوا على توافرها وانتقاء موانعها. وبالتالي يجتهد في حكم سعر تلك العملة والتي هي أصلا خارجة عن نطاق صيغة العقد الشرعي الملزم، فعندما يقرض إنسان آخر مبلغًا من المال إلى أجل معين رفقًا به وتفريجًا لكربته ودفعًا لحاجته، فإذا ما حان أجل الوفاء، فإن المقرض قد يجد بأن هذا المبلغ الذي عاد إليه أقل أو أكثر من المبلغ الذي دفعه للمقترض سواء من حيث قوته الشرائية أو من حيث قيمة العملة الذهنية أو العملات الأخرى يوم أن أقرضه وإن كان مماثلًا له في الجنس والعدد.

إن زيادة القيمة الشرائية للنقد أو نقصانها وكذا زيادة صرف العملة النقدية أو هبوطها، هو ما درجت عليه معاملات الناس منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، فكثيرًا ما يشترى التجار بضائع بنقد محدود مؤجل الوفاء إلى أجل محدد متفق عليه وعندما يحل الأجل ويحين وقت الأداء يجد كل واحد من المتعاقدين أن المبلغ المتفق عليه والذي تم عليه التعاقد قد اختلف حاله من حيث القوة الشرائية أو من حيث القيمة بالنسبة للعملات الأخرى عن الوضع الذي كان عليه وقت وجوبه في الذمة (وقت العقد) . كما جرى عرف المسلمين على جعل مهر الزوجة أو بعضه مؤجلا في الذمة لا يحل أداؤه إلا بالموت أو الفرقة، وكثيرًا ما يدخل علي تغير قيمة العملة وقد يكون النقص فاحشًا عند حلوله بالنظر إلى يوم ثبوته في الذمة، وأما لو انقطع التعامل بهذه العملة، وهو ما يسمى بعرف الفقهاء بكساد العملة بأن حل محل الدينار اليمني أو الكويتي أو الجنيه المصري أو الإسترليني

إلخ عملة أخرى فإن الحكم هنا يختلف في هذا الحال، إذ ليس لصاحب الحق إلا بما يعادل تلك القيمة المالية بحسب الصرف يوم حلول أجل الأداء من أي نوع من العملة القائمة الاعتبار القانوني بين الناس.

والله أسأل أن يوفق مجمعنا إلى استلهام الحق وتقرير الحكم الشرعي لهذه المسألة الهامة في حياة الأمة الإسلامية بما يتفق ومقاصد الشريعة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمد عبده عمر

ص: 1794

مناقشة البحوث

بسم الله الرحمن الرحيم

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينًا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في جلستنا هذه لدينا موضوع " تغير قيمة العملة " وقد أعد فيه نحو عشرين بحثًا سبق وأن وصلكم منها إحدى عشر بحثًا، وهو من الموضوعات المؤجلة من الدورة الرابعة. والمقرر لهذه الدورة هو فضيلة الشيخ محمد بن سليمان الأشقر والعارض هو فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني. وقبل أن يعرض الشيخ تقي، أحب أن أذكر إلى أنه قد أضيف إلى لجنة الوعد والمرابحة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي. فليتفضل الشيخ تقي عثماني بالعرض عن موضوع " تغير قيمة العملة".

القاضي محمد تقي العثماني:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.

فأريد أن أقسم عرضي هذا على ثلاثة أقسام: الأول شرح المسألة المطروحة في هذا الموضوع، والثاني تقديم وجهات النظر المختلفة التي رأيناها في البحوث المقدمة من السادة الباحثين الذين كتبوا في هذا الموضوع، وثالثًا تقديم رأيي في هذا الموضوع.

فأما عرض المسألة فهو إن مسألة تغير قيمة العملة، وربطها بقائمة الأسعار إنما نشأت للنظام النقدي المعاصر. كانت العملة فيما سبق مرتبطة بعيار مخصوص من الأثمان، كالنقود الذهبية أو الفضية، ترتفع قيمتها وتنخفض بالنسبة إلى ذلك العيار المخصوص. ولكن النقود الورقية اليوم ليست مرتبطة بثمن خلقي، وإنما هي تمثل قوة شراء مخصوصة باصطلاح من جهتها المصدرة. فلا تتفاوت قيمتها بالنسبة إلى عيار مخصوص من الأثمان، وإنما تتفاوت بغلاء الأشياء ورخصها. فكلما غلت البضائع في السوق انتقصت قوة شرائها، فكأنما انتقصت قيمتها، وكلما رخصت البضائع زادت قوة شرائها، فكأنما ارتفعت قيمتها.

ص: 1795

وبعبارة علم الاقتصاد المعاصر: إن قيمة النقود إنما تنبني اليوم على مقدار التضخم أو الانكماش الموجودين في البلاد. فكلما ازداد التضخم انتقصت قيمة النقود، وكلما ازداد الانكماش ارتفعت قيمتها. ونتيجة هذه الحالة: أن ينخفض مستوى أسعار البضائع والخدمات فيحدث رخص عام في حالة الانكماش لأن العرض قد ازداد على الطلب فانخفضت الأسعار. وإن النقود في حالة الانكماش تستطيع أن تشتري كمية كبيرة من البضائع. ولكن لا تستطيع هذه النقود في حالة التضخم أن تشتري إلا كمية أقل مما كانت تشتري في حالة الانكماش.

فالسؤال المطروح اليوم: هل تعتبر المائة روبية في حالة تضخم مثل المائة روبية في حالة الانكماش في أداء الحقوق والالتزامات؟ أو تعتبر أنها صارت خمسين إذا كانت نسبة التضخم خمسين في المئة مثلًا؟ فمن استقرض من رجل مائة روبية في حالة الانكماش، هل يؤدي مائة روبية بالعدد في حالة التضخم؟ أو يؤدي مائتي روبية نظرًا إلى انخفاض قيمتها، وانتقاص قوة شرائها بقدر الخمسين في المائة؟ وقد يرى بعض الاقتصاديين أن أداء مائة روبية بالعدد في هذه الحالة ظلم على المقرض لأن المستقرض إنما يرد عليه نصف القوة الشرائية التي دفعتها إليه المقرض. وقد اقترح بعض الاقتصاديين لحل هذه المشكلة أن تستخدم قائمة الأسعار كمعيار لتقويم النقود، ويكون أداء الحقوق والالتزامات على أساس قيمة النقود المرتبطة بقائمة الأسعار. وإن قائمة الأسعار، قائمة تدرج فيها معظم البضائع والخدمات المتداولة في البلاد، ويذكر فيها سعرها الرائج في ابتداء السنة المالية مثلًا، ثم يذكر سعرها الرائج عند انتهاء السنة، والفرق بين هذين السعرين يمثل نسبة تفاوت الأسعار بطريق حسابي مخصوص. وتعتبر هذه النسبة نسبة تغير قيمة النقود. فإذا كانت هذه النسبة زيادة العشرة في المائة، مثلًا، فإن الحقوق الملتزم بها في ابتداء السنة تؤدي في نهايتها بزيادة العشرة في المائة، فمن استقرض مائة روبية في ابتداء العام يؤديها عند انتهاء العام مائة وعشر روبيات. وإن هذا الطريق يستخدم في بعض البلاد في أداء الأجور، وقضاء الدين.

ص: 1796

فالمسألة المطروحة أمامنا اليوم هو أن نبحث عن مدى جواز استخدام هذا الطريق من الناحية الشرعية. ونبحث عن الحلول لما يقال من الظلم في أداء مثل ما اقترضه المستقرض عددًا. والبحوث التي كتبت في هذا الموضوع نحو أحد عشر بحثًا وقد رأيت أن الذي تحدثوا عن هذه المسألة منقسمون إلى خمس وجهات للنظر.

فالوجهة الأولى هي القائلة بأن القرض يدفع بالمثل والعدد لا بالقيمة ولا تعتبر القيمة في حال من الأحوال مهما كانت نسبة التغير، نسبة التضخم قليلة أو كثيرة ومنهم فضيلة الشيخ الصديق الضرير وفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري والأستاذ علي أحمد السالوس ومحمد علي عبد الله. والوجهة الثانية التي تقول إن القيمة هي المعتبرة في أداء الديون والقروض ولا يعتبر المثلية في العدد والوكيل والوزن، ومنهم فضيلة الشيخ عبد اللطيف الفرفور والأستاذ عجيل جاسم النشمي حفظهم الله تعالى.

وهناك وجهة نظر أخرى وهي التي تقول: إننا نأخذ بالمثل في الأحوال العامة ولكن إذا كان التغير فاحشًا بما يدخله في الغبن الفاحش فحين ذلك نرجع إلى القيمة وهو رأي الأستاذ علي محيي الدين القره داغي.

وهناك رأي رابع وهو أن المدين إذا وفى بوعده وأدى القرض في موعده المحدد فعند ذلك لا يطالب إلا بالمثل. وأما إذا لم يف بوعده ولم يؤد الدين في وقته المحدد عند عقد الاقتراض فحين ذلك يطالب بالقيمة لا بالمثل فقط. وهذا الرأي الرابع يبدو أنه رأي فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع والدكتور يوسف محمود قاسم.

وهناك رأي خامس ذكره الأستاذ محمد سليمان الأشقر في بحثه وهو أن للحكومة أن تحكم بنسبة مئوية تضاف على القرض كلما وقع عقد القرض فإن تلك النسبة المئوية تضاف إلى مبلغ ذلك القرض.

هذه آراء خمسة التقطتها من هذه البحوث المعروضة لدينا، وأما رأيي فهو كالتالي:

ص: 1797

أما ربط القروض وسائر الديون بقائمة الأسعار، فإنني قد قسمت المسألة إلى قسمين:

الأول مسألة الديون، والثاني مسألة الأجور، وأفردت لكل واحد منهما بحثًا.

أما ربط القروض وسائر الديون بقائمة الأسعار، فالمقصود منه أن لا يرد المستقرض إلى المقرض مبلغ قرضه فحسب، بل يضيف إليه قدرًا زائدًا بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار. ويحتج بعض الاقتصاديين على جواز هذا الربط بأن هذه الزيادة ليست زيادة حقيقية، وإنما هو رد لنفس المالية التي اقتراضها لأن مالية الألف روبية مثلًا من حيث قوة شرائها كانت أكثر عند الاقتراض، وانتقصت عند الأداء بنسبة 10، فلو رد المقترض ألف روبية كان ذلك ظلمًا على المقرض، لأن لم تعد إليه المالية الكاملة التي أقرضها. ولكن الحق، إن هذا الدليل لا ينطبق على القواعد الشرعية بحال من الأحوال، لأن القروض يجب في الشريعة الإسلامية أن تقضى بأمثالها، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، حتى القائلون بجواز ربط القروض بالأسعار، فبقي الآن تعيين معنى المثلية. فالسؤال الأساسي هنا: هل يجب أن تتحقق هذه المثلية في القدر – أي الكيل والوزن، والعدد – أو المثلية في القيمة والمالية؟ والذي يتحقق من النظر في دلائل القرآن والسنة ومشاهدة معاملات الناس، أن المثلية المطلوبة في القرض هي المثلية في المقدار والكمية، دون المثلية في القيمة والمالية. ويدل على ذلك دلائل:

1 – لو اقترض الرجل صاعًا من الحنطة، وقيمتها يومئذ خمس روبيات مثلًا، فلم يودها إلى المقرض إلا بعدما صارت قيمتها روبيتين فحسب، فإنه لا يرد إلى المقرض إلا صاعًا واحدًا، رغم أن مالية الصاع الواحد قد انتقصت من خمس روبيات إلى روبيتين وهذا بإجماع الفقهاء قديمًا حديثًا، ولا يقول في ذلك أحد إن رد الصاع الواحد بعد انتقاص ماليته ظلم على المقرض، فينبغي أن تضاف إلى الصاع زيادة بنسبة نقصان قيمته، وهذا من أوضح الدلائل على أن المثلية المعتبرة في القرض إنما هي المثلية في المقدار، لا في القيمة المالية. وربما يقال جوابًا عن هذا: إن الحنطة بضاعة لها مالية في حد ذاتها، فلا تقاس عليه النقود الورقية التي ليست لها قيمة أو مالية ذاتية. ولكن هذا الجواب – فيما يبدو لي – خلط للمبحث، لأن السؤال هنا عن تعيين معنى المثلية المطلوبة في القرض، فما دامت المثلية المطلوبة هي المثلية في المقدار دون القيمة والمالية، فليس هناك فرق جوهري بين الحنطة والنقود في هذا المجال، لأن لكل منهما مقدارًا، وقيمة، فإن كانت المثلية المطلوبة في الحنطة هي المثلية في المقدار، فلتكن المثلية المطلوبة في النقود مثلية المقدار كذلك. ولو اعتبر تفاوت القيمة والمالية هدرًا في الحنطة، فليكن ذلك هدرًا في النقود سواء بسواء.

ص: 1798

2 – من المسلم لدى الجميع أن التماثل مطلوب في القروض للاحتراز عن الربا، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا التماثل المطلوب في أحاديث ربا الفضل بكل صراحة ووضوح. وقد ذكرت أحاديث ربا الفضل وهي معروفة لدى كل صاحب علم فلا أريد أن أقرأها بنصوصها. وإن هذه الأحاديث كلها ناطقة بأن التماثل المعتبر في الشريعة إنما هو التماثل في القدر، ولا عبرة بالتفاضل في القيمة ما دامت الأموال ربوية. وهذا في المبايعة نقدًا – وهذه نقطة مهمة جدًّا- فما بالك في القروض التي يجري فيها أصل الربا والتي يحترز فيها عن كل زيادة وشبهتها. وهناك حديث آخر يوضح معنى المثلية في الديون خاصة وهو ما أخذه أبو داود وغيره عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالي عنهما – قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة – رضي الله عنها – فقلت: يا رسول الله، رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالنقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفرقا وبينكما شيء)) . (سنن أبي داود، كتاب البيوع، رقم 3354، 3 / 250) ، ووجهة الاستدلال بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لابن عمر – رضي الله عنهما إذا وقع البيع على الدنانير أن يأخذ بدلها الدراهم بقيمة الدنانير يوم الأداء لا يوم ثبوتها في الذمة ، يعني إذا وقع البيع على دينار مثلًا، وقيمته وقت البيع عشرة دراهم ، ثم لما أراد المشتري الأداء لم يكن عنده إلا دراهم وقيمة الدينار الواحد يوم الأداء أحد عشر درهمًا، فإنه يؤدي إليه أحد عشر درهمًا.

ص: 1799

ولذلك لما سأل بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما – عن كري لهما، له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير، أجاب ابن عمر – رضي الله عنهما: اعطوه بسعر السوق. فتبين أن القيمة إنما تعتبر يوم الأداء، لا يوم الثبوت في الذمة. ولئن كانت المثلية المعتبرة في الديون المثلية في القيمة، لوجبت قيمة الدنانير يوم الثبوت في الذمة وهذا واضح جدًا.

3 – من المسلم لدى جميع الفقهاء في ضوء القرآن والسنة أن الواجب في عقد القرض اشتراط أداء المثل الحقيقي في القدر، دون المثل المقدر بالجزاف والتخمين، حتى لو أقرض الرجل صاعًا من الحنطة، واشترط أن يرد إليه المستقرض صاعًا منها بالجزاف، لا على أساس الكيل، لم يجز هذا العقد، لأن المجازفة في الأموال الربوية لا تجوز وهنا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع المزابنة وهو بيع التمر على رئوس النخل بتمر مجذوذ. وليس وجه الحرمة في هذا البيع إلا أن التمر المجذوذ يمكن معرفة قدرة بالكيل، وأما التمر القائم على رءوس النخل فلا يمكن معرفة فدره إلا بالمجازفة والتخمين، فحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاقًا، مهما كانت المجازفة دقيقة أو قريبة من الصواب.

فالسبيل الوحيد في مبادلة الأموال الربوية بعضها ببعض، أن يقع التبادل على أساس التماثل الحقيقي دون التماثل المقدر بالمجازفة. إذا ثبت هذا، فإن التماثل المقترح في ربط الديون بقائمة الأسعار، ليس تماثلًا فعليًّا، وإنما هو تماثل مقدر على أساس المجازفة والتخمين. لأن نسبة الزيادة والنقصان في الأسعار ليست إلا نسبة تقريبية إنما تقدر على أساس حساب مخصوص لا يرجع إلا إلى المجازفة والتخمين. ويجب لمعرفة هذه النقطة أن نعلم كيفية وضع قائمة الأسعار، وطريق استخدامها لتعيين قيمة النقود.

ص: 1800

من المعلوم أن النقود، سواء كانت نقودًا معدنية أو ورقية، لا يقصد بها ذاتها، فإنها بذاتها لا تسد جوعًا، ولا تستر جسمًا، ولا تدفع شهوة، ولا ترد ضررًا. وإنما المقصود من هذه النقود أن يشتري بها المرء ما يحتاج إليه في حياته من بضائع وخدمات. فمن هذه الجهة كل نقد له قيمتان: الأولى: قيمته الاسمية وهي المكتوبة عليها، والثانية: قيمته الحقيقية وهي الفائدة العملية الحقيقة التي يحصل عليها المرء بصرفها في حاجاته، وبعبارة أخرى: هي مجموعة من البضائع والخدمات التي يمكن للمرء أن يشتريها بتلك النقود. وإن هذه المجموعة من البضائع يسميها الاقتصاديون اليوم " سلة البضائع ". فالقيمة الحقيقية للنقود هي سلة البضائع الممكن اشتراؤها بها. ثم إن البضائع والخدمات المندرجة في السلة ليست على مستوى واحد من الأهمية، فبعضها أهم من بعض. فالحنطة مثلًا أهم من الثوب والثوب أهم من الشاي. ولا شك أن تغير السعر فيما هو أهم أكثر تأثيرًا على حياة المرء من تغيره فيما هو أقل أهمية. فلو ارتفعت قيمة الحنطة فإنه يحدث مشاكل أكثر مما يحدثه ارتفاع قيمة الشاي.

فلأجل الوقوف على التغير في قيمة النقود الحقيقية يأخذ الاقتصاديون أهمية كل بضاعة من هذه البضائع رقمًا على أساس أهميته وإن هذا الرقم يسمى وزن البضاعة، وإن هذا الوزن ربما يحاسب على أساس نسبة الرواتب المصروفة في شراء تلك البضاعة كل شهر. فمعدل تغير قيمة السعر في كل بضاعة يضرب في وزنها والحاصل هو المعدل الموزون لكل بضاعة. وقد أعطيت لذلك أمثلة فعلية ولكن المقصود هنا أننا لو نظرنا في هذا الطريق الحسابي الذي تعين به القيمة الحقيقية للنقود اتضح لنا أن هذا الطريق مبني على الخرص والمجازفة في جميع مراحله. ويتبين بالتجزئة في هذا الطريق أنه يستولي على الخرص والتخمين في الأمور الآتية:

الأول: من المعروف أن كل رجل له حاجات تخصه فالبضائع المحتاج إليها تختلف باختلاف الرجال، فسلة البضائع لكل أحد تختلف عن سلة الآخر، ولكن السلة المندرجة في قائمة الأسعار واحدة. وإنما تدرج فيها البضائع على أساس كثرة من يستعملها. فربما تدرج فيها بضائع لا يحتاج إليها بعض الناس أبدًا. فالقائمة غير حقيقية بالنسبة إلى أولئك البعض. فإدارج بعض البضائع في القائمة ليس إلا مجازفة وخرصًا.

ثانيًا: ثم المجازفة الثانية تأتي في تعيين وزن البضائع،وأهميتها بالنسبة للمستهلكين، ولا شك أن أهمية البضائع أمر إضافي يختلف باختلاف الأشخاص، فبينما البضاعة الواحدة مهمة جدًا لشخص واحد، فإنها لا أهمية لها إطلاقًا لشخص آخر. ولكن القائمة تفرض أن أهمية كل بضاعة واحدة بالنسبة إلى كل مستهلك، وذلك على أساس المعدل الوسط، وليس ذلك إلا خرصًا ومجازفة.

والمجازفة الثالثة في تعيين قيمة البضائع في سنوات مختلفة، لأن من المعلوم أن البضاعة الواحدة تختلف قيمتها باختلاف الأمكنة أيضًا، ولا يمكن في القائمة إلا إدراج قيمة موضع واحد، ولو وضعت القائمة لدولة واحدة فلا يمكن ذلك إلا عن طريق استخراج معدل وسط وهو مجازفة أيضًا.

فتقرر بهذا أن قائمة الأسعار مبنية على الخرص والمجازفة في جميع مراحلها، ولو كان الحساب من الدقة بمكان، فإن غاية ما يصل إليه في ذلك هو التقريب دون التحقيق. وبما أن اشتراط أداء القروض والديون بالخرص والمجازفة لا يجوز شرعًا، فلا يجوز ربط الديون بهذه القائمة بحال.

ص: 1801

مذهب الإمام أبي يوسف في أداء قيمة الفلوس: وقد استدل بعض الباحثين على ربط الديون بقائمة الأسعار بما روي عن مذهب أبي يوسف – رحمه الله تعالى – في أداء قيمة الفلوس إذا تغيرت قيمتها عند أداء الديون. وقد ذكره العلامة ابن عابدين – رحمه الله – في رد المحتار وفي رسائل ابن عابدين. وقد ذكر أن الفتوى عند الحنفية على قول أبي يوسف وهو يقول: إن المقترض عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض، وعليه الفتوى.

فاستدل به بعض الاقتصاديين على أنه إذا وجب الدين في صورة الفلوس، فالواجب أداء قيمتها إذا طرأ عليها الغلاء والرخص، وهذا المذهب – كما يقولون – قريب جدًّا من فكرة ربط الديون بقائمة الأسعار. ولكن هذا الاستدلال عندي غير صحيح، والحقيقة إن مذهب أبي يوسف – رحمه الله تعالى – لا علاقة له بفكرة ربط الديون بقائمة الأسعار، لأن من المعلوم بالبداهة أن التضخم والانكماش ووضع قائمة الأسعار، وتقويم النقود على أساس تلك القائمة، كل هذه الأمور أمور حادثة لم تكن متصورة في زمن الإمام أبي يوسف – رحمه الله تعالى -، فحينما يقول أبو يوسف بأداء قيمة الفلوس، فإنه لا يمكن أن يريد به قيمتا المقدرة على أساس قائمة الأسعار، أو القيمة الحقيقية بالاصطلاح الاقتصادي المعاصر. والواقع أن الفلوس في الأزمنة المتقدمة كانت مرتبطة بنقود الذهب والفضة تقوم على أساسهما، وتعتبر كالفكة للنقود الذهبية والفضة. وكانت عشرة فلوس مثلا تعادل درهمًا واحدًا من الفضة، فكان الفلس الواحد يعتبر عشر الدرهم الفضي، ولكن قيمة الفلس هذه لم تكن مقدرة على أساس قيمتها الذاتية، وإنما كانت قيمة رمزية اصطلح عليها الناس، فكان من الممكن أن يتغير هذا الاصطلاح، بأن يصطلح الناس على أن الفلس الواحد الآن يعتبر نصف عشر الدرهم بعدما كان يعتبر عشره، فهذا هو المراد برخص الفلوس كما يمكن أن يصطلح الناس على أن الفلس الواحد الآن يعتبر خمس الدرهم، وهذا هو المراد بغلائها.

فإذا وقع غلاء الفلوس أو رخصها بهذه الصورة، فهل يؤدي المديون نفس عدد الفلوس الذي وجب في ذمته يوم العقد؟ أو يؤدي قيمة ذلك العدد يوم الأداء؟ قد وقع فيه خلاف العلماء. فقال أبو حنيفة – رحمه الله: يؤدي نفس العدد الذي وجب في ذمته يوم العقد، ولا عبرة بالقيمة وهو المشهور من مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.

فلو اقترض أحد مائة فلس في وقت يعتبر فيه الفلس الواحد عشر درهم واحد فاقترض فلوسًا تساوى عشرة دراهم في القيمة، ثم تغير الاصطلاح، حتى صار الفلس الواحد يعتبر نصف عشر درهم واحد. فذهب جمهور الفقهاء إلى أن المقترض لا يؤدي إلا مائة فلس، وإن كانت هذه المائة لا تساوي اليوم إلا خمسة دراهم. لكن خالفهم أبو يوسف – رحمه الله، فقال: إنما يجب أداء قيمة الفلوس المقترضة على أساس الدرهم، فمن اقترض مائة فلس في المثال المذكور إنما يؤدي الآن مائتي فلس، لأن الفلوس فكة للدراهم، فمن اقترض مائة فلس، فكأنه اقترض فكة عشرة دراهم، وإن فكة عشرة دراهم يوم الأداء هي مائتان فلس، فالواجب عليه أداء مائتي فلس.

ص: 1802

والذي يظهر لي – والله أعلم – أن أساس الخلاف بين أبي يوسف والجمهور مبني على اختلافهم في تكييف هذه الفلوس، فيبدو أن جمهور الفقهاء اعتبروا الفلوس أثمانًا اصطلاحية مستقلة غير مرتبطة بدراهم والدنانير ارتباطًا دائمًا، فمن اقترض عددًا من الفلوس؛ فإنه يؤدي نفس العدد دون نظر إلى قيمتها بالنسبة للدراهم، وأما أبو يوسف – رحمه الله – فاعتبر الفلوس أجزاء اصطلاحية كالفكة للدراهم، فالمقصود بالاقتراض عنده ليس عدد الفلوس وإنما المقصود اقترض أجزاء للدرهم يمثلها ذلك العدد من الفلوس، فلذلك أوجب رد تلك الأجزاء للدرهم في صورة الفلوس، وإن اختلف عددها من العدد المقترض.

ونظير الرخص الغلاء الذي يأتي قيه قول أبي يوسف هذا، إن الروبية الباكستانية إلى أوائل الخمسينات كانت مقسمة على أربع وستين بيسة، (والبيسة نوع من الفلس في باكستان) ، ثم اختارت الدولة النظام الإعشاري، فأعلنت أن الروبية تكون الآن مقسمة على مائة بيسة،فكانت البيسة قبل هذا الإعلان ربع سدس الروبية، وصارت بعد هذا الإعلان عشر عشرها، فطرأ عليها الرخص بهذا القدر، فمن اقترض أربعًا وستين بيسة قبل الإعلان هل يؤدي بعد ذلك الإعلان نفس الأربع والستين بيسة. أو يؤدي مائة؟ الظاهر أنه يؤدي مائة، لأنه اقترض فكة روبية واحدة، فليؤد فكة روبية واحدة، وهي الآن مائة بيسة. فالحاصل أن قول الإمام أبي يوسف – رحمه الله – إنما يتأتى في فلوس مرتبطة بثمن آخر ارتبطًا دائمًا يجعلها كالأجزاء والفكة له، وإنما هي أثمان اصطلاحية مستقلة.

وبالتالي إن الوقوف على قيمة الفلوس حسبما يراه الإمام أبو يوسف ممكن تحقيقًا لأنها مرتبطة بعيار مضبوط من الثمن، وهو الدرهم، بخلاف النقود الورقية، فإن الوقوف على قيمتها الحقيقية حسب الاصطلاح الاقتصادي المعاصر، لا يمكن تحقيقًا، وإنما تكون هذه القيمة مقدرة على أساس الخرص والمجازفة، كما أوضحته فيما سبق، فلا يقاس هذا على ذاك وقد يستدل بعض الباحثين عل جواز ربط الديون بقائمة الأسعار، بأن الواجب في القروض أداء المثل، ولكن يجب أن يرجع في تعيين معنى المثلية إلى العرف، فما اعتبره العلاف مثلًا، ينبغي أن يعتبره الشرع أيضًا كذلك. وبما أن قيمة النقود المقدرة على أساس قائمة الأسعار تعتبر مثلًا للمبلغ المقترض في العرف الاقتصادي اليوم، فينبغي أن تعتبرها الشريعة مثلًا في أداء القروض. ولكن هذا الاستدلال غير صحيح أيضًا. أما أولًا، فلأن العرف إنما يصار إليه عند عدم النص، وقد بينا فيما سبق أن النصوص التي حرمت الربا قد عينت معنى المثلية بكل صراحة ووضوح، وإن المعتبر هو التماثل في القدر، فلا مجال بعد ذلك للعرف في تعيين معنى المثل. وأما ثانيًا: فإن كون القيمة الحقيقية " باصطلاح الاقتصاد " مثلا لم يصر عرفًا معتبرًا إلى الآن، حتى عند الاقتصاديين، فمن المعلوم بالبداهة أن معظم بلاد العالم لم توافق بعد على فكرة ربط الديون بقائمة الأسعار، وإنما طبقت هذه الفكرة في دول معدودة فحسب.

ص: 1803

هذا بالنسبة لأداء الديون. وأما بالنسبة لربط الأجور بقائمة الأسعار فقد رأيت أن الباحثين الذين كتبوا في هذا الموضوع بعضهم لم يتعرض لمسألة الأجور وبعضهم تعرضوا فقالوا: إن أداء الأجور على حسب قائمة الأسعار يختلف حكمه عن ربط الديون ما لم تصر الأجرة دينًا، فإن صارت دينًا فحكمها ربط الديون، وأنه لا يجوز وتفصيل ذلك أن ربط الأجور بقائمة الأسعار يمكن بثلاثة طرق.

الأول: أن يقع تعيين الأجور والمرتبات بالنقود عددًا، ويتعاهد العاقدان أن هذه الأجور تتزايد كل سنة بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار وإن هذا الطريق يعمل به في كثير من البلاد، وإن مثل هذا الربط لا مانع منه شرعًا، لأن حاصله اتفاق الفريقين على تزايد الأجور والمرتبات كل سنة أو كل ستة أشهر لسنة معينة وإن هذه النسبة وإن لم تكن معلومة عند العقد، غير أن عيارها الذي تتعين النسبة على أساسه، معلوم، فانتفت شبهة الجهالة في قدر الزيادة.

والطريقة الثاني لربط الأجور بالأسعار: أن يقع تعيين الأجرة على أساس مبلغ معلوم من النقود، ولكن يشترط في العقد أن هذا المبلغ المعلوم ليس هو المرتب الواجب في الذمة، وإنما الواجب في الذمة ما يساوي هذا المبلغ عند انتهاء كل شهر حسب قائمة الأسعار. وحكمه الشرعي، فيما أرى، أنه يجوز أيضًا، بشرط أن تكون قائمة الأسعار، وطريق حسابها معلومًا لدى الفريقين علمًا لا يفضي إلى النزاع، لأن الفريقين قد اتفقا منذ بداية العقد على أن الأجرة ليست ألف روبية، وإنما الواجب ما يعادلها من الروبيات عند انتهاء الشهر حسب قائمة الأسعار، وهي معلومة منضبطة بطريق حسابي معلوم لدى الفريقين، فلا تقضي جهالة قدر الأجرة إلى المنازعة.

الطريق الثالث لربط الأجور بالأسعار: أن يقع تعيين الأجرة بمبلغ معلوم من النقود، ويشترط العاقدان أن هذا المبلغ هو الواجب في الذمة، وعليه انعقد الإجارة، ولكن يجب على المؤجر عند أداء الأجرة أن يزيد في هذا المبلغ بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار يوم الأداء. وحكمه الشرعي، فيما أرى، حكم ربط الديون بالأسعار، وأنه لا يجوز شرعًا كما مر تفصيلًا، ولله الحمد.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الثانية أن قائمة الأسعار إنما استخدمت في الصورة الثانية لتعيين الأجرة المتفق عليها، فإذا تعينت الأجرة على أساسها،انتهت وظيفة القائمة، وصارت الأجرة المعينة هي الواجب في الذمة إلى الأبد.

وأما في الصورة الثالثة، فالأجرة المقررة هي الألف روبية، فصارت الألف روبية دينًا على المؤجر، وإن هذا الدين قد ارتبط بقائمة الأسعار، فحكمه حكم ربط الدين بالأسعار، ولا نستطيع هنا أن نقول: إن قائمة الأسعار تؤدي دورها في تعيين الأجرة، لأن الأجرة يجب أن تكون معلومة عند العقد، أو في ثاني الحال، بحيث لا تقبل الزيادة والنقصان بعد ذلك. فإذا تعلقت الأجرة بشيء آخر إلى الأبد، بحيث تزيد بزيادته وتنقص بنقصانه، فإن ذلك أجرة مجهولة متراوحة لا تستقر على قدر معلوم، وإن هذه الجهالة تفسد عقد الإجارة، وهذا آخر ما أردت إيراده في هذا البحث.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ص: 1804

حجة الإسلام محمد علي التسخيري:

بسم الله الرحمن الرحيم

بكل اختصار: من خلال بحثي لهذا الموضوع، لاحظت بعض النقاط أطرحها بشكل سريع:

أولًا: يجب أن نحذف من مجال بحثنا مسألة التغير القليل أو الضئيل في القيمة لأنه لا مجال فيه للبحث ومتسامح فيه عرفًا.

الشيء الآخر لاحظت أن رد القيمة إنما يتصور – طبعًا حديثي عن الأوراق المالية وأعتقد أن البحث يجب أن يقتصر على الأوراق المالية لأنها هي المبتدأ بها – في بعض الصور فقط. هناك صورة قد رفضها مجمعنا، ما لو جعلنا الأوراق المالية سندات لما يملكه صاحبها من قيمة من الذهب والفضة، ولم نجعلها مالًا قائمًا برأسه، وهذا ما رفضناه وهو الصحيح. وإلا فلو جعلنا سندات لكان تلفها غير مضر بما يملكه صاحبها من قيمتها على البنك مثلًا.

الصورة الثانية التي يجب فيها رد القيمة – وأطرح هذه الصورة وأرجو أن يفيدنا العلماء بمدى إمكان العمل بها – وهي ما لو كان المسدد للبنك صاحب الحساب الجاري إذا كنا قد صورناه على أساس القرض، يسلم هذا المبلغ ويتسلمه البنك منه بقيمته، إما رأسًا أو على أساس تحويله إلى قيمته بالعملة الصعبة لا بقائمة الأسعار، العملة الصعبة التي يندر تغيرها. فعندما أدفع له المائة دينار كويتي مثلًا، أنا في الواقع أقرضه ثلاثمائة دولا بهذا الشكل، إذا كان الاتفاق بهذا الشكل الرد يجب أن يكون بالدولار، يعني تقريبًا بالقيمة. هذا المقترح يقترح بالنسبة للبنوك وخصوصًا في حالات التغير السريع في قيم العملات، كما يحدث في بعض الدول وأذكر لذلك مثلًا لبنان في قضية الليرة اللبنانية التي هبطت من مقدار 5 و2 في مقابل الدولار إلى 620 في مقابل الدولار. المصارف يمكنها أو حتى أي مقترض عادي يمكنه أن يقترض أو المقرض يقرض القيمة، فيما عدا ذلك هناك إجماع على مسألة رد المثل، وهو الظاهر ولا أقول النص من النصوص في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، وأيضًا لدينا روايات عن أئمة أهل البيت تصرح بهذا المعنى، أذكر رواية واحدة، رواية عن الإمام الرضي، يقول: سألته، كان لي على رجل دراهم وإن السلطان أسقط تلك الدراهم وجاءت دراهم أعلى من تلك الدراهم الأولى، وهي اليوم وضيعة، فأي شيء لي عليه الأولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب له: لك الدراهم الأولى. وهناك روايات من هذا القبيل.

مناقش:

هل يسمى السلطان في ذلك الوقت؟

حجة الإسلام محمد علي التسخيري:

نعم يسمى سلطانًا. الحاكم يسمى سلطانًا نعم كثير من الروايات في هذا المعني. الحاكم يعبر عنه بالسلطان في رواياتنا الكثيرة، عندنا في رواياتنا كثير من هذا التعبير موجود.

أريد أن قول إن الظاهر من الروايات هذا المعنى إنه المثل الذي يرد. هذه النقطة الأولى.

ص: 1805

النقطة الثانية: لاحظت أن البعض من العلماء يستدل بلزوم الضرر عند رد المثل. عندما أرد المثل في حالة تغير القيمة بشكل فاحش يلزم الضرر، أعتقد أنا لو قسمنا الأمر إلى حالتين: إلى حالة الثمن المؤجل وإلى حالة القرض. في حال الثمن المؤجل: الحقيقة من مؤجل ثمنه وخصوصًا في جو تتغير فيه الأسعار وهو يتوقع هذه التغيرات، والضرر إنما يتفادى إذا لم يكن متوقعًا من الأول، فلا يمكننا في مثل هذا الحالة أن نستدل بـ " لا ضرر ولا ضرار " في الإسلام، لإرجاع قيمة النقود إلى صاحبها بعد أن كان يتوقع هذا التغير في مسألة الثمن المؤجل، طبعًا هذا الجواب يمكن أن يطرح في مسألة القرض أيضًا، ويمكن أن يجاب عليه بجواب، يعني فيه مناقشة فيه كلام في مسألة القرض بل قد يقال بالعكس ، قد يقال إننا لو قلنا بلزوم رد القيمة للزم الضرر، الضرر الاجتماعي العام تزلزل المعاملات. عقود الاستخدام، العقود الدولية القائمة، هذه كلها تعيش في حيص بيص عندما ندخل عنصر القيمة، وهذا التزلزل في المعاملات ضرره كبير. قد يقال على العكس يعني يطرح الضرر للإلزام بمسألة رد المثل. فكرة الصلح التي طرحت هنا لا تحسم الخلاف.

النقطة الثالثة – وأعتذر إذا كنت قد أطلت – التي أراها ضرورية في مسألة البحث موضوع الضمان من قبل من عمل على نقص القيمة الشرائية للنقود الورقية. هذا الموضوع مهم. هذا تفصيل لكن نشير إلى أن مسألة ضمان الدولة للقيم التالفة إذا كان بفعل متعمد منها من خلال إصدار عملة دونما غطاء يذكر وإغراق الأسواق بها لتوفير سيولة نقدية ترفع بها ما تعانيه من مصاعب مما يمكن أن يدعى فيه انطباق مادة الإتلاف، من اتلف مال الغير فهو له ضامن. وموضوع الضمان صحيح هو نفس المال إلا أن العرف يتعدى، والعرف هنا له لمسألة التعدي، إلا أن العرف قد لا يرى خصوصية للعين وإنما يركز على المالية. والحقيقة المتبع في الأمر هو الصدق العرفي لعملية الإتلاف. هل يرى العرف أن الإتلاف هنا قد حصل أم لا؟ فقد يكون العامل فيه ما يتعارف في السوق مما تتركه قوانين العرض والطلب، إذ عندما تقل سلعة ما ترفع قيمتها. فإذا عمد مصنع إلى إغراق السوق بتمثيل تلك السلعة فإن قيمتها ستهبط، ولكن العرف لا يعد ذلك العمل إتلافًا، وإن كان أحيانًا يطبق هنا قانون الإضرار الاجتماعي إذا فسرنا الضرر أيضًا بالضرر الفردي والضرر الاجتماعي، وعبرنا عن الضرر بسوء الحال.

ص: 1806

ومن هنا يمكننا أن نوقف صاحب معمل كبير يدخل إلى السوق ويؤثر على أصحاب المعامل الصغيرة بما ينتجه من سلع رخيصة، بمقتضى لا ضرر، إن قلنا بالتوسعة في لا ضرر.وقد يكون العامل فيه صدور بعض القوانين الاجتماعية أو المالية أو الاقتصادية التي تترك أثرها على القيمة. والظاهر أن العرف هنا أيضًا لا يرى الإتلاف ولكن إذا كان هبوط قيمة النقود بفعل متعمد من الدولة ينزل بقيمة العملة مباشرة أي النصف مثلًا، في قبال الذهب أو الدولار أو سلة العملات أو بإصدار أوراق نقدية فائضة تترك آثارها على قيمة العملة فإن الظاهر أن العرف لا يرى العملية إتلافًا بلا ريب وحينئذ تأتي قاعدة الضمان.

هناك من يحاول تصحيح تدخل الدولة في مثل هذه الأمور بادعاء أن الدولة تمثل الشعب وأن الشعب رضي بكل ما تفعل وهو بالتالي رضي بقوانينها ورضي بإتلاف ماله أو من خلال ادعاء ما يملكه ولي الأمر من ولاية على النفوس والأموال.

هناك تصحيحات لكن لا أراها تنهض بمسألة رفع ما تضمنه الدولة من الإتلاف إذا كان تدخلها مباشرة ومباشرًا

هناك كلمة أشار لها أخي العزيز الشيخ العثماني، عندما أراد أن يرد على من استدل بالعرف على تحول المثالية إلى ما يعادل القيمة، قال: العرف إنما يصار إليه بعد فقد النص المستدل. أراد أن يقول حتى ولو كان لدينا نص بالمثالية، يعني حتى ولو كان لدينا نص يقول:" يجب إرجاع المثل " فإن العرف يرى مصداقًا مثليًا اليوم الرد بالقيمة فلا يمكن الرد عليه بالقول بأن العرف لا يأتي إلا إذا عدم النص. وشكرًا.

الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت تمنيت لو أن أخي وزميلي الأستاذ الشيخ تقي الدين العثماني حفظه الله – بالرغم من عرضه القيم ودفاعه الجليل – لو أنه جشم نفسه قليلًا عناء المراجعة للبحثين، بحثي المتواضع وبحث أخي وزميلي الأستاذ الدكتور عديل النشمي حفظه الله ولكنه كان على عجل من أمره، فجعلني وجعل زميلي الدكتور النشمي في عداد من يقول بالربط بالقيمة. ولكن هذا القول ليس على إطلاقه بالنسبة لي وبالنسبة لفضيلة الدكتور النشمي. أترك لزميلي الدكتور النشمي أن يدافع عن نفسه وأنا أدافع عن نفسي.

بما قدمت من بحث متواضع بمجمعنا الموقر: فإن الربط بالقيمة ليس على إطلاقه، فقد تحدث إلي سماحة الأستاذ الرئيس وكنت بمعيته في بعض الندوات الفقهية في بعض العواصم العربية، وقال لي: إننا نحتاج إلى ضوابط في قضية ربط العملات الورقية بالقيمة.

ص: 1807

والواقع إني مع الزميل الدكتور النشمي اجتمع في قضية الاستحسان، فإن وجه الأخذ بالقيمة أو الربط بالقيمة بالنسبة للعملات الورقية إنما هو الاستحسان، والاستحسان يؤخذ به بالعلة الخفية إذا جار الأمر بالأخذ بالعلة الظاهرة، ومال الأمر إلى الجور. فأخذنا بالعلة الخفية وقلنا: إنه لا بد من الربط بالقيمة بضابطين اثنين:

الضابط الأول: كما تفضل زميلي فضيلة الشيخ التسخيري حفظه الله، من أن التغير ينبغي أن يكون فاحشًا لا يسيرًا، لأن اليسير مما يتسامح فيه. ورأى أن هذا موضع اتفاق. لكنني ضبطت التغير الفاحش بعرف التجار، وربط زميلي الدكتور النشمي ذلك بما قاله الرهوني، وجعل كلام الرهوني لازمًا لقول أبي يوسف ولكل وجهة.

الضابط الثاني: هو أن نلحظ – وهذا شيء تطرق إليه فضيلة الشيخ التسخيري – أنه يجب عند العقد ربط العملة الورقية بالعملة الصعبة، إذا لم نستطع أن نربطها بالذهب والفضة، لأن المجمع الكريم استبعد هذا الربط فإننا نربطها بالعملة الصعبة التي قد تتغير ولكنه تغير نسبي ضئيل جدًّا لا يلتفت إليه، كالدولار والين الياباني، والمارك الألماني الغربي، والفرنك الفرنسي وغير ذلك. إذا لحظنا عند التعاقد أو عند الإقراض هذا الربط فإننا نكون بمنجاة من النزول في متاهات تغير العملة وما يؤدي ذلك إلى إضرار بكلا المتعاقدين أو بكلا المتعاملين بالقرض والمداينة أو بغير ذلك. هذا خلاصة ما ذكرت في بحثي، ولن استطرد فأدافع أن ألخص البحث، إنما أقول: إنني وزميلي الدكتور النشمي قريبان من الأخ الدكتور القره داغي وكأنني في زمرة واحدة تقريبًا. قد تختلف الضوابط ولكننا نتفق في موضوع واحد هو أننا نذهب إلى الاستحسان، ونذهب إلى ضبط الاستحسان ولجمه. فالقسمة رباعية وليست خماسية كما تفضل فضيلة الأستاذ الجليل تقي الدين العثماني، وأنا أشكر له عرضه القيم وتفصيله الكريم وجرأته في الدفاع عن رأيه، علمًا بأن الأخذ للمثل يؤدي بنا إلى ورطات كثيرة.

أقول ردًا على ما تفضل به زميلي وأخي الأكبر طبعًا الشيخ التسخيري حفظه الله وأخي الأكبر الشيخ تقي الدين العثماني – فأنا أصغركم سنًّا وقدرًا – أقول: إننا أحيانًا إذا جار القياس ولجأنا إلى الاستحسان فإنه إذا – أيضًا جار الاستحسان – نرجع إلى القياس. أي أن الأخذ بالقيمة ليس على إطلاقه أيضًا، فهنالك حالات كما تفضل الشيخ التسخيري فيها جور وظلم وضرر إذا ربطنا العملات الورقية بالقيمة وهذه الحالات ينبغي أن ينص عليها في القرار المجعي الموقر وأن تبحث فنرجع إلى الأخذ بالمثل، أي الأصل أن نأخذ بالمثل فيما ذهبنا إليه وقد يؤخذ بالقيمة استثناء من القاعدة.

هذا ما أدى فهمي المتواضع وبحثي المتواضع أيضًا. وشكر الله لكم وجزاكم الله كل خير، والله تعالى أعلم.

ص: 1808

الدكتور علي محي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أشكر السيد الرئيس على إتاحة الفرصة لنا كما أشكر الأستاذ الكريم تقي الدين العثماني على بحثه القيم وعرضه الرائع واستخلاصه الآراء الخمسة من الأبحاث، وكذلك أشكر الأخ الكريم الأستاذ الدكتور محمد الفرفور حيث إنني فعلًا شعرت بأنني منفرد بهذا الرأي فحمدت الله الآن أن معي هؤلاء الإخوة الأعزاء.

ثم بعد ذلك استسمحكم جميعًا عذرًا لأشرح رأيي ووجهة نظري في هذه المسألة باختصار. ومنطلق وجهة نظري ومبادئها وضوابطها وذلك لأن رأيي ما دام مختلفًا عن رأي الأستاذ العارض، أرجو من السيد الرئيس أن يتيح الفرصة لي. فأقول وبالله التوفيق.

بدأت بحث هذه المسألة منذ عدة سنوات حينما سألني أحد الإخوة فقال: لقد دفعت إلى أحد الإخوة الكرام في لبنان مبلغ مائة ألف ليرة لبنانية في سنة 1970، وكان هذا المبلغ يساوي خمسين ألف دولار، فاشترى به الأخ الكريم اللبناني مطبعة وسيارة ومحلا، ثم قبل ثلاث سنوات رد لي هذا المبلغ مبلغ مائة ألف ليرة في سنة 1986. وكانت تساوي حوالي ثلاثمائة دولار أمريكي فقط، فأنا حينما سألني عن ذلك استوقفني هذا السؤال كثيرا، ولم أفت إلى الآن بهذا البحث رغم أنني حقيقة عايشته منذ ذلك الحين. فقلت في نفسي ودون أن أفتي إذا كان رب العالمين يقول بخصوص المرابين: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} ، فكيف يكون موقفنا بالمثالية في مثل هذا الرجل الذي أقرض حسنًا فكان جزاء حسنته أن يأخذ بدل خمسين ألف دولار أمريكي ثلاثمائة دولار التي لا يمكن أن تشبع خمسة أو ستة أشخاص، مع أن المدين المفروض منه الإحسان ((خياركم أحاسنكم أو أحسنكم قضاء)) ، فانطلقت في بحثي هذا من عدة مبادئ من أهمها:

أولًا: إن ما ورد فيه نص من كتاب الله وسنة رسوله يجب اتباعه، ولكن النقود الورقية حديثة العهد ولذلك لا مطمع في وجود نص خاص فيها ولا قول للمتقدمين.

ثانيًا: رعاية المقاصد والمبادئ الأساسية والقواعد الكلية، فالفروع متفرعة من الكليات، فلا ينبغي لنا في فتاوانا أن نضحي بالمبادئ والقواعد الكلية، في سبيل الجزئيات ما دام لا يوجد نص على ذلك، بالإضافة إلى القواعد، قاعدة ((لا ضرر ولا ضرار)) ، بالإضافة إلى مبدأ العدل الذي أكده شيخ الإسلام، فقال: إن المعاملات بل إن الإسلام كله مبني على العدالة وتحقيق العدالة، كما ورد في ذلك:{وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} . قضية القسط هي الأساس والعدالة هي الأساس في الإسلام.

ص: 1809

ثم بعد ذلك نظرت إلى أن أصل هذه المسألة عند الإخوة الفضلاء يعود إلى قضية المثلي والقيمي. وهذه المسألة – مسألة المثلي والقيمي – قد بحثها فقهاؤنا الكرام في باب الحج، في باب القرض، في باب البيع، في باب الجنايات،في عدة أبواب فقهية. فجمعت جذور كل هذه المسائل بالإضافة إلى الاستشهاد بالآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة المثل والأحاديث الشريفة التي وردت فيها كلمة المثل، فوصلت من خلال هذا العرض في بحث يتجاوز المائتي صفحة وهذا الذي بين أيديكم خلاصتها، وصلت إلى أن المثلية في جميع الأبواب فيها اختلاف كبير في الموازين الجزئية التي تضبطها، ولكنها تنفق وتصل وترتبط بشيء واحد وهو تحقيق العدالة. ولذلك العلماء في باب القرض الذي أشار إليه الأستاذ العثماني، حينما يقرون بأن الشيء الفلاني مثلي بالاتفاق ولكنه حينما يكون الرد بالمثل لا يحقق المثلية يعودون فيقولون يجب فيه القيمة على سبيل المثال، وأوردت في ذلك مسائل حقيقية كثيرة في جميع المذاهب، على سبيل المثال: الماء الذي يغصب أو يقرض في الصحراء لما نأتي إلى المدينة لا يجب على الشخص بل لا يجوز له أن يرد الماء وإنما ينظر فيه إلى قيمة الماء في الصحراء، كذلك الذهب وهو من المثليات بالإجماع مع ذلك حينما تدخل فيه الصنعة تزيده قيمة هائلة حينئذ لو أتلفها شخص لا ينبغي له أن يرد المثل وإنما تلاحظ فيه القيمة. ولا أريد أن أطيل عليكم. هذا بالمناسبة أيضًا أستاذنا تقي الدين العثماني وفضيلته أستاذنا الجليل وقد استفدنا من أبحاثه القيمة حقيقة كثيرًا وكثيرًا، قال فضيلته: بأنه يجب الرد بالمثل بلا خلاف. هذا الكلام ليس على إطلاقه وإنما في المثليات أما هؤلاء الفقهاء الذين أجازوا القرض في القيميات مثل الإمام أحمد والإمام الشافعي وجماعة كثيرة من الفقهاء أجازوا قرض الحيوان وما أشبه ذلك، فأوجبوا رد القيمة وأجازوا رد حيوانين فرسين مكان فرس واحد ما دامت قيمتهما تساوي قيمته.

ثم بعد ذلك نعود إلى مسألة أخرى، إلا أن هذه المسألة أيضًا تعود إلى قضية هل نقودنا الورقية بغض النظر عن حقيقتها كانت حيلة قانونية للوصول إلى النقود الورقية؟ وكما لا يخفى على الاقتصاديين فإن الدولة نظرًا لعدم وجود الذهب والفضة عندها وصلت إلى النقود الورقية بحيلة قانونية، في الأول كان هناك غطاء 100 %، ثم انخفض إلى 50 %، ثم ألغي الغطاء الذهبي حينما طلب في سنة 1972م الرئيس الفرنسي أن يكون البديل عن الدولارات التي لهم على أمريكا ذهبًا، فطلب منهم الذهب ولم تستطيع الخزائن الأميركية ذلك،وبالتالي ألغت أميركا الغطاء الذهبي وحينئذ زادت الأمور اضطرابًا.

ص: 1810

ومن هنا نسأل، هل نقودنا الورقية مثل النقود الذهبية والفضية أم لا؟ في الإجابة عن ذلك نقول:

أولًا: إن الدنانير والدراهم نقدان ذاتيان ضامنان للقيمة في حد ذاتها، في حين أن العملة الورقية نقد حسب العرف والاصطلاح.

ثانيًا: أنهما لا ينسى مع نقدييتهما وزنهما بالإجماع باعتبار أن الزيادة عند الجميع – لا أدعي الإجماع – كما قال الإمام أحمد، أنهما لا ينسى مع نقديتهما وزنهما عند من اطلعت على آرائهم باعتبار أن الزيادة في وزنهما زيادة في قيمتهما. وقد أشار إلى ذلك الحديث الصحيح ((وزنًا بوزن)) ولا يلاحظ ذلك – أي الوزنية – في نقودنا الورقية.

ثالثًا: إنهما – أي الدنانير والدراهم – لو ألغيت نقديتهما بقيت مثليتهما وقيمتهما في حين أن العملات الورقية لو ألغيت لما بقيت فيها أية فائدة.

رابعًا: لا خلاف بين علمائنا المعاصرين في أن نقودنا الورقية تقوم بالذهب أو الفضة أو غيرهما لمعرفة نصاب الزكاة فيها، في حين أن نصاب الدراهم والدنانير ثابت ولا نحتاج فيه إلى تقدير بآخر بل يقوم بهما غيرهما.

خامسًا: إن المعاصرين جميعًا متفقون على أن نقد كل بلد جنس بذاته، ولذلك يجري فيه التفاضل فيما لو بيع بنقد بلد آخر. الريال السعودي بالريال القطري يجوز فيه الزيادة باتفاق المعاصرين، وما ذلك إلا لرعاية القيمة. في حين أن الدراهم والدنانير لا نلاحظ فيهما هذه القيمة أو هذه الإقليمية.

سادسًا: إن النقود الورقية كانت مغطاة في أساسها بالذهب ولا يزال الاقتصاد الخاص بالدولة التي تصدر هذه العملة له علاقة بقوتها، وضعفها ولا يؤخذ هذا في الدراهم والدنانير.

سابعًا: حينما ألغى الفقهاء رعاية القيمة في المثليات مثل الذهب والفضة والحنطة والشعير نظروا إلى أنها تحقق الغرض المقصود سواء رخص سعرها أم غلا. يعني الحنطة حنطة وغذاء سواء كانت قيمتها ألف ريال أو ريال واحد. أما النقود الورقية قيمتها وأساسها في كونها تساوي مبلغًا معينًا وما يشترى بها من السلع.

إذن ما تفضل به أستاذنا الكريم من قياس النقود الورقية على الحنطة – في نظري القاصر – أنه قياس مع الفارق.

ثامنًا: أن الاقتصاديين يكادون يتفقون على أن مشكلة التضخم التي نعاني منها ولدت في أحضان النقود الورقية ولم يحصل مثلها عند سيادة النقود المعدنية.

ولذلك فالراجع هو القول بنقدية هذه الأوراق المالية – أقول إنها نقد – وبالتالي وجوب الزكاة فيها باعتبار قيمتها، وكونها صالحة للثمنية والحقوق والالتزامات عدم جواز الربا فيها لا نقدًا ولا نسيئة، ولكن مع ملاحظة أنها لا تؤدي جميع الوظائف المطلوبة، وبالتالي ملاحظة قيمتها عندما تحدث فجوة كبيرة بين قيمة النقد في وقت القرض وقيمته عند التسليم. وهذا في نظري هو الرأي الذي يحقق العدل الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم في صحيحه، قال:((قيمة عدل لا وكس ولا شطط)) . وهذا هو الواقع الذي تعيشه نقودنا الورقية حيث يعترف كثير من الاقتصاديين بأنها لا تؤدي اليوم جميع وظائفها.

ص: 1811

الرئيس:

الشيخ علي، هذا أمر قد فرغ منه خاصة في المجمع. والوقت بقي منه خمس دقائق.

الدكتور علي محي الدين القره داغي:

التأصيل الفقهي: التأصيل الفقهي مبني على هذه القواعد التي ذكرتها.

ثانيًا: على بعض المسائل الفقهية التي ذكرها فقهاؤنا السابقون بخصوص الفلوس والدراهم والدنانير المغشوشة حيث ذهب بعض الفقهاء إلى رعاية القيمة على أساس الذهب الخالص ورواجها في السوق وملاحظة الرخص أو الغلاء، حيث ذهب أبو يوسف ومحمد في بعض الحالات وبعض فقهاء المالكية وبعض الحنابلة إلى رعاية القيمة. وهذه النصوص أيضًا موجودة أمام حضراتكم من صفحة 11 إلى صفحة 12 وصفحة 13، كذلك نجد نصوصًا كثيرة للفقهاء في هذا الموضوع، لا يتسع المجال – كما يأمرنا السيد الرئيس – لعرضها.

ولو دققنا النظر فيما ذكره بعض الفقهاء، يعني الإمام ابن قدامة في المسألة التي ذكرها والحنابلة يقولون بوجوب القيمة في حالة إلغاء السلطان الفلوس أو الدراهم المكسرة، ولكن هل تجب القيمة عند الغلاء أو الرخص؟ المنصوص عن أحمد وأصحابه هو عدم اعتبارها. وقد بين ابن قدامة السبب في هذه التفرقة بين الحالتين، فقال معللا لوجوب القيمة حالة الكساد ودون حالة تغير القيمة: إن تحريم السلطان لها منع إنفاقها وأبطل ماليتها فأشبه كسرها أو تلف أجزاء منها أو تلف أجزائها، وأما رخص السعر فلا يمنع ردها سواء كان كثيرًا أو قليلا. لو دققنا النظر في هذا التعليل لوجدنا فيه ثلاثة أمور. الأمر الأول: الاعتماد على أن الكساد

الرئيس:

في الواقع – مع المعذرة إن قاطعتكم يا شيخ – أنا، إذا رأيتم أن نجري على العادة، العارض هو الذي يقرأ خلاصة ما في الأبحاث، أما المناقشون سواء كانوا من أصحاب الأبحاث أو غيرها فإنهم ليس المطلوب أن يقرأوا لأن بحوثكم بين أيدينا وقد قرأها الإخوان أو اطلعوا عليها ووصلت إليهم. المراد أن يبدي الإنسان المدرك الفقهي لما يراه في هذه المسألة، أما قضية القراءة، فما أظن أننا بحاجة إليها. واسمح لي أن أقول إن كثيرًا من هذه الفقرات لا تستوعب. يعني كثير من القراءات لا يكون هناك استيعاب لها، لأن كل إنسان يقرأ بنفسه هو أولى. فالبحوث مقدمة ومكتوبة – الحمد لله – ومرسلة للأعضاء قبل شهرين أو قبل ثلاثة أشهر. فالمراد – أرجو من أصحاب الفضيلة – أنه في حال المناقشة سواء أكان من الباحثين أو غيرهم أن يناقش خلاصة ما لديه، أما القراءة، قد يقرأ الإنسان سطرين أو ثلاثة لضرورة يراها، أما الكل فهذا شيء متعذر يا شيخ.

الدكتور علي محي الدين القره داغي:

حقيقة، أريد من هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ربط الدية، لم يربطها بالذهب أو الفضة وإنما ربط الدية بالجمال وهي السلعة، هذا يمكن أن يكون أصلًا لاعتبار السلع كسلة للعملات كما أن الذهب والفضة ولا سيما الذهب، كما قال الإمام الشافعي، قال: في كل شيء ممكن الاعتماد على الذهب والفضة، لكن في حالة واحدة نرجع إلى الذهب. ممكن اعتماد الذهب أيضًا معيارًا آخر لتقويم العملات، بالإضافة، بالإضافة كما قال الأستاذ الفاضل في بيان الرأي بأنه إنما نلجأ إلى ذلك في حالات الغبن الفاحش والفجوة الواسعة.

هذا باختصار ، والبحث أمامكم وحقيقةً أنا أحب أن أسمع فعلا الردود من حضراتكم ولا أحب أن أقرأها، أنا شخصيًّا لا أحب أن أقرأ بحثي وإنما أحب أن أسمع وأنتم تناقشون هذا البحث.

ص: 1812

الجلسة الصباحية

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

نواصل في هذه الجلسة بقية المناقشة عن موضوع " تغير قيمة العملة " ويستمر البحث فيها إن شاء الله تعالى إلى التاسعة والنصف فقط، لأن المفترض أن يكون موضوع هذه الجلسة هو موضوع " الحقوق المعنوية ". ولهذا فإن تغير قيمة العملة يستمر إلى التاسعة والنصف ثم ينهى ويكون الدخول في موضوع الحقوق المعنوية إن شاء الله تعالى. وأعطي الكلمة للشيخ العاني.

الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السيد رئيس المؤتمر، في تصوري أن الخوض في إخضاع الوفاء في الديون لتغير القيمة أمر خطير ينبغي التبصر عند تكوين رأي فقهي فيه. لقد تبلور في ذهني من خلال ما اطلعت عليه من البحوث المقدمة من الإخوة في هذا الموضوع أن فقهاء الشريعة لا يختلفون في وجوب الوفاء بالمثل في الدنانير والدراهم الذهبية والفضية، مع استثناء حالتي تغيير العملة من قبل ولي الأمر أو انقطاعها. أما ارتفاع القيمة وانخفاضها غلاء ورخصًا، فلا أثر له في الوفاء إلا ما قيل في الفلوس من فتوى أبي يوسف ومحمد وما ذكر عن الرهوني من المالكية رحمهم الله. ومرد هذا كما يظهر لي أن الفلوس لا ترقى إلى مرتبة العملة الذهبية والفضية هن فينظر إليها وكأنها سلعة، وقد ظهر من بحوث بعض إخواننا أن هناك اتجاهًا للقول بجواز تغيير الوفاء إذا كان الدين الثابت عملة ورقية من عملاتنا بناء على نظرهم أن هذه العملة الورقية تأخذ حكم الفلوس. ثم دعموا رأيهم بقاعدة رفع الضرر عمن تغيرت قيمة العملة على حسابه. والذي يبدو لي – والله أعلم -.

أولًا: إن إعطاء حكم الفلوس للعملة الورقية لا يستقيم، حتى وإن لم يكن هناك من الغطاء الذهبي ما يرتقي بها، وذلك لأن عملتنا الورقية اليوم قائمة مقام الذهب والفضة في معاملاتنا اليومية والتجارية، وعليها العرف جار.

ثانيًا: ربط الوفاء بتغير القيمة يعني أنه قد اقترن في العقد شرط ضمني بهذا المعنى، وهو يعني جهالة ما سيتملك مستحق الزيادة، وتصرفات التمليك تأبى الجهالة. هذا فضلًا عن شائبة الربا المتولدة عن مثل هذا الشرط.

ثالثًا: إخضاع الوفاء لتغير العملة يجرنا إلى اضطراب شديد في ميدان التعامل وذلك لعدم انضباط الأمر بسبب اضطراب أسواقنا وأثمان السلع فيها.

ص: 1813

رابعًا: إن الأصل في القروض وتأجيل الثمن في البيع أنها تبرع من الدائن إرفاقًا بالمدين. وهذا المعنى حرصت الشريعة الإسلامية على شيوعه بين المسلمين لكونه يشكل قاعدة أخلاقية رصينة في سوق التعامل، فهو ضرب من التعاون بين أفراد الأمة، لذلك جاء قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، مؤكدًا لهذا المعنى. وبناء عليه، فإن ربط الوفاء بتغير القيمة يذيب هذا المعنى ويجنح بنا إلى المادية التي يمقتها الإسلام أساسًا للتعامل.

خامسًا: ماذا نقول لأصحاب الدخل المحدود إذا أجزنا تغير الوفاء مع غير القيمة. فمرتباتهم ثابتة والسلع متغيرة الأثمان إلى الزيادة غالبًا. أليس من الظلم أن نطالبهم بأكثر مما اقترض بعضهم، أو بأن يدفع أكثر مما ثبت في ذمته؟

سادسًا: إذا كان بعض فقهائنا الأقدمين رحمهم الله أفتوا بتأثير الرخص والغلاء في قيمة الفلوس عند الوفاء، فذلك لأن هذه الفلوس لم ترتق في نظرهم إلى مصاف الأثمان، فضلًا عن أنه مخالف لرأي جماهير العلماء. كما أن أبا يوسف أجرى هذا المعنى في القرض والمهر دون سواهما، وأختار النقد يوم العقد وخالفه محمد في اعتباره يوم وجوب الوفاء. وهذا كما يلاحظ، يوهن من القول بربط الوفاء بتغير قيمة العملة الورقية. كما أن الرهوني اعتبر تغير القيمة الفاحش. ومن أين لنا هذا الضابط في أسواقنا المتأرجحة في تعاملها؟ هذا فضلًا عن أن رأي أبي يوسف وغيره ينبغي أن يفسر على أنه قيل في ظل مجتمع تسوده القيم والأخلاق في التعامل. ولم يقله في ظل أسواق تتلاعب بها الأهواء والنظريات والمد والجزر.

لذلك، فإن ما أراه أن لا يفتح مثل هذا الباب لما له من آثار اجتماعية ونفسية خطيرة، وحماية لروح الشريعة في التعاون والإحسان، فقد فضل النبي صلى الله عليه وسلم القرض على الصدقة، كما أن رأي الجمهور ليس من اليسير تجاوزه بدليل ضعيف لا يقوى على دفع رأيهم والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور على أحمد السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

لا أريد أن أتحدث عن بحثي الذي قدمته، فقد قدم في العام الماضي وهو موجود في هذه الجلسة كذلك. ولكن أريد أن أعقب على بعض الأبحاث والأقوال التي ذكرت، وأن أبين بعض المحاذير لو أننا أخذنا بمثل هذه الأقوال. وأبدأ أيضًا بالتذكير بكلمة الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بالأمس، حيث قال: إنه يجب على المجمع أن لا يعود فينقض ما أقره من قبل. وسنلاحظ أن بعض هذه الأقوال لا تنقض قرارًا واحدًا فحسب، بل تنقض أكثر من قرار.

أبدأ أولًا بالنظر في النصوص. موضوعنا هل فيه نص أم ليس فيه نص؟ وإن كنا نتحدث عن النقود الورقية – وقطعًا لم تكن النقود الورقية في عصر التشريع - - موضوعنا فيه أكثر من نص، فيه حديث ابن عمر " كنت أبيع الإبل بالنقيع "، بالنقيع كما صحح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، - وإن جاز الآخر – وهو يبين نصًّا أن الأخذ بالقيمة يوم الأداء لا يوم لزوم الدين، لا بأس إذا كان بسعر يومها. وهذا الحديث صحيح ورد من طرق متعددة. وأخذ به أكثر من إمام ووجدنا فتاوى في كثير من الكتب تبنى على هذا الحديث الشريف. ويضاف إلى هذا الحديث الشريف، فتوى ابن عمر، السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم منه عندما سئل عن كري له دنانير وليس معه هذه الدنانير، فقال: أعطوه بسعر السوق. كذلك حديث تمر خيبر، الذي يبين أن الأموال الربوية لا ينظر فيها إلى القيمة وإنما ينظر فيها إلى المثلية، المثلية في الكيل، لأن تمر خبير كما هو معروف إنه يمكن فعلًا أن ننتهي إلى نفس النتيجة، الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، ولكن لا تفعل إنه عين الربا.

ص: 1814

بيان: هنا لا بد أن ننظر إلى القدر لا إلى القيمة. ثم حديث الأصناف الستة، ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة)) . والأحاديث الأخرى (الدينار بالدينار لا فضل بينهما ، الدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) هذه الأحاديث تخرج النقود الورقية؟ لا لا تخرج النقود الورقية، لأنه من المعلوم في أصول الفقه أنه لا يؤخذ بمفهوم المخالفة عند اللقب، بل قيل إن هذا شرعًا وعقلًا لا يؤخذ به – بمفهوم اللقب - فإذا قيل الذهب والفضة فإن هذا لا يقتصر على الذهب ولا الفضة، وإنما غير الذهب والفضة يحتاج إلى دليل آخر. لا نقول إن هذا دليل على أن الأموال الربوية، بالنسبة للأثمان الذهب والفضة، أو للأوزان الذهب والفضة. هذا لا يقال لأنه هنا لا يؤخذ بمفهوم المخالفة. ثم نقول إن حديث الأصناف الستة، وحديث الدينار بالدينار والدراهم بالدرهم. هذه الأحاديث تدخل النقود الورقية بمفهوم الموافقة بدلالة الدلالة. لأنا إذا قلنا بأن الدينار هو ما كان في عصر التشريع من أية ناحية؟ من ناحية الوظيفة أم الوصف؟ إذا قلنا من ناحية الوصف وقعنا في خطأ شديد. لم؟ فالدينار الذهبي كان عليه الصليب والدرهم الفضي كان عليه رمز عبدة النار، فهل هذا هو الدينار الشرعي؟ وهل هو الدرهم الشرعي؟ بالطبع لا يمكن أن يقول أحد بهذا. وأجاز الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يتعاملوا بدينار عليه صليب، وبدرهم عليه ما يخالف العقيدة، لم؟ لأن النقود مردها إلى الاصطلاح. كما يقول شيخ الإسلام: ما تعارف الناس على أنه درهم فهو درهم، وما تعارف الناس على أنه دينار فهو دينار. ولذلك النقود تعرف تعريفًا وظيفيًّا لا وصفيًّا. يقال عن النقود: هي أي شيء، ذهب، فضة، غير هذا، أي شيء يكون مقياسًا للقيمة ووسيلة للتبادل ويحظى بالقبول العام، أي شيء. إنما إذا قلنا بأن حديث الأصناف الستة وحديث الدينار وحديث الدرهم يقف عند نقود عصر التشريع، إذن فالدينار الشرعي هو الدينار الذي عليه صليب ومن الذهب. فإذا قلنا من الذهب وحذفنا الصليب ، لِمَ؟ كان الأولى أن يحذف الصليب لأنه يتعارض مع العقيدة كان الأولى أن يحذف ما يبين عبدة النار، لأنه يتعارض مع العقيدة. ومع هذا حتى بعد أن ضربت النقود في البلاد الإسلامية بدأ المسلمون خطوة خطوة، بكسر عارضة الصليب، وبطمس بعض معالم النار، لِمَ؟ لأنه لو أن المسلمين أخذوا دينارًا بغير صليب وذهبوا إلى الشام أو إلى اليمن لا يقبل، لأنه لا بد أن يحظى بالقبول العام. ولذلك نذكر هنا في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما كثر التزييف في الدراهم فأراد أن يجعل الدراهم من الجلود، كيف فكر أن يجعل الدراهم من الجلود؟ لو أن الدرهم الشرعي من الفضة، ثم عندما استشار، ماذا قالوا له؟ لم يقولوا له يا أمير المؤمنين هذا مخالف للشرع، كيف تترك الفضة وتأخذ الجلود؟ وإنما قالوا له: إذن لا بعير فأمسك. ولعل هذا هو الذي أوحى للإمام مالك بقوله الشهير: لو أن الناس اتخذوا الجلود..

ص: 1815

إذن هنا النقود مردها إلى الاصطلاح، ليس لها حد شرعي وإنما ما اصطلح الناس على أنه نقود، والنقود تعرف تعريفًا وظيفيًّا لا وصفيًّا، فلا يقال النقود من الذهب ولا النقود من الفضة ولا النقود ما كان لونه كذا أو شكله كذا، وإنما كما قلنا التعريف تعريف وظيفي.

إذن موضوعنا فيه بيان من السنة، وفيه فتوى صاحبي، وموضوعنا يمكن أن يدخل من باب دلالة الدلالة في حديث الأصناف الستة، وفي حديث الدينار وفي حديث الدرهم.

نرى هنا من يقول: لأن الفلوس استعملت في عصر التشريع ولم تأخذ حكم الذهب والفضة، ثم هذا القائل يقول أيضًا: نلحق النقود الورقية بالفلوس. أمر عجيب! الفلوس كانت في عصر التشريع نعم ولم تلحق بالذهب والفضة، نعم هذا صحيح ولكن ما معنى هذا؟ الفلوس في عصر التشريع كانت ليست من وعاء الزكاة، ما كانت تزكى. أفنقول في يومنا، النقود الورقية نلحقها بالفلوس نلحقها بالفلوس في عصر التشريع فلا تزكى؟ ! أحكام النقود لا نأتي فيها إلى حكم ونترك باقي الأحكام، أحكام النقود لا بد أن ننظر إليها متكاملة، الأحكام الخاصة بالنقدين. فإذا قلنا بأن النقود الورقية لا تلحق بالذهب ولا تلحق بالفضة وإنما تلحق بالفلوس في عصر التشريع وبعد عصر التشريع،إذن نقول هنا: إذن لا زكاة. ونرى باحثًا أيضًا يقول: يجوز الفلس بالفلسين، نقدًا ونساء عند أكثر أهل العلم. ثم يقول أيضًا نلحق النقود الورقية بالفلوس، أمر خطير للغاية، الفلس بالفلسين نقدًا ونساء ونلحق النقود الورقية؟ ولذلك أنتهي إلى النتيجة الخطيرة أنه يجوز، ألف دينار اليوم أو ألف جنيه اليوم بألف ومائتين بعد سنة! فأين الربا إذن إذا اعتبرنا أن هذه النقود الورقية ليست أموالًا ربوية لأن الأموال الربوية مثلية؟ يعني إذا قلنا بأنها قيمية فليست أموالًا ربوية، لأن الأموال الربوية مثلية، فإذا قلنا هذه ليست مثلية وإنما هي قيمية ونأخذ بالقيمة ويجوز الزيادة يدًا بيد ٍ، ونساء، إذن أي صور الربا تكون في عصرنا؟ معنى ذلك أنه لا ربا في عصرنا، كل الربا في عصرنا حلال، لأن مشكلة الربا في عصرنا ليست في زيادة قمح بقمح ولا شعير بشعير، وإنما مشكلة الربا في عصرنا في النقود الورقية. فإن قلنا: بأن النقود الورقية، لأن النقود الورقية تلحق بالفلوس وأن أكثر أهل العلم يرون جواز الفلس بالفلسين نقدًا ونساء، إذن ننتهي إلى أننا نقول: نحل الربا في النقود الورقية، لأن النقود الورقية ليست من الأموال الربوية. ثم أنلحق بالأصل أم بالفرع؟ هل نلحق النقود بأصل متفق عليه وبنص وبحكم منصوص عليه، أم بفرع؟ كيف يأتي هذا؟ . من الناحية الفقهية الأصولية النقود الورقية تلحق بماذا؟ ثم إن الفلوس كانت في المحقرات، كانت كما بين فضيلة الشيخ تقي الدين حفظه الله، كانت مثل الفكة وهي ما تسمى في عصرنا بالنقود المساعدة كأجزاء الدينار والريال وهكذا. إنما لم تكن هي النقود. وفي عصرنا الآن لا يوجد إلا هذه النقود،أفنصبح في عصر بغير نقود؟ لو قلنا بالقيمة إذا أصبحنا في عصر بغير نقود.

ص: 1816

ولذلك أرى فعلًا أن هذا الموضوع خطير للغاية، لو أننا لا قدر الله أقررنا الأخذ بالقيمة، إذن يترتب على هذا محاذير كثيرة،

أولها: أنه لا زكاة في النقود الورقية. ولذلك بعض الباحثين عندما أراد أن لا يتناقض مع نفسه قال: أيضًا يمكن أن تكون الزكاة بالنسبة للصرافين وغيرهم الذين يتاجرون في النقود الورقية. ومعنى ذلك أن من عنده مليارات ولا يتاجر فيها فلا تجب فيها الزكاة، لأنها ليست عروض تجارة وليست من النقدين، ليست من الذهب وليست من الفضة. الذهب نفسه: نحن في عصرنا نعرف أن شركات أفلست وبعض الشركات خسرت عشرات الملايين بسبب انخفاض قيمة الذهب، عندما انخفضت قيمة الذهب فجأة، شركات أفلست وبعض الشركات – فعلًا – خسرت عشرات الملايين. معنى هذا أن الذهب انخفض، أما النقود الورقية ارتفعت، انخفاض الذهب معناه أن النقود الورقية ارتفعت. إذن في هذه الحالة لو أن أحدًا اقترض ذهبًا أو فضة، ماذا يؤدي؟ لو أن الذهب كان بألف فأصبح بخمسمائة هل نطالبه بضعف الذهب؟ بماذا نطالبه؟ وإذا قلنا لا، الذهب المثل، ولِمَ في النقود الورقية لا نقول المثل؟ إذن لو أخذنا بالقيمة، زكاة النقدين تنتهي.

ثم فتوى المجتمع السابقة بأن النقود الورقية نقد قائم بذاته له ما للذهب والفضة من الأحكام يلغى، الذي أقره المجمع هنا وأقرته المجامع الأخرى وأقر واستقر خلال ربع قرن هذا يلغي. ثم الحساب الجاري في البنك، كيف إذن يؤدى بمثله؟ معنى ذلك أننا علينا أن نلزم البنوك بأنها تؤدي زيادة عن المثل، القيمة، ثم يخرج من هذا إلى عدالة البنوك الربوية وظلم البنوك الإسلامية. لو أقررنا القيمة فالبنوك الربوية عادلة، والبنوك الإسلامية ظالمة، لِمَ؟ البنوك الربوية عادلة لأنها تقول بأنها تدفع شيئًا تعويضًا عن التضخم، فهي تحاول أن تدفع. والبنوك الإسلامية تكون ظالمة، لِمَ.؟ لأنها تحسب رأس مال المضاربة بالمثل لا بالقيمة. نعطيها النقود الآن وتأتي في العام القادم فتقول الألف زاد عشرة، زاد مائة. أي ألف؟ لو نظرنا إلى القيمة فالألف أصبحت قيمته الآن سبعمائة أو ثمانمائة، إذن مفروض أنه كعامل مضاربة ألا يأخذ إلا بعد سلامة رأس المال. فالبنوك الإسلامية أرباحها لا تساوي التضخم. إذن هي تأخذ من رأس المال وهذا مرفوض شرعًا، لأن المضارب لا يأخذ إلا بعد سلامة رأس المال. ومعنى ذلك فتوى المجمع السابقة الخاصة بالبنوك التي تتعامل بالفوائد وبالبنوك الإسلامية، هذه الفتوى أيضًا يجب أن تنقض وأن نخرج للناس قانونًا جديدًا بأن هذه البنوك الربوية لا نسميها ربوية، أنه حتى نفس الأوراق النقدية ليست من الربا.

إذن الأمر لا شك خطير للغاية، ويجب أن نتريث فيه قبل أن نقدم عليه وأن ننظر إلى هذه المحاذير.

ص: 1817

بعض الأخوة قال: ننظر إذا كانت الزيادة فاحشة فهي التي لا تقبل،أما إذا كانت الزيادة ليست فاحشة فمثل الغرر اليسير، فليكن مثلا في الثلث. والواقع أعجب أن مالكيًّا يقول هذا وهو متمسك بمالكيته، لأن الإمام مالكا نفسه قال عندما سئل: لو أن المثل كان بمائة فأصبح بمئتين، فماذا يؤدي؟ قال: يؤدي المثل والصاوي يقول: فالواجب قضاء المثل، أي ولو كان مائة بدرهم ثم صارت ألفا بدرهم أو بالعكس. وننظر هنا إلى العبارة في وقت وجود النقود الذهبية والنقود الفضية، لو كان المثل بمائة فصار ألفا أو العكس، يعني التضخم ألف، من مائة إلى ألف أو العكس، قال: لما وجب إلا المثل. فعلى أي أساس نقول إذن بأننا ننظر إلى الزيادة أو النقصان في النقود، هل هذا النقصان غرر يسير أم غرر فاحش؟ لا أريد أن أضيف بالنسبة إلى الجهالة ما ذكره الإخوة الأجلاء، ولكن أقول هنا بأن الذي أثر على هذه الأبحاث في الآونة الأخيرة هو ما حدث لليرة اللبنانية في أيامنا ومثل هذا يمكن أن ينظر إليه نظرة خاصة.

مسألة الكساد والانقطاع التي عالجها الأئمة من قبل أن ينظر هنا حتى في تعريف النقود. أي شيء يكون مقياسًا للقيمة ووسيلة للتبادل ويحظى بالقبول العام. قد نجد نقودًا – الآن – لا تحظى بالقبول العام. قد نجد في الدولة ذاتها نقودها لا يقبلها الناس ويتعاملون وهم في نفس الدولة بنقود أخرى. هذه قضية فرعية يمكن أن تبحث كقضية فرعية،أما أن نأتي بحكم عام على النقود الورقية ونقول ليست نقودًا ولا تلحق بالذهب ولا تلحق بالفضة، فهذا أمر خطير أردت أن أشير إليه. والله أعلم بالصواب. والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

ص: 1818

الدكتور محمد سليمان الأشقر:

بسم الله الرحمن الرحيم.

كان في تقديري – الترتيب الطبيعي – أن تكون كلمتي قبل كلمة الشيخ على السالوس لأجل أن يرد على كلامي، لأنه هو في الحقيقة يرد على كلامي وأنا قلت ما قلته في بحثي المقدم للندوة السابقة للمجمع، ولم أتمكن من الحضور لعرضه. وقلت في بحثي أن هذا رأي مقدم لمجرد استكمال الآراء وطرح البحث، ولعله تخرج من المجمع فتوى تتوسط بين الآراء وتأخذ من كل رأي بنوع من الاعتبار حتى نتلافى الأخطار الواردة من الجهتين:الجهة التي أخذ بها الشيخ السالوس، وبين الأضرار أي تنبني على القول بعدم ربوية الفلوس، وأيضًا الأخطار التي تنبني بعدم ربوية الأوراق النقدية. والقول بربوية الأوراق النقدية، كذلك فيها أخطار هائلة جدًّا وكل منا الآن يحس بها.

فإذن ليس قولي بعدم ربوية الأوراق النقدية ليس قولًا نهائيًّا ولا أفتيت به ولا دعوت الناس إلى الأخذ به وقلت في بحثي أنه لا يحل لأحد أن يأخذ بهذا القول ما لم يقره المجمع. وللأسف،إن بعض الإخوة سرب إلى بعض الصحف في بيروت، صحفية تدعي أنها محترمة مجلة وتتبع جهة محترمة ومع ذلك لم تبال بأن تنشر هذا البحث قبل موعده وتحذف منه التحفظات التي فيه للأسف.

أولًا: أعتب أيضًا على الأخ الشيخ تقي الدين العثماني أنه ما ذكر هذا القول أصلًا في الأقوال الخمسة أي سردها بالأمس. أنا لي قول ذكره، وهذا قول آخر أيضًا مطروح للبحث، فكانت الأقوال ستة في الحقيقة وهو القول بعدم ربوية الفلوس. تئول الأقوال الستة في نظري إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول: بأن الأوراق النقدية أصناف روبية كالذهب والفضة تمامًا وتأخذ أحكامها من جميع النواحي، ولا يجوز الزيادة ولا التعويض ولا أي شيء، وتعامل كالذهب والفضة مئة بالمائة.

القول الثاني: إن هذه الأصناف ربوية ولكنها يمكن التعويض فيها بطريق من الطرق التي ذكرت بالأمس، منها اعتبار سلة الأسعار أو التوكيل إلى جهة، أو بالذهب كما ذهب غليه بعض الأخوان، يعين تقديرها بالذهب ارتفاعًا وانخفاضًا، أو الطريقة التي أشرت إليه في القول الذي ذكره عني الأستاذ تقي الدين أمس، وهو أن تتولى جهة حكومية تحديد الارتفاع أو الانخفاض في التضخم حتى يكون السداد على أساس ذلك، وتكفل العدالة للمقرض والمستقرض أخذًا بقوله تبارك وتعالى:{فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .

ص: 1819

القول الجديد الذي لم يذكر بالأمس: وهو في الحقيقة مطروح في نادي العلماء في العالم الإسلامي هو أن النقود الورقية غير ربوية. وأعرف والشيخ علي يعرف والإخوان جميعًا أو أكثرهم أن الشيخ حسن أيوب كان هذا رأيه، وكان يدافع عنه، وكتاب فيه ورد عليه الشيخ عل السالوس، ولا أدري لِمَ لَمْ يتيسر حضوره في مثل هذا البحث الذي ينبغي أن يطرح من جميع النواحي ويستقصي البحث فيه ليكون الاجتهاد سليمًا ومستوفيًّا ومنظورًا فيه إلى الأقوال المطروحة. وكذلك فيما أتذكر إن لم أكن واهمًا عليه الشيخ عبد المنعم النمر، أظن أنه قال بشيء من هذا. فالقول مطروح في النادي العلمي الإسلامي بمعناه الواسع وليس قولًا مجهولًا، وليس قولًا يستحى من ذكره إن كان الشيخ تقي الدين استحى أن يذكره أو رآه ليس بالقدر الذي يمكن أن يذكر. وقد يكون عذره أنه ما رآه، لأنه في تضاعيف البحث. فهذا القول الذي هو عدم ربوية الفلوس منظور فيه إلى أن عدم ربوية الأوراق النقدية، أقصد إلى أن النصوص الواردة حددت الأصناف الستة تحديدًا لا يمكن لأحد من أهل العلم أن ينقضه، لأنه ثابت بالإجماع وبالأحاديث الصحيحة أن الأصناف الستة ربوية، وأنها لم تتعرض للأوراق النقدية، سكتت عنها.فإذا قلنا بأنها ربوية مئة بالمائة قطعًا فهذا فيه نظر، لأنها إنما ألحقت الأوراق النقدية في هذه المسألة بالذهب والفضة إلحاقًا، أي على طريق القياس، وليس هو على سبيل مفهوم الموافقة كما قال الشيخ علي السالوس، لأن مفهوم الموافقة يقتضي التوافق من جميع النواحي وعدم وجود فروق بين الملحق والملحق به، فيكون قياسًا جليًّا ويكون بدرجة النص. لكن لا شك أن بين الذهب والفضة وبين الأوراق النقدية فروق شاسعة وكبيرة كما لا يخفى أن الإلحاق يكون بعلة وهذه العلة التي ثبتت في الربويات الستة، العلماء اختلفوا فيها اختلافًا كبيرًا، ولا يخفى ذلك ، يعني هي من أكثر المسائل الخلافية في الفقه الإسلامي علة الربا كما لا يخفى هل هي الطعم، هل هي الوزن أو الوكيل أو الاقتيات أو غير ذلك، هذه علل مختلفة. كل مذهب من المذاهب الأربعة ذهب إلى وجهة نظر وقد تكون هناك آراء في الفقه الإسلامي سوى هذا فلم يتفقوا على علة معينة، ولا شك أن هذا العلل غير متوفرة كلها في الأوراق النقدية حتى نقول إنها ملحقة إلحاقًا قطعيًّا أو إلحاقًا يجزم به، وأنه لا يكون ظنيًّا، بل هو إلحاق ظني بلا شك في ذلك لأنها علة ظنية، وهذا أمر مجزوم به ولا يخفى. وأيضًا الذهب والفضة كنقود تتأدى بهما، أو إذا ألحقنا النقود الورقية بالذهب والفضة، فإنما نلحقها إذا توافرت على القول بأن العلة هي النقدية في الذهب والفضة. فالنقود لها أربع وظائف:

الوظيفة الأولى: هي وسيط للتبادل.

ص: 1820

الرئيس:

أخ محمد، الوقت ما بقي منه إلا عشرون دقيقة فلو تكرمت بالاختصار.

الدكتور محمد سليمان الأشقر:

الأخطار بربوية النقود الورقية واضحة جدًّا. أثبت أن الذهب والفضة من عهد النبوة إلى هذا الوقت لم تتغير قيمتها، قوتها الشرائية ثابتة من عهد النبوة إلى الآن 1400 سنة. أنا أقول بهذا. أنا أثبته بدليل لم تتغير حقيقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي رجلًا دينارًا – هناك بعض المناقشين تدخلوا ولم أفهم كلامهم -.

سأبين الخطر في الاستمرار على هذا القول دون تعديل. أنا أقبل التعديل الثاني، وقلت في بحثي إنني أقبل التعديل الثاني التعويض بالقيمة التي يضمن بها الإنسان أنه حصل على حقه. أقبل بهذا القول، لكن أعرض هذا ليكون أساسًا. في عهد الني صلى الله عليه وسلم أعطى رجلًا دينارًا ليشتري شاة، فاشترى شاتين وباع إحداهما بدينار، الآن الدينار الذهبي الإسلامي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يساوي سبعة عشر دينارًا كويتيًا تقريبًا، سبعة عشر دينارًا تشتري شاة، الإبل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، عشرة دنانير ذهبية تأتي بجمل أو بعير الآن يساوي هذه القيمة. القيمة لم تختلف من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن. القوة الشرائية للذهب ثابتة، وهذا معنى قول العلماء " الذهب نقد خلقة ". وأما النقود الورقية، ففي ستين سنة فقط منذ أن دخلت البلاد الإسلامي إلى الآن، في النقد التركي كمثال أضربه كانت الليرة الذهبية تساوي ليرة ورقية،الآن حوالي خمسين ألف ليرة ورقية تركية تساوي ليرة تركيبة ذهبية. خمسين ألف من ستين سنة. معناه كل سنة ألف مرة يسقط. نقود المسلمين والمتمسكين بالإسلام الآن تتهاوى قيمتها وتآكل في البنوك الأجنبية، وتكسب البنوك الأجنبية أصولًا وتثبت أصولًا وتبني أصولًا، ثم تعيد إلينا ورقًا خاليًا. وشكرًا.

ص: 1821

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

إن قضية تغير العملة وآثار ذلك وأحكامه، أريد أن نقرر فيها قواعد:

القاعدة الأولى: أنها قضية اجتهادية، فالحق فيها ظن لا يقين. ولذلك يعذر بكل من رأى رأيًا وهو مأجور.

الأمر الثاني: هو أن كثيرًا مما كنت أريد أن أتحدث به، تفضل به الشيخ السالوس فلا أعيد.

الأمر الثالث الذي أردت أن أضيفه: هو أن التصور للعملة في عهدنا هو أمر ضروري. كانت العملة ذهبًا وفضة، وكان للذهب قيمته الخلقية كما هو معلوم. أما اليوم أصبحت العملة هي عبارة عن ناتج مقابلة بين استهلاك الأمة وبين إنتاجها، فما تنتجه الأمة وما لها من ثروات يقابله استهلاك الأمة. فإذا فاق الاستهلاك القدرة على الإنتاج وعلى إضافة الخيرات تضخمت الأموال وسقطت العملة أو نقصت حسب ذلك. وهذه المعادلة التي هي معادلة ثابتة لم تختل إلا في الولايات المتحدة الأمريكية نظرًا لأن الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الأولى انكمشت على نفسها ولم تستفد من نصرها، أما بعد الحرب العالمية الثانية فأرادت أن تستفيد بكل ما جاءها من نصر عقب الحرب العالمية الثانية، وبذلك جعلت ورقتها الدولار هي العملة التي تقوم بها كل العملات، وأصبحت تطبع في الأوراق بدون حساب وتستفيد من ذلك إلى أن بدت من أواخر الستينات إلى السبعينات للعالم هذه النواحي السلبية وقام العالم يطالب بتصحيح الأوضاع ولم يستطيع بعد ذلك. فالذي يهمنا هنا هو أنه عندما نقول أن العملة الورقية نقصت قيمتها أو زادت قيمتها، فذلك حاصل عن إنتاج قومي عام. وعندنا الناس أرباب القضية المبحوث فيها منهم دائن ومدين، فالدائن أعطى مالًا له قيمته. والحجة الكبرى التي يعتمدها من يقول بأن من أعطى قيمة مالية يجب أن ترجع له وأن ترد نفس القيمة المالية، التي هي من قبل المدين، حجته الظاهرة هي العدالة.

ص: 1822

هذا رجل أعطاك مائة ليرة تساوي عشرة كيلو من اللحم لا بد أن ترد له عشرة كيلو من اللحم أو ما يساويها، وهذا خطأ، لماذا؟ وذلك لأنه عندما تنقص القيمة إنما هي تنقص نقصًا عامًّا على الجميع، بمعنى أن الأمة كلها القوي فيها والضعيف، اختزل من قيمته، من قيمة العملة التي يملكها ذلك المقدار، فإذا حَصَّنَّا الدائن وأعطيناه الحق في أن يسترد القيمة يوم أعطى المال، فمعنى ذلك أننا قد أعطينا قوة للقوي وزدنا ضعف الضعيف، وجعلنا الخسارة يتحملها الضعيف وهو المدين، وجعلنا الدائن دائمًا هو في الصف القوى، فتقوية الدائن على المدين هذه هي الثغرة التي هي موجودة في المعادلة عند من يقول إنه يرغب العدالة،ولكنها عدالة زائفة وليست حقيقية، بل العدالة حقيقة أن تبقى النقود. من أعطى مئة يأخذ مئة ويخسر في ذلك الضعيف والقوي على حد سواء، وكل على حسب قدرته.

هذا وأود تأكيد ما ذكره الدكتور السالوس من أن الحديث هو " كنت أبيع الإبل بالنقيع "، والنقيع هو الحمى الذي كانت تجمع فيه إبل الصدقة، وليس البقيع الذي كان مقبرة للمسلمين بجانب المدينة.

ثم إن ما جاء في الأمس من كلام فضيلة الشيخ الصديق الضرير من أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ونحو ذلك، هو من العام المراد به الخاص، فهذا ليس من العام المراد به الخاص. فالعام المراد به الخاص هو غير هذا، ومثاله قوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، عندما فسروها بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتعبير بكلمة عامة عن الخاص، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو من العام المراد به الخاص. أما. أما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، فهو عام قد خص وفرق بينهما كبير. فأردت تأكيد هذا. وشكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1823

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو:

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الكلام عن تغير قيمة العملة يدعونا لمعرفة حكم العملة الورقية كما ذكر الإخوة الأفضل. وأظن بأن المجمع الموقر وغيره من المجامع الفقهية قد أكد على أن العملة الورقية تقوم الآن مقام الذهب والفضة، ولا يمكن أن نعتبرها كالفلوس التي تكلم عنها فقهاؤنا الأقدمون رحمهم الله تعالى، لما بينها وبين الفلوس من تفاوت. فالفلوس أعدت لشراء المحقرات كما ورد ذلك في تعبير الفقهاء، في حين أن العملة الورقية الآن هي الأثمان الرائجة في الأسواق. فإذا عرفنا بأنها تقوم مقام الذهب والفضة تبين لنا ما يأتي:

أولًا: إن الديون تؤدى بمثلها لا بقيمتها، أي عملًا بسعر صرف يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين، عملًا بالأحاديث الواردة بهذا الشأن ومن ذلك حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما -.

ثانيًا: ما احتج به بعض الباحثين بقول أبي يوسف رحمه الله في الفلوس الكاسدة غير وارد كما ذكرت آنفًا، لأن هناك فرقًا بينها وبين العملة اليوم، وأود أن أبين بأن الخلاف بين أبي يوسف وبين غيره من فقهاء الحنفية رحمهم الله تعالى إنما هو في الكساد لا في الرخص. فها هو الطحاوي -رحمه الله تعالى- ينقل عن ابن شابي قوله: وأجمعوا أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت، فعليه مثل ما قبض من العدد.

ثالثًا: حكى ابن عابدين عن بعض كتب المذهب ما هو أولى بالاحتجاج في هذا الموضوع. فقد نقل عن بعض كتب المذهب ما يلي: رجل اشترى ثوبًا بدراهم نقد البلدة فلم ينقدها حتى تغيرت فهذا على وجهين، إن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق أصلًا فسد البيع لأنه هلك الثمن، وإن كانت تروج لكن انتقصت قيمتها لا يفسد، لأنه لم يهلك وليس له إلا ذلك. وإن انقطع بحيث لا يقدر عليها فعليه قيمتها في آخر يوم انقطع من الذهب والفضة وهو المختار.

وأود أن أقول لأخي الشيخ علي القره داغي بأن مطلق الثمنية هو العلة في تحريم الزيادة في الأثمان، وهذا هو رأي أكثر الفقهاء رحمهم الله تعالى، وليس الوزن بل هو قول للحنفية وعندما اعترض عليهم كيف تجيزون السلم بها في أشياء الموزونة مثل الزعفراني وغيره؟ أجابوا عن ذلك بأن الوزن يختلف في كل منهما، فالذهب والفضة توزن بالصنجات، والزعفران وغيره يوزن بالأواني.

لذلك أني أرى وأذهب إلى ما ذهب إليه الإخوة الأفاضل من أن العملة الورقية تقوم الآن مقام الذهب والفضة وبالتالي ينبغي ألا ننجر إلى تغيير قيمة العملة لما ذكر البعض الآخر. وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1824

الدكتور عجيل جاسم النشمي:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وبعد:

فيبدو أن القائلين بالقيمة قد هضم حقهم إلى حد كبير سواء في بيان وجهة نظرهم بالأمس أو في إبداء حججهم وإعطاء الفرص الكاملة. فضيلة الشيخ تقي الدين حفظه الله بالأمس نسب إلى القول بالقيمة مطلقًا، وأنا لم أقل بالقيمة مطلقًا في بحثي ولا أظن الزملاء قالوا بذلك كلهم. كما أن بعض الإخوة خرج عن الموضوع وخرج عن محل النزاع، وادعى بأننا لو أخذنا بالقول بالقيمة نبطل فتاوانا السابقة، وبين الموضوعين فارق كبير جدًا. الآراء التي لخصها فضيلة الشيخ تقي الدين واعتبر رأي القائلين بالمثل رأيًا واحدًا، وبقية الآراء عدها خمسة، وهي في الحقيقة لا تخرج عن رأيين قول بالقيمة، وقول بالمثل. لكن هناك تفصيل في كلا الرأيين. كما أن فضيلة الشيخ تقي الدين ذكر أن القائلين بالقيمة من الأبحاث هما أنا والدكتور عبد اللطيف الفرفور بينما يبدو لي أن هناك ستة أبحاث يقول أصحابها بالقيمة، أذكر منهم الدكتور نزيه والدكتور ابن بيه على ما أظن، وكذلك الدكتور القرضاوي والدكتور على القره داغي والشيخ محمد الأشقر أيضًا ربما غيرهم. كما أن العرض اقتصر على وجهة نظر واحدة، هذا من حيث إطار الموضوع.

أما الموضوع فكثير من الزملاء الذين تكملوا فيه صوروا موضوع القول بالقيمة كأنه قول شاذ، وأنه لا قائل به وأنه أمر مستحدث. والحقيقة أن القول بالقيمة جملة في هذا الموضوع كل المذاهب قالت به، في حالة الكساد قال به الحنابلة والمالكية في مقابل المشهور وأبو يوسف ومحمد. وفي حال الانقطاع قال به جمهور الفقهاء والمالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف، والفتوى عليه عند الحنفية. وليس معنى هذا أن هناك تطابقًا بين القول بحالتي الكساد والانقطاع وحالة الرخص والغلاء وبينما فارق كبير، لكن قصدي أن أقول إنه قدرك مشترك بالتقدير برد القيمة. جمهور الفقهاء في حالة الرخص والغلاء كما علمنا يقولون إنه يرد ذات النقد الثابت في الذمة،ورأي آخر وهو كما أشار الشيخ تقي الدين وغيره هو رأي الإمام أبي يوسف. البعض حاول أن يشكك في قول أبي يوسف هذا القول ليس قولًا مغمورًا، هو القول المفتى به عند الحنفية. وهذه الواقعة لم تكن في حالات العملة البسيطة كما ذكر البعض بالفلوس، وإنما كان حالات كوارث اقتصادية نزلت بالعالم الإسلامي تكررت حوالي سبع مرات في القرون من القرن الخامس حتى القرن الحادي عشر. فيمكن القول بالقيمة قولًا مغمورًا، أو قولًا ضعيفًا عند الحنفية خاصة بل هو القول المفتى به. وهذا ثابت بنصوصهم ولا نذكرها. ثم إننا حينما نأخذ بقول أبي يوسف ونعمل به قيدناه بقيود. القيد الأول وهو ما ذكره الرهوني بأن يكثر الغلاء جدا ويكون الغلاء فاحشًا. وتعليله بهذا تعليل معقول، لأن التغير الفاحش يدخل على الدافع، سواء كان في القرض أو في بيع الأجل الظلم. ولذلك يقول الرهوني: إن البائع إنما بذل سلعته في مقابلة منتفع به، فلا يظلم بإعطائه ما لا ينفع به.

ص: 1825

وهذا كلام سليم كذلك الظلم يترتب حتى في القروض. ولو قلنا إنه يعطى المثل لربما سد باب التيسير على الناس، فيحجم الناس عن إعطاء القروض. ثم إننا نقيده أيضًا بقيد وهو أن الذي يقرر حالة الغلاء ليس الأفراد فيما بينهم وإنما هي الدولة، لأنها حالة اقتصادية نادرة الحدوث، فينبغي أن تكون بيد الدولة، وهي التي تقرر إن كان هناك تغير فاحش، أم لا، وتقدر نسبة التغير كما هو معمول به في الدول. وفي حالة التضخم الدولة هي التي تقدر هذا التضخم. وبذلك لا يكون الأمر فوضى كما قد يتصور البعض.

الزميل على القرة داغي بالأمس ذكر عشر حجج قوية في إسناد هذا الرأي ولا أعيدها حفاظًا على الوقت. وإنما إضافة إلى ما ذكر: إن هذا الرأي له نظائر وتسنده قواعد شرعية معتبرة فنظائره: الفقهاء تكلموا في بيع الفلوس إذا حصل تخالف وفسخ وهي تالفة فقالوا: تجب القيمة. واعتبروا القيمة يوم التلف، على خلاف وتفصيل بينهم. كذلك تكلموا عن استعارة الفلوس، ففي تلقيها حال الاستعارة قال بعضهم بالقيمة يوم التلف. وأيضًا قالوا: لو أخذت الفلوس على جهة السوم فتلفت ففيها القيمة يوم القبض أو يوم التلف على خلاف بينهم. أما القواعد التي تندرج تحتها هذه المسألة فهي قواعد كثيرة وبيان الصلة بينها وبين كل قاعدة يطول. هذه القواعد كقاعدة الضرورة والضرر لا يزال بالضرر، والضرورة تقدر بقدرها، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، والميسور لا يسقط بالمعسور، والمشقة تجلب التيسير، ورفع الحرج، وغير ذلك وبسط هذا كما قلت يطول. أقول قولي هذا واستغفر الله.

ص: 1826

الشيخ خليل محيي الدين الميس:

بسم الله الرحمن الرحيم.

عودًا على بدء ما ذكرناه في العام الماضي: إن القضاء اليوم في لبنان أمام مشكلة حيث إذا طلقت امرأة تزوجت منذ عشر سنوات وكان مؤخر صداقها عشرة آلاف ليرة لبنانية نرى القاضي يفرض نفقة ثلاثة أشهر أكثر من مؤخر صداقها نفقة العدة أكثر من مؤخر صداقها، ومؤخر صداقها يكفيها فقط لتستأجر سيارة وتحضر أمام مجلس القضاء لتسمع الحكم وتعود إلى بيتها بمؤخر صداقها. هذه حالة تحصل في لبنان.

أمر آخر: في الحقيقة المشكلة ليست فردية. البنوك في لبنان شبه متوقفة عن وفاء الديون للعملة لأنها تراجعت ثلاثمائة مرة. وفعلا تحولت العملة إلى فلوس.

أمر آخر: إن المشكلة باعتبارها قائمة في لبنان تتوقف جميع القضايا العالقة في المحاكم على قرار مجلسكم الكريم، لأنهم لم يتوصلوا إلى حل. والآن ينتظرون من مجمع الفقه الإسلامي، ماذا سيقول حتى يحقوا الحق.

أمر آخر: في الحقيقة كل من تكلم – وجزاه الله خيرًا – تكلم عن نصف الآية ووقف أمام النصف الثاني. قال تعالى – والكل يعلم – {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} ووقف، نعم وقف {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} . الحقيقة الآية ذكرت أمرين: رفع الظلم عن المدين، ورفع الظلم عن الدائن. صحيح إننا بتأخر قيمة العملة أنصفنا كما قالوا المدين بالعملة الضعيفة ولكننا ظلمنا الدائن، والآية الكريمة ذكرت هذه المعادلة {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .

أمام كل هذه الاجتهادات يخطر في البال أمر وهو – الكل يعلم – أن الماء إذا تنجس – ماء البئر– قال الفقهاء ينزح كذا، وينزح كذا، وينزح كذا وطهر، كما قالوا استحسانًا لا قياسًا. والقياس: أن الماء لا يزال نجسا ، لو أردنا تطهيره لاستأصلناه. فإذا لم يفن الماء ولم تزل النجاسة بالكلية. الحقيقة أمام كل ما تقدم كنا أمام الفلوس هي فكة وأصبحنا أمام عملة قائمة بذاتها، وثروات قائمة بذاتها. فلذلك لو تحول الدين إلى ذهب أظننا لا نكون ظلمنا ولا ظلمنا، وفي ذلك مندوحة. والله أعلم والسلام عليكم.

ص: 1827

الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أحب أن أعقب أولًا على اقتراح بعض الإخوان في اعتبار العملات الأجنبية كالدولار مثلًا مقياسًا وأقول: الذين رأوا هذا الرأي لم ينظروا إلى آثاره السياسية والاجتماعية ومخاطره حين نجعل العملة الأجنبية أساسًا كأننا أقررنا بمجمعنا الكبير الكريم أن ننافس العملة الوطنية. وفي هذا خطورة على اقتصادنا وخطورة على مجتمعاتنا. أحب أن أبين نقطة وهي: كان ينبغي أن نفكر كمجمع في إيجاد الدينار الإسلامي أو الدينار العربي كخطوة أولى حتى نستطيع أن نقاوم ما استطعنا سياسيات التغيير المفاجئة التي يفرضها التقسيم السياسي والضعف الاقتصادي ولو جعلنا مثل هذه الوحدة لحللنا كثيرًا من هذه المشاكل.

الأمر الآخر: هو أن هذه الأمور في الغالب مستجدة لم تكن في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الأئمة السابقين بسبب هذا التواصل وهذه الحركة والتطور الاجتماعي والاقتصادي في العالم. ولذلك ينبغي أن نعالجها بصبر وأناة. وقد وجدت في بعض الجوانب عند رجال القانون معالجة فيها كثير من العدالة في أمور تشبه ما نحن بصدده، مثلًا، عندما يطلب من متعهد وينزل عليه عطاء بأن يقدم لجهة من الجهات آلات أو أطعمة أو بضائع ثم تهبط الأسعار أو تغلو غلوًّا فاحشًا فينزل رجال القانون على نظرية الظروف الطارئة. ونظرية الظروف الطارئة. ونظرية الظروف الطارئة فيها من العدالة ما فيها، لأن الدولة هنا تنظر إلى المجتمع كله نظرة شمولية وتقسم الخسارة على الطرفين، على الدائن وعلى المستدين، أو على المتعهد وعلى صاحب العمل. وذلك تحقيقًا لشيء من العدالة. إنه أمر نزل بالأمة فينبغي أن يتحمله الطرفان.وقد يعطي هذا الرأي شيئًا مع ما تفضل به فضيلة الشيخ مفتي تونس وهو أن المصيبة حين تنزل عل الأمة كلها ينبغي أن تحملها الأمة كلها. فإذا حملناها للمدين وحده فلم ننصف، أما إذا حملناها للجهتين فيكون شيئًا من العدالة.

والأمر الآخر الذي أحب أن أقوله حين لا ترتبط الأحكام الشرعية بمقاصد الشريعة نقع في أخطاء فاحشة. فالإسلام عندما حرم الربا بالذهب والفضة لأنها كانت هي العملة المتداولة، وعندما تصبح العملة الورقية هي المتداولة فالثمنية بها، نشتري بها الذهب ونشتري بها الفضة. فإذا اعتبرنا قيمتها فقط فنكون قد ابتعدنا عن فقه الشريعة وربط الأحكام بمقاصدها ووقعنا في محظور ترك الزكاة وهدم أركان الدين وإحلال الربا إلى غير ذلك. ولكن نظرية الظروف الطارئة التي تجعل الحاكم في مثل هذه الأمور ينظر نظرة شمولية ليتحمل الدائن والمدين مثل هذا الفرق الشاسع يحقق شيئًا من العدالة. وشكرًا للإخوة.

ص: 1828

الدكتور منذر قحف:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد.

الحقيقة كنت أود أن أذكر بعض النقاط التي قد تؤثر على مجرى المناقشة بحيث تستبعد بعض الأمور التي لا علاقة كثيرة لها.

أولًا: التضخم في عرف الاقتصاديين أن تغير سعر العملة هو ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات وليس واحدة منها أو بعضها،ويعبر عنه بشيئين إما الارتفاع العام للأسعار، أسعار كل شيء ترتفع، على العموم بنفس النسبة أو – وهو الكلام المماثل – انخفاض قيمة العملة بالنسبة لجميع هذه الأسعار.

ثانيًا: التضخم حصل في الماضي مرات كثيرة، بمعنى أنه ليس السبب الوحيد للتضخم هو العملة الورقية، فقد حصل بالعملات المعدنية، ولكن حصوله بالعملات الورقية المعاصرة أكثر بكثير لسهولة إنتاج العملات الورقية لأنها لا تتضمن كلفة تقريبًا لمنتجها، الدولة.

ثالثًا: التضخم يؤثر ليس فقط على بعض الناس، لا يؤثر على كل الناس في الحقيقة ولا يؤثر على كل الناس بالتساوي، التضخم يؤثر على زمرة من الناس أو على زمرة من الحقوق والثروات والدخول هي تلك فقط التي تحدد أو تحسب بوحدات نقدية. فإن هناك كثيرًا من الثروات كما هو واضح لا تحسب بوحدات نقدية وكثيرًا من الحقوق لا تحسب بوحدات نقدية وكذلك من الدخول ما لا يحسب بوحدات نقدية. فهذه لا تؤثر عليها، وبالتالي التأثير على الناس ليس متساويًا فيؤثر على بعضهم أكثر من تأثيره على غيرهم.

نقطة أخرى أيضًا: حصل كلام عن الظلم والعدالة بين البنوك الربوية وغيرها، الحقيقة الكلام، يعني يصعب قبوله، لأنه حصل تاريخيًا وفي العشرين سنة الأخيرة في دول كثيرة أن كان معدل الفائدة – سعر الفائدة الربوية – أقل من معدل ارتفاع الأسعار وبالتالي البنوك الربوية فعلًا دفعت أقل من أو أعادت لأصحاب الودائع عندها أقل من ودائعهم الأصلية بالقيمة الحقيقية. وأما بالنسبة للبنوك الإسلامية فالأصل أنها تحسب الربح على أساس استثماراتها. والربح يتضمن ارتفاع الأسعار، فما استثمرته بسعر اشترته بسعر عندما باعته، باعته بسعر يتضمن في العادة التضخم. فمقدار الظلم هنا أقل بكثير من البنوك الربوية، بل إنه أنحى إلى العدالة، لأن البيع بسعر حقيقي والشراء بسعر حقيقي والتضخم حصل بين البيع والشراء. فما حسب من قيمة اسمية لأصل المبلغ، لأصل الاستثمار الذي وضع البنك الإسلامي أضيف إليه نسبة من الأرباح أكثر. وهذا واضح من الأمثلة الفعلية للبنوك الإسلامية في تركيا، البنكان الإسلاميان، في تركيا، يعين معلوم من حساباتهما.

ص: 1829

نقطة أخرى: لو تصورنا إنسانًا تبين الفرق بين تأثير ارتفاع الأسعار، تأثير التضخم – لو تصورنا إنسانًا عليه دين وعزل جزءًا من نقوده لوفاء هذا الدين، عليه دين ألف ليرة، فعزل جزءًا لوفاء هذا الدين ألف ليرة، ثم قلنا بالدفع بالقيمة، ماذا يحصل لهذا الإنسان الذي عزل هذا الجزء، ألف ليرة وضعها في صندوقه من أجل دفع ذلك الدين؟ لن تكفي لدفع هذا الدين وهذا أمر بديهي.

نقطة أخرى أيضًا:صار حديث عن ارتباط التضخم بالربا وإن الربا سبب للتضخم. الحقيقة لا يوجد أي دليل إحصائي أو علمي على هذا. هناك آثار متبادلة بين التضخم والربا، نسبة الربا ولكن لا يود دليل على أيها يؤثر على الآخر. يمكن نظريًا أن يقال إنه الربا لأنه يفصل بين عمليات التمويل بصيغها النقدية عن الواقع الحقيقي عن مقدار السلعة والخدمات في المجتمع، فيمكن بالتالي أن تتزايد الديون من الناحية النقدية بسبب وجود الربا دون أن تتزايد بنفس النسبة كمية السلع والخدمات المتداولة. فهذا يمكن أن يكون نظريًا دون إثبات إحصائي يمكن أن يكون سببًا في زيادة التضخم. الحقيقة الكلام هنا أكثر عن التضخم المفرط وليس كل تضخم، بتعريف الاقتصاديين كل ارتفاع في الأسعار عام يعتبر تضخمًا أو هو انخفاض في قيمة العملة ولكن ما يتحدث عنه هو الارتفاع المفرط وليس الارتفاع بمعنى ما يعتبره الاقتصاديون ضررًا وأذى، والارتفاع المفرط وليس كل ارتفاع ولو كان صغيرًا.

نقطة أخرى أيضًا: ينبغي أن نميز وهذا أمر ضروري، الحقيقة بين تعريف التضخم أو ارتفاع الأسعار بالمعنى الذي ذكرت وبين اختلاف سعر العملة المحلية بالنسبة لبعض أو كل أسعار العملات الأخرى من الدول الأخرى؛ هذا ليس تضخمًا هذا تغير في سعر القطع الأجنبي وليس تضخمًا. هناك ترابط وتأثيرات متبادلة بين الأسعار المحلية ارتفاعًا وانخفاضًا، وبين سعر التبادل بين العملة المحلية والعملات الأخرى. التبادل بطريقتين، يعني مؤثر على العملة المحلية وتأثيرات من العملة المحلية على السوق، على سعرها الخارجي. ولكن هذا غير التضخم، هذا أمر آخر ومقياسه بالعملات الأجنبية. التضخم لا يقاس بالعملات الأجنبية بل يقاس بالأسعار المحلية.

ص: 1830

ثلاث نقاط أريد أن أطرحها لعلها يصدر بها رأي أو يفكر بها بشكل موضوعي. إذا قلنا بأنه لا بد من القيمة في قضية التضخم من اعتبار القيمة، فمن الذي يعوض أصحاب الحقوق والثروات والدخول التي تتأثر بسبب التضخم؟ هل الدولة التي صنعت التضخم؟ أم المدينون وأناس آخرون؟ وإذا عوض المدينون، فالمدينون لا يستطيعون أن يعوضوا كل من طرأت عليه خسارة، فالذي يملك مثلًا ثروته بصيغة نقود في جيبه أو صندوقه، من الذي سيعوض على هذا الإنسان نتيجة لتغير قيمة ثروته بسبب التضخم؟ هذا أمر ينبغي أن ينظر في الحقيقة. والدولة هي المتسببة الآن بالتضخم على العموم.

نقطة ثانية: لو أن العقود حصلت تراضيًا بمجموعة أو بوحدة غير موجودة واقعيًا ولكنها نظريًا، فقلنا إن القرض يقع مثلًا: كيلو من القمح وثلاثة كيلو من التمر وأربعة كيلو من سلعة أخرى وغير ذلك،فجمعنا عشر سلع مثلًا أو مجموعة من السلع أو من العملات أيضًا وقلنا بأن هذا المجموعة بوحدات ثابتة منها مجموعها يشكل وحدة حسابية واحدة. فلو حصل القرض يوم القرض بعدد من وحدات هذه الوحدة الحسابية ثم تم القبض للقرض بما يعادله من أي عملة أو من أي سلعة من هذه السلع العشر مثلًا، فهل يجوز مثل هذا؟ وأن يتم عند الدفع حساب نفس عدد الوحدات الحسابية التي أقرضت أو التي كانت موضوع الدين وعند السداد يكون بنفس العدد ولكن بأي سلعة أو بأي عملة من العملات التي تشكل هذه السلة؟ هذه نقطة.

نقطة ثانية: هل للدولة أن تفرض سداد الديون بهذه الطريقة؟ وهل يمكن أن يكون هذا من باب حسن الأداء الذي تقرضه الدولة؟ ولو فعلته الدولة فهل هذا يلزم ديانة أم أنه لا يجوز ديانة؟ كما لو غيرت الدولة كما حصل في بعض الدول طريقة توزيع الميراث بأن ساوت بين المرأة والرجل، فلا يجوز للأخ أن يأخذ أو الأخت ما ليس لها.

النقطة الأخيرة: هي كأنها عود على بدء، يعني أرجو أن ينظر بأنه هل يجوز للدولة أصلًا أن تصدر من النقود الورقية ما يؤدي إلى التضخم؟ أم أن ذلك بنفسه من الأمور غير المقبولة؟ والحمد لله رب العالمين.

ص: 1831

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أولًا رأيي في هذا الموضوع هو متفق مع رأي مقدم الموضوع وهو أنه لا يجوز ربط الديون مهما كان مصدرها سواء كان مصدرها قرضًا أو بيعا، لا يجوز ربطها بمستوى الأسعار، لأن في هذا شبهة الربا. وقد تحدث عنه كثير من الإخوان. ولحديث ابن عمر الذي تناوله أيضًا بعض الإخوان، وفيه غرر أيضًا وهذا لم يتطرق إليه أحد، فيه غرر في حالة البيع بأجل. لأن المشتري لا يدري ما هو الثمن الذي سيدفعه لو أن شخصًا اشترى سلعة قبل عشر سنوات مثلًا في السودان بعشرة جنيهات إلى أجل عشر سنوات فيطالب الآن بمئات الجنيهات، ولاتفاق المتقدمين من الفقهاء على وجوب قضاء الدين بمثله، وأقول وأؤكد اتفاق المتقدمين جميعًا بما فيهم فقهاء المالكية وبما فيهم الرهوني وأحب أن أؤكد على هذه النقطة وقد كتبت عنها في بحثي رادًّا على الذين يقولون بأن الرهوني في حديثه عن الغبن اليسير والغبن الفاحش اعتبر القيمة في حالة الغبن الفاحش، وهذا غير صحيح بالنسبة لمذهب المالكية بعامة وبالنسبة للرهوني خاصة أيضا. ليس عند الرهوني قول بهذا ، وليس في مذهب المالكية قول يخالفه، إنه لا خلاف بينهم في رد المثل، ما نقل عن الرهوني هذا جاء في بطلان الفلوس، وأحد الإخوان قرأ علينا عبارة ترد علي، العبارة التي قرأها ههنا الرهوني يقول: بذل سلعته فيما ينتفع به فلا يعطي ما لا ينتفع به. فهل إذا كان هناك غبن فاحش وأعطى ينتفع؟ الكلام دقيق العبارة: هذه تصدق في حالة البطلان وهي المجال الذي كان يتحدث عنه الرهوني. فالأئمة الأربعة متفقون على هذا الرأي. ثم إن ربط الديون بمستوى الأسعار فيه قلب للأوضاع بتقويم الأثمان بالسلع، وهذا هو الاتجاه الاقتصادي الحديث لكنه خطأ من أصله. الأثمان هي التي يقاس بها ولا تقاس على غيرها، وهذا هو ما قرره فقهاؤنا منهم الغزالي وابن تيمية وابن القيم، وكلهم قرروا هذا وقالوا إن الأثمان هي المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال ولا يقوم هو بغيره، إذ يصير سلعة كبقية السلع، وهذه هي مصيبتنا الآن حين جعلنا النقود سلعًا، فالخطأ في أصل الاقتصاد الحاضر هذا هو الذي جاءنا بالبلوى، ثم إنه ليست هناك حاجة إلى ربط الديون بمستوى الأسعار لأن عندنا في المعاملات الشرعية ما يغني عن كل هذا. فمثلًا في القرض نحن نأخذ الأحوال الحاضرة الآن مع ما فيها من سوء.

ص: 1832

القرض الأصل فيه أن يكون لنفع المقترض في الدنيا ونفع المقرض في الآخرة، لا ينتظر منه ربحًا، لكن مع ذلك العلاج سهل، مثلًا في السودان الشخص الذي يريد أن يقرض آخر ولا يريد أن يتعرض لمخاطر التضخم يستطيع أن يقرض من أول الأمر بالدولار أو بأي عملة يراها تكون ثابتة فيتفادى ضرر التضخم، في حالة القروض الاستثمارية، أيضًا الحل موجود وهو التعامل بالصيغ الإسلامية وليس بالقرض. البنوك الربوية تعطي قرضًا ولذلك تنتظر أن تأخذ ما يقابل التضخم. البنوك الإسلامية لا تعطي قرضًا وإنما تدخل شريكًا مع من يريد أن يستثمر مالًا، أو تعطيه له مضاربة. وهذا أكثر فائدة له وللمجتمع. لأن الشخص الذي يأخذ من البنك الربوي مائة جنية ليتاجر بها، البنك يأخذ منه عشرة في مائة ربحًا،مضطر لأن يبيع السلعة التي اشتراها بمائة بأن يبيعها بمائة وخمسة عشر، لكي يربح خمسة في المائة. أما الذي يشارك في البنك الإسلامي فإنه يستطيع أن يبيع السلعة التي اشتراها بمائة وعشرة فقط، ويربح هو خمسة والبنك خمسة، فهذا أفضل للمجتمع من طريقتهم الربوية. كذلك في حالة البيع المؤجل، البديل موجود، والبيع المؤجل، يجوز أن يكون بأكثر من الثمن، يستطيع البائع أن يعمل حساب التضخم في المستقبل. ومع كل هذا، فإن ربط الدينون بمستوى الأسعار لا يحل مشكلة التضخم كما اعترف بذلك الاقتصاديون أنفسهم.

بقيت نقطة أو نقطتان أريد أن أشير إليهما: بعض الإخوة المتحدثين تحدثوا عن النقود الورقية وهل هي أموال ربوية أو ليست أموالًا ربوية، وربطوا هذا بالقرض، وأود أن أقول إن القرض لا يشرط فيه أن تكون الأموال ربوية، لا يجوز في حالة القروض أن يدفع الإنسان زيادة عما دفع، أن يدفع المقترض زيادة عما اقترض سواء كانت هذه الأموال ربوية أو غير ربوية حتى لو اقترض حجارة لا يستطيع أن يرد أكثر منها، هذا اعتبار الأموال ربوية أو غير ربوية هذا في ربا البيوع فقط، وليس في ربا الديون، ربا الديون كلها لا يشترط فيها أن يكون المال ربويًا.

ص: 1833

نقطة الآخرة: وهي ردي على الأستاذ الفاضل الشيخ المختار، صحيح أنني قلت بالأمس أن الآيات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فكلمة التجارة والبيع والعقود هذه من قبيل العام الذي أريد به الخاص وليست - وإن كنت لم أقل هذا ولكني أقوله الآن - ليست من قبيل العام الذي دخله التخصيص كما يقول الشيخ المختار، لأن الفرق بين العام الذي أريد به الخاص هو الذي جاء من أول الأمر مرادًا به، ليس مرادًا به العام، وهذا موجود وكثير وكل هذه الألفاظ " التجارة " البيع، العقود ". هي من هذا القبيل. أما العام الذي خصص فهو عام ورد عامًا ووقع العمل به عامًا، ثم جاء دليل التخصيص فيما بعد. فمسألتنا هذه كلمة عقود وربا وتجارة هي في نظري من العام الذي أريد به الخاص من أول الأمر حتى بدليل في الآية الأولى، دليل التخصيص معها مقارنًا لها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . فهل كل تجارة عن تراض ولو كان فيها أكل مال بالباطل؟ لا. هل كان عقد قي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . كل عقد يجب الوفاء به ولو كان مخالفًا لأحكام الشرع؟ قطعًا لا. وهذه موجودة قبل نزل الآية، بعد تحريم بعض العقود. فالآيات هذه كلها في رأيي هي من العام الذي أريد به الخاص.

الرئيس:

نظرًا لأن المناقشات أخذت من الوقت الكثير، فأقترح أن تؤلف لجنة لصياغة القرار من الشيخ تقي، الشيخ الضرير، الشيخ البسام، الشيخ السالوس، الشيخ عجيل النشمي، الشيخ نزيه حماد، الشيخ ابن بيه، والمقرر الشيخ محمد الأشقر.

ترون هذا مناسبًا. وبه ترفع الجلسة لمدة خمس عشرة دقيقة فقط. وشكرًا.

ص: 1834

مناقشة القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

قرار رقم (4)

بشأن

قيمة العملة

بعد اطلاعه – أي مجلس المجمع – على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تغير قيمة العملة) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.

وبعد الاطلاع على المجمع رقم (9) في الدورة الثالثة بأن العملاء الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها.

قرر ما يلي:

لا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة كان مصدرها بمستوى الأسعار بأن يشترط العاقدان في العقد المنشئ للدين كالبيع والقرض وغيرهما ربط العملة التي وقع بها البيع أو القرض بسلعة أو مجموعة من السلع أو عملة أخرى معينة أو مجموعة من العملات بحيث يلتزم المدين بأن يوفي للدائن قيمة هذه السلعة أو هذه العملة الأخرى وقت حلول الأجل بالعملة التي وقع بها البيع أو القرض.

التسخيري:

سيدي الرئيس: كيف يكون المعنى؟

البسام:

العبارة هذه ما هي صحيحة أبدًا..

التسخيري:

كيف يكون المعني؟

ص: 1835

الرئيس:

والله أنا في الحقيقة

البسام:

ما تصلح العبارة ربط الديون الثابتة بالذمة؟ بيع الدين بدين؟ هذا ما يصلح.

التسخيري:

سيدي الرئيس:

الآن أنا أبيع سلعة بما حاضر أو أبيعها بقيمتها وأضع في عهدة الطرف الآخر فيمتها بالعملة، ما المانع من ذلك؟ من الأول أنا أضع في

أبيعها بهذه القيمة من العملة الأخرى، ما المانع من ذك؟

الرئيس:

الحقيقة الذي لدي: طالما قال إن العنوان هو (تغير قيمة العملة) : القرار لماذا لا يأتي في هذه العبارة حتى يكون فيه ربط بين الحكم وعنوان الموضوع الفقهي الذي درس

؟

التسخيري:

لا يؤثر تغير العملة على الديون الثابتة في الذمة.

الرئيس:

هنا مكتوب (لا يجوز ربط الديون الثابتة) .

البسام:

(الثابتة في الذمة) قد تثبت في الذمة نحن نريد أن ننشئ دينًا جديدًا، أود أن أتعاقد مع واحد لا يصح بأن أشترط عليه أن يوفيني بالعملة الفلانية.

أبو غدة:

حتى الدين القديم أيضًا.

البسام:

أي شيء ثبت في الذمة، ومستقر في الذمة، هذا معناه لو بيعت عليه بعملة أخرى: معناه بيع دين بدين، هذه معروفة عند العلماء كلهم (لا يجوز) .

أبو غدة:

ولذلك لا يجوز.

البسام:

العبارة تحتاج إلى تعديل.

ص: 1836

الدكتور عجيل النشمي:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أيًّا ما كان الصيغة التي سينتهي إيه، فإن كانت في منع صورة مطروحة وهو إعطاء القيمة عند التغير فأنا بودي أن أسجل رأيي في هذا الموضوع، فالمقترض في قرارتنا أنها تحل مشكلة قائمة في ذات الموضوع المسئول عنه، وهذا القرار لا يحل مشكلة ولكنه يعقد المشكلة، وليس السكوت عن هذا كتما للعلم ذلك أن الناس لا يتعاملون

أقول إن السكوت عن هذه المسألة ليس كتمًا للعلم، ذلك أن الناس لا يتعاملون في هذه النازلة الواقعة حاليًا بدفع القيمة حتى يقال: إن دفع القيمة حرام غير جائز،هذا من جانب، ومن جانب آخر: فإن المسألة ليست صورة التحريم فيها قطعية بوجود الربا ما علل الزملاء في حيثيات هذه الفتوى، ولو كان كذلك ما اختلف الرأي فيها البتة، فالقول بالحرمة أو المنع – في تقديري – فيه شائبة عدم الحرمة أو المنع، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من أن يسأل المسلم عن قضية فتحرم من اجل مسألته، فموضوعنا هذا أولى بالسكوت من إصدار هذه الفتوى، لهذا أدعو المجمع إلى التريث وعدم الاستعجال في هذه القضية بمبرر وضغط أننا أجلنا هذا الموضوع من جلسة سابقة، هذا الموضوع لو عقدت له جلسات متوالية فإنه يستحق أن تعقد له هذه الجلسات، فرجائي أن نتريث في إصدار هذا الحكم خصوصًا وأن هذه القضية ليست فردية وإنما هي على مستوى الدول الإسلامية كلها.

أقول فقط كلمتي وهي هذا التحفظ، فإن رأيتم اتخاذ القرار فأرجو تسجيل تحفظي وشكرًا.

الرئيس:

شكرًا، في الواقع أنتم تعلمون أنه في أثناء المداولات وأثناء البحوث تبين أن العدد الكبير من البحوث ومن مناقشات المشايخ علي التوجه إلى المثل، لكن أنا أقول إن الفقرة هذه النتيجة القرار، تحتاج إلى أن تصدر بالحكم ذاته وهو حالة الجواز ثم تبين حالة عدم الجواز، فإن رأيتم أن تصدر المادة القرار بما يلي، قرر ما يلي:

(العبرة بوفاء الديون بعملة ما هي المثل لا القيمة) .

ثم بعد ذلك يأتي:

المثل حتى نصرح ولا نقول القيمة.

ص: 1837

الأمين العام:

يعني أنا إذا كان علي دين والدين عشرة آلاف دينار – مثلًا – وعملة الدينار ذهبت، أو الليرة اللبنانية راحت كلها. (فالذي يضمن ديني) العملة الثانية وهي الدولار. هذا فيه حفاظ على الدين.

الرئيس:

أنا أقصد من وراء هذا أن نقرر الحكم أولًا – لحظة يا شيخ أنا أتكلم وأعطيك الكلمة – أنا أقول القصد من هذا أن نقرر الحكم أولًا ثم بعد ذلك نأتي إلى حالة عدم الجواز.

الدكتور الصديق الضرير:

يعني يمكن أن تكون العبارة بهذه الكيفية (الديون توفى بمثلها أو بأمثالها فلا يجوز ربطها بمستوى الأسعار إلى آخره) .

الرئيس:

هذا هو قصدي.

الدكتور عبد اللطيف الفرفور:

لسنا مختلفين علي الصياغة، نحن مختلفون على المبدأ، وإنني في هذه الجلسة أرفع احتجاجي إلى الترافع وأقول: أنتم مسئولون كلكم أمام الله عز وجل بضمائركم، بدينكم عن هذا الفقه، عن هذا الإسلام، أنا داينتك – مثلًا – من عشر سنوات ألف ورقة سوري كانت توازي ربع كيلو ذهبًا، تعطيني الآن ألف ورقة سوري لا توازي غرامين من الذهب، هل هذا دين الإسلام؟ هل هذا هو الذي يرضي الله؟ لا تفعلوا شيئًا تتراجعون عنه أما الناس وأما الله.

الرئيس:

يا شيخ عبد اللطيف

الفرفور:

يا شيخنا اسمعني. أنا سكت كثيرًا، والآن أريد أن أتكلم بالحق ولو أني تكلمت شيئا من الغضب إنما هو غضب لله وليس لذاتي.

الرئيس:

جزاك الله خيرًا، هذا طيب

الفرفور:

نحن مختلفون علي المبدأ. فهذا المبدأ: يجب إما أن يكون رأي الأكثرية وإما أن يكون الرأي الأقلية، فإن كان رأي الأكثرية فاطرحوه على التصويت، وإن كان رأي الأقلية فاكتبوا التحفظ.

الرئيس:

هو هذا. هذا هو يا شيخ.

ص: 1838

الشيخ عبد الله البسام:

أرى أن مثل ما ذكر هنا، وأنا أقول إن هذه الأشياء التي صارت في سوريا أو في لبنان أو في غيرها، هذه أشياء فردية لا يصح أبدًا أن نبني عليها حكمًا. وهذه يمكن أن تدخل في وضع الجوائح، الإسلام ما تركها ما أهملها يا شيخ عبد اللطيف.

الرئيس:

أنا مع تقدير لكلام فضيلتكم لكلام الشيخ عبد اللطيف، أنا أحب أن تأخذوا بالاعتبار على أننا لسنا بحاجة إلى التوسع في المناقشات في هذه الأمور لأن هذا أمر قد فرغ منه، لكن نحن نقول: أمامنا هذا القرار، هل هو بحاجة إلى تعديل؟ فإذا انتهينا إلى الشيء الذي سنصوت عليه، فليتحفظ المتحفظ ويقدم تحفظه، وإذا أقرت صيغة انتهى الأمر، سواء على رأي الشيخ عبد اللطيف أو على رأي الإخوان أو كذا، ما فيها شيء، لكن أنا أقول: ما رأيكم فيما اقترحه الشيخ محمد الصديق الضرير أن يقال: "العبرة بوفاء الديون بعملة ما: هي المثل " ولا يجوز ربط الديون إلى آخره

دكتور عمر جاه:

هذا جيد يا فضيلة الشيخ.

الشيخ التسخيري:

رجاء ما اقترحه جيد، لكن هذه العبارة متهافتة، أنتم تقولون (ديون ثابتة في ذمة) ثم تقولون (بأن يشترط العاقدان في العقد المنشئ للدين) يعني الآن يراد

الرئيس:

يا شيخ لو تفضلتم الشيخ عبد الستار عنده ما قد يكون يلبي الرغبات

دكتور الصديق الضرير:

حذفت الثابتة في الذمة.

الرئيس:

اسمع يا شيخ الصديق.

ص: 1839

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

قرر ما يلي:

العبرة في وفاء الديون بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًّا كان مصدرها بمستوى الأسعار بحيث تراعى قيمة العملة في حال تغير القيمة بدلًا من مراعاة

الرئيس:

مهلًا يا شيخ: بحيث

دكتور أبو غدة:

بحيث تراعى قيمة العملة في حالة تغيرها بدلًا من مراعاة مثل العملة التي ثبت في ذمة المدين.

الشيخ التسخيري:

هذا لا بأس به.

أبو غدة:

ولا يصح أن يشترط العاقدان في العقد المنشئ للدين كالبيع والقرض وغيرهما ربط العملة التي وقع بها البيع أو القرض بعملة أخرى معينة أو مجموعة من العملات بحيث يلتزم المدين بأن يوفي للدائن وقت حلول الأجل قيمة العملة التي وقع بها البيع أو القرض بدلًا من مثلها.

الشيخ التسخيري:

سيدي الرئيس لي مناقشة في الحكم نفسه، أرجو أن. (لا يصح أن يشترط العاقدان في العقد المنشئ) ، عندما أريد أن أنشئ دينًا أنا أسلمه مائة ريال سعودي وأقول أقرضك فيمتها، الآن أقرضك قيمتها، ما المانع في ذلك؟ الآن أوكلك في تبديلها وأقرضك ما بدلته، ما المانع في ذلك؟ لماذا تمنع شيئًا واضح الحكم؟

مناقش:

أنا أثني علي مقترح زميلنا الأستاذ الدكتور عجيل على تأجيل هذا الموضوع لخطورته.

الشيخ خليل الميس:

سيدي الرئيس، ذكرنا لكن أن هنالك مليارات الليرات اللبنانية مجمدة الآن في بنوكنا الناس لا يوفونها لهبوط العملة، ثانيًا: والبنوك لا تقل أن تأخذ بالعملة أبدًا، والناس كلهم يتصالحون في الديون ولا يأخذون الأرقام، ثالثًا: بلغنا أن في أواخر الدولة العثمانية تغيرت قيمة العملة فتدخلت الدولة وسعرت لأصحاب العملة الورقية قيمتها في الذهب، ثم هنا قضيتان: قضية مطروحة وهي الديون الناشئة ماذا نفعل؟ وقضية أخرى أظن لن تدخل معنا أصلًا في المناقشات: وهو كيف ننشئ دينًا جديدًا الآن؟ . إذن القضية خطيرة جدًا وليست نظرية، مليارات الليرات وهي بصراحة للدول العربية، الدول العربية لها في هذا مصلحة، لا نقول هنا لأنها عربية أو غير عربية، لأن العملة في لبنان هبطت، والذين خسروا تسعون بالمئة منهم مسلمون لأن الآخرين احتفظوا بالدولار من أول الحرب وكانوا يعرفون نتيجة العملة. فلذلك نرجو أن نتريث كثيرًا لأن الأمر خطير جدًا وينتظرون فتواكم لحل مشاكلهم. وشكرًا.

ص: 1840

الشيخ سيد طنطاوي:

في الحقيقة أنا أرى بالنسبة للفقرة الأولي الحكم فيها واضح جدًا، هو الكلام في الفقرات التي تلي الفقرة الأولى، لكن أنا شخصيًا أرى بأن مسألة العبرة بدفع الديون بالمثل مسألة واضحة جدًا فقط في الكلام الذي يأتي بعد ذلك هو

الرئيس:

المهم إذا أقر القرار، الباقي يمشي، يتيسر.

الشيخ تقي الدين العثماني:

شكرًا سيدي الرئيس.

أقترح أن نفصل قضية الليرة اللبنانية من قضية إقرار المبدأ، فالمبدأ هو الأداء بالمثل، نقره، أما القضية اللبنانية فهي غير عادية استثنائية يمكن أن تبحث في جلسة قادمة.

الرئيس:

الليرة اللبنانية والسورية.

الشيخ تقي الدين العثماني:

والسورية، فهل نستطيع أن نلحقها بالكساد أو الانقطاع؟ أو نجد لها حلًا آخر؟ يبحث في جلسة قادمة ممكن أن نؤجل هذه المسألة إلى جلسة قادمة كما تفضلتم.

الرئيس:

طيب ما هي الصياغة التي تقترحونها؟ الصياغة التي ذكرناها مناسبة؟

تقي العثماني:

نعم.

الرئيس:

مهلًا يا شيخ. (العبرة بوفاء الديون بعملة ما: هي المثل لا القيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا كان مصدرها بمستوى الأسعار) .

تقي الدين العثماني:

يكفي هذا.

ص: 1841

الدكتور طه العلواني:

لو سمحتم، بالنسبة لتراضي العاقدين عند إنشاء عقد الدين، هل هناك مانع شرعي من أن يتفقا علي أن يكون الوفاء بالقيمة؟ يعني لو أن العاقدين تعاقدًا عند إبرام الدين علي أن يكون الرد بالقيمة؟

الدكتور محمد الصديق الضرير:

أولا: نحن ما دمنا قد اتفقنا على أن قضاء الديون يكون بالمثل فالنتيجة الطبيعية هي أنه لا يجوز ربطها

هذه نتيجة طبيعية

الرئيس:

يا مشايخ، مهلًا يا شيخ.

الصديق الضرير:

الاقتراح أو الحل الذي اقترحه الشيخ التسخيري غير مقبول، لأن القصد يكون مجهولًا، لو قال أقرضتك قيمتها، قيمتها من أي شيء؟ مم؟ إذا كان من الدولارات يأتي بدولارات فورًا ويقرضها.

البسام:

كلام الشيخ التسخيري وكلام الشيخ طه هذا مقبول وصحيح ولكن هذه مصارفة. أنا جئت مثلًا معي ريالات سعودية أريد أن أربطها بدولار، أنا لما اتفقت معك صارفتك بمعين في الذمة. هذه ما فيها شيء جائزة هذه جائزة ولكن على أساس أنها مصارفة

هذه مصارفة.

الدكتور طه العلواني:

إذا كانت جائزة سيادة الرئيس يمكن أن تسمح لي فأقترح صيغة: الصيغة تكون هكذا: (العبرة بوفاء الديون بعملة ما هي بالمثل لا بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها إلا إذا تعاقد العاقدان

)

أبو غدة:

لا

أبدًا لا يجوز.

الرئيس:

لا يا شيخ: يا مشايخ، على كل: العبارة التي الآن اتُّجِهَ لها سنصوت عليها بعد أن تسمعوها.

قرر ما يلي:

(العبرة في وفاء الديون بعملة ما، هي بالمثل لا بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًا كان مصدرها بمستوى الأسعار) الذي يرى هذا يرفع يده.

ص: 1842

الأمين العام:

لا يجوز أن نقف عند هذا لأن هذا لا يحل المشكلة.

الرئيس:

لا. يحل يا شيخ. الذي يرى هذا يرفع يده.

أبو غدة:

(يعد الأيدي المرفوعة) : واحد وعشرون.

الرئيس:

واحد وعشرون.

مناقش:

إن الاستثناء الذي ذكره الشيخ تقي.

الرئيس:

المهم انتهينا والسلام.

الشيخ عبد الله:

الاستثناء الذي ذكره الشيخ تقي لو نضيف إلا في حالة الضرورة.

الرئيس:

المهم انتهينا وجزاك الله خيرًا يا شيخ عبد الله ودعونا ننتهي، المهم العبارة:(العبرة) أقرأها تمامًا يا شيخ.

الدكتور عبد الستار أبو غدة:

قرر ما يلي:

العبرة في وفاء الديون بعملة ما

الرئيس:

الوفاء في الديون الثابتة بعملة ما.

أبو غدة:

العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما.

ص: 1843

الشيخ المختار:

معروف نحن نتحدث عن الديون الخيالية؟ أم نتحدث عن الديون الثابتة؟

مناقش:

هذه أكبر خسارة يقع فيها المجمع.

أبو غدة:

العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل.

الرئيس:

لا بالقيمة.

أبو غدة:

(وليس) أحسن

وليس بالقيمة.

الرئيس:

لا بالقيمة يا شيخ.

الشيخ المختار:

لا: هنا زائدة

العبرة بوفاء الديون هي بالمثل.

أبو غدة:

لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون.

الدكتور طه العلواني:

سيادة الرئيس هذا موضوع آخر (فلا يجوز ربطها) هذا يتعلق بموضوع آخر غير الموضوع الأول.

الرئيس:

لا: هو امتداد له

أبدًا

هو امتداد يا شيخ (فلا يجوز) .

أبو غدة:

ربط الديون الثابتة في الذمة.

الرئيس:

أيًا كان مصدرها بمستوى الأسعار

الذي بعده.

ص: 1844

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، ،الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم (4) بشأن

تغيُّر قيمة العملة

إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/ 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1998م.

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تغير قيمة العملة) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.

وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم (9) في الدورة الثالثة بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمينة كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما.

قرر ما يلي:

- العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًا كان مصدرها بمستوى الأسعار.

والله أعلم.

ص: 1845