الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعها
إعداد
الشيخ محمد علي التسخيري
بسم الله الرحمن الرحيم
نجد من الضروري قبل البت في هذا الموضوع أن نتحدث – بشيء من الإسهاب – حول الحق في الإٍسلام لأن ذلك يلقي أضواء نافعة على الموقف في مسألتنا (بيع الحقوق المعنوية) .
الحق في اللغة هو الثبوت ولذا يطلق على الباري جل وعلا، فهو تعالى الحق المطلق،
ويطلق على الخبر المطابق للواقع.
والكون كله يقوم بالحق أي بمقتضى الرحمة الإلهية، والحاجة الواقعية له. وعلى غرار هذا المعنى الواقعي انتزع مفهوم اعتباري وثبوت اعتباري وذلك لتنظيم العلاقات الاجتماعية ويمكن القول بأن الحق يجب أن يمتلك بعدين:
(أ) النشوء من حالة واقعية (تركيب تكويني، مصلحة واقعية) .
(ب) اعتبار شرعي أو عقلاني.
وهنا بحث مفصل عن مناشيء الحق الواقعية يرجعها إلى الفطرة من جهة والمصالح الاجتماعية الواقعية للإنسان وعن معايير تشخيص كون الحق واقعيا وإنسانيا واجتماعيا، وعن أصول الحق الإنسانية لا داعي للتعرض لها هنا.
أما مناشئ الحق الفقهية فيمكننا أن نقرر باختصار، أن المناشيء التي تقررها الشريعة للحق متعددة وأهمها:
1-
العقد كالبيع.
2-
الإرادة المنفردة كالوصية إن لم نقل بلزوم القبول فيها.
3-
العمل غير الشرعي كأنماط الجنايات.
4-
الشريعة مباشرة كحقوق النفقة والقسمة والتحجير وأمثالها.
5-
القانون الصادر من قبل الحاكم الشرعي وفق المصلحة العامة.
6-
العرف.
ولكن يتوضح المقصود نقول إن هذا المناشيء وغيرها (كالإثراء بدون سبب مثلا حيث يثبت حق لمن عمر بيتا آيلا للسقوط على أصحابه لا بقصد التبرع – لو قلنا بثبوت الحق بذلك) ، تصدر من الشريعة نفسها فهي تارة تتدخل مباشرة لتقرير الحق، وأخرى تجعل الحق متوقفا على منشأ معين، ولكن الأمر الذي يجب التركيز عليه هو الحق العرفي.
فلو تعارف الناس على حق ما فهل يمكن تصحيحه كحق شرعي مقرر عبر عمومات شرعية.
ولن نبحث الآن في الموضوع وإنما نتركه لبحث ما هو الأصل عند الاختلاف في الحق ولكننا نشير إلى أن الحقوق العرفية على نوعين:
الأول: ما يمتد بشكل طبيعي إلى حياة المعصوم عليه السلام، ولا نجده ينهى عنه من جهة فيكون مقررا من قبله. وتشمله من جهة أخرى عمومات (أوفوا بالعقود) أو (المؤمنون عند شروطهم) ، لو قلنا بشمولها للمرتكزات العرفية بين الناس ولم نقصرها على الشروط ضمن العقد، و (أحل الله البيع) ، وأمثال ذلك، فهذا لا كلام فيه.
الثاني: ما تعورف عليه في العصور المتأخرة، وهو الذي يجب التركيز عليه إذ لا معنى للاستدلال بالتقرير عليه ويبقى البحث عن شمول العمومات له، وهو ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الحكم والحق:
الحكم هو الجعل التكليفي أو الوضعي ويتعلق بفعل الإنسان منعا أو رخصة أو ترتيب أثر وهو لا يسقط بالإسقاط ولا معنى لنقله، فأمره بيد الشارع، نعم يستطيع المكلف أن يخرج عن موضوع الحكم فيسقط الحكم حينئذ بهذا الخروج بالإسقاط كما هو واضح.
أما الحق فيطلق تارة في قبال الملك وأخرى بما يرادفه وهو بمعنييه سلطنة مجعولة للإنسان من حيث هو على غيره ولو بالاعتبار من مال أو شخص أوهما معا.
واعتبر أحيانا مرتبة ضعيفة من الملكية.
وله طرفان. ذو السلطنة والمسلط عليه، وقد يكون مستقلا بنفسه كحق التحجير، وقد يتقوم بغيره كحق المجني عليه على الجاني، وحق القصاص.
وقد يتحد ذو السلطنة والمسلط عليه كملكية النفس (والفرق اعتباري)، في قوله تعالى حكاية عن موسى:{إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي}
الحق والملكية والسلطنة:
اختلفت المواقف حول العلاقة بين هذه المصطلحات فنقل عن بعض العلماء أنه كان يقول بوحدتها، وعن عدة من المحققين أن الحق مرتبة ضعيفة من الملكية وله ما هية منفصلة عنها.
وذكر السيد الطباطبائي في تعليقته على كتاب (المكاسب) ، للشيخ العلامة الأنصاري أن الحق نوع من السلطنة والملكية.
وذكر المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني، أن الحق يختلف باختلاف الموارد ولذا تختلف آثاره فحق الولاية والوصاية والتولية المعتبر فيه، هو نفس الولاية والوصاية وإضافة الحق إليها إضافة بيانية. وحق التحجير عبارة عن كون صاحبه أولى بالأرض وحق القصاص والشفعة والخيار عبارة عن السلطنة.
وركز الإمام الخميني على كون الحق واحدا في الجميع مستشهدا بالارتكاز العرفي واعتبر الحق غير الملك والسلطنة، ذلك أن الحق قد يصدق في مورد لا تصدق فيه السلطنة والملك كحق السبق إلى الوقف، وحق التحجير، ولو انتقل حق التحجير بالإرث إلى طفل فإنه لن تكون هناك ملكية ولا سلطنة، كما أن السلطنة قد تعتبر وليس هناك حق أو ملك كالسلطنة على النفس.
ويفرق المرحوم آية الله الصدر بينها أيضا.
والظاهر أن الملكية تعني الحق المطلق للسلطنة إلا في موارد التحديد الشرعي فكأنها سلطنة نشأت مطلقة.
أما الحق فبطبيعته نشأ محدودا وهذا ما يفسر قول المحقق الأصفهاني الأنف.
ثم أنه لوحظت في الحق جهتان (من له ومن عليه) في الغالب، وليست الملكية كذلك ومن هنا ندرك أن نزاعهم في الأرض المحياة في محله. حيث دار النزاع عما تؤدي إليه أدلة الإحياء وهل هو الملكية أو الحق الخاص؟
فمن قال بأنه حق ذكر أن الأرض تبقى على ملكية الإمام وإن اكتسب الفرد فيها حقا يستطيع معه استثمارها ومنع غيره منها ما دام قائما بها، ولكن هذا لا يمنع الإمام من فرض الطسق عليه، وهو رأي الشيخ الطوسي والسيد بحر العلوم، وتؤيده نصوص منها قول الإمام عليه السلام :" من أحيا أرضا، من المؤمنين فهي له وعليه طسقها ".
ويميل السيد الصدر لهذا الرأي لأن التعارض المستحكم بين الطائفتين من النصوص الدالة على ذلك يحل بالرجوع إلى كتاب الله حيث جعل طريق نقل الملكية (التجارة) . ولم يذكر الإحياء فلا مناص من جعله مؤديا للاختصاص فقط والتفصيل في الأمر يذكر في محله.
المصاديق المشتبهة بين الحق والحكم:
هناك مصاديق مشتبهة بين كونها حقوقها أو أحكاما.
من قبيل حق الرجوع في المطلقة الرجعية، إذ قال المحقق القمي ومن تأخر عنه إنه حق لا يجوز الصلح عليه، وقال آخرون إنه حكم باعتبار بقاء العلقة الزوجية بضعف وتزلزل، فهو من قبيل جواز الرجوع في الأحكام الجائزة، أما إذا لم نقل ببقاء العلقة الزوجية كان حقا وهو خلاف ظاهر قوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
وهناك موارد مختلفة أخرى كثيرة من قبيل:
الاختلاف في الخيارات وهل هي حقوق. والأولوية بالسبق إلى الأوقاف فهل هي حكم بتحريم مزاحمة السابقين، أم هي حق، وكذلك جواز الصلح على حق إقامة الدعوى، وحق اليمين، وحق الغيبة وغيرها، وكذلك في النفقات يوجد خلاف بل وتمييز بين نفقة الزوجة لإطلاق الحق عليها في النصوص ونفقة الأقارب.
الاستعمالات العامة والفرق بين الحق والحكم:
إن كلا من الحق والحكم قد يستعمل استعمالات فيشمل أحدهما الآخر، فالحق يعني الثبوت وربما أريد به ثبوت الاعتبار فيشمل الحكم، وربما عني بالحكم الحكم الوضعي وآثاره، فشمل الحق.
أما لو جعلنا أحدهما في قبال الآخر فإننا نلاحظ:
أولا: أن مفهوم الحق من المفاهيم ذات الإضافة فهو لأحد على أحد ويضاف إلى الشيء.
أما مفهوم الحكم فهو مفهوم نفسي لا نسبة فيه إلا للفاعل.
ثانيا: أنه أخذ في الحق وجود سلطنة لصاحبه على ما عداه بعكس الحكم.
ثالثا: أن الحكم لا يقبل الإسقاط والنقل والانتقال بعكس الحق في كثير من مصاديقه.
ثبوت الحق دون الملكية بالمعنى المطلق:
كثيرا ما يثبت الحق دون الملكية بالمعنىالمطلق:
فهناك حق الاختصاص في الموارد التي لا مالية فها شرعا أو عرفا كاقتناء الأعيان النجسة، فيوجد فيها حق إما للحيازة أو لامتلاك الأصل، كما لو مات الحيوان المملوك، وربما كان ثبوت هذا الحق باعتبار ما هناك من منافع متبقية.
وهناك حق التحجير وهو عمل مُقَدميّ لتشخيص المساحة التي يراد إحياؤها، ويتم بالنسبة للأرض بتحجيرها وللبئر بحفرها (قبل الوصول للمعدن) ، والقناة قبل وصلها بالنهر، ويعتبر في هذا الحق ما يمكنه إحياؤه إذ جاء في تذكره الفقهاء: 2/420، (ولا ينبغي أن يزيد المحجر على قدر كفايته ويضيق على الناس، ولا أن يحجر ما يمكنه القيام بعمارته، فإن فعل ألزمه الحاكم بالعمارة، والتخلي عن الزيادة، فيسلمها إلى من يقوم بعمارتها) ، وهذا الحق ينتقل بالإرث واختلف في إمكان نقله بالبيع.
الإسقاط والنقل والانتقال:
تختلف الحقوق – بما هي – من حيث القبول للإسقاط والنقل والانتقال.
فمنها: ما لا يجوز فيها أي من ذلك كحق الولاية وحق الأبوة وحق استمتاع الزوج، وحق الجار وحق المؤمن.
ومنها: ما يجوز فيه كل ذلك – على المشهور – كحق الخيار والقصاص والرهانة والتحجير والشرط المطلق.
ومنها: ما يسقط بالإسقاط ولا ينتقل كحق الغيبة، والإيذاء بالضرب والشتم – إن كان من الحقوق – لأنه يجب يه الاستحلال فقط.
ومنها: ما يسقط بالإسقاط وينتقل بالإرث – على قول – ولا ينقل بالنوافل، كحق الشفعة للشريك.
ومنها: ما ينقل مجانا لا بعوض كحق القسم بين الزوجات، لو قلنا بعدم إمكان مقابلته بعوض.
وهناك اختلاف شديد حول كون بعضها حقوقا أصلا وحول آثارها من الإسقاط والنقل والانتقال.
منشأ الاختلاف:
ذكر أن منشأ الاختلاف يتلخص في كون الموجب للحق علة تامة، وحينئذ لا تنفك عن المعلول بسقوط أو نقل كولاية الأب أو يكون كالمقتضي فيمكن فيه التخلف.
والواقع أن الأمر راجع لكيفية الاستفادة من النصوص الشرعية التي تقرر الحق، ونوع الارتكاز العرفي له إن كان عرفيا ممضي من قبل الشارع.
ما هو الأصل في البين:
ذكر الإمام الخميني والسيد بحر العلوم في (بلغة الفقيه) ، أنه لا أصل معين في البين ولذلك يجب الرجوع إلى الأصول العملية عند التردد بين الحقية والحكمية.
ومقتضى الأصول العملية نفي الآثار الشرعية لانتقال الملكية وذلك لأنها مبتنية على التيقن بكونها حقوقا.
أما عند الشك في قابلية الحق للإسقاط والنقل فيقال:
إن الحقوق كما مر قد تذكرها النصوص مباشرة وقد تستقى من العرف، أما الحقوق من النوع الأول فيتبع فيها النص الذي يذكرها وعند الشك لا مجال إلا للرجوع للأصول العملية، وقد رأينا أنها تقتضي عدم ترتيب الآثار الشرعية لأن الموضوع يجب تحققه أولا والتأكد عن كونه مؤديا للأثر الشرعي.
وأما الحقوق من النوع الثاني وهي ما يمكن تسميته بالحقوق العرفية فنقول فيها:
إن الحقوق العرفية تارة تكون سيرة عقلائية ممتدة إلى عصر المعصوم، فإذا لم يرد فيها نهي اطمأننا إلى كونها مقرة شرعا، بالإضافة إلى شمول العمومات لها قطعا، وأخرى تكون أعرافا مخترعة بعد عصر المعصوم وهذه بدورها يمكن تقسيمها إلى حقوق عرفية نجد لها ما يشابهها من الشرع وأخرى لا مشابه لها، كما يمكن تقسيمها إلى أعراف لها سابقة مضادة لها وأخرى مخترعة تماما.
والقاعدة في كل هذه الموارد ملاحظة مدى انطباق الخطابات العامة من قبيل (أوفوا بالعقود) ، وقد فسرت بالعهود وهي تشمل العهود والعقود العرفية ولا تنحصر بخصوص العقود في عصر المعصوم، وإنما تتجاوزها إلى كل ما يمكن أن يدعى لدى العرف عقدا وعهدا ومن هنا فتح الفقهاء بابا للعقود الجديدة، ولم يدعوا الأمر ينحصر بالعقود المتعارفة في صدر الإسلام وبذلك صححوا عقود العمل، والتقاعد، والتامين وغيرها.
وعندما يعود العقد متعارفا يصدق عليه العموم مهما كانت سابقته، فإذا كان له مشابه شرعي كان أقرب للدخول في موضوعات العمومات الشرعية، وهذا المعنى سوف نتعرض إليه عند تطبيق هذا المعنى على الحقوق المعنوية فإن لها ما يشابهما من العقود الشرعية.
هل يقبل الحق العوضية والمعوضية أم لا؟
ربما نجد من يرفض أن يكون الحق عوضا أو معوضا في عملية البيع باعتبار أن البيع يعرف بأنه (عملية تمليك للعوضين) ، وهو تعريف لا يأتي بالنسبة للحقوق لأنها غير الملك والسلطنة.
إلا أن الحقيقة هي أن الحقوق هي مراتب ضعيفة من الملكية كما قلنا، ومن جهة أخرى نقول بأنه لا يعتبر التمليك في ماهية البيع فالوقوف العام في بعض الحالات يباع إلا أنه ثمنه لا يدخل في ملك أحد وكذلك في بيع الغلات الزكوية – على قول – فإنه رغم عدم وجود التملك يصدق البيع بلا ريب.
وإذا أمكن أن يكون الشيء عوضا أمكن أن يكون معوضا ولا معنى للتفصيل بينهما.
ثم أنه هل يصح أخذ العوض في قبال الإسقاط ويصدق معه البيع؟
الظاهر أنه لا إشكال في جعل الإسقاط بالمعنى المصدري عوضا بل معوضا بمعنى جعل عمل صاحب الحق ملكا للطرف الأخر على عهدته، كجعل الخياطة والكتابة بالمعنى المصدري على عهدة الخياط والكاتب.
ويمكن أن نؤيد هذا المعنى بملاحظة مسألة إسقاط الشرط بعوض، وربما يمكن القول بأن يجعل نفس السقوط عوضا أو معوضا لأنه يكفي في طرف العوض كل ما يصلح للعوضية، وإن لم يكن هناك نقل – كما يقول الإمام – فإنه لا إشكال في صحة أن يؤجر الشخص عمل شخص آخر ليعمل عملا لشخص ثالث أو لكنس المسجد حيث لا ينتقل العمل للمستأجر.
ومهما كان الأمر فإن هناك أسلوبا آخر للتعويض هو أسلوب (الصلح) ، بناء على كون الصلح ممكنا إجراؤه في كل مجال ولا يختص بحالات الخلاف – وهو ما نقوله به -.
بيع الحقوق المعنوية:
والأسئلة التي تطرح في البين هنا يمكن تلخيصها بما يلي:
1-
هل هي حقوق شرعية أو عرفيه أم لا؟
2-
هل هناك فرق بين هذه الحقوق أم لا؟
3-
هل يمكن تصحيح بيعها بالعناوين الأولية للأحكام أم نحن بحاجة للجوء للعناوين الاستثنائية أي العناوين الثانوية أو العناوين الولائية؟
فلنلاحظ الجواب على هذه الأسئلة على ضوء ما تقدم:
هل الحقوق المعنوية المعروفة اليوم هي حقوق مشمولة للعمومات أم لا؟
هناك رأيان متعاكسان في البين:
أحدهما: وهو الرأي النافي يؤكد على عدم كونه حقا مشمولا للعمومات باعتبار أن العرف لا يراه حالة طبيعية وحقا صحيحا، وإنما يراه أسلوبا من أساليب الاحتكار الذي لا مسوغ له، وبالعكس فإن العرف درج – بتأثير من إمكاناته الفطرية – على التقليد – وملاحظة ما انتهى إليه الآخرون، ثم العمل على تقليده وبالتالي العمل على تطويره، وهذه حالة عامة سارية في شتى المجالات الإنسانية وبها تتكامل شخصية الإنسان الحضارية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشخص إذا ملك الكتاب أو الآلة المخترعة كان له الحق في التصرف فيها بما يشاء بمقتضى السلطنة التي حصلت له وإن منعه من استعمال هذا الحق لا مجوز له شرعا.
وإذا استعرضنا كل منابع الحق التي أشرنا لها فيما سبق نجد أنه لا يأتي أي منها في هذا المورد ولذا فلا معنى للقول بوجود هذه الحقوق.
والرأي الأخر: - وهو الرأي المثبت – يؤكد من جهته أن هذه الأمور أصبحت حقوقا عرفية معترفا بها بين الشعوب والدول، وقام لها نظام ثابت معترف به رسميا بل وعاد إنكارها أمرا مستغربا – أما ادعاء كونها أعرافا جديدة فلا يضر بكونها مصاديق جديدة للعهود والشروط الشرعية والعمومات الواردة فيها، وفي لزوم الوفاء بها.
ويؤيد هذا الجانب رأيه بذكر أمثلة من الحقوق الشبيهة بالحقوق المعنوية من قبيل حقوق المؤمن، وحقوق الجوار وأمثالها، بل ربما يمكن القول بأن الحقوق في أغلبها حقوق معنوية بمعنى أنها ترجع إلى شخصية صاحب الحق وكرامته وامتيازاته وتوابعه والحقوق التي نبحث عنها داخلة في هذا الباب، فحق التأليف يعني أن يتمتع الإنسان بسلطة على ما أنتجه، حق العلامة التجارية، يعني أن تتمتع الشركة بسلطة على تلك العلامة التي خدمتها وقوتها، فهي بالتالي من توابع الملكية والسلطنة، تماما كما يقال من أن الإنسان يملك نتيجة عمله باعتبارها امتدادا لشخصيته.
وعلى أي حال، فإن قلنا بتحقق هذه المصداقية جاءت تلك العمومات الأنفة وإلا كان علينا أن نبحث عن سبيل آخر لتقرير الموقف النهائي وهذا ما يدعونا للجوء للعناوين الاستثنائية.
هل هناك فرق بين هذه الحقوق؟
الظاهر أنه لا فرق بين هذه الحقوق فكلها أمور مخترعة لا سابقة لها عرفا وليس بينها ما يميزها من بعضها من هذا الجانب، ولذا فإن النزاع يأتي فيها جميعا على حد سواء.
هل يمكن التصحيح بالعناوين الأولية أم أن علينا اللجوء للعناوين الاستثنائية؟
قلنا سابقا إن تصحيحها وفقا للعناوين الأولية للأحكام متوقف على مصداقيتها لعنوان (الحق العرفي) ، مما يؤهلها للدخول كموضوعات للعمومات الشرعية وهو ما رأينا فيه من اختلاف.
ومن هنا فنحن نعتقد ولو على سبيل الاحتياط باللجوء إلى العناوين الاستثنائية وهي العناوين الثانوية، والعناوين الحكومية الولائية.
أما بالنسبة للعناوين الثانوية فيمكن أن يقال إنه في الموارد التي تنقض فيها هذه الحقوق يحدث ضرر نوعي بلا ريب، مما يجعل المورد من موارد وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) ، الأمر الذي لا يسمح بهذا النقض.
ويمكن لأحد أن يناقش في هذا بالقول بأن المورد قد يكون من موارد منع الاستغلال والاحتكار والربح الكثير لا غير وحينئذ فلا ملزم لعدم القيام به.
ومن هنا فأسلم الطرق هو سبيل العنوان الحكومي.
ذلك أن ولي الأمر بعد أن يلحظ المصلحة الاجتماعية في حماية حقوق التأليف والاختراع والعلائم التجارية وأمثال ذلك، ويرى غلبتها على المصالح الناتجة من عدم وجود هذه الحقوق، فإنه يحكم بشرعيتها ويعمم حكمه على الجميع، ويصدر بشكل قانون مصوب من المجالس التقنينية ولا ريب في نفوذ حكمه في مثل هذه الموارد على مختلف الآراء في مدى صلاحية الحاكم الشرعي في تعميم أحكامه الولائية ونفوذها.
والله أعلم.
الشيخ محمد علي التسخيري