المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

‌تنظيم النسل وتحديده

إعداد

الشيخ محمد بن عبد الرحمن

مفتي جمهورية جزر القمر الاتحادية

ومستشار الرئيس للشئون الدينية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد

فهذا بعض من فتاوى الفقهاء وأسانيد بحوثهم في موضوع تنظيم النسل وتحديده نقلتها وجمعتها لتكون ضوءًا لزملائي الذين سيشاركون في مناقشة تنظيم النسل وتحديده في الدوره الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي والله وحده المستعان.

اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا في جواز منع الحمل وتحريمه على أربعة آراء:

الرأي الأول

يرى الإمام الغزالي ومن وافقه أن الولد حق لوالده وحده فله إن شاء أن يحصله وله إن شاء أن لا يحصله، وبناء على ذلك يقول الغزالي: يباح للزوج وحده منع الحمل وعلل ذلك بأن النهي إنما يكون بنص أو قياس على منصوص، ولا نص في الموضوع ولا أصل يقاس عليه، بل عندنا في الإباحة أصل وهو ترك الزواج أصلا، أو ترك المخالطة الجنسية أو ترك التلقيح بعد المخالطة فإن كل ذلك مباح وليس فيه إلا مخالفة الأفضل، فليكن منع الحمل بالعزل وما يشبهه مباحًا كما أبيح ترك الزواج وترك المخالطة. . . إلخ (1) .

الرأي الثاني

يرى الحنفية أن حق الولد مشترك بين الوالدين، وبناء على ذلك قالوا: إن منع الحمل مباح بشرط أن تأذن فيه الزوجة لاشتراكهما في حق الولد، قال صاحب الهداية، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها لأن تحصيل الولد من حقها، وللكمال ابن الهمام وغيره من علماء الحنفية مثل هذا وقال علماء الحنفية: هذا هو أصل المذهب، ولكن المتأخرين أفتوا في زمانهم بجوازه لأحد الزوجين بغير رضا صاحبه إذا خيف على الولد السوء لفساد الزمان، وهذا مبني على قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان (2) .

(1) الإسلام شريعة وعقيدة للشيخ محمود شلتوت ص 220

(2)

الإسلام شريعة وعقيدة للشيخ محمود شلتوت ص 220

ص: 289

الرأي الثالث

يرى جمهور العلماء من فقهاء الأمصار أن منع الولد مكروه نظرًا لحق الأمة فيه، قالوا: قد رويت كراهته عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم؛ لأن فيه تقليل النسل، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج تكثيرًا للنسل، فقال:((تناكحوا تكثروا)) وقال ((سوداء ولود خير من حسناء عقيم)) .

هذا رأيهم في منع الولد من جهة حق الأمة فيه أما من جهة حق الزوجين فأفتوا بالحرمة إذا عزل الرجل بغير رضا زوجته، وقالوا جميعًا إذا دعت إليه حاجة مهمة في نظر الشرع جاز من غير كراهة، وقد مثلوا لتلك الحاجة بأن يكون الزوجان في الجهاد ويخاف على الزوجة أن يضعفها حملها مع مشقة السفر والجهاد، أو يخاف أن يولد لهما ولد في دار الحرب وليس عندهما من وسائل الراحة والصحة ما يطمئنان به، ومن أصحاب هذا الرأى موفق الدين بن قدامة الحنبلي ومنهم الإمام النووي الشافعي المتوفى سنة 676 (1) .

الرأى الرابع

يرى جماعة منهم ابن حبان وابن حزم، تحريم منع الولد مطلقًا، وقد غلب على هؤلاء حق الأمة في الولد على حق الوالدين، وقالوا: إن في العزل قطع النسل المطلوب شرعًا من الزواج، وفيه أيضًا صرف السيل عن واديه، مع حاجة الطبيعة إليه واستعدادها للإنبات والإثمار لما ينفع الناس ويعمر الكون.

الأحاديث التي يستدل بها على تحريم منع الحمل وتعليق بعض العلماء عليها:

يستدل بعض الفقهاء على تحريم منع الحمل بأحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم ((من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا)) ومنها: ما رواه مسلم وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها عن جذامة بنت وهب قالت: ((حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الوأد الخفي)) يحتج القائلون بتحريم العزل بأن هذا الحديث ناسخ لأحاديث الإباحة ومما يستدل به على تحريم العزل ما رواه مسلم في صحيحه أيضًا عن ابن محيرز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فسأله أبو صرمه فقال: يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل؟ فقال: نعم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بلمصطلق يعني بني المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا: نفعل ورسول الله بين أظهرنا ألا نسأله؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون)) .

ويستدل أيضًا على التحريم بما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: العزل هو الوأد الأصغر.

(1) الإسلام شريعة وعقيدة للشيخ محمود شلتوت ص 223

ص: 290

التعليقات على هذه الأحاديث

وبما أنه ليس في هذه الأحاديث ولا في غيرها تصريح بحرمة العزل، وإن كان ما جاء فيها يحتمل التأويل، وبما أن العزل هو وحده المسلك الذي كان يلجأ إليه الصحابة لمنع الحمل في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم علق الإمام الغزالي على هذه الأحاديث بالتأويل فقال في قوله صلى الله عليه وسلم: من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا، أي ليس على سنتنا وطريقتنا فعل الأفضل، وقال في قوله صلى الله عليه وسلم:" ذلك الوأد الخفي ". جوابًا لأناس سألوه عن حكم العزل، كما رواه مسلم عن جذامة بنت وهب، قوله:" الوأد الخفي ". كقوله: " الشرك الخفي "، وذلك يوجب كراهة لا تحريما (1) .

هذا وقد نقل الشيخ مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء، والشوكاني في نيل الأوطار، عدة وجوه من أجوبة العلماء الذين سلكوا مسلك التأويل، لمعنى حديث جذامة بما لا يتعارض مع حديث جابر، كالقول بأن حديث جذامة لا يقصد منه سوى مجرد التنزيه، وكالقول بأن حديث جذامة ليس بصريح في المنع، إذ لا يلزم من تسمية العزل وأدا خفيًّا على طريق التشبيه، أن يكون ذلك حرامًا، وكالقول السابق آنفا بأن قوله صلى الله عليه وسلم:" إنه الوأد الخفي "، كقوله:" الرياء هو الشرك الخفي ". وإنما شبه بالوأد لأن فيه طريقًا إلى قطع الولادة، وكالقول بأن السبب الوحيد في تسمية العزل، وأدا خفيا في حديث جذامة، هو أن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده بذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد اجتمع فيه القصد والفعل وأمره ظاهر بالمباشرة بينهما، والعزل يتعلق بالقصد فقط، فلذلك وصف في الحديث بكونه خفيا، وهذا الرأى هو الذي ذهب إليه ابن القيم، وحمل العراقي في شرح الترمذي حديث جذامة على العزل عن الحامل، لزوال المعنى الذي كان يحذره الزوج من حصول الحمل، ولكون العزل حينئذ يكون فيه تضييع للحمل، فقد يؤول إلى موته، وضعفه وهذا وأد خفي، وجزم الطحاوي بأن حديث جذامة منسوخ (2) .

(1) إحياء علوم الدين الجزء الثانى ص 54

(2)

الإسلام وتنظيم الأسرة ثبت كامل لأبحاث ومناقشات المؤتمر الإسلامي في الرباط ص 60

ص: 291

وقال الإمام ابن القيم بعد ذكر الأحاديث الدالة على جواز منع الحمل: فهذه الأحاديث صريحة في جواز العزل، فقد رويت الرخصة فيه عن عشرة من الصحابة علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وأبي سعيد الخدري وابن مسعود رضي الله عنه، إلى أن قال.. أي ابن القيم بعد كلام سبق، والحديثان صحيحان ولكن حديث التحريم ناسخ (يعني قوله صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل: ذلك الوأد الخفي، وهذه طريقة ابن حزم، وقالوا: لأنه ناقل عن الأصل، والأحكام كانت قبل التحريم على الإباحة، ودعوى هؤلاء تحتاج إلى تاريخ محقق يبين تأخير أحد الحديثين عن الآخر، وأنى لهم به، وقد اتفق عمر وعليٌّ على أنه لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع فروى القاضي أبو يعلى وغيره بإسناده عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال: جلس إلى عمر عليٌّ والزبير رضي الله عنهم في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذاكروا العزل، فقالوا: لا بأس به، فقال رجل: إنهم يزعمون أنه الموءودة الصغرى فقال علي رضي الله عنه: لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع حتى تكون من سلالة من طين، ثم تكون نطفة، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظامًا، ثم تكون لحمًا، ثم تكون خلقًا آخر. فقال عمر رضي الله عنه: صدقت أطال الله بقاءك (1) .

ويرى الدكتور أحمد الشرباصي أن النهي عن العزل ربما كان في أول الدعوة الإسلامية وكان المسلمون يومئذ قلة، ثم جاءت أحاديث الإباحة والجواز فنسخت النهي السابق ومع ذلك فهناك من قال: إن بعض الأحاديث الواردة في النهي عن العزل إنها ضعيفة أو مضطربة (2) .

(1) زاد المعاد - الجزء الرابع ص 17، 18

(2)

الدين وتنظيم النسل للدكتور أحمد الشرباصي ص 71، 72

ص: 292

الأحاديث التي يستدل بها على إباحة منع الحمل

يستدل بعض الفقهاء على إباحة منع الحمل بأحاديث منها ما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) وجه الاستدلال بهذا الحديث، أن العزل كان معمولًا به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عهد التشريع، فلو كان حرامًا لنزلت في القرآن آية بتحريمه، ويؤيد هذا المعنى رواية مسلم في صحيحه عن عطاء عن جابر قال:((كنا نعزل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) زاد إسحاق قال سفيان: ولو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن.

فهذه الجملة الأخيرة (ولو كان شيئًا ينهى عنه) إلخ، وإن قيل أنها من كلام سفيان أحد رواة الحديث قالها استنباطًا إلا أن الشيخ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام عدها من الحديث وأدرجها فيه، وروى مسلم في صحيحه أيضًا أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لى جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال عليه الصلاة والسلام: " اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها ". فلبث الرجل ما شاء الله، ثم أتى رسول الله بعد ذلك، فقال: إن الجارية قد حملت. فقال: " قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ".

ص: 293

وفي مسند الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وجه الاستدلال بالحديث: أن العزل مباح إذا أذنت الحرة، وإذنها أمر ممكن، وعن أبي محيريز قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فسأله أبو صرمة، فقال: يا أبا سعيد: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل؟ فقال: نعم، غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا: نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله؟ فسألنا رسول الله، فقال:" لا عليكم ألا تفعلوا، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون ". رواه مسلم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أيضًا أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي جارية، وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل هو الموءودة الصغرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)) ، معناه إذا قدر الله خلق نفس فلا بد من خلقها، وأنه قد يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه، ولا ينفعكم الحرص على ذلك، فقد يسبقكم الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدر الله.

وفي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن رجلًا جاء إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لم تفعل ذلك؟)) فقال الرجل: أشفق على ولدها أو قال: على أولادها، فقال رسول الله:((لو كان ضارا (أي العزل) لضر فارس والروم)) ، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبيا فكنا نعزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((وإنكم لتفعلون ذلك - قالها ثلاثا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)) .

ص: 294

التعليقات على هذه الأحاديث

علق بعض من العلماء على هذا الحديث فقال: قوله: " إنكم لتفعلون ذلك ". ثلاث مرات إقرار لهم على ما فعلوه، وقال آخر: إن ظاهر: " أو إنكم لتفعلون ذلك " كما في رواية، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على ذلك، وكونه كررها ثلاثًا يفيد الإنكار، ثم إن ابن حزم يطبق قاعدتين أصوليتين ليستدل على أن العزل غير جائز فنهي عنه، القاعدة الأولى: هي أن الأصل في الأشياء الإباحة، ويزعم أن الذين يرون العزل جائزًا ليس لهم دليل يستندون عليه إلا هذا والقاعدة الثانية: إذا كان الأصل في الأشياء الإباحة فحينئذ تأتي الحرمة بعدها، وبناء على ذلك إذا كان محرما فقد جاء التحريم لا شك متأخرًا عن الإباحة وينسخ الإباحة، وإن حديث جذامة بنت وهب يثبت تحريم العزل، وبذلك يعتبر متأخرًا وينسخ الأحاديث الأخرى التي وردت في الإباحة الأصلية، وزعم أنها غير صحيحة أيضًا عدا حديث جابر، وهو وإن كان صحيحًا عند ابن حزم فإنه لم يتكلم فيه بوجه وتركه من دون أن يعلق عليه بشيء (1) . وقال ابن سيرين: في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لا عليكم ألا تفعلوا إلخ قوله:((لا عليكم ألا تفعلوا)) أقرب إلى النهي، وقال الحسن البصري: والله لكأن هذا زجر، وقد اعتبر هؤلاء (لا) ناهية ومدخولها محذوف، تقديره لا تعزلوا، وعليكم أن لا تفعلوا وأكد هذا النهي بقوله: وعليكم ألا تفعلوا.

هذا وقد رد الباجي في شرحه على الموطأ على قول الحسن البصري فقال: قوله سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال:((لا عليكم ألا تفعلوا، فإنما هو القدر)) ، ليس معناه النهي كما فهمه الحسن البصري، وحكاه عن ابن عبد البر بل قال أكثر العلماء: إنه ليس نهيًا، بل معناه ليس عليكم إثم أو ضرر ألا تفعلوا كما نقل ذلك الشيخ مرتضى الزبيدي في شرحه على الإحياء، ثم عقب عليه بقوله: قال البيهقي: رواة الإباحة أكثر وأحفظ والله أعلم (2) وذكر فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي في كتابه (حركة تحديد النسل) أن الاحتجاج بهذه الأحاديث فاسد، فقال: والذين يدعون إلى حركة تحديد النسل من المسلمين لا يجدون في آيات القرآن كلمة واحدة يتأيدون بها، فهم لأجل هذا إنما يرجعون إلى كتب الحديث ويستدلون على صحة فكرتهم بروايات جاء في بعضها الإذن بالعزل.

(1) الإسلام وتنظيم الأسرة، أعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 181

(2)

الإسلام وتنظيم الأسرة، أعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 409

ص: 295

ولكن هناك ثلاثة أمور أساسية لا بد من رعايتها في استخراج مسألة فقهية من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

1 -

الاستقصاء التام لكل ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في المسألة التي تحت البحث.

2 -

بذل الجهود الممكنة لمعرفة السياق والموقف الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حديثًا من أحاديثه.

3 -

بذل الجهود الممكنة كذلك للاطلاع على الظروف والملابسات السائدة في بلاد العرب في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فمع رعاية هذه الأمور الأساسية نريد الآن أن نلقي نظرة على الروايات التي يستدل بها هؤلاء القوم للدفاع عن فكرتهم، ومما لا يخفى على أحد أنه كان قتل الأولاد هو الطريق الجاري في بلاد العرب لتحديد النسل، إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لسببين:

أولهما: تدهور الوضع الاقتصادي فكان الآباء لأجله يقتلون أولادهم خشية أن يشاركوهم في رزقهم.

وثانيهما: عاطفة الغيرة المجاوزة لحدودها العادلة، فكانت تحرض الآباء على وأد بناتهم خاصة خشية عار المصاهرة، فلما جاء الإسلام ندد بهذه الجريمة ونهى العرب عن اقترافها، وقلب عقليتهم في شأنها قلبا كليًّا.

ثم اتجهت فكرة المسلمين إلى العزل، أي الإنزال بعيدًا عن المرأة، ولكن من المعلوم أن العزل ما كان عامًّا شائعًا بين المسلمين، ولا كانت قد قامت فيهم حركة لتحديد النسل ومنع الحمل، ولا كان المقصود أن تتخذ من العزل سياسة قومية، ولا كانت من الأسباب المحرضة عليه تلك الأفكار والعواطف التي كانت تحرض الناس على اقتراف جريمتي قتل الأولاد ووأد البنات أيام الجاهلية، وإنما كان هناك ثلاثة أسباب هي التي حملت على العزل نَفَرًا من المسلمين، ولنا أن نعرفها بتتبع الروايات الواردة في كتب الحديث في باب العزل.

1 -

خشية أن تحمل الأَمَة.

2 -

خشية أن تستحق الأَمَة إقامة دائمة إذا صارت أم ولد.

3 -

خشية أن يتعرض الرضيع لنوع من الضرر إذا حدث الحمل أيام الرضاعة.

ههنا سرد الإمام أبو الأعلى المودودي الأحاديث المبيحة للعزل إلى أن قال: " على أن هناك جماعة من الصحابة وغيرهم قد صح عنهم النهي عن العزل، يقول الإمام الترمذي في سننه: وقد كره العزل قوم من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ويروي الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر، أنه كان لا يعزل، وكان يكره العزل، فالذى نعلم من تتبع الأحاديث والروايات من كلام النوعين أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان أذن في العزل، بل كان يكرهه ويرى فيه فعلًا عبثا كما يكرهه جماعة من أصحابه رضي الله عنهم ".

ص: 296

آراء الفقهاء في منع الحمل

سبق أن قلت: إن الفقهاء اختلفوا في منع الحمل إلى أربعة آراء وهذه نصوص كلام القائلين بالإباحة لذلك.

الشافعية

قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين (1) عند الكلام عن آداب المعاشرة الجنسية: ومن الآداب أن لا يعزل، بل لا يسرح إلا إلى محل الحرث وهو الرحم، فما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عزل فقد اختلف العلماء في إباحته على أربعة مذاهب، فَمِن مبيح مطلقًا بكل حال، ومن محرم بكل حال (2) ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها (3) وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل، ومن قائل: يباح في المملوكة دون الحرة، والصحيح عندنا أن ذلك مباح، وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث، أي فيه ترك فضيلة، كما يقال: يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة، ويكره للحاضر بمكة مقيمًا أن لا يحج كل سنة، إلى أن قال: وليس هذا أي العزل كالإجهاض والوأد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وله أيضًا مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم، وتختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت علقة ومضغة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشًا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا. اهـ

وصرح الإمام الرملي نقلًا عن الزركشي، بأن استعمال ما يمنع الحمل قبل إنزال المني في حالة الجماع مثلًا لا مانع منه، وقال البجيرمي في حاشيته على الإقناع في حل كلام أبي شجاع: يحرم استعمال ما يقطع الحمل من أصله، أما ما يبطئ الحمل أو يؤخره دون أن يقطعه من أصله فلا يحرم، بل إن كان لعذر كتربية فلا يكره أيضًا، وفرق الشبرامسي بين ما يمنع الحمل بالكلية وما يمنعه مؤقتًا، فقال بتحريم الأول واعتبر شبيهًا بالعزل (4) إلخ.

ويستدل على الجواز أيضًا بتفسير الإمام الشافعي قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} النساء [3] بقوله: ذلك أقرب ألا تكثر عيالكم، فقد فهم الإمام الشافعي رحمه الله أن التشريع القرآني يتجه إلى كراهية كثرة العيال؛ لأن الله تعالى علل به الأمر بالاقتصار على واحدة عند الخوف من عدم العدل وإذًا فتنظيم النسل لئلا يكثر العيال مما يدخل ضمنا في دلالة الآية الكريمة (5) .

(1) إحياء علوم الدين ص 52 - 53 جـ 2

(2)

هو ابن حزم وابن حبان

(3)

هو الجمهور من فقهاء الأمصار

(4)

الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 291

(5)

الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 126

ص: 297

الحنفية

يرى الأحناف أن منع الحمل مباح بشرط أن تأذن فيه الزوجة لحقها في الولد كالرجل، ويقول الكمال بن همام في حاشية القدير: العزل جائز عند عامة العلماء، وكرهه بعضهم، ثم قال: والصحيح الجواز، وساق أحاديث الجواز ثم قال: فهذه الأحاديث ظاهرة في جواز العزل.

وجاء في حاشية ابن عابدين على شرح الدر (1) نقلا عن صاحب النهر، أنه يجوز للمرأة أن تسد فم الرحم منعا من وصول ماء الرجل إليه لأجل منع الحمل، واشترط صاحب البحر لذلك إذن الزوج، ويؤيد القرطبي المالكي ذلك بقوله: إن النطفة ليست شيئا يقينًا ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة ما لم تستقر في الرحم، فهو كما لو كانت في صلب الرجل، فالقرطبي بهذا القول يبيح إلقاء النطفة بعد وصولها إلى الرحم وقبل الاستقرار، فمن باب أولى إذا لم تصل إلى الرحم (2) .

المالكية

نص فقهاء المذهب المالكي على جواز العزل واشترطوا إذن الزوجة لذلك صغيرة كانت أو كبيرة (3) .

(1) جـ2 ص 412

(2)

الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2

(3)

راجع حاشية الدسوقي في شرح الدردير على متن خليل جـ 2 ص 266

ص: 298

الحنابلة

ذهب فقهاء المذهب الحنبلي، إلى جواز العزل بشرط رضا الزوجة واستئذانها، قال ابن قدامة (1) : والعزل مكروه، ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال فينزل خارجًا من الفرج، رويت كراهيته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي ذلك أيضًا عن أبي بكر الصديق؛ لأن فيه قطع النسل وقطع اللذة عن الموطوءة إلى أن قال: ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها، قال القاضي: ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة، ويحتمل أن يكون مستحبًّا؛ لأن حقها في الوطء دون الإنزال. . . إلخ.

الزيدية

تصريح كتب المذهب الزيدي بإباحة العزل إذا وافقت الزوجة بل صرح الإمام يحيى بن زيد بجواز العزل لمنع النسل، ومعنى ذلك أنه أجاز أخذ الأسباب لمنع النسل صراحة (2) .

الشيعة الجعفرية

إن كتب مذهب هؤلاء تصرح بأن العزل لمنع الحمل مباح على أن توافق الزوجة على ذلك عند عقد الزواج، وهم بذلك لا يطلبون إلا إذنا عامًّا من الزوجة عند إجراء العقد، سواء رضيت بعد ذلك أو رفضت (3) .

(1) المغني جـ 7 ص 23

(2)

كتاب البحر الزخار جـ 3 ص 80 الطبعة الأولى سنة 1948 مطبعة أنصار السنة المحمدية

(3)

كتاب الروضة البهية - شرح اللمعة الدمشقية جـ 2 ص 68 - مطبعة دار الكتاب بمصر

ص: 299

الشيعة الإسماعيلية

الشيعة الإسماعيلية الذين يتزعمهم (أغاخان) لا يتعدى مذهبهم مذهب الشيعة الجعفرية في حكم العزل، فقد جاء في كتاب دعائم الإسلام (1) . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن المرأة إلا بإذنها إلخ.

مذهب الإباضية أتباع عبد الله بن أباض التميمي

نرى في كتبهم التصريح بجواز العزل إذا رضيت الزوجة، وقالوا: إن العزل يباح للفرار من الولد خشية العيال وإدخال الضرر على الرضيع (2) .

ويقول الشوكاني: (إن الأمور التي تحمل على العزل، الإشفاق على الولد الرضيع خشية الحمل مدة الرضاع والفرار من كثرة العيال، والفرار من حصولهم من الأصل وخشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقًا، ثم ذكر أنه لا خلاف بين العلماء على جواز العزل بشرط أن توافق الزوجة الحرة؛ لأنها شريكة في المعاشرة الزوجية)(3) .

وهكذا يتضح لنا بعد هذا كله أن العزل مباح إذا دعا إليه داع وهذا الداعي هو ما عبر عنه الفقهاء قديمًا وحديثًا، بأنه دفع الضرر أو رفع الحرج أو صيانة النفس، والقرآن يقول:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج [78] والحرج هو الضيق بسبب تكليف شاق، ويقول:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة [185]، ويقول:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (4) البقرة [195] .

قبل أن أنقل للقارئ الكريم الدواعي التي تدعوه إلى تنظيم الأسرة ينبغي أن أذكر فصلًا من بحث (الدكتور أحمد الشرباصي) الذي قدمه في المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط من 24 إلى 29 من شهر ديسمبر عام 1971 لأهميته، وهذا نص كلامه:(ويجب أن نسلم أولا بأن الدعوة إلى تنظيم الأسرة لا يجوز أن تكون دعوة إلى محاربة الزواج أو محاربة الأسرة أو محاربة الذرية في حد ذاتها، أو محاولة التخلص منها بعد وجودها، ويجب أن نسلم كذلك بأن حب الذرية أمر فطري لمن تقهره عقبات مصطنعة أو موضوعة في طريقه، ومهما بذلت الإنسانية المتحضرة من جهود في مجالات تنظيم الأسرة سيبقى حب الذرية مسيطرًا على مئات الملايين هنا وهناك وإلى ما شاء الله)(5) .

ومن الجدير بالذكر لأهميته أيضًا قول الدكتور الشرباصي في البحث المذكور: (ينبغي أن نفهم بوضوح، ونذكر باستمرار، أن موضوع تنظيم الأسرة يرجع أولًا وآخرًا إلى اقتناع الفرد وإرادته، ونخسر كثيرًا إذا لجأنا في هذا الباب إلى الإكراه والإرغام أو العقاب)(6) .

(1) مطبعة دار المعارف بمصر جـ 2 ص 210

(2)

راجع النيل وشرحه جـ3 ص 126

(3)

نيل الأوطار جـ 6 ص 198

(4)

الإسلام وتنظيم النسل لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد بالرباط جـ 2 ص 104

(5)

الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 9

(6)

الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 24

ص: 300

أهم الدواعي إلى تنظيم الأسرة

1 -

أن يكون مرض من الأمراض المعدية عند الزوجين أو عند أحدهما، ولو نشأت ذرية عنهما والمرض موجود لا ينتقل المرض إلى الذرية فتشقى به حياتها.

2 -

أن يكون عند المرأة مع ضعفها استعداد قوي ظاهر للحمل عقب انتهائها من آثار الحمل السابق.

3 -

الخوف على صحة الزوجة وسلامتها من الحمل المتتابع؛ لأنها مريضة وسيزيد مرضها بحملها أو سيتأخر شفاؤها أو سيحدث المرض بسبب الحمل.

4 -

الضعف الاقتصادي عند الزوج حيث لا يكون لديه اقتدار مادي يجعله صالحًا للنهوض بتبعات الذرية (1) .

ومن المعلوم بداهة أن إيقاف الحمل بسبب مرض الزوجة والخوف على سلامتها هو محل وفاق لا مجال للنزاع فيه عقلًا ونقلًا، أما عقلًا فلأن من المسلم به أنه إذا تضرر الأصل بالفرع وجب تقديم مصلحة الأصل على فرعه، وعند الأصوليين إذا عاد الفرع على الأصل بالإبطال فالفرع يكون باطلًا (2) .

وأما إيقاف الحمل بسبب الفقر وضعف الاقتصاد فمختلف فيه، والإمام الغزالي يجيز ذلك بقوله: الثالثة (يعني من البواعث على منع الحمل بالعزل) الخوف من الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء، وهذا أيضًا غير منهي عنه، فإن قلة الحرج معين على الدين نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} هود [6] ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل، ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مُنَافٍ للتوكل، لا نقول إنه منهي عنه (3) . وقال الإمام محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق: أما تحديد النسل بمعنى تنظيمه بالنسبة للسيدات اللاتي يسرع اليهن الحمل، وبالنسبة لذوات الأمراض المنتقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسئوليات الكثيرة، ولا يجدون من حكومتهم أو من الموسرين من أمتهم ما يقويهم على احتمال هذه المسئوليات.

إن تنظيم النسل بشيء من هذا وهو تنظيم فردي، لا يتعدى مجاله شأن علاجي تدفع به أضرارًا محققة ويكون به النسل القوي الصالح، والتنظيم بهذا المعنى لا ينافي الطبيعة ولا يأباه الوعي القومي ولا تمنعه الشريعة إن لم تكن تطلبه وتحث عليه (4) .

الشيخ محمد عبد الرحمن

(1) الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ 2 ص 9

(2)

الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط

(3)

إحياء علوم الدين ج 2 ص: 53

(4)

كتاب الفتاوى للشيخ شلتوت - ص 266

ص: 301

أسماء بعض من كبار العلماء في العصر الأخير الذين أفتوا بجواز منع الحمل بسبب مقبول شرعا

* المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم - مصر

* المرحوم الشيخ محمود شلتوت - مصر

* الشيخ عبد العزيز عبد الله بن باز - السعودية

* المرحوم الشيخ حسن مأمون - مصر

* الشيخ عبد الله القلقيلي - الأردن

* آية الله الشيخ بهاء الدين محلاتي - إيران

* الشيخ الحاج عبد الجليل بن الحاج حسن - ماليزيا

* الشيخ يوسف بن علي الزواوي - ماليزيا

* لجنة الفتوى بالأزهر - مصر

* لجنة الفتوى بقطاع غزة - فلسطين

* المجلس الاستشاري للشئون الدينية - تركيا

* رئيس المحكمة العليا الاستئنافية - اليمن

هذا ما أردت نقله وجمعه في هذا الموضوع، والرأي الحاسم ما سيقع الاتفاق عليه من السادة المشاركين في الدورة.

وبالله التوفيق

ص: 302