الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقوق المعنوية
بيع الاسم التجاري والترخيص
إعداد
الدكتور عبد الحليم محمود الجندي
والشيخ عبد العزيز محمد عيسى
بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 -
المقدمة:
التجارة في جملة أمرها تداول الأموال أو الأشياء بقصد الربح، حيث يوجد المتعاقدان في مجلس العقد، أو يوجد المبيع في " حانوت " التاجر، أو في " السوق " حيث "تساق" العروض والسلع. والفقه الإسلامي حريص على التزام التجار جادة الدين في التعامل التجاري لما يكتنفه من سرعة التراضي أو فورية الأداء مع خلق التاجر واقتداره على ترويج السلعة أو تزيينها ليقبل عليها المشترون، ومنهم من قد ينخدع أو تخفي عليه العيوب. ويروى عن الإمام محمد بن الحسن قوله:(على كل تاجر يحتاط لدينه أن يستصحب فقيها يشاوره في معاملاته) . وعن الإمام أبي الليث قوله: (لا يحل للرجل أن يشتغل بالبيع والشراء ما لم يحفظ كتاب البيوع)(1) . وكان الإمام أبو حنيفة ينهى العامل في حانوته عن أن يزين السلعة بأقواله.
ولئن كانت الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات عناصر النشاط الاقتصادي في العالم المعاصر، فإن التجارة ترد على جميع هذه العناصر في عصرنا الحاضر، ومواردها في ازدياد، قدر ما يسبغ الله على عباده من نعم ظاهرة وباطنة وأموال مستحدثة مثل " الحقوق المعنوية " أو الفكرية أو الخدمات التي لا يقف تقديرها عند حد وتتجاوز تجاراتها القارات. ومن الشركات التجارية ما تمتد فروعها إلى دول العالم إلا قليلا
…
وينطبق على نشاطها قوانين التجارة.
وخلعت القوانين وصف "التاجر" على من يتخذ التجارة "حرفة"، كما اعتبرت " العمل التجاري " كل عمل يتم لمزاولة حرفة تجارية، لتتيح سرعة المبادلات وحرية النشاط التجاري واليسر في أدائه واقتضائه، وتتابعت الاتفاقيات الدولية منذ أواخر القرن التاسع عشر للميلاد لتجعل العالم سوقا تجاريا واحدة تسري عليها أحكامها لحماية الحقوق على مستوى العالم (مثل اتفاقيات بيرن لحماية الملكية الفنية، واتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية والتجارية، واتفاقية وارسو للنقل الجوي) .
وحظى " المتجر " بحظ وافر من عناية واضعي القوانين ورجال الفقه المحلي والعالمي وأحكام القضاء، وتجلى في صدده إقرار الفكر المعاصر بما سبق به الفقه الإسلامي من إقرار الملكية الفنية.
وأصبح المتجر يتكون من " مجموع حقوق معنوية " وإن كان معها عناصر مادية تدخل في " ملكية التاجر". وجرى العرف العالمي على التسليم " بماليتها "، ولم يبلغ الفقه هذا الطور إلا بعد تاريخ طويل شغل الفقه الإسلامي أغلب أطواره.
وقد بينا في مقال سابق للمجلة، الحق المعنوي في الملكية الأدبية لحقوق التأليف ونشأتها وتطورها حتى العصور الحديثة، فنحيل عليه، ونخص الحقوق المعنوية التجارية فيما عدا الحقوق الأدبية كما يلي:
(1) شرح القانون التجاري في القانون المصري والشريعة الإسلامية: د. محمد بك صالح. مطبعة جامعة فؤاد الأول، القاهرة 1368هـ – 1949م، ص 24.
- 2-
كان الإغريق شعبا من التجار آل إلينا من أنباء متاجرهم مرافعة أعظم خطبائهم (ديموستين) في قضية غش في بيع " محل تجاري " للعطور، وفي قضية أخرى لقاصر ورث " محلا تجاريا " عن أبيه، وثالثة لدائن له تأمينات على " محل تجاري ".
ومن الحماية التجارية نظم الإغريق بيع المتجر ورهنه (1) .
ولم يحتفل الرومان بالتجارة احتفال غيرهم من الأمم، لكن العرب كانوا تجارا. فالتاريخ يحدثنا على لسان المؤرخ الروماني سترابون (ولد سنة 58 قبل الميلاد) أن من القوافل التجارية العربية ما بلغت عدة عيره ألفا وخمسمائة، ومن القوافل ما كان يتجه إلى اليمن لتبلغ التجارة غرضها في الحبشة، وأخرى إلى فارس في الشرق، وغيرها إلى الروم في الشمال. كما يتحدث تاريخ العرب قبل الإسلام عن تجاراتهم الداخلية في أسواق " دومة الجندل "(وهي ملتقى طرق شبه الجزيرة من مكة إلى الشمال والشرق والجنوب)" وهجر "، تتخصص في بيع اللؤلؤ والسلع إلى فارس والهند، يديرها أمراء البحرين وسوق " عمان " وسوق " دبي ". واستمر ذلك النشاط في العرب بعد أن أشرقت شمس الإسلام.
فمن عظماء الصحابة من اشتغل بالتجارة، ومن أئمة الفقه من كانت التجارة حرفة له ومن كان لحانوته مكانة في التاريخ، فالإمام أبو حنيفة (150هـ) كان من كبار تجار الكوفة ودكانه في دار الصحابي الجليل عمرو بن حريث. والإمام مالك كان يعيش من مضاربة بمال له. وكذلك عاش شيخ هذين الإمامين
(1) المحل التجاري، بحث للدكتور محسن شفيق، بمجلة القانون والاقتصاد (جامعة القاهرة، السنة العاشرة، 1970 م، العددان الثالث والرابع وما بعدهما)
: الإمام جعفر الصادق.
ومن الفقهاء، من برزت من أسمائهم أوصاف الصناعة والتجارة: كالجصاص، والخصاف، والقفال، والكرابيس (بيع الثياب الخام) ، والبقالي، والنعالي، والحلواني، والعطار، والتمار، والصيدلاني (بيع العطر) . ومنهم الصيرفي، ومنهم بائع اللؤلؤ.
ولم يعرف للمتجر شخصية معنوية، فالحقوق المعنوية برزت للوجود في الفقه الإسلامي ابتداء من " الوقف " وملكية " المنافع ". وفي القرن الثاني للهجرة تقررت الملكية الأدبية في الفقه المالكي في صدد " المجموعة الفقهية " المسماة بالأسدية وهي أساس " المدونة " وكان تقريرها بفتوى عبد الرحمن بن القاسم وفقهه، عن مالك، أساس ما ورد بالأسدية وبالمدونة. ثم تقررت في الفقه الإسلامي نظرية الحقوق المجردة أو المعنوية كما سنرى فيما بعد.
وكان للتجارة الخارجية شأنها منذ قامت الدولة الإسلامية، وفرض أمير المؤمنين (عمر) المكوس عليها مثلما كانت الروم تفرض المكوس على تجارة العرب. وفي القرنين السادس والسابع (الثاني عشر الميلادي والثالث عشر الميلادي) ، ازدهرت التجارة الخارجية بين أمم المشرق الإسلامي والأمم الغربية عن طريق البندقية وجنوه (في إيطاليا) مع قيام أوروبا بالحروب الصليبية في مصر والشام، إذ المسلمون لا يعتبرون محاربا لهم إلا من حمل السلاح عليهم.
وفي إبان هذه التجارة انتقلت إلى لغات أوروبا حتى اليوم التعبيرات العربية عن الملاحة والتجارة وما تزال متداولة في لغات العالم بعد أن كشف الأوروبيون العالم الجديد بينما كانوا يبحثون عن طريق إلى الهند ليبعدوا من طريق المسلمين ، وفي ذلك العهد نشأت قواعد وأعراف تجارية بين شاطئي البحر المتوسط، دونها الفرنسيون وجمعوها في عصر لويس الرابع عشر (1643م – 1715 م) ، وعملوا بها حتى صدرت مجموعة القوانين الفرنسية، ومنها قانون التجارة الفرنسي في سنة 1807 م (1) .
ولما صدر القانون المدني المصري في سنة 1883م أقرَّ الملكية الصناعية (2) ، وكرر الإقرار بذلك القانون المدني الصادر سنة 1948م (3) ، واستمر القضاء في حماية الحقوق المعنوية واطردت أحكامه في ذلك الباب.
(1) ليون كان ورينو: القانون التجاري، طبعة باريس 1894م، ص 5 وما بعدها.
(2)
مادة (12) : (يكون الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في مؤلفاته وحقوق الصانع في ملكية مصنوعاته على حسب القانون المخصوص في ذلك) .
(3)
مادة (86) : (الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة)
- 3 –
الحقوق المعنوية (البراءة – التصريح)
والفقه الإسلامي في مجموعة يقوم " المنافع " بمال، ولم تعد " ماليتها " محل جدال. ومن الحقوق العينية: الحقوق الفكرية على الرأي الراجح كحق التأليف والصناعة، فإنها أموال ذات مميزات خاصة ولها قيمة في العرف، وقد اختص بها صاحبها دون غيره (1) .
وأصبح فقهاء الحنفية يذهبون إلى ذلك كما يظهر من الدر المختار، ص 13، حيث قوله عن بعض الحقوق المعنوية في (بيع البراءات التي يكتبها الديوان على العمال: لا يصح، بخلاف حظوظ الأئمة) . وقول رد المحتار:(.... قوله بيع حظوظ الأئمة .... بيع حظ بمعنى النصيب المرتب له من الموقف، أي فإنه يجوز بيعه .....) .
وجاء في ص 5 قوله: (وعليه فيفتى بجواز النزول عن الوظائف بمال)(2) .
قال العلامة العيني في فتاواه: ليس للنزول شيء يعتمد عليه، ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة واشترطوا إمضاء الناظر لئلا يقع فيه نزاع. اهـ. ملخصا من حاشية الأشباه للسيد أبو السعود.
وذكر الحموي أن العيني ذكر في شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصاحبتها لأن هذا مجرد إسقاط اهـ.
وقلت: وقدمنا عن البحر أن للمتولي عزل نفسه عند القاضي وأن من العزل الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيره وأنه لا ينعزل بمجرد عزل نفسه، خلافا للعلامة قاسم. بل لا بد من تقرير القاضي المفروغ له، لو أهلا، وأنه لا يلزم القاضي تقريره، ولو أهلا، وأنه جرى العرف بالفراغ بالدراهم، ولا يخفى ما فيه فينبغي الإبراء العام بعده. اهـ. أي لما فيه من شبهة الاعتياض عن مجرد الحق وقد مر أنه لا يجوز. وليس فيما ذكر عن العيني جوازه.
قال الحموي: وقد استخرج شيخ مشايخنا نور الدين علي المقدسي صحة الاعتياض عن ذلك في شرحه على نظم الكنز من فرع في مبسوط السرخسي، وهو أن العبد الموصى برقبته لشخص وبخدمته لآخر، لو قطع طرفه أو شج " موضحة "، فأدى الأرش، فإن كانت الجناية تنقص بخدمته يشتري عبدا آخر يخدمه أو يضم إليه ثمن العبد فيشتري به عبدا يقوم مقام الأول. فإن اختلفا في بيعه لم يبع، وإن اصطلحا على قسمة الأرش بينهما نصفين فلهما ذلك. ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من الأرش بدل الخدمة؛ لأنه لا يملك الاعتياض عنها ولكنه إسقاط لحقه به كما لو صالح موصى له بالرقبة على مال دفعه للموصى له بالخدمة ليسلم العبد له. اهـ.
(1) بحث في نظرية الحق، للدكتور أحمد فهمي أبو سنة: كتاب (الفقه الإسلامي أساس التشريع) ، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، مطبوعات لجنة تجلية مبادئ الشريعة الإسلامية
(2)
رد المحتار على الدر المختار: ابن عابدين. الجزء الرابع، الطبعة الثالثة بالمطبعة الأميرية، بولاق – مصر.
قال: فربما يشهد هذا للنزول عن الوظائف. قال الحموي: فليحفظ هذا، فإنه نفيس جدا. اهـ.
وذكر نحوه البيري عند قول الأشباه: ينبغي أنه لو نزل وقبض المبلغ ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك.
واستطرد في الاحتجاج لرأيه حتى قال، ص 16:(وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة، وهي حرام بالنص. والعرف لا يعارض النص .... واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه عن الخلافة لمعاوية على عوض. وهو ظاهر أيضًا ....) .
واستطرد فقال: (قول ويلزم خلو الحوانيت) . (عبارة الأشباه أقول على اعتباره، أي اعتبار العرف الخاص ينبغي أن يفتي بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم. ويصير الخلو في الحانوت حقا له. فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ....) .
وإجازة العرف: التنازل بمال مشروطة بأن يكون العرف عاما، مستطردا أو غالبا، قائما عند إنشاء التصرف، لا يعارضه تصريح بخلافة، ولا يخالف نصا شرعيا من كتاب أو سنة، ويشهد للعرف قوله صلى الله عليه وسلم:((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) ، وابن نجيم يقول في الأشباه والنظائر:(وإنما العرف غير معتبر في المنصوص عليه) بين العاقدين، إذ ليس لهم أن يخالفوه (1) .
وليست الوظائف ملكا للموظفين ليتنازلوا عنها، ولا هي كذلك للدولة، بل هي بعض وسائل من سلطانها تهيؤها للموظفين ليقوموا بخدمتها، وهي بالنسبة لهم أدنى إلى الترخيص منها إلى الملك. والتصريح لهم بالنزول عنها لقاء مال ليس إلا تصريحا بالنزول عن حق معنوي، وإقرار القاضي يدل على أن الحق المعنوي مقيد بقيود من طبيعة ذلك الحق في حالة تنازل الناظر. ولذلك وجب إقرار القاضي لمن ولاه الإمام وظيفته، ويجب التزام طبيعة الوظيفة عند الاتفاق على ولاية الغير لها، ومثل ذلك كل تصريح يصدر عن السلطة يجب التزام شروطه، ومنها جواز النزول للغير أو عدم جوازه.
ولا يعتبر العرف ضرورة وإنما هو كالنص في إباحة العمل القانوني. بل هو – في القانون التجاري – يخصص العام، والقياس على تصرف الإمام الحسن لمعاوية رضي الله عنهما، غير صحيح. فالصحيح في تصرفه أن الذين بايعوه أقروا عمله ضمنا فكانت ولاية معاوية ببيعه مفروضة.
(1) أثر العرف في التشريع الإسلامي: رسالة د. السيد صالح عوض، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ص 189 وما بعدها
- 4 –
مضت قرون على العصر الذي تحدث فيه ابن عابدين عن الفقه الإسلامي، ثم رأينا بعض الوظائف العامة تباع في فرنسا، وبإقرار الملك (1) في مقابل مبلغ محدد تتلقاه خزائنه، بل أصبحت هذا الوظائف محلا للتوارث ابتداء من القرن الميلادي السادس عشر (العاشر الهجري) . وتفاقم الأمر في عصور الملكية (عصر لويس الرابع عشر الملك الشمس 1643م – 1715 م) ، وازدهرت في ظلال هذا النظام بعض الأسر التي توارثت ولاية القضاء فحفظت له استقلاله.
والتاريخ يروي أن وظيفة النائب العام بيعت وفق ذلك النظام ذات يوم بمبلغ مليون ومائتي ألف ليرة! ويروى السخرية التي واجه بها قائلها لويس الرابع عشر نفسه: (مولاي كلما أنشأت وظيفة خلق الله غبيا يشتريها) .
وفي سنة 1789 م ألغت الثورة الفرنسية هذا النظام وقررت التعويض عن إلغائه. ولما استؤنف النظام الملكي في فرنسا أعادت نظام بيع الوظائف معدلا في بعض المرافق ابتداء من سنة 1816م، ولم يكن من بينها القضاء. وأصبحت الجبايات التي تجبي منها توزع على عمال المرفق أو تنفق على حاجاته، وإذا ألغت الحكومة الوظيفة عوض المرفق صاحبها أو ورثته.
(1) بلا نيول: القانون المدني. جزء أول، طبعة 1928 م، فقرة (2529) ، ص 838 وما بعدها
- 5 –
ومن الحقوق المعنوية حقوق المخترعين كان لها نظام خاص أحكمته التشريعات الحديثة، فالشارع الفرنسي يحمي حقوق صاحب الاختراع مددا محدودة إذا سجل الاختراع لقاء رسوم يدفعها فيبقى احتكاره لاختراعه تلك المدة، وحذا القانون المصري حذو الفرنسيين في ذلك.
وبهذا يظهر أن حماية الحق المعنوي في الاختراعات أقل منه في المؤلفات، فحق التأليف إحدى حريات المؤلف. أما حق المخترع فأقرب إلى أن يكون أحد ممتلكاته وإن شاركه عصره في الوصول إليه، فلقد يحدث أن يفكر غيره في بعضه أو في مثله كله، والتاريخ يحفظ أن (جراهام بل) و (جراي) تقدما لتسجيل اختراعهما للهاتف (التلفون) في يوم واحد، بينهما ساعتان من النهار!
ومن الشواهد المعاصرة على إقرار الحقوق المعنوية والملكية الصناعية في الإسلام قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (من دورته الأولى لعام 1398 هـ إلى الثامنة عام 1405هـ) ، بتاريخ السبت 28 ربيع الآخرة 1400 هـ الموافق 19 يناير سنة 1985م، وفيه:
(كل أداة حديثة وصل إليها الإنسان بما علمه الله وسخر له من وسائل إذا كانت تخدم غرضًا شرعيًا أو واجبًا من واجبات الإسلام وتحقق فيما لا يتحقق من دونها تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذي تخدمه وتحققه من المطالب الشرعية وفقًا للقاعدة الأصولية المعروفة، وهي أن ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب) .
ولا جرم أن الإقرار بالحقوق المعنوية واحتكار الاختراعات لمدة بعض هذه الوسائل.
- 6 –
بيع المتجر
في السنة التاسعة للثورة الفرنسية أصدرت محكمة استئناف باريس حكمًا بأن (بيع المتجر – fond de commerce) ، يشمل (الملكية المادية لمعدات المحل، والملكية المعنوية وهي الشهرة وثقة الجمهور) . وأطرد بذلك القضاء دون أن يعضده تشريع حتى صدر قانون من قوانين الضرائب سنة 1872 م بفرض ضريبة تمغة على بيع " المتجر " فنص على شمول الضريبة للعناصر التالية (المادة المعدة للاستغلال، وسمعة المحل، ودرجة إقبال الزبن " العملاء ") ، ومنذئذ استقر في الفقه والقضاء أن المتجر يتألف من تلك العناصر، وأن للمعنوي منها قيمة معنوية، وأنه " منقول معنوي "، ولو كان حقًا على عقار كالإجارة، وأن المتجر بتمامه " منقول معنوية " يتألف من كتلة الأموال المعنوية والمادية (السلع)(1)
وفي سنة 1898 م اضطر المشرع الفرنسي لتعديل المادة (2075) في القانوني المدني الفرنسي ليجيز رهن " المتجر " دون نقل حيازته للمرتهن – كالمنقول المادي – وفي سنة 1909م صدر قانون ببيع المتجر ورهنه على الأساس ذاته.
وعلى غرار القانون الفرنسي صدر القانون المصري رقم (11) لسنة 1940 م الخاص ببيع المتجر ورهنه. وأعقبته في المنهج ذاته نصوص قانون التجارة الكويتي.
ومع ذكر القانون المصري للمقومات التي يشملها البيع إن سكت العقد عن ذكر المقومات، فإنه اقتصر على ذكر بعض ما تعارف عليه منها الفقه والقضاء دون أن يحصرها أو يعرف المتجر ذاته، حتى لا يسد الطريق أمام المستحدث من مقومات معنوية يستجدها النشاط الاقتصادي، والمتجر من أعظم أوعية المستحدثات فيه، إن في داخل الدولة وإن في خارجها.
والنشاط الاقتصادي لم يعد محليًا بل أمسى عالميًا تضع حدوده المعاهدات وتعديلاتها، ومنها اتفاقية باريس سنة 1883 م، ومدريد سنة 1891 م، ولندن سنة 1934 م، ولاهاي سنة 1938 م. وقد انضمت مصر لهذه الاتفاقيات بقانون سنة 1950 م. وهذه المعاهدات تتجه إلى التنسيق بين أوضاع النظام العام الذي ينظم التجارة العالمية وطريقة ذلك بالتنسيق بين وسائل حماية مقومات " المتجر " في الخارج مثل حمايتها في الداخل.
ومن أجل ذلك نصت اتفاقية باريس منذ سنة 1883 م على أن يتمتع رعايا كل دولة في كل الدول الأخرى بكل المزايا المقررة في دولة عضو فيها، أو التي ستقرر، شرط اتباع الإجراءات المقررة فيها، والاتفاقيتان الأخريان تكفلان حماية العلامات والبراءات وما يتدرج في ذلك كافة.
وكذلك أطلقت الاتفاقية الحماية لكل ما يمكن إدخاله تحت أبواب السلع زراعية أو صناعية أو تجارية أو أداء خدمات، حيث يقول:
(تؤخذ عبارة " الملكية الصناعية " بأوسع معانيها، فلا يقتصر تطبيقها على الصناعات والتجارة " بالمعنى الدقيق " بل تشمل الشؤون المتعلقة بالصناعة الزراعية والاستخراجية وجميع " المنتجات " المصنوعة أو الطبيعية....) .
(1) محمد بك صالح: شرح القانون التجاري في القانون المصري والشريعة الإسلامية، ص 158 وما بعدها؛ د. علي يونس، الملكية الصناعية، ص 74 وما بعدها.
- 7 -
مقومات المتجر
تتراءى مقومات المتجر في نشاطه العادي: ذلك أن كل عمل متصل باسمه أو بخدمته عمل تجاري بالتبعية، كبناء التاجر عقارا ليكون محلا له، وإلحاق المنقولات على وجه التخصيص بعقار المتجر، فيعتبر عندئذ عقارا بالتخصيص لخدمة المتجر ويلتحق بموجوداته، وإذا بيع العقار مع المتجر، كان جزءا من البيع تسرى عليه أحكامه وإن لزمه التسجيل لنقل الملكية إذا أوجبت القوانين التسجيل لنقل الملكية.
أولا – الاسم التجاري اسم المتجر:
وهو ليس اسما شخصيا، فالمتجر ليس شخصا، ولذلك يباع اسم المتجر ويرهن على نقيض اسم الإنسان.
وقد بدأ المشروع بالاسم التجاري في القانون رقم (11) لسنة 1940 م الخاص ببيع المحل التجاري أو رهنه، فنص في المادة الرابعة على أنه:(إذا لم يبين ما يتناوله الامتياز لم يقع إلا على عنوان المحل التجاري واسمه، والحق في الإجارة، والاتصال بالعملاء، والسمعة التجارية) .
فالاسم علم على المتجر. وهو الذي يقيد في السجل التجاري وفقا للقانون ليحميه قانون تسجيل الأسماء بالعقوبات، وقد يدخله صاحب المتجر في العلامة التجارية فتتقرر له الحماية المقررة لها.
- 8 –
1-
ويظهر من نص المادة (4) من القانون رقم (11) لسنة 1940م، أن المقومات التي يتكون منها المتجر منفصلة عن بعضها، وأن كلا منها منقول معنوي يمكن بيعه أو رهنه مستقلا أو مع غيره.
2-
ويظهر أيضًا أن ثمة مقومات أخرى ليست أقل أهمية مما ذكر، ومنها العلامة التجارية والترخيص والبراءات والنماذج وغيرها مما يحميه القانون الخاص بذلك.
3-
وأن المنقولات والسلع الموجودة في المحل ليست عنصرا مستقرا في المصنع والمتجر .... فهي تنتج أو تستحضر لتباع أو تستخدم، وقد لا توجد بالمتجر سلع ومع ذلك يباع كاملا، ومثل ذلك محال الوكالة بالعمولة أو السمسرة أو محال أداء الخدمات أو شركاتها. فالشركات التجارية متاجر كبيرة. حتى متاجر بيع أشياء بذاتها قد تباع وترهن دون الأشياء فالعقد يرد على المقومات المعنوية التي ترد فيه.
4-
وأن التعاقد قد يرد على المقومات المذكورة في المادة وقد لا يرد عليها كاملة، أو يرد على بعضها وقد يستثنى منها بعضها.
- 9 –
ثانيا – المقومات الأخرى:
(أ) من الملاحظ أن التصرف في المتجر ينصب على ما هو طبيعي لاستقلاله، مثل ذلك أن بيع المطعم يشمل بيع الاسم التجاري والحق في الإجارة (من أجل صقعه) ، وأدوات المحل والطعام القائم، كما يشمل بيع المصنع الاسم التجاري وحق الإجارة والآلات والرخص والبراءات والنماذج.
(ب) أما حقوق المتجر لدى الغير أو ديونه فلا تدخل في التصرف وفق القانون المصري. والقوانين العالمية في ذلك ضربان: ضرب يدخلها كالقانون الفرنسي. وآخر لا يدخلها. والمرجع في ذلك كله إلى نصوص التعاقد.
(ج) وإذا اشتمل العقد على نص يتعلق بأشخاص العاملين، كالممثلين في المسرح أو الرؤساء الذين يشتهر من أجلهم المطعم، فهؤلاء تبقى لهم الخيرة في أن يعملوا أو لا يعملوا طبقا للعقد، فهذه حرية العامل، فإذا قبلوا التزموا.
(د) وإذا تم التصرف في مقوم من المقومات على استقلال كان التصرف شاملا لما لا يصلح هذا المقوم إلا به، فإذا بيعت السمعة التجارية شملت المتجر، وإذا بيع حق الإجارة شمل المتجر إذا ظهر أن سمعة المحل مرتبطة بمكان وجوده، كأن يكون على شاطئ يتميز به أو في جوار نابه الذكر.
ذلك أن الطابع المعنوي القائم على الاستغلال هو الذي يحكم في القانون التجاري والمتجر كبرى مؤسساته.
- 10 –
العلامة التجارية
1-
وليس الصقع (لحق الإجارة أو العقار المخصص لها) ولا السمعة التجارية التي يشتهر المحل بها هي في الأغلب أهم المقومات، فالعلامة التجارية إذا خص بها التاجر بضاعته تزاحمهما وقد تزاحمهما لارتباطها بالمنتج ذاته مثلما يرتبط باسم المتجر بذات التاجر. ومن مكانه العلامة التجارية وأثرها في الأسواق عامة وخطرها على الناس كافة، مصريين وغير مصريين، إذا قلدت أو زروت أو استعملت علامة الغير بالغش، أصدرت مصر قانون حماية العلامات الصناعية، فنص القانون (57) لسنة 1939 م على أن لكل مصري أو غير مصري في مصر ولكل مصلحة حق المطالبة بما تقرره المعاهدات الدولية من حماية للملكية الصناعية
…
وقررت ذلك قبل أن تنضم للمعاهدات المشار إليها ببضعة عشر عاما.
2-
والعلامة الصناعية شارة على المنتج عندما يضع، أما العلامة التجارية فشارة يطبعها التاجر إذ يبيع ذلك المنتج لتشهد لسلعته لدى الجمهور على مزاياها، ولتحمي السلع من أن يقلدها غيره أو يُزَوِّر علامتها أو يستعمل غيرها في محلها. والقوانين تحمي العلامتين إذا اجتمعتا لدى علامة التاجر. وقد تكون العلامة صورة عظيم من العظماء أو هلالا أو مئذنة أو رمزا أو رسما أو حرفا أو غير ذلك وإنما يمتنع وضع علامات الدولة أو الصليب الأحمر أو العلامات الموهمة.
3-
ومن أهمية العلامة (الماركة) للمتجر نص القانون على أنه لا يجوز نقل ملكية العلامة أو رهنها إلا مع المحل التجاري أو مع مشروع الاستغلال الذي تستخدم لتمييز منتجاته.
ومن أهميتها كذلك في حياة التاجر أجاز نقل ملكية المتجر مع النص على الاحتفاظ بالعلامة للبائع فقد يعود إلى التجارة من بعد فيستعملها لنفسه.
ولمن شاء أن يستعمل ما شاء من علامات على تجارته ومن شروطها أن تكون ظاهرة على المنتجات وأن تكون وقت استعمالها طريفة تستلفت النظر، لا مبتذلة شائعة، أو مستعملة.
- 11 –
والقانون يوجب تسجيل العلامات في الداخل لتبدأ حمايتها بقانون العقوبات من تاريخ القيد ونشره مثلما صنع في قيد الأسماء.
وكذلك توجب اتفاقية باريس تسجيل العلامات في دولتها لتنعم العلامة بحماية قوانين سائر الدول المنضمة للاتفاقية وبهذا تصبح التجارة آمنة حيث توجد قوانين تسبغ عليها الأمان، ومع ذلك فالعلامة والاسم محميان بالقانون المدني العام من دون تسجيل بدعوى المنافسة غير المشروعة أو بها وبقانون العقوبات (1) .
ولا يحمي القانون الاسم أو العلامة إذا هجر التاجر اسمه التجاري أو تخلى عن علامته، فالأسماء والعلامات تسقط بالترك، وتكتسب بالاستعمال. وهما إذا كانا ملكا لأول من يستعملهما في الناس، فإن بقاء الملك يستوجب الحفاظ عليه وظهور ذلك. وإذا اختلف أصحاب اسمين وعلامتين تدخل القضاء بينهما بالتعويض أو التصحيح، فقد يأمر بحذف شيء أو إضافة بيان أو بالمصادرة إذا اقتضى الأمر ذلك.
ومما تقدم يتبين أن تقوم مقومات المتجر يتجارى مع نشاطه وأهمية كل منها في تحقيق غرض التاجر وأن أولوية كل منها لا تتبع ترتيبا محددا، وإنما يحدد ترتيبها أثرها في نجاحه، وقد تكون للعلامة الصدارة على الاسم أو السمعة في سوق دون أخرى أو دون دولة وقد تكون القدرة على اجتذاب العملاء هي الأسبق أو يكون الصقع هو الأهم. وللقضاء في ذلك سلطة تقدير الواقع في كل حالة.
- 12 –
ويجب لبيع المتجر في بعض الدول – كمصر – عقد رسمي أو عرفي مقرون بالتصديق على التوقيع كما يحتفظ البائع بامتيازه على مقومات المتجر المعنوية، وكما يقيد في السجلات ليحتفظ به قبل الغير. ولكن الرسمية أو التصديق ليسا شرط انعقاد فالعقد من دونهما صحيح يجوز إثباته طبقا للقواعد العامة، ويحدث آثاره كاملة.
وبالله التوفيق
الدكتور عبد الحليم محمود الجندي
والشيخ عبد العزيز محمد عيسى
(1) د. محمد حسني عباس (جامعة عين شمس) : الملكية الصناعية والتجارية. ص 314 وما بعدها