المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الخامس

- ‌حول تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور حسان حتحوت

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌تنظيم النسل أو تحديدهفيالفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي

- ‌تنظيم النسل ورأي الدين فيهإعدادالدكتور/ محمد سيد طنطاوي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ د. الطيب سلامة

- ‌رأي في تنظيم العائلةوتحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌مسألة تحديد النسلإعدادالدكتور محمد القري بن عيد

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالدكتور مصطفى كمال التارزي

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ رجب بيوض التميمي

- ‌تناسل المسلمينبين التحديد والتنظيمإعدادالدكتور أحمد محمد جمال

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ محمد بن عبد الرحمن

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالأستاذ تجاني صابون محمد

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالحاج عبد الرحمن باه

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادالشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌تحديد النسل وتنظيمهإعدادالشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌تنظيم النسل وتحديدهإعدادأونج حاج عبد الحميد بن باكل

- ‌تحديد النسلإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تنظيم النسل وتحديده فيالإسلامإعدادالدكتور دوكوري أبو بكر

- ‌تنظيم الأسرةفي المجتمع الإسلاميالاتحاد العالمي لتنظيم الوالديةإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

- ‌تنظيم النسلوثيقة من المجلس الإسلامي الأعلىبالجمهورية الجزائرية

- ‌قوة الوعد الملزمةفي الشريعة والقانونإعدادالدكتورمحمد رضا عبد الجبار العاني

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الوفاء بالوعدفي الفقه الإسلاميتحرير النقول ومراعاة الاصطلاحإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌الوفاء بالوعدإعداد الأستاذ الدكتور يوسف قرضاوي

- ‌الوفاء بالوعد وحكم الإلزام بهإعدادالشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌الوفاء بالوعد في الفقه الإسلاميبقلمالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌الوفاء بالعهد وإنجاز الوعدإعدادفضيلة الشيخ الحاج عبد الرحمن باه

- ‌الوفاء بالوعدإعدادالشيخ شيت محمد الثاني

- ‌المرابحة للآمر بالشراءبيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلاميةوحديث ((لا تبع ما ليس عندك))إعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌المرابحة للآمر بالشراءدراسة مقارنةإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌المرابحة للآمر بالشراءنظرات في التطبيق العمليإعدادالدكتور علي أحمد السالوس

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور سامي حسن محمود

- ‌نظرة شمولية لطبيعة بيعالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌بيع المرابحة للآمر بالشراءفي المصارف الإسلاميةإعداددكتور رفيق يونس المصري

- ‌نظرة إلى عقدالمرابحة للآمر بالشراءإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع المرابحة في الإصطلاح الشرعيوآراء الفقهاء المتقدمينفيهإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بحث السيد إيريك ترول شولتزعندراسة تطبيقية: تجربة البنك الإسلامي في الدنمارك

- ‌بحث الدكتورأوصاف أحمدعنالأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفيالإسلامي

- ‌تغير قيمة العملة في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور عجيل جاسم النشيمي

- ‌النقود وتقلب قيمة العملةإعدادد. محمد سليمان الأشقر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادأ0 د يوسف محمود قاسم

- ‌أثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزاماتإعدادد. على أحمد السالوس

- ‌تغير العملة الورقيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌تذبذب قيمة النقود الورقيةوأثره على الحقوق والالتزاماتعلى ضوء قواعد الفقه الإسلامي

- ‌تغيير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد على التسخيري

- ‌موقف الشريعة الإسلامية منربط الحقوق والالتزامات المؤجلة بمستوى الأسعارإعدادعبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌مسألة تغير قيمة العملةوربطها بقائمة الأسعارإعدادالدكتور محمد تقي العثماني

- ‌المعاملات الإسلامية وتغيير العملةقيمة وعينًاإعدادالشيخ/ محمد الحاج الناصر

- ‌تغير قيمة العملةإعدادالشيخ محمد علي عبد الله

- ‌تغير قيمة العملة والأحكامالمتعلقة فيها في فقه الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌بيع الاسم التجاريإعدادالدكتور عجيل جاسم النشمي

- ‌بيع الحقوق المجردةإعدادالشيخ محمد تقي العثماني

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌الحقوق المعنوية:حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاريطبيعتهما وحكم شرائهماإعدادالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌بيع الأصل التجاري وحكمهفي الشريعة الإسلاميةإعدادالشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الأصل التجاريإعدادالدكتور – محمود شمام

- ‌الحقوق المعنويةبيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور عبد الحليم محمود الجنديوالشيخ عبد العزيز محمد عيسى

- ‌الفقه الإسلامي والحقوق المعنويةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعهاإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بيع الاسم التجاري والترخيصإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكوالصور المشروعة فيهإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الإيجار المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌الإيجار الذي ينتهي بالتمليكإعدادالشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌الإجارة بشرط التمليك - والوفاء بالوعدإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأجير المنتهي بالتمليكإعدادالدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور يوسف القرضاوي

- ‌مسألة تحديد الأسعارإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌بحثتحديد أرباح التجارإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌تحديد أرباح التجارإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العرفإعدادالشيخ خليل محيى الدين الميس

- ‌ موضوع العرف

- ‌العرفإعدادالشيخ كمال الدين جعيط

- ‌نظرية العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم فاضل الدبو

- ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادد. عمر سليمان الأشقر

- ‌العرف (بحث فقهي مقارن)إعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌العرف في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور إبراهيم كافي دونمز

- ‌العرف بين الفقه والتطبيقإعدادمحمود شمام

- ‌العرف ودوره في عملية الاستنباطإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌العرفإعدادالدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌منزلة العرف في التشريع الإسلاميإعدادالشيخ محمد عبده عمر

- ‌تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةإعدادأ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

- ‌أفكار وآراء للعرض:المواجهة بين الشريعة والعلمنةإعدادالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌تطبيق الشريعةإعدادالدكتور صالح بن حميد

الفصل: ‌العرفإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

‌العرف

إعداد

الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

بسم الله الرحمن الرحيم

ذهب كثير من العلماء إلى أن العرف هو العادة وأنهما لفظان مترادفان معناهما واحد والعرف والعادة هو ما يغلب على الناس من قول أو فعل أو ترك، والعرف كما يذكر الأصوليون ينقسم إلى أقسام عدة هي:

العرف اللفظي أو القولي:

وهو أن يتعارف قوم إطلاق اللفظ على معنى غير المعنى الموضوع له أصلًا بحيث يتبادر إلى الأفهام ذلك المعنى عند النطق به من غير قرينة تبين ذلك (1) ومثال العرف القولي من باب الوقف قول الفقهاء في حبس يقول صاحبه (وهو حبس على ولدي) ، أنه يدخل فيه البنات إذا كان لفظ الولد يطلق على الذكر والأنثى في عرف بلد الواقف أو لم يكن هناك عرف، أما إذا كان عرفهم إطلاقه على الذكر فقط فإنه يختص بالذكور ولا يدخل فيه الإناث وإن كان معنى الولد لغة يعم الصنفين.

ويراعى العرف القولي وإن لم يوافق لغة العرب أو ما جاء في لسان الشارع، ومثال ذلك تعارف الناس في التفرقة بين اللحم والسمك فمن حلف ألا يأكل لحمًا، فأكل سمكًا لا يحنث حيث أن السمك لا يسمى في العرف لحمًا، وإن سمي به في قوله تعالى:{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} (2) .

ويعتد بالعرف القولي متى كان عامًّا لبلد أو قوم، وتحمل عليه ألفاظ المتكلمين من أهل تلك البلد بإطلاق سواء في ذلك العقود والالتزامات والأيمان والنذور، أما إذا كان العرف خاصًّا بالمتكلم دون قومه حمل لفظه عند المالكية على عرفه الخاص في الأيمان والنذور والطلاق، أما العقود والالتزامات العامة فإنما يرجع فيها إلى العرف العام أو الوضع اللغوي أن لم يكن هناك عرف عام.

(1) انظر الموافقات، للشاطبي: 2 /284.

(2)

[سورة فاطر: الآية 12] .

ص: 2627

العرف العملي:

وهو ما اعتاد الناس فعله في معاملاتهم وتصرفاتهم ومثال ذلك الزوجان يختلفان في المهر بعد البناء فيدعي الزوج أنه دفعه لها وتنكر الزوجة ذلك، فقد قال الإمام مالك رحمه الله: إن القول للزوج لأن العرف بالمدينة كان جاريًّا بدفع المهر قبل الدخول، وتطرد هذه القاعدة في كل بلد له مثل عرف أهل المدينة وكذلك عند المالكية من حاز عقارًا عشر سنين، ثم قام شخص يدعي استحقاق ذلك العقار دون تقديم حجة مقنعة على سكوته طيلة تلك المدة كغيابه أو عدم علمه فإنه لا ينتفع بالبينة التي تثبت له أصل الملك وذلك لأن العرف قد جرى بعدم سكوت شخص على ملكية آخر لأرض يملكها هو وكذلك فيما إذا سكتا عن تسمية المهر وكانت هناك عادة جارية بقدر الصداق فإنه يحكم بهذا القدر.

العرف الفعلي الخاص بفرد:

حكى فيه شهاب الدين القرافي الإجماع على عدم الاعتداد به وأنكر عليه بعض الفقهاء المالكية حكاية الإجماع هذه، وأوردوا أنه يمكن الاعتداد بالعرف الفعلي الخاص وساقوا لذلك مثلًا فيما إذا وكل أحد الناس آخرًا في شراء ثوب له، فاشترى له ما لا يناسب عادته، فإن الوكيل ملزم بما اشترى وليس الموكل.

العرف الجاري بالترك:

ومثال هذا هو تسامح الناس في ثمار الغصن الخارج عن حدود البساتين، فمن وجد شيئا من مثل هذا الثمر جاز له أكله دون توقف على إذن صاحب البستان وذلك لأن أصحاب البساتين يتسامحون في مثله ولا يتعرضون لمن يلتقطه.

حجية العرف:

لم نجد فيما ساقه الفقهاء من أدلة الحجية العرف دليلًا قويًّا من كتاب أو سنة كما لم نجد في نفس الوقت أي دليل ضد الأخذ بالعرف الصحيح الذي لا يتنافى مع الشريعة

بل هناك مزايا عدة في الأخذ بالعرف الصحيح لتسهيل مجرى العدالة والوصول إلى الحكم العادل بين الناس، ولذلك اعتبر الفقهاء على اختلاف مذاهبهم العرف وجعلوه أصلًا ينبني عليه شطر عظيم من أحكام الفقه (1) .

(1) الشيخ أبو سنة، العرف والعادة: ص 23

ص: 2628

ويقول الشيخ أبو زهرة: والفقه المالكي كالفقه الحنفي يأخذ بالعرف ويعتبره أصلًا من الأصول الفقهية فيما لا يكون فيه نص قطعي بل إنه أوغل في احترام العرف أكثر من المذهب الحنفي لأن المصالح المرسلة من دعامة الفقه المالكي في الاستدلال، ولا شك أن مراعاة العرف الذي لا فساد فيه ضرب من ضروب المصلحة لا يصح أن يتركه الفقيه بل يجب الأخذ به ولقد وجدنا المالكية يتركون القياس إذا خالفه العرف، وكذلك ورد عن القرطبي في باب الاستحسان أن من ضروبه ترك القياس لأجل العرف بل إن العرف يخصص العام ويقيد المطلق، عند المالكية (1) .

وقال العز بن عبد السلام الشافعي: (قاعدة الإيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب، فإن اضطراب فالرجوع إلى اللغة)، وقال: قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقًا ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف (2) .

ولا شك أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن لتقدير المجمع، هو كيفية الأخذ بالعرف واعتباره حكما صالحًا والعرف ينقسم في هذا الشأن إلى ثلاثة أقسام.

1-

ما يقوم الدليل الخاص على اعتباره كمراعاة الكفاءة في النكاح ووضع الدية على العاقلة في القتل الخطأ، والتحقيق أن الشريعة العادلة لا تجعل نفس العادة قانونًا إلا أن تكون العادة معقولة صالحة.

2-

ما يقوم الدليل على نفيه كعادة الجاهلية في التبرج وطوافهم بالبيت عراة ومناصرة الأخ لأخيه وإن كان ظالما.

3-

ما لم يقم الدليل الخاص على اعتباره أو نفيه، وهذا موضع نظر المجتهدين، فيذهب كثير منهم إلى مراعاته ويجعلونه أصلا من أصول الشريعة ليبنون عليه فتاوى وأحكاما، وأكثر ما تجد هذه الفتاوى في كتب المالكية والحنفية والحنابلة. وفي مراعاة مثل هذه الأعراف تسهيل على المسلمين فيما لا يتعارض مع الشريعة وتمكينهم من تكييف معاملاتهم وأوضاعهم بما يتناسب وبيئتهم من غير تعارض مع الشرع.

وهناك مسائل فقهية كثيرة بنيت على الاحتجاج بالعرف ومن ذلك تجويز المذاهب الأربعة لبيع المعاطاة، وقد جوزوه استنادًا على العرف لأن الشارع لم يوضح كيفية معينة للإيجاب والقبول بل ترك هذا كله للعرف، وحينئذ فإن المبيع يكون صحيحا بالمعاطاة. وكذلك تحديد الحرز في السرقة وهو بالجملة كل شيء جرت العادة بحفظ الشيء المسروق فيه. ومن هذه الحالات يتضح مدى أهمية العرف وصلته القوية بالشريعة الغراء.

(1) الشيخ أبو زهرة، الإمام مالك: ص 253.

(2)

نشر العرف: ص 3

ص: 2629

والسؤال الآن: هل يراعى العرف الفاسد كما إذا جرى عرف الناس ببعض العقود الفاسدة مثلًا؟

ذهب كثير من الفقهاء إلى عدم مراعاة العرف الفاسد، وهو ما أرى الأخذ به لأن في مراعاة العرف الفاسد إقرارًا للناس على ما هم عليه من جهل بالفقه أو من عدم التقيد بالشريعة في معاملاتهم. وفي عدم الأخذ بالعرف الفاسد تطهير للمعاملات من سيء الأفهام وخروج بالناس إلى سعة الشريعة وتهذيبها ورحمتها وتوطينهم عليها. قال العلامة أبو عبد الله بن شعيب أحد علماء تونس في القرن الثامن:(وغلبة الفساد إنما هي من إهمال حملة الشريعة ولو أنهم نقضوا عقود الفساد لم يستمر الناس على الفساد)، وقال الأستاذ الشيخ إبراهيم الرياض التونسي في إحدى فتاويه:(والعرف المعتبر هو ما يخصص العام ويقيد المطلق، وأما عرف يبطل الواجب ويبيح الحرام فلا يقول به أحد من أهل الإسلام) .

ومراعاة العرف تقتضي تغير الأحكام ودورانها مع اعتراف الناس متى ما تكرر العرف وشاع واطرد العمل به وكان عاما، ولم يعطل أو يعارض حكمًا ثابتًا بنص أو أصلا قطعيًّا من أصول الشريعة. ولقد عقد ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين فصلا بعنوان: تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد وساق أمثلة كثيرة على ذلك، ثم قال في نهاية الفصل بعد تقريره مذهب المالكية بالقول بالعرف:(وهذا محض الفقه من أفتى بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم، وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما يكونا على أديان الناس وأبدانهم، والله المستعان) .

ولا يعد اختلاف الأحكام باختلاف العادات اختلافا في أصل خطاب الشارع، بل معنى هذا الاختلاف أن العادات إذا اختلفت اقتضت كل عادة حكمًا يلائمها، فالواقعة إذا صحبتها عادة، اقتضت حكما غير الحكم الذي تقتضيه عندما تقترن بغيرها من العادات. ولهذا السبب ترى فقهاء المذاهب لا يأخذون بفتاوى أئتمهم القائمة على رعاية العرف متى تحققوا أن العرف قد تغير وأن الواقعة أصبحت تستحق حكما آخر غير ما قرره الأئمة من قبل. وقد عدل عدد من فقهاء المالكية في فتاويهم عن المشهور في المذهب وبنوها على العرف. قال شهاب الدين القرافي في قواعده:(إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك فلا تجبره على عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أيًّا كانت إضلال في الدين وجهل بمقاصد المسلمين والسلف الماضيين) .

ص: 2630

وكذلك ترى فقهاء الحنفية يخالفون ما نص عليه أبو حنيفة في مسائل بناها على عرف كان جاريا في زمنه، وقالوا في وجه هذه المخالفة: إن أبا حنيفة لو كان في زمنهم لما وسعه إلا أن يفتي بما أفتوا به ولم يعدوا التصرف في الأحكام القائمة على العرف خروجا عن المذهب، وإنما هو الأخذ بأصل إمامهم الذي يقتضى الرجوع إلى العرف في الأحكام.

وقد يذكر بعض الفقهاء العرف في سياق الاستدلال على جواز أمر ويريدون ما كان جاريا في عهد النبوة أو بين أهل العلم، وليس الدليل في الحقيقة نفس العرف وإنما هو إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أو الإجماع الذي لا ينعقد إلا عن دليل. ومثال هذا أن الإمام مالكًا خص قوله تعالى:

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [سورة البقرة: الآية 233] ، بغير ذوات الأقدار والشرف، وقال: إنه لا يجب على الشريفة إرضاع ولدها لأن العادة جارية بذلك، ولا يريد الإمام أن مجرد جريان العرف يسوغ هذا التخصص، وإنما أراد جريان العرف مع عدم إنكار أهل العلم من السلف فيرجع إلى الاستدلال بالإجماع. وقال بعض أهل العلم: عدم إرضاع الشريفة ولدها عادة عربية واستمر الأمر فيها بعد الإسلام إلى زمن مالك رضي الله عنه، ومن هذا القبيل اكتفاؤهم في صحة البيع بالمعاطاة مستندين إلى العادة، وقالوا إن استمرار هذه العادة يشهد بصحة نقلها خلفًا عن سلف ويغلب على الظن أنها كانت جارية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وقد نبه إلى ذلك أيضًا ابن السبكي رحمه الله، فقال في جمع الجوامع:(والأصح أن العادة بترك بعض الأمور تخصص إن أقرها النبي صلى الله عليه وسلم أو الإجماع) .

والذي نريد تقريره أخيرًا هو أن العرف أصل من الأصول التي يستند إليها في الوصول إلى الفتوى بالشروط والمواصفات المذكورة أعلاه وبمثل هذا الأصل يعلم أن الشريعة الإسلامية ملائمة لكل زمان ومكان، وليست كما يزعم الجهلاء أنها ضيقة المجال، فلا تفي بأحكام الحوادث، أو أنها قديمة العهد فلا تحفظ مصالح ما تجدد من الأزمان.

الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد.

(1) انظر البحر المحيط، لللزركشي

ص: 2631