الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تغير قيمة العملة
إعداد
الشيخ محمد علي عبد الله
وكيل الجمهورية بمحكمة تاوا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد، فمن المعروف لدى علماء الاقتصاد أن مسألة تغير قيمة العملة كانت ولا زالت من الأبحاث الحساسة التي تشمل حياة الإنسان اليومية، وعلاقاته الفردية أو الاجتماعية، ومع تطور هيكل الأسرة، ازدادت رغبة الفرد في اقتناء ما يعوزه من بضائع وماشية، المنعدمة الوجود لديه، فلجأ إلى فكرة تبادل بضاعة ببضاعة أخرى كالجلد إلى آخره، وقد مر التعامل بل التبادل بين الأفراد لفترات عديدة قبل أن يرتكز التبادل على المعادن الثمينة كالذهب والفضة كقوة شرائية لما لهاته المعادن من خصائص كعدم التغير عند الاستعمال.
وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت النقود الرائجة هي الذهب والفضة، حيث لم ينافسهما أي معدن آخر، وبالتالي كانت الدنانير الذهبية والدراهم الفضية معيارًا اتخذه خاتم النبيين والمرسلين لتنظيم تعامل المسلمين في حياتهم الاقتصادية فقد أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتم التبادل والصرف بدون ربا، وأن يكون التعامل بغير زيادة أو نقصان في الاشتغال بالذهب أو دينارًا بدينار أو فضة بفضة أو تبادل درهم، وذلك مما ورد عن الإمام مسلم، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)) (1) . والجدير بالملاحظة في مثل هذا التبادل المسموح به أن شرط التماثل بغير زيادة يسقط إذا تم بيع الذهب أو الدينار بالفضة أو الدرهم أو العكس، وهذا يعني أنه يحرم التفاضل في الجنس الواحد من النقدين بجنسه سواء كانت الزيادة من جنسه أو من الجنس الآخر أو من غير ذلك، كأن يقع بيع ذهب بذهب أكثر منه، أو بذهب مثله ويزيد بينهما فضة، أو بذهب مثله ويزيد بينهما عرضًا وطعامًا، ويعتبر هذا حراما.
(1) راجع صحيح مسلم.
ومن الشروط المفروضة في الصرف الإسلامي أن يتم قبض الثمن في المجلس قبل الافتراق فلا يباع غائب بحاضر ولا يتأخر القبض كما جاء في الحديث الشريف عن عبادة، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((سواء بسواء يدًا بيد
…
)) ، أي يجب أن يتم البيع والشراء في مكان واحد، ويتم الأخذ والعطاء في نفس المكان إلا أننا نشاهد في بعض الأحيان أن البيع قد يتم بين المتعاقدين ويتحصل المشتري على البضائع، إلا أنه قد يتفق الطرفان على أن يقع تسليم الثمن في الأسبوع الثاني أو بعد شهر، وهو ما يسمى بالبيع المؤجل من حيث تسديد ثمن البيع، والمشكل الذي قد يتطرق إلى الأذهان هو كيف يكون التسديد لذلك الثمن المتفق عليه بين المتبايعين في صورة انخفاض أو ارتفاع قيمة الدنانير الذهبية، ويا ترى كيف يكون موقف البائع يوم قبض الثمن في صورة تغير سعر الصرف يوم الأداء. فهل يطالب المشتري بدفع قيمة البضاعة يوم ثبوت الدين أو يوم الأداء؟ فقد عرضت هاته المشكلة على الرسول عليه الصلاة والسلام فأرشدنا كعادته لما هو صلاح الأمة، فعن ابن عمر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع الدراهم وآخذ الدنانير، فقال لا بأس أن تأخذ: سعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعتبر في هذه الحالة بأن الديون تؤدى بمثلها ولو بقيمتها، أي عملا بسعر الصرف يوم الأداء لا يوم الثبوت لذلك الدين. إذا فالعبرة بالسوق وبتغير القدرة الشرائية للمواطن، فتطبيقًا لسنة سيد المرسلين إذا باع زيد لصالح بمبلغ خمسين دينار، واتفق الطرفان على أن يقع تسديد هذا المبلغ مثلًا " وفقًا للطاقة الشرائية للطرف المشتري " بعد شهر مثلًا، علمًا بأن المبلغ المتفق عليه يوم البيع كانت قيمته عشرة أو أحد عشرة غرامات من الذهب إلا أنه في يوم الدفع أصبح المبلغ المذكور لا يمكنه من الاقتتاء سواء سبعة أو ثمانية غرامات ذهب، وذلك جراء انخفاض قيمة تلك الدنانير يوم السوق، إلا أنه عملًا بالسنة الشريفة يجب اعتبار أن أصل الدين يؤدى بمثله لا بقيمته، أي أداء سعر الصرف يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين.
هذا ما كان جاريًا في عهد الرسول وفيما بعده في عهد الصحابة رضي الله عنهم، إلا أننا نلاحظ مع مرور الزمن أن الأوراق النقدية قد حلت محل الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، وببروز الفلوس شاع الغش والتزييف مما أدى ببعض الفقهاء إلى اعتبار القيمة في مثل هاته الحالة، أي أداء القروض حسب قيمتها. إلا أننا نلاحظ خلال القرون التالية وإلى عصرنا الحاضر خاصة عندما بدأت الدول الصناعية تسعى جاهدة لفرض كيانها الاقتصادي والعسكري على الدول النامية بانتشالها للثروات الاقتصادية للدول النامية، مما أدى إلى تضييق مواردها الإنمائية وإلى كساد اقتصادها الداخلي، وذلك بأن سعت الدول الكبرى إلى تقسيم العالم إلى مناطق مالية كل منطقة تابعة من حيث قوة شرائها إلى إحدى الدول الكبرى كمنطقة الفرنك التابع للفرنك الفرنسي، أو منطقة الدولار لتبعيتها لأمريكا.. إلى آخره. زيادة على ذلك، قامت هاته الدول الكبرى بتتبع سياسة ما يسمى بفرق تسد بإشعال الفتن في هاته الدول التابعة حتى تصدها عن استغلال الثروات الباطنية حتى أصبحت اليوم تعتبر كأسواق للشراء فقط للبيع تقتني موارد الدول الكبرى بأسعار تفوق طاقتهم الشرائية بدون أن تتمكن من ناحيتها من رواج منشآتها الاقتصادية، مما أدى بها إلى الوقوع في التضخم المالي المعروف بزيادة مقدار النقود السائلة وانخفاض القيمة الشرائية للأفراد بسبب تأثير هذه الزيادة على ارتفاع الأسعار، ولمقاومة التضخم عمدت بعض الدول النامية بإصدار قائمة الأسعار للرفع من قيمة الأجور قياسًا بارتفاع تلك الأسعار.
وقد تطرق بعض الاقتصاديين إلى فكرة ربط القرض بقائمة الأسعار، وهذا لا يخلو حسب رأيي من مخاطر، كما نلاحظ قبل اختتام كلمتنا عن تغير قيمة العملة أن هنالك من الاختصاصيين في علم الاقتصاد من يطالب برد القرض بقيمته اعتبارًا لانخفاض الأسعار، وهذا أيضًا لا يخلو من مجازفة وعلينا بالتمسك بالسنة الحنيفة وتجنب الأخذ بما يرد إلينا من الدول الربوية، الذي زين لهم الشيطان أعمالهم، ولنخشَ ذلك اليوم الموعود الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، وعلى الله التوفيق.
الشيخ محمد علي عبد الله