الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَمُقَاتَلَةُ عَدُوِّهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَيُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ) مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (أَوْ هَبَطَ) نَزَلَ.
(وَادِيًا) أَيْ حَضِيضًا وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَسِيلًا فِيهِ الْمَاءُ (أَوْ لَقِيَ رَكْبًا) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ هُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ فِي السَّفَرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَلَيْسَ بِجَمْعِ رَاكِبٍ كَمَا تَوَهَّمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّكْبَ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ.
(وَ) يُكْثِرُ الْمُحْرِمُ التَّلْبِيَةَ (بِالْأَسْحَارِ) وَلَوْ قَالَ: أَوْ أَسْحَرَ أَيْ دَخَلَ وَقْتَ السَّحَرِ لَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ سُدُسُ آخِرِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَوَقْتِ الِاسْتِيقَاظِ.
[فَصْلٌ دَخَلَ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا]
فَصْلٌ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّ النَّهَارَ مُسْتَحَبٌّ (ابْتَدَأَ) مِنْهَا (بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ «النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» وَمِنْ هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَسْجِدِ لَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُرَادُ مِنْ دُخُولِهِ عليه الصلاة والسلام الْمَسْجِدَ عَلَى الْفَوْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ عِبَارَةِ الرَّاوِي كَمَا دَخَلَ مَكَّةَ الدُّخُولُ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِعَمَلٍ آخَرَ، وَيُقَدِّمُ فِي دُخُولِهِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتَك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَاغْلِقْ عَنِّي أَبْوَابَ مَعَاصِيكَ وَاجْنُبْنِي الْعَمَلَ بِهَا (فَإِذَا عَايَنَ) الْمُنَاسِبُ بِالْوَاوِ (الْبَيْتَ) الْحَرَامَ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ هُوَ عَلَمُ اتِّفَاقٍ لِهَذَا الْمَكَانِ الشَّرِيفِ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي بِتَقْبِيلِ عَتَبَتِهِ الْعَلِيَّةِ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَبِحُرْمَةِ جَمِيعِ الزَّائِرِينَ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ (كَبَّرَ) أَيْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي مِنْ الْبَيْتِ وَغَيْرِهَا (وَهَلَّلَ) أَيْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي نَوْعِ شِرْكٍ لِعَظَمَتِهِ ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَأَدْخِلْنَا بِفَضْلِك دَارَك دَارَ السَّلَامِ تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك هَذَا تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ وَمَنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا وَإِيمَانًا ثُمَّ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ إذَا رَآهُ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ هُنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يُوَقِّتْ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ وَرُوِيَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ
بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» (وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) الَّذِي كَانَ أَبْيَضَ مُضِيئًا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ لِيَحْتَجِبَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَنْ زِينَةِ الْعُقْبَى، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُ قَدْرُ شِبْرٍ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَاسْتَقْبَلَهُ) اسْتِحْبَابًا هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَهَا ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْحَجَرِ رَافِعًا لَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَيَسْتَقْبِلَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ وَعِنْدَ الْجَمْرِ (وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ الْحَجَرَ بِلَا تَصْوِيتٍ (إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ) بِأَحَدٍ (أَوْ يَسْتَلِمُهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُؤْذٍ، وَالِاسْتِلَامُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِفَمِهِ (أَوْ يَمَسُّهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (شَيْئًا) كَائِنًا (فِي يَدِهِ وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا لِلَّهِ تَعَالَى مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيَّك مُحَمَّدٍ عليه السلام لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدَيَّ وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْ عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ.
(وَيَطُوفُ) طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُقَالُ لَهُ: طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِلْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ وَيُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ حَالَ كَوْنِهِ (آخِذًا) أَيْ شَارِعًا (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ جَانِبَ يَمِينِهِ أَيْ يَمِينَ نَفْسِهِ حَالَةَ اسْتِقْبَالِهِ الْحَجَرَ وَهُوَ يَمِينُ الطَّائِفِ (مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ (وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ بِأَنْ جَعَلَهُ) أَيْ وَسَطَ الرِّدَاءِ (تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَأَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَيَكُونُ كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا وَالْأَيْسَرُ مُغَطًّى هُوَ تَفْسِيرُ الِاضْطِبَاعِ يُقَالُ: اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) حَتَّى لَوْ طَافَ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ لَكِنْ إنْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ
لَا يَجُوزُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ إلَى الشَّامِيِّ فِيهِ مِيزَابٌ عَلَى سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ مِنْ الْبَيْتِ قَرِيبٌ مِنْ رُبُعِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَطْمِ وَهُوَ الْكَسْرُ إمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ تُرِكَ حِينَ رُفِعَ الْبَيْتُ بِالْبِنَاءِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ طَرَحُوا عَلَيْهِ ثِيَابًا حِينَ طَافُوا بِهَا فَانْحَطَمَ بِالْمُرُورِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَقُولَ إذَا حَاذَى الْمُلْتَزَمَ: وَهُوَ الْجِدَارُ الَّذِي بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ: اللَّهُمَّ إنَّ لَك عَلَيَّ حُقُوقًا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ وَإِذَا حَاذَى الْبَابَ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَيْتُك وَهَذَا الْحَرَمَ حَرَمُك وَهَذَا الْأَمْنَ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِينَ بِك أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ فَأَعِذْنِي مِنْهَا وَإِذَا حَاذَى الْمَقَامَ عَلَى يَمِينِهِ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْعَائِذِ اللَّائِذِ بِك مِنْ النَّارِ حَرِّمْ لُحُومَنَا وَبَشَرَتَنَا عَلَى النَّارِ وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَإِذَا أَتَى مِيزَابَ الرَّحْمَةِ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا لَا يَزُولُ وَيَقِينًا لَا يَنْفَدُ وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام شَرْبَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الشَّامِيَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَعِنْدَ الْحَجَرِ إذَا بَلَغَهُ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي بِرَحْمَتِك وَأَعُوذُ بِرَبِّ هَذَا الْحَجَرِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) جَمْعُ شَوْطٍ أَيْ طَوَافَهُ مَفْعُولُ يَطُوفُ، لَوْ طَافَ ثَامِنًا عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ وَرَاءَ السَّوَارِي وَزَمْزَمَ لَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ (يَرْمُلُ) بِالضَّمِّ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَيُحَرِّكُ مَنْكِبَيْهِ (فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) جَمْعُ أُولَى (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْوَاطِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَلَوْ زَجَّهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ إلَى أَنْ يَجِدَ فُرْجَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الطَّوَافِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ إلَيْهِ بَدَلٌ لَهُ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ زَحَمُوا يَمْشِيَ حَتَّى يَجِدَ الرَّمَلَ (وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا يَرْمُلَ لَكِنْ لَوْ رَمَلَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَرَّ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ إنْ اسْتَطَاعَ وَإِلَّا يَسْتَقْبِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ (وَيَخْتِمُ طَوَافَهُ
بِالِاسْتِلَامِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ ذَلِكَ (وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُسَنُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالدَّلَائِلُ مِنْ السُّنَّةِ تَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ، وَالسِّرَاجِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَالشَّامِيَّ.
(ثُمَّ يُصَلِّي) فِي وَقْتٍ يُبَاحُ فِيهِ التَّطَوُّعُ (رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ وَهُوَ حِجَارَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ عِنْدَ إتْيَانِ هَاجَرَ وَوَلَدِهِ وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ (أَوْ حَيْثُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (تَيَسَّرَ) لَهُ (مِنْ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ جَازَ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ (وَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَانِ (وَاجِبَتَانِ) عِنْدَنَا (بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي النَّظْمِ وَالنُّتَفُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (وَهَذَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الْقُدُومِ (سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَأَقْنِعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَنِي وَاخْلُفْ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ لِي بِخَيْرٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (يَعُودُ) إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
(وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) كَمَا مَرَّ (وَيَخْرُجُ) عَلَى السَّكِينَةِ بَعْدَمَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَقُولَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ لَكِنْ الْأَوْلَى مِنْ بَابِ الصَّفَا لِخُرُوجِهِ عليه السلام مِنْهُ (إلَى الصَّفَاءِ) وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ) حَتَّى يُشَاهِدَ الْبَيْتَ.
(وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ) أَيْ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ لَكِنْ إنْ لَمْ يَمْكُثْ يُجْزِيهِ (وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ) وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ يَقُولُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِأَفْضَلِ الصَّلَوَاتِ وَأَكْمَلِ التَّحِيَّاتِ (رَافِعًا يَدَيْهِ لِلدُّعَاءِ وَيَدْعُو) لِرَبِّهِ بِحَاجَتِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ إذَا كَانَتْ نَافِعَةً (بِمَا شَاءَ) .
وَلَوْ قَالَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ (ثُمَّ يَنْحَطُّ) أَيْ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا قَاصِدًا (نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى مَهَلٍ) أَيْ عَلَى سَكِينَةٍ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَرْكَبَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ
وَلَا يُحْمَلُ كَمَا فِي الطَّوَافِ (فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ الْوَادِي بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِلسَّعْيِ مَنْحُوتَتَانِ عَنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلًا بِهِ (الْأَخْضَرَيْنِ) عَلَى التَّغْلِيبِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا أَحْمَرُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْ أَصْفَرُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (سَعَى سَعْيًا) شَدِيدًا بِقَدْرِ مَا يُقْرَأُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ (حَتَّى يُجَاوِزَهُمَا) وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ مَشَى عَلَى السَّكِينَةِ فِي جَانِبَيْ الْمِيلَيْنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَقُولُ فِي مَشْيِهِ: اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي فِي سُنَّتِك وَسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (وَيَفْعَلُ عَلَى الْمَرْوَةِ) إذَا وَصَلَ إلَيْهَا (كَفِعْلِهِ عَلَى الصَّفَا) مِنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِهِمَا (وَهَذَا شَوْطٌ) وَاحِدٌ (فَيَسْعَى بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَقَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ هُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا فَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ.
(ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ) إنْ قَدِمَ أَيَّامَ الْحَجِّ (مُحْرِمًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا نُسِخَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَلَقَ وَحَلَّ (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا أَرَادَ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ لِلْغُرَبَاءِ وَيُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا يَرْمُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ السَّعْيِ.
(فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَطَبَ الْإِمَامُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ أَوْ نَائِبُهُ (خُطْبَةً) بِلَا جِلْسَةٍ فِي وَسَطِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) وَهِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَاتٍ وَالصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ فِيهَا وَالْإِفَاضَةِ، وَالْمَنَاسِكُ جَمْعُ الْمَنْسَكِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا فِي الْأَصْلِ الْمُتَعَبَّدُ وَيَقَعُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ.
(وَكَذَا يَخْطُبُ) الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ مُعَلِّمًا لِلْمَنَاسِكِ الَّتِي مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى زَوَالِ يَوْمِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالنَّحْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فِي) الْيَوْمِ (التَّاسِعِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ (بِعَرَفَاتٍ) بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ فَإِنَّهَا مُنْصَرِفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ مَنْعُ صَرْفِهِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ تَنْوِينَ الْجَمْعِ تَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ لَا التَّمَكُّنُ فَصَارَ اسْمًا لِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُقَالُ لَهُ: عَرَفَةُ وَقِيلَ أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُرْتَجِلَةِ فَإِنَّ عَرَفَةَ
لَا تُعْرَفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَ) يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بِلَا جِلْسَةٍ بَعْدَ الظُّهْرِ مُعَلِّمًا لِبَاقِي الْمَنَاسِكِ الَّذِي هُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالنُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ ثُمَّ بِمَكَانِ الْوَاوِ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى.
(فِي) الْيَوْمِ (الْحَادِيَ عَشَرَ بِمِنًى) يَفْصِلُ بَيْنَ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ.
وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ: أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَآخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلِيلَ عليه الصلاة والسلام رَأَى لَيْلَةً كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُك بِذَبْحِ ابْنِك هَذَا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى أَيْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ أَمْ لَا فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ عَرَفَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ أَنَّهُ مِنْهُ تَعَالَى فَسُمِّيَ عَرَفَةَ ثُمَّ رَآهُ فِي اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ فَهَمَّ بِنَحْرِ وَلَدِهِ فَسُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ (خَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) .
وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِذَا دَخَلَ مِنًى يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا مِنِّي وَهَذَا مِمَّا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِعِ الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت عَلَى أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْتُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِك. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ (فَيُقِيمُ بِهَا) أَيْ بِمِنًى (إلَى صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَيَمْكُثَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا سُنَّةٌ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ) فَيُقِيمُ بِهَا وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مِنًى تَقْرِيبًا وَيَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَجِهَةَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ أَرَدْتُ فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي وَبَارِكْ لِي فِي سَفَرِي وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي بِذَلِكَ فَإِنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيُلَبِّي وَيُكَبِّرُ، وَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يَدْعُوَ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَوَجْهَكَ أَرَدْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَاعْطِنِي سُؤَالِي وَوَجِّهْ لِي الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ) بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ وَيُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (كَالْجُمُعَةِ وَعَلَّمَ فِيهِمَا الْمَنَاسِكَ وَصَلَّى بَعْدَ الْخُطْبَةِ) أَيْ عَقِيبَهَا (بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا بِأَذَانٍ) وَاحِدٍ أَيْ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قِيلَ يَرَاهُ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ الصُّعُودِ فِي رِوَايَةٍ.
وَفِي أُخْرَى بَعْدَ الْخُطْبَةِ (وَإِقَامَتَيْنِ) فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا يَنْفُلُ» فَإِنْ فَعَلَ يُثْنِي الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعَادُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ
قَدْ جَمَعَهُمَا.
وَفِي الْبَحْرِ لَا يُصَلِّيَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْتَفِلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ تَنَفَّلَ سِوَى سُنَّةِ الظُّهْرِ يُثْنِي الْأَذَانَ لِعَصْرٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ وَأَكْثَرَ إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ تَأَمَّلْ.
(وَشَرْطُ الْجَمْعِ) أَيْ لِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (صَلَاتُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ بِدُونِ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فِيهَا ثُمَّ أَحْرَمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِجَمَاعَةٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَجُوزُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا الْجَمَاعَةُ لَا فِيهِمَا وَلَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي الْعَصْرِ وَحْدَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَ) شَرْطُ (كَوْنِهِ مُحْرِمًا) لِلْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ فِي أُخْرَى (فِيهِمَا) أَيْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقَالَ زُفَرُ: الْإِمَامُ وَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ (يَقِفُ) الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ (رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ) وَهُوَ أَفْضَلُ (بِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (السُّنَّةُ قُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ جَبَلَ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْزِلَةُ الرَّحْمَةِ عَلَى الْحُجَّاجِ خُصُوصًا إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَالَ سَعْدِيٌّ أَفْنِدِي وَقَعَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً مِنْ غَيْرِ جُمُعَةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّأِ وَأَفْضَلُ الْمَوَاقِفِ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَاتِ فِي طُرُقِ جُبَيْلَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي كَأَنَّهَا الرَّوَابِي الصِّغَارُ عِنْدَ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ (وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ عَنْ يَسَارِ الْمَوْقِفِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَدْ رَأَى الشَّيْطَانَ فِيهَا وَأُمِرَ أَنْ لَا يَقِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ احْتِرَازًا عَنْهُ.
(وَيَسْتَقْبِلُ) الْإِمَامُ (الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ بَاسِطًا) أَيْ رَفْعَ بَسْطٍ (حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا) لِمَا يَجِبُ (بِحَاجَتِهِ بِجَهْدٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ حُضُورُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ قِيلَ وَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تُبَاهِي الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهُمَّ إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي وَتَعْلَمُ سِرِّيَّ وَعَلَانِيَتِي لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْمَغْرُورُ أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمَسَاكِينِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ
وَأَدْعُوَك دُعَاءَ الْخَائِفِ الْفَقِيرِ وَمَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَغِمَ أَنْفُهُ وَلَا تَجْعَلنِي بِدُعَائِك رَبِّي شَقِيًّا وَكُنْ لِي رَءُوفًا رَحِيمًا يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَيَا أَكْرَمَ مَأْمُولٍ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا قَدَّمْتُ مِنْ ذَنْبِي وَتَغْفِرَ لِي مَا عَلِمْتُ مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَتَعْصِمَنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّاعَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي وَتَفْتَحَ لِي أَبْوَابَ طَاعَتِك وَتُغْلِقَ عَنِّي أَبْوَابَ مَعْصِيَتِك وَتَحْفَظَنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَمِنْ يَمِينِي وَشِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَتَحْتِي وَتُلْبِسَنِي ثِيَابَ التَّقْوَى وَالْعَافِيَةِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَتَرْحَمَنِي إذَا تَوَفَّيْتنِي وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِك يَا فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ضَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ يَسْأَلُونَك الْحَاجَاتِ وَحَاجَتِي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي فِي دَارِ الْبَلَاءِ إذَا نَسِيَنِي الْأَهْلُ وَالْأَقْرَبُونَ اللَّهُمَّ إلَيْك خَرَجْنَا وَبِفِنَائِك أَنَخْنَا وَإِلَيْك قَصَدْنَا وَمَا عِنْدَك طَلَبْنَا وَلِإِحْسَانِك تَعَرَّضْنَا وَلِرَحْمَتِك رَجَوْنَا وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْنَا وَبَيْتَك الْحَرَامَ حَجَجْنَا يَا مِنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ اللَّهُمَّ إنَّا أَضْيَافُك وَلِكُلِّ ضَيْفٍ قِرًى فَاجْعَلْ قِرَانَا مِنْكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَلِكُلِّ سَائِلٍ عَطِيَّةٌ وَلِكُلِّ رَاجٍ ثَوَابٌ وَلِكُلِّ مُتَوَكٍّ إلَيْك عَفْوٌ وَقَدْ وَفَدْنَا إلَى بَيْتِك الْحَرَامِ وَأَوْقَفْنَا بِهَذِهِ الْمَشَاعِرِ الْعِظَامِ وَشَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاهِدِ الْكِرَامِ رَجَاءً لِمَا عِنْدَك فَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا وَاعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ النَّارِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ وَهَذَا إجْمَالٌ فِي ذِكْرِ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ وَالْغَرَضُ الْإِرْشَادُ إلَى كَيْفِيَّتِهِ لَا الْحَصْرُ وَكُلُّ دُعَاءٍ يَعْلَمُهُ يَدْعُو بِهِ وَكُلُّ حَاجَةٍ فِي صَدْرِهِ يَسْأَلُ اللَّهَ إيَّاهَا وَيَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدُّمُوعِ وَيَدْعُوَ لِأَبَوَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِمَعَارِفِهِ وَيُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وَهِيَ مَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَلِيلٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ اُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَاجْعَلْنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ آمِينَ (وَيَقِفَ النَّاسُ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِقُرْبِهِ) وَهُوَ أَيْ الْقُرْبُ أَفْضَلُ (مُسْتَقْبِلِينَ) إلَى الْقِبْلَةِ (سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) لِلتَّعَلُّمِ بِمَا يُعَلِّمُهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَاللَّيَالِي كُلُّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ عَرَفَةَ (ثُمَّ يُفِيضُونَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الزِّحَامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزُوا حُدُودَ عَرَفَاتٍ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ لَكِنْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ الْقَلِيلُ لِلزِّحَامِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً يُسْرِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُثْنِي سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَقُولَ إذَا دَنَا وَقْتُ الْغُرُوبِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ
الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِيهِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي وَاجْعَلْنِي الْيَوْمَ مُفْلِحًا مُنَجَّحًا مَرْحُومًا مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ مَغْفُورَ الذُّنُوبِ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَكْرَمِ وَفْدِكَ وَاعْطِنِي أَفْضَلَ مَا أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْغُفْرَانِ وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ وَبَارِكْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَسْجِدِ عَرَفَاتٍ (وَيَنْزِلُ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُ جَبَلٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَازَحَ بِمَعْنَى ارْتَفَعَ وَلَا يَنْزِلْ عَلَى طَرِيقٍ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَيَقُولَ عِنْدَ دُخُولِ مُزْدَلِفَةَ: اللَّهُمَّ هَذَا جَمْعٌ أَسْأَلُك أَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ جَوَامِعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا غَيْرُك اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَبِّ الزَّمْزَمِ وَالْمَقَامِ وَرَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبِّ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْعِظَامِ أَسْأَلُك أَنْ تُبَلِّغَ عَلَى رُوحِ مُحَمَّدٍ مِنِّي أَفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ وَأَنْ تُصْلِحَ دِينِي وَذُرِّيَّتِي وَتَشْرَحَ لِي صَدْرِي وَتُطَهِّرَ قَلْبِي وَتَرْزُقَنِي الْخَيْرَ الَّذِي كُنْتُ سَأَلْتُكَ وَأَنْ تَقِيَنِي مِنْ جَوَامِعِ الشَّرِّ كُلِّهِ إنَّك وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ.
(وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَتَبَادَرُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَغْرِبَ عَلَى الْعِشَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ أَعَادَ الْعِشَاءَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ وَأَنْ لَا تَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.
وَلَوْ تَطَوَّعَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لَا الْجَمَاعَةُ عِنْدَهُ، وَيُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لَا الْإِمَامُ عِنْدَهُمَا (بِأَذَانٍ) وَاحِدٍ.
(وَإِقَامَةٍ) وَاحِدَةٍ وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِإِقَامَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَعَنْهُ بِأَذَانَيْنِ أَيْضًا، وَإِذَا فَرَغَ يَقُولُ اللَّهُمَّ حَرِّمْ لَحْمِي وَشَعْرِي وَدَمِي وَعَظْمِي وَجَمِيعَ جَوَارِحِي عَلَى النَّارِ وَيَسْأَلُ إرْضَاءَ الْخُصُومِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ ذَلِكَ لِمَنْ طَلَبَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِعَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا طَلَعَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَصْلًا لَكِنَّهُ مُسِيءٌ.
(وَيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيَنْبَغِي إحْيَاءُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ الصَّالِحَةِ وَالْأَذْكَارِ الْفَاتِحَةِ وَيَخْتِمُ الْكُلَّ بِالْفَاتِحَةِ (فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى) الْفَجْرَ مُلْتَبِسًا (بِغَلَسٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ الْمُخْتَلِطَةِ بِضَوْءِ الصُّبْحِ لِيَحْصُلَ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ (وَوَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَصَنَعَ كَمَا فِي عَرَفَةَ) مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَرَفْعِ الْيَدِ بَسْطًا وَحَمْدِهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ وَالدُّعَاءِ لِحَاجَتِهِ بِجَهْدٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ وَخَيْرُ مَرْغُوبٍ إلَيْهِ إلَهِي لِكُلِّ ضَعِيفٍ قُوًى فَاجْعَلْ قُوَايَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ تَتَقَبَّلَ تَوْبَتِي وَتَجَاوَزْ عَنْ خَطِيئَتِي وَتَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى
أَمْرِي وَتَجْعَلَ الْيَقِينَ مِنْ الدُّنْيَا هَمِّي اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَأَجِرْنِي مِنْ النَّارِ وَوَسِّعْ عَلَيَّ الرِّزْقَ الْحَلَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِي أَبَدًا مَا أَحْيَيْتَنِي فَإِنِّي لَا أُرِيدُ إلَّا رَحْمَتَكَ وَلَا أَبْتَغِي إلَّا رِضَاكَ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِك وَالْعَامِلِينَ بِفَرَائِضِك الَّتِي جَاءَ بِهَا كِتَابُك وَحَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا) لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ (وَادِي مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعٌ عَلَى يَسَارِ الْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ بَلْ يُمْشَى فِيهِ سَرِيعًا فَكَأَنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَالتَّحْسِيرُ الْإِتْعَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِذَا أَسْفَرَ نَفَرَ) أَيْ خَرَجَ (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى) .
وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالسِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَوَّلَهُ الْكَافِي بِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الطُّلُوعِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ تَغْلِيظُ الْهِدَايَةِ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الدَّفْعِ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْتُ وَمِنْ عَذَابِكَ أَشْفَقْتُ وَإِلَيْك تَوَجَّهْتُ وَمِنْكَ رَهِبْتُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام مَا أَمْكَنَ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ.
(فَيَبْدَأُ) أَيْ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ (فِيهَا) أَيْ فِي مِنًى (بِرَمْيِ جَمْرَةٍ) لَا بِوَضْعٍ وَذَا لَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ بَلْ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى، وَالْقُرْبُ قَدْرُ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: حَدُّ الْبَعِيدِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ (الْعَقَبَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ ثَالِثَةُ الْجَمَرَاتِ عَلَى حَدِّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ وَلَيْسَ مِنْ مِنًى وَيُقَالُ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَالْجَمْرَةُ الْأَخِيرَةُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) أَيْ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَيَجْعَلُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) أَيْ يَرْمِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَمَى جُمْلَةً لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ فَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ لَا بِالْأَقَلِّ (كَحَصَى الْخَذْفِ)
بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ، وَلَوْ رَمَى بِأَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْمِيُّ مَغْسُولًا مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ الْجَمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلِاسْتِهَانَةِ فَيَجُوزُ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ لَا بِالشَّجَرِ واللعل وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهَانَةَ لَا تَقَعُ بِمِثْلِهَا.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ جَوَازُ نَحْوِ الْيَاقُوتِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ نُثَارٌ وَإِعْزَازٌ لَا إهَانَةٌ. وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَقِيلَ يَأْخُذُ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ وَقِيلَ يُحَلِّقُ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مِفْصَلِ إبْهَامِهِ وَقِيلَ يَرْمِي رَمْيَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ مَشَايِخِ بُخَارَى أَنَّهُ يَرْمِي كَيْفَ يَشَاءُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ هَذَا الرَّمْيِ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ - الْجَوَازُ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا.
وَالثَّانِي - الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ.
وَالثَّالِثُ - الْإِبَاحَةُ وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ.
وَالرَّابِعُ - الْكَرَاهَةُ وَهُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ هَذَا الرَّمْيُ مِنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ (يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا.
وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الذِّكْرِ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا أَجْزَأَهُ.
(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقِفْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
(ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ إلَّا تَطَوُّعًا (ثُمَّ يَحْلِقُ) رَأْسَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَلْقُ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ كَمَا أَنَّ حَلْقَ الْكُلِّ أَفْضَلُ مِنْ حَلْقِ الرُّبُعِ (أَوْ يُقَصِّرُ) التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ، وَيَجِبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُهُ عَلَيْهِ سَقَطَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ وَلَوْ بِالنَّارِ أَوْ بِالنُّورَةِ، وَلَمْ يُعْذَرْ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْحَلَّاقَ أَوْ الْمُوسَى فَإِذَا مَضَى أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَلْمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَالدُّعَاءُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ مَعَ التَّكْبِيرِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا وَلَوْ فَعَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ) كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَخْذِ هَذَيْنِ (غَيْرُ النِّسَاءِ) أَيْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ جِمَاعُهُنَّ وَدَوَاعِيهِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ لَا النَّظَرِ فِي فَرْجِهَا فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَنْزَلَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ وَالصَّيْدُ أَيْضًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «إذَا حَلَقَ الْحَاجُّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَقَالَتْ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الطِّيبَ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَضَعِيفٌ تَدَبَّرْ (ثُمَّ يَذْهَبُ مِنْ يَوْمِهِ) وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ إنْ اسْتَطَاعَ (أَوْ الْغَدِ) أَيْ غَدِ يَوْمِ النَّحْرِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ) سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَهَذَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ (بِلَا رَمَلٍ) بِالتَّحْرِيكِ (وَلَا سَعْيٍ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (إنْ كَانَ قَدَّمَهُمَا) فِي طَوَافِ الْقُدُومِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ (رَمَلَ فِيهِ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ.
(وَسَعَى بَعْدَهُ) وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَكَذَا الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَلَوْ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّ عَمَلَهُ يَتَأَخَّرُ فِي حَقِّهِنَّ إلَى الطَّوَافِ، فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَخَّرَ عَمَلَهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
(وَوَقْتُهُ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ لَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبَ الدَّمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (أَفْضَلُ) لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (تَأْخِيرُهُ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَيَرْمِي الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ إلَى الْغُرُوبِ اسْتِحْبَابًا وَإِلَى آخِرِ اللَّيْلِ جَوَازًا (يَبْدَأُ) فِي الرَّمْيِ (بِاَلَّتِي) أَيْ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي (تَلِي الْمَسْجِدَ) أَيْ مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ (فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ (وَيَدْعُو) لِحَاجَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِغْفَارُ لِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَأَقَارِبِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِيهَا) أَيْ تَلِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْوُسْطَى وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا وَيَدْعُو (ثُمَّ) يَبْتَدِئُ (بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) أَيْ يَرْمِي مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَبَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْوُسْطَى أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَدْعُو (إلَّا أَنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا)
أَيْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ (ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الثَّانِي (ثُمَّ إنْ شَاءَ نَفَرَ) أَيْ رَجَعَ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ وَلَهُ) أَيْ لِلْحَاجِّ (ذَلِكَ) أَيْ النَّفْرُ (قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ النَّفْرُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (حَتَّى يَرْمِيَ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ (وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ) بِمِنًى (فَرَمَى كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (وَهُوَ أَحَبُّ) أَيْ الْمُكْثُ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام مَكَثَ فِيهِ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ.
(وَإِنْ رَمَى فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ (قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ (وَجَازَ) لِلرَّامِي (الرَّمْيُ رَاكِبًا وَرَاجِلًا) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَغَيْرَ رَاكِبٍ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) ، فَإِنَّ رَمْيَهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِهِ فَضِيلَةَ الِاتِّبَاعِ لَهُ عليه السلام (وَيَبِيتُ لَيَالِي الرَّمْيَ بِمِنًى) فَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاجِبٌ (وَكُرِهَ تَقْدِيمُ ثَقَلَهُ) الثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَتَاعُ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْجَمْعُ أَثْقَالٌ (إلَى مَكَّةَ قَبْلَ نَفْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(فَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الصَّادِ اسْمُ مَوْضِعِ وَادٍ وَاسِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَيُسَمَّى الْأَبْطُحَ (وَلَوْ سَاعَةً) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَزَلَ بِهِ سَاعَةً يَسِيرَةً وَدَعَا فِيهِ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ، وَالنُّزُولُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ (فَإِذَا أَرَادَ الظَّعْنَ) أَيْ السَّفَرَ وَالرَّحِيلَ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ مَكَّةَ (طَافَ لِلصَّدَرِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ وَطَوَافَ آخِرِ الْعَهْدِ وَطَوَافَ الْوَاجِبِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَلَا سَعْيٍ) ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ تَشَاغَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ وَمَنْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَطُوفُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ طَافَ لِلصَّدَرِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالُوا: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا إنْ اقْتَدَرَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ
لِلْفُقَرَاءِ وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الصَّدَرِ (وَاجِبٌ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَلَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدَرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ (إلَّا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) هَذِهِ مُسْتَدْرَكَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ اتِّبَاعًا لِأَكْثَرِ الْمُتُونِ تَتَبَّعْ.
(ثُمَّ يَسْتَقِي) بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ (مِنْ) بِئْرِ (زَمْزَمَ وَيَشْرَبُ) مِنْ مَائِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسُ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعُ بَصَرَهُ كُلَّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (ثُمَّ يَأْتِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ (وَيُقَبِّلُ الْعَتَبَةَ) تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (وَيَضَعُ صَدْرَهُ وَبَطْنَهُ وَخَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ مَا (بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) مَسَافَةُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ (وَيَتَشَبَّثُ) أَيْ يَتَعَلَّقُ (بِالْأَسْتَارِ) أَيْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ (سَاعَةً) كَالْمُتَعَلِّقِ بِطَرَفِ ثَوْبٍ لِمَوْلًى جَلِيلٍ لِلِاسْتِعَانَةِ فِي أَمْرٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَبِيلٌ (وَيَدْعُو) حَالَ كَوْنِهِ (مُجْتَهِدًا) فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْإِجَابَةِ (وَيَبْكِي) أَوْ يَتَبَاكَى مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ قَائِلًا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ (وَيَرْجِعُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (الْقَهْقَرَى) رُجُوعًا إلَى خَلْفٍ نَاظِرًا إلَى الْبَيْتِ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) هَذَا بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ وَقَدْ شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَتَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ