المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

‌تنظيم النسل وتحديده

إعداد

أونج حاج عبد الحميد بن باكل

كبير القضاة بإدارة الشئون الإسلامية ببروني

وعضو مجمع الفقه الإسلامي عن

بروني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد.

تمهيد:

فإن تحديد النسل أو تنظيم النسل أو ضبط النسل ألفاظ مترادفة مؤداها تقليل النسل كما يقصد الكتاب فيها، أو كما يقصده الذين يقومون بالعمل في تنفيذها بمختلف المستويات.

فالمراد من تحديد النسل هو التحكم فيه والتقليل من عدده بمنع الحمل قبل وقوعه إما لأسباب تتعلق بصحة الزوجة أو عجز الزوج عن الإنفاق على ذرية كثيرة بسبب ضيق ذات يده، أو تتعلق بضيق محصولات البلاد حيث أصبحت لا تتكافأ مع زيادة السكان المستمرة بنسبة عالية، فلابد من وقف ذلك النمو المتزايد وذلك بجعل النسل يكون على قدر ما يجيء من المحصولات على حسب قول أنصار هذه الفكرة بأفواههم، ومقالاتهم بأقلامهم.

أول من نادى بهذه الفكرة

أول من نادى بفكرة تحديد النسل هو الفيلسوف البريطاني "مالتس" وسرعان ما انتشرت هذه الفكرة في أوروبا وأمريكا وآسيا والبلدان الأخرى إسلامية أو غير إسلامية، فاحتضنتها بعض الحكومات ورفضتها الأخرى، وكما تأثر بها بعض الناس ورفضها الآخرون.

فالنقاش حول هذا الموضوع لا يزال مستمرا.

ص: 344

رأي الإسلام

الإسلام يدعو إلى الزواج

الغريزة الجنسية لدى الإنسان حاجة من حاجات الفطرة السوية، جبل الإنسان عليها وأودعت فيه، كما أودعت فطرة الميل إلى الطعام والشراب، رعاها الإسلام واعتنى بها، شأنه في ذلك شأن كل أمر فطر عليه الإنسان، فنظم هذه الغريزة وأقامها وفق عقد مشروع بين الزوجين له شروطه وأركانه ومستلزماته وأجواؤه.

فالزواج في ظل الإسلام - إلى جانب كونه حاجة فسيولوجية، يتوقف عليها بقاء النوع الإنساني - ضرورة اجتماعية تؤدي وظيفتها في تنظيم الغرائز، واستقرار العواطف، واستمرار الحياة الإنسانية مبنية على الود والصفاء. وتنشئة الأطفال على تربية سديدة، وخلق كريم، ليكونوا أعضاء صالحين في تلك المجتمعات، وتنشئة لبنة قوية في بناء هيكل المجتمع، عليها يتوقف صلاح المجتمع وفساده كما قال الله تعالى في سورة الأعراف آية [58] .

{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} .

ومن هنا دعا الإسلام إلى الزواج الشرعي الذي هو عماد تكوين الأسرة الفاضلة، والأسرة الفاضلة هي عماد تكوين المجتمع القوي.

فهو في العموم مندوب إليه في حال الاعتدال في رأي جمهور الفقهاء، بل عند بعضهم سنة مؤكدة لقوله تعالى في سورة النور آية (32){وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} وفي سورة النساء الآية (3){فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} .

فإن الخطاب في الآيتين قد جاء بصيغة الأمر والأمر للوجوب، إذا لم تكن هناك قرينة صارفة عن ذلك وقد قامت القرينة على أنه للندب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) (متفق عليه) .

ص: 345

حين سمع الرسول عليه الصلاة والسلام أن نفرا من أصحابه قال بعضهم: لا أتزوج، وقال بعضهم: أصلى ولا أنام، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر قال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) - متفق عليه.

وقد أمر الله باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول في سورة آل عمران آية [31] : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

وقد نهى الإسلام عن التبتل والانقطاع عن الزواج قال الله تعالى في سورة المائدة آية [87]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .

والزواج من جملة الطيبات التي أحلها الله سبحانه وتعالى ونعى على السابقين تبتلهم فقال في سورة الحديد [27] : {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} .

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التبتل نهيًا شديدًا (رواه سعيد بن منصور من حديث أنس بن مالك، ورواه ابن ماجه من حديث سمرة) .

وجعل المنقطعين عن الزواج من القادرين عليه خارجين عن سنته صلى الله عليه وسلم إذ يقول ((من كان موسرا لأن يناكح ثم لا يناكح فليس مني)) سنن ابن ماجه عن عائشة.

قال طاووس ((لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج)) سنن سعيد بن منصور وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي)) .

ص: 346

الإسلام يأمر بتكثير النسل:

لقد جاءت أحاديث كثيرة تأمر بتكثير النسل وتحث على زيادة الإنجاب واختيار المرأة الودود الولود لتحقيق ذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) .

وفي حديث آخر أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: " لا ". ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ")) ، وفي حديث آخر قال ((انكحوا فإني مكاثر بكم)) .

والتكاثر المقصود هو التكاثر الذي يستحق أن يباهي به الرسول صلى الله عليه وسلم الأمم وهو التكاثر القائم على الصلاح والإيمان والقوة والحيوية والخير بلا شك، فإن التكاثر القائم على الفساد والعصيان لا يباهي به الرسول صلى الله عليه وسلم ولتحقيق زيادة الإنجاب وتكثير النسل حبب الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج من الأبكار؛ لأنهن أكثر قابلية على الإنجاب قال:((عليكم بالجواري الشباب فإنهن أطيب أفواها وأعز أخلاقًا وأفتح أرحامًا ألم تعلموا أني مكاثر......)) وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحامًا وأرضى باليسير)) والنتق الرمي والنفض والحركة.

وإنما تكون المرأة أنتق رحمًا إذا كانت أكثر استعدادًا للحمل والإخصاب، وهي الشابة التي لم تلد، وهي بلا شك تكون أكثر استعدادًا من تلك التي تقدمت في السن.

تحريم قتل الأولاد:

وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاختصاء.

وقد ورد في حديث عثمان بن مظعون أنه قال: يا رسول الله إنه ليشق علينا العزبة في المغازي أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا، ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه محفرة)) أي: قاطع النكاح. والحكمة في تحريم الاختصاء إرادة تكثير النسل كما يقول ابن حجر.

ص: 347

وكما يشمل النهي عن الاختصاء الذكور يشمل أيضًا قطع بيت الرحم في المرأة أو مبيضها لغير علة أو عذر، فإن العلة واحدة في الحالتين، وفي تحريم قتل الأولاد.

قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} الأنعام [151] .

وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} الإسراء (31) .

وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} الأنعام [151] والإسراء [33] .

فهذه الآيات تدعو إلى الاعتماد على الله في رزق الأولاد بعد أخذ كل طريقة في الكسب الحلال، وإن التعاون الذي فرضه تعالى على المؤمنين، والتكافل الإجتماعي الذي أوجبه عليهم يوجبان أن يعين الغني الفقير، وذو اليسرة ذا الحاجة، فإذا كان هناك ذو عيال لا يجد ما يكفيهم بالمعروف كان على من يجد أن يمدهم بالعون، والدولة تأخذ من القادر لتكفل غير القادر، فالنسل قوة للأمة، وبدل أن نقول لكثرة العيال أقتل أسباب النسل في أصلاب الآباء أو أرحام الأمهات نقول للدولة: خذي من ذوي الفضل من المال وأعطي من يحتاج، والجميع بكثرتهم قوة للأمة.

هذه هي النظرة العامة للشريعة بالنسبة للنسل وهي تدعو إلى الإكثار لا التحديد، فالأحاديث تحث عليه والقرآن يشير إليه وهو الفطرة، وتحديده يناقضها ولكن وردت أحاديث في العزل، وهو إلقاء النطفة في غير مقرها من الأرحام لكيلا يكون إنتاج، وفي بعضها صحة وقوة، فما مدى دلالتها وقوتها في الوقوف أمام الدعوة إلى الإكثار من النسل؟ فلننظر في هذا فإن كثيرين من الذين يتكلمون في هذا يتخذون منه دليلًا للدعاية العامة لتحديد النسل، لقد وردت أحاديث في العزل بعضها متفق عليه في الصحاح، وبعضها سنده ضعيف، ولنذكر ما عثرنا عليه منبهين إلى الضعف، وموفقين بين ما ظاهره التعارض.

ص: 348

1 -

روي عن جابر: ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) . وهو حديث متفق عليه، وفى رواية مسلم زيادة:(فبلغه فلم ينهنا) .

2 -

وروي عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا، وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل. فقال: " اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها ")) رواه مسلم وأحمد وأبو داود.

3 -

عن أبي سعيد: ((كنا في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا عليكم ألا تفعلوا فإن الله قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة ")) متفق عليه. واللفظ للبخاري، وظاهره أن المراد النهي عن العزل كما قرر ابن سيرين؛ لأن حرف لا للنهي، وقد تأكد النهي منه بعد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:" عليكم ألا تفعلوا " وببيان أن الله كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة.

4 -

عن أبي سعيد الخدري قال: قالت اليهود: العزل الموءودة الصغرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((كذبت اليهود، إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئًا لم يستطع أحد أن يصرفه)) ، وقد ضعف بعض رواته، ويعارضه حديث أقوى منه سندًا.

5 -

عن جذامة بنت وهب الأسدية: ((حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس سألوه عن العزل فقال عليه السلام: ((ذلك الوأد الخفي)) {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} )) - رواه أحمد ومسلم، وهذا حديث صحيح، كل رجاله ثقات، ولذا لا يقف أمامه عند التعارض حديث أبي سعيد الخدري الخاص بموءودة اليهود؛ لأنه في حديث أبي سعيد ضعف، وهذا لا ضعف فيه، وبأنه يعاضده حديث غزوة بني المصطلق، والنهي عن العزل فيه صريح، ومن العلماء من رجح حديث أبي سعيد؛ لأن له طرقًا مختلفة، ولكن في كلها ضعف، والقوي لا يعارض بأحاديث قد كثرت طرق ضعفها، وقد قال الحافظ ابن كثير ذلك، هذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه.

والذي نراه أن هناك حديثين - متعارضين - متفق عليهما هما حديث جابر وحديث: وكنا نعزل - مع حديث بني المصطلق، ومثلهما، حديث الوأد الخفي مع حديث تكذيب اليهود متعارضان.

ولذلك اختلف العلماء في جواز العزل، ففريق جوزه، وفريق منعه، من هؤلاء ابن حزم وبعض الحنابلة، والذين أجازوه على أنه رخصة فردية، وإن اختلفوا في أسباب هذه الرخصة ما بين موسع ومضيق، ومن أشد من وسعوا الغزالي في الإحياء، فقد وسع في أسباب الرخصة.

ص: 349

ومع ذلك فقد قرر الغزالي مع غيره أن العزل ترك الأفضل، بل إنه مكروه، لقد علق على حديث جذامة بنت وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم: فإن قلت فقد قال: ((قوله عليه السلام: الوأد الخفي، كقوله: الشرك الخفي، وذلك يوجب كراهة لا تحريمًا)) .

وننتهي من هذا إلى أن بعض الفقهاء يقرر أنه ممنوع، وبعضهم يقرر أنه غير ممنوع، ولكنه ترك للأفضل، ومنهم من يقول: إنه مكروه.

وفي الجملة أن الإباحة لا تكون إلا برخصة باعثة وفي غيرها لا يكون جائزا، هذا ما ينتهي إليه التفكير السليم.

ويجب أن نقرر أن العزل أو المنع الشخصي للنسل يتعارض مع الفطرة، وفيه معارضة للأحاديث المتفق عليها الداعية إلى تكثير النسل ويعارضه أيضًا الأحاديث الصريحة المانعة له، حتى قال بعض العلماء إنها ناسخة لأحاديث الإباحة على سبيل الرخصة وخصوصًا الحديث الصحيح الذي قال:((إنه الوأد الخفي)) . ثم تعارضه قاعدة أجمع عليها المسلمون، وهي المحافظة على النسل، وقد أجمع العلماء على أن الضرورات التي يجب المحافظة عليها خمس: النفس والدين والعقل والنسل والمال. فنظرية منع النسل معارضة صريحة لكون المحافظة على النسل من الأمور الضرورية في الإسلام لإجماع العلماء.

تبين من البحث السابق أن المنع الفردي للنسل ترك للأفضل أو مكروه وإذا وجد موجبه عند الفرد كان مباحًا على مقدار هذه الرخصة الفردية، ولا يوجد في الفقه الإسلامي ما يجعل الرخصة الفردية جماعية لأمة من الأمم، أو لإقليم من الأقاليم، فالرخص دائمًا فردية.

الخلاصة:

1 -

تحديد النسل بالنسبة للفرد مكروه أو ترك للأفضل. وبعض العلماء يقول: إنه حرام.

2 -

إذا وجد موجب تحديد النسل عند الفرد كان مباحًا على مقدار هذه الرخصة الفردية.

3 -

تحديد النسل بالنسبة لجماعة الأمة حرام.

والله أعلم.

الحاج عبد الحميد بن باكل

ص: 350