الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات".
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب/ البنك الإسلامي للتنمية / جدة.
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407هـ
18 /6 – 21/ 6/ 1987م
بحث السيد إيريك ترول شولتز
عن
دراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك
دراسة تطبيقية
تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك
أريك ترول شولتز
دائرة العلوم الإدارية – جامعة أودنسي
مقدمة إلى ندوة خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية:
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات:
المنعقدة في عمان من 18 – 20 حزيران
1987 والمعدة من قبل المجمع الملكي
لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) بالتعاون مع مركز
البحوث والتدريب الإسلامي وبنك التنمية الإسلامي – جدة-
المملكة العربية السعودية.
شيء من تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك:
تعتبر عملية إقامة بنك إسلامي في الدنمارك، خطة وتنظيمًا وتطبيقًا، تحديًا صعبًا ومعقدًا في نفس الوقت، وذلك لوجود تباين واسع في الأوضاع القانونية بين الدنمارك والأقطار الإسلامية.
وقد بَنَيْتُ ورقة الدراسات التطبيقية على التجارب التي تجمعت لدي خلال ما يقرب من أربع سنوات عملت إبانها مشرفًا على إنشاء بنك دنماركي جديد يتعامل حسب الشريعة الإسلامية وبموجب قانون البنوك الدنماركي في وقت واحد.
لمحة تاريخية، مع شيء عن وضع المؤسسة:
في خريف 1982 منحت مراقبة البنوك الدنماركية رخصة بنك تجاري للشركة القابضة المسماة جهاز البنوك الإسلامية في لكسمبرج (سميت فيما بعد بيت المال الإسلامي) تُخَوِّلها هذه الرخصة أن تنشئ بنكًا تجاريًّا باسم " البنك الإسلامي الدولي – الدنمارك".
وقد أوضحت مراقبة البنوك عند منح الرخصة أن على البنك الإسلامي الدولي أن يعمل ضمن قانون البنوك الدنماركي شأنه في ذلك شأن أي بنك تجاري آخر إذ لا يوجد امتياز أو استثناء لأي بنك دنماركي بالنسبة لقانون البنوك أو أي قانون دنماركي آخر.
ولما كانت الشركة القابضة في لكسمبرج هي المساهم الوحيد فقد تقدمت بطلبات ترخيص بنوك في جميع الدول الكبرى في أوروبا، ولكن التصريحات لم تمنح بمجرد تقديم الطلبات فاضطرت الشركة القابضة أن تتقدم بطلب جديد تحدد فيه طلبها بأن تعمل كبنك تجاري مع إذن خاص من البنك المركزي بأن تكون وكيلًا له في العمليات الأجنبية، فقانون البنوك خاص بنوع واحد من البنوك العامة: فالبنوك التجارية وحدها هي التي يسمح لها بتجسير المسافة بين الفائض والعجز في طرفي الاقتصاد، والبنوك وحدها هي المسموح لها بطلب الودائع وقبولها من الجمهور، وتدخل بنوك التوفير تحت سلطة قانون البنوك الدنماركي. وهناك بعض المؤسسات المالية غير البنكية التي تتعامل بالموجودات والمطلوبات دون أن يكون لها حق في قبول الودائع.
يتشدد قانون البنوك الدنماركي في تحديد نشاطات البنوك والتأكيد على بقاء قدرتها على الوفاء أعلى من غيرها في الـ OECD أي منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي، بحيث لا تقل عن 8 % من مجموع الديون والكفالات معا. كذلك يخضع استثمار الأموال ونسبة السيولة لأنظمة صارمة.
تعتبر مراقبة البنوك بصفتها هيئة حكومية هي السلطة المشرفة التي تراقب البنوك ضمن قانون البنوك. أما البنك المركزي الذي يتمتع بشبه استقلال تام عن الحكومة، فيما يتعلق بأمور السيولة، فهو الذي ينظم السياسة المالية المفروضة، فتكون له المراقبة على البنك في مسائل العملة الأجنبية.
وقد باشر البنك الإسلامي الدولي أعماله في 18 نيسان سنة 1983 بإدارة عامة وفرع للجمهور في وسط كوبنهاجن، وانحصر التوظيف في الدنمركيين، وقد بدأ تدريبهم على أنظمة التعامل الإسلامية بصورة مكثفة قبل افتتاح البنك للجمهور بشهرين، وكان يدربهم مسؤولون من الشركة القابضة، ولم تتوقف عملية التوعية في الاقتصاد الإسلامي حتى الآن.
أما أصعب العمليات وهي إدخال العقود والإجراءات المطلوبة في هذا البنك الدنماركي الجديد، فقد تم التغلب عليها بالتعاون بين الشركة القابضة التي قدمت علماء الشريعة وبين الاقتصاديين والمصرفيين الدنمركيين.
ولا ننسى أن هذا كان بنكًا دنماركيًا جديدًا بأهداف جديدة اعتبرها كثير من المراقبين الغربيين بأنها ذات أهداف متضاربة، لأن كل معاملات البنك يجب أن تتمشى مع الشريعة الإسلامية بكل دقة وتحت إشراف المستشار الشرعي المعين لذلك، وكذلك تحت مراقبة فاحص الحسابات الشرعي الداخلي، وفي الوقت نفسه يتعين على البنك أن يطبق قانون البنوك الدنماركي أي أن يكون تحت إشراف السلطات الدنماركية شأنه في ذلك شأن أي بنك دنماركي آخر.
وكما يظهر في تقرير البنك السنوي لسنة 1985، فإن التجربة العملية للبنك الإسلامي الدنماركي في ضوء هدفه المزدوج قد أثبت أن أي بنك دنماركي يمكنه أن يتعامل بموجب الشريعة الإسلامية.. والبنك الإسلامي الدولي الدنماركي عضو مقبول لدى السلطات الدنماركية، وفي الوقت نفسه يهيئ هذا البنك الدولي المال الحلال كما وصفه فاحص الحسابات الشرعي.
وقد قسمت تعبئة الأموال وإنفاقها في الوجوه التالية:
التعبئة:
الحسابات الجارية
حسابات التوفير أو الحسابات المربوطة لأجل
حسابات الاستثمار (ودائع معينة)
الإنفاق:
المضاربة
المشاركة
المرابحة
الإجارة
خطابات الاعتمادات (المرابحة)
تم خلال صيف 1986، إجراء خمسة وعشرين عقدًا من عقود التعبئة والإنفاق الشرعية وتم اعتمادها من المستشار الشرعي الدكتور عبد الستار أبو غدة.
وإليكم لمحة عن مدى تطبيق عقود المرابحة كما وصفها المستشار الشرعي في تقارير فحص الحسابات لسنتي 1984 و 1985.
جاء في تقرير 1984:
"تمت دراسة كثير من المشكلات والنتائج من أجل تطوير وسائل الائتمان الشرعية المتفقة تمامًا مع القوانين الدنماركية والغربية ومع الشريعة الإسلامية، وقد تمكنت الشريعة الإسلامية من إيجاد حلول لكل المشاكل التي واجهها بَنْكُنَا الجديد والتي كانت تحديًا رئيسًا له ضمن الوسط القانوني الدنماركي – من خلال تطوير العمل البنكي نوعًا وتطبيقًا حسب الشريعة الإسلامية مما يمكن البنك الإسلامي الدولي من تزويد البنوك الإسلامية في أقطارها أو الأفراد بالخدمات البنكية الصحيحة.
فرضت هذه الظروف – أي العمل في وسط غير إسلامي- على البنك الإسلامي الدولي أن يقبل في بادئ الأمر بعض عمليات غير حلال في انتظار تيسير البدائل المناسبة، ولم تكن هذه النشاطات غير العادية مما يتفق مع اسم البنك الإسلامي الدولي أو سياساته المرسومة أي التعامل حسب الشريعة الإسلامية عند تقديم تلك الخدمات البنكية، مما يدل على أن البنك الإسلامي الدولي خضع لمبدأ الحاجة.
وقد تم التغلب على العمليات – غير الحلال التي كان البنك الإسلامي بحاجة لها تمشيًا مع قانون البنوك الدنماركي في بادئ الأمر، عندما تم تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية والعمليات الحلال لدى هذا البنك.
أما العمليات الحلال الكثيرة فقد غطت 82 % من استثمارات البنك حتى نهاية سنة 1984. أي أن العلميات الحلال كادت تستهلك كل الودائع الإسلامية في البنك، أما عائدات هذه العمليات الحلال فكانت تقيد في حساب منفصل في سجلات البنك.
شَكَّلَ دَخْلُ هذه العمليات سنة 1984 ما نسبته 54 % من الإيرادات العامة، بينما شكلت العمليات غير الحلال نسبة 46 % تم تمويلها من حصة الأسهم التي تم إفرادها منذ البدء لتيسير الخطوات اللازمة لتثبيت موقف البنك في الدنمارك"
جاء في تقرير 1985
"قام البنك الإسلامي الدولي خلال سنة 1985 بتطوير عملياته البنكية وزادها بحيث أصبحت تغطي 87 % من الأموال المتاحة للاستثمار و 98 % من مجموع المطلوبات، أما دخل العمليات الحلال فقد ارتفع إلى 78 % من مجموع الدخل العام، وقد جاء هذا التحسن بشكل خاص نتيجة لموافقة البنك المركزي على اعتبار القبولات البنكية الناجمة عن عقود المرابحة الآجلة جزءًا من احتياطي السيولة النقدية، مما مكن البنك الإسلامي الدولي من استعادة المبالغ التي كانت تستعمل في العمليات غير الحلال بموجب التعليمات البنكية القائمة.
وجدير بالذكر أن البنك الإسلامي الدولي قد أشنأ جهازًا داخليًا لمراقبة الحسابات بموافقة تامة من السلطات البنكية ضمن قانون البنوك الدنماركي، وتم إقرار هذا الجهاز من قبل مجلس الإدارة الذي يتلقى مراقب الحسابات تعليماته منه. وقد سهل ذلك التأكد من تطبيق مبادئ الشريعة على الحالات الفردية مما سهل في خلق تفهم للصعوبات العملية التي تواجه البنك في جهوده المتواصلة من أجل تحسين النظام المصرفي الشرعي وتطويره.
وتبين لنا من فحص حسابات سنة 1985 أن القسم الأكبر من عمليات البنك الإسلامي الدولي، قامت في أساسها على أسس شرعية وصلت الآن إلى عشرين نوعًا من حيث العدد.
وسائل الائتمان الرئيسة في استثمارات البنك الإسلامي الدولي:
كان الأسلوب المتعارف عليه عالميًا في التعامل بالمرابحة المؤجلة (ادفع واحمل) هو الدافع الرئيسي لاستثمار الأموال. وهذا الأسلوب كان يستعمل في أسواق لندن وعلى نطاق أضيق في نيويورك. ولم يكن لهذا النوع من التعامل مرونة ملحوظة، أما الوسيلة الرئيسة الثانية والتي كانت تتم بالنقد الدنماركي فهي الإجارة.
وكانت الوسيلة الثالثة وهي تمويل الصادرات والواردات الدنماركية بالمرابحة المؤجلة المتمثلة في البائع والشاري دونما حاجة إلى حق الرجوع على المحول.
أم الجهات التي تم الاستثمار فيها في الدنمارك فكانت في الواردات والصادرات يليها الإنشاءات ضمن خطة الإسكان الدنماركي، ثم تجهيز لوازم الصناعة.
الصعوبات القائمة:
يظهر في جانب الموجودات لدى البنك الإسلامي الدولي أن الاستثمار في التجارة الدولية هو الأهم ونتيجة لتعليمات دنماركية تنظيمية معينة، صارت هذه العقود المؤجلة للمرابحة إلى قبولات بنكية. وتجاوبًا من طلبات إسلامية أدخل نظام تعامل حلال جديد وذلك بتنظيم سفتجة (كمبيالة) تربط مع بوليصة الشحن القائمة، وبعد أن يباشر البنك الإسلامي الدولي تلك الصفقة يتم وضع ختم تظهير القبول على الكمبيالة، وبذا تصبح عملية استثمار البنك الإسلامي الدولي قبولًا قانونيًّا، وكل هذه العمليات كانت تبرم من خلال سوق لندن، وهذه القبولات تكون في العادة "عمليات كبيرة" لا تترك للبنك الإسلامي الدولي شيئًا من المرونة يتحرك ضمنها.
استطاع البنك الإسلامي الدولي فيما بعد أن يطور وسيلة مرنة جدًّا للاستثمار الحلال مستفيدًا من عمليات التصدير الدنماركية الواسعة عن طريق خطابات الاعتمادات، فقد طور البنك وسيلة لتعامل قصير الأجل وفي مدة لا تتجاوز 24 ساعة، وكان لا بد من تنظيم عمليات استثمار معينة صالحة لأي فترة من الوقت، أو للتعامل بأية عملة قابلة للتحويل لدى البنك الإسلامي الدولي وتمت الموافقة على ذلك من قبل المستشار الشرعي للبنك، مثل هذه الاستثمارات في المرابحة تجعل أي بنك إسلامي عديم السيولة لفترة مؤقتة، لأن سيولة هذه العقود لا تتم إلا بين الفريقين البائع والمشتري في آن واحد، حين تنتقل ملكية البضاعة إلى المشتري الأخير الذي يقوم البنك بتمويله.
على أن ملكية المنفعة في حالة الإجارة تبقى للبنك الذي يجد الحرية في إدارة موجوداته ومطلوباته بشكل يؤمن السلامة البنكية وسنبحث ذلك فيما بعد.
العميلات الحلال المبنية على الاعتمادات المستندية للصادرات:
يصلح هذا النموذج من العلميات الحلال لكل أنواع الاعتمادات المستندية، وبعبارة أخرى فهو مستقل عن الاعتماد المستندي المعروف: القابل للنقض وغير القابل للنقض، أو المعزز وغير المعزز، أو المدفوع أو القابل للتظهير، أو بالاطلاع والمؤجل الدفع.
وأهم شرط لجعل العملية (حلال) ضمن الاعتماد المستندي هو أن يكون مستند التمليك للآمر أي أن تكون بوليصة الشحن للآمر.
وعندما يقدم البائع مستنداته للبنك فاتح الاعتماد يجب أن يكون من بينها سند تمليك.
أما الإجراءات فتكون كالتالي: قبل أن يسير البنك فاتح الاعتماد المستندي في إتمام التصرف بالمستندات العائدة للاعتماد والتي يكون من بينها اعتماد مستندي بالاطلاع يسهل تحويل الدفع إلى البائع يقوم البنك الإسلامي بشراء صفقة حلال هي شراء سند التملك الخاص بالاعتماد المستندي بسعر إضافي زائد عن السعر النقدي. وتتم هذه الصفقة الحلال بين البنك الإسلامي والبائع لأن البنك فاتح الاعتماد هو وكيل البائع الذي يتسلم من البنك فاتح الاعتماد الدفعات التي يعطيها له البنك الإسلامي الذي يصبح تبعًا لذلك، المالك الجديد لسند التمليك. ومن خلال هذا السند يمكن تحديد البضاعة وتعيين أي شروط حلال أخرى واجبة التنفيذ مثل نوع البضاعة والجهة الصادرة إليها.
بعد ذلك، وبصفته صاحب سند التمليك، يستطيع البنك الإسلامي تنفيذ صفقة بيع حلال وهي بيع سند التمليك إلى البنك فاتح الاعتماد بسعر يتفق عليه يشمل الزيادة الناتجة عن عملية البيع الأخيرة لسند التمليك.
يتم هذا النموذج من الصفقات بين ثلاثة أطراف مميزة: البنك الإسلامي الذي ينفذ عملية شراء نقدية للبضاعة المفصلة من وكيل البائع وهو البنك فاتح الاعتماد كطرف ثان ثم يقوم البنك فاتح الاعتماد منفردا وعلى مسؤوليته بشراء سند التمليك من البنك الإسلامي ويكون البنك فاتح الاعتماد في هذه الحالة الأخيرة هو الطرف الثالث.
أمكن الوصول بالتعاون بين البنوك إلى السوق اليومية الكبيرة لسندات التمليك (بوالص الشحن) العائدة للصادرات الدنماركية، وهذا يَسَّرَ للبنك الإسلامي حرية ومرونة من حيث السيولة النقدية ومن حيث الوقت بكلفة تجعل العائدات أقل من سعر السوق التقليدي بما لا يزيد على جزء من الواحد بالمائة.
هذا النوع الجديد من الاعتمادات المستندية هيأ المرونة الكافية لبناء محفظة الاستثمارات، ولكن بكلفة جعلت عائدات أي بنك إسلامي أقل من توقعات المودعين المبنية على أسعار السوق التي توجد في النظام البنكي التقليدي.
هذه السيولة المتجددة لا تتجاوز الفترة التي استعادت فيها محفظة الاستثمارات أنفاسها، إذ أن الوضع الذي طرأ كان عبارة عن إعداد سجل يحتوي على عينات من الاستحقاقات المحددة سابقًا تعطي البنك مواعيد محددة سلفًا ومخطط لها لاستقبال السيولة الواردة. وحسب مبادئ الشريعة فإنه لا يمكن تعويم أي من هذه العمليات قبل موعد استحقاقها ولهذا السبب نشأ وضع بالغ الخطورة بالنسبة للبنك الذي يعمل وسيطًا بين المودعين والمستثمرين، وبالتالي فإن البنك يصبح فاقدًا للسيولة وعليه أن يعتمد على تدفق أموال معروفة وثابتة، اللهم إلا إذا تيسرت له عمليات سوق حلال موازية.
ولا بد أن تكون هذه السوق الموازية كبيرة ومركزية لمسائل حلال أهمها (السندات المالية) مختلفة الاستحقاقات، حتى يتمكن البنك من تأمين بيع مستمر يوفر أموالًا وتسعيرات يومية توفر السيولة للبنك الإسلامي في أي وقت. وهذا يزيد في أرباح البنك، ويعدل مستوى عائدات الودائع لتصبح في مستوى الأسواق التقليدية للودائع، ومما يزيد الأمر سوءًا أن أي بنك إسلامي وهو يتدبر أمر موجوداته ومطلوباته في ظل نقص السيولة لا يستثمر الأموال السائلة العفوية المتيسرة بين حين وآخر، أما بالنسبة للبنك الإسلامي في الدنمارك فإن الأموال المعدة للاستثمار لا تطرح إلا عندما تتهيأ الفرص السليمة الشرعية وتكون العملية جاهزة للتمويل، بينما تجد بنوك الدنماركية المنافسة الأموال التي تنتج الربح متيسرة أو تستطيع تأمينها حالًّا عندما تبرم أي اتفاق مع مستثمر أو رجل أعمال.
لذلك لا يظهر أي وضع تنافسي للبنك الإسلامي لأنه وهو يستعمل أمواله الخاصة لا يسمح له شرعيًّا بالتعامل بالديون على الإطلاق. لذلك تسبب العجز عن توفير الأموال الصالحة للاستثمار في خلق دخل متوقع يكون أدنى من دخل البنوك التقليدية.
أخيرًا وقبل أن نتطلع إلى التوقعات المستقبلية لا بد أن نشير إلى أن أنظمة الضريبة ومبادئ المحاسبة والحسابات في الغرب تحد من نشاط أي بنك إسلامي ومن فاعليته إذا قرر العمل في وسط رسمي غربي.
يوجد في الدنمارك والأقطار الأوروبية الأخرى ضريبة القيمة المضافة (VAT) عدا ضريبة الدخل العالي والضرائب الأخرى وهذه الضريبة (VAT) لا تفرض على الفوائد المدفوعة، مما يعطي البنوك الأخرى ميزة على أي بنك إسلامي حيث تفرض هذه الضريبة (VAT) على أي إضافة أو زيادة في عمليات المرابحة، كما يجب أن يراعى أن الربح هو الفائض بعد الضرائب في حين أن الفوائد عامل كلفة يعفي من الضريبة أو ينقصها.
تطلعات مستقبلية:
تأسس البنك الإسلامي ليثبت أن النشاطات البنكية المبنية على الشريعة الإسلامية قادرة على الصمود في أشد الأوساط الدنماركية (الغربية) محققة الفوائد لعملائها وللبنك نفسه.
كتبت فعلًا في سنة 1984 عدة رسائل لأصدقاء جدد في الأوساط المالية الإسلامية لأثير اهتمامه للمشاركة في حل بعض التحديات الرئيسة التي تواجه بنكًا يعمل بموجب مبادئ الشريعة.
"إذا أرادت أية مؤسسة إسلامية أن تتحول إلى بنك –وأعتقد أن المكان ليس مهمًا- فإن على تلك المؤسسة أن تسلم بالمبادئ التي تحول أية مؤسسة إلى بنك. ومن بين هذه المبادئ اثنان على الأقل هما:
1-
القدرة على قبول الودائع لأجل يتراوح بين ودائع "تحت الطلب" واضحة الشروط من حيث المدة مثلًا من 3 – 12 شهرًا ودائع غير محددة الشروط مثل الودائع المحددة للاستثمار.
2-
القدرة على تحويل استحقاقات الودائع المقبوضة إلى موجودات أطول أجلًا - ومن خلال هذه العملية تنتج ربحًا يتقاسمه البنك والمودع.
تحويل الاستحقاقات:
يواجه هذين المبدأين أي بنك بالشكل التالي: كيف تحول حسابات توفير سائلة إلى استثمارات منتجة للربح ذات استحقاقات أبعد – علمًا بأنك بنك- وفي نفس الوقت تحافظ على السيولة وتتقاسم الأرباح مع المودعين الوافدين إلى البنك بمدخراتهم؟
وأقتبس من رسالة أخرى سنة 1984:
"المطلوب قيام مركز مالي مجهز، باستطاعته تحويل الاستثمارات الإسلامية إلى بنك إسلامي.
إن الهدف الرامي إلى تحويل الصفقات والإجراءات إلى الشكل الإسلامي في أي بنك يسمي نفسه "إسلاميًّا" يتطلب أن يقبل المستشارون الشرعيون في البنوك الإسلامية أن تقوم تلك البنوك بتحويل الاستحقاقات العائدة لبنود الموجودات لتصلح للمتاجرة السليمة في سوق موازية تنشأ لهذا الغرض.
تعتبر أي مؤسسة تسمي نفسها بنكًا مؤسسة تقبل الودائع وتطلبها لذلك فإن عليها أن تكون قادرة على تحويل الاستحقاقات بكفاءة فعلى البنك أن يلبي متطلبات محافظ الموفرين والمودعين، فالمودعون يفضلون أن تكون الوديعة قصيرة الأجل في حين يبحث المستثمرون عن تمويل متوسط الأجل أو حتى طويل الأجل. لذا كانت مهمة البنك أن يحول قبول الودائع قصيرة الأجل إلى استثمارات أطول أجلًا. ولا تزال الوسائل والإجراءات اللازمة لتمكين أي بنك إسلامي من تنفيذ تحويلات الاستحقاق المطلوبة غير متوفرة حتى الآن، وما دامت هذه الوسائل والإجراءات غير موجودة في البنوك الإسلامية، فإن عملها سيبقى محصورًا في كونها مؤسسات استثمارية معتمدة على أن تكون البنوك التقليدية أداة لها"
العمليات الحلال في السوق الموازية – تناول عملي:
تم خلال 1985 انتشار عدد من سندات الإجارة، شهادات إيداع مبنية على الإجارة، قابلة للتداول، مع اقتراح فتح سوق موازية (مساعدة أو جانبية) للتعامل بهذه الشهادات، وفيما يلي بعض المقتطفات:
يمكن أن يتم في البنوك الإسلامية قبول الودائع الحرة وتحويل استحقاقات الموجودات باستعمال شهادات إيداع صالحة بكل وضوح لمنح حق تملك الأشياء المؤجرة للمستأجر من قبل البنك المصدر للشهادات والذي يعتبر مؤجرًا.
وإذا تم إيجاد أوراق تداول حرة تصدر في فئات صغيرة مثل 100 دولار أو دنانير إسلامية، فإنه لا يبقى علينا لإجراء تحويلات الاستحقاقات سوى تأمين سوق جانبية لشهادات الإيداع الحلال، يكون في هذه السوق عميل محرك واحد على الأقل لإتمام تبادل العرض والطلب من خلال عملية التسعير.
لو فرضنا أن البنك الإسلامي الكبير (س) اشترى مجموعة من محطات الوقود فأصبح مالكًا لها. ثم قام البنك (س) بتأجيرها إلى أصحاب الاختصاص مقابل دفع الإجارة حسب عقود خاصة. هنا يستطيع البنك في ضوء عقود الشراء وعقود الإجارة أن يصدر شهادات إيداع بالدولار مثلًا تكون قيمتها مساوية للقيمة المدفوعة في شراء هذه المحطات، وتحمل شهادات الدولار هذه على كل منها، ما يشير إلى حق تملك المأجور أي محطات الوقود.
ولما كانت هذه الشهادات قد صدرت قابلة للتداول فإن البنك (س) سيعمل على عرضها للبيع في سوق جانبية يقيمها في موقعه، وتكون هذه التسهيلات "فوق الحاجز" متاحة لكل العالم عن طريق رويتر أو غيرها من وكالات الاتصال الدولية ويكون البنك (س) في هذه الحالة هو محرك السوق بصلاحية مزدوجة للتسعير شراء وبيعًا (أخذًا وإعطاءً) .
ثم تعمل ترتيبات تأجير لمدة خمس سنوات أو عشر سنوات مع المستأجرين (ص) وتكون العقود حاوية لطريقة الدفع الشهري أو الربع سنوي لكل شهادة قيمتها الاسمية 1000 دولار مثلًا: عندها يتمكن البنك (س) من تحديد السعر المناسب للشهادات ذات الألف دولار، كما تبين هذه الشهادات قيمة العائدة المتوقعة والمبنية على الإجارة المذكورة في عقود الإجارة الأصلية.
ومن خلال هذه السوق يستطيع أصحاب الأموال النائمة شراء شهادات من الموجود في السوق وغيرها، ويستطيع أصحاب الشهادات عرضها للبيع إن كانوا بحاجة إلى النقد، ويتحكم حجم العرض والطلب على هذه الشهادات التي تحمل عائدًا متوقعًا في كل وقت، يتحكم في تحديد السعر الآني لهذه الشهادات بالنسبة لمتغيرات السوق.
أما الفروقات التي تحدث في العمليات المتبادلة بين يوم وآخر فهي التي تمثل الخسارة أو الربح بالنسبة للأموال التي استثمرت خلال هذين اليومين.
يمكن اقتباس طريقة لخلق سوق نشيطة تعطي تسعيرًا أفضل للشهادات الحلال من أسواق العالم التي يتنافس فيها عملاء تلك الأسواق في المزايدة لخلق الأسعار والسيولة للمستثمرين في الأسهم والسندات.
الخاتمة:
إذا أردنا أن نرسي قواعد نظام مصرفي إسلامي مبني على أساس تقاسم حقوق التملك أو حيازة الموجودات الحقيقية فإن علينا مراعاة الأولويات المقترحة التالية:
- توفير سندات حلال قابلة للتداول (شهادات إيداع وشهادات استثمار) صالحة للتملك المباشر. وتكون صالحة للتحويل مع أية أرباح متحققة.
- إيجاد سوق مركزية (فيها بيانات رسمية عن حجم التجارة والأسعار مع تسهيلات تسديد ومخالصة) للسندات الحلال، يعمل في هذه السوق وسطاء منافسون يؤكدون وجودهم في مواقعهم غير الثابتة ويعملون بوساطة الاتصالات الإلكترونية.
- إيجاد مرونة في التصرف باستحقاقات الموجودات والمطلوبات لدى المؤسسات الوسيطة (البنوك) عن طريق استثمار جزء من موجوداتهم في سندات حلال قابلة للتداول.
الجوانب القانونية لتطبيق عقد المرابحة
الدكتور
إسماعيل عبد الرحيم شلبي
كلية الحقوق – جامعة الزقازيق
دراسة مقدمة لندوة
استراتيجية الاستثمار في البنوك الإسلامية
الجوانب التطبيقية والقضايا والمشكلات
التي ستعقد خلال الفترة من 18 – 21/ 6/ 1987م
بسم الله الرحمن الرحيم
الجوانب القانونية لتطبيق عقد المرابحة
"مقدمة"(1)
من بين مجالات استثمار الأموال في البنوك الإسلامية يظهر نشاط البيوع، وقد شرع الله تعالى إلى جانب بيع المساومة وبيع المزايدة والاستئمان بيوعًا أخرى تقوم على الثقة بين المتبايعين والتي يطلق عليها الفقهاء "بيوع الأمانة" وهذه البيوع لها ثلاثة صور:
1-
بيع التولية: وهو أن يتم عقد البيع بنفس سعر الشراء أو التكلفة دون زيادة أو نقص.
2-
بيع الوضيعة: وفيه يتم عقد البيع بنقص معلوم عن سعر الشراء أو التكلفة.
3-
بيع المرابحة: وفي يتم عقد البيع بالتكلفة مضافًا إليها زيادة نسبة معلومة محددة أو مبلغ مقطوع. أو يتم البيع بالنقد أو بالأجل.
فبيع المرابحة مبني على صدق البائع في الإفصاح عن ثمن السلعة ومقدار ربحه فيها، ولهذا اعتبرها الفقهاء من بيوع الأمانة. فالمشتري الأول قام بعملية الشراء الأولى، وهي منفصلة عن بيعها لغيره. كما أنها تمت بعقد شرعي كامل ومنفصل عن قعد بيعه لها.
كما أن بيع المرابحة بيع حاضر حيث إن البائع مالك للسلعة المباعة ومن ثم يستطيع التصرف فيها بالبيع للغير وإلا اعتبر بيع ما لا يملك. وهو بيع محرم شرعًا.
(1) انظر تفصيلات ذلك في المراجع التالية: - د. يوسف القرضاوي – بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية – دار العلم – الكويت – 1984. - د. عبد الحميد البعلي – فقه المرابحة في التطبيق الاقتصادي المعاصر – السلام العالمية للطبع والنشر بالقاهرة. - د. الصديق الضرير – أشكال وأساليب الاستثمار في الفكر الإسلامي. - د. محمود الناغي - إطار المحاسبة في عقود المرابحة الإسلامية لأجل – مجلة الدراسات التجارية الإسلامية – جامعة الأزهر – العدد الثاني – 1984. - الموسوعة العلمية للبنوك الإسلامية – الجزء الشرعي.
وقد درجت البنوك الإسلامية على اتخاذ صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء كأسلوب من الأساليب الشرعية للتمويل، وتتلخص هذه العملية في أن يتقدم العميل للبنك طالبًا منه شراء سلعة معينة بالمواصفات التي يحددها على أساس الوعد منه بشرائها مرابحة وبالنسبة التي يتفق عليها. وبدفع الثمن مقسطًا حسب إمكانياته.
وهذه العملية مركبة من وعد بالشراء ووعد بالبيع وبيع بالمرابحة، فهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده لأن البنك لا يعرض أن يبيع شيئًا، ولكنه يتلقى أمرًا بالشراء، وهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب ويعرضه على المشتري الآمر ليرى ما إذا كان مطابقًا للمواصفات التي طلبها أم لا. كما أن هذه العملية لا تنطوي على ربح ما لم يضمن لأن البنك قد اشترى هذه السلعة فأصبح مالكًا يتحمل تبعة الهلاك.
وقد ثار الكثير من الجدل عن الوعد بالشراء من جانب المشتري الآمر بالشراء والواعد بالبيع من جانب البنك هل هو وعد ملزم أم لا؟
ونود أن نشير إلى أن هذه الدراسة تتضمن ثلاثة فصول:
الفصل الأول:
ونشير فيه إلى الصعوبات القانونية التي تعترض تطبيق عقد المرابحة وهذا الفصل يتضمن ثلاثة مباحث وهي:
المبحث الأول: عن الوعد بالشراء أو بالبيع ملزم أم لا.
المبحث الثاني: عن الملابسات القانونية لعقود المرابحة في إطار الممارسات العملية بين العميل والبنك.
المبحث الثالث: عن المشاكل القانونية التي تتضمنها القوانين المصرفية.
الفصل الثاني:
ونلقي فيه الضوء على حق الضمان وموقف البنوك الإسلامية منه وهذا الفصل يتضمن أربعة مباحث:
المبحث الأول: عن الضمان في اللغة وعند الفقهاء وفي القرآن الكريم.
المبحث الثاني: عن أقسام الضمان.
المبحث الثالث: عن الضمان في البيع وفي عقد المرابحة.
المبحث الرابع: عن العربون
الفصل الثالث:
ونشير فيه إلى التعويض.
وهذا الفصل يتضمن أربعة مباحث:
المبحث الأول: التعويض في الشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني: التعويض في القانون المدني
المبحث الثالث: تقدير التعويض والوقت الذي يجب فيه.
المبحث الرابع: ما يجري عليه العمل في البنوك الإسلامية.
الفصل الأول
"الصعوبات القانونية التي تعترض تطبيق عقد المرابحة"
هناك بعض الصعوبات القانونية التي تعترض تطبيق عقد المرابحة في البنوك الإسلامية وسوف نشير فيما يلي إلى أهم هذه الصعوبات.
المبحث الأول: الوعد بالشراء أو بالبيع، ملزم أم لا؟
بيع المرابحة للآمر بالشراء إحدى صيغ التمويل الحديثة والتي ظهرت وطبقت بصورة متطورة لبيع المرابحة حيث لم تكن مطبقة إلى وقت قريب (1) ولهذا فقد ثار الجدل حول ما إذا كان الوعد بالشراء أو البيع ملزمًا أم لا؟
وكما سبق أن أشرنا فإنها ليست أكثر من مواعدة على البيع لأجل معلوم بثمن محدد هو ثمن الشراء مضافًا إليه ربح معلوم تزيد نسبته أو مقداره عادة كلما طال الأجل ولكنه ثمن معلوم من أول الأمر.
ولقد أثار البعض عدة اعتراضات حولها حيث يرون أن هذه المعاملة ليست بيعًا ولا شراء وإنما هي حيلة لأخذ الربا، وأن أحدًا من الفقهاء لم يقل بحلها، وأنها من بيوع " العينة " وهي محرمة، وأنها بيعتان في بيعة وذلك منهي عنه، وأنها تدخل في بيع ما لا يملك وهو ممنوع، وأن فيها إلزامًا بالوعد وهو إيجاب لما لم يوجبه الله تعالى وتقييد لما أطلقه. (2)
(1) د. سامي حسن حمود: تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية - رسالة 1976 – ص 480، 481
(2)
انظر تفصيلات ذلك والرد على هذه الاعتراضات – د. يوسف القرضاوي: فقه المرابحة – مرجع سابق – ص 37 وما بعدها. د. عبد الحميد البعلي – فقه المرابحة – مرجع سابق.
ولقد أجاب أكثر من فقيه وعالم وهيئات شرعية على هذه الادعاءات وفندوها، بل اتخذت المؤتمرات العلمية عدة قرارات بشأنها، وأوضحت هذه الردود عدم صحة الاعتراضات الموجهة إليها، ومن هذه الردود نشير بإيجاز إلى بعضها فيما يلي:
بخصوص اعتبار هذه الصورة من قبيل الربا، فإن من ينظر إلى بيع الأجل أو التقسيط لا يجد فيه شيئًا من الربا وشبهته لأن الزيادة في بيع الأجل والتقسيط ليست خالية من عوض، بل هي في مقابلة العين المبيعة، وكما أن هذا البيع يفترق عن الربا بأنه إذا حل الأجل ولم يؤد الثمن فإنه لا زيادة عليه ولا مؤاخذة إن كان معسرًا بل يمهل حتى يوسر لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 281] وإن تأخر بغير عذر فهو ظالم يستحق العقوبة كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((: مطل الغني ظلم)) . (1)
وحديث: ((: لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته)) (2) وعلى ذلك يستطيع البنك الإسلامي أن يحصل على التعويض عن الضرر الفعلي الذي لحقه وذلك استنادًا إلى حديث: ((لا ضرر ولا ضرار)) . (3)
وقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت ((: اشترى رسول الله من يهودي طعامًا نسيئة ورهنه درعًا له من حديد)) .
أما بخصوص اعتبار هذا البيع يدخل في النهي عن بيعتين في بيعة، فإن بيع الأجل بثمن أكبر من ثمن النقد أو الحال لا يدخل مطلقًا ضمن حديث بيعتين في بيعة؛ حيث إن البيع عقد والعقد يتم بالإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامهما.
وهذا معنى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وأن هذا البيع لم يتم إلا بعقد واحد وبيع واحد، أما ثمن النقد أو ثمن الأجل وهو بذلك يخرج عن نطاق النهي عن بيعتين في بيعة.
(1) رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة، كما رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر كما في فتح القدير – جـ 5 – ص 523
(2)
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحكم والبيهقي من حديث عمرو بن الشريد، عن أبيه، وعلقه البخاري
(3)
رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس.
أما عن القول بأنها عبارة عن بيع الشخص ما ليس عنده فإنه من المعروف أن البنك لا يعرض أن يبيع شيئًا ولكنه يتلقى أمرًا بالشراء، ولا يبيع البنك حتى يملك ما هو مطلوب ويعرضه على الآمر بالشراء ليرى ما إذا كان مطابقًا للمواصفات.
أما الآراء الأخرى والتي ترى أن الوعد ملزم فإنها تستند في ذلك إلى أن الوفاء بالوعد واجب ديانة؛ وذلك استنادًا إلى الآيات القرآنية. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } [الصف:2،3] ، ومن هذه الآية نجد عبارة " كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ " تعطي الدلالة إلى أنه كبيرة وليس مجرد حرام. (1)
وفي آية أخرى يقول الله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] ، ومن هذه الآية الكريمة يتضح لنا ذم الله المنافقين، وأن نفاقهم كان سبب إخلافهم وعدهم مع الله.
وقياسًا على ذلك إخلاف الوعد مع الناس، حيث لا فرق في أصل الحرمة بين الأمرين، كما أن نكث العهد محرم سواء كان مع الله أم مع الناس. (2)
وفي آية أخرى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وعندما أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل قال:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] .
وفي الأحاديث النبوية الكثير من هذه الدلالات الواضحة ففي الحديث الصحيح المتفق عليه من رواية أبي هريرة. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) . (3)
وفي حديث عبد الله بن عمر وهو حديث صحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) . (4)
كذلك ما روي عن بعض الفقهاء من المسلمين عن إلزام الوعد، ومنهم ما روي عن ابن شبرمة فيما نقله عن ابن حزم حيث قال:" الوعد كله لازم، ويقضى به على الواعد ويجبر"(5)
كذلك بالإضافة إلى الكثير من الآراء لجماعة من السلف في وجوب الوفاء بالوعد. (6)
(1) د. يوسف القرضاوي: بيع المرابحة للآمر بالشراء – مرجع سابق- ص 91
(2)
د. يوسف القرضاوي: بيع المرابحة للآمر بالشراء.
(3)
رواه البخاري في كتاب الإيمان – باب علامة المنافق
(4)
رواه مسلم والبخاري
(5)
المحلى – جـ 8- مسألة 1125
(6)
انظر تفصيلات ذلك في كتاب: د. يوسف القرضاوي – بيع المرابحة للآمر بالشراء - مرجع سابق، ص 94 وما بعدها، وهو يستند في ذلك إلى الإمام البخاري في صحيحه.
هذا وإذا ما رجعنا إلى مؤتمرات المصارف الإسلامية وكذا لرأي البنوك الإسلامية القائمة على التطبيق الفعلي نجد موقفها كالآتي:
مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي:
وفي مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي جاءت توصيته على النحو التالي:
يرى المؤتمر أن هذا التعامل يتضمن وعدًا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدًا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقًا لذات الشروط.
إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه. (1)
ولكن هناك من يرى أن هذه التوصية قد جانبها الصواب من حيث إن العميل الواعد ملزم بالشراء على المذاهب الأربعة، ويرى أصحاب هذا الرأي أن الإمام الشافعي في " الأم " يرى أن الواعد بالشراء ليس ملزمًا وإنما مخير في ذلك. (2)
وهناك من يرى أن توصية المؤتمر المذكور فيها من الإجمال ما لا يؤخذ به على طلاقه إذ لا خلاف أن الوعد مستحب، ولكنهم اختلفوا في وجوب الوفاء بالوعد. فالجمهور يرى أن الوفاء بالوعد غير واجب خلافًا للحنفية، والمشهور الراجح عند المالكية وابن شبرمة وابن العربي.
وقد جاء في كتاب الأم للشافعي ما يؤيد رأي جمهور الفقهاء فيما يتعلق بالوعد من أن طالب الشراء ليس ملزمًا بالشراء وإنما هو بالخيار في ذلك. (3)
مؤتمر المصرف الإسلامي بالكويت:
وفي مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني الذي عقد بالكويت في مارس 1983 قرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة، وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق هو أمر جائز شرعًا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.
وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزمًا للآمر أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل. وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعًا، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه. (4)
(1) مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي - 1398هـ/ 1979م- ص 14
(2)
موسوعة البنوك الإسلامية – الجزء الخامس، ص 332
(3)
د. عبد الحميد البعلي: فقه المرابحة – مرجع سابق- ص 81
(4)
مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني بالكويت – في جمادى الآخرة 1403هـ – مارس 1983م.
بنك فيصل الإسلامي السوداني:
جرى العمل في بنك فيصل الإسلامي السوداني على أن الوعد ملزم للبنك وغير ملزم للآمر بالشراء، فهو بالخيار عندما يعرض عليه البنك السلعة فإن شاء اشتراها وإن شاء تركها، أما البنك فهو ملزم ببيع السلعة للآمر بالشراء إذا رغب فيها. ويبرر البنك موقفه بأن ذلك أولى وأبعد عن الشبهة؛ لأن اعتبار الوعد ملزمًا للطرفين والعميل بالشراء، والبنك بالبيع – يجعل هذه المعاملة في حقيقتها عقد بيع مرابحة قبل ملك البنك للسلعة. ولا يغير من هذه الحقيقة كون البنك والعميل ينشئان عقد بيع من جديد بعد وصول السلعة ما دام كل واحد منهما ملزمًا بإنشائه على الصورة التي تم بها الوعد. (1)
بيت التمويل الكويتي:
أصدر فضيلة مستشار بيت التمويل الكويتي فتوى جاء بها: "ما صدر من طالب الشراء يعتبر وعدًا، ونظرًا لأن الأئمة اختلفوا في هذا الوعد أهو ملزم أم لا، فإني أميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة رضي الله عنه الذي يقول: إن كل وعد بالتزام لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا يكون وعدًا ملزمًا قضاء وديانة. وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية. والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس، والعمل به يضبط المعاملات؛ ولهذا ليس هناك مانع من تنفيذ مثل هذا الشرط ". (2)
ندوة البركة بالمدينة المنورة:
جاء في الفتاوى الصادرة عن ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي والتي عقدت بالمدينة المنورة أن المؤتمر يقرر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعًا، طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد في ما يستوجب الرد.
وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزمًا للآمر أو للمصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل. وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعًا. وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه. (3)
(1) د. الصديق الضرير: أشكال وأساليب الاستثمار في الفكر الإسلامي، مرجع سابق ص 24، 25. هذا وقد وجد الدكتور الضرير في أقوال المتقدمين من الفقهاء صورة التعامل شبيهة.
(2)
انظر فتاوى بيت التمويل الكويتي.
(3)
مجلة البنوك الإسلامية – العدد 35 إبريل 1984 – ص 68
الوعد بين الشريعة والقوانين المدنية الوضعية:
أشرنا فيما سبق إلى الاتجاه الشرعي لمدى الإلزام بالوعد، ثم ألقينا الضوء على مؤتمرات المصارف الإسلامية، ثم وضحنا ما يسير عليه العمل في البنوك الإسلامية، ولا يتبقى لدينا سوى أن نعرف موقف القوانين المدنية الوضعية من مدى الإلزام بالوعد؛ ولهذا سوف نشير فيما يلي إلى الوعد في القانون المدني الأردني ، وكذا في القانون المدني المصرفي وبعض القوانين العربية الأخرى لنرى موقف هذه القوانين من الوعد وهل هو ملزم أو غير ملزم.
أ- القانون المدني الأردني:
ينص القانون المدني الأردني في المادة 106 منه على أن الوعد الصادر من الآمر بالشراء ملزمًا. كما تنص المادة 105 على أن الاتفاق الذي يتعهد بموجبه كل من المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه. (1)
ومن نص المادة 106 نلاحظ أن القانون الأردني قد قرر صراحة أن الوعد ملزم للآمر بالشراء، وهذه أول حالة نجدها في القوانين الوضعية تنص صراحة وبوضوح؛ وذلك يرجع إلى أن القانون المدني الأردني حديث وقد استطاع المشرعون أن يلموا بجميع المعاملات الإسلامية الجديدة، والتي ظهرت وبرزت بعد انتشار البنوك الإسلامية ومنها عقد المرابحة للآمر بالشراء ومدى الإلزام بالوعد.
ب- القانون المدني المصري:
يرى القانون المدني المصري أن الوعد بالتعاقد – من أي من الجانبين- عقد كامل لا مجرد إيجاب ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي. (2)
فالوعد بالتعاقد وسط بين مجرد الإيجاب والتعاقد النهائي. فالواعد بالبيع مثلًا قد التزم بأن يبيع الشيء الموعود ببيعه إذا أبدى الطرف الآخر رغبته في الشراء، وهذا أكثر من إيجاب؛ لأنه اقترن به القبول فهو عقد كامل. ولكن كلا من الإيجاب والقبول لم ينصب إلا على مجرد الوعد بالبيع؛ ولذلك يكون الوعد بالتعاقد مرحلة دون التعاقد النهائي.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 101 من القانون المدني المصري (وكذلك المادة 102 /2 من القانون المدني السوري والمادة 101/ 2 من القانون المدني الليبي، والمادة 91 /2 من القانون المدني العراقي) على أن: " الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها "(3) ذلك أن الوعد بالتعاقد خطوة نحو التعاقد النهائي، فوجب أن يكون الطريق مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له. ولما كان الوعد هو خطوة نحو العقد النهائي كما سبق القول فإن شروط هذا العقد من حيث الانعقاد والصحة تكون بوجه عام مطلوبة في عقد الوعد ذاته. (4)
(1) الفتاوى الشرعية للبنك الإسلامي الأردني – الجزء الأول، 1984، ص 48
(2)
د. السنهوري – الوجيز- مرجع سابق، ص 85
(3)
د. السنهوري – الوجيز- مرجع سابق، ص 86
(4)
كالأهلية وعيوب الإرادة ومشروعية المحل والسبب انظر د. السنهوري – الوجيز - ص 87
وإذا انعقد الوعد صحيحًا فإن الأثر الذي يترتب عليه يجب أن نميز فيه بين مرحلتين يفصل بينهما ظهور رغبة الموعود له في التعاقد النهائي.
ففي المرحلة الأولى التي تسبق ظهور الرغبة لا يكسب الوعد الموعود له إلا حقوقًا شخصية حتى لو كان التعاقد النهائي من شأنه أن ينقل حقًّا عينيًّا كما في البيع. فإذا كان العقد الموعود بإبرامه عقد بيع فإن الموعود له بالبيع لا يكسب إلا حقًّا شخصيًّا في ذمة الواعد، ولا ينتقل إليه ملكية الشيء الموعود ببيعه. فيبقى الواعد مالكًا للشيء وله أن يتصرف فيه إلى وقت التعاقد النهائي ويسري تصرفه في حق الموعود له. فإذا باع العين فليس للموعود له إلا الرجوع بتعويض على الواعد. (1) وإذا هلك الشيء بسبب أجنبي تحمل الواعد تبعة هلاكه لا لأنه لم يسلمه إلى المتعاقد الآخر فحسب كما في العقد النهائي، بل أيضًا لأنه لا يزال المالك. (2)
وتحل المرحلة الثانية بظهور رغبة الموعود له في إبرام العقد الموعود به في خلال المدة المتفق عليها، فإذا لم تظهر هذه الرغبة قبل انقضاء المدة، سقط الوعد بالتعاقد (3) أما إذا ظهرت صراحة، (4) أو ضمنًا كأن تصرف الموعود له في الشيء الموعود ببيعه إياه فإن التعاقد النهائي يتم بمجرد ظهور هذه الرغبة، ولا حاجة لرضاء جديد من الواعد، (5) ويعتبر التعاقد النهائي قد تم من وقت ظهور الرغبة، لا من وقت الوعد.
وإذا اقتضى إبرام العقد النهائي تدخلًا شخصيًّا من الواعد، كما إذا كان العقد بيعًا واقعًا على عقار ولزم التصديق على إمضاء البائع تمهيدًا للتسجيل فامتنع البائع عن ذلك جاز استصدار حكم ضده، وقام الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي مقام عقد البيع. فإذا سجل نقلت ملكية العقار إلى المشتري، وهذه الأحكام نص عليها التقنين المدني صراحة في المادة 102 مدني. (وكذلك المادة 103 من القانون المدني السوري، والمادة 102 من القانون المدني الليبي) . إذ تقول: "إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبًا تنفيذ الوعد، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة، قام الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي به مقام العقد.
(1) فإذا كانت العين عقارًا وجب تسجيل البيع، حتى يسري في حق الموعود له عند إظهار رغبته في الشراء، انظر الوجيز، ص 88
(2)
حكم محكمة النقض – مدني 13 يناير 1938م مجموعة نمرة 2 رقم 84 ص 240
(3)
قضت محكمة النقض بأن الوعد بالبيع يسقط من تلقاء نفسه بلا إنذار ولا تنبيه إذا انفض الأجل دون أن يظهر الموعود له رغبته في الشراء. ذلك أن الموعود له لم يلتزم بشيء بل كان له الخيار إن شاء قبل إيجاب الواعد ودفع الثمن خلال الأجل المتفق عليه، وإن شاء تحلل من الاتفاق دون أية مسئولية عليه. (نقض مدني 6 مايو 1954م مجموعة أحكام النقض 5 رقم 124، ص 834) .
(4)
وذهاب الموعود له قبل نهاية الأجل إلى محل إقامة الواعد ومقابلة ابنه وإبداء رغبته له في الشراء واستعداده لدفع الثمن، يعتبر قرينة على علم الواعد بالقبول، ويقع على عاتقه عبء نفي هذه القرينة، (نقض مدني 6 مايو 1954م مجموعة أحكام النقض 6 رقم 124 ص 834 وهو الحكم السابق الإشارة إليه)
(5)
نقض مدني 14 مايو سنة 1942م مجموعة نمرة 3 رقم 154 ص 430
مما سبق يتضح لنا أن هناك عدة آراء حول الإلزام بالوعد. فالبعض يرى أن الوعد ملزم والبعض الآخر لا يرى ذلك، وآخرون يرون أن الوفاء بالوعد ملزم ديانة وآخرون يرونه – الوفاء بالوعد - ملزم قضاء، هذا من وجهة نظر الفقهاء الشرعيين.
أما من وجهة نظر القوانين المدنية الوضعية فنجد أن القانون المدني الأردني قد نص صراحة في المادة 106 منه بأن الوعد الصادر من الآمر بالشراء ملزم، وينفرد هذا القانون بهذا النص الصريح نظرًا لحداثة هذا القانون، ومن ثم استطاع أن يدرج فيه نصًّا صريحًا لهذه الواقعة الحديثة أيضًا وهي بيع المرابحة للآمر بالشراء ومدى التزام الآمر بالشراء بالوعد.
أما القانون المدني المصري ويشاركه أيضًا القانون السوري والقانون الليبي والقانون العراقي – فقد نص على أن الوعد بالتعاقد عبارة عن عقد كامل لا مجرد إيجاب، ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي، فهو خطوة نحو التعاقد النهائي، فواجب أن يكون الطريق مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له، فإذا كان العقد الموعود بإبرامه عقد بيع فإن الموعود له بالبيع لا يكسب إلا حقًّا شخصيًّا في ذمة الواعد، ولا تنتقل إليه ملكية الشيء الموعود ببيعه.
وإذا هلك الشيء المبيع تحمل الواعد تبعة هلاكه لا لأنه لم يسلمه إلى المتعاقد الآخر (المشتري) فحسب كما في العقد النهائي بل أيضًا؛ لأنه لا يزال المالك.
ومن روح نص القانون المدني المصري – وكذا القوانين العربية سالفة الذكر- نجد أن الوعد بالتعاقد عقد كامل لا مجرد إيجاب وهو خطوة نحو التعاقد النهائي، ومن ثم ففيه شيء من الإلزام للواعد. حيث إنه في حالة نكوله عن تنفيذ الوعد يحق للطرف الآخر مقاضاته طالبًا التنفيذ، ومتى كانت الشروط اللازمة لتمام العقد متوافرة قام الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي به مقام العقد، ومن ثم لا حاجة لإبرام العقد النهائي؛ لأن الحكم قام مقامه.
أما بالنسبة للبنوك الإسلامية فنجد أن العميل يسير في معظمها على أن الوعد بالشراء ملزم للواعد، وذلك عدا القليل منها حيث يرون أن الوعد بالشراء غير ملزم للمشتري، وأن له الخيار، مع إلزام البنك بالوعد.
ونحن نختار الرأي الذي يرى أن الوفاء بالوعد ملزم لكل من البنك والمشتري الآمر بالشراء من حيث إنه ملزم قضاء طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى (1) وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه. ذلك هو الصالح العام لكلا الطرفين وكذا لاستقرار المعاملات والمحافظة على المؤسسات المالية الإسلامية.
(1) يشير البعض إلى أن الإمام الشافعي في كتاب الأم يرى أن الواعد بالشراء ليس ملزمًا وإنما مخير في ذلك. انظر الموسوعة العلمية للبنوك الإسلامية – الجزء الخامس- ص 332
المبحث الثاني: الملابسات القانونية لعقد المرابحة في إطار الممارسات العملية بين العميل والبنك:
يقوم كل بنك إسلامي بطبع نماذج خاصة بطلبات الشراء والوعد بالشراء وعقد البيع بالمرابحة، وقد لاحظنا على هذه النماذج ما يلي:(1)
أ- الضوابط القانونية لتشكيل هيئة التحكيم:
أسندت بعض البنوك الإسلامية للقضاء – الوطني بدولها الاختصاص في فض المنازعات بين البنك وعملائه. (2) بينما نجد أن البعض الآخر منها قد أسند ذلك إلى محكمين ملتزمين بالشريعة الإسلامية يتم اختيارهم على الوجه التالي:
1-
حكم يختاره الطرف الأول.
2-
حكم يختاره الطرف الثاني.
3-
حكم مرجح يختاره الطرفان.
وإذا لم يقم الطرف الثاني باختيار الحَكَم المرجح أو اختلفا في اختياره اختارت هيئة الرقابة الشرعية بالبنك الحَكَم المرجح، ويتم الفصل في النزاع وفقًا للقوانين والأعراف التجارية السائدة في الدولة وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويكون حُكْمهم نهائيًّا وملزما للطرفين. (3)
ويلاحظ أن تشكيل هيئة المُحَكِّمِين قد اختلفت في بعض البنوك عن بعضها الآخر؛ ففي أحد هذه البنوك تبين أن تشكيل هيئة المُحَكِّمِين من ثلاثة يختار كل طرف مُحَكِّمًا عنه ويكون رئيس الهيئة شخصًا معينًا حدد بالاسم مسبقًا بمعرفة البنك، ونص في عقد البيع على أنه إذا لم يقم أي من الطرفين باختيار مُحَكِّمِهِ خلال خمسةَ عشرَ يومًا من إخطاره بذلك من الطرف الآخر يتولى رئيس الهيئة (السابق تحديده بالاسم) التحكيم وحده، كما نص على أن هيئة المحكمين تفصل في النزاع بحكم نهائي. (4)
وإذا ما رجعنا لقانون المرافعات المصري نجد أن المادة 412 منه تنص على أنه يترتب على الاتفاق على التحكيم – أيًّا كانت صورته - أثران هامان:
أثر إيجابي هو الحق في الالتجاء إلى التحكيم، وأثر سلبي هو منع قضاء الدولة من نظر المنازعة محل التحكيم على أنه إذا حكم ببطلان الاتفاق على التحكيم عاد لطرفيه الحق في الالتجاء إلى قضاء الدولة.
ويمكن الطعن في حكم المُحَكِّمِين بالبطلان طبقًا لنص المادة 512 من قانون المرافعات وذلك في حالات محددة نصت عليها تلك المادة، وهي:
1-
إذا كان قد صدر حكم المُحَكِّمِين دون وجود شرط تحكيم أو استند إلى وثيقة باطلة أو شرط باطل أو صدر في غير حدود النزاع الذي اتفق على التحكيم بشأنه.
2-
إذا صدر من مُحَكِّمِين لم يتفق عليهم الخصوم.
3-
إذا كان حكم المُحَكِّمِين غير مسبب أو لم يوقع عليه، أو وجود بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.
مما سبق يتضح لنا مدى السلطة القانونية والحصانة القضائية التي تنوط بنظام التحكيم. ولهذا فقد جرى العرف والعمل على أن تشكل هيئة التحكيم من ثلاثة مُحَكِّمِين على الأقل، يتم اختيار أحدهم بمعرفة الطرف الأول والثاني بمعرفة الطرف الثاني. أما المحكم المرجح فيختار بمعرفة الطرفين، وفي حالة اختلافهما أو تقاعس الطرف الثاني على اختياره، تقوم هيئة الرقابة الشرعية باختياره.
(1) هذه الملاحظات تتعلق بنماذج أربعة بنوك فقط وهي التي استطعت الحصول عليها، وهي بنك فيصل الإسلامي المصري، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، بيت التمويل الكويتي، بنك قطر الإسلامي.
(2)
بيت التمويل الكويتي، بنك قطر الإسلامي
(3)
بنك فيصل الإسلامي المصري – بند 10 من الوعد بالشراء
(4)
المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، الفقرة سادسًا من عقد الوعد بالشراء، والفقرة سابعًا من عقد البيع بالمرابحة
كل هذه الإجراءات من أجل كفالة الحياد التام لهيئة التحكيم؛ نظرًا لأن حكمها نهائي وملزم للطرفين ولا يستطيع أي من الطرفين – طبقًا لنص القانون المدني المصري- اللجوء للقضاء إلا في إطار ظروف وأسباب محددة- نصت عليها المادة 512- يصعب تحقيقها.
أما أن يحدد الحكم المرجح بالاسم مسبقًا من قبل البنك ويرأس هيئة التحكيم، ويحكم في النزاع بمفرده في حالة عدم قيام أي من الطرفين باختيار مُحَكِّمِهِ خلال خمسة عشر يومًا من إخطاره بذلك فهذا يخالف العرف وما جرى عليه العمل بشأن التحكيم.
ب- الموقف القانوني لناقل البضاعة:
ورد بأحد نماذج الوعد بالشراء بأن الناقل للبضاعة يعتبر بصفته وكيلًا عامًّا للشحن – وكيلًا لطرفي العقد باستلام البضاعة من وقت تحميلها على ظهر الباخرة من قبل المصدر في ميناء الشحن وحتى ميناء الوصول. (1)
ونحن نرى أن هذا النص قد جعل من ناقل البضاعة بصفته وكيلا عاما للشحن وكيلا للبائع، فهذا صحيح، حيث إنه مكلف من قبله بالقيام بعملية الشحن أما أن نجعله أيضًا وكيلا عن المشتري باستلام البضاعة فهذا غير صحيح قانونًا؛ نظرًا لأن البضاعة حتى تلك اللحظة لم تدخل في ملكية المشتري فعلًا أو مستنديًّا حيث إنها ما زالت في الخارج، كما أنها لم تدخل بعد في حوزة البنك فعليًّا. وإنه طبقًا لقواعد عقد البيع بالمرابحة للآمر بالشراء فإن عقد البيع بالمرابحة للآمر بالشراء يشترط فيه تملك البنك للسلعة المباعة، وهذا التملك إما بدخولها لمخازنه أو حصوله على مستندات الشحن الخاصة بها وهذا غير متوفر. وحتى لو توفرت شروط الملكية للبنك فإنه إذا حدثت أي تلفيات أو هلاك للبضاعة فإن البنك يتحمل هذه الخسارة كلية ولا يتحمل الآمر بالشراء شيئًا منها، فكيف يكون الناقل للبضاعة وكيلا له باستلامها وهو – أي الآمر بالشراء - لم يتملكها بعد.
جـ- الوضع القانوني لرهن البضاعة المباعة ضمانًا لحق الطرف الأول:
ورد بأحد عقود البيع بالمرابحة التزام الطرف الثاني بأن البضاعة ملكه موضوع هذا العقد مرهونة رهنًا تأمينيًّا لصالح الطرف الأول حتى استيفائه لكامل الثمن المتفق عليه وله عليها حق امتياز البائع. (2)
ونود أن نشير هنا إلى أن الرهن من التأمينات العينية الخاصة التي يقدمها المدين للدائن ضمانًا للدَّين. والرهن ينقسم لنوعين: رهن حيازي، ورهن رسمي.
والرهن الحيازي يقتضي نقل حيازة المال المرهون من يد المدين "الراهن" إلى يد الدائن "المرتهن" ويكون للدائن أن يحبسه حتى يستوفيَ حقه. وهو يرد على العقار والمنقول.
أما الرهن الرسمي فإنه يرتب للدائن حقًّا عينيًّا على المال المرهون دون أن تنتقل حيازة هذا المال إلى يد الدائن بل تبقى حيازته في يد المدين الراهن وهو لا يرد إلا على العقار دون المنقول، فهو الذي يمكن رهنه رهنًا رسميًّا.
والرهن بنوعيه يعتبر من الحقوق العينية التبعية، بمعنى أن الرهن الذي يقوم ضمانًا للقرض يتبع القرض من حيث وجوده وعدمه ومن حيث صحته وبطلانه، وينقضي الرهن حتمًا بانقضاء الدَّين، كما أن الرهن بنوعيه يخول للدائن مزيتي التقدم والتتبع، فمزية التقدم تخول للدائن اقتضاء حقه من المال المرهون متقدمًا على سائر الدائنين العاديين ومتقدمًا على الدائنين المرتهنين التالين له في مرتبة الرهن، ومزية التتبع تخول للدائن اقتضاء حقه من المال المرهون تحت أي يد يكون قد انتقلت ملكية المال المرهون من المدين إلى الغير (كالمشتري مثلًا) يستطيع الدائن المرتهن التنفيذ على المال المرهون تحت يد من انتقلت إليه ملكيته واقتضاء حقه منه. (3) والرهن بنوعيه مصدره العقد. حيث ينشأ كل منهما بموجب عقد.
(1) بند 3 من نموذج الوعد بالشراء لبنك فيصل الإسلامي المصري
(2)
المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية – البند السادس من عقد البيع بالمرابحة
(3)
الموسوعة العلمية للبنوك الإسلامية – الجزء الخامس ص 240
والسؤال هنا: هل يجوز للبنك الإسلامي رهن السلع المشتراة من البنك في عقد المرابحة للآمر بالشراء ضمان لما عليه من أقساط؟ أي هل يمكن للعميل أن يقوم برهن السلعة المشتراة ضمانًا للأقساط المتبقية عليه من الثمن على أن يأخذ من السلعة ما يقوم بسداد ثمنه. وذلك نظرًا لأن العميل سوف لا يقوم بدفع جميع الثمن بل سيدفع جزءًا ويقسط الباقي من الثمن على أقساط، وليس هناك ما يضمن العميل لدى البنك في باقي الثمن؟
عرض هذا الموضوع على هيئة الرقابة الشرعية بأحد البنوك الإسلامية فرأت بأنه طبقًا لما جاء بمذهب الإمام مالك يجوز الرهن في دَين أو في بيع ما لم يكن الرهن في البيع وسيلة للتأخير، فيصبح الرهن في هذه الحالة وسيلة إلى الربا فيحرم. (1) وقد رأت الهيئة عدم الموافقة على ما جاء بالموضوع من رهن السلعة ضمانًا للثمن بعدًا عن الشبهات ويمكن للعميل أن يقدم أي ضمان آخر.
إلا أن المسؤولين بالبنك الإسلامي يرون أن تطبيق هذه الفتوى يترتب عليها عدة نتائج هي:
1-
تعطيل سياسية البنك الرأسية إلى التعامل مع صغار العملاء الذين لا يملكون ضمانات عقارية والذي يحتاجون إلى مساندة البنوك الإسلامية لهم. وتشجيع الشباب الذين يمتلكون الخبرة على اقتحام مجالات الأعمال، بالإضافة إلى توسيع قاعدة التعامل مع صغار العملاء حتى يكون للبنك أثر ملموس في الحياة الاقتصادية للبلاد.
2-
إن البنك قد يضطر إلى رهن بعض السلع الراكدة أو الآلات القديمة لدى العميل وتكون قيمتها أقل من قيمة السلعة أو الآلات المباعة لهم مرابحة مما يعرض أموال البنك للضياع.
ونود أن نشير بأنه لا يجوز حجب السلعة المباعة مرابحة عن المشتري، وأن العلاقة بين البنك والعميل تنتهي بتسليم العميل للسلعة موضوع المرابحة واستلام البنك لشيكات الأقساط – أو الأوراق الخاصة بالأقساط - وتصبح العلاقة حينئذ علاقة دائن بمدين. كما أن للبنك الحق في الحصول على ما يحتاجه من ضمانات لحفظ حقه بشرط ألا يكثر في طلب الكثير منها حتى لا يثقل على العميل أو المشتري، ومن ثم يحرم من التعامل معه. (2)
(1) الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلام المصري المصدر البهجة شرح التحفة، جـ 2، كتاب الرهن
(2)
حجب السلعة المباعة مرابحة عن المشتري لا تمكنه من الوفاء بالتزاماته المادية قبل البنك إذا كانت السلعة المباعة يصعب تجزئتها – كمعدات مصنع - لأنه لن يحدث إنتاج ما لم يتم تركيب باقي أجزاء المصنع خاصة وأن الأقساط تدفع من عائد بين هذا المنتج
المبحث الثالث: المشاكل التي تتضمنها القوانين المصرفية:
من المعروف أن البنوك التجارية الوضعية عبارة عن بنوك تتعامل في الدَّين أو الائتمان. فالبنك التجاري يحصل على ديون الغير ويعطي مقابلها وعودًا بالدفع تحت الطب أو بعد أجل وهذه البنوك تعمل في سوق النقد. وعملياتها تتميز بطابع الائتمان قصير الأجل. وأهمية هذه البنوك ترجع للدور الهام الذي تقوم به في التأثير على العرض الكلي للنقود. فهي لا تقبل ودائع الأفراد فقط ولكن تقوم بخلق هذه الودائع أي بخلق الائتمان (1) وعلى ذلك نجد أن نشاطها الإنتاجي يتمثل في التعامل في الديون أو الائتمان، وأن ما لديها من أصول مادية تعد ضئيلة للغاية حيث تقدم هذه البنوك خدمات ائتمانية لعلمائها المودعين والمقرضين وتحصل في مقابل ذلك على مدفوعات من هؤلاء العملاء.
ومن هذا التعامل تحقق أقصى ربح ممكن. ويتلخص هذا التعامل في نوعين أحدهما الإتجار في الديون أو الائتمان والآخر هو خلق الائتمان. (2)
ونظرًا لصغر رأسمال هذه البنوك والتي يقف دوره عند حدود فترة الإنشاء فقط وطبيعة عملها السالف ذكره فإن البنوك المركزية قد وضعت لها عدة ضوابط ومحاذير لسياستها الائتمانية حتى لا تتعرض هذه البنوك للمخاطر.
ومن هذه الضوابط السقوف الائتمانية وتحديد نسبة للسيولة لدى البنوك ونسبة للاحتياطي تودع لدى البنك المركزي وعدم السماح لهذه البنوك بتملك العقارات وتحديد نسبة للمساهمة في الشركات أو المشروعات. كل هذه الضوابط ترجع إلى طبيعة عمل هذه البنوك نظرًا لأنها تتاجر في الديون – أي تعمل بأموال المودعين - ومن ثم يجب أن يكون هناك ملاءمة ما بين السيولة والربحية حتى لا يتعرض البنك للمخاطر إذا ما زادت طلبات السحب.
فالودائع عبارة عن دَين واقع في ذمة البنك قبل المودع وعليه أن يردها له وقت الطلب إن كانت تحت الطلب، أو في تاريخ استحقاقها إن كانت لأجل مضافًا إليها الفائدة الثابتة المتفق عليها. ومن المعروف أن هذه العلاقة التعاقدية قائمة ومستقلة بذاتها بين البنك والعميل المودع وليس لها أي ارتباط بأساليب استخدامات البنك لهذه الأموال ومدى شرعيتها وما إذا كانت قد حققت ربحًا أو خسارة.
أما البنوك الإسلامية فإنها لا تتاجر في الديون، وإنما تكون العلاقة بينها وبين أصحاب الودائع ومستخدميها علاقة مشاركة ومتاجرة، وليست علاقة دائنية ومديونية. ومن ثم فهي تأخذ شكل المضاربة أو المشاركة. (3) وعلى ذلك فهي لا تعمل على خلق الائتمان ومن ثم فهي تحد من ارتفاع نسبة التضخم.
كما أن أرصدة الحسابات الاستثمارية لدى البنوك الإسلامية تختلف تمامًا عن نظيرتها لدى البنوك التجارية الوضعية. إذ أنها عبارة عن أرصدة أودعها أصحابها ليضارب البنك فيها وفقًا لقواعد التعامل الإسلامية حيث لا يوجد ضمان لعائد محدد. ومن ثم فهي معرضة للمكسب والخسارة، وفي حالة الخسارة يتحملها أصحاب الحسابات الاستثمارية.
(1) لفظ خلق الائتمان هذا ليس إلا مصطلح قد درج الاقتصاديون الوضعيون على استخدامه
(2)
انظر للباحث: - كتاب مقدمة في النقود والبنوك – القاهرة 1982 – البنوك الإسلامية- من منشورات معهد الدراسات المصرفية للبنك المركزي المصري – ديسمبر 1981 - البنوك الإسلامية والتنمية – ندوة بنك فيصل الإسلامي المصري – ديسمبر 1983 - مفاهيم وممارسات البنوك الإسلامية – ندوة الاقتصاد الإسلامي والتكامل التنموي في الوطن العربي – تونس – نوفمبر 1985
(3)
انظر للباحث: صكوك المضاربة الإسلامية – الهيئة العامة لسوق المال بالقاهرة – فبراير 1986
ورغم هذا الاختلاف الكبير بين أساليب وممارسات البنوك الإسلامية والبنوك الوضعية فإن البنوك المركزية ما زالت تنظر إلى البنوك الإسلامية نظرتها للبنوك التجارية الوضعية، ومن ثم تطبق عليها نفس التعليمات والضوابط، مما يثير الكثير من المشاكل والصعوبات في أداء البنوك الإسلامية لرسالتها، ومن هذه المشاكل ما يلي:
أ- مشكلة السقوف الائتمانية:
فالبنك المركزي المصري يعتبر عملية المرابحة بأنها عملية تمويل بالإقراض في بياناته ويترتب على ذلك أن كل السقوف الائتمانية الموضوعة بمعرفته تحد من عملية المرابحة، حيث إنه وضع ضوابط وشروط وحدود لاستخدام هذه السقوف ففي 15 /10 /1981 صدر قرار مجلس إدارة البنك المركزي بوضع ضوابط للتوسع الائتماني للبنوك التجارية بحيث لا تتعدى المطلوبات من العملاء نسبة 65 % من إجمالي الودائع كمعيار عام رئيسي. مع تحديد معيارين فرعيين أحدهما للمطلوبات، من القطاع التجاري والآخر من القطاع العائلي واتخذ رصيد الائتمان لهذين القطاعين في 30 /9 /1981 أساسًا لتحديد هذين المعيارين مع السماح بزيادة قدرها 12 % من هذا الرصيد وطلب من البنوك الإسلامية الالتزام بهذه الضوابط.
حاول المسؤولون عن البنوك الإسلامية توضيح وجهة نظرهم بأن طبيعة عمليات هذه البنوك من مرابحات ومشاركات ومضاربات هي نوع من البيوع الإسلامية أساسها عمليات الشراء والبيع، ومن ثم فإن التدفقات النقدية المترتبة عليها مرتبطة بتدفقات من السلع الضرورية وبما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية، وذلك خلافًا لطبيعة عمليات منح الائتمان في البنوك التقليدية الأخرى التي تنطوي على زيادة كمية النقود بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخمية، ومن ثم فلا يجوز تكييف عمليات البنك الشرعية على أنها من قبيل الائتمان الذي يعنيه قرار البنك المركزي.
كما أن التاريخ الذي اتخذه البنك المركزي كأساس للمعايير وهو 30 /9 /1981 كانت البنوك الإسلامية في بداية عملها وحديثة العهد بالسوق المصرفية ومن ثم فإن ودائعها لم تكن ذات حجم كبير في تلك الفترة. بينما زادت نسبة هذه الودائع بأرقام كبيرة خلال فترات وجيزة. (1) مما أدى إلى زيادة حجم التوظيف ليتناسب مع حجم هذه الودائع.
وقد طلب رسميًّا أكثر من مرة من البنك المركزي أن يعمل على إعادة تصحيح هذه المفاهيم إلا أن المشكلة ما زالت قائمة حتى الآن.
(1) كان بنك فيصل الإسلامي المصري يعتبر البنك الوحيد في تلك الفترة حيث افتتح الفرع الرئيسي في 5 /7 /1979 وكان لافتتاح بعض الفروع أثر كبير على زيادة هذه الودائع. فكان حجمها في 30 /9 /1981 وهو التاريخ المحدد من البنك لا تتجاوز 309 مليون جنيه بينما بلغت هذه الودائع 1055 مليون جنيه في 30 /11 /1983
ب- الحد من عملية الائتمان والمساهمة في رأس مال الشركات:
كذلك من تعليمات البنك المركزي والقوانين المصرفية عدم السماح للبنك بمنح ائتمان أكثر من 25 % من رأسماله. وكذلك عدم المساهمة في رأس مال الشركات بما يزيد عن 25 % من رأس مال الشركة أو البنك أيهما أقل.
وهذه التعليمات تحد كثيرًا من نشاط البنوك الإسلامية خاصة مساهمتها أو مشاركتها في المشروعات ذات الحجم الكبير، والتي تعود على المواطنين بالخير، حيث إن المشروعات الكبيرة تعطي الإنتاج الكبير، ومن ثم تحدث تنمية اقتصادية ويحصل المواطنون على السلع بأسعار منخفضة مما يساعد على رفاهيتهم.
جـ- مشكلة تملك العقارات:
تنص المادة 39 من قانون البنوك رقم 163 لسنة 1957 على عدم تملك البنوك التجارية للعقارات بغرض البيع. وكما نص أيضًا على إلزام هذه البنوك بالتصرف في العقارات التي تؤول إليها خلال سنتين على الأكثر.
نظرًا لأن البنوك التقليدية تعتمد في نشاطها على أموال الغير والتي تكون في صورة ودائع لديها أي ديون عليها قابلة للدفع تحت الطلب أو في آجال محددة، وهي غالبًا ما تكون قصيرة الأمد فإن التشريعات المصرفية تحرص على وضع قيود على تملك البنوك لأصول ثابتة أو منقولة بخلاف ما يحتاج إليه نشاطها؛ وذلك حتى لا تتعرض للمخاطر إزاء صعوبة تسييل هذه الأصول في حالة الحاجة إلى مواجهة السحب على الودائع، وهذه الضوابط وإن كانت تتلاءم مع طبيعة نشاط البنوك التجارية والتي تتجر في الديون فإنها لا تتلاءم مع نشاط واستثمارات البنوك الإسلامية والتي لا تتجر في الديون ولا تقرض أموالًا وإنما تشارك في المشروعات وتضارب بالأموال في مشروعات إنتاجية وذات فائدة للمجتمع.
وعلى ذلك لا تستطيع البنوك الإسلامية أن تساهم في حل إحدى المشكلات الرئيسية – في بلادها، وهي مشكلة الإسكان. بالإضافة إلى أنه لو آلت إليها عقارات فإنها تضطر إلى التصرف فيها على وجه العجلة مما يعرضها للخسارة.
مما سبق يتضح لنا أن نشاط البنوك الإسلامية وعملياتها تختلف اختلافًا جذريًّا عن نشاط عمليات البنوك التجارية الوضعية سواء من ناحية الموارد والتوظيفيات، لهذا فإن الأمر يتطلب تغيير المفاهيم والأساليب التي تمارسها البنوك المركزية حيالها، وأن تبدأ بمفاهيم وضوابط تتواءم مع مفاهيم وممارسات البنوك الإسلامية؛ حتى تستطيع الدول التي انتشرت بها هذه البنوك أن تستفيد الاستفادة المرجوة منها.
الفصل الثاني
حق الضمان وموقف البنوك الإسلامية منه
المبحث الأول: الضمان في اللغة:
تقول العرب: ضمنت المال، وضمنت بالمال ضمانًا، فأنا ضامن وضمنته – التزمته. (1)
الضمان في تعريف الفقهاء:
ذكر الفقهاء تعريفات متعددة للضمان تتحدد في معناها وإن اختلفت ألفاظها. فكل هذه تعريفات تتفق من حيث المعنى على ضرورة تعويض المتلف من الأموال بمثله أو قيمته مع التفاوت في الألفاظ التي صيغت منها هذه التعريفات.
عرف الشوكاني الضمان بأنه: عبارة عن غرامة التالف. (2)
وعرفه الغزالي: "أن الضمان هو وجوب رد الشيء أو بدله بالمثل أو بالقيمة". (3)
ويقول المالكية: الضمان شغل ذمة أخرى بالحق. (4)
ويقول الشافعية: الضمان لغة: الالتزام، وشرعًا: يقال للالتزام حق ثابت في ذمة الغير وإحضار من هو عليه أو عين مضمونة. (5)
ويقول الحنابلة: الضمان: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق. (6)
الضمان في القرآن الكريم:
لم يرد في القرآن كلمة ضمن ولكن ورد فيه كفل والتي هي بمعنى ضمن. ومن هذه الآيات قول الله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]، وقوله تعالى:{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} [طه: 40]، وقوله تعالى:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [سورة ص: 23]، وقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91] .
ومما يدل على وجوب الضمان عمومًا حديث نبوي يعتبر قاعدة أساسية في هذا الشأن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)) .
(1) المصباح المنير- جـ 2، ص 497، 498
(2)
نيل الأوطار للشوكاني جـ 5 ص 299 ط العثماني المصرية.
(3)
الوجيز جـ 1 ص 208
(4)
الشرح الكبير للدردير جـ 3 ص 329 ط البابي الحلبي.
(5)
مغني المحتاج جـ 2 ص 198 طبعة البابي الحلبي
(6)
المغني لابن قدامة جـ 4 ص 534 الطبعة الثالثة بدار المنار
المبحث الثاني: أقسام الضمان:
ينقسم الضمان إلى قسمين أساسيين هما ضمان النفس وضمان المال وما يهمنا هنا هو ضمان المال وهو تعويض المال عن الضرر اللاحق بالغير. وضمان المال يكون بقدر الضرر أو التعدي الحاصل. وينقسم إلى نوعين أحدهما ضمان كلي والآخر ضمان جزئي.
والضمان الكلي هو الالتزام بدفع قيمة جميع الشيء المتلف إذا كان الإتلاف كليًّا أو جزئيًّا فاحشًا شبيهًا بالإتلاف التام. وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية. (1)
أما في حالة الإتلاف الفاحش أو الجناية على الشيء بدون غصب فيرى كل من الحنفية والمالكية أن صاحب الشيء مخير بين أن يسلم الشيء للجاني ويأخذ منه قيمته، أو أن يأخذ قيمة الجناية الناقصة فقط. (2)
وقال الشافعي وأحمد: يضمن الجاني في النقصان ما نقص يوم الجناية. (3)
المبحث الثالث: الضمان في البيع:
البيع عند صحته يوجب ضمان المبيع على البائع ما دام في يده قبل أن يسلمه، وهلاكه في هذه الحالة يكون بثمنه فيسقط عن المشتري ويسترده من البائع إن دفعه إليه ويبطل العقد. وأما إذا هلك في يد المشتري فإن هلاكه يكون عليه في حال صحة العقد.
الضمان في عقد المرابحة:
نظرًا لأن المرابحة ما هي إلا عقد بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح فإن ضمان البيع على البائع ما دام الشيء المباع في حوزته ولم يتم تسليمه للمشتري، ومن ثم فهلاكه أو تلفه يقع على البائع ولا يتحمل المشتري شيئًا وإذا كان المشتري قد دفع شيئا من الثمن أو الثمن كله فمن حقه استرداده.
أما إذا هلك الشيء المباع أو تلف في يد المشتري بعد استلامه بمواصفاته المتفق عليها فإن الهلاك أو التلف يقع على المشتري.
ونظرًا لأن عقد المرابحة للآمر بالشراء عادة ما يتم البيع فيها بالأجل ويقوم المشتري باستلام الشيء المباع حيث يقوم بدفع ثمنه على أقساط شهرية أو سنوية فإن البنك الإسلامي يعمل على الحصول على ضمانات من المشتري خشية تعرض الشيء المباع للتلف أو الهلاك أو التأخير في السداد.
ومن هذه الضمانات ما يلي:
1-
ضمانات شخصية بتقديم كفيل مليء أو أكثر.
2-
ضمانات عينية في صورة رهن عقاري أو تجاري
3-
التأمين على الأصول المشتراة أو البضاعة موضوع المرابحة ضد الحريق والسطو وخيانة الأمانة لصالح البنك.
4-
التوقيع على سند إذني.
5-
التوقيع على إيصال أمانة.
6-
حجز مبلغ في حساب الاستثمار بقيمة الضمان المطلوب أو إيداع صكوك مضاربة إسلامية أو أسهم قابلة للتداول.
7-
الاهتمام بسمعة العميل وسيرته الحسنة وخبرته وملاءته ومتانة مركزه المالي.
8-
أي ضمانات أخرى يراها البنك.
(1) الإتلاف الفاحش عند المالكية هو ما يبطل الغرض المقصود من الشيء، والإتلاف اليسير هو ما يبطل يسيرًا من المنفعة – بداية المجتهد، جـ 2، ص 313
(2)
بداية المجتهد، جـ 2، ص 313
(3)
بداية المجتهد، جـ 2، ص 313
المبحث الرابع: العربون:
عادة ما يقوم الآمر بالشراء بدفع عربون للسلعة الراغب في شرائها للبنك وقد أقر مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت في مارس 1983 أخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز، بشرط أن لا يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إلا بمقدار الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول.
وقد نصت بعض البنوك الإسلامية في طلب الوعد بالشراء على التزام المشتري بدفع نسبة من قيمة البضاعة عند التوقيع على هذا الوعد كعربون لضمان الجدية وتنفيذ التزاماته قبل الطرف الأول والقيام بتسديد باقي القيمة للطرف الأول (1) كما ورد نص آخر على دفع هذه النسبة كتأمين لضمان الجدية وتنفيذ التزامات الأمر بالشراء قبل البنك والقيام بتسديد باقي القيمة البيعية للطرف الأول. (2)
ويلاحظ أن أيًّا من هذه البنوك لم تنص على مصير هذا العربون في حالة عدم إتمام التعاقد.
موقف القانون المدني من العربون:
يحدث أن يدفع أحد المتعاقدين للآخر عند إبرام العقد مالا يكون عادة من النقد يسمى بالعربون وأكثر ما يكون ذلك في عقد البيع وفي عقد الإيجار فيدفع المشتري للبائع إما لحفظ الحق لكل من المتعاقدين في العدول عن العقد بأن يدفع من يريد العدول مقدار هذا العربون للطرف الآخر، وإما للبت في العقد عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العربون. (3)
وقد انقسمت القوانين بين هاتين الدلالتين المتعارضتين، فالقوانين اللاتينية بوجه عام تأخذ بدلالة العدول. أما القوانين الجرمانية فتأخذ بدلالة البت. وكلتا الدلالتين قابلة لإثبات العكس. فإذا تبين من اتفاق المتعاقدين أو من الظروف أن المقصود بالعربون غير ما يؤخذ من دلالته المفروضة وجب الوقوف عند إرادة المتعاقدين.
أما في القانون المدني المصري لم يشتمل التقنين المدني السابق على نص في هذه المسألة فكان القضاء المصري يتردد بين الدلالتين ويأخذ في ذلك بقية المتعاقدين مفسرًا إياها في ظل العرف الجاري.
وحسم التقنين المدني المصري هذا التردد فأورد نصًّا يأخذ بدلالة العدول إذ تنص المادة 103 منه على أن:
1-
دفع العربون في وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك.
2-
وإذا عدل مَنْ دَفَعَ العربون فَقَدَهُ. وإذا عدل مَنْ قَبَضَهُ رَدَّ ضِعْفَهُ. هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر. (4)
ويتبين من هذا النص أنه إذا لم يتفق المتعاقدان صراحة أو ضمنًا على أن العربون إنما دفع لتأكيد البتات في التعاقد كان دفعه دليلًا على الاحتفاظ لكل من المتعاقدين بالحق في العدول. فإذا لم يعدل أحد منهما عن العقد في خلال المدة المتفق عليها، أصبح العقد باتًّا واعتبر دفع العربون تنفيذًا جزئيًّا له.
أما إذا عدل أحد المتعاقدين فإنه يجب عليه أن يدفع للآخر مقدار العربون فإذا كان هو الذي دفعه فإنه يفقده، وإذا كان هو الذي أخذه فإنه يرده ويرد معه مثله. (5)
وغرامة العربون على هذا النحو لا تعتبر تعويضًا عن ضرر إذ هي لازمة حتى لو لم يترتب على العدول أي ضرر. ولكنها المقابل الذي اتفق عليه المتعاقدان لحق العدول.
مما سبق يتضح لنا أن مفهوم العربون في القانون المدني يختلف عن ما تسير عليه البنوك الإسلامية، حيث إنه بالنسبة للأخيرة يؤخذ لضمان الجدية من الآمر بالشراء وتنفيذ التزاماته قبل البنك. أما بالنسبة للقانون المدني المصري وغيره من القوانين العربية المطابقة له فإنه لا يعتبر تعويضا عن ضرر بل مقابل اتفق عليه المتعاقدان لحق العدول.
(1) بند 6 من طلب الوعد بالشراء لبنك فيصل الإٍسلامي المصري.
(2)
بند 5 من طلب وعد بالشراء لبنك قطر الإسلامي.
(3)
د. السنهوري –الوجيز- مرجع سابق، ص91
(4)
التقنينات العربية الأخرى المطابقة للقانون المدني المصري هي القانون المدني السوري المادة 104 والليبي المادة 103، أما القانون العراقي فنجد أن المادة 92 منه تجعل من العربون دليل إثبات لا دليل جواز الرجوع.
(5)
وقد يتفق المتعاقدان على أن أحدهما دون الآخر هو الذي يكون له حق العدول فلا يجوز في هذه الحالة للآخر أن يعدل عن العقد، ولا يدفع قيمة العربون، بل يكون العقد باتًّا بالنسبة له. انظر. د. السنهوري – الوجيز، ص93.
الفصل الثالث
التعويض
يقصد بالتعويض تغطية الضرر الواقع بالتعدي أو الخطأ. والمبدأ المقرر في المسئولية المدنية هو عدم مقابلة الإتلاف بمثله. إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. والمقصود من منع الضرار نفي فكرة الثأر التي كانت سائدة في الجاهلية. (1)
أما التعويض أو التضحية ففيه نفع يجبر الضرر وترميم الآثار. وعلى هذا فليس للمتضرر أن يتلف مال غيره كما أتلف ماله وإنما له القيمة أو المثل. (2)
لهذا قال ابن القيم بصدد تقدير مبدأ التضمين وعدم مقابلة الإتلاف بمثله: "إن مقابلة الإتلاف بمثله في كل الأحوال شرع الظالمين المعتدين الذي تنزه عنه شريعة أحكم الحاكمين". (3)
((وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن على أهل الحوائط –البساتين- حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أصحابها)) . (4)
وأما المبدأ المقرر في المسؤولية الجنائية على النفوس البشرية فهو مقابلة الجناية بمثلها – أي المماثلة بين الجناية والعقاب - لأن الجنايات لا تقمع إلا بعقوبة مماثلة لها من جنسها، منعًا لحزازة النفس وإطفاءً لنار الفتنة وأشفى لغليل أولياء المجني عليه وكظمًا لغيظهم. فمن قتل قُتل، ومن جرح جُرح، ومن قطع قُطع.
هذا هو مبدأ التعويض في المسئوليتين الدينية والجنائية، وخلاصته هو شرعية القصاص في الدماء دون الأموال.
(1) جمال الدين محمد عطوة –المسؤولية التعاقدية في الفقه الإسلامي- دراسة مقارنة – رسالة مقدمة لجامعة الأزهر 1979
(2)
تنص المادة 921 من مجلة الأحكام الشرعية على ما يأتي: "ليس للمظلوم صلاحية أن يظلم آخر بما أنه ظلم. مثلًا: لو أتلف زيد مال عمرو مقابلة بما أنه أتلف ماله يكون من ضامنيه، وكذا لو أتلف زيد مال عمرو للذي هو من قبيلة عليٍّ بما أن بكرًا الذي هو من تلك القبيلة أتلف ماله يضمن كل منهما المال الذي أتلفه وكذا ليس لمن أخذ دراهم زَبُونًا من أحد صلاحية صرفها لآخر" والزَّبُون: ما زيفه بيت المال أي يرده ولكن تأخذه التجار في التجارة.
(3)
إعلام الموقعين جـ 2 ص 104
(4)
انظر إعلام الموقعين ص 327، جـ2، ص 95 وما بعدهما، والمدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء ص 586
المبحث الأول: التعويض في الشريعة الإسلامية:
اتفق العلماء على تحريم الغصب والإتلاف ونحوهما من الاعتداء على أموال الآخرين لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سورة النساء: 29]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع ((: إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم، من أخذ شبرًا من الأرض طوقه الله من سبع أَرَضِين)) (1) وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) . (2)
لهذا فإن الأصل العام المقرر في الضمانات للتخلص من العهدة والمسئولية هو رد الحقوق بأعبائها عند الإمكان، فإن ردها كاملة الأوصاف برئ من المسؤولية وإن ردها ناقصة الأوصاف جبر الضامن أوصافها بالقيمة؛ لأن الأوصاف ليست بين ذوات الأمثال ولكن لا يضمن نقصها بسبب انخفاض الأسعار إلا عند الفقيه أبي ثور فإنه يوجب ضمان قيمة النقص بسبب ذلك. (3)
وقاعدة الضمان أو كيفيته بالنسبة للأموال بسبب الغصب أو الإتلاف أو نحوهما هو أنه يجب ضمان المثل باتفاق العلماء إذا كان المال مثليًّا (4) لقوله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ؛ لأن المقصود من التضمين جبرًا من الضرر وذلك أعدل وأتم في مثل الشيء المختلف؛ لأن المثل معادلة صورة ومعنى أي مراعى فيه جنس التالف وماليته فكان الإلزام بالمثل.
والواجب في الضمان الاقتراب من الأصل بقدر الإمكان تعويضًا للضرر وكذلك إذا تعذر وجود المثل ينتقل إلى القيمة للضرورة وعملًا بالقواعد الشرعية" إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل (5) إذ هو عندئذ كما لا مثل له.
وأما إذا كان المال قيميًّا كالعروض التجارية والحيوان ونحوهما مما لا مثل له. فيجب ضمان القيمة باتفاق العلماء. (6) لأنه تعذر الوفاء بالمثل تمامًا صورة ومعنى فيجب المثل معنى وهو القيمة لأنها تقوم مقامه ويحصل بها مثله واسمها ينبئ عنه. (7)
وتجب القيمة في ثلاث حالات وهي: (8)
1-
إذا كان الشيء غير مثلي كالحيوانات والدور والمصوغات فلكل واحد منها قيمة تختلف عن الأخرى باختلاف الصفات المميزة بكل واحد.
2-
إذا كان الشيء خليطًا مما هو مثلي بغير جنسه.
3-
إذا كان الشيء مثليًّا وتعذر وجود مثله إما حقيقة أو حكمًا (9)
مما سبق يتضح لنا أن الأصل العام في الضمان أو التعويض هو إزالة الضرر عينًا كإصلاح الحائط أو جبر المتلف وإعادته صحيحًا كما كان عند الإمكان كإعادة المكسور صحيحًا، فإن تعذر ذلك وجب التعويض المثلي أو النقدي.
(1) رواه البخاري ومسلم وأحمد عن عائشة – رضي الله عنها وللحديث عندهم رواية أخرى عن سعيد بن زيد رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر، ورواه أحمد أيضًا عن أبي هريرة. انظر نيل الأوطار للشوكاني، جـ 5، ص 317
(2)
رواه أبو إسحاق الجوزي من حديث أبي هريرة الرقاش عن عمه وعمرو بن يثربي.
(3)
قواعد الأحكام، جـ 1، ص 151 وما بعدها – المغني لابن قدامة، جـ 5 ص 257
(4)
رد المحتار، جـ 5 ص 130، جـ 4 ص 173 تبيين الحقائق للزيلعي، جـ 5، ص 223
(5)
المادة 53 من مجلة الأحكام الشرعية
(6)
إلا أن الإمام مالك يقول: لا يقضى في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك. وجمهور الفقهاء يقولون: الواجب في ذلك المثل لا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل. – انظر بداية المجتهد، جـ 2 ص 312
(7)
انظر تبيين الحقائق للزيلعي، جـ 5، ص 223، 234
(8)
جمال الدين محمد عطوة – المسئولية التعاقدية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة- مرجع سابق.
(9)
التعذر إما حقيقي حسي كانقطاع وجود المثل في السوق بعد البحث عنه وإن وجد في البيوت، أو حكمي كأن لم يوجد إلا بأكثر من ثمن المثل، أو كان العجز عن المثل شرعًا بالنسبة للضامن كالخمر بالنسبة للمسلم يجب عليه للذمي عند الحنفية ضمان القيمة، وإن كانت الخمر من المثليات لأنه يحرم عليه تملكها بالشراء – انظر جمال الدين محمد عطوة المسئولية التعاقدية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة - ص 378
المبحث الثاني: التعويض في القانون المدني:
وأما ما سار عليه القانون المدني فنجد أنه قد نص على أن التعويض له طرق ثلاثة وهي: (1)
1-
التنفيذ العيني: في المسئولية التقصيرية يمكن في قليل من القروض أن يجبر المدين على التنفيذ العيني على سبيل التعويض، والقاضي ليس ملزمًا أن يحكم بالتنفيذ العيني ولكن يتعين عليه أن يحكم به إذا كان ممكنًا وطالب به الدائن أو تقدم به المدين.
2-
التعويض غير النقدي: فإذا تعذر التنفيذ العيني في المسئولية التقصيرية – وهذا هو الذي يقع غالبًا - لم يبق أمام القاضي إلا أن يحكم بالتعويض. وليس من الضروري أن يكون التعويض نقدا، فيصح في قروض نادرة أن يختار القاضي للتعويض طريقا غير النقض. ففي دعاوى السب والقذف يجوز للقاضي أن يأمر على سبيل التعويض بنشر الحكم القاضي بإدانة المدعى عليه في الصحف، بل إن الحكم بالمصروفات على المدعى عليه في مثل هذه الأحوال والاقتصار على ذلك قد يعتبر تعويضًا كافيًا عن الضرر الأدبي الذي أصاب المدعي وهو تعويض غير نقدي؛ لأن الملحوظ فيه هو المعنى الذي يتضمنه.
3-
التعويض النقدي: وهذا هو التعويض الذي يغلب الحكم به في دعاوى المسئولية التقصيرية، وكان كل ضرر حتى الضرر الأدبي يمكن تقويمه بالنقد.
(1) د. السنهوري – الوجيز، ص 389 - 391
المبحث الثالث: تقدير التعويض والوقت الذي يجب فيه:
يقدر القاضي التعويض بالاستعانة بالخبراء ويلاحظ ما حدث من الأضرار المادية الملموسة والواقعة فعلًا. أما الأضرار المحتملة فإن كان وقوعها مؤكدًا فهي في حكم الواقعية. وأما ضياع المصالح والخسارة المنتظرة غير المؤكدة فلا يعوض عنها في أصل الحكم الفقهي، لكن يمكن أن نجد مستندًا لها في السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي فيما لا نص عليه. وذلك عملًا بمبدأ السياسة الشرعية من إحقاق الحق وتقرير العدل ودفع الحرج والمشقة وأخذًا بمشروعية التعزيرات أو الغرامات المالية، يفعل القاضي ما يراه حسب الحاجة.
والمبدأ العام في تعويض الأضرار الناشئة عن ضمان اليد أو المسئولية التقصيرية هو المماثلة بين التعويض والضرر؛ لأن ضمان الإتلاف ضمان اعتداء، والاعتداء لم يشرع إلا بالمثل في النص القرآني، وفي ضمان العقد أو المسئولية العقدية لا يشترط التقيد بالمثل وإنما ينفذ الشرط المتفق عليه قدر الإمكان عملًا بقاعدة يلزم مراعاة الشرط قدر الإمكان. (1)
أما الوقت الذي يجب فيه التعويض فنفرق بين ما تلف بطريق الغصب أو بغير غصب. فأما الغصب فاختلفت آراء الفقهاء في الوقت الذي يجب فيه الضمان على أقوال متعددة. فمنهم من قال: إنه تجب القيمة أو المثل يوم الغصب، ومنهم من قال: يوم انقطاعه عن الأسواق، ومنهم من قال: يوم الحكم بهلاكه ووجب الضمان على الغاصب. (2)
أما الحالة الثانية، وهي تلف الشيء بدون غصب فلا خلاف بين الفقهاء في أن القيمة تجب يوم الهلاك. وعلى هذا تجب قيمة الشيء المستعار وقت التلف، وفي الرهن تجب القيمة وقت القبض إن كان المرتهن هو الذي أتلف المرهون، وإن كان المتلف هو الأجنبي أو الراهن فتجب قيمته يوم التعدي.
أما القانون المدني فيرى أن التعويض مقياسه الضرر المباشر. فهو في أية صورة - كانت - يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ. والضرر المباشر يشتمل على عنصرين جوهريين هما: الخسارة التي لحقت المضرور والكسب الذي فاته. فهذان العنصران هما اللذان يقدمهما القاضي بالمال.
وتنص المادة 170 مدني على أن يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق بالمضرور فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعيينًا نهائيًّا فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير (3) والظروف الملابسة التي يذكر النص أنها تراعى في تقدير التعويض هي الظروف الشخصية التي تحيط بالمضرور لا الظروف الشخصية التي تحيط بالمسئول.
والأصل أنه لا ينظر إلى جسامة الخطأ الذي صدر من المسئول وإنما يقدر التعويض بقدر جسامة الضرر لا بقدر جسامة الخطأ، وفي حالة تغير الضرر ما بين وقت وقوعه إلى يوم النطق بالحكم فإن هذا التغيير يدخل في الحساب عند تقدير التعويض، فالعبرة إذن في تقدير التعويض بيوم صدور الحكم اشتد الضرر أو خف. وإذا كان الضرر لا يتيسر تعيين مداه تعيينًا نهائيًّا وقت النطق بالحكم جاز للقاضي أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب في خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير وفقًا لنص المادة 170 مدني.
(1) انظر – جمال الدين عطوة- المسئولية التعاقدية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة- ص 380
(2)
انظر – جمال الدين عطوة- المسئولية التعاقدية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة- 380
(3)
التقنينات العربية الأخرى – القانون السوري المادة 171، والقانون الليبي – المادة 173، والقانون العراقي المادة 207، 208، والقانون اللبناني المادة 134 /521 – انظر د. السنهوري – الوجيز 392
المبحث الرابع: ما يجري عليه العمل في البنوك الإسلامية:
أولًا: بالنسبة لامتناع أحد الطرفين عن تنفيذ الوعد أو قدم بيانات أو معلومات أو مستندات غير صحيحة يتحمل أية أضرار تلحق الطرف الآخر نتيجة ذلك. (1)
ثانيًا: في حالة تأخير الطرف الثاني "الآمر بالشراء" عن سداد أي قسط من الأقساط في موعد استحقاقه يحق للبنك أن يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لحفظ حقوقه قبل الطرف الآخر الذي عليه أن يتحمل ما يترتب على ذلك من مصاريف وأضرار. (2)
ثالثًا: أما بشأن ما يصيب البنك الإسلامي من ضرر نتيجة التأخير في السداد فإن البعض يرى أن تأخير سداد الأقساط المستحقة على العميل في مواعيد استحقاقها على الوجه المتفق عليه يؤدي إلى أضرار بالغة بالبنك يستحق معه التعويض، بحسبان أن القاعدة الشرعية وهي أساس المعاملات تقرر أنه لا ضرر ولا ضرار، وتحسب قيمة هذا الضرر على أساس متوسط نسبة إجمالي أرباح البنك المحققة عن ذات الفترة، فضلًا عن أية تعويضات أخرى فعليه، وأن أي منازعة في استحقاق التعويض أو قيمته تعرض على هيئة الرقابة الشرعية لحسمها نهائيًّا ورأيها فيه باتٌّ. (3)
ويرون آخرون أن تأخر المدين عن الوفاء بالدَّين عند حلول الأجل جاز للدائن أن يطالبه بتعويض ما أصابه من ضرر بسبب هذا التأخير إلا إذا أثبت المدين أن التأخير حدث بقوة قاهرة، أَيْ سَبَب لا يد له فيه فعندئذ لا يستحق الدائن تعويضًا عن التأخير وأساس هذا الحكم هو الضمان بالتسبب وشرطه التعدي. (4)
(1) انظر طلبات الوعد بالشراء لبنك قطر الإسلامي – البند السادس، وبنك فيصل الإسلامي المصري- البند الثامن، ويلاحظ أن بعض البنوك نصت على التزام المشتري فقط في تعويض البنك في هذه الواقعة.
(2)
البند السادس من عقد البيع لبنك قطر الإسلامي.
(3)
فتوى هيئات الرقابة الشرعية الثلاث لدار المال الإسلامي وبنكي فيصل المصري والسوداني.
(4)
اتجاه المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية. انظر فتاوى المستشار الشرعي في هذا الشأن رقم (3)
كما يرى أصحاب هذا الاتجاه أن تأخير الوفاء بالدين دون عذر شرعي مقبول يعد تعديًا؛ لأنه معصية لقوله عليه السلام: ((مطل الغني ظلم)) ، واستند هذا التُّجاه إلى نص المادة 1430، 1431 من مجلة الأحكام الشرعية. (1)
ويرى أنه يمكن تعويض الدائن تخريجًا على قواعد الغصب وذلك أن عدم الوفاء بالدين عند حلول الأجل وإمساكه عن الدائن دون عذر شرعي يجعل المدين في حكم الغاصب للدين؛ لأن إبقاؤه بعد حلول الأجل يعد تعديًا والغصب هو التعدي على حق الغير، وإذا كان المدين تاجرًا أي ممن يقوم باستثمار الدَّين نفسه أو بإعطائه للغير مضاربة وأخر الدين عن موعد استحقاقه فإن جميع أرباح الدين تكون للدائن، ويكن تقدير هذه الأرباح إما بإقراره بمتوسط أرباحه وإما بواسطة لجنة تحكيم أو بواسطة القضاء. كما يمكن عند إبرام الاتفاق معه في مضاربة أو مرابحة مثلًا أن يتفق على نسبة الربح من واقع دراسة الجدوى التي قدمها العميل أو التي قبلها وينبني على أن هذا هو الأساس ما لم يثبت المدين أن الأرباح الفعلية أقل من ذلك. (2)
وهذا يعني أن تعويض البنك لا يقاس بما لحقه من خسارة بسبب عدم الوفاء عند حلول الأجل بل يقاس بما حققه المدين من ربح خلال المدة التي امتنع فيها عن الوفاء ويمكن إثبات هذا بكافة وسائل الإثبات الشرعية. كما يجوز أن يعهد إلى لجنة تحكيم بتقديره في حين أن التعويض على أساس التسبب في الضرر المذكور يقاس بما لحق البنك من ضرر بسبب التعدي في التأخير وليس بما حققه المدين من ربح من جراء حبس الدين عن الدائن عند حلول الأجل فهما طريقان يمكن اختيار أحدهما.
(1) تنص المادة 1430 على أن: "من تسبب في تلف مال الغير ضمنه" وتنص المادة 1431 على أنه: "يشترط في الضمان بالتسبب التعدي في الفعل الذي تسبب عنه التلف" ويقصد بالتعدي التفريط بأن يكون الفعل مخالفا للشريعة.
(2)
استند في ذلك لما جاء في المغني جـ 5، ص 205 "إذا غصب أثمانًا فأتجر بها أو عروضًا وأتجر بثمنها اشتراه في ذمته ثم نقد الأثمان، قال أصحابنا: الربح للمالك والسلع المشتراة له؛ لأنه نماء ملكه فكان له وإن حصل خسران فهو على الغاصب.. وإن دفع المال إلى من يضارب به فالحكم في الربح على ما ذكرناه وليس على المالك من أجر العامل شيء؛ لأنه لم يأذن له في العمل بماله. - واستند أيضًا للمادة 1367 "لا يضمن الغاصب (ومثله المدين الممتنع عن الوفاء) ما فوته على المالك من الربح بحبسه مال التجارة".
وأقترح طريقة ثالثة وهي تخريج تعويض البنك عن التأخير في الوفاء بالدين على أساس مضاربة المثل، فالمدين الذي يحبس الدين عن الدائن عند حلول الأجل دون عذر شرعي وهو ممن يمارسون التجارة ويعملون في مجال الاستثمار يكون قد استثمر مبلغ الدين دون اتفاق فيلزمه حصة رأس المال في الربح، كما فعل عمر بن الخطاب مع ولديه عندما اقترضا مالًا من أبي موسى الأشعري دون وجه حق لأن أبا موسى لم يقرض غيرهما.
وأقترح طريقة رابعة وهي على أساس التعزير بأخذ المال ممن ارتكب معصية لا حد فيها ولا كفارة وإعطائه لمن أصابه ضرر من جراء ذلك.
ولقد ثبت التعزير بأخذ المال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مطل الغني ظلم)) ، "والعقوبة تجوز بأخذ المال وإعطائه للمضَّرِّر".
وهذا الأساس لا ينظر في التعويض إلى ما حققه المدين المماطل من كسب أو ربح الامتناع عن الوفاء بالدين بل ينظر إلى أن التأخير كان معصية تكون جريمة تعزيرية وإن كان هناك شخص تضرر من هذه المعصية.
ويمكن أن يعهد بتقدير هذا التعويض على هذا الأساس بواسطة لجنة التحكيم دون النص عليه في العقد بهذا التكييف إذ أن التعزير لا يملكه إلا ولي الأمر ونحن نحكم بالتعويض على هذا الأساس الشرعي دون حاجة إلى ذكره في العقد.
والخلاصة هي جواز النص على تعويض البنك عن الأضرار التي تلحق به بسبب عدم قيام المدين بالوفاء بالدين عند حلول الأجل ما لم يكن هذا التأخير قد حدث بسبب لابد له فيه ولا يستطيع له دفعًا، أما تقدير التعويض فيؤخذ فيه بأحد المعيارين إما مقدار ما حصل المدين من ربح في مشروعاته وإما مقدار الضرر الذي وقع على البنك ويترك ذلك للجنة التحكيم وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وتستطيع اللجنة أن تؤسس حكمها على أحد الاعتبارات السابقة. (1)
(1) يلاحظ أن جميع الحلول المقدمة لم تتضمن اقتراح بتقدير ما لحق الدائن من ضرر الخسائر بتأخير المدين عن الدفع بطريق الاتفاق "حيث إن طريق الاتفاق على مقدار ضرر الدائن من تأخير الوفاء له محذور كبير. حيث إنه قد يصبح ذريعة لربا مستور بتواطؤ بين الدائن والمدين بأن يتفقا في القرض على فوائد زمنية ربوية ثم يعقد القرض لمدة قصيرة وهما متفاهمان على أن لا يدفع المدين القرض في ميعاده لكي يستحق عليه الدائن تعويض تأخير متفق عليه مسبقًا يعادل سعر الفائدة وذلك لا يجوز إذا أقرت فقهيًّا فكرة التعويض عند ضرر التأخير أن يحدد هذا التعويض باتفاق مسبق بل يجب أن يناط تقدير التعويض بالقضاء تقدره المحكمة عن طريق لجنة خبراء محلفين لكيلا يتخذ تقدير التعويض بالاتفاق المسبق ذريعة لفوائد ربوية مستورة". - انظر تفصيلات ذلك في المرجع التالي:- - مصطفى أحمد الزرقا – هل يقبل شرعًا الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟ – مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي – العدد الثاني- 1985، ص 89 وما بعدها
مقدمة رقم الصفحة
الفصل الأول: الصعوبات القانونية التي تعترض تطبيق المرابحة 1394
المبحث الأول: الوعد بالشراء أو بالبيع ملزم أم لا 1394
المبحث الثاني: الملابسات القانونية لعقود المرابحة في إطار الممارسات العملية بين العميل والبنك. 1404
المبحث الثالث: المشاكل القانونية التي تتضمنها القوانين المصرفية 1410
الفصل الثاني: حق الضمان وموقف البنوك الإسلامية منه 1415
المبحث الأول: الضمان في اللغة وعند الفقهاء وفي القرآن الكريم 1415
المبحث الثاني: أقسام الضمان 1416
المبحث الثالث: الضمان في البيع وفي عقد المرابحة 1417
المبحث الرابع: العربون 1418
الفصل الثالث: التعويض 1421
المبحث الأول: التعويض في الشريعة الإسلامية 1422
المبحث الثاني: التعويض في القانون المدني 1423
المبحث الثالث: تقدير التعويض والوقت الذي يجب فيه 1424
المبحث الرابع: ما يجري عليه العمل في البنوك الإسلامية 1426
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية
الجوانب التطبيقية، والقضايا والمشكلات "
بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
البنك الإسلامي للتنمية – جدة
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407 هـ
18 / 6 – 21 / 6 / 1987 م
بحث الدكتور سامي حسن حمود
عن
"تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى
بناء سوق رأس المال الإسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة
في البحرين كنموذج عملي"
"تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى
بناء سوق رأس المال الإسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة
في البحرين كنموذج عملي"
بحث مقدم إلى ندوة "استراتيجية الاستثمار في البنوك الإسلامية" المنظمة بالتعاون بين المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع. للبنك الإسلامي للتنمية في جدة والمقرر عقدها أثناء المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي في الفترة الواقعة يبن 22 – 25 شوال 1407 هـ الموافق 18 – 21 حزيران 1987 في عمان – المملكة الأردنية الهاشمية.
إعداد
الدكتور سامي حسن حمود
مدير عام بنك البركة الإسلامي
للاستثمار
المنامة – دولة البحرين
تقديم البحث وبيان المحتويات
يعتبر بيع المرابحة للآمر بالشراء عصب النجاح في التطبيق المصرفي الإسلامي الحديث، سواء كان ذلك على مستوى التعامل المحلي أم كان على المستوى الدولي. لذلك لم يكن مستغربًا –في ضوء أهمية هذا النوع المستحدث من التعامل أن يخصص له المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب هذه الندوة الخاصة التي تعالج مختلف جوانب هذا التعاقد الفريد، وهو التعاقد الذي دعت إليه الحاجة، وأغنته التجربة وتوجته الآمال المزدانة بطموحات العمل المتصل لاستمرار الاجتهاد فيه من أجل التطوير والإبداع.
وإذا كان يحق للأردن أن يفخر بما قدمه العالم الإسلامي من بنات فكر أبناءه في مجال ترسيخ بناء هذه الصورة المركبة من الوعد بالشراء والبيع بالمرابحة، سواء كان ذلك في مرحلة البناء النظري أم في ميدان العمل التطبيقي، (1) فإنه ليجدر بمن يسجل الأحداث بحقائقها أن يذكر بالخير ذلك الدور الرائد الذي قام به ابنك الإسلامي للتنمية في بواكير دخوله ميدان العمل حيث تبنى رئيس البنك الأخ الفاضل الدكتور أحمد محمد علي فكرة بيع المرابحة للآمر بالشراء وطبقها على تمويل عمليات التجارة الدولية التي تحتاج إليها الدول الإسلامية.
(1) المقصود بالإشارة هنا هو السبق العلمي الذي كشف فيه الباحث عن الأساس الفقهي لصورة هذا التعاقد الفريد حيث جرى استخراج النص من موطنه في كتاب "الأم" للإمام الشافعي وذلك من خلال البحث العلمي الذي قدم فيه الباحث رسالته لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق لدى جامعة القاهرة والتي جرت مناقشتها بتاريخ 30/6/1976 وقد أدخل الباحث هذه الصورة التعاقدية في قانون البنك الإسلامي الأردني رقم 13 لسنة 1978 بعد أن وافقت لجنة الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية على قبول مبدأ القول بالإلزام في الوعد. انظر في ذلك: أ- سامي حمود، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية الطبعة الأولى (القاهرة، 1976) ص 476 – 481. ب- سامي حمود – الأعمال التحضيرية لإنشاء البنك الإسلامي الأردني محفوظات خاصة لمشروع القانون الخاص بإنشاء البنك ومناقشات لجن الفتوى للمشروع في الفترة الواقعة بين 6/7/1977 – 11/9/1977
وإذا كان قد اجتمع في هذه الندوة المباركة السهم الحضاري المتمثل في المجمع الملكي العتيد مع القوس المشدود بعزم الإرادة على العمل المشترك وهو العزم الذي تمثل في إيجاد البنك الإسلامي للتنمية، فإن اجتماع هذا السهم مع ذلك القوس إنما يعبر عن وحدة الفكر والعمل في سبيل استمرار بناء صرح الحضارة الإسلامية المجيد لكي تظل هذه الحضارة مرتفعة الأعلام على مر العصور والأزمان.
ويتألف البحث المقدم من أربعة فصول وخاتمة حيث اشتمل الفصل الأول على نبذة تاريخية عن بيع المرابحة وتطوره المعاصر في صورة التعامل المركب من آمر بالشراء ووعد بالتبايع.
أما الفصل الثاني فقد تضمن بيان النموذج الأردني في تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء باعتباره الأساس الذي نسجت على منواله البنوك الإسلامية الأخرى الصور المختلفة للتطبيق مع بعض الاختلافات في الشكل دون الجوهر.
وتناول الفصل الثالث آلية (ميكانيكية) تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء ومجالاته والمشكلات والحلول الفقهية لهذه المشكلات.
وتضمن الفصل الرابع الآفاق المستقبلية لبيع المرابحة من ناحية التخطيط المتصور للانتقال بالعملية من مجرد عملية استثمارية بسيطة إلى قاعدة راسخة لإيجاد أدوات استثمارية ملائمة بحسب طبيعتها لإيجاد نواة سوق رأس المال الإسلامي مع الإشارة في ذلك إلى تجربة بنك البركة الإسلامي في البحرين.
وقد أوجزت الخاتمة خلاصة البحث وما يراه الباحث من توصيات.
ولا يسع الباحث إلا أن يتقدم بالشكر والتقدير لهذه المبادرة الطيبة التي رعاها كل من معالي الدكتور ناصر الدين الأسد – رئيس المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – في عمان ومعالي الدكتور أحمد محمد علي – رئيس البنك الإسلامي للتنمية – في جدة من أجل بحث موضوع المرابحة على هذا المستوى العلمي الرفيع، كما يشكر الباحث كذلك معالي البروفيسور كوركوت أوزال مدير المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب وجميع المشاركين في إغناء التراث الإسلامي بخلاصة الفكر والإبداع.
ونسأل الله –سبحانه وتعالى أن يديم لقاءات الخير في ظل مجد هذه الحضارة التي نرجو لها دوام الازدهار لترسيخ مفاهيم العدل والإحسان في تعامل الإنسان مع إخوانه من بني الإنسان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الباحث
الدكتور سامي حسن حمود
البحرين في 14 شعبان 1407
الموافق 12 أبريل 1986م
الفصل الأول
نبذة تاريخية عن بيع المرابحة وتطوره المعاصر
1-
أساس بيع المرابحة في الفقه الإسلامي:
يعتبر بيع المرابحة نوعًا من أنواع البيوع المعروفة في الفقه الإسلامي. والبيع في الشرع هو كما جاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (مبادلة المال بالمال بالتراضي وفي اللغة هو مطلق المبادلة من غير تقييد بالتراضي. (1)
(1) انظر الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الجزء الرابع (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، دون تاريخ) ص 2
والأصل في البيع أنه جائز بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد ورد فيه قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [من سورة البقرة الآية: 275] وأما السنة فقد وردت روايات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيوع وكان الناس يتعاملون بها فأقرهم على ما يجيزه الشرع ونهاهم عما لا يجوز. وأما الإجماع فإن الأمة قد أجمعت على جواز البيع في الجملة وأنه أحد أسباب التملك. (1)
ويتميز بيع المرابحة بأن فيه بيانًا لرأس المال في الشيء المبيع، فهو من بيوع الأمانة (2) وقد عرفه ابن قدامة في كتابه المغني بأنه "البيع برأس المال وربح معلوم ويشترط علمهما (أي البائع والمشتري) برأس المال فيقول رأس مالي فيه أو هو علي بمائة بعتك به وربح عشرة فهذا جائز لا خلاف في صحته ولا نعلم فيه عند أحد كراهة". (3) ثم أورد أبو محمد –رحمه الله تعالى- ما نقل من آراء عن ربط الربح بنسبة من رأس المال، كما لو قال البائع للمشتري بعتك هذا الشيء –مثلًا- برأس مالي فيه وهو مائة وأربح في كل عشرة درهمًا، فقال بأنه نقل عن الإمام أحمد بن حنبل كراهة ذلك كما نقل القول بالكراهية أيضًا عن ابن عمر وابن عباس، وأورد أبو محمد أيضًا القول بالترخيص في هذه المسألة عن سعيد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. (4)
(1) انظر الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الجزء الرابع (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، دون تاريخ) ص 3
(2)
تصنف البيوع في النظر الفقهي من ناحية بيان الثمن إلى بيوع مساومة وبيوع أمانة. - أما بيوع المساومة فهي التي يحدد فيها ثمن المبيع بالمفاوضة أو الإيجاب والقبول دون بيان لرأس المال. - وأما بيوع الأمانة فإنها تكون مبنية على أساس بيان رأس المال وهي تتفرع إلى ثلاث صور هي: - المرابحة وتكون بالبيع برأس المال مع إضافة ربح معين يتفق عليه. - التولية وتكون بالبيع برأس المال دون ربح أو خسارة. - الوضعية أو المواضعة وتكون في حالة البيع بخسارة تطرح من رأس المال. انظر – مصطفى أحمد الزرقاء، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، الجزء الأول (المدخل الفقهي العام)، الطبعة السادسة (دمشق: مطبعة جامعة دمشق 1959) ، ص 547
(3)
انظر: ابن قدامة، المغني، الجزء الرابع (القاهرة: مكتبة القاهرة، دون تاريخ) ص 136
(4)
انظر: ابن قدامة، المغني، الجزء الرابع (القاهرة: مكتبة القاهرة، دون تاريخ) ص 136
والذي يظهر من استعراض آراء من قالوا بالكراهة في بيان الربح بطريق النسبة إلى رأس المال هو الظن بوجود الجهالة في الثمن، وهذا الظن ليس واردًا طالما أن الأمر معلوم أو يمكن العلم به بنتيجة الحساب، لذلك فقد انتهى أبو محمد من تحرير المسألة بالقول بأن الكراهة المروية عن ابن عمر وابن عباس إنما هي كراهة تنزيه وإن البيع صحيح.
وإن من يتفحص حقيقة هذا البيع المبني على الأمانة في بيان رأس المال أو إعلان حقيقة تكلفة المبيع بما قام به على البائع يجد أن البيع بهذه الصورة يكون من أشرف البيوع لأنه يمسح من نفس الشاري أي تشكك قد يراوده من ناحية الثمن الذي يدفعه.
2-
الصورة المستحدثة في بيع المرابحة للآمر بالشراء:
يختلف بيع لمرابحة الذي تتعامل به المصارف الإسلامية عن صورة المرابحة المعروفة عمومًا والمبحوثة في المؤلفات الفقهية لمختلف المذاهب الفقهية المعتبرة. فالمرابحة عند الفقهاء هي نوع من التجارة يكشف فيها التاجر البائع للمشتري رأسماله في السلعة الموجودة بحوزته وذلك بحسب ما اشتراها أو بما قامت عليه، ثم يضيف ربًحا مبينًا ومعلومًا ويقول أبيعها لك برأسمالي فيها وهو كذا وربحي فيها كذا أما بيع المرابحة الذي تتعامل به المصارف الإسلامية فيبدأ من عند صاحب الحاجة الذي يأتي إلى المصرف ليطلب شراء سلعة معينة ليست موجودة بحوزة المصرف وذلك على أساس أن الطالب يعد بأن يشتري السلعة التي يطلبها من المصرف بما تقوم عليه من تكلفة زائدًا الربح الذي يتفق عليه معه.
وهذه هي الصورة المستحدثة لهذا التعامل المركب من وعد وبيع، فما هو أصل هذه الصورة وما هو سندها من الفقه وما مدى احتياج الناس والمصارف الإسلامية إلى تطبيقها في الحياة المعاصرة؟
أساس ظهور الصورة في الفقه الإسلامي:
ليس لهذا العنوان بالشكل الذي أصبح معروفًا بيع المرابحة للآمر بالشراء وجود في المؤلفات الفقهية القديمة حيث لم تكن هذه الصورة معروفة أساسًا في التعامل قبل عام 1976 عندما اكتشف الباحث –ولأول مرة- وجود الأساس الفقهي لهذه الصورة المركبة من مواعدة وبيع، (1) وقد جاء هذا الاكتشاف من خلال البحث العلمي الذي كان يعده الباحث لنيل درجة الدكتوراه في موضوع –تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية وهي الرسالة التي جرت مناقشتها في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في 30/6/1976.
(1) كان هذا هو الرأي الذي انتهى إليه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد فرج السنهوري (رحمه الله تعالى) والذي كان أستاذ مادة الفقه المقارن للدراسات العليا بقسم الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة. وقد كان الأستاذ المرحوم مهتمًا اهتمامًا شخصيًا بموضوع الرسالة التي كان يعدها الباحث بعد أن درس على يديه دبلوم الشريعة الإسلامية وكان الأستاذ المشرف على الرسالة (فضيلة الشيخ زكريا البري رئيس قسم الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة) يطمئن إلى رأي الشيخ السنهوري الذي كان أستاذًا للأستاذ المشرف على الرسالة
وقد جاءت بداية الخيط في تحقيق هذا الكشف العلمي من خلال مراجعة كتاب الأم للإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- حيث ورد فيه ما يلي:
"وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال: اشتر هذه وأربحكم فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز، والذي قال أربحكم فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعًا وإن شاء تركه. وهكذا إن قال اشتر لي متاعًا ووصفه له أو متاعًا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت، إن كان قال ابتاعه (الصواب ابتعه) وأشتريه منك بنقد أو دين، يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز
…
" (1)
وهذا يعني إمكان قيام صاحب الحاجة إلى سلعة ما (سواء كانت خاصة بالاستعمال الشخصي أم كانت للمتاجرة) بتكليف شخص آخر بأن يشتري هذه السلعة في مقابل وعد من الآمر بأن يشتري هذه السلعة في مقابل وعد من الآمر بأن يشتري منه ما اشتراه مع تحديد الربح الذي يعطيه إياه.
وعندما نظر الباحث على هذه الصورة بعين المصرفي المطلع على احتياجات الناس ومتطلباتهم وجد أن هذا الباب يسد حاجة الناس بصورة أوسع مما يسده به باب المضاربة الشرعية لو كان هو المنفذ الوحيد للتمويل في نطاق عمل البنك الإسلامي، فقد كانت المضاربة التي هي صورة من صور المشاركة بين رأس المال وعمل الإنسان هي المخرج الوحيد الذي كان يطرحه المفكرون الإسلاميون في العقدين السادس والسابع من هذا القرن لحل مشكلة الاستثمار والتمويل الإسلامي، ولكن لم يقل لنا هؤلاء المفكرون كيف يمكن أن يمول البنك الإسلامي بالمضاربة شخصًا يريد شراء سيارة لاستعماله الشخصي مثلًا أو أثاثًا لمسكنه حيث لا يوجد ربح ولا توجد تجارة، كما لم يقل لنا أحد منهم كيف يمول البنك الإسلامي شراء أنابيب نقل المياه مثلًا إذا رغبت دائرة المياه الحكومية في أن تتمول للشراء.
فهل يقف البنك الإسلامي مكتوفًا أمام هذه الاحتياجات المعتبرة ولا يمول إلا التجارة والتجاريين؟
وهب أن تاجرًا لا يريد شريكًا بل يريد بضاعة يشتريها بالأجل ويتصرف فيها بالبيع والتقليب، أو صانعًا يريد شراء المواد الخام لصناعته ولا يريد لأحد أن يدخل شريكًا معه في مصنعه وعمله، فهل يلزم الناس بالمشاركة من أجل التمويل وهم لا يرغبون؟
ولو كان هناك طبيب بحاجة إلى جهاز للأشعة أو آلة للجراحة المتقدمة فهل يجري معه البنك الإسلامي عقد مضاربة على العمل في الآلة؟
إن قاعدة الإسلام مبنية على رفع الحرج عن الناس، وإن عدل الشريعة مبني على التيسير في دين الله، وإنه لا يمكن النظر في إلزام الناس بقبول ما لا يريدون قبوله طالما أن في الشرع متسع للاختيار ولكن الضيق يأتي من نقصان العلم والمعرفة بالأحكام.
فكيف تطورت هذه الصورة من النظرية إلى التطبيق، هذا ما سنعرض إليه في الفصل الثاني.
(1) انظر – الشافعي، كتاب الأم، الطبعة الأولى، تصحيح محمد زهدي النجار، الجزء الثالث، (القاهرة: مطبعة الكليات الأزهرية 1961) ، صفحة 39
الفصل الثاني
النموذج الأردني لبيع المرابحة للآمر بالشراء
1-
خلفية التطوير وأثره في العالم
كان للتجربة الأردنية أثر واضح في إدخال مفهوم الوعد الملزم على بيع المرابحة للآمر بالشراء وذلك من خلال ما قدمه النموذج الأردني لهذه الصورة عندما صدر قانون البنك الإسلامي رقم 13 لسنة 1978.
فقد رأت لجنة الفتوى التي كلفها معالي وزير الأوقاف في ذلك الوقت معالي الأستاذ كامل الشريف بدراسة مشروع قانون البنك –الذي كان للباحث شرف إعداده وتقديمه- إن الأخذ بالقول بلزوم الوعد في هذا التعامل أمر ممكن باعتباره أن الإلزام القضائي بالوعد أمر معروف في الفقه المالكي، فقد نقل الأستاذ الجليل مصطفى أحمد الزرقاء في مؤلفه الجامع "الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد" إن الرأي المشهور عند المالكية يعتبر الوعد بالعقد ملزمًا للواعد قضاء إذا ذكر فيه سبب ودخل الموعود تحت إلزام مالي بمباشرته ذلك السبب بناء على الوعد. (1) كما إن القول بلزوم الوعد قضاء منقول كذلك عن ابن شبرمة. (2)
ونظرًا لما يؤدي إليه القول بلزوم الوعد قضاء من استقرار في المعاملات ودفع للضرر الذي قد يتعرض له البنك الإسلامي من جراء النكول عن إتمام البيع فيما يكون الآمر قد طلب شراءه من سلع أو معدات قد لا تكون صالحة لغير الغاية التي طلبها من أجلها، كل ذلك قاد الباحث إلى الاطمئنان إلى عدالة القول بلزوم الوعد قضاء لدفع الضرر والوصول إلى استقرار المعاملات وتجنب الضرر والتغرير.
وإن من يستعرض قواعد الشرع الحنيف يجد أنه كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) .
وفي ضوء هذا التصور المنظور ومن أجل سلامة الأساس الذي سيبني عليه عمل البنك الإسلامي الأردني تم وضع التعريف الشامل لبيع المرابحة للآمر بالشراء وهو التعريف الذي أقرته لجنة الفتوى (3) وتضمنه القانون رقم 78 لسنة 1978 ونصه كما يلي: (4)
بيع المرابحة للآمر بالشراء: قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء الأول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي يدفعه البنك كليًا أو جزئيًا وذلك في مقابل التزام الطالب بشراء ما أمر به وحسب الربح المتفق عليه عند الابتداء.
(1) انظر- مصطفى أحمد الزرقاء، مرجع سابق، نفس الجزء صفحة 1023 - 1024
(2)
انظر – ابن حزم: المحلى (بيروت: دار الآفاق الجديدة، دون تاريخ) ، الجزء الثامن، ص 28
(3)
انظر – تقرير لجنة الفتوى إلى معالي وزير الأوقاف عن مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني وهو التقرير الصادر عن دار الإفتاء تحت رقم 4/5/65 تاريخ 22/9/1977
(4)
انظر – المادة رقم 2 من قانون البنك الإسلامي الأردني رقم 13 لسنة 1978 المنشور في الجريدة الرسمية بالعدد 2773 تاريخ 1/4/1978
ومع صدور هذا التعريف لبيع المرابحة للآمر بالشراء بالصورة التي أقرتها لجنة الفتوى (1) فقد بدأ عهد جديد لدخول هذه الصورة نطاق الاستعمال المتسع سواء على مستوى البنوك الإسلامية المحلية (2) أم على مستوى التعامل الدولي في داخل العالم الإسلامي وخارجه. (3) وهكذا أصبح النموذج الأردني في بيع المرابحة منهجًا معروفًا وتسير على منواله العديد من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية مع بعض التفريعات والاختلافات التي لا تؤثر في جوهر التعاقد وطبيعته.
(1) شارك في اجتماعات لجنة الفتوى التي كلفت بدراسة مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني كل من: - الشيخ محمد عبده هاشم (المفتي العام) ، الشيخ عز الدين الخطيب، الشيخ محمد أبو سردانه، الشيخ أسعد بيوض التميمي، الدكتور إبراهيم يزيد الكيلاني، الدكتور عبد السلام العبادي الدكتور ياسين الدرادكه، وانضم إلى اللجنة من غير أعضاء لجنة الفتوى كل من: الشيخ عبد الحميد السائح، الدكتور محمد أحمد صقر كما شارك الباحث الدكتور سامي حمود في المناقشات باعتباره معد المشروع وقد عقدت اللجنة لهذه الغاية 15 اجتماعًا في الفترة الواقعة بين 6/7/1977 – 11/9/1977 وكان بعض هذه الاجتماعات يمتد أحيانًا من بعد صلاة العشاء حتى صلاة الفجر.
(2)
زار الباحث خلال عامي 1977/1978 بناء على دعوات الاستضافة التي تلقاها من البنوك الإسلامية الحديثة لشرح مفهوم العمل المصرفي الإسلامي ومن بينها النموذج الأردني لبيع المرابحة للآمر بالشراء – كلًا من: - الحاج سعيد أحمد لوتاه - رئيس مجلس إدارة بنك دبي الإسلامي – دبي - الحاج أحمد بزيع الياسين – رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي – الكويت - الدكتور أحمد محمد علي – رئيس البنك الإسلامي للتنمية - جدة
(3)
تنبهت البنوك الأجنبية إلى صورة بيع المرابحة للآمر بالشراء وأحدثت صورًا من التعامل الذي تتوسط فيه لشراء سلع أو معادن بالنقد من طرف لبيعها إلى طرف آخر بالأجل بفارق ربح يتوازى مع أسعار الفائدة الرائجة، وقد اجتذبت هذه الطريقة مئات الملايين من أموال البنوك الإسلامية والمستثمرين الإسلاميين بسبب توفر المواد وانتظام الأسواق، ويا حبذا لو طور العالم الإسلامي تجارته لكي يستوعب الأموال الباحثة عن الاستثمار الحلال وهي تعد بالبلايين بحسب الإحصائيات المتوفرة بالأرقام.
2-
النقد الموجه للنموذج الأردني
واجه النموذج الأردني لبيع المرابحة للآمر بالشراء جبهات متعددة من النقد والتجريح وهو أمر طبيعي في مناهج السلوك والتفكير الإنساني، ذلك أن بيع المرابحة أصبح يمثل حجر الأساس في نجاح البنوك الإسلامية كما أن حجم الاستثمارات المالية المبنية عليه تمثل الحجم الأكبر من استثمارات البنوك الإسلامية التي تستطيع أن تنافس فيها البنوك العادية في كل مجال وميدان.
ورغم كثرة الانتقادات إلا أن أحدًا لم يستطع الاعتراض على أساس التعامل وإنما انصب النقد على جوانبه باستثناء ما أورده البعض من أقوال المالكية الذي أوردوا صورًا مماثلة لبيع العينة رغم إن صورة المرابحة ليست منها.
فقد ورد في المقدمات لابن رشد إن من صور العينة أن يقول: اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدًا وأنا ابتاعها منك باثني عشر إلى أجل، حيث قال المؤلف أن ذلك حرام لا يحل ولا يجوز لأنه رجل ازداد في سلفه.
ورغم أن المنع هنا هو اجتهاد مأخوذ من باب سد الذرائع الذي توسع فيه فقهاء المذهب المالكي إلا أنه لا يعدو أن يكون رأيًا فقهيًا يقابله رأي آخر للإمام الشافعي يجيز فيه ذلك صراحة، فلماذا يلزم الناس ويجبر المفكر الإسلامي على اتباع الرأي الأشد في حين أن التيسير ورفع الحرج هما سمة مميزة من سمات الدين الإسلامي الحنيف.
وذهب آخرون إلى القول بأن جهة الحرمة في هذا التعامل (بحسب زعمهم) تتمثل في القول بالإلزام وأنه لو لم يكن هناك إلزام لكان التعامل صحيحًا ومقبولًا شرعًا.
وهذا أمر أكثر غرابة من سابقه، فهل يكون القول بلزوم الوعد مخالفة في حين أن الله سبحانه وتعالى يأمر بالوفاء بالوعود والعهود؟
ثم من قال بأن الإضرار بالبنك الإسلامي يكون مقبولًا شرعًا؟ فإذا أمر المتعامل البنك بشراء آلة لا يحتاجها غيره وجاء له البنك بالآلة حسب ما طلب ثم عن له أن يخلف الوعد، فهل يكون هذا الخلف بالوعد حلالًا، وإذا كان ذلك يجوز فمن يجبر الضرر الذي يتعرض له البنك بسبب هذا النكول الذي ليس له ما يبرره؟
وبالغ بعضهم في القول بأن هذه المعاملة لم يقل بها أحد من السابقين وكأن شرع الله يلقي الحجر على العقول مع أنه الدين الذي يعطى للمجتهد أجرًا إذا أخطأ وأجرين إذا أصاب.
ورغم أن النقد والاعتراض صفة من صفات الإنسان بوجه عام إلا أن محاولة فرض الآراء الضيقة من أجل التضييق على الناس أمر لا يجوز في دين الله الذي رفع به الحرج، وأن هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا من أفهامهم الضيقة موازين لمصالح الناس دون أن يرتفعوا بهذه الأفهام إلى مقاصد الشرع وغاياته ومراميه هم أناس ظالمون لأنفسهم أولًا وظالمون لأمتهم المتطلعة للصعود إلى المجد من جديد.
لقد كانت البنوك الربوية متفردة في الساحة لإجبار الناس على التعامل بالربا طوعًا وكرهًا وكان هؤلاء المدعون بحماية الإسلام والمسلمين نائمين على الطريق وليس من عمل إلا أنهم يحوقلون. (1) فلما جاء الفكر الإسلامي المستنير يفتح الطريق للعمل الحلال ويحل المشاكل ويقدم الحلول قام هؤلاء النفر ينقدون ويجرحون، فلا هم جاهدوا من قبل ولا تركوا المجاهدين يقاتلون بأي جهد.
ونظرًا لكثرة ما تعرض له بيع المرابحة للآمر بالشراء من هجوم فقد تصدى الأستاذ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي لكل ما يقال من ادعاءات حول هذا التعامل بالصورة التي تقوم بها البنوك الإسلامية وأصدر بذلك كتابًا شاملًا يتضمن الرد على الشبهات المثارة فجزاه الله خيرًا. (2)
(1) الحوقلة – هي القول المعروف لا حول ولا قوة إلا بالله.
(2)
انظر – يوسف القرضاوي – بيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية (الكويت دار القلم، 1984) الطبعة الأولى.
الفصل الثالث
تطبيقات بيوع المرابحة
" الميكانيكية والمجالات والصعوبات "
1-
ميكانيكية التطبيق ونطاقه
يقوم تطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء في البنوك الإٍسلامية على آلية (ميكانيكية) محددة مؤداها أنه لابد من وجود الأطراف التالية:
1-
الآمر بالشراء وهو الراغب في شراء السلعة.
2-
المصرف الإسلامي وهو الجهة المستعدة لتلقي الطلب.
3-
البائع وهو مالك السلعة.
وتتم العملية كما يلي:
أ – يأتي الراغب في شراء السلعة للمصرف الإسلامي الذي يتعامل معه ويعرض عليه طلب شراء السلعة التي يرغب في شرائها مبينا أوصافها ومصدرها وثمنها الذي يكون قد سامه وعرفه.
ب – إذا وافق المصرف وكان للمتقدم سقف محدد للتعامل، فإنه يتلقى طلب عميله (الآمر بالشراء) ويحدد معه شروط الدفع ويبين له الثمن الذي سوف يبيعه على أساسه وهو السعر المبني على كلفة الشراء (الثمن الأساسي للسلعة زائدا مصاريف الشحن والتأمين والرسوم الجمركية ومصاريف النقل إذا كان المتفق عليه أن يكون البيع في خارج الميناء في حالة الاستيراد) .
جـ- يقوم المصرف بدفع ثمن البيع للبائع مباشرة كذلك والمصاريف الداخله في حساب الثمن مثل مصاريف الشحن والرسوم الجمركية وغيرها ولا يجوز دفع النقود للآمر بالشراء ليشتري لنفسه تجنبا للوقوع في الشبهات مع أنه يجوز التوكيل في الشراء إلا أن الابتعاد عن ذلك أسلم وأتقى إلا إذا أمن المصرف تماما.
د – عندما يقبل الآمر بالشراء السلعة المشتراة بناء على طلبه فإن هذا القبول يعتبر شراء (سواء كان ذلك كتابة أو شفاهة أو تعاطيا مستفادا من توقيع الكمبيالات بالثمن المتفق عليه) حيث يتسلم المشتري المبيع ويقدم الثمن الذي هو عبارة عن كمبيالات موقعة بالأقساط حسب تواريخ الاستحقاق المتفق عليها من الابتداء.
وبذلك تصل العملية إلى نهايتها.
أما إذا كانت تصرفات مخالفة سواء من البنوك الإسلامية أو من غيرها فإن التصرف المخالف لا يجوز قبوله.
من ذلك مثلا ما قيل أن هناك حالات تعطي فيها بعض البنوك الإسلامية النقود للآمر بالشراء ليشتري السلعة بنفسه ثم يبيع لنفسه ويقدم للبنك كمبيالة بالثمن فيكون كأنما خذ الفا نقدا وقدم سندا بألف ومائتين إلى أجل فإن هذا لا يجوز سدا للذرائع وإن كان من الجائز توكيل الإنسان بأن يشتري لنفسه.
كذلك التصرف الذي تتبعه البنوك في عكس عملية المرابحة بخصم قيمة الربح أو جزء منه بعد إتمام البيع وهو ما تطلق عليه هذه البنوك Mark down فإن هذا التصرف غير صحيح بالمعيار الإسلامي الدقيق لأنه عملية خصم كمبيالة.
وكذلك الحال بالنسبة لبيع المرابحة الذي تجريه هذه البنوك على أساس شراء سلعة من العميل ثم بيعه نفس سلعته مع ربح مضاف فإن ذلك لا يعتبر مرابحة لأنه ليس فيه تمليك جديد وإنما هو حيلة لبيع النقد بالدين وزيادة وهذا هو الربا الحرام.
فالمرابحة بمفهومها الشرعي الكامل هي المرابحة التي تفيد ملكا جديدا في عملية مركبة من ثلاثة أطراف هي البائع والمشترى والمتوسط بالشراء الذي يملك السلعة أولا من البائع ثم ينقل الملك إلى المشترى ويقصد بالتملك هنا حقيقته وآثاره وليس شكله ومظاهره.
فلو اشترى البنك الإسلامي سلعة وإبقاها في مخازن البائع ثم طلب منه تسليمها إلى المشترى الآخر فإن ذلك التصرف مقبول طالما أن البنك هو البائع في نظر المشتري وإنه يتحمل تبعة الهلاك وإليه يتم رد المبيع بسبب العيب إن وجد وكان من الأسباب الموجبة لرد المبيع.
2-
النشاطات والقطاعات التي يطبق فيها بيع المرابحة:
يمكن تطبيق بيع المرابحة على مختلف الأنشطة والقطاعات سواء كان ذلك خاصا بالأفراد والشركات أم بالمؤسسات والهيئات المحلية أو الحكومية.
ذلك أن بيع المرابحة غير محدود بالنشاط التجاري بل إنه يشمل كل نشاط سواء كان لتلبية الاحتياجات الفردية (شراء سيارة أو ثلاجة) أو الاحتياجات المهنية (شراء جهاز أو آلة) أم كان لتلبية الاحتياجات الحكومية (شراء نفط أو معدات للمطارات والموانيء والمرافق العامة) .
فما هي الصعوبات التي تواجه تطبيق هذا البيع في الواقع العملي؟
3-
الصعوبات والحلول المقترحة:
تختلف الصعوبات الخاصة بتطبيق بيع المرابحة باختلاف البلاد وتعدد الحالات، ففي بلد كالأردن حيث تبنى القانون المدني المستمد من أحكام الفقه الإسلامي مبدأ الإلزام فإن المصرف الإسلامي قد يواجه مشكلة النكول عن الوعد بسبب لا يد له فيه.
أما أهم الصعوبات التي تعترض تطبيق هذا البيع في الواقع العملي في البلاد عموما فإنها تتمثل في التمسك بشكليات الإجراء في البيوع بوجه عام مثل اشتراط التسجيل المباشر في حالات بيع العقارات والسيارات والسفن وغيرها وما يتبع ذلك من رسوم مستحقة الأداء عند البيع والشراء مما يترتب عليه إيجاد تكلفة إضافية دون سبب لذلك.
والحل الذي يراه الباحث يتمثل في إمكان السماح للمصرف الإسلامي (باعتباره لا يشتري لنفسه) بأن يشتري باسم شخص يسمى فيما بعد، وهو أسلوب معروف في التداول القانوني في البلاد الغربية ولا يتنافى مع الضوابط الفقهية طالما أن شخص المشتري ليس مؤثرا في سلامة الرضا من جانب البائع.
فإذا اشترى البنك الإسلامي الأردني – مثلا – سيارة نقل بناء على طلب من عميله فإن دائرة السير تسمح بنقل السيارة من اسم البائع في سجلات الدائرة على أن يبقى اسم المشترى معلقا على التسمية من جانب البنك ولا بأس من جعل المدة قصيرة جدا مثل خمسة أيام أو سبعة أيام على الأكثر حيث يسمى البنك اسم المشتري الذي يتحمل دفع الرسوم مرة واحدة في هذه الحالة بدل الدفع مرتين بلا سبب موجب لذلك.
وبذلك يستطيع هذا التعامل أن يسهم في تحريم دورة المال في المجتمع ليحقق الغاية التي يحققها الماء الجاري في الحديقة الغناء والتي كان يبقى فيها آسنا إذا أبقيناه حبيس الحوض والبناء.
فهل هناك من آفاق يمكن أن ينتقل إليها هذا التعامل إلى مدى هو أبعد من حدود هذا التوسط البسيط؟
هذا ما سوف نبينه في الفصل الرابع والأخير من هذا البحث بإذن الله.
الفصل الرابع
تطوير المرابحة كأساس لسوق رأس المال الإسلامي مع
التعرض لتجربة بنك البركة في البحرين
1-
الانتقال من التمويل إلى التداول
يلاحظ المتتبع لنمو البنوك الإسلامية إن هذه البنوك قد نجحت على مستوى القاعدة حيث تدفقت الودائع واتسعت آفاق التمويل والطلب عليه، إلا أن هذه البنوك ما تزال تبحث عن الغطاء في قمة العمل المصرفي وهو الغطاء الذي يتمثل في وجود سوق رأس المال الإسلامي، وإنه من المعروف لدى المصرفيين أن البنوك والمؤسسات المالية تمثل قاعدة السوق الأولية للمال وإن التكامل يتطلب وجود السوق الثانوية لكي تستطيع هذه البنوك أن تكون لها رئة مالية تتنفس فيها شهيقا وزفيرا حيث تعطي الفائض من سيولتها وتمتص ما تحتاجه عند الحاجة إلى هذه السيولة.
وفي ظل عدم وجود السوق الثانوية ذات الإطار الإسلامي وجدت البنوك الإسلامية نفسها أسيرة النظام المالي المتحكم في تدوير أموال الشعوب فكان إن ساهمت هذه البنوك إلى حد كبير وعن غير قصد غالبا- في نقل الأموال الإسلامية إلى الأسواق العالمية تحت ظلال المرابحة في السلع الدولية.
وليس هناك من سبيل إلى إعادة توطين هذه الأموال المهاجرة من الديار الإسلامية إلى خارج البلاد إلا عن طريق المحاولة لإيجاد سوق لرأس المال الإسلامي يكون مرفودا بعمليات تجارية وتعاون اقتصادي بين دول العالم الإسلامي لخدمة أهداف التنمية ووقاية هذا العالم من الوقوع في شرور التناقض الاجتماعي الذي يسببه اختلال الموازين الاقتصادية وانتشار الفقر والحقد الدفين.
ومن هنا بدأ التطلع والعمل للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل تطور العمل المصرفي الإسلامي من أجل دخول سوق رأس المال بأدواته المتلائمة مع طبيعة العمل الملزم بأحكام الشرع الحنيف.
ففي مقابل سند القرض بالفائدة لابد أن توجد الأداة الاستثمارية الإسلامية التي تتمتع بما يتمتع به سند الفائدة من سيولة وربحية وضمان في إطار ما هو ممكن وبما لا يتعارض مع قواعد الفقه الإسلامي العظيم.
وقد كانت بيوع المرابحة هي أساس هذا التفكير الذي يكاد يعلم فيه راس المال والربح فور إبرام عقد البيع اللاحق حيث تباع السلعة التي ثمنها ألف دينار بمبلغ ألف ومائة دينار مثلا بعد عام.
ومن المعلوم أن ثمن المبيع يكون دينا في ذمة المشتري وإن الديون لا تباع إلا بمثل القيمة دون اعتبار للأجل، فكيف يمكن التصرف في مثل هذا الموقف الذي تبقى يد الدائن مقيدة إلى أن يحل أجل السداد؟
كان هذا هو الحل الذي جاءت به نعمة الرضى من الله سبحانه وتعالى على ندوة البركة الثانية للاقتصاد الإسلامي على نحو ما نبينه أدناه.
2-
إدخال مفهوم أدوات سوق رأس المال الإسلامي للاقتصاد الإسلامي
طرح الباحث في ندوة البركة الثانية للاقتصاد الإسلامي التي تم عقدها في تونس بين 4- 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1984 موضوع الوسائل الشرعية لتداول الحصص الاستثمارية في حالات السلم والإيجار والمرابحة.
وقد كان بيع المرابحة من أبرز الأمثلة المختارة لبيع الحصص الاستثمارية باعتبار أن بيع المرابحة بعد أن يتم يمكن فيه تماما معرفة الربح وموعد تحققه ونسبة ما يستحق من الزمن وما يتبقى لما هو باق من الأيام.
وإذا كانت الديون بحد ذاتها لا تباع إلا مثلا بمثل فإن هذه الديون إذا كانت جزءا من موجودات مختلطة مع النقود والأعيان فإنها تصبح قابلة للبيع، ولذا جاز في المخارجة وهي بيع الوارث نصيبه في التركة مع أن فيها ديونا ونقودًا ومنافع لأنها مختلطة بعضها مع بعض. وكذلك جاز لمالك السهم أن يبيع سهمه في الشركة مع أن هذا السهم يمثل حصة في موجودات الشركة كلها بما يدخل فيها من نقود وديون وأعيان.
ومن هنا كان مبنى الفكرة المعروضة على لجنة العلماء المشاركين في ندوة البكرةى الثانية (1) وهي الفكرة المتمثلة في إنشاء شركة تابعة لبنك البركة الإسلامي في البحرين تكون مختصة في تمويل المرابحة وتكون أسهمها قابلة للبيع والشراء وفق أسعار معلنة مقدما على أساس محسوب تبعا للعمليات المنفذة والأرباح المستحقة في بيوع المرابحة القائمة وذلك باعتبار أن السهم في الشركة التابعة يمثل جزءا شائعا في موجودات الشركة بكاملها.
(1) ضمن ندوة البكرة الثانية مجموعة من العلماء من مختلف المذاهب وهم أصحاب الفضيلة: 1- الشيخ عبد الحميد السائح رئيسا. 2- الشيخ زكريا البري عضوًا. 3- الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير عضوًا. 4- الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة عضوًا. 5- الدكتور حسين حامد حسان عضوًا. 6- الشيخ محمد السعدي فرهود عضوًا. 7- الدكتور عبد الستار أبو غدة عضوًا. 8- الدكتور حسن عبد الله الأمين عضوًا. 9- الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضوًا. 10 – الدكتور محمد إبراهيم عضوًا. 11- الدكتور محمد الطيب النجار عضوًا. 12- الدكتور عبد اللطيف آل محمود عضوًا. 13- الدكتور با بكر عبد الله إبراهيم عضوًا. 14- الشيخ أبو تراب الظاهري عضوًا. 15- الشيخ المختار السلامي عضوًا. 16- الحاج أحمد البزيع الياسين عضوًا مراقبًا 17- الدكتور سامي حسن حمود عضوًا
وعندما طرحت فكرة الشركة التابعة على السلطات المختصة في البحرين وتم إيضاح الأهداف المتوخاة من أجل المساهمة في إنشاء سوق رأس المال الإسلامي عن طريق تهيئة الأدوات الملائمة لوجود هذا السوق لم تتردد هذه السلطات في التجاوب الحميد حيث أصدر سعادة وزير التجارة والزراعة في البحرين الأستاذ حبيب أحمد قاسم القرار رقم 17 لسنة 1986 لتسجل دولة البحرين بذلك سبقا كبيرا في مجال التنافس المحمود لوضع قواعد الأساس لنوع جديد من الشركات المساهمة الإسلامية التي تتمتع بخاصيتين هامتين:
أولاهما: وجود نوعين من الأسهم هما أسهم الإدارة وأسهم المشاركة والفرق بين النوعين أن أسهم الإدارة تمثل ملكية الشركة وإدارتها أسهم المشاركة فليس للمساهم حق التصويت أو التدخل في الإدارة وإنما هو يشارك في الربح المتحقق فقط.
ورغم أن المعروف في هذه الأسهم المسماة بالاصطلاح الأجنبي Non – Voting Shares أنها ترجع إلى الأصول الإنجليزية في التشريع إلا أن الواقع يدل على أن حقيقة التصور في المسألة تتمثل في الأساس الإسلامي الذي تفترق فيه الملكية عن التصرف والإدارة، ولعل المثل الواضح في ذلك هو علاقة رب المال بالعامل في مال المضاربة حيث أن رب المال وهو المالك لا يستطيع أن يتدخل في إدارة مال المضاربة رغم أن المال ماله حيث أن التدخل يفسد العقد من أساسه.
وقد كان حريا بأصحاب الفكر الإسلامي أن يقدموا للعالم صورة الشركة المساهمة الإسلامية التي تستطيع أن تصدر أسهم المضاربة لتمويل عملياتها دون أن يحدث هناك خلل في ملكية الشركة وإدارتها وخاصة بالنسبة لبلد مثل بلدنا الأردن الذي يبحث عن الوسائل المناسبة لتشجيع المستثمرين على القدوم إلى البلاد مع الرغبة في المحافظة على الملكية الوطنية للشركات المساهمة التي تمثل دعامة البناء الاقتصادي الوطني.
ففي ظل نور الفقه الإسلامي يأتي الحل الموفق بين هذا وذاك.
أما الخاصية الثانية فإنها تتمثل في قبول فكرة رأس المال القابل للتغيير وهو أمر معروف في بعض القوانين التجارية حيث يتصاعد رأس المال أو يقل بمقدار الإصدارات المطروحة من أسهم المشاركة أو المباعة أو المطفأة.
وقد أحسن القرار الوزاري البحريني صنعا حين الزم في مادته الأولى مثل هذه الشركات المعفاة بأن تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
واستنادا إلى صدور القرار الوزاري المشار إليه أعلاه قام بنك البركة الإسلامي في البحرين بتأسيس شركة مساهمة بحرينية معفاة ذات رأس مال متغير لممارسة أعمال الإصدارات المختلفة في صناديق المرابحة والإيجار والسلم والمشروعات ومن المقرر أن يكون الإصدار الأول لصندوق المرابحة من اجل لفت الأنظار إلى إمكان وجود الأدوات المالية الإسلامية والتي تتمتع بالسيولة والربحية والقابلية للتسويق المنظم على أساس السعر المعلن والمكشوف.
3-
ميكانيكية العمل في صندوق المرابحة وإصداراته المختلفة
تقوم فكرة الإصدارات المختلفة لأسهم المشاركة في صندوق المرابحة على أساس أن الصندوق يمثل جزءا من موجودات الشركة بميزانية فرعية تختلط فيها النقود مع الديون والأعيان وأن المساهم يملك حصة مشاعة في مجموع هذه الموجودات.
وبما أن عمليات المرابحة يمكن فيها حساب الربح المتحقق شهرا فشهرًا، فإن قيمة السهم يمكن أن تزيد بما يعادل نسبة الربح المتحقق بالفعل، ويستطيع بنك البركة بصفته يملك الشركة أن يعلن استعداده لشراء الأسهم المعروضة وفق سعر محسوب فيه ثمن الأساس زائدا الربح المتحقق بالنسبة لما فات من شهور، وطالما أن الاستعداد للشراء موجود فإن القابلية للبيع تزداد وتستطيع الشركة أن تصدر رأس مالها بمقدار ما تطرحه في السوق من أسهم جديدة للاكتتاب تبعا للعمليات الجارية بانتظام.
وبذلك يستطيع المستثمر أن يطمئن إلى أن في إمكانه أن يشتري في أي وقت وأن يبيع أسهمه كذلك عند الحاجة بسعر يمثل سعر الأساس زائدا ما يكون قد تحقق له من أرباح.
وهكذا يولد السوق من خلال توفير الاستعداد الدائم المفتوح للبيع والشراء وبما أن الأدوات المالية المباعة والمشتراة تمثل أسهما تزيد بالربح وليست سندات تزيد بالفائدة فإن الوصف الإسلامي لهذا السوق لا يجافي الحقيقة والواقع.
وعندما توجد مثل هذه السوق ويشتد عودها فإنها تكون الأولى باجتذاب فائض السيولة لدى البنوك الإسلامية حيث تستطيع الشراء عندما تفيض لديها الموارد وتبيع عندما تشعر بالحاجة إلى السيولة.
الخلاصة والتوصيات
نستخلص مما سبق بيانه ما يلي:
1 – أن بيع المرابحة للآمر بالشراء في بنائه الفقهي يستند إلى أساس سليم وأن الصورة التطبيقية التي أقرتها لجنة الفتوى في الأردن من ناحية القول بلزوم الوعد في بيع المرابحة هي الصورة الأقرب لتحقيق الاستقرار في التعامل وأعمال الشروط الجائزة بين المسلمين.
2 – أن بيع المرابحة للآمر بالشراء ليس مجرد وسيلة للتمويل أو الاستثمار المحدود ولكنه يمكن أن يتطور إلى إدارة لرأس المال القابلة للتداول والتدوير.
3 – أن الجهات التشريعية في البلاد الإسلامية مطالبة بأخذ التطورات الحديثة التي استدعتها العمليات المستجدة للبنوك الإسلامية على محمل التيسير بهدف تسهيل انتشار التعامل الإسلامي الذي يحقق العدل والإحسان فيما بين الناس.
4 – أن العمل الجاد لإيجاد أدوات سوق رأس المال الإسلامي يكان يكون ضرورة لازمة في سبيل تسهيل إعادة توطين الأموال المتدفقة من بلاد العالم الإسلامي إلى خارج ديار الإسلام، وأن البنوك الإسلامية سوف تكون مضطرة أمام فقدان هذه السوق المالية بأدواتها المتلائمة مع المبادئ الإسلامية إلى الهجرة بفائض ما لديها من أموال إلى حيث توجد السعة والفرص المتاحة لاستيعاب هذه الأموال.
5 – أن شركات المرابحة المساهمة المعفاة (1) يمكن أن تكون نواة ناجحة لإيجاد الأداة المناسبة للتداول والتي يمكن أن تشكل مع غيرها من الأدوات إطارا متكاملا لسوق رأس المال الإسلامي بكل ما يتمتع به هذا السوق من خصائص الجذب والاجتذاب.
وكما يبنى البيت الكبير من تجميع الحجر فوق الحجر في نظام هندسي بديع كذلك يبنى النظام المالي المتكامل من تجميع الأداة إلى جانب الأداة في نظام هرمي راسخ في الأرض ومرتفع إلى عنان السماء.
وإن هذا البلد الأردني المعطاء لجدير بأن يكون مع غيره من الأشقاء في سلم القيادة على طريق الحق والخير بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور سامي حسن حمود
مدير عام بنك البركة الإسلامي للاستثمار
دولة البحرين
(1) الشركات المعفاة بالمفهوم القانوني في دولة البحرين يعني الشركات المعفاة من بعض أحكام قانون الشركات وذلك من ناحية تملك المواطنين مثل لما لا يقل عن 51 % من رأس المال وغير ذلك من الاشتراطات وقد نجحت دولة البحرين في اجتذاب العديد من الشركات المسجلة في الدولة للعمل في خارج البلاد على طريقة الافشور أي طريقة التعامل الخارجي لمنع المنافسة مع الشركات الوطنية
مراجع البحث
- ابن حزم المحلي (بيروت: درا الآفاق الجديدة، دون تاريخ)
- ابن قدامة المغني (القاهرة، مكتبة القاهرة، دون تاريخ)
- الشافعي كتاب الأم (القاهرة – مطبعة الكليات الأزهرية، 1961) الطبعة الأولى
- الزيلعي تبين الحقائق شرح كنز الدقائق (بيروت – دار المعرفة، دون تاريخ)
- مصطفى الزرقاء الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد (المدخل الفقهي العام)
(دمشق، مطبعة جامعة دمشق، 1959) . الطبعة السادسة
- سامي حمود تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية
(عمان – دار الفكر – 1981) الطبعة الثانية.
- سامي حمود الأعمال التحضيرية لإنشاء البنك الإسلامي
محفوظات خاصة مطبوعة بالآلة الكاتبة.
- يوسف القرضاوي بيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية
(الكويت: دار القلم، 1984) الطبعة الأولى.
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث
الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية، الجوانب التطبيقية، والقضايا، والمشكلات" بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب/ البنك الإسلامي للتنمية بجدة
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407 هـ
18/ 6 – 21 / 6/ 1987 م
بحث الدكتور م. فهيم خان
عن
تطبيق عقد المرابحة في البنوك التجارية في باكستان
القسم الثاني
(شيء من تفصيل حول عقود المشاركة (ربحا وخسارة)
لدى قطاع البنوك الباكستانية
القسم الثاني: تطبيق عقود المشاركة الرابحة:
التطبيقات التالية لعقود المشاركة الرابحة هي الأكثر شيوعا لدى قطاع البنوك الباكستانية:
1-
اتفاقية مبنية على زيادة السعر مع بنك تجاري.
2 – اتفاقية إعادة الشراء مع بنك تجاري.
3 – عقد مشاركة مع بنك تجاري.
4 – شهادة مساهمة ذات استحقاق مع مؤسسة للتنمية المالية
5 – اتفاقية مساعدة مالية مع مؤسسات مالية متخصصة في تلبية حاجات المشاريع الصغيرة.
تظهر في الفصول التالية المعالم البارزة لهذه التطبيقات:
1 / أولًا: الاتفاقية المبنية على زيادة السعر:
هذه الاتفاقية عبارة عن تطبيق مبدأ البيع الآجل أو بيع السلم. وفيما يلي أهم ميزات هذه الاتفاقية:
1 – تستغل هذه الاتفاقية لدى البنوك التجارية للقروض التمويلية مختلفة الآجال من قصيرة ومتوسطة وطويلة.
2 – يدخل العميل في اتفاق مع رب المال لشراء أموال منقولة.
3 – يوافق العميل على بيع تلك الأموال إلى البنك على مبلغ يتفق عليه يدعى " سعر البيع " ويقوم البنك بتسليمه للعميل.
4 – يوافق العميل نفسه على شراء نفس البضاعة ثانية من البنك بسعر معين يتفق عليه يسمى " سعر الشراء "(يشمل هذا زيادة السعر) يتم تسديده من قبل العميل في تاريخ معين. وإذا قام العميل بالتسديد في التاريخ المتفق عليه فإن البنك يعطيه تخفيضا خاصا يسمى " منحة " مثلا لو أن شخصا وافق على دفع سعر الشراء بحدود 1300 روبية بعد سنة واحدة. وكان هذا المبلغ يمثل أصل الدين 1000روبية وزيادة السعر 300 روبية. وبعد مرور السنة قام ذلك الشخص بدفع 1300 روبية، فإن البنك يعيد إليه " منحة " قدرها مثلا 160 روبية لأنه سدد في الموعد المتفق عليه. هذه الروبيات المعادة ما هي إلا زيادة في السعر أضافها البنك احتياطا لأي تأخر في التسديد بعد الموعد المحدد ولمدة لا تزيد على 210 يومًا إذ يستطيع البنك أن يحصل أمواله من العميل بموجب قرار محكمة في مدة أقصاها 210 يومًا من تاريخ الاستحقاق الأول.
5 – دفع سعر الشراء مضمون بأن يرهن العميل البضاعة أو يؤمنها لصالح البنك، وأن يكون مستعدا لتقديم ضمانات أخرى قد يطلبها البنك من حين لآخر.
6 – كذلك يلتزم العميل بموجب عقد الشراكة أن لا يفترض أية أموال أو يستغل زيادة سعر أو تمويل من أي بنك آخر أو مؤسسة مالية أو شخص آخر، وأن لا يسدد أي دين أو التزام مالي لأية جهة دون اخذ موافقة خطية مسبقة من البنك.
7 – البنك غير مسؤول تحت طائلة القانون عن البضاعة التي اشتراها العميل من حيث الجودة أو الكمية والقيمة أو أي شيء آخر.
8 – إذا تأخر العميل في سداد أي قسط في موعد استحقاقه تعتبر بقية الأقساط مستحقة وللبنك الحق في المطالبة بكامل رصيد سعر الشراء، وله الحق لتأمين تسديد ذلك أن يضع يده على البضاعة ويقوم ببيعها.
9 – للبنك الحق في أن يطالب بتسديد سعر الشراء حالا ودون بيان الأسباب. ويلتزم العميل في مثل هذه الحالة بأن يسدد القيمة خلال سبعة أيام من تاريخ الطلب. وفي حاله التخلف فإن العميل يلتزم أيضا بدفع العطل والضرر بحدود 20 % من قيمة المبالغ التي طلبها البنك وتخلف العميل عن دفعها.
10-
الاصطلاحات: البنك والعميل تشمل الورثة بالأصالة أو الوكالة لأي منهما أو منهم.
ملاحظة:
هذه الاتفاقية أيضا تستخدم في منح تسهيلات لذوي الدخل المحدود. حيث يقوم العميل بتقديم حاجة للبيع ويتعهد بشرائها ثانية بالسعر والزيادة اللذين يفرضهما البنك.
2 / ثانيا: اتفاقية إعادة الشراء:
تكاد تكون هذه الاتفاقية مثل الاتفاقية المبنية على زيادة السعر. والخلاف الوحيد ينحصر في أن على العميل أن يقدم حاجة للبيع يقوم ببيعها للبنك (بغض النظر عن قيمتها أو نوعها) بسعر يساوي المبلغ الذي يحتاجه من البنك ويوافق في نفس الوقت على شراء الحاجة ثانية بسعر أعلى (يشمل زيادة السعر التي يضيفها البنك) مثلا: لو كنت بحاجة إلى 10.000 روبية من البنك فإن البنك يطلب مني أن أبيعه شيئا من عندي، عندها أوافق على بيع تلفزيوني مثلا (وليس بالضرورة أن يساوي 10.000 روبية) للبنك وأوافق في نفس الوقت على شراء ذلك التلفزيون ثانية بمبلغ 12.000 روبية أو 15.000 روبية أو حتى باحتساب سعر إعادة الشراء كما يحسب أي بنك يتعامل بالفائدة ما يجب أن يدفعه عميله بحيث يغطى المبلغ الأصلي مضافة إليه الفائدة.
يطلب البنك عادة وضمن الاتفاقية أن يقوم العميل بتقديم رهونات أو تأمينات لأية أملاك أو ممتلكات ضمانا للمبلغ الذي سيسدده العميل في الموعد المتفق عليه.
ويسرى على هذه الاتفاقية جميع الشروط من 3- 10 الواردة في الاتفاقية المبنية على زيادة السعر المذكورة في البند 2 / أولًا
2/ثالثا: المشاركة: عقد اقتسام الأرباح المتداول في أي بنك تجاري باكستاني:
المشاركة بطبيعتها نوع من الاستثمار المالي المبنى على تقاسم الأرباح أو الخسائر. ويلجا لمثل هذا التمويل ويطبق على المعاملات المالية للفئات التالية:
أ – التمويل الرأسمالي للصناعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة الحجم.
ب- التمويل الرأسمالي للأعمال التجارية والتجارة نفسها.
جـ- تمويل الهيئات التي تعمل في إنشاء المباني (مؤسسات الإسكان)
د- لمزارع الطيور ومنتجات الألبان.
هـ- للبستنة والدواجن.
و للغابات.
إلا أن مثل هذه الاتفاقات قليلة للتطبيق ولا تزيد على 10 % من مجموع التمويل البنكي. وأهم ما تمتاز به عقود المشاركة:
1-
أنها لا تمنح إلا للشركات التي تحتفظ بحسابات رسمية، وتعد ميزانيات نهائية بانتظام.
2 – تتحاشى البنوك احتمالات التلاعب في السوق أو المضاربات أو المغامرات التي قد تؤثر على إرباحية المشروع المشترك أو أن العميل يدير المشروع بطريقه تؤثر على مصالح البنك. ولهذه الأسباب فإنها أي البنوك تمارس منتهى الحذر عندما تقدر صلاحية العميل أو المشروع المشترك ليقوم البنك بإجراءات المشاركة. كذلك تتساءل هل العملية صالحة للتطبيق.
3 – يقدم العميل طلبه على النموذج المعد ويرفق معه:
- بيانات عن ثلاث سنوات تشمل نتائج العمليات ورأس المال والميزانية العمومية وحساب الأرباح والخسائر لتلك السنوات.
- ضرائب الدخل المدفوعة- إن وجدت – خلال ثلاث سنوات.
- بيان سنوي عن أرباح المشروع على شكل كشوفات تقديرية للأرباح تشمل النتائج لعمليات المشروع بموجب تلك التقديرات.
4 – تتطلب المشاركة تقديم ضمانات: ولابد من أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلي بالنسبة للضمانات المقدمة:
أ – هل الضمانات كافية؟ أي هل قيمتها التحويلية كافية لتغطية استثمار البنك مضافا إليه كمية الربح التي قد تتحقق بموجب كشف الربح التقديري الذي أعده العميل.
ب- هل الضمانة سهلة التحويل إلى نقد.
جـ- لما كانت طبيعة كثيرة من الضمانات توحي باحتمال نقص قيمتها عادة وفجأة فإن على البنك أن يراعي ذلك عند قبول الضمان.
د- يؤمن على الضمانات على حساب العميل وبنفقته.
هـ- في حالة الشركات المساهمة المحدودة فإنه تؤخذ كفالة المدراء المسؤولين بصفتهم الشخصية ضمانا إضافيًا للودائع المقدمة ضمانات وهو ما جرت عليه العادة.
5 – تقرر حصة البنك في عقود المشاركة في ضوء ما يلي:
أ – الكشوفات التقديرية للأرباح التي يقدمها العميل هي التي تقرر حصة البنك والعميل معا.
ب- في ضوء ذلك يحقق البنك حصته من الأرباح كل ربع سنة (تحت الحساب) كما هو متفق عليه عادة في اتفاقية المشاركة.
جـ – لهذا السبب يقوم العميل أو الشركة بفتح حساب في البنك يسمى حساب المشاركة (تخصيصات الأرباح) ، ويبقى الحساب دائنا ويعطى البنك تفويض ليقيد على هذا الحساب في آخر كل ربع سنة الأرباح المؤقتة المحسوبة بالطريقة المبينة أعلاه على أساس الناتج اليومي على استثمارات البنك القائمة.
د – في نهاية كل سنة مالية يوزع الربح المتحقق بموجب حسابات الشركة حسب التخصيصات المعينة لكل استثمار حصته.
هـ- عند احتساب التخصيصات – يراعى ما يلي: إذا وجد أن حصة البنك أو أي جهة أخرى صاحبة حق، كانت تزيد على ما استوفته من أرباح مؤقتة فإن تلك الزيادة تقيد في حساب احتياطي خاص يسمى احتياطي المشاركة يقوم البنك بفتحه في سجلاته. أما إذا كانت الأرباح المؤقتة التي استوفاها البنك أو جهة أخرى صاحبة حق، أكثر مما تحقق من أرباح فعلية، فإن الفرق يقيد على الحساب الجديد الذي تم فتحه وهو حساب احتياطي المشاركة.
6 – في حالة الخسارة تتم الإجراءات التالية:
أ – تقوم الشركة خلال ثلاثة أشهر من إغلاق حساباتها بتقديم ميزانية مصدقة من فاحص الحسابات إلى البنك.
ب- في حالة رغبة الشركة في استعادة الربح المؤقت أو جزء منه من البنك مما كان قد قيد على حساب المشاركة – إذا كانت اتفاقية المشاركة تنص على ذلك، فإن على الشركة أن تخطر البنك خلال ثلاثين يوما من انتهاء الاتفاقية. وإذا لم تقم الشركة بهذا الإشعار خلال تلك المدة فإن ذلك يعتبر تنازلا منها عن تلك الاستعادة، ويعتبر كذلك موافقة من الشركة على قبول الربح القليل الذي وصلها وإقرار ما قيده البنك على حساب المشاركة.
جـ- إذا تبين أن حصة البنك من الربح خلال سنتين من السنوات الثلاث السابقة كانت دون ما قيده على حساب المشاركة، فإن للبنك الحق في أن يحول 20 % من استثماره إلى أسهم عادية من أسهم الشركة على حساب أضعاف أسهم الشركة وذلك بموجب البند 120 من نظام الشركات لسنة 1984.
د – أما إذا تعرضت الشركة للخسارة خلال فترة اتفاقية المشاركة، فإن للبنك الحق في أن يحول من أسهم الشركة بما يساوي حصته من الخسارة على حساب أضعاف قيمة أسهم الشركة وذلك بموجب نظام الشركات المشار إليه في (ج) أعلاه.
هـ- تصدر الشركة كتب توزيع الأسهم كما ذكر أعلاه خلال ثلاثين يوما من طلب البنك وتكون الأسهم عادية ويصحب البنك مثله مثل أي حامل أسهم آخر صاحب حق في الانتخابات والتحويل متمتعا بأية حقوق أخرى يمنحها القانون للشركات المساهمة.
و في حالة تعرض الشركة للخسارة خلال فترة الاستثمار بسبب سوء الإدارة أو عجزها عن تسديد أموال البنك أو التعويض عن الأرباح لأي سبب مهما كان، أو عجزت عن تنفيذ أي بند من بنود الاتفاقية، فاللبنك إضافة إلى أي وسائل معالجة أخرى متيسرة أن يباشر إجراءات تصفية الشركة لعله يؤمن ما يستحق له.
ز- في حالة عجز الشركة عن تحقيق الأرباح التقديرية بسبب سوء الإدارة أو إهمال المدراء المسؤولين، أو إذا تبين أن هناك تجاوزا على أي بند من بنود الاتفاقية من قبل الشركة، فإن على الشركة أن تتحمل جميع الخسائر. وعلى الشركة كما هو متفق عليه أن تتحمل العطل والضرر الذي تعرض له البنك بسبب عجز الشركة عن تأمين الأرباح التقديرية بسبب إهمالها أو لأي سبب آخر مما ذكر أعلاه.
ويعتبر هذا العطل والضرر مساويا في المقدار للربح المؤقت المتفق على دفعه للبنك بموجب الاتفاقية.
2 / رابعا: ش م ق (شهادة مساهمة ذات استحقاق)
عقد شراكة في الأرباح تتداوله مؤسسات التنمية المالية (م ت م)
الأرباح. تدخل الشركة في اتفاقية (ش م ق) مع (م ت م) – مؤسسة تنمية مالية على الأسس التالية:
1 – تطلب الشركة تمويلا جزئيا لمشروع معين من (م ت م) .
2-
توافق (م ت م) على استثمار مبلغ محدد في المشروع.
3 – تتعهد الشركة بتحمل مسؤولية تنفيذ المشروع وإتمامه من جميع الوجوه بما يرضى (م ت م) حسب جدول التنفيذ. ويعتبر المبلغ المدفوع للشركة قرضا عليها.
وإذا لم يتم إنجاز العمل في الوقت الذي حددته (م ت م) فتتحمل الشركة غرامة حسب المعادلة التي بينها بنك الدولة الباكستاني لمثل هذه الغرامات التي تستوفي على المبالغ التي تقترضها الشركة من وقت لآخر خلال المدة المقررة لإنجاز المشروع.
4 – بعد إنجاز العمل من جميع الوجوه وبشكل مقبول من (م ت م) ضمن وقت الإنتاج التجاري أو حوالي ذلك الوقت، فإن جميع الموجودات العائدة للمشروع والتي تعتبر ملكا للمؤسسة (م ت م) تباع للشركة بسعر يساوي الأشياء التالية: المبالغ التي اقترضتها الشركة لإنجاز المشروع، مضافا إلى ذلك أية غرامات قد تكون فرضت على الشركة علاوة على نسبة ربح لا تقل عن 12 % تستوفيها (م ت م) على مثل تلك المبالغ ولنفس الآجال إذا استثمرتها في مجالات أخرى، وتكون نسبة الأرباح على مجموع المبالغ والغرامات التي دفعت في سبيل تأمين القيمة التي نسميها " سعر الشراء ". عند إتمام عملية الشراء تقوم الشركة بإصدار (ش م ق) معادلة لسعر الشراء المدفوع إلى (م ت م) وتكون الشهادات من الفئات والاستحقاقات التي تنصح بها (م ت م) .
5 – إذا تبين في أي وقت من الأوقات أن سير الإنجاز دون الوقت المقرر في جدول المواعيد، وأن المشروع لن يتم ضمن التقديرات المالية المتفق عليها، والتي تعتبر أساس هذه الاتفاقية، وزاد التجاوز في النفقات أو توقعنا أن يزيد مستقبلًا على 15 % من الكلفة المقدرة أصلا، فإن (م ت م) تعيد تقييم المشروع.
وما دامت (م ت م) هي صاحبة القرار المطلق فإنها قد تقرر ما يلي:
أ – أن لا تتجاوز عن التخلف الناتج عن تأخير الإنجاز أو أن تتوقف عن تمويل المشروع حسبما يتراءى لها. وفي مثل هذه الحال فإن (م ت م) :
- قد تكلف شخصا آخر أو أحد الشركاء ليقوم بإتمام المشروع وتشغيله بدلا من الشركة.
ويقوم هذا الشخص أو الشريك الذي جاءت به (م ت م) بتحمل كافة الأموال الفعلية التي تم استثمارها من قبل ممثلي الشركة ويدفعها لهؤلاء الدائنين بعد إجراء تدقيق الحسابات من قبل فاحصي حسابات قانونيين.
- أو تبيع أو تضع يدها على الممتلكات والموجودات عن طريق المناقصة أو البيع بالمزاد العلني، وتخصص عائدات البيع لتغطية استثمارات (م ت م) بالدرجة الأولى. وما زاد عن ذلك إن وجد يستغل بالدرجة التالية لتسديد الممولين الآخرين ودائني الشركة من مدرائها المسؤولين.
ب – أو تسمح للشركة بإتمام المشروع بالكلفة المعدلة وبالشروط والتعليمات التي تضعها (م ت م) .
6 – حصة (م ت م) من الأرباح تتناسب طرديا مع نسبة شهادات المساهمة غير المستردة إلى مجموع أموال الـPLS الأخرى والاحتياطيات ورأس مال الشركة المدفوع،ومع ذلك ولإعطاء حافز للشركة فإن (م ت م) قد لا تحتفظ إلا بشىء يسير من أرباحها بما يعادل الربح الذي تستوفيه من الشركة بعد 30 يوما من إغلاق حساباتها نصف السنوية وتخصم للشركة 2 % وتبقى (م ت م) لنفسها ما يعادل 15 % فقط من القيمة الاسمية لشهادات المساهمة ذات الاستحقاق (ش م ق) لسنة مالية واحدة.
7 – تفتح الشركة حساب مشاركة مع أي بنك تجاري وطني باسم (م ت م) بعد أخذ موافقتها. وتودع في ذلك الحساب الدفعة نصف السنوية المؤقتة من الأرباح دون إشعار أو طلب مفوضة لصالح (م ت م) .
8 – تدفع الشركة دفعة مؤقتة على حساب الأرباح بمعد 8.5 % حسب حصة الأرباح المتفق عليها في الفقرة السابقة خلال 30 يوما من انتهاء 6 أشهر على بدء سنة الشركة المالية، ويرفق مع الدفعة نسخة من حسابات الشركة نصف السنوية. وتعتبر هذه الدفعة المؤقتة، دفعة مقدمة من أرباح (ش م ق) للسنة المالية وتسوى حسابيا في تاريخ الاستحقاق الأخير لشهادات (ش م ق) . وإذا لحقت الشركة خسارة في أي سنة مالية ندخل الدفعات المؤقتة في السجلات في حساب احتياطي المشاركة وتجرى تسويتها في هذا الحساب في الاستحقاق الأخير لشهادات (ش م ق) . وفي حالة تحقيق الشركة أرباحا تقل عن 15 % من قيمة (ش م ق) القائمة تغطي الشركة ذلك العجز بالوسائل التالية:
أ – تعطي شهادات (ش م ق) الصادرة لصالح (م ت م) الأولية في الاستفادة من الأرباح المقررة للتوزيع.
ب – إذا حققت الشركة أرباحا عالية بحيث زادت أرباح (م ت م) على الحصة المقررة لأي سنة أخرى، فإن هذه الزيادة في أرباح (م ت م) تقيد أيضا لحساب احتياطي المشاركة.
جـ – إذا كانت أرباح الشركة غير كافية لتأمين العائد المتفق عليه مع (م ت م) وكانت أباح المساهمين الآخرين غير كافية لتغطية العجز الحاصل في عائدات أسهم (م ت م) ، يجرى قيد العجز على احتياطي المشاركة، ثم ترحل أي زيادة في ذلك الحساب (إن وجدت) إلى الفترات القادمة احتياطا لمواجهة العجز في السنة أو السنوات التالية في حصة (م ت م) .
د – (م ت م) لها الحق في أن تحول ما لا يزيد عن 20 % من (ش م ق) الخاصة بها إلى أسهم عادية بالسعر السائد وفي أي وقت ضمن مدة سريان (ش م ق) . على أن مثل هذه الشهادات لا تصدر، ومثل هذا التحويل من (ش م ق) إلى أسهم عادية لا يلجأ إليه إلا إذا هبط مردود (ش م ق) بعد مرور سنتين من ثلاث سنوات من بدء الإنتاج التجاري إلى ما دون الحد الأدنى لمعدل المردود الذي وضعه بنك الدولة الباكستاني.
9 – تتم إعادة الدفع في حساب رأس مال المستهلك خلال سنة مالية معينة على أساس مجزأ دون اعتبار للربح أو الخسارة وإلى موعد الاستحقاق الأخير لشهادات (ش م ق) وبعد أن يسوى حساب الخسارة إن وجدت من حساب احتياطي المشاركة الذي ينشأ بالأسلوب المبين فما يلي من أجل هذه الغاية المحددة.
أ – تقوم الشركة بإنشاء حساب احتياطي خاص تسميه حساب احتياطي المشاركة للسنة المالية التي تبدأ منذ تاريخ الإنتاج التجاري وحتى تاريخ استحقاق آخر قسط في (ش م ق) . وتقيد فيه الزيادات الحاصلة في مردود (م ت م) من حصتها من أرباح الشركة.
ب- الأموال التي تدفع في حساب احتياطي المشاركة أو المبالغ التي تدفع منه، إن لزم ذلك فما تخصصه الشركة، كل ذلك يستغل ويجهز للاستعمال في أي وقت حتى دفع آخر أقساط (ش م ق) . وأن تخفض حصة الأعضاء من الأرباح وتدفع لمواجهة أي نقص في السنة أو السنوات السابقة في دفع الحد الأعلى من المردود على (ش م ق) المتفق عليه.
جـ- دون اجحاف بحق أي تسوية خلال ذلك من حساب احتياطي المشاركة، فإن هذا الحساب سيصفى في نهاية استحقاقات أقساط (ش م ق) ودفع آخر تلك الأقساط وذلك أما بالتوزيع أو التسوية أو التخصيص في أو حول الأولويات التالية:
1 – دفع أية خسارة في استثمارات (م ت م) بالدرجة الأولى
2 – دفع العجز الحاصل في نسبة 15 % الخاصة بـ (م ت م) عن السنوات المالية التي لم تتحقق فيها أرباح للشركة.
3 – رفع حصة (م ت م) إلى 15 % عن السنوات التي تقل فيها أرباح الشركة بحيث لا يصل مردود (م ت م) إلى 15 %
4 – لمواجهة مجموع النقص بشكل عام خلال سنوات حياة (ش م ق) أثناء صلاحيتها منذ إصدارها وحتى استحقاقها.
توضيح:
تدل عبارة النقص أو العجز المستعملة أعلاه أو في أي مكان آخر، وما لم ينص على خلاف ذلك، تدل على دفعات الربح التي تقل عن 15 % من القيمة الاسمية لشهادات (ش م ق) أو أي جزء من الأصل لا يسترد عند الاستحقاق وفي جميع الأحوال عند استحقاق (ش م ق) .
5 – بعد دفع التخصيصات الواردة في 1 إلى 4 أعلاه وبعد مواجهة أي غرامات قد تنتج عن التأخر في الدفعات أو التخلف عنها يحول أي رصيد باق في حساب احتياطي المشاركة إلى حساب الشركة كمنحة لها مقابل إدارتها الفعالة وحسن أدائها.
10-
عند استحقاق (ش م ق) إذا أظهرت الشركة خسارة صافية إجمالية، وتآكل المبلغ الأساسي لشهادات (ش م ق) المتداولة:
أ – تعاد للشركة كل المبالغ المدفوعة زيادة على الربح الفعلي.
ب- وكذلك ودون تجاوز حصة الأعضاء من الخسارة تعامل (ش م ق) القائمة والتي تمثل الحصة النسبية من الخسارة غير المغطاة بعد التحوط للخسارة التي تزال من الأرباح الخاضعة للضريبة فإن (ش م ق) إما أن تسوى عند المحاسبة على الأقساط الأخيرة فيها أو تستعاد من قبل (م ت م) إلى الشركة، مع احتفاظ (م ت م) بحقها في شراء أسهم الشركة العادية مقابل دفع الثمن.
11-
إذا تعرضت الشركة للخسارة في أي سنة مالية فإن (ش م ق) تعامل بالشكل التالي:
أ – تعيد الشركة قيمة (ش م ق) الأساسية بشكل يتفق مع الشروط الأصلية.
ب- تدور الخسارة المترتبة على (م ت م) في أي سنة إلى موعد الاستحقاق النهائي لأقساط (ش م ق) .
جـ- عند انتهاء استحقاق (ش م ق) يتم احتساب الأرباح المقبوضة والخسارة التي سيتحملها حملة (ش م ق) . وإذا وجد أن جملة (ش م ق) سيتحملون أية خسارة صافية، فإن تلك الخسارة ستغطى إن أمكن من حساب احتياطي المشاركة بالدرجة الأولى.
د – أما الخسارة التي قد تحدث بعد ذلك، فتغطى من احتياطات الشركة العادية. وإذا استمر وجود خسارة مهما كانت بعد استعمال الاحتياطيين العادي وحساب احتياطي المشاركة تتحمل (م ت م) تلك الخسارة بنسبة مساهمتها.
هـ- إذا قامت الشركة بإعادة دفع المبلغ الأصلي واستلمت (م ت م) أرباحها طيلة فترة (ش م ق) بالمعدل المتفق عليه بالنسبة لأصل الدين القائم وحتى الحساب النهائي لاستحقاق (ش م ق) فلا يطلب من (م ت م) أن تتحمل أية خسارة. وتعتبر (ش م ق) بقيمتها الكاملة أنها قد استردت، وتعيدها مؤسسة (م ت م) إلى الشركة بعد إلغائها حسب الأصول. وإذا تبقى أي مبلغ في حساب احتياطي المشاركة بعد تخصيص ما يكفي لدفع عائدات (م ت م) بمعدل 15 % على حسابها غير المسدد طول حياة (ش م ق) وبعد تسديد المبلغ الأصلي وأية غرامات قد تكون فرضت بسبب التخلف عن أو التأخر في التسديد فإن هذا المبلغ المتبقي يعطى للشركة كمنحة مقابل حسن الأداء تعيد استثمارها أو توزيعها على المساهمين كما تراه الشركة مناسبا.
و– إذا اضطرت (م ت م) عند الحساب الختامي وبتاريخ الاستحقاق إلى تحمل أية خسارة فإن لها الحق أن تشترى من أسهم الشركة بما يعادل الخسارة التي ستغطيها أو تتحملها.
12-
استثمارات (م ت م) وأية عائدات أخرى لها محتملة في (ش م ق) أو غير ذلك تعتبر مضمونة برهن من الدرجة الأولى على جميع ممتلكات الشركة الحالية والمستقبلية، سواء المنقولة منها وغير المنقولة وكذلك مضمونة برأس المال غير المدفوع – إن وجد – وأية موجودات متداولة أخرى.
13-
تقوم الشركة بتسديد القيمة الأصلية لشهادات (ش م ق) على دفعات نصف سنوية بعد مرور سنة على بدء الإنتاج التجاري، وبعبارة أخرى، بمبالغ تقررها (م ت م) .
14-
يحق للشركة، قبل استحقاق (ش م ق) النهائي أن تعيد شراء (ش م ق) القائمة بأن تدفع:
أ – ضميمة لتغطي أي نقص، إن وجد، بين الربح الفعلي والربح المقرر في حدود 15 % وعلى (ش م ق) القائمة لتعوض الخسارة على القيمة الصافية الناتجة عن تراكم الخسارة.
ب – أو مبلغا معادلا للخسارة التي تحملتها (م ت م) على (ش م ق) التي تم استردادها فعلا.
جـ- أو مبلغا مساويا للنقص الحاصل بين الأرباح المدفوعة فعلا، ومتوسط أرباح (ش م ق) التي تم استردادها.
د- أو تعويضًا عن الخسارة في المكاسب المستقبلية المحسوبة على أساس تجميع تلك المكاسب المستقبلية.
هـ- أو يدفع أية مستحقات أو نفقات أو رسوم قائمة عليها.
وإلى أن يتم تسديد المبلغ الأصلي وما يترتب عليه من أرباح (ش م ق) مع أية مستحقات اخرى بموجب هذا الترتيب أو بموج قانون الائتمان أو أية وثيقة تصدر وتكون لصالح (م ت م) وتعاد جميع الأموال إلى (م ت م) بشكل ترضى عنه، فإن الشركة لا تستدين أو تضغط على موجوداتها الثابتة إلا في حالة تسلمها إحالة خطية مسبقة من (م ت م) وبالشروط والتعليمات التي توافق عيها وتحررها النقابة خطيًا.
15-
توافق الشركة كذلك على ما يلي:
أ- تمتلك (م ت م) حق تعيين مدير عن (ش م ق) في مجلس إدارة الشركة من وقت لآخر.
ب- تدفع الشركة من وقت لآخر رسوما ًربع سنوية بمعدل 1،5 % على المبالغ غير المسددة من أصل الاستثمار.
جـ- تدفع الشركة إلى (م ت م) رسوم تصديق بمعدل 0.25 % ورسوم كشف على المشروع بمعدل 0.5 % على قيمة الاستثمار المدفوعة.
ويتكرر تحصيل هذين الرسمين عند كل استثمار تال أو كفالة أو غير ذلك من أجل تغطية أية تجاوزات أو الحاجات الإضافية للتمويل.
د – تدفع الشركة إلى (م ت م) رسم إشراف على المشروع بمعدل واحد في الألف سنويا من المبالغ القائمة عليها من أموال المساعدة مضافا لذلك أية مصاريف طارئة.
هـ- تطلب الشركة إلى مدرائها المسؤولين أن يتعهدوا بتأمين الأموال اللازمة لتغطية النفقات الزائدة، إن وجدت، من أموالهم الشخصية على أن يكون 40 % منها على الأقل من احتياطي رأس المال.
و– تطلب الشركة إلى مدرائها المسؤولين أن ينظموا تعهدًا مقبولًا من (م ت م) ، وما دامت أموال (م ت م) في الاستثمار قائمة، بأن يتعهدوا أن لا يتصرفوا بأسهمهم أو يحولوا إدارة مشروع الشركة للغير دون موافقة خطية مسبقة من (م ت م) .
ز – يضع المدراء المسؤولون أسهمهم في الشركة تحت تصرف (م ت م) عندما تشاء.
ح- لن تصرح الشركة عن أية قسائم أو تبيعها أو تمنح أسهم مجاملة خلال هذه الفترة لأي من أموالها المستحقة أو القابلة للدفع إلى أي عضو في (م ت م) ضمن هذه الاتفاقية إلا بعد أخذ موافقة خطية مسبقة من (م ت م) .
ط- تشرف (م ت م) على إقامة المشروع وتنفيذه وتؤمن حيث يلزم ذلك مستشارين وخبراء على حساب الشركة من أجل هذه الغاية.
ي – (م ت م) لها الحق أن تكلف فاحص حسابات غير فاحص حسابات الشركة المعين، ليقدم لها تقريرا خاصا عن أوضاع الشركة. مثل هؤلاء المحاسبين سيتأكدون من قيام موجودات الشركة في مواقعها الطبيعية وهو ما تتقاضي عليه (م ت م) رسما. وتكون النفقات على حساب الشركة.
ك – تستغل الشركة جميع ما لديها من أموال خلال فترة الإنشاء لإتمام المشروع حسب الخطة التمويلية التي أقرتها (م ت م) . وفي حالة تعرض المشروع إلى تجاوزات أو نقص في الأموال، فإن الشركة تتوقف عن دفع أية مبالغ أو فوائد لأي مؤسسة دائنة أخرى خلال فترة الإنشاء إلا إذا حصلت على موافقة خطية مسبقة من (م ت م) . وعلى مدرائها المسؤولين من جهة أخرى أن يعملوا على تسديد المبالغ المطلوبة مع فوائدها من حساباتهم الخاصة، على أن يخصص 25 % منها للاستثمار من احتياطي رأس المال في الشركة.
ل – تمشيا مع توجيهات الحكومة أو إذا رغبت (م ت م) في أي وقت أن تجرى تعديلات على أية شروط أو بنود في الاتفاقية أو رغبت في إدراج شروط أخرى فإن الشركة توافق وتتعهد أن تدخل في اتفاقية لاحقة مع (م ت م) وتعتبر هذه الاتفاقية اللاحقة جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية الأصلية.
م – إذا لم ينجز المشروع خلال 12 شهرا من تاريخ استلام كتاب التصديق فإنه يعاد تقييم المشروع ليعاد النظر فيه من قبل مجلس إدارة (م ت م) . ويستوفى رسم إعادة تقييم 10 % من رسم الكشف الأصلي على المشروع محسوبا على المبلغ الأصلي وعلى الأموال التي دفعتها النقابة، وقيمة أي كفالة قائمة. وتقوم الشركة بدفع هذا الرسم الذي يعتبر غير قابل للاسترداد بغض النظر عن النتائج التي قد تتمخض عنها إعادة التقييم.
ن – إذا وصلت الشركة أي شروط عن طريق أي مستند غير مشمول في هذه الاتفاقية فإن تلك الشروط تعتبر جزءًا من الاتفاقية الأصلية.
س – تدفع الشركة إلى (م ت م) عمولة بمعدل 1 / 8 % من قيمة الأموال المستثمرة وعمولة أخرى بمعدل 1 / 10 % (واحد في الألف) من قيمة القسط الخاص بالمبلغ الأصلي الذي يدفع في تاريخ الاستحقاق. وكذلك يدفع مبلغ 1000 روبية تسمى رسم انتداب بصفة (م ت م) قيمًا.
2 / خامسا: اتفاقية مساعدة مالية:
عقد مشاركة في الأرباح كما هو متداول في مؤسسات مالية متخصصة في تلبية حاجات الصناعات الصغيرة.
تعد هذه الاتفاقية المؤسسات المالية المتخصصة لتؤمن الأموال اللازمة للاتفاق على الأعمال الصغيرة على أساس المشاركة في الأرباح.
خصائص هذه الاتفاقية:
1-
عميل يرغب في القيام بعمل صغير يتقدم بطلب مبلغ معين من المال لا يتجاوز حدًا معينا، لعمل معين.
2-
المؤسسة توافق على تسليم مساعدة مالية معينة للعمل المذكور.
3-
تتطلب المؤسسة كفيلين شخصيين (يسري على ورثتهما ما يسري عليهما بالأصالة أو الوكالة) يتعهدان بتسديد الالتزامات المترتبة على العميل طالب المساعدة المالية في حالة تخلفه عن تنفيذ شروط الاتفاقية.
4 – تمنح المساعدة المالية لمدة 3 سنوات من تاريخ التصديق عليها.
5 – يتقاسم الطالب والمؤسسة الأرباح والخسائر في ضوء الشروط التي سترد في 6إلى 10 فيما بعد.
6 – تقرر المؤسسة نسبة الربح والخسارة في ضوء مبلغ المساعدة المالية وقيمة موجودات الطالب كما قدرتها المؤسسة. وتعتبر تقديرات المؤسسة للموجودات نهائية وملزمة للطالب.
7 – إذا زادت الأرباح المعلنة من قبل العميل أو تعادلت مع الربح المتوقع كما سيرد في (9) مما يلي فإن المؤسسة تقبله دون تعليق أو تحفظ كما صرح به العميل، حيث لا يشك في صحة الأرباح المصرح بها.
8 – إذا نقص الربح المعلن عن المعدل المذكور في (9) أدناه أو إذا أعلن العميل عن خسارة، فإن المؤسسة في هذه الحالة ترفض الربح أو الخسارة المصرح بهما، وتقوم بإجراء امتحان لأصالة العملية وفحص حسابات شامل لهذا الربح أو الخسارة يقوم به فاحصو حساباتهما أو آخرون بالنيابة عنها. وما تقرره المؤسسة بعد الفحص والامتحان من ربح أو خسارة يعتبر ملزما للعميل.
9 – تحدد المؤسسة للعميل معدلا متوقعا للربح. وإذا لم يقم العميل بتقديم كشوفات حساب المؤسسة لتجري عليها الفحص والامتحان خلال المدة المطلوبة منه، فإنه يعتبر قد حقق أرباحا لا تقل عن المعدل المتوقع المحدد له من قبل المؤسسة لتلك السنة.
10 – يسدد أصل المساعدة المالية مع أية مصاريف أو نفقات أخرى على أقساط شهرية يدفعها العميل للمؤسسة دون النظر إلى أن العمل قد لا يكون حقق أي ربح.
11-
يقوم العميل أو كفيله برهن ملك لصالح المؤسسة تأمينا للمساعدة المالية التي دفعتها المؤسسة للعميل. وتبقى هذه الرهنية قائمة مع جميع حقوق الراهن ومصالحه إلى حين تسديد مستحقات الشركة كلها أو جزء منها.
12-
إذا حدث نقض لبنود الاتفاقية أو شروطها، فإن للمؤسسة صلاحيات، دون الرجوع للمحاكم، تخولها أن تضع يدها على الملك المرهون وكذلك أن تقوم ببيع المرهون وفاء لقيمة المساعدة المالية، ويعتبر العميل وكفيلاه أو الراهن مسئولين شخصيا عن أي رصيد يتبقى مستحقا بعد ذلك.
13-
تأمينا لسداد المستحقات للمؤسسة يرهن العميل كذلك أملاكه لصالح المؤسسة.
14-
للمؤسسة الحق في جميع الأوقات، ودونما حاجة إلى إخطار العميل، بل على العكس، على حسابه، أن تدخل أي مكان يحوي بضائع العميل لتقوم بفحصها وقدير قيمتها و/ أو تحصل على كل التفاصيل وتتصرف بالبضائع عندما يتخلف العميل عن الوفاء بأي التزام للمؤسسة.
15-
إذا تبين في أي وقت من الأوقات أن مجموع المساعدة المالية وحصة المؤسسة من الأرباح مضافا إليها أية مصاريف أو نفقات أخرى تزيد على سعر الكلفة أو سعر السوق الذي تساويه قيمة ملك العميل المرهون، فإنه يترتب على العميل أن يسدد الفرق حالا، إما بدفعه نقدًا أو زيادة الأملاك المرهونة للمؤسسة وضمن ما تقرره المؤسسة نفسها.
16-
يؤمن العميل لصالح المؤسسة ولصالحه جميع البضائع أو الأملاك المرهونة ضمانا للمساعدة المالية التي منحتها المؤسسة، ويتم التأمين لدى أن مكتب تأمين تسميه المؤسسة من وقت لآخر، ويتم دفع الأقساط من قبل العملية.
17-
للمؤسسة أن تنهي هذه الاتفاقية متى شاءت دون بيان أسباب ودون أن يكون العميل قد خالف أية شروط أو بنود في تلك الاتفاقية. وعلى العميل أن يقوم حالا بتسديد أصل المساعدة المالية المتبقي مضافا إليه حصة المؤسسة من الأرباح عدا أية نفقات أو مصاريف أو غير ذلك مما يتعلق بالعملية كلها.
2 / سادسا: تعليق مختصر على تطبيق عقود المشاركة الرابحة في قطاع البنوك الباكستاني.
تحتاج روح استبدال التمويل المبنى على المشاركة في الربح والخسارة بالتمويل المبنى على الفائدة إلى عنصرين أساسيين:
أ – الغنم بالغرم، أي أنه لا يحق لأي طرف في الاتفاقية أن ينال مغنما دون أن يتعرض للخسارة أو يتحمل مغرما.
ب – التساوي والتوازي، أي أنه لا ينال أي طرف في الاتفاقية فائدة لا يستحقها بحكم المركز في مقابل الطرف الآخر في مركزة الآخر.
إذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقة بين البنك وبين من يستثمرون أمواله نجد أنه لا توجد هناك عناصر عليا في الجهتين المتعاملتين في اتفاقيات المشاركة الرابحة والرائجة في قطاع البنوك الباكستاني في هذه الأيام.
تتعامل البنوك بشكل رئيسي في علاقاتها مع مستثمري أموالها وفي 90 % من عملياتها بمبدأ زيادة السعر. وهذا المبدأ يستعمل بشكل لا ينطوي على عناصر عليا، لذلك كانت زيادة السعر مطابقة للفائدة إن لم تكن أسوأ من ذلك. ففي الحقيقة يعتبر مبدأ زيادة السعر كما هو مستعمل الآن أسوأ من التعامل بالفائدة، لأنه يسبب لمن يتعامل به عناء أكبر خصوصا ما يتعلق بإعداد المستندات. فالبنك لا يتحمل أية مسئولية بالنسبة للنوعية أو الكمية، أو تسليم أي شيء مما له علاقة بالبضاعة موضوع الاتفاقية. وإنما يستوفي البنك زيادة في السعر معلومة تتأثر بزمن التسديد. ولا يشارك البنك أو يتحمل أية أخطار. وهو في هذه الحالة وهو يقبض زيادة السعر يعتبر مخالفًا لمبدأ الغنم بالغرم.
أما المبدأ الثاني الذي تتعامل به البنوك في علاقتها مع الذين يستثمرون أموالها فهو مبدأ المشاركة. وهو في البنوك قليل الوجود. وفي حين تتعامل به على نطاق واسع مؤسسات التنمية المالية، أو مؤسسات التمويل المتخصصة، وهذه المؤسسات وهي تتعامل بهذا المبدأ بعيدة كل البعد عن روح التعامل به. فكما نلاحظ من البنود (ثالثا إلى خامسا) من بحثنا هذا فإن البنوك تؤمن نفسها دائما بمردود يكاد يكون ثابتا (15 % غالبا) على المبالغ التي تدفعها، وتسمى هذا المردود معدل الربح المتوقع أو المعدل الذي أنتجه المشروع. فالبنك لا يستوفي أكثر من هذا المعدل حتى ولو أنتج العميل ربحا أعلى من المعدل المتوقع، ولا يطالب عادة بزيادة حصته أسوة بالعميل نفسه. أما إذا تدنى الناتج عن المعدل المتوقع المذكور في الاتفاقية فإن البنك لا يتنازل عن ذلك المعدل المتوقع ويستوفيه كاملا. وفي بعض الحالات النادرة وحين يتعرض العميل إلى خسارة مستمرة خلال بضع سنوات فإن البنك قد يقبل (وليس ذلك بالضرورة قائما) مردودا أقل من معدل الربح المذكور في الاتفاقية. وقد أعدت الاتفاقيات بشكل يجعل مساهمة البنك في الخسارة أمرا غير موجود أو قائم.
كل رحلة (مهما طال أمدها) تبدأ بالخطوة الأولى، وقد نظمت الاتفاقيات الواردة في هذا الفصل متأثرة بروح الخطوة الأولى. أما مدى تجاوب علماء المسلمين واقتصادييهم مع مبدأ الخطوة الأولى وإقراره بالإجماع والإيجاب فهو سؤال لم تتم الإجابة عليه بعد..
إذا استطاعت هذه الاتفاقيات أن تضيف غضن تعاسة في جبين شايلوك، فإني أستطيع القول
…
لقد بدأنا الخطوة الأولى.
المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث
الحضارة الإسلامية
(مؤسسة آل البيت)
ندوة عن:
"خطة (استراتيجية) الاستثمار في البنوك الإسلامية، الجوانب التطبيقية، والقضايا، والمشكلات" بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب/ البنك الإسلامي للتنمية بجدة
عمان
22 شوال – 25 شوال 1407 هـ
18/ 6 – 21 / 6/ 1987 م