الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفاء بالوعد في الفقه الإسلامي
بقلم
الشيخ هارون خليف جيلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الوفاء بالوعد
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. وعلى آله الأطهار وأصحابه الأوفياء.
وبعد: فقد يلزم الإنسان نفسه بالتزامات تبرعية، ويطلب منه الوفاء مستقبلًا، لأن الحياة العملية للأفراد والجماعات اقتضت ذلك، لأن الفرد عضو من أعضاء مجتمعه، لابد له من رابط أو روابط بينه وبين المجتمع، فمنها روابط اجتماعية واقتصادية.
فالعقود المتنوعة صور معروفة وشائعة بين أفراد المجتمع، فيتولد عنها التزامات ينبغي الوفاء بها.
ومن مظاهر المجتمع المدني والريفي التزامات أفراده بالوعود والعهود المختلفة، فقديمًا أخذ الإنسان يعد لأخيه الآخر ما سيعود نفعه إليهما.
والوعد يحقق معروفا لإنسان من طرف إنسان آخر. فإذًا هو أمر مشروع لإصلاح المجتمع والفرد، فلا شك أن يكون لوفائه وإنجازه أثر بليغ في العلاقات الاجتماعية إيجابيًا أو سلبيا.
وهي غالبا ما تنشأ عنها التزامات مالية، فالبحث فيها مفيد جدًا.
فلذا أقلب صفحات كتب الفقهاء حسبما تسنح لي الفرصة عسى أن أجد شيئا يمكن تناوله في صفحات قليلة، وأستمد من المولى العلي القدير العون والهداية والتوفيق والسداد، إنه قريب مجيب.
المبحث الأول: تعريف الوعد لغة واصطلاحًا:
أ- تعريفه في اللغة: إن كلمة الوعد مصدر وعد يعد – بالكسر – وعدا وعدة، وموعودًا وموعدًا وموعدةً، ولها صيغ أخرى: كأوعد إيعادًا، وواعد مواعدة. واتعد اتعادًا، وتوعد توعدا.. وهذا من حيث الاشتقاق، أما من حيث المعنى اللغوي: فلم أر – فيما اطلعت فيه من كتب اللغة – من تعرض إلى تحديد المعنى الأصلي للفظة الوعد- إن لم تخن الذاكرة -، لكنهم قالوا (وعد الفحل – أي هدر.. ووعدت الأرض – أي رجي خيرها) ، ولعل هذا المعنى هو المعنى الأصلي لكلمة الوعد. ولكنهم تكلموا عن المعاني المختلفة كثيرا.
قال ابن سيده: يقال: وعده الأمر، وبه عدة ووعدا وموعدا وموعودا وموعدة. وهو من المصادر التي جاءت على مفعول ومفعلة ومفعولة، وقد تواعد القوم واتعدوا، وواعدوا الوقت والموضع. وواعده فوعده، وأوعده وتوعد.
وقال الفراء: يقال: وعدته خيرا ووعدته شرًا بإسقاط الألف – أي سأنيله إياه- وقال: فإذا أسقطوا الخير والشر، وقالوا في الخير: وعدته، وفي الشر: أوعدته، ويقال في الخير الوعد والعدة، وفي الشرر: الإيعاد والوعيد.
وفي الصحاح: تواعد القوم: أي وعد بعضهم بعضا هذا في الخير وأما في الشر: فيقال: اتعدوا.
وخلاصة القول: إن الوعد يتعدى بنفسه إلى المفعول الثاني، وبالباء واللام أيضا. وأنه يستعمل في الخير والشر كما في مختار الصحاح وغيره. إذ هو شائع فيهما- كما هو الواضح وذكره البيضاوي في تفسيره وورد ذكرهما في القرآن الكريم بكثرة {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة 268]{النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحج 72] .
وأن الوعد يستعمل في الخير أكثر من الشر، كما في التفسير الوسيط وأن الوعد والعدة يستعملان في الخير، والإيعاد والوعيد في الشر فالمصدر هو الفارق لذا قال ابن النفيس في الياقوت " صرح أئمة اللغة: بأن الوعد يستعمل في الخير والشر مقيدا.. وأما عند الإطلاق: فيستعمل الوعد في الخير والإيعاد في الشر ".
وإن صيغ الوعد اللغوية أكثرها واردة في الكتاب والسنة.
فمنها: المواعدة التي في قوله تعالى {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة: 51]
وقوله تعالى {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة 235] .
ومنها: التوعد الوارد في قوله تعالى: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأعراف: 86] .
ومنها: التواعد الوارد في قوله: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الانفال 42] منها الموعدة الواردة في قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة 114] .
ومنها: العدة التي في الحديث المتفق عليه عن جابر بن عبد الله في ما شأن وعده النبي صلى الله عليه وسلم ووفى له أبو بكر بعد وفاة النبي حيث: " إن أبا بكر أمر مناديًا، فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا
…
".
ومنها: الإيعاد الوارد في الحديث الشريف: " إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ".
ولكن الأكثر في ألسنة الفقهاء لا سيما فقهاء المالكية " الوعد والعدة والمواعدة ". وفي كتب اللغة أن العدة معناها اللغوي هو الوعد بعينه فيقال وعد فلان فلانا كذا وكذا أو بكذا وكذا والاسم منه العدة فالعدة إذا هي اسم منقوص من الوعد فيحمل معناه بلا زيادة ولا نقصان، وأن معنى المواعدة في اللغة إنشاء وعدين متقابلين من شخصين أو أكثر، كأن يعد عمر لعلي بأنه سيفعل له كذا وكذا، فيعد علي لعمر عقب وعده بأنه سيؤدي له كذا وكذا في مقابلة ذلك.
وأن معنى الوعد اللغوي هو الإخبار عن فعل أمر في المستقبل خيرًا كان أو شرًا، بخلاف الوعيد فإنه لا يكون إلا بالشر، وقيل معناهما واحد.
ب- أما تعريف الوعد في الاصطلاح الفقهي: فقد قال ابن عرفة المالكي العدة إخبار عن إنشاء المخبر معروفًا في المستقبل.
وقد قيل: إن فقهاء المالكية اعتادوا في اصطلاحهم حول كلمة العدة خاصة: أنها "الإعلان عن رغبة الواعد في إنشاء معروف في المستقبل يعود بالفائدة على الموعود له".
وقال الفقيه الحنفي العيني، كما في عمدة القاري: الوعد هو الإخبار بإيصال الخير في المستقبل، والإخلاف جعل الوعد خلافًا، وقيل عدم الوفاء به وفي مواهب الجليل ما معناه أن المواعدة في الاصطلاح الفقهي –أي المالكية وفقهائهم هم الذين يتكلمون في موضوع الوعد أكثر من غيرهم من الفقهاء- هي إعلان شخصين عن رغبتهما في إنشاء عقد في المستقبل تعود آثاره عليهما.
وقال الحطاب –وهو من فقهائهم المعتمدين- " المواعدة: أن يعد كل واحد منهما صاحبه بالتزويج- مثلًا- فهي مفاعلة لا تكون إلا من اثنين، وإن وعد أحدهما دون الآخر فهي العدة.
فالتعريف الاصطلاحي للوعد والعدة والمواعدة: قد اعتمد التعريف اللغوي السابق، فقرر الفقهاء الوعد والمواعدة والعدة التي هي للخير واستبعدوا الوعيد والإيعاد اللذين هما لشر فالوعد لابد أن يكون بمعروف فإذا كان الوعد بشر فلا يجب الوفاء به، إن يكن محرمًا. كما قاله العسقلاني في الفتح.
جـ- هناك عقود قد تشاكل الوعد من حيث الشكل والحكم والوفاء من أهمها: العهد، والنذر، والجعالة، والهبة.
فقالوا للفرق بين الوعد والنذر: أن زمن الوفاء بهما في المستقبل فيتشابهان من ذلك الوجه وكذلك الوفاء في بعض الحالات، لكن تلك المشابهة لا تمنع وجود الفرق بينهما فالنذر وإن كان فيه معنى الوعد فيه القربة إلى الله وحده، وفي عدم الوفاء به كفارة بخلاف الوعد. ولذا عرف كل من الروياني والماوردي الشافعيين النذر " بأنه: الوعد بخير خاصة، وعند غيرهما: التزام قربة لم تتعين.
وقالوا للفرق بين الوعد والعهد: إن العهد في اللغة الأمان واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية فتقول: عهد الله على لأفعلن كذا وكذا. أما معنى الوعد في اللغة فهو ما أسلفناه. ولهذا قيل للتفريق بين الوعد والعهد: إن العهد يكون ويراد به ما تعبد الله به العبد من أمور الدين، أو ما يكون بين العباد مما يكون بخلفه إتلاف مال أو نفس أو إدخال ضرر كبير، أما الوعد: فهو فيما لا يتعلق به حق لمخلوق، وكان خلفه كالساهي، أو ما لا يؤدي إخلافه إلى ضرر كبير – فقالوا- فمن نقض عهده – من غير عذر شرعي فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب يستحق به الهلاك.. ومن أخلف وعده كان آثما ولكنه لا يبلغ فاعله إلى الكفر والهلاك.
هذا، وقد ذكر العسقلاني في الفتح: أنه قد يتحد معناهما ولعل دليل اتحادهما ما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة 75- 77]
إذ بدأ الله بقوله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} فلما أخلفوا رتب عليهم ما رتب عليهم من النفاق الأبدي ثم علله الله بقوله {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ}
وقيل: (إن العهد هو الوصية والوعد الموثق) ففي " التفسير الوسيط" الذي اشترك في تأليفه نخبة من العلماء المعاصرين تحت قوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة. 4] العهد هو الوصية والموعد الوثق.
وفي تفسير " غرائب القرآن ورغائب الفرقان " تحت قوله تعالى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة 177] المراد بالعهد ما أخذه الله من العهود على عباده بقولهم وعلى ألسنة رسله إليهم بالقيام بحدوده والعمل بطاعته، فقبل العباد ذلك حيث آمنوا بالأنبياء والكتب، ويندرج فيه ما يلتزمه المكلف ابتداء من تلقاء نفسه مما يكون بينه وبين الله كالنذور، والأيمان، أو بينه وبين رسول الله كالبيعة. أو بينه وبين الناس، سواء كان واجبا، كعقود المعاوضات أو مندوبا كالمواعيد، فلذا قال المفسرون ههنا: هم الذين إذا وعدوا أنجزوا وإذا حلفوا أو نذروا أوفوا وإذا ائتمنوا أدوا وإذا قالوا صدقوا)
وفي صفوة التفاسير {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} " أي ومن يوفون بالعهد ولا يخلفون الوعود"
وقالوا في التفريق بين الوعد والجعالة: إن في الجعالة معنى المعاوضة لأن الجاعل يلتزم بفعل خير للمجعول له مقابل قيام الأخير بعمل يطلبه الجاعل مقابل الجعل، بخلاف الوعد، فإنه التزام عمل معروف لآخر بدون مقابل.
وقالوا في التفريق بين الوعد والهبة: إن الهبة في اللغة: إيصال النفع إلى الغير، وفي الشرع: تمليك العين للغير بلا عوض، وركناها: الإيجاب والقبول، لأنها عقد. فاعتبر القبول عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة لصحتهما بخلاف الوعد فهو لا يحتاج إلى قبول أصالة، وليس عقدا عند الجمهور.
د- صيغة الوعد لدى الفقهاء:
تكلم فقهاء المالكية عن صيغة الوعد فقد نقل عنهم ما معناه: أن العدة أن يقول الرجل مثلا: أنا أفعل كذا وكذا.. بصيغة الاستقبال. وأما إذا قال: قد فعلت كذا وكذا فهي عطية. وإن قال الواعد للموعود: لك كذا وكذا فقوله هذا أشبه بقوله قد فعلت منه بصيغة الاستقبال.
ومن هذا يفهم بأن الصيغة التي ينبغي أن يعمل بها في إنشاء الوعد هي صيغة الاستقبال المقرونة بأداة التنفيس، أما الصيغة الماضية: فهي لا تحمل إنشاء الوعد وإنما تفيد التنجيز في الحال. ومع ذلك لا يكون استعمال الفعل المضارع دائما يفيد الوعد، بل لابد لدلالته الوعد وجود القرائن في سياق اللفظ، فإذا كان الفعل المضارع والقرائن التي في سياق الكلام يفيد أن الالتزام جزما فليس بوعد، وأما إذا وجد مع المضارع ما يفيد إرادة المستقبل فإنه الوعد لا غير.
هـ- مشروعية الوعد: جاء في أحكام القرآن للجصاص: أن الوعد مباح فلكل شخص أن يعد بالمعروف والخير من يشاء من الناس، ولكن ينبغي أن يتحفظ الشخص في إطلاق الوعود للناس، لأن الوفاء بالوعد أمر مستقبل، والإنسان لا يملك معرفة أحواله المستقبلية. قال تعالى:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان 34] : فقد يعجز الواعد عن الوفاء، فيخلف الوعد، فيوصم بخصلة من خصال النفاق. وقال الغزالي – رحمه الله في الإحياء " إن اللسان سباق إلى الوعد ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفا. وذلك من أمارات النفاق) .
وفي " المحلى " ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ولا تعد أخاك وعدا فتخلفه، فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة)) .
ومن هذا وغيره نعلم أن الوعد مباح إنشاؤه في أصل الشرع، وممدوح إفشاؤه بين الناس وأن الوفاء به مأمور به، وإخلافه منهي عنه
…
كما سنوضحه إن شاء الله، ولكنه قد يكون محرمًا كالوعد بالخمر أو الزنا أو الربا فالوفاء بهذا ونحوه محرم.
و من أهم التصرفات التي يدخلها الوعد ويسن الوفاء بها أو يجب على اختلاف الفقهاء فيها كما سيأتي: هي التصرفات التي تدخل تحت التبرعات كالهبة والعارية، والصدقة والقرض، وما شاكلها.
أما التصرفات التي تدخل تحت المعاوضات المالية: كالبيع والإجارة، وما شابهها، وقد ألحقوا فيها النكاح: فإن الوعد بها لا يلزم ولا يثبت، كما لا يلزم الوفاء بها.
فقد نقل عن الحطاب المالكي أنه قال: (مدلول الالتزام لغة، إلزام الشخص نفسه ما لم يكن لازما له. وهو بهذا المعنى شامل للبيع والإجارة والنكاح وسائر العقود، وأما في عرف الفقهاء: فهو إلزام الشخص نفسه شيء من المعروف مطلقا أو معلقا على شيء. فهو معنى العطية، وقد يطلق في العرف على ما هو أخص من ذلك، وهو إلزام المعروف بلفظ الالتزام. وهو الغالب
…
) .
ونقل عن الإمام مالك أنه قال: من ألزم نفسه بمعروف لزمه، فإن البيع والإجارة والنكاح لا تدخل في دائرة وإنما الواعد يأخذ عوضًا عما يعد به فهي من المعاوضات.
وإن استعمل الواعد بصيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعد المجرد، مثل أن يقول: - سأبيع منك هذا بمبلغ كذا، فلا ينعقد بها البيع، لأن الوعد المجرد هو في معنى المساومة في البيع، فالبيع وأمثاله من المعاوضات تعتمد جزم الإرادتين في مجلس العقد بإيجاب وقبول مفيد للبت فيه بصيغة لا تسويف فيها، فإذا انتفت دلالة الصيغة على وقوع الارتباط والتعاقد فلا عقد ولا التزام، ولذا قرر الفقهاء المعاصرون أن الوعد بالبيع ينعقد به البيع ولا يلزم صاحبه قضاءً.
وأما الوعد بعقد النكاح فلا ينعقد به النكاح قطعا، ولا يلزم الواعد الوفاء فيه بوعده لم له من الاحتياط في هذا المضمار، ولكنه قد يلزم عليه الغرامات التي لحقت الطرف الآخر بسبب ذلك الوعد. فلا إلزام في عقود المعاوضات المالية، ولا فيما ألحق بها، لأن الفقهاء قاطبة قد اتفقوا على أن طريقها الجزم.
المبحث الثاني: في حكم الوفاء بالوعد بصفة عامة:
أ- لقد تعرفنا فيما سبق: أن معنى الوعد في اللغة هو الإخبار عن فعل أمر في المستقبل خيرا كان أو شرا.
وأن الفقهاء في اصطلاحهم يستعملون كلمة الوعد بعين مدلولها اللغوي. أو قريب منه، حيث قالوا: إن حقيقة الوعد إلزام الشخص على نفسه عملا معروفا لشخص آخر، ولو كان فيه شر له أو لثالث.
فقد يكون الوعد بمعروف: كقرض حسن، أو صدقة أو عطاء، أو إعارة شيء ذي منفعة، أو تمليك عين مجانا.
وقد يكون بمؤانسة: كزيارة صاحب، وعيادة مريض، ومرافقة في نحو سفر ومسكن.
وقد يكون الوعد وعدًا بعقد من العقود اللازمة: الوعد بعقد النكاح، كما في خطبة النساء، والبيع والشراء.. أو بعقد من العقود الجائزة، كالوكالة. والجعالة. وغير ذلك من الأمور المباحة في أصل الشرع.
وقد يكون الوعد بأداء واجب شرعي: كأداء دين، ورد أمانة، وإنفاق واجب، وإتقان عمل.. ونحو ذلك من أداء الحقوق الواجبة عليه.
وقد يكون الوعد وعدًا بمعصية: كما إذا وعد شخصا صديقا له بقتل خصمه أو غريمه، أو بإتلاف ماله ظلمًا وعدوانًا.. ونحو ذلك من الأعمال المحرمة شرعا.
ب- أما الحكم التكليفي للوعد من حيث الوفاء به أو الإخلاف، ففيه التفصيل كالآتي:
1-
اتفق الفقهاء على أن من وعد بشيء منهي عنه شرعا فإنه لا يجوز الوفاء بوعده، بل يجب عليه إخلافه، كما ذكره النووي في " كتاب الأذكار" وأبو بكر الجصاص في " أحكام القرآن " وابن حزم في " المحلى".
قال ابن حزم الظاهري: (من وعد بما لا يحل- فعله – أو عاهد على معصية، فلا يحل له الوفاء بشيء من ذلك، كمن وعد بزنا أو بخمر أو بما يشبه ذلك، فصح أنه ليس كل من وعد فأخلف أو عاهد فغدر مذموما، ولا ملوما، ولا عاصيا. بل قد يكون مطيعا مؤديا بفرض ".
2-
واتفقوا – أيضًا – " بأن من وعد بشيء واجب شرعا: كأداء حق ثابت، أو فعل أمر لازم فقد وجب عليه إنجاز ذلك الوعد".
3-
واتفقوا – أيضا- أن من وعد بشيء مباح أو مندوب إليه.. فإنه ينبغي له الوفاء بوعده، لأن الوفاء بذلك من خصال الإيمان، ومكارم الأخلاق، ولأن الله تعالى أثنى على من صدق وعده ثناء جميلا، كما ذم من خالفه ذمًا قبيحا.. وإنه ينبغي الوفاء به، أعني بالمعروف: ديانة، ومروءة. وتخلقا بمكارم الأخلاق.
وقد قال الإمام يحيى بن شرف النووي الشافعي رحمه الله: " أجمع العلماء على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده".
وإذا أمعنا النظر في حكم هذا الوفاء بذلك النوع من الوعد وتتبعنا آراء الفقهاء فيه: يتضح لنا أنهم اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب:
وجوب الوفاء مطلقًا.
استحباب الوفاء لا وجوبه.
وجوب الوفاء به بتفصيل.
ويمكن تقسيم آرائهم إلى خمسة.
الوفاء بالوعد واجب.
الوفاء بالوعد واجب إلا لعذر.
الوفاء بالوعد مستحب.
الوفاء بالوعد أفضل من عدمه إذا لم يكن هناك مانع.
الوفاء بالوعد المجرد غير واجب، أما الوعد المعلق على شرط: فيكون لازما.
ولكنني سأتناول الطريقة الأولى التي تقول إن في المسألة ثلاثة مذاهب " الوجوب مطلقًا – والاستحباب مطلقًا- والتفصيل" في المبحث التالي بصفة أوسع مما سبق- إن شاء الله-.
المبحث الثالث: أقوال الفقهاء المشهورين في الوعد:
أ- المذهب الأول: وجوب الوفاء بالوعد مطلقا.
وهو رأي الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فقد قال القاضي أبو بكر ابن العربي الأندلسي: أجل من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز. ذكره الإمام النووي في الأذكار.
وهو قول الحسن البصري، ومذهب الصحابي الجليل سمرة بن جندب رضي الله عنه، ورأي الإمام إسحاق بن راهويه، ورأي الفقيه المالكي المشهور ابن شبرمة، وبه قضى القاضي سعيد بن عمر بن الأشوع الهمداني.. وغير هؤلاء من السلف والخلف كما في " فتح الباري " و" عمدة القاري" و" المحلي".
فكل هؤلاء يقولون ما معناه: إن الوعد ملزم مطلقًا ويجب الوفاء به ديانة وقضاء، وقد حكى ابن حزم في " المحلى" عن ابن شبرمة أنه قال:" الوعد كله لازم، ويقضى به على الواعد، ويجبر". وذكر البخاري في صحيحه بأنه قول الحسن البصري وأن القاضي سعيد بن الأشوع قضى بوجوب إنجاز الوعد، وأن وجوب إنجاز الوعد هو مذهب الصحابي سمرة بن جندب. وأنه رأي ابن راهويه.
ووجوب الوفاء بالوعد مطلقا مذهب بعض المالكية ووصفوه بأنه مذهب ضعيف ولكن الفقيه المالكي ابن الشاط صحح هذا المذهب في حاشيته على الفروق.
وإليه ذهب العلامة تقي الدين السبكي الشافعي كما ذكر ابنه تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى.
وقال الإمام الغزالي الشافعي – رحمه الله: " إذا فهم الجزم في الوعد فلابد من الوفاء به إلا إذا تعذر، وقد يفهم الجزم في الوعد إذا اقترن به حلف أو إقامة شهود على الوعد أو قرائن أخرى
…
".
وذهب إلى ذلك – أيضا- القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي كما ذكره القرطبي في كتابه " الجامع لأحكام القرآن ".
وحكى ابن رجب الحنبلي في كتابه " جامع العلوم والحكم" وجوب الوفاء بالوعد مطلقا عن طائفة من أهل الظاهر وغيرهم.
وهو وجه صحيح من مذهب العلامة تقي الدين ابن تيمية 0. كما في شرح المقنع.
ومن هذه الأقوال نعلم: أنه يوجد في كل مذهب من المذاهب الفقهية أكثر من فقيه مشهور يقول بلزوم الوعد ووجوب الوفاء به ديانة وقضاء إلا لعذر.
ب- أدلة هذا المذهب الأول:
لقد استدل القائلون بهذا القول بنصوص من الكتاب والسنة النبوية:
1-
منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف2-3] فذكر المفسرون كابن كثير الشافعي في تفسيره الكبير أنه يحتج بالآية على أن من ألزم نفسه عقدا لزمه الوفاء به، والوعد مما ألزم الإنسان على نفسه به مع وجود الخلاف في الوجوب أو الاستحباب. كما في "الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي، و"أحكام القرآن " للجصاص.
وذكر الفقهاء في هذه الآية: أن الذين أوجبوا الوفاء بالوعد وجه استدلالهم بالآية أن الواعد إذا وعد، ثم أخلف، فإنه قال قولًا ولم يفعل، فيكون داخلًا في استنكار الآية الكريمة، فليزم أن يكون وعده كذبا، والكذب محرم إجماعا فيكون إخلاف الوعد محرما لا محالة فلزم الوفاء به خروجا من وصف الكذب، كما في كتاب الفروق والمحلى.
2-
ومنها: قوله تعالى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] ووجه الاستدلال بهذه الآية وغيرها: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بكل من الوعد والعهد والعقد في جميع الأديان السماوية، فحافظ عليه الرسل المتقدمون منهم والمتأخرون، فمدحهم سبحانه وتعالى بوفائهم بوعودهم وصدقهم فيها. حيث قال في حقهم {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] وقال {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] وفي شريعتنا ما يؤكد الوفاء بالوعد دائما- مثل قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم: 6] وقوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر: 20] وقوله جل وعلا- في أكثر من سورة في القرآن الكريم (أن وعد الله حق) فمن هذه الآيات وأمثالها نعلم أن الله سبحانه قطع على نفسه الوفاء بما وعد لعباده من وعد ووعيد فعلى العباد الوفاء بوعودهم.
3-
ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)) . وفي رواية ((من علامات المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف
…
إلخ " وفي رواية: " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف.. وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)) .
وحديث مسلم: ((إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف. وإذا خاصم فجر)) . ومحل الدلالة في هذه الأخبار الصحيحة على وجوب الوفاء بالوعد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عد إخلاف الوعد من خصال المنافقين وصفاتهم، والنفاق مذموم قطعًا في الشريعة، فلذا أعد الله لأهل النفاق الدرك الأسفل من النار:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فنظرًا لهذا يكون إخلاف الوعد محرما والوفاء به واجبا ". انظر شرح مسلم للإمام النووي.
4-
ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه وذكره في معرض الاحتجاج لوجوب الإنجاز بالوعد من حديث المسور بن مخرمة حيث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له فقال: " وعدني فوفاني ".
5-
ومنها: ما أخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو جاء مال البحرين لأعطينك هكذا ثم هكذا)) ثلاث حثيات، وأنجز له ذلك الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصه: قال جابر: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ((لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا ثلاثا، فلم يقدم حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل أبو بكر مناديا فنادى: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا فأتيته، فقلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم وعدني فحثا لي ثلاثا". وفي رواية أخرى " فحثا لي حثية، فعددتها فإذا هي خمسمائة، وقال: خذ مثليها" وفي رواية " فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة)) .
وما رواه الترمذي في سننه وحسنه من حديث أبي جحيفة، قال، ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه، وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصا، فنبهنا نغيفها؟ فأتانا موته، فلم يعطونا شيئا، فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ، فقمت إليه، فأخبرته، فأمر لنا بها)) .
6-
ومنها: ما رواه ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن أبي إسحاق مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا تعهد أخاك وعدا فتخلفه، فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة)) . ووجه الدلالة في هذا الحديث وما قبله واضح وأبو حنيفة ومالك يحتجان بالمرسل.
7-
ومنها: ما روي عنه صلى الله عليه من أنه قال ((وأي المؤمن واجب)) أي وعده واجب الوفاء به وهو حديث مرسل من مراسيل هشام بن سعيد أيضا.
8-
ومنها: ما روي في الأثر: ((من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وعد وعدا قال عسى، وكذلك كان عبد الله بن مسعود لا يعد إلا ويقول: إن شاء الله)) ذكره الإمام الغزالي في " الإحياء " وقال فيه: إذا جزم الواعد في الوعد فلابد من الوفاء به إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد جازما على أن لا يفي فهذا هو النفاق بعينه.
9-
ومنها ما رواه الترمذي وحسنه وغربه: من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه)) .
10-
ومنها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة 1] وقالوا إن العقد هو كل ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء. وإجاره وكراء.. وكل ما كان غير خارج عن مقاصد الشريعة، وكل ما عقده الإنسان على نفسه من الطاعات ومنها: المواعيد.
11-
ومنها: قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [التوبه: 75- 77]
ووجه الاستدلال بالآية: أن الله سبحانه وتعالى استنكر إخلافهم بوعدهم استنكارا شديدا. لأن الصدقة واجبة، والكون من الصالحين واجب بسبب الوعد والعهد الشبيه بالشرط فالوعد بذلك كلاهما فرضان وإنجازهما لازم وواجب، وإن قال بعض من العلماء، أن هذا كان نذرا ممن عاهد الله على ذلك. وهو ثعلبة بن حاطب ومن نحا نحوه، والنذر بالخير فرض وواجب فهو كذلك.
12-
ومنها: ما رواه ابن عساكر عن هارون بن رباب من أن عبد الله بن عمر لما حضرته الوفاة قال: " انظروا فلانا فإني كنت قلت له في ابنتي قولا كشبه العدة فما أحب أن ألقى الله بثلث النفاق، فأشهدكم أني زوجته ". ووجه دلالة هذا الأثر واضح.
ولأصحاب هذا القول أدلة أخرى من الكتاب والسنة. نكتفي من إيرادها وتتبعها بهذا القدر.
وقد رأينا أنه رأي نخبة من علماء الأمة من السلف الصالح ومن علماء المذاهب المشهورة: كالصحابي الجليل: عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وسمرة بن جندب الصحابي المشهور. وكالخليفة الراشد: عمر بن عبد العزيز رحمه الله – وكالحسن البصري التابعي الجليل – رحمه الله – وكالإمام إسحاق بن راهويه والقاضي سعيد بن عمرو بن الأشوع الهمداني قاضي الكوفة في إمارة خالد القسري.
وكالفقيه المالكي المشهور بابن شبرمة، والقاضي أبي بكر بن العربي الأندلسي المالكي، وكالإمام الغزالي الشافعي، وتقي الدين السبكي الشافعي. وكالإمام تقي الدين ابن تيمية الحنبلي المشهور.
هذا المذهب هو أكثر دليلا من غيره من المذاهب الأخرى في هذه المسألة.
جـ- المذهب الثاني: استحباب الوفاء بالوعد لا وجوبه مطلقا.
1-
وهو مذهب جمهور العلماء: أبي حنيفة والشافعي، وأحمد بن حنبل، والظاهرية، وبعض من علماء المالكية، وغيرهم من علماء الإمامية.
وخلاصة قولهم في هذه المسألة " أن الوفاء بالوعد مستحب مندوب إليه، وليس بواجب ولا فرض، فلا يقضى به على الواعد إذا أخلف، ولكن الواعد إذا ترك الوفاء بالوعد فإنه الفضل، وارتكب المكروه بسبب خلفه".
قال الإمام النووي في " الأذكار"(ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور: إلى أنه مستحب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة. ولكن لا يأثم) .
وقال ابن علان الشافعي في كتابه" الفتوحات الربانية..": " وقد تقرر في مذهبنا أن الوفاء بالوعد مندوب لا واجب ".
ومقتضى حكم آراء علماء الشافعية كما يفهم من كلام النووي في الروضة، و"القليوبي" و"شرح الأذكار"، لابن علان " أن إخلاف الوعد مكروه كراهة شديدة مطلقا، وأن مخلفه لا يجبر على التنفيذ".
وقال الإمام أبو بكر الجصاص في كتابه " أحكام القرآن "" إن الوعد بفعل يفعله الإنسان في المستقبل مباح إذا كان الفعل مباحا، وأن الوفاء به أولى من إخلافه مع الإمكان".
وقال ابن حزم الظاهري في " المحلى": " من وعد آخر بأن يعطيه مالا معينا أو غير معين، أو بأن يعينه بعمل ما، حلف له على ذلك أو لم يحلف، لم يلزمه الوفاء به، ويكره له الخلف، وكان الأفضل لو وفى به، وسواء أدخله بذلك في نفقة أم لم يدخله، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان".
وقال برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في كتابه " المبدع"" لا يلزم الوفاء بالوعد وقال نص عليه – الإمام أحمد – وقاله أكثر العلماء".
وكتاب " جامع البيان " للطبرسي ما مؤاده " أن استحباب الوفاء بالوعد" هو مذهب " الإمامية.."
ونقل العسقلاني في " الفتح " عن المهلب " أن إنجاز الوعد مأمور به ومندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود له لا يضارب بما وعد به مع الغرماء.." وقد رد العسقلاني ادعاء هذا الاتفاق، وعلله بقوله " لأن الخلاف فيه مشهور، وإن كان القائل به قليل".
قال بعض العلماء: إن العلماء الذين نفوا الإثم عن مخلف الوعد إنهم عنوا ذلك بمجرد خلف الوعد، فلو قصد الواعد في إخلافه إضرار الموعود له فهو آثم لا محالة.
هذا وقد تساءل ابن حجر العسقلاني في القول " بأن الواعد إذا ترك الوفاء بوعده فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيهية شديدة ولا يأثم" وقال: هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء؟ أي أن الواعد يأثم بالإخلاف وإن ذلك نفقة القريب، فإنها إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع ولا يلزم به
…
".
وفي كتاب " التمهيد " لابن عبد البر قال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبد الله بن الحسن،وسائر الفقهاء" أما العدة فلا يلزمه فيها شيء وبأنها منافع لم يقبضها في العارية، لأنها طارئة، وفي غير العارية أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض ولصاحبها الرجوع فيها ".
ومن هذا كله نعلم: أن هذا المذهب هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء، لكن قد لا يوجد له دليل قاطع وصحيح من حيث النقل فلننظر إلى تلك الناحية.
ب- أدلة هذا المذهب الثاني:
منها ما أخرجه الإمام مالك في " الموطأ ((أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذب لامرأتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لا خير في الكذب" فقال: يا رسول الله: أفأعدها وأقول لها؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لا جناح عليك ")) .
ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل، ونفى الجناح عن الوعد، فإخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله صلى الله عليه وسلم قسيما له، ولو كان منه لم يجعله قسيما له، فإخلاف الوعد لا حرج فيه، ولو كان المقصود في مثل هذا الحديث – الوعد الذي يفى به – أي يريد الوفاء به- لما احتاج للسؤال عنه، ولما ذكره مقرونا بالكذب، فتبين من ذلك أن مقصود الرجل إصلاح حال زوجته بما لا يفعله. فتخيل الحرج في ذلك فاستوضح النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
…
انظر: ما قاله القرافي في " الفروق".
أجاب ابن الشاط في حاشيته على الفروق عن هذا الاستدلال إجابة حرفية خلاصتها كالتالي: إن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل، غير سليم، إذ يمكن أن يكون قصده من الكذب على زوجته أن يخبرها عن فعله مع غيرها من النساء بما لم يفعله إغاظة لزوجته، فلم يتعين أن المراد ما ذكر، ومعنى الحديث، أنه صلى الله عليه وسلم منعه من أن يخبرها بخبر كاذب يقتضى تغييظها به وأجاز له الوعد لأنه لا يتعين فيه الإخلاف. لاحتمال الوفاء به، إذ معظم دلائل الشريعة يقتضي المنع في الإخلاف
…
- ومنها: ما أخرجه أبو داود في سننه من حديث زيد بن أرقم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له، فلم يف ولم يجئ للميعاد، فلا إثم عليه.))
- ومنها – ما في الوعد من معنى التبرع المحض، فقد قال الإمام النووي في " الأذكار"" استدل من لم يوجب الوفاء – بالوعد- بأنه في معنى الهبة - قبل قبضها- والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية تلزم قبل القبض " فالهبة تبرع محض كالوعد- ولا دليل على وجوب التبرع المحض على أحد شرعا.
هذا. وإن أدلة هذا الفريق أقل من أدلة الموجبين. وإنها لا تصل إلى درجة القمة التي وصلت من حيث الصحة والوصف.
ولذا تأولوا الآيات والأحاديث التي استدل بها الموجبون.
وقالوا: إن الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] .
إنها نزلت على قوم تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض الجهاد عليهم نكل بعضهم، كقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 77] . وكقوله تعالى {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد20] فهي خاصة فيهم أو في أمور الجهاد. وهو اختيار ابن جرير. وقول ابن عباس.
وقالوا- أيضا- إن المراد بالآية الإنكار على الذين يقولون ما لا تفعلون خاصة في الأمور الواجبة كالوعد بإنجاز دين وأداء حق ونحو ذلك..
كما تأولوا الآية الثانية: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
…
} إلخ [التوبة 75] .. بأنها تخبر عن النذر، والوفاء به فرض وواجب.
وأجابوا عن الأحاديث التي وردت بأن إخلاف الوعد خصلة وعلامة مميزة للنفاق وأهله بأن الحديث مصروف عن ظاهره، وأن النفاق الوارد في الحديث مصروف عن حقيقة النفاق، فقالوا كما في " فتح الباري" إن المراد بإطلاق النفاق: الإنذار للمسلم وتحذيره عن ارتكاب هذه الخصال واعتيادها، لئلا تفضي به إلى حقيقة النفاق، وهو ما حكاه الخطابي وارتضاه.
وقال بعض منهم: إن المنافقين الذين يذكرهم الحديث هم الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فحدثوا بإيمانهم وكذبوا، وائتمنهم النبي صلى الله عليه وسلم على سره فخانوه، ووعدوه بالخروج معه للجهاد فأخلفوه.
وقال أكثرهم: إن معنى الحديث: إن الخصال المعدودة فيه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، وهو متخلق بأخلاقهم، لأن النفاق إظهار لما يبطن خلافه، ويكون نفاقه في حق: من وعده وخاصمه وحدثه وائتمنه وعاهده من الناس، ولا يكون منافقا في الإسلام: فيظهره ويبطن الكفر، فليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار، وقالوا: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((كان منافقا خالص)) ، أي شديد الشبه بهم بسبب تلك الخصال.
وقال الترمذي في " سننه" عقب حديث ابن عمر ((أربع من كن فيه كان منافقا.. إلخ)) . " إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي عن الحسن البصري شيء من هذا. وارتضاه كل من القرطبي والعسقلاني- كما في " الفتح". ولكن العسقلاني قال فيه " إن أصحاب هذا التفسير قد استدلوا بأحاديث ضعيفة ولو صحت لوجب المصير إليها ".
هـ- المذهب الثالث: التفصيل في وجوب الوفاء بالوعد: وهو مذهب المالكية ومن وافقهم.
ذهب فقهاء المالكية فيما يجب الوفاء به من الوعود وما لا يجب إلى التفصيل الآتي، وافترقوا في ذلك إلى فرقتين:
ذهب الفريق الأول: إلى أن الوعد يكون لازما فيجب الوفاء به ويقضي القاضي به على الواعد إذا كان الوعد قد تم على سبب ودخل الموعود له في شيء من سبب الوعد أما إذا لم يدخل الموعود له في شيء من ذلك فلا شيء على الواعد ولا يجب الوفاء به كما لا يقضي عليه القاضي به.
وهو القول الراجح المشهور في مذهب الإمام مالك، وعزاه القرافي إلى الإمام مالك نفسه، وابن القاسم، وسحنون، وعليه المدونة.
قال القرافي في " الفروق" اختلف العلماء في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟ قال مالك: إذا سألك أن تهب له دينارا فقلت: نعم ثم بدا لك- أن لا تفي له – لا يلزمك – ولو كان إفراق الغرماء عن وعد وإشهاد لأجله لزمك لإبطالك مغرما بالتأخير، وقال سحنون: الذي يلزم من الوعد قولك اهدم دارك وأنا سأسلفك ما تبني به، أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك – ما تحج به مثلا – أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك- كذا وكذا – لأنك أدخلته بوعدك في ذلك. أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق.. ".
وقال القرافي – أيضا – وبذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله. ونقل من مؤيدي هذا القول هذا المثال، أو قريبا منه: إذا اشترى رجل من آخر كرما، فخاف الوضعية- أي الكساد - فأتى المشتري إلى بائع الكرم ليستوضعه فقال له البائع، بع وأنا أرضيك، فإن باع المشتري الكرم برأس ماله أو بربح فلا شيء على الواعد. وإن باع بالوضعية كان عليه أن يرضيه وإن زعم الموعود له أن أراد شيئا أو قدرًا سماه – أثناء ممارسة عمله – فله ما أراد اتفاقا، وإن لم يكن أراد شيئا معينا أرضاه الواعد بما شاء، وحلف بالله أنه ما أراد أكثر من ذلك.
وقالوا: إن هذا هو رأي أشهب. أما على رأي ابن وهب: فإن على الواعد إرضاء الموعود له بالمثل، وهو ما يكون مرضيا عند الناس، أما لو حلف الواعد أثناء وعده ليرضينه فإن عليه أن يوفيه بما يرضيه ويرضي الناس.
وذهب الفريق الثاني، وهو قول أصبغ ومن وافقه من السلف والخلف إلى أن الوعد يكون لازمًا ويجب الوفاء به ويقضي القاضي به على الواعد إذا تم الوعد على سبب وإن لم يدخل الموعود له في ممارسة شيء من السبب.
وقالوا: إنه مذهب قوي.
وحكى الباجي في كتابه " المنتقى " عن أصبغ قوله: كأنه يجعل العدة شيئًا آخر غير الوعد كعادة علماء المالكية الذين يفرقون الموضوع إلى (عدة، ووعد، ومواعدة) أما إن كانت عدة لا تُدْخِل من وعد به في شيء فلا يخلو من أن تكون – مفسرة أو مبهمة – فإن كانت مفسرة، كأن يقول الرجل للرجل، أعرني دابتك إلى موضع كذا. فيقول: أنا أعيرك غدا، أو يقول: علي دين فأسلفني مائة دينار أقضه فيقول: أنا أسلفك – غدا إياها- فهذا قال أصبغ - يحكم بإنجاز ما وعد به، كالذي يدخل الإنسان في عقد.. وظاهر المذهب – المالكي – على خلاف هذا لأنه لم يدخله بوعده في شيء يضطره إلى ما وعده.
وأما إن كانت العدة مبهمة، مثل أن يقول له: أسلفني مائة دينار ولا يذكر حجته إليها، أو يقول: أعرني دابتك أركبها، ولا يذكر له موضعا ولا حاجة، فهذا قال أصبغ- لا يحكم عليه بها.
وإن قال في المسألة الأولى: انكح وأنا أسلفك ما تصدقها، فإن رجع عن ذلك قبل أن ينكح من وعد له، قال أصبغ- يلزم ذلك ويحكم به عليه".
وفي الفروق " لو قال رجل لآخر: إن غرمائي يلزمونني بدين فأسلفني أقضهم فوعده المقابل، ثم بدا له الرجوع- فعلى رأي مذهب أصبغ الوفاء لأنه وعد على سبب، وعلى مذهب مالك ومن وافقه لا يجب. لأن الموعود له لم يدخل في شيء إلا إذا اعتقد منه الغرماء على موعد أو اشهد بإيجاب ذلك على نفسه.
و أدلة هذا المذهب الثالث:
قال أصحابه: إن النصوص الشرعية بهذا الأمر قد تعارضت تعارضًا حادًا فمنها: ما أوجب الوفاء بالوعد مطلقًا، أي سواء كانت مرتبطة بسبب أم لا، وسواء دخل الموعود له في ممارسة السبب أم لا، كلف الموعود له بتكلفة أم لم يكلف
…
وهي التي ساقها موجبو الوفاء بالوعد، كأحاديث النفاق ومنها- ما لم يوجب الوفاء به مطلقا، ولم يجعل إخلاف الوعد من الكذب كحديث أبي داود والترمذي والموطأ. كما فهمها الجمهور.
فاحتاج الموقف إلى تفصيل وتكييف وتوفيق بين الأدلة، لاسيما إذا لوحظ نحو قوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف 3] والتي قبلها، لأنها نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وما جاهدوا وفعلنا أنواع الخيرات وما فعلوا أو قالوا: لو حصل لنا كذا وكذا لنفعلن كذا وكذا ولا يوفون ولا شك أن هذا وأمثاله محرم لأنه كذب، فلاحظوا تلك الناحية، وكذلك لاحظوا كون مخلف الوعد منافقا وكاذبا فحملوا الإخلاف على ظاهره، كما لاحظوا أن تحويل التبرعات المجانية إلى ملازمات قضائية من غير سبب. فأرادوا الجمع بين الأدلة.
فوافقوا رأي من أوجب الوفاء بالوعد إذا كان الوعد مرتبطا على سبب وباشره الموعود له.
ووافقوا رأي من لم يلزم الوفاء بالوعد، فيما عدا ذلك من الوعود المجردة، كما ذكره القرافي في كتاب " الفروق".
وقال ابن الشاط في حاشيته على الفروق ما مؤداه " ينبغي الجمع بين الأدلة وتأويل ما يناقض ذلك، فيحمل حديث المالكي وأبي داود بما يتسق مع الآية وحديث خصال المنافق، وذلك بأن تكون المسامحة في إخلاف الوعد اضطرارًا ".
المبحث الرابع: الخلاصة:
الرأي الراجح:
لقد اتضح لنا من خلال ما نقلنا في بحثنا هذا عن أئمة الفقه المشهورين رحمهم الله: أن لهم اتجاهات ثلاثة حول الوفاء بالوعد.
- اتجاه الجمهور الذين يرون استحباب الوفاء بالوعد مطلقا وكراهة الإخلاف فيه كراهة شديدة، وعدم وجوب الوفاء به.
- واتجاه العلماء الذين يرون أن الوعد لازم، والوفاء به واجب.. إلخ.. وهم الذين قد قيل: إن أجلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة الفقيه المالكي، وعد منهم تقي الدين السبكي الشافعي، وغيرهم من العلماء الأجلاء.
- واتجاه العلماء الذين فصلوا الوعد إلى وعد مجرد، وغير مجرد. وهم أكثر المالكية.
وتبيين لنا – أيضا- من خلال ما استدل به كل فريق لرأيه من أدلة، وجاهة رأي القائلين بوجوب الوفاء بالوعد مطلقًا. ديانة وقضاء، سواء كان الوعد مقيدا بسبب أو غير مقيد، وذلك من حيث رجحان الأدلة التي استدلوا بها، فإنها أدلة صحيحة وقوية وواضحة كما لا يخفى.
وتبين لنا – أيضا- من ذلك كثرة هذا الفريق وثقل مذاهبهم وأئمتهم، أعني الحنفية قاطبة وغالبية علماء الشافعية، والحنابلة. والإمامية وغيرهم الذين ذهبوا إلى استحباب الوفاء بالوعد وكراهة الإخلاف فيه وعدم لزومه، وقد أجابوا عن أدلة الموجبين إجابات لم يقتنع بها كثير من الأصوليين.
ولكننا قد وجدنا أدلتهم التي استدلوا بها لرأيهم ونقلنا منها ما نقلناه فوجدناها أنها ليست رفيعة الدرجة، إن لم تكن ضعيفتها.
وقد ذكر الترمذي في سند الحديث الذي أخرجه أبو داود أيضًا من حديث زيد ابن أرقم أن فيه مجهولين.
ولم يسلم من الجرح شيء أو حديث واحد مما استدلوا من الأحاديث إلا حديث الموطأ، وقد عرفنا كيف فسره الآخرون.
وتبين لنا من ذلك- أيضا- وجاهة رأي القائلين بالتفصيل حيث توسطوا بين الفريقين، فوافقوا القائلين بالوجوب فيما إذا كان الوعد مصحوبا بسبب فقط، محترمين الأدلة الواردة.
ووافقوا الآخرين إذا كان الوعد مجردا فقط.
وبرأيي المتواضع: أؤيد أو أرجح رأي هؤلاء الذين يقولون بالتفصيل، وأوافقهم من حيث المبدأ من غير تعصب لمذهب.. ولكن لي ملاحظة حول هذا التفصيل لم أر إبداءها قبل أن أجد ما قال علماء القانون العصريون حول الوعود الدولية فإني لم أجد شيئا وأن قل ما قالوه.
فلذا أحببت أن أدخر ملاحظتي إلى وقت المناقشة، وفقني الله وإياكم إلى ما فيه الحق والصواب.
إنه ولي التوفيق.
الشيخ هارون خليف جيلي
أهم المراجع
1-
القرآن الكريم.
2-
التفسير العظيم لابن كثير.
3-
تفسير البيضاوي.
4-
تفسير الإمام الصاوي.
5-
صفوة التفاسير للصابوني.
6-
تفسير البيان للطبري (جـ2) .
7-
أحكام القرآن للجصاص.
8-
أحكام القرآن لابن العربي.
9-
المصباح المنير.
10-
مختار الصحاح.
11-
قاموس المحيط.
12-
المنجد في اللغة والأعلام.
13-
صحيح البخاري مع فتح الباري العسقلاني.
14-
صحيح البخاري مع عمدة القاري للعيني.
15-
سنن الترمذي.. تحفة الأحوذي.
16-
سنن أبي داود مع عون المعبود.
17-
إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
18-
الأذكار للنووى مع الفتوحات الربانية لابن علان (جـ1) .
19-
المحلى لابن حزم.
20-
الفروق للقرافي مع حاشيته لابن الشاط (جـ1) .
21-
فتح العلي المالك. لعليش (جـ1) .
22-
مغنى المحتاج للشربيني.
23-
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
24-
جامع العلوم والحكم لابن رجب.
25-
التفسير الوسيط لنخبة من العلماء.
26-
شرح صحيح مسلم للنووي.
27-
ياقوت النفيس لابن نفيس.
28-
الموطأ لإمام مالك.
29-
التمهيد لابن عبد البر.
30-
الفتاوى لابن تيمية.
31-
إغاثة اللهفان لابن القيم.