المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

‌المرابحة للآمر بالشراء

دراسة مقارنة

إعداد

الدكتور إبراهيم فاضل الدبو

الأستاذ بكلية الشريعة جامعة بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

وبعد: من البيوع التي تناولها التشريع الإسلامي بالبحث: (بيوع الأمانة) وقد أطلق عليها هذه الوصف؛ لأنها تقوم على الأمانة فعلا، حتى إن مجرد الكذب فيها يعتبر خيانة وتدليسا، وتعتبر بحق منطقة حرام كما عبر عنها الأستاذ السنهوري، يفترض فيها على الناس الأمانة في التعامل إلى أبعد مدى (1) .

وقد أعطى فيها الفقه الإسلامي المجال لمن قلت خبرته في التعامل أن يتوقى غش الناس إياه وذلك بالتعامل معهم وفق حدود معينة، فتعتبر مجاوزة تلك الحدود خديعة وتغريرا، تجوز للطرف المقابل المطالبة بحقه ورفع الغبن الذي لحق به.

وهكذا نجد الفقه الإسلامي قد تكفل بحماية من هو بحاجة لدفع الأذى عنه ورفع ما يعتريه من غبن الآخرين له.

وجملة القول في عقود الأمانة هذه، أن المشتري فيها يضع ثقته بالبائع ويطمئن إلى أمانته فيشتري منه السلعة على أساس ثمنها الذي اشترى به البائع نفسه هذه السلعة، وفي هذه الحالة إما أن يربح المشتري البائع قدرا معلوما من المال زيادة على الثمن الأول، فيسمى البيع مرابحة، وإما أن ينقصه من الثمن الأصلي للسلعة بأن يخسر البائع جزءا من رأس ماله فيسمى البيع وضيعة، وإما ألا يزيد ولا ينقص، بل يأخذ المبيع بثمنه الأصلي، فيسمى البيع تولية، وإن أشرك معه آخر في المبيع بما يقابله من الثمن، سمي العقد إشراكا ومشاركة.

والذي يعنينا بالبحث هنا، هو عقد المرابحة، وهل يلزم الآمر بالشراء مرابحة بالوفاء بوعده؟

ومن هنا يظهر لنا بوضوح أن طبيعة البحث تقتضي الكلام في مسألتين، وذلك إتماما لفائدة البحث.

إحداهما: عقد المرابحة.

والثانية: الوعد، وهل يلزم الوفاء به في عقود المعاوضات ومنها المرابحة؟ وسأحاول في بحثي هذا إن شاء الله تقصي رأي فقهاء المسلمين، السلف والخلف منهم في هاتين المسألتين.

داعيا العلي القدير أن يوفقنا جميعا لخدمة ديننا الحنيف إنه سميع مجيب.

الباحث

(1) انظر مصادر الحق في الفقه الإسلامي 154/2 وما بعدها

ص: 746

المرابحة في اللغة:

جاء في لسان العرب، يقال " ربح فلان ورابحته وهذا بيع مربح إذا كان يربح فيه " والعرب تقول: ربحت تجارته إذا نال صاحبها الربح فيها.

ويقال: أربحته على سلعته، بمعنى أعطيته ربحا " وقد أربحه بمتاعه وأعطاه مالًا مرابحة أي على الربح بينهما ".

كما أنه يقال: بعت الشيء مرابحة أو بعت السلعة لفلان مرابحة على كل عشرة دنانير دينار واحد، وكذلك الحال بالنسبة للشراء، إذ يقال: اشتريته مرابحة، ولا بد من تسمية الربح (1) ، والمرابحة مفاعلة، بمعنى أنها تقتضي فعلا من الجانبين؛ لأن إبرام العقد متوقف على رضاهما، فكان كل عاقد فاعلًا للربح وإن اختص به أحدهما (2) .

فعلى هذا تكون لفظة المرابحة مشتقة من رابح وأربح، وكلا اللفظين يعنيان البيع أو الشراء بزيادة على رأس المال وهو الربح، وهذا هو المعنى الشرعي لمعنى المرابحة، وبذلك يلتقي مدلول الكلمة اللغوي مع مدلولها في الاصطلاح كما سنرى.

المرابحة في الاصطلاح:

عرفت المرابحة بعدة تعاريف وكلها تعني الزيادة على رأس المال، فعند الحنفية، المرابحة " نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح " (3) . وقد عرف الدردير من المالكية المرابحة بتعريف مقارب لما قاله الحنفية حيث قال: المرابحة عبارة عن بيع السلعة بالثمن المشتراة به مع زيادة ربح معلوم للمتعاقدين (4) . وعرفها الحنابلة بقولهم: " هو البيع برأس المال وربح معلوم "(5) .

(1) انظر مادة (ربح) في لسان العرب لابن منظور الأفريقي

(2)

انظر مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة لمحمد جواد العاملي 486/6

(3)

شرح الهداية المطبوع مع فتح القدير 252- 5

(4)

انظر الشرح الكبير على سيدي خليل 159/3

(5)

انظر المغني لابن قدامة المقدسي 136/4

ص: 747

شروط المرابحة:

بما أن المرابحة عقد معاوضة، فإنه يخضع لكافة الشروط الواجب توافرها في عقود المعاوضات الأخرى، والتي تناولها الفقهاء بالبحث مما لا مجال لبحثها هنا، وبما أنه عقد أمانة، فإنه يخضع لشروط خاصة يجب توافرها فيه.

والشروط التي تخص المرابحة هي التي يعنينا الكلام عنها هنا.

وشروط المرابحة، منها ما يخص الصيغة ومنها ما يخص رأس المال، ومنها ما يتعلق بالربح.

شروط الصيغة:

بما أن المرابحة بيع فإنه يشترط فيها ما يشترط في سائر البيوع الأخرى، وذلك بأن تحتوي الصيغة على لفظ ينم عن رغبة العاقدين في إبرام العقد مع تطابق الإيجاب والقبول، وأن يكونا بلفظين ماضيين أو أحدهما ماضٍ والآخر مستقبل، وذلك كأن يقول البائع للمشتري: بعتك هذه السلعة بألف دينار أو بما اشتريت به وربح دينار لكل مائة، أو ما جرى مجرى هذا اللفظ، فيجيبه الطرف الثاني بالموافقة، بأن يقول: رضيت أو قبلت أو ما أشبه ذلك، ولا بد أن ينص في الصيغة على قدر رأس المال والربح، كما أنه لا بد من ذكر المصرف والوزن إن اختلفا.

وإذا كان البائع لم يحدث في المبيع شيئا بأن باعه بالصورة التي اشتراه بها، فالعبارة عن الثمن أن يقول: اشتريت بكذا أو رأس ماله كذا أو تقوم علي أو هو علي (1) .

أما لو عمل فيه ما يستوجب زيادة الثمن، فإنه يقول: رأس ماله كذا وعملت فيه بكذا، وإن أعطي على العمل أجرة، جاز له أن يقول: تقوم علي أو هو علي، كما سيتضح لنا ذلك من خلال البحث بإذن الله.

(1) انظر شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 4/2

ص: 748

رأس المال، ماهية رأس المال:

إن المقصود برأس المال، هو ما يلزم المشتري بالعقد لا ما نقده فيما بعد، وذلك لأن المرابحة بيع بالثمن الأول، والثمن الأول هو ما وجب بالبيع، فأما ما يدفعه بعد ذلك فإنما وجب عليه بعقد آخر، وهو الاستبدال، ونعني به أخذ مال بدل مال آخر، فالمشتري الثاني ملزم بدفع ما وجب بالعقد لا المدفوع بعده، هذه وجهة نظر الحنفية (1) . وبناء على ما قالوه: لو اشترى رجل سلعة بمائة درهم ونقد مكانها عشرة دنانير أو أعطاه دابة بدل السلعة، فرأس المال هو المائة درهم لا الدنانير ولا الدابة؛ لأن الدراهم هي التي وجبت بالعقد، والدنانير أو الدابة بدل عن الثمن الواجب (2) ، وبهذا قالت الزيدية أيضا، مدللين على رأيهم: بأن المبلغ المتفق عليه في العقد معلوم، والعرض المدفوع بدله، عقد منفصل (3) .

وقد خالف المالكية وجهة نظر الحنفية والزيدية هذه، حيث اعتبروا المدفوع هو رأس المال سواء كان ما اتفق عليه في العقد أو فيما اصطلح عليه فيما بعد، إذا كان نقدا من النقود. إلا أنهم اشترطوا على البائع بيان ذلك للمشتري، فقد جاء في المدونة إن الإمام مالك سئل عن رجل اشترى سلعة بمائة دينار فأعطى عوض المائة ألف درهم، فهل يجوز للبائع بيع السلعة مرابحة على الألف درهم؟

فأجاب رحمه الله بالجواز على أن يوضح البائع ذلك للمشتري، وعندئذ لا فرق بين أن تكون الدنانير أو الدراهم هي رأس المال إذا رضي المشتري بذلك (4) .

ولو أن المشتري دفع عروضًا بدل الثمن نقدا، فإذا أراد بيع المبيع مرابحة، فهل يجوز له أن يجعل العرض نفسه ثمنا أم لا بد من جعل النقد هو الثمن؟

اختلفت المالكية في هذه المسألة على رأيين:

أحدهما لابن القاسم ويقضي بأنه لا بأس في ذلك إذا بين البائع ماهية العرض وصفته بأن يقول للمشتري: أبيعك هذه السلعة بربح كذا وكذا ورأس مالها عربة صفتها كذا وكذا وعندئذ يستحق العربة المذكورة وما سمى من الربح.

أما لو أراد أن يجعل قيمة العربة هذه هي الثمن، فلا يحل له ذلك، وقاس ابن القاسم جواز بيع المرابحة بهذه الصورة على ما لو اشترى رجل سلعة بطعام، فللمشتري بيعها بطعام إذا وصف ذلك.

الرأي الثاني وهو لأشهب، ويقضي بعدم جواز البيع مرابحة في الصورة مدار البحث؛ لأن المسألة تؤول إلى بيع ما ليس عنده وهذا لا يجوز، مبرهنا على ذلك بقوله: إن البائع قد باع سلعته بطعام أو بعرض، وليس في ملك المشتري أحد منهما، فصار البائع كأنه اشترى من المشتري بسلعته ما ليس عند المشتري، فيصبح كأنه باع ما ليس عنده، وذلك غير جائز (5) .

(1) انظر البدائع 3197/7 وما بعدها

(2)

انظر البدائع 3197/7 وما بعدها

(3)

انظر البحر الزخار 379/4

(4)

انظر230/4

(5)

انظر المدونة 231/4

ص: 749

الرأي المختار:

من خلال عرضنا لرأي الفقهاء في هذه المسألة، يترجح لنا رأي المالكية؛ لأن الثمن المدفوع إذا كان نوعا من النقود فلا ضير من استبداله بنقد آخر.

وإذا كان المدفوع عرضا وقد رضي الطرفان باعتباره ثمنا، فلا بأس في ذلك أيضا؛ لأن المحذور التدليس على المشتري وهذا ينتفي عند بيان الأمر له ورضاه به.

حكم الزيادة والحطيطة في ثمن المبيع:

لو أراد المشتري أن يزيد في ثمن السلعة المباعة، أو أراد البائع أن يحط من ثمنها شيئا، فإذا بيعت تلك السلعة مرابحة، فهل تعتبر الزيادة والحطيطة من الثمن، أم الثمن هو ما اتفق عليه أولا؟

الجواب على هذا: إن الزيادة والحطيطة إذا وقعت في مدة الخيار، لحقت بالعقد؛ لأن الثمن غير مستقر زمن الخيار، فإذا ما انتهى الخيار لزم العقد واستقر الثمن.

أما لو وقعت الزيادة أو الحطيطة بعد إبرام العقد ولزومه، فقد اختلف الفقهاء على رأيين:

1-

ذهب أصحاب الرأي الأول إلى القول: بأن الحط أو الزيادة كما تلحق بأصل الثمن في مدة الخيار كذلك تلحق به بعد مضيه؛ لأن كلا منهما يلحق بأصل العقد، فيصير التقدير كأن التعاقد قد تم على أصل الثمن مع الزيادة جميعا، فتصبح الزيادة والأصل رأس مال المبيع، لوجوبهما بالعقد تقديرا، فيباع المبيع مرابحة عليهما، وكذلك يعتبر الباقي بعد الحط رأس مال المبيع أيضا.

هذه وجه نظر الحنفية (1) ، ورواية عن الحنابلة (2) ، وبه قالت الزيدية أيضا (3) ، وهذا كما يبدو لي رأي المالكية، بناء على قولهم: بأن اللاحق للبيع كالواقع فيه (4) .

2-

ذهب الحنابلة في رأيهم الثاني إلى عدم إلحاق الزيادة في الثمن أو الحط منه بأصل العقد بعد لزومه؛ لأنها تعتبر من قبيل الهبة أو الإبراء، لا العوض، هذا هو رأي المذهب عندهم وعليه أصحابهم (5) وهذه وجهة نظر الشافعية (6) ، والإمامية أيضا (7) .

والرأي الأخير هو الراجح عندي، لما قالوه من أن الزيادة أو الحط في هذه الحالة تعتبر من قبيل الهبة أو الإبراء؛ ولأن الثمن يستقر بعد لزوم العقد، فلا تلحق به الزيادة أو الحطيطة بعد ذلك.

(1) انظر الكاساني في البدائع، 3198/7

(2)

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 443/4

(3)

انظر البحر الزخار 379/4

(4)

انظر الشرح الكبير للدردير 165/3

(5)

انظر ابن قدامة في المغني 137/4

(6)

انظر مغني المحتاج 78/2 والشيرازي في المهذب 289/1

(7)

انظر مفتاح الكرامة 491/4

ص: 750

رأي الفقهاء في زيادة المبيع بسبب نمائه:

إذا كانت الزيادة الحاصلة في المبيع عند المشتري بسبب طبيعي لا دخل للمشتري فيه كالسمن والكِبَر في الحيوان، فالمرابحة في مثل هذه الحالة تكون على الثمن الأول للمبيع، ولا يحق للمشتري أن يزيد في الثمن؛ لأنه القدر الذي تم شراء السلعة به من البائع الأول.

أما لو كان النماء منفصلا وأراد البائع أخذه فللفقهاء رأيان في المسألة عندئذ:

1-

ذهب أصحاب الرأي الأول إلى القول: بأنه يجوز للمشترى بيع المبيع مرابحة برأس ماله الأصلي دون أن يشترطوا عليه بيان الحال للمشتري الجديد، حجتهم في ذلك ما يأتي:

أ- أن البائع – المشتري الأول – صادق فيما أخبر به دون أن يغرر بالمشتري الثاني، فجاز له السكوت عن أخذ النماء كما لو لم يزد على رأس المال شيئًا.

ب- أن ولد الحيوان أو ثمرة الشجرة كل ذلك نماء منفصل عن الأصل فلم يمنع من بيع المبيع مرابحة دون الإشارة إليه كالغلة، كما أنه ليس من موجبات العقد.

ج- أن العقد لم يتناول تلك الفائدة كي نلزم البائع ببيانها للمشتري.

هذا هو الصحيح في مذهب الحنابلة (1) وبه قالت الشافعية أيضا (2) . وإلى هذا ذهب الإمامية، حجتهم في ذلك: أن النماء عبارة عن فائدة تجددت في ملك المشترى (3) وهذه وجهة نظر الزيدية أيضا (4) .

(1) انظر الانصاف 433/4 وكذا المغنى 137/4

(2)

انظر الشيرازي في المهذب 289/1

(3)

انظر مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة490/4

(4)

البحر الزخار 4/378

ص: 751

2-

اشترط أصحاب الرأي الثاني على البائع في حالة أخذه نماء البيع المنفصل، بيان ذلك للمشترى عند التعاقد، معللين ذلك بقولهم:

أ- إن الزيادة الحاصلة من المبيع تعتبر من جملته أيضا، برهان ذلك، أنها تمنع رده بالعيب وإن لم يكن لها حصة من الثمن للحال، فإن لم يوضح البائع ذلك للمشتري، يصبح بمثابة حبسه بعض المبيع وبيعه الباقي، فلا يجوز له من غير بيان (1) .

ب- إن استغلال المشترى للمبيع، دليل على تأخره عنده، مما يجعله عرضة لانخفاض قيمته التي تتأثر باختلاف السوق بين الحين والآخر، فبيعه مرابحة من دون توضيح ذلك المشتري، فيه شيء من الغرر، والمرابحة مبنية على الأمانة وعدم الغرر (2) .

هذا ما قاله الأحناف (3) ، والمالكية (4) ، ووجه عند الحنابلة (5) .

مناقشة وترجيح:

إن القول بصدق البائع مع سكوته عن أخذ النماء غير مسلم، لأن النماء فرع عن المبيع، فالمفروض في البائع عند بيعه الأصل وإبقاء الفرع عنده، أن يوضح ذلك للمشتري، لأن المرابحة ليست بيعًا كسائر البيوع من هذه الجهة، فإن الأمانة تفرض على العاقد فيها عدم إخفاء ما فيه أدنى صلة بالمبيع عند بيعه، تحرزًا عن شبهة الخيانة.

لذا يكون الرأي الثاني هو المرجح عندي، والله أعلم.

(1) بدائع الصنائع 7/3201

(2)

انظر المدونة 4/228

(3)

بدائع الصنائع

(4)

انظر المدونة في 4/228

(5)

انظر المرداوي في المصدر السابق: " الإنصاف"

ص: 752

حكم ما لو استغل المشتري المبيع:

إن كلامنا عن النماء المنفصل عن المبيع وجواز أخذه من قبل المشتري الذي يعتبر بائعًا في العقد الجديد دون بيان ذلك أو عدم جوازه، دعانا للخوض فيما أثاره الفقهاء بخصوص استغلال المبيع، وذلك كأن تكون العين المتعاقد عليها دارًا فأجرها المشتري أو سكنها فترة من الزمن، أو دابة فكراها للغير أو شاة حلوبًا فاستفاد من لبنها مدة بقائها عنده، فهل يجوز والحالة هذه بيع تلك العين مرابحة دون بيان ما استفاده المشتري منها أم لا؟

الجواب على ذلك: إن الشيء المستفاد من العين المبيعة لا يخلو من أحد أمرين، لأنه إما أن يكون موجودًا أثناء العقد الأول أم لا، فإن كان موجودًا في العقد الأول وذلك كالصوف فوق ظهر الحيوان أو اللبن الموجود في ضرعه، ففي هذه الحالة إذا استغل المشتري المبيع، فالواجب يقضي عليه بيان ذلك للعاقد الجديد، لأن المبيع قد تغير بعد ذلك إلى حالة أنقص من الحالة الأولى، ولما كانت المرابحة مبنية على الأمانة ونفي التغرير بالمشتري والتدليس عليه، وجب توضيح ذلك له.

هذا ما ذهب إليه الحنابلة (1) والحنفية (2) والمالكية، (3) وقد ذهب الشافعية إلى أكثر من هذا، حيث ألزموا البائع في هذه الحالة أن يحط من ثمن المبيع بقدر قيمة ما استفاد منه، حجتهم في ذلك: أن العقد الأول قد تناول هذه الغلة وقابله قسط من الثمن، فوجب إسقاط ما قابله، (4) وهذه وجهة نظر الإمامية (5) وبه قالت الزيدية أيضًا (6)

أما لو كان المستغل من المبيع قد حصل في ملك المشتري، فلا يحط مقابل ذلك شيئًا من الثمن ولا يجب على البائع إطلاع المشتري على الشيء الذي استفاده من المبيع، دليل ذلك هو:

1-

إن الزيادة التي لم تتولد من المبيع لا تعتبر مبيعة، وعلى هذا جاز للمشتري رد المبيع إذا اطلع على عيب فيه.

2-

إن المشتري في حالة بيعه المبيع بعد استغلاله لم يكن حابسًا لجزء منه كي نشترط عليه بيان ذلك. (7)

3-

إن العقد الأول لم يتناول الزيادة الطارئة، فلا يشترط بيانها في العقد الجديد (8)

4-

إن الغلة المستفادة من المبيع، يقابلها ضمان المستفيد. (9)

هذه وجهة نظر الحنفية (10) والشافعية (11) والصحيح من مذهب الحنابلة، (12) وبه قالت الإمامية (13) والزيدية. (14)

أما المالكية فقد فرقوا بين ما إذا كانت مدة الاستفادة قصيرة أو طويلة، فإن كانت المدة قصيرة فالرأي عندهم مثل ما قاله الآخرون في عدم اشتراط بيان الغلة المستفادة من المبيع، أما لو طالت المدة فالواجب على البائع بيان ذلك للمشتري، معللين ذلك، بأن سعر المبيع يختلف في هذه الحالة لاختلاف الأسواق، لذا ينبغي توضيح الأمر للعاقد الجديد. (15)

(1) انظر ابن قدامة في المغني 4/138

(2)

البدائع7/3201

(3)

المدونة 4/228 وانظر الخرشي 5/176

(4)

المهذب 1/289

(5)

مفتاح الكرامة 4/490

(6)

البحر الزخار 4/378

(7)

البدائع 7/3201

(8)

المهذب 1/289

(9)

الخرشي 5/178

(10)

البدائع 7/3201

(11)

المهذب 1/289

(12)

الإنصاف 4/443 وانظر ابن قدامة في المغني 4/137

(13)

مفتاح الكرامة 4/490

(14)

البحر الزخار 4/378

(15)

المدونة 4/228

ص: 753

رأينا فيما قاله المالكية:

لا أرى موجبًا للتفريق بين طول المدة أو قصرها، فبالإضافة إلى ما ذكره غيرهم من أدلة، فإن اختلاف السعر أمر غير خاف على العاقد الجديد، وكل ما هو مطلوب من البائع في بيع المرابحة، أن يكون صادقًا في قوله غير مغرر ولا مدلس على المشتري، فحينما تكون الفائدة قد حدثت عنده وقد استغلها مدة طويلة بعد دخول المبيع في ملكه أو قصيرة يكون بمنأى عن ذلك، فعليه لا أرى موجبًا لبيان الغلة من قبل البائع عند دخوله في عقد مرابحة مع الغير.

حكم ما لو أضاف المشتري على المبيع شيئًا من ماله:

لو فرض أن المبيع بعد دخوله في ملك المشتري طرأ عليه تغيير بسبب من المشتري وذلك كأن يكون قماشًا فصبغه أو دارًا فرممها، ففي مثل هذه الحالة إما أن تكون الزيادة المذكورة قد فعلها المشتري بنفسه أو أعطى عليها أجرة، ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص بها.

حكم ما لو كانت الإضافة بدون أجرة:

لو أن المشتري كان قد فعل الإضافة بنفسه أو تطوع له بها شخص، فلا يحق له أن يزيد في رأس مال المبيع الأصلي شيئًا إلا أن يوضح للعاقد الجديد ذلك بأن يقول له: بعتك هذا المبيع بكذا وأجرة عملي أو عمل المتطوع عني وهي كذا أو ربح كذا، وإذا أراد السكوت عنها، فليس له إلا إضافة قيمة الصبغ فقط أو ما أشبهه من عين أخرى.

كما أن الأجرة لا تدخل في قول البائع، قام علي المبيع بكذا، لأن عمله وما تطوع له به، لم يقم عليه، وإنما الذي يبذله من ماله على المبيع هو ما قام عليه فقط، هذه وجهة نظر الحنفية، (1) والشافعية، (2) والحنابلة (3) وبه قالت الإمامية، (4) والزيدية أيضًا. (5)

أما المالكية فقد وافقوا غيرهم في القول بعدم ضم أجرة عمله إلى ثمن المبيع في مثل هذه الحالة، إلا أنهم يختلفون معهم في ضم قيمة الصبغ إلى الثمن، حيث قالوا: بأن الصبغ المعني إما أن يكون من عند البائع أو لا، فإن كان من عنده، فإن قيمته لا تضم إلى رأس مال المبيع، وإلا حسبت منه. (6)

وقول المالكية هذا أمر فيه نظر، إذ لا فرق بين قيمة العين المضافة إلى رأس مال المبيع بين أن تكون العين ملكًا للبائع فأضافها إلى المبيع أو اشتراها من الغير، لأنها عين ولا بد لها من قيمة.

(1) انظر المبسوط لشمس الدين السرخسي 13/82

(2)

مغني المحتاج 2/78

(3)

المغني 4/137

(4)

قواعد العلامة 6/489

(5)

البحر الزخار 4/377

(6)

الشرح الكبير للدردير 3/160

ص: 754

حكم الزيادة المضافة على المبيع إذا كانت لقاء ثمن:

اتفق الفقهاء على القول: بأن الزيادة التي أضافها المشتري على العين المشتراة وكان قد دفع عوضها مالًا، فإنها تحسب من رأس المال وتحسب لها نسبة من الربح أيضًا، دليلهم في ذلك ما يأتي:

أ- إن عرف التجار معتبر في مثل هذه العقود، فما جرى العرف بإلحاقه برأس المال ألحق، وما لا فلا، ولما كان العرف يقضي بإلحاق مثل هذه الإضافة على أصل الثمن وجب القول به.

ب- كل ما أثر في المبيع تزداد به ماليته صورة أو معنى، فللبائع أن يلحق ما أنفقه فيه برأس المال والصبغ أو الخياطة وصف في العين تزداد به المالية، لذا جاز إلحاقه بالثمن الأصلي. (1)

إلا أنهم اختلفوا في القول بإلزام البائع بتوضيح ذلك للمشتري أو عدم إلزامه على قولين:

الأول: إن البائع ملزم بتفصيل ذلك للمشتري، ولا فرق بين تفصيله إياه ابتداء أو يجمله ثم يفصله بعدئذ، أما لو أراد أن يجمل رأس المال الأصلي مع الإضافة، ويقول: قامت علي السلعة بكذا، فلا يجوز له ذلك، والأصل في العقد في مثل هذه الحالة الفساد، هذه وجهة نظر المالكية، (2) وهو رأي المذهب عند الحنابلة (3) وحكى ابن قدامة ذلك عن الحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب وطاوس وغيرهم من فقهاء السلف. (4)

الثاني: أجاز فريق من العلماء للبائع في صورة البيع هذه، أن يقول: قام علي المبيع بكذا، إلا أنه لا يجوز له أن يقول: اشتريته بكذا، لئلا يكون كاذبًا في قوله، إذ القيام عبارة عن الحصول بما غرمه البائع، ولا شك بأنه عندما زاد في المبيع شيئًا جديدًا، قد غرم فيه ثمن الزيادة، هذا ما ذهب إليه الحنفية (5) وبهذا قال الشافعية أيضًا (6) ووجه عند الحنابلة، (7) وحكى صاحب القواعد مثل ذلك عن الإمامية، (8) وهذه وجهة نظر الزيدية أيضًا. (9)

وما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني هو المختار لما ذكره من تدليل، ولأن البائع صادق في قوله: قام على المبيع بكذا. والعقد في مثل هذه الصورة تتوفر فيه الأمانة.

(1) المبسوط 13/80

(2)

الدردير في الشرح الكبير ص 163

(3)

المغني 4/137

(4)

المغني 4/137

(5)

شرح العناية على الهداية وكذا فتح القدير 5/255

(6)

مغني المحتاج 2/78

(7)

الإنصاف 4/444

(8)

انظر 6/489

(9)

البحر الزخار 4/377

ص: 755

هل تضاف نفقات المبيع على رأس المال:

ذكرنا فيما مضى رأي الفقهاء في الإضافة التي تدخل على المبيع فتغير صورته كالصبغ والخياطة وما شابه ذلك، ونقف الآن على وجهة نظرهم عندما تكون الزيادة على المبيع، مقابل نقله وتحويله من مكان إلى مكان، أو يكون المبيع قطيعًا من الغنم فيدفع البائع أجرة رعيه، أو مكيلًا وموزونًا يحتاج إلى دار لخزنه، أو أجرة حراسة للحارس الذي يحرسه ونحو ذلك.

فالقول عند الفقهاء هو أن ما أنفقه التاجر على نفسه بسبب شرائه المبيع، لا تحسب نفقته من رأس المال، حجتهم في هذا هي:

أ- انعدام العرف في إضافة مثل هذه النفقات على رأس مال المبيع ظاهرًا.

ب- إن ما أنفقه التاجر على نفسه لا تزداد به مالية المبيع صورة ولا معنى، لهذا لا تحسب نفقاته من جملة رأس مال المبيع. (1)

أما ما عدا ذلك من النفقات التي تم صرفها على المبيع، فلا يخلو الأمر من أحد شيئين، أحدهما: أن يوضح البائع تلك النفقات للمشتري، ويشترط عليه ضمها إلى رأس مال المبيع، فيرضى الأخير بذلك، فيرابحه على ثمن المبيع مع زيادة تلك النفقات فهذا جائز والآخر أن يجمل القول، فيقول قام علي المبيع بكذا، وللفقهاء كلام فيما يجوز ضمه من النفقات وفيما لا يجوز عندئذ، نوجز القول فيه كما يأتي:

أولًا- الشافعية قالوا: تدخل في قول البائع قام المبيع علي بكذا، أجرة الكيال للثمن المكيل وأجرة الدلال والحارس وأجرة المكان والطبيب إذا اشترى المبيع مريضًا، وأجرة تطيين الدار والعلف المقصود به التسمين، واستثنوا من ذلك المؤن المقصود بها بقاء المبيع كعلف الحيوان المعتاد وأجرة الطبيب إذا حدث بالمبيع مرض عند البائع، فلا تضاف النفقة على رأس المال في مثل هذه الحالة.

واشترط الشافعية في مثل هذا البيع، على المتبايعين بثمن المبيع عند قول البائع للمشتري: بعتك المبيع بما قام علي دون تفصيل، ولو جهل أحدهما الثمن، ففي صحة البيع وعدمه عندهم ثلاثة أراء، الصحيح في المذهب بطلان البيع لجهالة الثمن، والثاني صحته لسهولة معرفة الثمن، ولأن الثمن الثاني مبني على الأول. والقول الثالث هو: إن علم المشتري الثاني بمقدار الثمن في المجلس، فالبيع صحيح، وإلا فلا. (2)

(1) انظر المدونة 4/226، المبسوط 13/80وما بعدها

(2)

انظر الشربيني في مغني المحتاج 78/2

ص: 756

ثانيًا: الحنفية: وقد جاء رأيهم موافقًا مع رأي الشافعية في ضم أجرة حمل المبيع ونقله من مكان إلى مكان إلى رأس المال، وكذا أجرة الدلال وتطيين الدار، ومثله أجرة سوق الغنم، واتفقوا معهم أيضًا على عدم ضم أجرة الطبيب ومثله مروض الحيوان والبيطار.

إلا أنهم اختلفوا معهم في ضم كراء البيت لحفظ المبيع، فإنهم لا يقولون بضمه إلى الثمن، بحجة أن ذلك لا يزيد في العين ولا في القيمة، ومثل ذلك عندهم في الحكم أجرة الراعي، كما أنهم يختلفون مع الشافعية في قيمة علف الحيوان، فالحنفية أجازوا ضمها إلى رأس المال إلا أن تعود على البائع منفعة من الحيوان كاللبن والصوف والسمن، فعند ذلك يسقط ما قابله من المؤنة وينضم ما زاد. (1)

ثالثًا: المالكية: وافقوا غيرهم في القول: بضم أجرة حمولة المبيع وما معها ونحوهما كأجرة شده وطيه إلى أصل الثمن إذا كان العرف والعادة يقضيان بأن يستأجر عليهما.

واشترط اللخمي أن تزيد أجرة النقل في ثمن المبيع بأن يكون النقل من بلد أرخص إلى بلد أغلى، ولو أن سعر البلدين سواء فلا تحسب الأجرة عنده.

كما أنهم وافقوا الأحناف في ضم قيمة علف الحيوان إلى ثمنه الأصلي، ووافقوا غيرهم في القول أيضًا بضم أجرة الدلال إلى رأس مال المبيع إذا تولى بيعه، إلا أن المالكية يقولون بضم ما دفعه البائع من الأجور المذكورة إلى أصل الثمن دون أن يحسب في مقابل ذلك شيء من الربح، بمعنى أن المرابحة تكون على الثمن الأول دون أن تدخل الزيادة الطارئة عليه. (2)

(1) السرخسي في المبسوط 83/13 وانظر فتح القدير 255/5

(2)

انظر المدونة 226/4، الخرشي 173/5

ص: 757

رابعًا- الحنابلة: والذي عليه مذهبهم أن ما أنفقه البائع على المبيع لا يدخل في قوله: تحصل أو قام علي بكذا، إلا أن يبين ذلك للمشتري، قالوا ويحتمل إدخالها في رأس المال. (1)

خامسًا- الإمامية والزيدية وقد جاء رأيهم موافقًا لما قاله الشافعية. (2)

الرأي المختار:

بعد هذا العرض لآراء الفقهاء بخصوص نفقة المبيع التي تدخل في ثمنه والتي لا تدخل يمكننا القول بأنه اتفقوا على إلحاق أكثر المؤن برأس المال، إلا أن خلافهم انصب على المؤن التي يقصد بها بقاء المبيع كعلف الحيوان مثلًا، حيث اختلفوا فيه على قولين كما رأينا.

كما أن المالكية انفردوا بالقول كما يظهر لي من النصوص الفقهية بجعل الربح في مقابل أصل الثمن فقط.

والذي أرجحه هو إلحاق جميع ما أنفقه المشتري من مال على المبيع برأس ماله الأصلي، إذ لا أرى مبررًا للتفريق بين نفقة وأخرى، فالمشتري قد قام بدفع أجور تلك النفقات من ماله الخاص زائدًا على الثمن الأول، فلم لا نعتبر تلك الزيادة جزءًا من رأس المال؟

كما أني أؤيد وجهة نظر الجمهور بجعل المرابحة على رأس المال الأخير، أي الثمن الأول زائدًا قيمة المؤن، لأن الكل صار بمثابة رأس مال واحد للمبيع.

(1) انظر الإنصاف 4/444

(2)

انظر قواعد العلامة 489/4 البحر الزخار 377/4

ص: 758

المرابحة في هذه الحالة، والعلة في ذلك هي:

إن المرابحة كما قلنا، بيع بمثل الثمن الأول، فإن لم يكن الثمن الأول مثل جنس الثمن الأخير، فإما أن يقع المبيع الجديد على عرض آخر غير ذلك العرض، وإما أن يقع على قيمته، والبيع لا يصح في كلا الحالتين، فكونه لا يصح في الحالة الأولى، لأنه قد وقع على عرض لا تعود ملكيته للمالك وليس داخلًا تحت يده، كما أنه لا يصح على القيمة أيضًا لجهالتها، حيث أنه تعرف بالحزر والظن لاختلاف المقومين فيها.

وأما لو أريد بيع العرض مرابحة بعرض في حوزة مالكه، فينظر: إن جعل الربح شيئًا منفصلًا عن رأس المال معلومًا، فذلك جائز، وذلك كبيع ثوب بثوب وربح درهم أو درهمين، وسبب الجواز هو: أن الثمن الأول معلوم والربح معلوم.

أما لو جعل الربح جزءًا من رأس المال، فلا يجوز

وصورة البيع في مثل هذه الحالة، أن يعتمد الثمن الأول في البيع الجديد، فيقول البائع للمشتري: بعتك هذا العرض الذي في يدي مقابل العرض الذي بحوزتك على أن يكون الربح دينارًا من كل عشرة دنانير من قيمة عرضي المبيع، وعلة المنع في مثل هذه الصورة، هي أن الربح أصبح جزءًا من العرض، والعرض ليس متماثل الأجزاء، وإنما يعرف بطريق التقويم والقيمة مجهولة أثناء التعاقد، لأن معرفتها بالحزر والظن، فلا تصح المرابحة في هذه الحالة.

هذا ما فصله الأحناف في كتبهم. (1) وفي كتب المالكية ما يؤيد هذا أيضًا. (2)

(1) انظر الكاساني في البدائع 3195/7

(2)

انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 16/3، الخرشي 172/5

ص: 759

شروط رأس المال:

بعد هذا العرض لرأي الفقهاء فيما يعتبر من الثمن وما لا يعتبر منه، نقف الآن على ما اشترطوه من شروط في رأس المال من أجل تصحيح العقد، والشروط هي:

1-

أن يكون معلومًا لدى طرفي العقد، وذلك لأن المرابحة كما ذكرنا عبارة عن بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح، والعلم بالثمن الأول شرط لصحة البيوع كلها لما علم من أن الجهالة به تؤول إلى المنازعة، والمنازعة تفسد العقد.

فإن لم يكن معلومًا للمشتري، فالبيع فاسد إلى حين معرفته له في المجلس، فيخير بين إمضاء العقد أو إبطاله.

ووجه فساده في الحال، هو جهالة الثمن، لأن الثمن في الحال مجهول.

وأما إعطاء المشتري حق الخيار، فلوجود الخلل في الرضا، لأن الإنسان قد يرضى بشراء شيء يسير الثمن، إلا أنه لا يرضى بشرائه بالكثير، فلا يتكامل الرضا إلا بعد معرفة مقدار الثمن، فإذا لم تتحقق المعرفة عنده، اختل رضاه، واختلال الرضا يوجب الخيار. (1)

ولو أن المتعاقدين تركا المجلس من غير علم برأس المال، فالعقد باطل لتقرر الفساد.

2-

أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال، أن مما له مثل وذلك كالمكيلات الموزونات والعدديات المتقاربة، فإن كان من هذا القبيل، فبيعه مرابحة جائز على الثمن الأول، سواء جعل الربح من جنس رأس المال أو من خلاف جنسه، بعد أن صار الثمن الأول معلومًا والربح معلومًا.

ولو كان الثمن الأول للمبيع عرضًا من العروض القيمية كالثياب والدواب والبط وما أشبه ذلك، وأراد مالكه بيعه مرابحة بعرض مماثل، فلا يخلو الأمر من أن يوجد العرض المماثل في يد المشتري الثاني أم لا، فإن لم يكن العرض في حوزة صاحبه، فلا تصح.

(1) انظر بدائع الصنائع 193/7، ابن قدامة في المغني 136/4 مفتاح الكرامة 486/4

ص: 760

3-

أن لا يكون الثمن في العقد الأول من الأموال الربوية، وقد بودل بجنسه مثلًا بمثل، ومعنى هذا الشرط هو: أن الثمن الأول للمبيع المراد بيعه مرابحة إذا كان من الأموال الربوية، فلا يخلو من أن مالكه كان قد اشتراه بجنسه مثلًا بمثل أم لا، فإن اشتراه بخلاف جنسه، فلا بأس من بيعه مرابحة.

مثال ذلك: لو أن رجلًا اشترى مثقالًا من الذهب بعشرة دراهم من الفضة، جاز له بيعه مرابحة بأحد عشر درهمًا أو بعشرة دراهم وقطعة قماش مثلًا، لعدم تحقق الربا في مثل هذه الحالة، ولو اشتراه بجنسه مثلًا بمثل، فلا يجوز له بيعه مرابحة، كما لو كان المشتري في المثال المذكور اشترى مثقال الذهب بذهب مثله أيضًا، وعلة المنع هي: أن المرابحة كما ذكرنا عبارة عن بيع بالثمن الأول وزيادة، والزيادة في الأموال الربوية تعتبر ربا لا ربحًا. (1)

4-

ومن الشروط التي لها صلة بالثمن ما ذكره فقهاء الحنفية من أنه يشترط لصحة المرابحة كون العقد الأول صحيحًا، فإذا كان فاسدًا، فلا تصح، والسبب في ذلك هو: أن البيع الفاسد وإن كان يفيد الملك، إلا أن المشتري يملك المبيع بقيمته أو بمثله لا بثمنه لفساد التسمية، وبما أن الثمن الأول للمبيع هو المعتبر في بيع المرابحة، فإذا فسدت تسميته فلا يمكن اعتباره، فعليه لا تصح المرابحة في هذه الحالة. (2)

(1) انظر البدائع 3196/7

(2)

انظر البدائع 3197/7

ص: 761

شروط الربح:

يشترط في الربح عند إبرام عقد المرابحة أن يكون معلومًا، لأنه جزء من الثمن، والعلم بالثمن شرط في صحة البيوع كلها.

أحكام المرابحة:

للمرابحة أحكام متعددة، منها ما يظهر قبل إنشاء العقد ومنها ما يتأخر ظهوره لحين إبرام العقد، وسأقتصر في هذا البحث على أهم الأحكام التي ذكرها الفقهاء في موضوع المرابحة، مبتدئًا الكلام عن الأحكام التي تظهر قبل إنشاء العقد.

حكم ما لو حدث بالسلعة المراد بيعها مرابحة عيب:

إذا حدث بالسلعة عيب في يد البائع أو في يد المشتري، فأراد بيع تلك السلعة المعيبة مرابحة، فإن كان العيب قد حدث بفعله أو بفعل أجنبي، لم يجز له بيع المبيع مرابحة حتى يبين للطرف المتعاقد معه العيب، وهذا محل وفاق بين فقهاء المسلمين رحمهم الله.

أما لو حدث العيب بآفة سماوية، فقد اختلف الفقهاء في اشتراط بيان ذلك أو دعم اشتراطه على قولين:

أولًا: ذهب الجمهور إلى اشتراط بيان حدوث العيب للمشتري الثاني: مدللين على رأيهم هذا بما يلي:

أ- أن البيع مع السكوت على العيب لا يخلو من شبهة الخيانة، لأن المشتري الثاني لو علم بحدوث العيب في يد المشتري الأول، لما أربحه على السلعة شيئًا.

ب- أن المشتري الأول عند بيعه المبيع بعد حدوث العيب عنده، قد احتبس جزءًا منه، فلا يملك بيع الباقي من غير بيان العيب، وصار كما لو احتبس بفعله أو بفعل أجنبي.

جـ- أن المبيع السليم غير المعيب، فالغرض يختلف من حالة لأخرى.

هذه وجهة نظر نفر من الحنفية، (1) وبه قالت الحنابلة (2) والشافعية (3) والمالكية (4) وإلى هذا ذهبت الزيدية، وذلك كما قالوا: للخروج عن التهمة المنهي عنها (5) وهو رأي الإمامية أيضًا (6)

ثانيًا: ذهب الحنفية ما عدا زفر إلى القول: بأن المبيع إذا أصابه عيب بآفة سماوية، فللبائع أن يبيعه مرابحة بجميع الثمن دون أن يشترطوا عليه إيضاح العيب للمشتري، حجتهم في هذا هي: أن الفائت من المبيع جزء لا يقابله ثمن، لأنه وصف، بدليل أنه لو فات بعد التعاقد عليه قبل أن يحوزه المشتري، لا يسقط بحصته شيء من الثمن، لهذا فإن بيانه والسكوت عنه بمنزلة واحدة، وما يقابله من الثمن قائم بجميع أجزاءه، فللبائع بيع المعيب مرابحة في هذه الحالة دون أن يشترط عليه بيان العيب، لأنه يكون بائعًا ما بقي من المبيع بعد العيب بجميع الثمن.

والفرق عند الحنفية بين حدوث العيب بآفة سماوية وبين حدوثه بفعل يد إنسان هو: أن الفائت من المبيع في الحالة الأخيرة أصبح مقصودًا بالفعل وصار مقابله ثمن، فيكون المشتري قد حبس جزءًا من المبيع يقابله شيء من الثمن، فلا يملك بيع الباقي مرابحة دون العيب. (7)

(1) انظر الكاساني في البدائع

(2)

انظر المغني 138/4

(3)

انظر مغني المحتاج 79/2

(4)

انظر المدونة 228/4 وكذا الشرح الكبير 164/3

(5)

انظر البحر الزخار 379/4

(6)

انظر مفتاح الكرامة 491/4

(7)

انظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 78/4، البدائع7/3201

ص: 762

الرأي الراجح:

والذي يترجح عندي هو رأي الجمهور لما ذكروه من أدلة، ولأن اطلاع المشتري الثاني على العيب، فيه خروج عن التهمة كما ذكر الزيدية.

حكم شراء العرض بالنسيئة وبيعه مرابحة:

إذا كان المبيع المراد بيعه مرابحة كان قد اشتراه المشتري نسيئة، فإذا أراد بيعه مرابحة لشخص آخر، لا بد من بيان ذلك له، لأن للأجل شبهة المبيع، بمعنى أنه يعتبر جزءا من المبيع وإن لم يكن في الحقيقة مبيعًا، لأنه مرغوب فيه بدليل، أن ثمن البضاعة قد يزداد في حالة تأجيله، فكان للأجل شبهة أن يقابله شيء من الثمن فيصير بمثابة ما لو اشترى شيئين، ثم باع أحدهما مرابحة على ثمن الجميع، وإذا علمنا بأن الشبهة ملحقة بالحقيقة في هذا الباب وجب التحرز عنها، وذلك عن طريق الإيضاح. (1)

حكم شراء العرض مقابل دين:

ولو أن المبيع اشتراه صاحبه مقابل دين له على شخص، فلا يخلو الأمر من أن يكون العرض المأخوذ قد أخذه المشتري من الطرف الآخر صلحًا أم لا، فإن كان قد اشتري بطريق المساومة لا الصلح، جاز لصاحبه بيعه مرابحة دون أن يشترط عليه بيان ذلك للعاقد الجديد، أما لو أخذه صلحًا عن دين كان له على إنسان، فلا يجوز له بيعه مرابحة قبل إيضاحه للطرف الذي يروم التعاقد معه.

ووجه الفرق بين إلزام المشتري بتوضيح ذلك في حالة الصلح دون الشراء، هو:

1-

إن الصلح مبناه على الحط والتجوز بدون الحق، فلا بد من بيان ذلك للمقابل، ليتأكد له ما إذا كان المشتري متساهلًا مع من تصالح معه أم لا، فيقع التحرز عن التهمة، بينما مبني الشراء على المضايقة والمماكسة، فلا حاجة إلى البيان.

(1) انظر ابن قدامة في المغني 139/4، مغني المحتاج 79/2، المدونة 229/4، البدائع 3202/7

ص: 763

2-

إن الخيانة لا يمكن تصورها في حالة الشراء، لأن الشراء لا يقع بذلك الدين بعينه، بل بمثله "وهو أن يجب على المشتري مثل ما في ذمة المديون فيلتقيان قصاصًا لعدم الفائدة".

والدليل على هذا: أن المشتري لو تعاقد مع البائع المديون على حاجة ما، ثم تصادقا على أنه لا دين على الأخير، لم يبطل الشراء، ولو فرض أن الشراء قد وقع بذلك الدين بعينه، لبطل، ولما لم يقع الشراء بالدين بعينه، فلا تتقدر الخيانة، وصار كما لو اشترى أي عرض ابتداء، فكما لا يشترط البيان فيه، كذلك الحال في مسألتنا.

بخلاف الصلح فإنه يقع بما في الذمة على البدل المذكور، بدليل أن المتصالحين لو تصادقا بعد عقد الصلاح على أنه لا دين في ذمة المتصالح معه، فالصلح يبطل، لاحتماله تهمة المسامحة والتجوز بدون الحق، لذلك وجب على البائع في هذه الحالة إيضاح الأمر للمقابل تحرزًا عن الخيانة (1) . هذا ما ذكره الأحناف في كتبهم، وينبغي أن يكون قول الفقهاء الآخرين مثل هذا، لما ذكره الأحناف من تعليل.

أحكام المرابحة بعد العقد:

قلنا قبل قليل، بأن الأحكام في المرابحة منها ما يظهر قبل إبرام العقد، ومنها ما يتأخر لحين إبرامه، وقد بينا فيما سبق الأحكام التي تسبق العقد، ونقف الآن على أهم الأحكام التي تليه.

(1) انظر الكاساني وابن نجيم في المصدرين السابقين

ص: 764

حكم الخيانة في المرابحة – الخيانة في قدر الثمن:

إذا قال البائع للمشتري: اشتريت هذا المبيع بمائة دينا وبعتك إياه بربح كذا، ثم ظهر أنه قد اشتره بتسعين، فالمبيع في هذه الحالة لا يخلو من أحد أمرين، إذ أنه إما أن يكون قائمًا في يد المشتري ولم يحدث به ما يمنع الفسخ أو لا، بأن يكون المشتري قد استهلك المبيع أو هلك بنفسه أو أحدث به ما يمنع الفسخ، فإن كان مما تنطبق عليه الحالة الثانية، فلا خيار للمشتري ويلزمه جميع الثمن، لأن المبيع إذا لم يكن بحالة تصلح لفسخ العقد، لم يكن في ثبوت الخيار فائدة، فيسقط كما هو الحال بالنسبة لخيار الرؤية والشرط (1) .

وإن كان المبيع بحال يصلح للفسخ، فقد اختلف الفقهاء في حكم المبيع في هذه الحالة، وذلك على النحو الآتي:

أولا: ذهب بعضهم إلى القول: بأنه يحط قدر الزيادة التي ظهرت في الثمن وما يقابله من الربح، دليل هذا الرأي هو:

أ- أن تمليك المشتري للمبيع قد تم باعتماد الثمن الأول، فتخصم الزيادة عنه كما في الشفعة إذا أخذها الشفيع بما أخبر به المشتري ثم أطلع على حقيقة الثمن، فإنه يأخذها بالثمن الأصلي، وكأن العقد لم يبرم إلا بما بقي من الثمن.

ب- أن الثمن الأول الذي سمي في العقد أصل في بيع المرابحة، فإذا ظهرت الخيانة، تبين أن التسمية قدر الخيانة غير صحيحة، فألغيت وبقي العقد لازما بالثمن الباقي.

ج- قاس أصحاب هذا الرأي المسألة المذكورة على المبيع إذا ظهر به عيب، فإن المشتري له الرجوع على البائع بمقدار ما يقابل العيب من الثمن، وكذلك الحال فيما لو اطلع المشتري على خيانة في المرابحة بعد العقد، هذا هو القول الأظهر عند الشافعية (2) ، وبه قال الحنابلة (3) ، وأبو يوسف من الحنفية (4) .

ثانيا: القول عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن هو: أنه لا يحط شيء من الثمن وأن المشتري بالخيار إن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن وإن شاء ترك، ووجه قولهما كما ذكره الكاساني هو:

أ- أن المشتري قد رضي بإبرام العقد بعد معرفته لثمن المبيع وتصديقه البائع بمقداره، فإذا ظهر له خلاف ذلك، فلا يلزم بدونه، ويثبت له الخيار لفوات وصف السلامة عن الخيانة، كما ثبت له فيما لو فاتت السلامة عن العيب إذا ظهر بالمبيع عيب.

ب- إن الخيانة في المرابحة لا تخرج العقد عن كونه مرابحة، لأنها عبارة عن بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح، وهذا موجود بعد الخيانة، لأن بعض الثمن رأس مال وبعضه ربح، فينطبق التعريف على البيع، وكل الذي حصل هو أن الثمن المذكور في العقد ليس بالثمن الأصلي للمبيع مما أحدث خللًا في رضا المشتري، فيثبت له الخيار كما لو ظهرت الخيانة في صفة الثمن بأن كان نسيئة ونحو ذلك (5) .

وإلى هذا ذهب الشافعية في القول الثاني، معللين ذلك، بأن المشتري قد سمى العوض في العقد وقد تم الاتفاق على هذا الأساس، والبيع صحيح على القولين عندهم، لأن تغرير البائع بالمشتري لا يمنع الصحة كما لو كان باعه شيئا معيبا (6) .

وبمثل هذا قال المالكية أيضا إلا أنهم انفردوا بالقول: بأن البائع لو حط ما كذب به من زيادة الثمن وربحه، فالبيع يلزم المشتري وإلا فله الخيار (7) .

(1) انظر البدائع 3207/7، المدونة 237/ 4

(2)

انظر مغني المحتاج 79/2

(3)

ابن قدامة في المغني 136/4

(4)

انظر الكاساني في البدائع 3209/7

(5)

انظر الكاساني في البدائع 3209/7

(6)

الخطيب الشربيني مغني المحتاج 2/79

(7)

انظر الخرشي 179/5

ص: 765

خلاف فرعي بين أصحاب الرأي الأول:

بعد أن اتفق الفريق الأول من الفقهاء، على حط قدر الخيانة من ثمن البيع في المسألة المذكورة آنفا، اختلفوا في القول، بإعطاء حق خيار فسخ العقد للبائع والمشترى أو سلبه منهما في مثل هذه الحالة.

1-

القول الأظهر عند الشافعية بناء على حط قدر الخيانة من الثمن، أنه لا خيار لأي عاقد منهما، وذلك للأسباب التالية:

أ- أما المشتري فلأنه قد رضي بالأكثر ثمنًا، فلأن يرضى بالأقل بعد الحط يكون من باب أولى.

ب- أما البائع فلتدليسه ولأنه باع المبيع برأس ماله الأصلي وحصته من الربح، وقد حصل له ذلك فعلا.

جـ- إن المسألة هنا تشبه ما لو اشترى رجل شيئا على أنه معيب فبان سليما أو وكل في شراء عرض معين بمائة دينار مثلا فاشتراه بتسعين، فكما لا خيار للمشتري في مثل هذه الحالة، كذلك الحال هنا أيضا (1) .

وهذا هو ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة أيضا (2) .

وبمثل هذا قال أبو يوسف من الحنيفة (3) .

2-

نص الحنابلة في كتبهم على أن المشتري بعد طرح الزيادة من الثمن، يخير بين أخذ المبيع برأس ماله الأصلي وحصته من الربح، وبين تركه، حكى ذلك ابن قدامة عن الإمام أحمد، دليل هذا الرأي هو:

أ- أن المشتري بعد إطلاعه على خيانة البائع قد لا يأمن الجناية في هذه الثمن أيضا.

ب – من المحتمل أن يكون للمشتري غرض في الشراء بذلك الثمن بعينه، إما لكونه حالفا على الشراء بمثل هذه الثمن أو ربما يكون وكيلا في ذلك أو غير هذا (4) .

وإلى هذا ذهب الشافعية في الرأي الثاني لهم، وقد ذهبوا في هذا الرأي إلى القول: بإعطاء البائع حق الخيار أيضا، لأنه لم يسلم له القدر الذي سماه في العقد، فكان له الخيار (5) .

خلاصة الأراء واختيار الراجح منها:

لقد ظهر لنا من خلال بحثنا لمسألة الخيانة في ثمن المرابحة أن الاتفاق قد حصل بين الفقهاء على أن المبيع إذا هلك أو استهلك أو أحدث به المشتري ما يمنع فسخ العقد، فالبيع لازم ولا خيار للمشتري في هذه الحالة. وقد اختلفوا فيما لو بقي المبيع على حاله على رأيين:

ذهب أصحاب الرأي الأول إلى وجوب إهدار الزيادة من ثمن المبيع، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم إذا كان البيع نافذًا بحق المتعاقدين أو يخير كل منهما بين إمضاء العقد أو فسخه، في حين: خير أصحاب الرأي الثاني المشتري بين إمضاء العقد وفسخه دون أن يقولوا الخيانة التي ظهرت في الثمن.

والذي أختاره هنا هو رأي الفريق الأول لرجحان أدلتهم من جهة ولأن بالإمكان تلافي الخلل الذي طرأ على العقد، وذلك بإهدار الخيانة التي ظهرت في ثمن المبيع.

وبخصوص تخيير العاقدين بعد حط الزيادة أو اعتبار العقد نافذًا عليهما، فالذي أرجحه هو عدم إعطاء الخيار لأي عاقد، ذلك للأدلة التي استدل بها أصحاب هذا الرأي.

(1) مغنى المحتاج 2/79 وانظر المغنى 4/136، 137

(2)

ابن قدامة في المغنى 4/136، 137

(3)

البدائع 7/3209

(4)

ابن قدامة في المغنى 4/136، 137

(5)

الخطيب الشربيني مغنى المحتاج 2/79

ص: 766

حكم الخيانة في صفة الثمن:

ذكرنا فيما سبق حكم الخيانة في المرابحة إذا ظهرت في مقدار الثمن، ونقف الآن على حكمها عند الفقهاء فيما لو حدثت في الصفة، مثال ذلك: أن يشتري البائع المبيع نسيئة، ثم يبيعها مرابحة دون أن يوضح ذلك للمشتري، أو كان قد صالح به من دين على إنسان، فأخفى ذلك عن المقابل، فالحكم في هذه المسائل وأمثالها كما يأتي:

أولا: الرأي عند فقهاء الأحناف (1) والشافعية (2) . ورواية عن الحنابلة (3) ، أن المشتري إذا اطلع على خيانة في صفة الثمن، خير بين أخذ المبيع بالثمن المتفق عليه في العقد وبين رده، بمعنى أن البائع غير ملزم برد شيء مقابل تدليسه الأمر على المشتري، والبيع صحيح، إلا أن نفاذه موقوف على رأي المشتري، دليلهم في ذلك ما يأتي:

أ – إن البائع قد دلس الأمر على المشتري فثبت له الخيار.

ب- إن المرابحة عقد مبني على الأمانة، إذ المشتري قد اعتمد البائع وائتمنه فيما أخبره به، ولما كانت الأمانة مطلوبة في عقد المرابحة، كانت صيانة العقد عن الخيانة مشروطة دلالة، ففواتها يوجب الخيار للمقابل كفوات وصف السلامة من العيب.

ج- إن أحجام البائع عن كشف حقيقة الأمر للمشتري، دليل على عدم رضا البائع بذمة المقابل، وقد تكون ذمته دون ذمة مالك المبيع، فهو غير ملزم ببيع المبيع بأجل كما اشتراه، فعليه لا يلزم بالحط من الثمن مقابل الأجل شيئا، وكل ما في الأمر أن يخير المشتري بين إبقاء العقد أو فسخه.

ثانيًا: حكى ابن المنذر عن أحمد قولا آخر ذكر فيه أن المبيع إذا كان باقيا بيد المشتري، خير بين أخذه بأجل بقدر الأجل الذي كان للبائع على مدينه قبل استيفاء الدين، وبين فسخ العقد. وإن كان قد استهلك حبس المشتري الثمن بقدر الأجل، وهذه هي وجهة نظر شريح القاضي أيضا (4) .

دليل هذا الرأي: أن البيع قد وقع على البائع بهذه الصفة فيجب أن يكون للمشتري أخذ المبيع بمثل تلك الصفة، وصار بمثابة ما لو أخبر بزيادة الثمن، فإن الزيادة هناك تحط عن القيمة، كذلك الحال هنا.

وقد أجيب عما قيل بأن البائع قد لا يرضى بذمة المشتري، بأن ذلك لا يمنع نفوذ البيع ولا يلتفت إلى رضا البائع كما هو الحال في حط الزيادة التي أخبر بها، فكما لا عبرة برضاه هناك كذلك الأمر هنا، والواجب هو الرجوع إلى ما وقع به البيع الأول.

ثالثًا: حكى ابن عرفة عن المالكية قولين في المسألة، أحدهما: أن المبيع إذا كان قائما، فالمشتري بالخيار بين إمضاء العقد بالثمن الذي اتفق عليه وبين رد المبلغ، وأما لو هلك أو استهلك، فالمشتري يلزم بالأقل من الثمن والقيمة نقدا بدون ربح، فعلى هذا الرأي يكون البيع صحيحا ويكون البائع غاشا في كتمانه الأجل.

والرأي الآخر، إن البيع فاسد في مثل هذه الحالة، وعليه يتعين على المشتري رد المبيع إن كان قائما وعند فواته يدفع الأقل من الثمن والقيمة (5) .

(1) البدائع 7/3209

(2)

مغني المحتاج 2/79

(3)

ابن قدامة في المغني 4/141

(4)

انظر ابن قدامة في المغني 4/141

(5)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/165 وانظر المدونة 4/231

ص: 767

الرأي المختار:

إن القول الأول للمالكية يتفق مع رأي الفريق الأول من الفقهاء في جزئية وهي، أن المشتري في المسألة المختلف فيها يخير بين إمضاء العقد وفسخه في حالة بقاء المبيع، أما في حالة هلاكه، فالظاهر من رأي الأحناف ومن وافقهم في الرأي، أنه لا شيء للمشتري بعد ذلك لفوات المحل، إلا أن المالكية قد أعطوه حقًا عندما قالوا: بأنه لا يلزم إلا بدفع الأقل من ثمن المبيع وقيمته بدون ربح، معنى هذا أننا قد حفظنا للمشتري حقه ولو بعد هلاك المبيع، جبرا لما أصابه من ضرر، فإن البائع قد غشه عند كتمانه ما ينبغي بيانه له.

والحنابلة وإن كانوا قد التفتوا إلى هذه الجزئية في القول الذي حكاه ابن المنذر عن أحمد، إلا أن قول المالكية يبدو لي أوجه مما قاله غيرهم، لذا يكون قولهم الأول هو المختار.

حكم ما لو ذكر البائع ثمنا لمبيعه ثم ادعى الغلط:

لو أن البائع ادعى ثمنا لمبيعه كأن قال اشتريته بمائة دينار وباعه مرابحة، ثم ادعى الغلط في الثمن، فزعم بأن الثمن الحقيقي هو مائة وعشرة، فما هو الحكم عندئذ؟

الجواب على ذلك: أن المشتري في هذه الحالة إما أن يصدق البائع في ادعائه الغلط أو يكذبه به، ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص بها.

حكم ما إذا صدق المشتري البائع:

إذا صدق المشتري البائع في قوله غلطت في ثمن المبيع، فللفقهاء عندئذ قولان في صحة إمضاء المرابحة أو عدم صحتها.

1-

ذهب الشافعية في أصح القولين عندهم كما ذكر النووي إلى القول: ببطلان المرابحة في هذه الحالة للأسباب التالية:

أ- لقد تعذر إمضاء العقد بسبب الزيادة التي ادعاها البائع المتبوعة بربحها.

ب – أن العقد لا يحتمل الزيادة بخلاف النقصان فإنه معهود بدليل أن البائع لو أخذ أرش عيب أصاب المبيع، للزمه حطه من الثمن (1) .

2 – الرأي عن المالكية، هو صحة المرابحة وتنقص الزيادة التي غلط بها البائع وصار بمثابة ما لو غلط المشتري بالزيادة ولا فرق عندهم في مثل هذه الحالة بين تصديق المشتري للبائع أو إثباته ذلك بالبينة، ويخير المشتري بين رد السلعة وأخذ ما دفعه، أو دفع ما تبين أنه الثمن الصحيح للمبيع وربحه، هذا إذا كانت السلعة قائمة، فإن تغيرت بزيادة أو نقص، خير المشتري كذلك بين دفع الثمن الحقيقي للمبيع وربحه أو دفع قيمته إذا كان المبيع قيميًا أو مثله في المثلي، ويعتبر في القيمة والمثل يوم البيع لا يوم القبض، لأن العقد صحيح، بشرط أن لا تنقص القيمة عند المبلغ الذي غلط به البائع مع ربحه، فإن نقصت، تعين على المشتري إذا اختار إمضاء العقد دفع الغلط وربحه (2) .

وإلى هذا ذهب الشافعية في رأيهم الثاني، وقد اعتبره الشربيني أصح القولين، إلا أنهم يختلفون عن المالكية في إعطاء حق الخيار، فهم يقولون بتخيير البائع لا المشتري بين إمضاء العقد أو فسخه (3) .

وفي مذهب الحنابلة ما يؤيد هذا الرأي أيضا (4) .

(1) مغني المحتاج 2/79،80

(2)

الشرح الكبير: 3/168، وانظر حاشية الدسوقي بنفس الموضع

(3)

الشربيني في مغني المحتاج 2/79،80

(4)

ابن قدامة في المغنى 4/142

ص: 768

الرأي المختار:

إن ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني هو المختار، لأن القول بفسخ العقد وبطلانه ينبغي أن يكون عندما يخرج العقد عن مدلوله، وهنا ما يزال العقد عقد مرابحة، كما أنه لا ضرر على أي طرف من المتعاقدين من جراء ذلك.

وبخصوص تخيير المشتري أو البائع عندئذ، أي أن يخير المشتري كما يقول المالكية للأسباب الآتية:

أولا: إن تخييره ينفي ضرر البائع له، حيث سيقوم المشتري بدفع الثمن الصحيح للمبيع وربحه.

ثانيًا: إن التفريط قد حصل من جهة البائع لعدم ثباته على قوله الأول، فعلى هذا لا خيار له (1) .

حكم إما إذا كذب المشتري البائع: إذا ادعى البائع الغلط فيما ذكره من ثمن للمبيع وكذبه المشتري، فأما أن يذكر وجها للغلط أم لا.

فإن لم يذكر وجها محتملا للغلط وقد كذبه المشتري، فإذا أراد أن يعزز ادعاءه ببينة، فهل تسمع بينته عندئذ أم لا؟

الجواب على هذه أن رأيان في المسألة:

الرأي الأول: ويقضى بعدم قبول قوله وبعدم سماع بينته للأسباب التالية:

1-

أن البائع قد كذب البينة بنفسه عند إقراره بالثمن أولًا.

2-

أن إقراراه بالثمن الأول قد تعلق به حق الغير فلا يقبل رجوعه عنه.

هذه وجه نظر الشافعية (2) ، وبه قال الحنابلة في رواية عنهم، إلا أنهم لم يفرقوا بين ذكر البائع وجها يحتمل الغلط أم لم يذكر شيئا في هذا القبيل (3) .

وفي تحليف المشتري اليمين من قبل البائع على أنه لا يعرف الثمن الأخير ثمنا صحيحا للمبيع، وجهان عند الشافعية: أحدهما وهو الأصح، ويقضي بجواز طلبه اليمين، لأن المشتري قد يعترف بالثمن الأصلي عند عرض اليمين عليه، والآخر، ذكروا فيه عدم جواز طلب اليمين من المشتري، كما هو الأمر بالنسبة لعدم سماع بينة البائع.

(1) انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/168

(2)

مغنى المحتاج 2/80

(3)

ابن قدامة في المغني 4/142

ص: 769

وعلى الوجه الأول: إن حلف المشتري، فالأصح عندهم إمضاء العقد على ما حلف عليه، وإن نكل عن الحلف، ردت على البائع بناء على القول الأظهر عندهم، من أن اليمين المردودة كالإقرار، فيحلف البائع يمينا باتا على أن ثمن المبيع هو ما ادعاه أخيرا.

وفي إثبات الخيار لأي من الطرفين رأيان للشافعية أيضا: الأول، وقد ذكروا فيه أن الخيار للمشتري، وهذا على الوجه الضعيف القائل بثبوت الزيادة، وأما على الرأي المعتمد عندهم، فالخيار للبائع (1) .

الرأي الثاني: وهو مروى عن الحنابلة ذكروا فيه، أن البائع في المرابحة إذا ادعى الغلط في الثمن عند كلامه الأول، وأشهد على أن رأس ماله عليه ما قاله ثانيا، تسمع بينته، وقد أجاب ابن قدامة على أدلة القائلين برفض بينة البائع في هذه المسألة بما يلي:

1-

إن البينة عادلة وقد شهدت بما يحتمل الصدق فتقبل، كما هو الأمر في سائر البينات.

2-

إننا لا نسلم بأن البائع قد أقر بخلاف بينته، لأن الإقرار يعني الاعتراف للغير، وإخبار البائع بثمن مبيعه قد حصل قبل أن يتعلق به حق الغير، فلم يكن إقرارا (2) .

ما أرجحه: بعد عرض رأي الفريقين المختلفين من الفقهاء في هذه الجزئية ومناقشة الفريق الثاني لما استدل به الفريق الأول، يترجح عندي القول الثاني لوجاهته من جهة، ولأن البائع في مثل هذه الحالة مدع، ومن المعروف بداهة أن تسمع بينته في مثل هذه الحالة.

حكم ما إذا ذكر وجها يحتمل الخطأ:

وقفنا قبل قليل على رأي الفقهاء عندما يدعي البائع في المرابحة خطأ في الثمن ولم يذكر وجهًا يحتمل الخطأ، أما لو ذكر وجها يحتمل الخطأ كقوله: جاءني كتاب من وكيلي بأن ثمن المبيع الذي اشتراه هو مائة وعشرة مثلا وليس بمائة دينار، أو اتضح لي ذلك لمراجعة حساباتي وما أعتمد عليه من سجلات وأرقام بينة على ذلك، فالأصح عند الشافعية في مثل هذه الحالة، سماع بينة البائع التي يقيمها لتعزيز ادعائه، كما أن له تحليف المشتري على أنه لا يعرف الثمن الصحيح للمبيع، لأن العذر هنا يحرك ظن صدقه.

وذهبوا في وجه ثانٍ لهم إلى عدم قبول بينته حتى في هذه الحالة، ودليلهم هنا هو عين ما ذكروه في الحالة الأولى (3) .

وبما أننا اخترنا رأي القائلين: بسماع بينة البائع عندما لا يذكر وجها محتملا لخطئه، فلأن نقول بقبول بينته عندما يحتمل كلامه الأول الخطأ من باب أولى.

(1) الخطيب الشربيني مغني المحتاج

(2)

المغني 4/142

(3)

الخطيب الشربيني مغني المحتاج

ص: 770

الفصل الثاني

الوعد ومدى قوة إلزامه في الفقه الإسلامي

تمهيد:

بعد أن وقفنا في الفصل الأول على رأي فقهاء المسلمين في موضوع المرابحة وما وضعوا لها من شروط وأحكام. نقف في هذا الفصل على رأيهم في المسألة الثانية من موضوع بحثنا، وهي رأي فقهاء المسلمين في الآمر بالشراء مرابحة، ولهذا العقد صور عديدة، منها:

أن يتقدم أحد الأشخاص أو الشركات إلى أحد المصارف الإسلامية ويخبره عن وجود بضاعة أو عقار ما عند شخص آخر يريد بيعه، ويبدي المخبر رغبته بأنه إذا ملك المصرف الإسلامي هذه البضاعة أو العقار، يعده بشرائه منه بالأجل بربح معلوم، وقد يكون البادئ بتقديم المعلومات عن البضاعة هو المصنع مخاطبا التاجر الذي يأتي بدوره إلى المصرف المذكور مبديا رغبته في شراء ما عرض عليه من المصنع إذا قام المصرف بالحصول عليه، في هذه الحالة بالصورتين المشار إليهما، يقوم المصرف الإسلامي بدراسة العرض للبضاعة أو للعقار، فإذا ما وجد جدوى من الشراء يتمم ذلك لنفسه ويشحن البضاعة إلى بلد ذلك المصرف ويحوزها المصرف في مخازنه ثم يعقد بعدئذ بيع المرابحة بينه وبين الواعد بالشراء إن تم الاتفاق بينهما على ذلك (1) .

فهل يلزم الواعد بالوفاء في وعده في هذه الحالة؟

الجواب على هذا: أنه يفترض بيان رأي فقهاء المسلمين في حكم الوعد ومدى قوة إلزامه لمعرفة مدى إلزام الواعد بالشراء هنا أو عدم إلزامه.

(1) هذه الصورة نقلناها بتصرف من (بيوع الأمانة في ميزان الشريعة) من منشورات بيت التمويل الكويتي، وهناك صور أخرى ذكرت في النشرة المذكورة

ص: 771

فأقول وبالله التوفيق: اختلف الفقهاء في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟ وذلك على ثلاثة مذاهب.

المذهب الأول: ذهب فريق من العلماء إلى أن الوفاء بالوعد مستحب مندوب إليه وليس بفرض. فلا يقضى به على الواعد، لكن الإخلال بالوعد يفوت الواعد الفضل، ويرتكب بسبب خلفه هذا المكروه، هذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وأبو سليمان (1)، وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يلي:

أولًا: أخرج الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ((أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب لامرأتي فقال صلى الله عليه وسلم: لا خير في الكذب، فقال يا رسول الله: أفأعدها وأقول لها؟ فقال عليه السلام: لا جناح عليك)) (2) .

وجه الاستدلال من الرواية كما يذكر القرافي (3) .

أ- إن الرسول عليه الصلاة والسلام منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل ونفى الجناح على الوعد.

ب- إن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا، لأنه عليه الصلاة والسلام قد جعله قسيم الكذب، ولو كان منه، لما جعله قسيما له.

ج- كما يستدل من الرواية على أن إخلاف الوعد لا حرج فيه.

د- " لو كان المقصود الوعد الذي يفي به لما احتاج للسؤال عنه ولما ذكره مقرونا بالكذب " فتبين بأن قصد السائل بإصلاح حال امرأته بما لا يفعله، فتخيل الحرج في ذلك فاستأذن عليه.

(1) انظر المحلى لابن حزم الظاهري 28/8 وقد نص على ما يلي: " ومن وعد آخر بأن يعطيه مالا معينا أو غير معين أو بأن يعينه في عمل ما حلف له على ذلك أو لم يحلف لم يلزمه الوفاء به ويكره له ذلك، وكان الأفضل لو وفى.. وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان ".

(2)

انظر شرح الزرقاني على الموطأ 408/4

(3)

انظر الفروق لشهاب الدين أبي العباس الصنهاجي المشهور بالقرافي طبع دار المعرفة 21/4

ص: 772

وقد أجاب ابن الشاط على استدلال القرافي هذا بما يلي:

1-

إن القول بأن الرسول عليه الصلاة والسلام منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل، غير مسلم وهي دعوى لا حجة عليها، ولعل السائل كان قصده من الكذب على زوجته أن يخبرها عن فعله مع غيرها من النساء بما لم يفعله، أو غير ذلك مما يقصد به إغاظة زوجته، فلم يتعين أن المراد ما ذكره، كيف وأن ما ذكره هو عين الوعد، وما معنى الحديث إلا أنه صلى الله عليه وسلم " منعه من أن يخبرها بخبر كذب يقتضي تغييظها به وسوغ له الوعد لأنه لا يتعين فيه الإخلاف لاحتمال الوفاء به سواء كان عازما عند الوعد على الوفاء أو على الإخلاف أو مضربا عنهما، ويتخرج ذلك في قسم العزم على الإخلاف على الرأي الصحيح

من أن العزم على المعصية لا مؤاخذة به، إذ معظم دلائل الشريعة يقتضي المنع في الإخلاف " (1) .

2-

إن القول بأن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله قسيم الكذب، غير مسلم أيضا، لأنه جعله قسيم الخبر عن غير المستقبل الذي هو كذب، فكان قسيمه من جهة كونه مستقبلا، وذلك غير مستقبل، أو من جهة كونه قد تعين أنه كذب، والوعد لا يتعين كونه كذبا.

3-

أما دعوى إخلاف الوعد لا حرج فيه فليس بصحيح، بل فيه الحرج بمقتضى ظواهر الشرع إلا حيث يتعذر الوفاء، كما سنرى ذلك من الأدلة.

4-

إن القول: بأنه لو كان قصد السائل الوعد الذي يفي به لما احتاج السؤال عنه

إلخ. فيجاب عليه، بأن السائل لم يقصد الوعد الذي يفي فيه على التعيين، وإنما قصد الوعد على الإطلاق وسأل عنه لأن الاحتمال في عدم الوفاء اضطرارًا أو اختيارا قائم، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم عنه الجناح لاحتمال الوفاء، ثم إن وفى فلا جناح، وإن لم يف مضطرًا فكذلك، وإن لم يف مختارًا فالظواهر المتظاهرة قاضية بالحرج.

(1) انظر أدرار الشروق على أنوار الفروق لابن الشاط والمطبوع بأسفل الفروق 21/4

ص: 773

5-

إن القول: بأن قصد السائل إصلاح حال امرأته

إلخ، إن هذا القول غير صحيح، إذ من أين يحصل العلم بأن الزوج لا يفعله؟ وعلى أن يكون في حال الوعد غير متمكن مما وعد به، ومن أين يعلم عدم تمكنه منه في المستقبل؟ وإذا تعذر العلم بجميع ذلك، تعين أن يكون سؤال الزوج لاحتمال عدم الوفاء أو العزم على عدم الوفاء فسوغ له عليه الصلاة والسلام ذلك، لأن عدم الوفاء لا يتعين أو لأن العزم على عدم الوفاء على تقدير أن عدم الوفاء معصية، ليس بمعصية. (1)

ثانيا: ومما استدل به هذا الفريق على قولهم: بأن الوعد غير ملزم، ما أخرجه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال:((إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه)) (2) .

وأجيب عن هذا الحديث بما أجيب به عن الحديث الذي سبقه.

ثالثا: ومما استدل به أصحاب هذا الرأي أيضا، أن الرجل إذا وعد وحلف واستثنى – بأن قال إن شاء الله – فقد سقط عنه الحنث بالنص والإجماع المتيقن فإذا سقط عنه الحنث، دل على أنه لم يلزمه فعل ما حلف عليه.

وبما أن الوعد لا يصح بدون استثناء، لقوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (3) . دل على أن من وعد ولم يستثن، فقد عصى الله تعالى في وعده ذلك، ولا يجوز أن يجبر أحد على معصية، فإن استثنى فقال " إن شاء الله تعالى أو إلا أن يشاء الله تعالى أو نحوه مما يعلقه بإرادة الله عز وجل فلا يكون مخلفا لوعده إن لم يفعل "(4) .

ويجاب على هذا الاستدلال، بأن الاستثناء في الوعد سنة وليس بواجب، ولم ينقل عن أحد من العلماء بأنه يحرم الوعد بغير استثناء، حكى القرطبي عن ابن عطية قوله " وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، والآية ليست في الإيمان وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين "(5) .

(1) انظر أدرار الشروق على أنوار الفروق لابن الشاط والمطبوع بأسفل الفروق 21/4

(2)

انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 339/3 وذكر ذلك صاحب الفروق في 21 / 4

(3)

سورة الكهف آية 23- 24

(4)

انظر ابن حزم في المحلى30/8

(5)

انظر الجامع لأحكام القرآن 385/10

ص: 774

المذهب الثاني: وهو رأي الفقيه المالكي ابن شبرمة، ويقضي: بأن الوعد ملزم مطلقا ويجب الوفاء به ديانة وقضاء، حكى ذلك عنه ابن حزم حيث قال:" قال ابن شبرمة: الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر "(1) .

وهو مذهب كثير من فقهاء السلف، منهم الحسن البصري، والخليفة عمر بن عبد العزيز، وقضى به سعيد بن عمرو بن الأشوع (2) ، ونقل ذلك عن الصحابي الجليل سمرة بن جندب رضي الله عنه، وذكر البخاري في صحيحه بأنه رأي إسحق بن راهويه مستدلا بحديث ابن الأشوع في القول بإنجاز الوعد (3) .

ووجوب الوفاء بالعود مطلقًا مذهب بعض المالكية وإن وصفوه بأنه مذهب ضعيف (4) وذهب إلى وجوب الوفاء بالوعد كذلك أبو بكر بن العربي المالكي (5) .

وهذه وجهة نظر ابن الشاط المالكي وقد دافع عن رأيه هذا من خلال رده على القرافي (6) . وحكى ابن رجب الحنبلي وجوب الوفاء بالوعد مطلقا عن طائفة من علماء أهل الظاهر وغيرهم (7) .

وقال الإمام الغزالي الشافعي: إذا فهم الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، وقد يفهم الجزم في الوعد إذا اقترن به حلف أو إقامة شهود على الوعد أو قرائن أخرى (8) .

(1) انظر المحلى 28/8

(2)

انظر العيني في عمدة القاري 358/13 وسعيد بن عمرو بن الأشوع الهمداني قاضي الكوفة في زمن إمارة خالد القسري على العراق بعد المائة للهجرة وقد مات في ولاية خالد وقد عده ابن حبان في الثقات وعده يحيى بن معين في المشهورين

(3)

انظر العيني في عمدة القاري 358/13 وكذا صحيح البخاري بهامش فتح الباري طبعة الحلبي 218/6

(4)

انظر فتحت العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك لابن عليش 256/1 وكذا القرافي في الفروق 24/4

(5)

انظر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 29/18

(6)

انظر أدرار الشروق على أنوار الفروق 21/4

(7)

انظر جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم مطبعة دار العلوم الحديثة ص 404

(8)

انظر إحياء علوم الدين 133/3

ص: 775

أدلة أصحاب هذا الرأي:

استدل أصحاب هذا الرأي بنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

1-

فمما استدلوا به من الآيات القرآنية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) .

وجه الاستدلال من الآية: إن العقود تعني المربوط واحدها عقد، يقال عقدت العهد والحبل، والعقد، هو كل ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وكل ما كان غير خارج عن الشريعة وكذا ما عقده الإنسان على نفسه لله من الطاعات، قال الزجاج:" المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض"(2) . ويستدل أيضا بقوله عليه الصلاة والسلام: ((المؤمنون عند شروطهم)) . ولما كان الوعد مما ألزم به الإنسان نفسه، فعلى هذا يلزمه الوفاء.

واستدلوا أيضا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3) .

فالوعد إذا أخلف، قول نكل الواعد عن فعله، فيلزم أن يكون كذبا محرما وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقا (4) .

كما استدل هذا الفريق من العلماء بالآيات التي أثنى الله فيها على من بر بوعده وأوفى بعهده، منها قوله تعالى:{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} (5) وقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (6) . ومدح إسماعيل لصدقه في وعده بقوله عز شأنه: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} (7) .

وقد حمل أصحاب المذهب الأول هذه الأدلة على الندب والاستحباب.

2-

ومن السنة النبوية التي استدل بها القائلون: بوجوب الوفاء بالوعد، ما أخرجه البخاري ومسلم (8) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)) وفي رواية ((من علامات المنافق ثلاث

إلخ)) وفي رواية أخرى ((آية المنافق ثلاث

وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)) وورد في البخاري ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)) .

(1) سورة المائدة آية 1

(2)

انظر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 33/6

(3)

سورة الصف آية 2-3

(4)

انظر القرافي في الفروق20/4

(5)

البقرة آية 177

(6)

النجم آية 37

(7)

مريم 54

(8)

انظر العيني في عمدة القاري 258/13وكذا صحيح البخاري مع فتح الباري 89/1وكذا صحيح مسلم بشرح النووي 47/2

ص: 776

الدليل في هذه الأخبار أن إخلاف الوعد قد عده النبي صلى الله عليه وسلم في خصال المنافقين، والنفاق مذموم شرعًا، وقد أعد الله للمنافقين الدرك الأسفل من النار، حيث قال جل ثناؤه:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (1) .

وعلى هذا يكون إخلاف الوعد محرما فيجب الوفاء به.

وقد صرف بعض شراح الحديث معنى النفاق الوارد في الروايات المذكورة عن حقيقته، فقالوا: إن المراد بإطلاق النفاق، الإنذار والتحذير للمسلم عن ارتكاب هذه الخصال أو اعتيادها والتي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق، وهذا المعنى حكاه الخطابي وارتضاه (2) .

كما قال البعض منهم، بأن المراد بالحديث، المنافقون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوا بإيمانهم وكذبوا، وأتمنهم على سره فخانوه ووعدوه بالخروج معه للجهاد فأخلفوه، وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء وأنه قال: حدثني به جابر، وذكر أن الحسن رجع إلى قول عطاء هذا عند بلوغه الخبر.

وقد رد ابن رجب الحنبلي على كلام محرم هذا بقوله: " هذا كذب والمحرم شيخ كذاب معروف بالكذب"(3) .

فالحديث عام في كل إنسان يظهر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الأكبر، والنفاق الأصغر وهو نفاق العمل " وهو أن يظهر الإنسان علانية صلاحه ويبطن ما يخالف ذلك ". والنفاق هذا ترجع أصوله إلى الخصال المذكورة في هذا الحديث وغيره (4) .

ومن الأحاديث النبوية التي استدل بها أصحاب المذهب الثاني ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي "(5) .

(1) سورة النساء آية 145

(2)

انظر فتح الباري90/1، عمدة القاري 222/1

(3)

انظر جامع العلوم والحكم ص 403

(4)

انظر جامع العلوم والحكم ص 403

(5)

أخرج الحديث البخاري عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، وهذا قطعة من حديث قصة هرقل. انظر العيني 259/13

ص: 777

واستدلوا أيضا بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: ((لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر: من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا، قال جابر فقلت: وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرات، قال جابر فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة)) (1) .

وأخرجه البخاري بلفظ قريب في باب من تكفل عن ميت دينا (2) . قال العيني: وقد استدل بعض الشافعية على وجوب الوفاء بالوعد في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم زعموا أنه من خصائصه ولا دلالة فيه أصلا لا على الوجوب ولا على الخصوصية (3) .

ومما استدل به أصحاب هذا الرأي ما أخرجه البخاري وذكره في معرض الاحتجاج لوجوب الوفاء بالوعد عن المسور بن مخرمة أنه قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له فقال: وعدني فوفاني "(4) .

ومن ذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: ((وأي المؤمن واجب)) (5) بمعنى وعده واجب الوفاء به.

واستدلوا كذلك بما رواه الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((" لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه)) (6) .

ومن أدلتهم بهذا الخصوص أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وعد وعدا قال: عسى، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يعد وعدا إلا ويقول: إن شاء الله، وقد حمل الغزالي ذلك بعد ذكره لهذا الخبر، على أن الواعد إذا جزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد جازما على أن لا يفي، فهذا هو النفاق (7) . لكن صاحب مرقاة المفاتيح قال بعد نقل هذا عن الغزالي: وهذا كله يؤيد الوجوب إذا كان الوعد مطلقا غير مقيد بعسى أو المشيئة ونحوهما مما يدل على أنه جازم في وعده، فقول الغزالي محل بحث (8) .

وقد حمل أصحاب الرأي الأول الروايات التي استدل بها الفريق الثاني على الندب والاستحباب.

(1) انظر عمدة القاري 258/13وصحيح البخاري بشرح فتح الباري 218/6

(2)

انظر العيني في عمدة القاري 121/12

(3)

عمدة القاري

(4)

انظر عمدة القاري 258/13 وفتح الباري 218/6

(5)

انظر الفروق للقرافي20/4

(6)

أخرجه الترمذي وقال عنه: حسن غريب. انظر تحفة الأحوذي 131/6 عارضة الأحوذي 161/8

(7)

انظر إحياء علوم الدين 133/3

(8)

انظر مرقاة المفاتيح 653/4

ص: 778

المذهب الثالث: التفصيل في وجوب الوفاء بالوعد:

ذهب فقهاء المذهب المالكي إلى التفصيل فيما يجب الوفاء به من الوعود وما لا يجب وكانوا في ذلك فريقين.

الفريق الأول: وهو المنقول عن مالك وابن القاسم وسحنون، ويقضى رأيهم بأن الوعد يكون لازما يجب الوفاء به ويقضى القاضي به على الواعد إذا كان الوعد تم على سبب ودخل الموعود له بسبب الوعد في شيء.

قال القرافي: " اختلف العلماء في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟ قال مالك: إذا سألك أن تهب له دينارا فقلت نعم ثم بدا لك لا يلزمك، ولو كان افتراق الغرماء عن وعد وإشهاد لأجله، لزمك لإبطالك مغرما بالتأخير، قال سحنون: الذي يلزم من الوعد قوله: اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به، أو: اخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو: اشتر سلعة، أو: تزوج امرأة وأنا أسلفك؛ لأنك أدخلته بوعدك في ذلك، أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به بل الوفاء به من مكارم الأخلاق "(1) .

وإذا تنازع الواعد والموعود له فيما يلزم الواعد بسبب وعده، فقد قالوا: إذا اشترى رجل من آخر كرما فخاف الوضيعة، فأتى المشتري إلى البائع ليستوضعه، فقال له البائع: بع وأنا أرضيك، فإن باع المشتري الكرم برأس ماله أو بربح، فلا شيء على الواعد، وإن باع بالوضيعة كان عليه أن يرضيه، " فإن زعم الموعود أنه أراد شيئا سماه، فله ما أراد اتفاقا، وإن لم يكن أراد شيئا، أرضاه الواعد بما شاء وحلف بالله أنه ما أراد أكثر من ذلك ". وهذا هو رأي أشهب، أما على رأي ابن وهب واستحسنه أصبغ، فإن على الواعد، إرضاء الموعود بما يشبه، أي بالمثل، وهو ما يكون مرضيا عند الناس. أما لو حلف الواعد ليرضينه فإن عليه أن يوفيه بما يرضيه ويرضي الناس (2) .

(1) انظر الفروق 24/4 وما بعدها. وكذا ابن عليش في فتح العلي المالك 254/1 فقد نص على ما يلي: " يقضى بها إن كانت على سبب ودخل الموعود بسبب العدة في شيء وهذا هو المشهور من الأقوال"

(2)

انظر فتح العلي المالك 255/1

ص: 779

الفريق الثاني: ويمثله مذهب أصبغ، وقالوا عنه بأنه مذهب قوي، ويقضي بلزوم الوعد ووجوب الوفاء به إذا تم الوعد على سبب وإن لم يدخل الموعود له في مباشرة شيء، نقل ذلك ابن عليش المالكي حيث قال:" والقول بأنه يقضي بها إذا كانت على سببه وإن لم يدخل بسببها في شيء هو قول أصبغ في كتاب العدة "(1) .

فعلى هذا الرأي، لو قال رجل لآخر إن غرمائي يلزمونني بدين، فأسلفني أقضهم فوعده المقابل، ثم بدا له الرجوع، فإن على مذهب أصبغ، يجب الوفاء لأنه وعد على سبب، وعلى مذهب مالك ومن وافقه، لا يجب، لأن الموعود له لم يدخل في شيء إلا إذا اعتقد منه الغرماء على موعد وأشهد بإيجاب ذلك على نفسه (2) .

وحجة المالكية في تفصيلهم هذا، أن النصوص الشرعية بهذا الصدد قد تعارضت، فمنها ما أوجب الوفاء بالوعد مطلقا، وهي الأدلة التي ساقها موجبو الوفاء بالوعد، ومنها ما لم يجعل إخلاف الوعد من الكذب كحديث الموطأ وأبي داود، وأما قوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} . فإنها نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وما جاهدوا، وفعلنا أنواع الخيرات وما فعلوا (3) . ولا شك أن هذا محرم لأنه كذب، وأما كون مخلف الوعد منافقا فهو محمول على حالة كون الإخلاف سجية له أو تعمدا، فكان لا بد من حمل هذه النصوص على خلفا ظاهرها وأن يجمع بين الأدلة، فوافق هذا الرأي من أوجب الوفاء بالوعد إذا كان الوعد على سبب وباشره، ووافق من لم يلزم الوفاء بالوعد فيما عداها من الوعود المجردة، هكذا ذكر القرافي (4) .

وقد رد ابن الشاط على كلام القرافي هذا، حيث قال: بأنه ينبغي الجمع بين الأدلة وتأويل ما يناقض ذلك، فيحمل حديث الموطأ وأبي داود بما يتسق مع الآية وحديث خصال المنافق، وذلك بأن تكون المسامحة في إخلاف الوعد اضطرارًا (5) .

وقد انتقد ابن حزم تقسيم المالكية هذا وتفصيلهم وقال: " بأنه لا وجه له ولا برهان يعضده لا من قرآن ولا سنة ولا قول صحابي ولا قياس، فإن قيل: قد أضر الواعد بالموعود إذ كلفه من أجل وعده عملا ونفقة، قلنا: فهب أنه كما تقولون فمن أين وجب على من ضر بآخر وظلمه وغره أن يغرم له مالا؟ "(6) .

وقول ابن حزم هذا غير مسلم، فقد ساق أصحاب الرأي الثاني من الأدلة ما فيه الكفاية، للقول بلزوم الوفاء بالوعد.

(1) انظر فتح العلي المالك 255/1 وكذا القرافي في الفروق 25/4

(2)

انظر ابن عليش فتح العلي المالك 255/1 وكذا القرافي في الفروق 25/4 أيضا

(3)

انظر الجامع لأحكام القرآن 77/18

(4)

انظر الفروق 25/4

(5)

انظر حاشية ابن الشاط على الفروق 25/4

(6)

انظر المحلى 28/8

ص: 780

الرأي الراجح:

لقد تبين لنا من خلال ما نقلنا عن أئمة الفقه رحمهم الله أنهم اتجهوا ثلاثة اتجاهات في القول: بإلزام الواعد بالوفاء بوعده أو عدم إلزامه، ومن خلال ما استدل به كل فريق من أدلة، يترجح لنا رأي الفريق القائل: بوجوب الوفاء بالوعد مطلقا، وكما يلزم الواعد بالوفاء بوعده ديانة، يلزم به قضاء (1) . وذلك لرجحان أدلة هذا المذهب من جهة، ولعدم وجود مبرر للتفريق بإلزام الواعد بوفاء وعده ديانة وعدم إلزامه به قضاء مع ملاحظة ما اشترطه الفقهاء من وجوب تحقق ركني العقد – الإيجاب والقبول – ممن تتوفر فيهما أهلية التعاقد، وأن يتم ذلك في مجلس واحد وإذا أخل الواعد بوعده، فعليه تعويض ما لحق الطرف المقابل من أضرار.

جواب السؤال مدار البحث:

بعد أن تبين لنا في موضوع الوعد، رجحان رأي من يلزم الواعد بالوفاء بوعده، فالجواب على سؤال الآمر بالشراء مرابحة، وهل يلزم بذلك؟ يكون الجواب كالآتي:

إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاءً لأحكام المذهب المالكي، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل به.

على أن تلاحظ الشروط التي اشترطها الفقهاء في مثل هذه العقود وتلخص بما يلي:

1-

تطابق الإيجاب والقبول وأن يتم هذا التطابق في مجلس واحد.

2-

أن يكون الثمن والسلعة معلومين لدى المتعاقدين.

(1) وهذا هو مذهب ابن شبرمة ومن نحا نحوه،. وقد أخذ رجال القانون بهذا الرأي أيضا. وانظر في ذلك: مسألة الوعد بالتعاقد، نظرية العقد للدكتور السنهوري ص262، الوسيط للسنهوري أيضا 265/1، أصول الالتزام للدكتور حسن علي الذنون ص67 مطبعة المعارف بغداد، الوسيط في نظرية العقد للدكتور عبد المجيد الحكيم 193/1

ص: 781

3-

أن يبقى العقد معلقا لحين حيازة المصرف الإسلامي السلعة ودخولها في ملكه، لئلا يحصل بيع المبيع قبل قبضه، وذلك لا يجوز.

4-

أن توصف السلعة للمشتري وصفا تزول معه الجهالة، فإذا تم العقد وأراد المصرف تسليم البضاعة للآمر بالشراء مرابحة، فإن لم تكن السلعة على الوصف الذي اتفق عليه الطرفان في العقد، فللمشتري الحق في فسخ العقد، عملا بخيار الوصف.

ومع أننا قد أخذنا برأي من يلزم الواعد بالوفاء بوعده ديانة وقضاء، فإننا نوصي القائمين على المصارف الإسلامية باتباع ما يلي: وذلك للخروج من خلاف الفقهاء.

أ- أن يمتلك التصرف الإسلامي البضاعة قبل أن يتعاقد عليها مرابحة، ومن ثم يبيعها مرابحة وفق الشروط التي تكلمنا عنها في الفصل الأول من هذا البحث.

ب- إذا لم يلحق المصرف ضرر من جراء وعد الواعد له بالشراء مرابحة، فلا يطالبه بتعويض مالي، أما لو لحقه ضرر فلا بأس من أخذ التعويض في هذه الحالة، لأن المصرف المعين مؤتمن على الأموال المودعة عنده، قلا يحق للقائمين على شؤونه التفريط في حقوق أصحاب تلك الأموال.

وأسأل الله أن يجنبنا الزلل في القول والعمل إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إبراهيم فاضل الدبو

ص: 782

مراجع البحث

بعد القرآن الكريم

1) الجامع لأحكام القرآن – لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي.

الطبعة الثالثة – دار الكاتب العربي للطباعة والنشر 1387 هـ – 1967م.

2) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني إدارة الطباعة المنيرية.

3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري – للعسقلاني – مطبعة البابي الحلبي.

4) صحيح مسلم بشرح النووي – دار الفكر- بيروت.

5) إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد الغزالي، المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

6) فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك للشيخ محمد عليش- الطبعة الأخيرة 1378 هـ – 1958م.

7) الفروق لأبي العباس الصنهاجي القرافي مع حاشية قاسم بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن الشاط مع تهذيب الفروق لمحمد بن الشيخ حسين دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت.

8) المحلى لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم – المكتب التجاري للطباعة والنشر.

9) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي – نشر دار العلوم الحديثة – بيروت.

ودار الشرق الجديدة – بغداد.

10) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري – نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

ص: 783

11) من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – لعلي بن سلطان محمد القارني – نشر المكتبة الإسلامية.

12) الموطأ – للإمام مالك بهامش كتاب المنتقى للباجي – الطبعة الأولى.

13) شرح بداية المبتدي – لبرهان الدين علي أبي بكر المرغيناني والمطبوع مع فتح القدير – الطبعة الأولى – بولاق مصر 1317هـ.

14) شرح فتح القدير للكمال ابن المهام. والمطبوع مع الهداية.

15) المغني – لابن قدامة على مختصر الخرقي _ مطابع سجل العرب بالقاهرة.

16) الشرح الكبير للدردير على مختصر سيدي خليل – المطبعة الأميرية.

17) روضة القضاة وطريق النجاة – لأبي القاسم علي بن محمد بن أحمد الرحبي السمناني تحقيق الدكتور صلاح الدين الناهي. مطبعة أسعد ببغداد.

18) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع – لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني- مطابع الإمام – القاهرة.

19) المبسوط – لشمس الدين محمد بن سهل السرخسي – مطبعة السعادة بمصر 1324 هـ.

20) الدر المختار شرح تنوير الأبصار لعلاء الدين الحصكفي- مطبعة البابي الحلبي الطبعة الثانية.

21) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين والمطبوع مع الدر المختار.

22) المدونة الكبرى رواية الإمام سحنون بن سعيد التنوطي عن عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك – الطبعة الأولى.

23) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف – لعلي بن سليمان المرداوي مطبعة السنة المحمدية في غزة 1955م.

ص: 784

24) المهذب لأبي إسحاق إبراهيم علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي. مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر.

25) مغني المحتاج إلى معاني ألفاظ المنهاج – للخطيب الشربيني – مطبعة البابي الحلبي.

26) شرح الخرشي لمختصر سيدي خليل – لأبي عبد الله محمد الخرشي ومعه حاشية الشيخ العدوي – المطبعة الأميرية ببولاق مصر – الطبعة الثانية.

27) مطالب أولى النهي في شرح غاية المنتهى للسيوطي الرحيباني – الطبعة الأولى لسنة 1380هـ- 1960م منشورات المكتب الإسلامي بدمشق.

28) كشاف القناع عن متن الإقناع – لمنصور بن يونس البهوتي، والإقناع للحجاوي الناشر مكتبة النصر الحديثة في الرياض.

29) قواعد العلامة – للحسن بن يوسف بن المطهر الحلبي وهو متن مفتاح الكرامة.

30) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة لمحمد جواد العاملي – مطبعة الشورى.

31) البحر الزخار – الجامع لمذاهب علماء الأمصار – لأحمد بن يحيى بن المرتضى – مطبعة السنة المحمدية بمصر – 1368هـ – 1949 م.

32) مصادر الحق في الفقه الإسلامي – للدكتور عبد الرزاق السنهوري – الجزء الثاني الطبعة الثالثة 1967 م.

33) نظرية العقد – للدكتور عبد الرزاق السنهوري.

34) أصول الالتزام – للدكتور حسن علي الذنون – مطبعة المعارف.

35) الوسيط – للدكتور عبد الرزاق السنهوري.

36) الوسيط في نظرية العقد- الدكتور عبد المجيد الحكيم.

ص: 785